متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان و الواحد و الثلاثون من المختار فى باب الخطب
ألا إنّ اللّسان بضعة من الإنسان فلا يسعده القول إذا امتنع ،
و لا يمهله النّطق إذا اتّسع ، و إنّا لامراء الكلام ، و فينا تنشّبت عروقه ، و علينا تهدّلت غصونه ، و اعلموا رحمكم اللّه أنّكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل ، و اللّسان عن الصّدق كليل ، و اللاّزم للحقّ
[ 32 ]
ذليل ، أهله معتكفون على العصيان ، مصطلحون على الإدهان ، فتاهم عارم ، و شائبهم آثم ، و عالمهم منافق ، و قارئهم مماذق ، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم ، و لا يعول غنيّهم فقيرهم .
اللغة
( البضعة ) بالفتح و قد يكسر : القطعة من اللّحم ( فلا يسعده ) أي لا يعينه ( تنشبت ) : تعلقت و في نسخة انتشبت أي اعتلقت ، و الاولى اولى لمكان تهدّلت كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ( تهدّلت غصونه ) : أي تدلّت فروعه ( عكفت ) بالمكان أى أقمت به ملازما له و اعتكف أي احتبس و توقّف و لبث و المعتكف علي العصيان أي الملازم المداوم عليه و الاعتكاف في الشّرع اللّبث في مكان مخصوص للعبادة على ما بيّن في محلّه من الشروط يقال ( اصطلحوا ) على ذلك أي اتفقوا عليه .
( الادهان ) : الغش و النفاق و المداراة و الكفر و الرّكون و اظهار خلاف ما تضمر كالمداهنة و المصانعة قال اللّه تعالى في القلم « ودّوا لو تدهن فيدهنون » و معنى الأخير هنا أشبه و انسب . ( و الفتى ) الشابّ الحدث .
و ( العارم ) الشرس الاشر سييء الأخلاق الموذي البطر و جمعه عرمة كطالب و طلبة و الفعل من كرم و الاصول الثلاثة و ( الشائب ) من الشيب و هو بياض الشّعر مقابل الفتى .
( القاري ) : الناسك المتعبد و قارىء القرآن الكريم و غيره من الصحف و لكن المراد ههنا هو الأوّل أعني الزاهد المتعبد لانّه في قبال العالم في قوله عليه السّلام :
عالمهم منافق .
[ 33 ]
( مذق ) الودّ لم يخلصه و هو مذّاق ، و ماذقه مذاقا و مماذقة في الودّ لم يخلص له فهو مماذق أي غير مخلص ، و الضمير في يسعده و يمهله يعود إلى اللّسان و في امتنع و اتّسع يؤل إلى الانسان .
الاعراب
كلمة من للتبعيض ، و الفاء رابطة للجواب بالشرط المقدر ، و التقدير إذا كان اللّسان بضعة من الانسان فلا يسعده القول إذا امتنع .
جواب إذا امتنع قدم عليه و هو لا يسعده القول أي إذا كان اللّسان بضعة من الانسان فإذا امتنع اللّسان لا يسعد الإنسان القول ، و كذا الجملة التالية .
و اللاّم في لامراء لام ابتداء تصحب خبر إنّ المكسورة للتأكيد في الجملة المثبتة دون المنفية إلاّ نادرا و انّما اخرت إلى الخبر لانّ القصد بها التّأكيد و ان للتأكيد أيضا فكرهوا الجمع بينهما و في الفية ابن مالك
و بعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء نحو انى لوزر
و فينا متعلّق بقوله تنشبت قدّم توسعة للظرف و كذا القياس في عينا تهدّلت غصونه .
جملة رحمكم اللّه معترضة وقع في البين ، و جملة انكم اه في محلّ النصب مفعول اعلموا ، و جملة القائل فيه بالحقّ قليل في محلّ الجرّ تكون صفة لزمان و الظرفان أعني فيه و بالحقّ متعلّقان بالقائل و الجملات العشر الآتية معطوفة على القائل فيه بالحق قليل فكلّها وقعت صفة لزمان .
مصطلحون خبر بعد الخبر لأهله .
