جستجو

و من خطبة له ع و فيها بيان للأسباب التي تهلك الناس

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى السّابعة و الثمانون من المختار فى باب الخطب و هي مرويّة في كتاب الرّوضة من الكافي باختلاف كثير تطلع عليه إنشاء اللَّه بعد الفراغ من شرح ما أورده السيد ( ره ) في الكتاب و هو قوله عليه السّلام : أمّا بعد فإنّ اللَّه سبحانه لم يقصم جبّاري دهر قطُّ إلاّ بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر عظم أحد من الامم إلاّ بعد أزل و بلاء ، و فى دون ما استقبلتم من عتب ، و استدبرتم من خطب معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر [ 241 ] ببصير ، فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتصّون أثر نبيّ ، و لا يقتدون بعمل وصي ، لا يؤمنون بغيب ، و لا يعفون عن عيب ، يعملون في الشّبهات ، و يسيرون في الشّهوات ، المعروف فيهم ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، و تعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعرى و ثقات و أسباب محكمات . اللغة ( قصمه ) يقصمه من باب ضرب كسره و ابانه أو كسره و ان لم يبن و ( الجبار ) كلّ عات و ( مهّله ) تمهيلا أجّله و ( رخى ) العيش و رخو بالياء و الواو رخاوة من باب تعب و قرب إذا اتّسع فهو رخيّ على وزن فعيل و الرّخا اسم منه ، و في بعض النسخ الارجاء بالجيم من باب الافعال و هو التّأخير فيكون عطفه على التّمهيل من باب التوضيح و التّفسير و ( جبرت ) العظم جبرا من باب قتل أصلحته و ( الأزل ) الضّيق و الشّدة و ( العتب ) بالسّكون الموجدة و يروى بفتح التّاء و هو الشدّة و الأمر الكريه و ( الخطب ) الأمر المعظم كما في قوله : فما خطبك يا سامريّ ، و يروى من خصب بالصاد المهملة و هو السّعة و رخاء العيش . و في بعض النّسخ استقبلتم من خطب و استدبرتم من عتب ، و في بعض النسخ فياعجبي بالاضافة إلى ياء المتكلّم ( يقتصّون ) و ما بعده من الأفعال في بعض النسخ بصيغة المذكر باعتبار المعنى و في بعضها بصيغة التأنيث باعتبار ملاحظة لفظ الفرقة و عود الضمير فيها إليها و ( عفّ ) يعفّ من باب ضرب عفّا و عفافا و عفافة بفتحهنّ [ 242 ] و عفّة بالكسر فهو عفّ و عفيف كفّ عما لا يحلّ و امتنع عنه . و في بعض النسخ يعفون بسكون العين و التخفيف من العفو و هو الفصح و ترك عقوبة المستحق و ( المعضلات ) في النسخ بفتح الضاد و كذلك في الخطبة السابقة و المضبوط في القاموس و الأوقيانوس بصيغة الفاعل و هي الشدايد من أعضل الأمر إذا اشتدّو ( العرى ) جمع العروة كمدية و مدى و هو ما يستمسك به الشي‏ء و منه عروة الكوز لمقبضه و اذنه و ( السبب ) الحبل و ما يتوصّل به إلى الاستعلاء « الغير ظ » ثمّ استعير لكلّ شي‏ء يتوصّل به الى أمر من الأمور . الاعراب قطّ من ظروف الزّمان و معناه الوقت الماضي عموما و لا يستعمل إلاّ بمعنى أبدا و الغالب استعماله في الماضي المنفيّ و قد يستعمل بدون النّفى لفظا و معنى ، نحو كنت أراه قطّ أى دائما و قد استعمل بدونه لفظا لا معنى ، نحو هل رأيت الذّئب قطّ و هو مبنيّ لأنّ بعض لغاته على وضع الحروف و بنائه على الضمّ حملا على أخيه عوض لأنّ عوض للمستقبل المنفيّ و هو للماضي المنفيّ و بنى عوض على الضمّ لانقطاعه عن الاضافة كقبل و بعد قال الرّضي : الأولى أن يقال بنى لتضمّنه لام الاستغراق لزوما لاستغراقه جميع الماضى بخلاف أبدا فليس الاستغراق لازما لمعناه ، ألا ترى إلى قولهم : طال الأبد على أبد ، و