المعنى
هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السّلام في واقعة اقتضت ذلك و هي أنّه أمر ابن اخته جعدة بن هبيرة المخزومي ان يخطب النّاس يوما فصعد المنبر فحصر و لم يستطع الكلام فقام عليه السّلام فتنسّم ذروة المنبر و خطب خطبة ذكر الرّضى رضوان اللّه
[ 34 ]
عليه منها هذه الكلمات .
و في اسد الغابة جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم القرشي المخزومي ولي خراسان لعليّ عليه السّلام و هو ابن اخته امّه امّ هاني بنت أبي طالب ، ولدت امّ هاني بنت أبي طالب من هبيرة ثلاث بنين جعدة و هاني و يوسف و قيل أربعة ، و قيل إنّ جعدة هو القائل :
أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا و من هاشم امي لخير قبيل فمن ذا الّذي يأتي علىّ بخاله كخالي علىّ ذي الندى و عقيل
و في مجالس المؤمنين للقاضي نور اللّه نوّر اللّه مرقده : قال عبيدة بن أبي سفيان ذات يوم من أيّام حرب صفين لجعدة بن هبيره إن هذه الشجاعة و الجرأة الّتي تبرز منك في الحرب إنّما كانت من جانب خالك ، فأجابه لو كان خالك كخالي لنسيت أباك .
فنقول : لا يخفى أن المدرك بجميع الإدراكات المنسوبة إلى القوى الانسانية هو القلب أعني النفس الناطقة و هي أيضا المحرّكة لجميع التحريكات الصّادرة عن القوى المحرّكة الحيوانيّة و النباتيّة و الطبيعية و انّ الحواس الظاهرة و الباطنة كلّها آلات و عمّال و جنود لها بعضها يرى بالابصار و هي الأعضاء و الجوارح و بعضها لا يرى إلاّ بالبصائر و هي القوى و الحواس و جميع تلك القوى مجبولة على طاعة القلب و مسخرة له و هو المتصرف فيها لا تستطيع له خلافا و عليه تمردا ، فإذا أمر العين للانفتاح انفتحت و إذا أمر الرجل للحركة تحركت و إذا أمر اللّسان بالكلام و جزم الحكم به تكلّم و كذا سائر الاعضاء .
و قال بعض أهل العرفان كما في أسفار صدر المتألّهين و تسخير الأعضاء و الحواس للقلب يشبه من وجه تسخير الملائكة للّه تعالى فانّهم جبّلوا على الطاعة لا يستطيعون له خلافا و لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون .
و قال صاحب اخوان الصفا في هذا المعنى أي أنّ نسبة القوى إلى النفس كنسبة الملائكة إلى الرّب : قال الملك لحكيم من الجن كيف طاعة الملائكة
[ 35 ]
لرب العالمين ؟ قال : كطاعة الحواس الخمس للنفس الناطقة ، قال : زدني بيانا ،
قال : ألا ترى أيّها الملك انّ الحواس الخمس في إدراك محسوساتها و إيرادها أخبار مدركاتها إلى النفس الناطقة لا يحتاج إلى أمر و نهى و لا وعد و لا وعيد بل كلما همت به النفس الناطقة بأمر محسوس امتثلت الحاسة لما همت به و أدركتها و أوردتها اليها بلا زمان و لا تأخر و لا إبطاء و هكذا طاعة الملائكة لربّ العالمين الّذين لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون لأنّه أحكم الحاكمين .
و قال ذلك العارف : و إنّما افتقر القلب إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب و الزاد لسفره الذي لأجله خلق و هذا السفر إلى اللّه و قطع المنازل إلى لقائه فلأجله جبلت القلوب قال تعالى و ما خلقت الجن و الانس إلاّ ليعبدون و إنّما مركبه البدن و زاده العلم و إنما الاسباب الموصلة التى توصله إلى الزاد و تمكّنه من التردد العمل الصّالح فافتقر أولا إلى تعهد البدن و حفظه من الآفات بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء و غيره و بأن يدفع عنه ما ينافيه و يهلكه من أسباب الهلاك فافتقر لأجل طلب الغذاء إلى جندين باطن هو قوّة الشهوة و ظاهر هو البدن و الأعضاء الجالبة للغذاء فخلق في القلب جنود كثيرة من باب الشهوات كلها تحت قوة الشهوة و خلقت الأعضاء التي هى آلات الشهوة ، و افتقر لأجل دفع الموذيات و المهلكات إلى جندين باطن و هو قوّة الغضب الّذي به يدفع المهلكات و ينتقم من الاعداء و ظاهر و هو اليد و الرجل الذي يعمل به بمقتضى الغضب و كلّ ذلك بامور خارجة من البدن كالأسلحة و غيرها .
ثمّ المحتاج إلى الغذاء إذا لم يعرف الغذاء الموافق لا ينفعه شهوة الغذاء و آلته فافتقر في المعرفة إلى جندين باطن و هو إدراك البصر و السمع و الذوق و الشم و اللمس و ظاهر و هو العين و الاذن و الأنف و غيرها و تفصيل وجه الحاجة إليها و وجه الحكمة فيها مما يطول شرحه .
فجملة جنود القلب يحصرها ثلاثة أصناف أحدها باعث مستحث إمّا إلى جلب المنافع النافع كالشهوة و امّا إلى دفع المضار المنافي كالغضب و قد يعبر عن هذا
[ 36 ]
الباعث بالارادة ، و الثاني هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد و يعبر عن هذا الثاني بالقدرة و هى جنود مبثوثة فى ساير الأعضاء لا سيما بالعضلات منها و الأوتار و الثالث و هو المدرك المتصرف لاشياء كالجواسيس و هى مبثوثة في أعضاء معينة فمع كلّ واحد من هذه الجنود الباطنة جنود ظاهرة هي الأعضاء التى اعدّت آلات لهذه الجنود فإن قوة البطش إنّما يبطش بالأصابع و قوة البصر انّما تدرك بالعين و كذا سائر القوى انتهى .
و بالجملة أن قوى البدن كلها جنود للنفس و أن نسبة النّفس إلى البدن كنسبة الرّبان إلى السفينة و الملك إلى المدينة بل ألطف و أدقّ و أجلّ و أشمخ من ذلك بمراحل لا يعلمه إلاّ الرّاسخون في العلم اعرضنا عن بيانه خوفا للاطالة و هو محقق و مبرهن في الحكمة العالية ، فاذا كانت حال النّفس مع البدن كذلك فمتى عرض النّفس شاغل من جبن و خوف و خشية و نحوها لا يقدر الانسان على التكلم و المشى و الحركة و لا يسمع و لا يعقل و كثيرا ما يعرض الانسان أن عينه و اذنه سليمة مفتوحة و يمرّ عنده رجل أو يتكلّم معه لكنّه لا يسمع و لا يرى لصارف عارض نفسه ، و عرض جعدة على المنبر جبن من ازدحام الناس أو أمر آخر فحصر و منع فلم يستطع الكلام كما عرض لغير واحد من الخطباء فقام عليّ عليه السّلام و ارتقى المنبر فقال : ألا و إن اللّسان « الخ » أي إنّ اللّسان آلة للانسان يتصرف بتصريفه إيّاه فاذا امتنع الانسان عن الكلام لعروض عارض و طار لا يسعد و لا يعين القول إياه كما ان الإنسان إذا اتسع عقله بالمعارف الحقة الالهية و العلوم الرّبانيّة و الكمالات الإنسانية و صار أمير الكلام لا يمهل النطق اللسان بل يسارع إليه و يحدر عنه انحدار السيل عن قلة جبل شامخ .
ثمّ ان اللسان لما كان بضعة من الانسان فيكون ما يصدر عنه بضعة و انموزجا لما هو مستجنّ في ضميره فإذا تكلم فيكون كلامه حاكيا عن سريرته لانه فاض منه و الظاهر عنوان الباطن و المعلول يحكى عن العلة بوجه ما على حدّ وجوده ، و قال بعض الادباء كما أن الاواني تختبر بضرب الاصابع عليها و تصويتها كذا يعرف مقدار الرّجال
[ 37 ]
بكلامه ، و المرء مخبوء تحت لسانه و لا يخفى أن لسان الانسان و كتابه و رسوله و سائر عمله كل واحد منها كانه جزؤه نشأ منه و انفصل عنه كالثمر عن الشجر و الولد عن الوالد و الولد سرّ أبيه ، فان كان أصله طيبا فالبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه و إن كان خبيثا فالذي خبث لا يخرج إلاّ نكدا ، و نعم ما قال الشاعر :
و كلّ إناء بالذي فيه يرشح و ينبى الفتى عمّا عليه انطواؤه
و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام :
من لم يكن عنصره طيبا لم يخرج الطيب من فيه أصل الفتى يخفى و لكنّه من فعله يعرف ما فيه
و نعم ما قال ابن الرّومي « أو القاضي التنوخي »
تخير إذا ما كنت في الأمر مرسلا فمبلغ آراء الرّجال رسولها
و نعم ما قاله العارف الرومى في المثنوى أيضا :
گفت انسان پاره ز انسان بود پاره از نان يقين كه نان بود .