دون ظرف مبنيّ على الفتح يقال هذا دون ذلك أى أقرب منه ، و منه المثل دونه خرط القتاد ، و عجبا إما منصوب على النّداء و التنوين عوض عن المضاف إليه أى يا عجبي احضر ، أو منتصب على المصدر أى يا نفس أعجب عجبا ، و ما استفهامية و من خطاء إما متعلّق بعجبا أو أعجب على سبيل التنازع ، و على اختلاف إما بمعنى اللاّم كما في قوله : وَ لِتُكَبَّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَديكُمْ . فتكون علّة للخطاء ، و إمّا بمعنى مع كما في قوله تعالى : [ 243 ] وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ . بناء على عود الضّمير في حبّه إلى الطعام دون اللَّه سبحانه ، و يحتمل أن يكون للاستعلاء المجازي و المتعلّق محذوف و التقدير من خطاء هذه الفرق مبنيّا على اختلاف حججها ، و في دينها متعلّق بالخطاء ، و جملة لا يقتصّون استيناف بيانيّ مسوق لبيان جهة الخطاء أو جهة الاختلاف على سبيل منع الخلوّ فافهم جيّدا ، و تحتمل الحالية و الأوّل أظهر ، و كانّ كلّ امرء من حروف المشبّهة و في بعض النّسخ بحذفها و اسقاطها ، قال الشّارح المعتزلي و هو حسن أقول : بل اثباتها أحسن و يظهر وجهه بالتّامّل . المعنى اعلم أنّ مقصوده عليه السّلام بهذه الخطبة توبيخ النّاس و ذمّهم على اختلافهم في الدّين و عدولهم عن الامام المبين و استبدادهم بالآراء و اعتمادهم على الأهواء فمهّد عليه السّلام أوّلا مقدّمة متضمّنة للتّخويف و التّحذير و التّنبيه و التّذكير و قال : ( أمّا بعد ) حمد اللَّه و الثّناء عليه و الصلاة على رسوله و آله ( فانّ ) عادة ( اللَّه سبحانه ) قد جرت في القرون الخالية و الامم الماضية على أنّه ( لم يقصم حبّاري دهر قط ) و لم يكسر عظام أحد منهم و لم يهلكهم ( إلاّ بعد تمهيل و رخاء ) أفلم تر أولاد سبا فلقد آتاهم اللَّه سوابغ الآلاء و روافغ النّعماء و كان لهم في مسكنهم جنتان . كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبَّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبُّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا . فأرسل عليهم سيل العرم و مزّقهم بما كفروا كلّ ممزّق . إنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ . أ و لم تر إلى شدّاد بن عاد كيف بنى : [ 244 ] إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها في الْبِلادِ وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الذي طغى في البلاد و من حذا حذوهما ممّن ملك الرّقاب و تسلّط على العباد فأكثر فيهم الفساد . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابِ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأولِي الْأَلْبابِ . و مقصوده عليه السّلام بهذا الكلام إنذار من قصده بالافهام من أهل زمانه و تحذيرهم من الانغماس في الغفلة و الافتتان بالرخاء و الدّعة و الاغترار ببضاضة الشّباب و غضارة الصّحة كيلا يلحقهم ما لحق من قبلهم و لا يأخذهم ربّهم بسوء فعلهم فيكونوا عبرة لمن بعدهم ( و لم يجبر عظم أحد من الامم ) و لم يظهرهم على عدوّهم ( إلاّ بعد أزل و بلاء ) و ضيق و عنا . و تصديق ذلك في الامم الماضية بما وقع لبني اسرائيل من فرعون حيث جعلهم في الأرض شيعا يذبّح أبنائهم و يستحيى نسآئهم و فيه بلاء مبين فلما تمّت البليّة و عظمت الرزية جبر اللَّه كسرهم و شدّ أزرهم و أغرق فرعون و جنوده أجمعين و منّ على الّذين استضعفوا في الأرض و جعلهم أئمّة و جعلهم الوارثين . و في الأمة