و هذه الدقيقة الأنيقة الفائضة من عالم القدس باب ينفتح منه أبواب اخر يعقلها من كان له قلب و لو لا خوف الاطناب لفصلنا تلك الابواب .
ثمّ إنّ ههنا دقيقة عرشيّة اخرى لا بأس أن نشير إليها و هي المستفادة من قوله عليه السّلام ( إذا اتّسع ) و لا يخفى أن هذا الاتّساع ليس بجسماني كاتساع المكان و الزمان و الدّار و الفضاء و اشباهها بل هو السعة الكليّة المجردة النّوريّة الوجوديّة الحاصلة للنّفس الناطقة بالعلوم القدسيّة السماوية و الحقائق العرشيّة و الفضائل المكتسبة من عالم المفارقات و حضرة المجردات ، و هذا التعبير من مدينة العلم يفيد ان الروح مجرد عن أوصاف الجسم و أحوال المادّة و لا تنال إليه يدأين و متى و لا أي و كيف و اخواتها و ليس له جزء خارجى و لا حملى و لا يحوم حوله مطلب هل المركبة و أمثاله ، و أنّ العلم ليس بعرض لذات النفس كعروض اللّون على الجدار كما ذهب إليه المشاؤن و عدّوا العلم من الكيفيّات النفسانيّة و ذلك لان الكيف عارض على المحل و العرض لا يكون مؤثرا في حقيقة شيء و جوهره و ذاته
[ 38 ]
كيف أنّه كيف مع أنّه يخرج النّفس من الضّعف إلى القوّة و من الظلمة إلى النور و العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء فيكون العلم كمالا للنفس فى جوهرها و قوامها و ذاتها و أنّى للعرض هذه الشأنيّة العظمى ؟
بل العلم كما ذهب إليه المحققون من الحكماء المتألّهين و اتباعهم و جلّ العرفاء الشّامخين و أشياعهم خارج عن المقولات لأنّ العلم وجود و ليس الوجود جوهرا و لا عرضا و وجود العلم يجعل النّفس قويا و يخرجها من الضيق إلى السعة بحيث يتّحد العاقل مع المعقول .
نيست انسان جز خبر در آزمون هر كه او علمش فزون جانش فزون
نعم مفهوم العلم كيف نفسانى بلا كلام و يعدّ من الأعراض من هذه الجهة و ليس كمالا للنفس و لا يخرجها من القوة إلى الفعل .
قوله عليه السّلام : ( و إنّا لامراء الكلام و فينا تنشبت عروقه و علينا تهدّلت غصونه ) أي نحن أهل البيت و الحجج الإلهيّة تتصرف الكلام كيف نشاء تصرّف الامراء فى ممالكهم لا يعرضناعىّ و حصر ، كيف و اصول الكلام فينا تعلّقت و فروعه علينا تدلّت أي نحن منبت الكلام و منشاه ، و غيرنا يتناول غصونه الّتى علينا تدلّت و يستفيد منها و يجتنى ثمارها .
و نعم ما قال صدر المتألّهين في شرح اصول الكافى من أنّ الفصحاء جميعهم بمنزلة عياله عليه السّلام فى الفصاحة من حيث يملؤون أوعية أذهانهم من الفاظهم و يضمنونها خطبهم و رسائلهم فيكون بمنزلة درر العقود ، و لا يخفى أنّ قوله عليه السّلام و فينا تنشبت عروقه و علينا تهدلت غصونه فى الجودة و الفصاحة و اللّطافة فوق ما يحوم حوله العبارة و كلامهم عليهم السّلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق و هو فى ذاته حجّة قاطعة و شاهد صادق على أنهم امراء الكلام و فيهم تنشبت عروقه و عليهم تدلّت غصونه فلا يخفى لطفه .
ثمّ انا نرى أن من ربيت فى حجره و نشات فى بيته و استضائت من مصباح وجوده و استروت من عين جوده بلغت فى تنضيد المعانى و الحكم و تنسيق المعارف
[ 39 ]
و الكلم إلى مرتبة يعترف الخصم الألدّ بجودة لفظها و عذوبة مغزيها مع أنّها كانت محفوفة بداهية دهياء ما سمعت اذن شبهها و ما رأت عين مثلها و هى عقيلة بنى هاشم زينب بنت علىّ أمير المؤمنين عليه السّلام فانظر بعبن العلم و العرفان إلى خطبتها الّتى خطبت فى الكوفان و ما أجابت به عبيد اللّه بن زياد و يزيد بما فوق ان يحوم حوله البيان ففى تاريخ الطبري و ارشاد المفيد و كثير من الكتب المعتمدة :
لما ادخل عيال الحسين عليه السّلام على ابن زياد فى الكوفة دخلت زينب اخت الحسين عليه السّلام فى جملتهم متنكره و عليها ارذل ثيابها فمضت حتّى جلست ناحية من القصر و حفت بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه الّتي انحازت فجلست ناحية و معها نساؤها ؟ فلم تجبه زينب ، فاعاد ثانية يسأل عنها ، فقال بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاقبل عليها ابن زياد فقال لها : الحمد للّه الذي فضحكم و قتلكم و أكذب احدوثتكم ، فقالت زينب عليها السّلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و طهّرنا من الرّجس تطهيرا إنّما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا و الحمد للّه .
فقال ابن زياد كيف رأيت فعل اللّه بأهل بيتك ؟ قالت كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم فتحاجّون إليه و تختصمون عنده ، فغضب ابن زياد و استشاط فقال عمرو بن حريث أيّها الأمير انها امرأة و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها و لا تذم على خطائها ، فقال لها ابن زياد : قد شفى اللّه نفسى من طاغيتك و العصاة المردة من أهل بيتك ، فرقّت زينب عليها السّلام و بكت و قالت لعمري لقد قتلت كهلي و أبرت أهلي و قطعت فرعى و اجتثثت أصلي فان يشفك هذا فقد شفيت فقال لها ابن زياد هذه سجاعة و لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة و السجاعة انّ لي عن السجاعة لشغلا و لكن صدري نفث لما قلت .
قوله عليه السّلام : ( و اعلموا رحمكم اللّه أنكم في زمان القائل فيه بالحقّ قليل ) الشيطان إذا استحوذ على أهل زمان يكون القائل فيه بالحقّ قليل قال عزّ من قائل الانعام 155 : و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و قال تعالى
[ 40 ]
الحج 33 و اجتنبوا قول الزور و لا يخفى انّه إذا اتصف أهل زمان بالصفات الالهيّة و تأدبوا بالآداب الملكوتيّة لا يعد واحد عن مسيره الاوسط و لا يميل إلى اليمين و الشمال لأن اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة و من كان قائده العقل يكون قوله صوابا و منطقه حقا و لا يبيع الحق بالباطل فإذا استحوذ الشيطان على أهل زمان لا بدّ أن يكون القائل فيه بالحقّ الا قليل من عباد اللّه المخلصين لا تلهيهم الدّنيا عن اللّه قليلا لانهم عبدة الشّيطان و الدّنيا و خدمة النّفس و الهوى فإذا اقبلت الدّنيا باى نحو من الانحاء يصرفون عن الحق و يعرضون عن الصّواب .
قوله عليه السّلام : ( و اللّسان عن الصدق كليل ) يمكن ان يفسر بوجهين :
الأوّل على ما بينا من ان الأعمال و الأقوال حاكيات عن الضماير و السّرائر فإذا صار الإنسان تابع النّفس و الهوى فلا جرم انارة العقل مكسوف بطوع الهوى فما يصدر عن الإنسان حينئذ يكون من جنس ما هو مستكن فيه و العقل يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و هو ما عبد به الرّحمن و اكتسب به الجنان فمتى صارت شمس العقل مكسوفة بظلّ الهوى فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال فما يصدر عن ذلك الإنسان إلاّ الضّلال .
الوجه الثّاني أن يقال إذا كان الأكثر من النّاس في زمان بمعزل من الحقّ لا سيما عند استيلاء الجهل و الظلم على المترفين و الزّعماء و الاكابر فحينئذ لا يقدر الرجل العابد الورع العاقل أن يكون صادقا في اموره و شئونه خوفا من شرار النّاس لكثرتهم و إيذائهم أهل الحقّ و الرّشاد فلسان أهل الحقّ في زمان كذا عن الصّدق كليل .
قوله عليه السّلام : ( و اللازم للحقّ ذليل ) لقلّتهم و ضعفهم بالنسبة إلى الباقين .
قوله عليه السّلام ( أهله معتكفون على العصيان ) أي لا زال انّهم ملازمون عليه لبعدهم عن الحق و ماذا بعد الحق إلاّ الضّلال .
قوله عليه السّلام ( مصطلحون على الإدهان ) أي متفقون على الغش و النّفاق و المصانعة و المداهنة لا يصدق قولهم فعلهم و ظاهرهم باطنهم .
[ 41 ]
قوله عليه السّلام ( فتاهم عارم ) لأنّ أهل الزّمان إذا كانوا بغير قسط و عدل و كانت ظلمات الجهل غالبة و الفواحش و المناكر شائعة فالحياء يخفق من أرض اجتماعهم فحينئذ يصير فتيانهم شرسى الأخلاق عارين عن الحياء لأنّ رسوخ الفواحش فيهم أمكن و أسرع لأنّ القوى الحيوانيّة و الشّهوانيّة فيهم أشدّ و أقوى فإذا ذهب الحياء عن النّاس لا يبالون أي ما فعلوا لأنّ الحياء ملكة للنفس توجب انقباضها عن القبيح و انزجارها عن خلاف الآداب خوفا من اللّوم ، و روى عن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لم يبق من أمثال الأنبياء الاّ قول النّاس : إذا لم تستحى فاصنع ما شئت .
قوله ( و شائبهم آثم ) لكونه متوغلا في الجهل و الغفلة بحيث لا يرى ان أجله انصرم و مهله انقطع حتّى يتنبّه من نوم الغفلة و يتدارك ما فات منه ، نعوذ باللّه من سبات العقل ، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابناء الأربعين زرع قددنا حصاده ، ابناء الخمسين ماذا قدمتم و ماذا أخرتم ، ابناء الستّين هلمّوا إلى الحساب لا عذر لكم ، ابناء السبعين عدوا أنفسكم من الموتى ، و روى إذا بلغ الرّجل أربعين سنة و لم يتب مسح إبليس وجهه و قال : بأبي وجه لا يفلح .
و في « شيب » من سفينة البحار : عن إبراهيم بن محمّد الحسني قال بعث المأمون إلى أبي الحسن الرّضا عليه السّلام جارية فلمّا ادخلت إليه اشمأزت من الشيب فلما رأى كراهتها ردّها إلى المأمون و كتب إليه بهذه الأبيات :
نعى نفسي إلى نفسى المشيب و عند الشيب يتّعظ اللّبيب فقد وليّ الشباب إلى مداه فلست أرى مواضعه تؤب سأبكيه و أندبه طويلا و ادعوه إلىّ عسى يجيب و هيهات الّذي قد فات منه تمنّيني به النّفس الكذوب أرى البيض الحسان يحدن عنى و في هجرانهن لنا نصيب فان يكن الشباب مضى حبيبا فان الشيب أيضا لي حبيب سأصحبه بتقوى اللّه حتّى يفرّق بيننا الأجل القريب
[ 42 ]
و قال الشّيخ العارف السّعدى بالفارسيّة :
چون دوران عمر از چهل درگذشت مزن دست و پا كآبت از سر گذشت چو شيبت در آمد بروى شباب شبت روز شد ديده بر كن ز خواب چو باد صبا بر گلستان وزد چميدن درخت جوان را سزد نزيبد تو را با جوانان چميد كه بر عارضت صبح پيرى دميد دريغا كه فصل جوانى گذشت بلهو و لعب زندگانى گذشت دريغا چنان روح پرور زمان كه بگذشت بر ما چون برق يمان دريغا كه مشغول باطل شديم ز حق دور مانديم و عاطل شديم چه خوش گفت با كودك آموزگار كه كارى نكردى و شد روزگار
قوله عليه السّلام ( و عالمهم منافق ) أى يتّخذ علمه وسيلة لدنياه و فطنته ذريعة لهواه لا لإرجاع النّاس من الطرق المعوجة إلى الجادّة الوسطى و الصّراط المستقيم و ارشادهم من النقوش الباطلة إلى كتاب اللّه ، وصفه دواء و قوله شفاء و فعله الداء العياء و يقول ما لا يفعل و ما يظهر يضاد ما يضمر و نعم ما قاله الشاعر :
يا أيّها الرّجل المعلّم غيره إلاّ لنفسك كان ذا التعليم تصف الدّواء لذي السقام و الطّنى كيما يصحّ و أنت به سقيم
قال اللّه عزّ من قائل : أتأمرون النّاس بالبرّ و تنسون أنفسكم .
قوله عليه السّلام : ( و قارئهم مماذق ) أى عابدهم النّاسك المتعبد غير مخلص في عبادته لوجه اللّه بل هو مشوب بالرياء و هو بظاهره وجهه إلى اللّه و لكن قلبه إلى الناس و نعم ما نظمه العارف السّعدي :
آنكه چون پسته ديديش همه مغز پوست بر پوست بود همچو پياز پارسايان روى بر مخلوق پشت بر قبله ميكنند نماز
قال اللّه عزّ و جلّ « فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا » .
[ 43 ]
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ المرائى ينادي عليه يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائى ضلّ عملك و حبط أجرك اذهب فخذ أجرك ممّن كنت تعمل له .
و قال صلّى اللّه عليه و آله سيأتي على النّاس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدّنيا لا يريدون به ما عند ربّهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم .
و في ذمّ الرّياء آيات و روايات كثيرة يستفاد منها مطالب دقيقة أنيقة لعلّنا نبحث فيها في مباحثنا الآتية .
قوله عليه السّلام ( لا يعظم صغيرهم كبيرهم ) لقلة اعتداد صغيرهم بالآداب الشرعيّة و عدم التفاتهم إليها و لو كانوا متأدبين بها ليعظمونهم و يوقرونهم و يخفضون لهم جناح الذّل ، لقد مضى منه عليه السّلام فى الخطب السالفة : ليتأس صغيركم بكبيركم و ليرؤف كبيركم بصغيركم و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة لا في الدّين يتفقّهون و لا عن اللّه يعقلون كقيض بيض في اداح يكون كسرها وزرا و يخرج حضانها شرّا قوله عليه السّلام : ( و لا يعول غنيهم فقيرهم ) لبخلهم بمعروفهم و سيأتي عنه عليه السّلام ان قوام الدّنيا باربعة : عالم مستعمل علمه و جاهل لا يستنكف أن يتعلّم و غنى لا يبخل بمعروفه و فقير لا يبيع آخرته بدنياه « إلى أن قال عليه السّلام » : و إذا بخل الغنى بمعروفه يبيع الفقير آخرته بدنياه ، و سيأتي بياننا في سرّ الأخبار و الآيات في ذلك و ما يستفاد منها من النكات الأخلاقية و المصالح الاجتماعيّة في تشريع الحقوق المالية في الأموال ، و ليعلم الغنى البخيل القسىّ أنّ ماله يكون وبالا عليه لو لم يؤدّ حقّ الفقير من ماله كما يأتى بيانه و انّ المال اذا ادّى حقوقه ينمو و يكثر ، قال عزّ من قائل مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل اللَّه كمثل حبّة انبتت سبع سنابل فى كلّ سنبلة مائة حبّة و اللَّه يضاعف لمن يشاء و اللَّه واسع عليم ( البقرة الاية 265 ) و فى الكافى عن أبى الحسن عليه السّلام ) و هو الكاظم إنّ اللّه تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالكم ، و قال العارف السعدي بالفارسيّة :
زكاة مال بدر كن كه فضله رز را چون باغبان ببرد بيشتر دهد انگور
[ 44 ]
ثمّ إنّه عليه السّلام كانّما ينظر بنا و يحكى عن زماننا حيث أصبحنا و الحقّ مهتضم و الدين مخترم ، و كاد معالم الدين يؤذن بالمحو و الطمس ، و لا يتكلّم فيه إلاّ بالرمز و الهمس . و احاطت الظلمات بعضها فوق بعض و ما يرى سبيل الخروج ، و كيف لا و أزمّة الامور بأيدي ذوات الفروج ، و حماة الدّين بعضهم معتكف فى قعر السجون و بعضهم يفيض منه ماء الشجون ، و اشباح الرّجال فى زىّ الرّجال ، و النفوس الكرام فى صف النّعال ، و النّاس عن الطريق القويم و الصّراط المستقيم لناكبون و فى إعلاء راية العدل لناكسون كانما على رؤوسهم الطير ، و فى إحياء كلمة الحقّ لناكثون كأنّما جبلوا على اماتة الخير ، و لعمرى لو لا انّهم قلقوا الوضين لما جعل كتاب اللّه عضين ، و لو كانوا يقاتلون فى سبيل اللّه صفا كانّهم بنيان مرصوص ، لما تسلّط عليهم اللّصوص ، و لو قتلوا فى سبيل اللّه فالفوز بالشهادة ، و لو سجنوا فالشغل بالعبادة ، و لو نفوا فالنيل بالسياحة .
و نعم ما قال المتنبى :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتّى يراق على جوانبه الدم
و يا سوء ما فعلوا فجعلوا القرآن عدل ما نسجت بالبطلان ، و حسبوا و حى الرّحمن عكم ما اختلقه الشيطان . و ارتكبوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن فأين الفلاح و هو أبعد من بيض الأنوق ، و رجعوا إلى الجاهليّة الاولى بالجدّ و لعلن فأين النجاح و هو أبعد من مناط العيّوق ، و كم غدرة واضحة في الدّين و كم ،
و فظّت الاخلاق و الرسوم و الشيم ، كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ،
فاتخذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم سخريا و بدين اللّه يلعبون و يستهزؤن ، اللّه يستهزيء بهم و يمدّهم في طغيانهم يعمهون ، فإذا رأيت أن الزّمان دار بنا و الحال كما ترى تذكرت ما أجاد أبو العلاء و تمنى .
إذا عيّر الطائىّ بالبخل مادر و قرّع قسّا بالفهاهة باقل و قال السّها للشّمس أنت خفيّة و قال الدّجى يا صبح لونك خامل و فاخرت الارض السّماء سفاهة و كاثرت الشهب الحصا و الجنادل
[ 45 ]
فياموت زر إن الحياة ذميمة و يا نفس جدّي إنّ دهرك هازل
و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، و قال عزّ من قائل تبشيرا للمؤمنين و تبكيتا للمعاندين إنّا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و لا أدرى ألا سمع الخصم الألدّ قول قاصم الجبارين :
يريدون ليطفؤا نور اللَّه بأفواههم و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون و قوله قهر و علا : كتب اللَّه لأغلبن أنا و رسلي إنّ اللَّه قويّ عزيز .
الترجمة
بدانكه زبان پارهايست از آدمى هرگاه آدمى از گفتار سر باز زند زبان او را در گفتار يارى نميكند يعنى زبان مانند سائر اعضاء فرمان بردار روح ميباشد تا از وى فرمان صادر نشود زبان سخن نگويد چنانكه سائر اعضاء و هرگاه انسان مايه گفتار داشته باشد كه جان او بفرا گرفتن علوم وسعت و بزرگى يافت و بنور معارف حقه منور شد گفتار زبان را مهلت نميدهد و انسان بسخن زبان گشايد .
بدرستيكه ما اميران كلاميم يعنى عنان سخن در دست ما است و بر آن مسلّطيم هر گونه بخواهيم تصرف ميكنيم چون تصرّف امراء در ممالك خودشان كه در هنگام سخن گفتن شاغلى مانند ترس و بيم ما را از آن باز نميدار و درخت كلام در ما ريشه دوانيده است و شاخهاى آن بر ما آويخته است ، بدانيد خدا شما را رحمت كناد كه در زمانى بسر ميبريد گوينده حق در آن كم است و زبان از راستى كند است ، و ملازم حق خوار است ، أهل آن زمان بر معصيت مقيمند و بر مداهنت و مصانعت متفق ، جوان ايشان بد خو و بيشرم و پير ايشان گناهكار ، عالم ايشان منافق و عابد ايشان در دوستى بحق مرائى و غير خالص ، كوچك ايشان بزرگ را تعظيم نميكند ، و توانگر تهى دست را نفقه نميدهد .