المرحومة بما وقع يوم الأحزاب عند اجتماع العرب الأتراب إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و ابتلى المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا و قالوا هذا ما وعدنا اللَّه و رسوله و صدق اللَّه و رسوله و ما زادهم إلاّ إيمانا و تسليما و قال المنافقون ما وعدنا اللَّه و رسوله إلاّ غرورا فلما ابتلوا بذاك و أيقنوا بالقتل و الهلاك أنعم اللَّه عليهم و أعانهم بريح و جنود لم يروها و كان اللَّه قويّا عزيزا . و في هذا الكلام تنبيه على الثبات و الصبر و رجاء الظّفر و النّصر و عدم اليأس من روح اللَّه و القنوط من رحمة اللَّه عند ضيق المسالك و التقحّم في المهالك ، هذا . و يحتمل أن يكون مقصوده عليه السّلام بالفقرة الأولى أعنى قوله : لم يقصم جبّاري [ 245 ] دهراه الاشارة إلى مآل حال معاوية و أمثاله من جبابرة دهره عليه السّلام و الباغين عليه من طلحة و الزّبير و من حذا حذوهما من العتاة ، و التنبيه على أنّ اللَّه يقصم ظهرهم و يكسر صولتهم و يسلبهم ملكهم و دولتهم و إن طالت مدّتهم و شوكتهم كما قال تعالى : أَفَرأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنينَ ثُمَّ جآئَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ . و بالفقرة الثانية أعنى قوله و لم يجبر عظم أحداه تسلّي همّ أصحابه و كأبتهم بالوهن و الضعف و الضّنك و الضّيق الذي أصابهم من المتخلّفين و معاوية و أصحابه و حثّهم على الاتفاق و الايتلاف و تحذيرهم من التّفرق و الاختلاف ، إذ في الاجتماع رجآء النّصرة و الاختلاف مظنة المغلوبية . و يؤيد هذا الاحتمال في الفقرتين و يعاضده التّأمل في ساير فقرات الخطبة على رواية الرّوضة الآتية ( و في دون ما استقبلتم من عتب و استدبرتم من خطب معتبر ) يحتمل أن يكون المراد بالعتب الذى استقبلوه عتابه عليه السّلام و موجدته عليهم بتشتّت الآراء و تفرّق الأهواء ، و هو على رواية العتب بسكون التّاء ، و بالخطب الذى استدبروه الامور المعظمة و الملاحم التي وقعت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يوم السّقيفة و يوم الشورى و يوم الدّار و أن يكون المراد بالعتب الشدايد و الكرايه التي أصابتهم من المتخلّفين و هو على رواية العتب بفتح التّاء و بالخطب الأهوال التى كانوا يرونها من المشركين في بدء الاسلام حيث كانوا قليلين و كان المشركون كثيرين فأيّدهم اللَّه بنصره بالتأليف بين قلوب المؤمنين و أظهرهم على الكافرين . ( و ) كيف كان فهو عليه السّلام يقول : إنّ فيما استقبلتم و استدبرتم من الامور المفيدة للاتّعاظ و الاعتبار لعبرة لأولي الفهم و العقل و الذكاء ، و موعظة لذوي الأبصار و الأسماع ، و إنّما يتذكر اولو الألباب ، و يعتبر السّميع البصير المميّز للقشر من اللّباب ، لأنّهم [ 246 ] المنتفعون بالعبر و الحائزون قصب السّبق في مضمار الاعتبار بصحيح النّظر إذ ( ما كلّ ذي قلب بلبيب و لا كلّ ذي سمع بسميع و لا كلّ ذي ناظر ببصير ) فربّ قوم لهم أرجل لا يمشون بها ، و لهم أيد لا يبطشون بها ، و لهم عقول لا يفقهون بها ، و لهم آذان لا يسمعون بها ، و لهم أعين لا يبصرون بها ، و في ذلك تحريص على الاتّعاظ و الاعتبار و ترغيب في الازدجار و الادّكار ( فيا عجبا و ما لى لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها ) و أدلّتها ( في دينها ) تعجّب عليه السّلام من اختلاف الفرق و خطائهم في الدّين و افتراقهم في شرع سيّد المرسلين اعتمادا منهم على أدلّتهم المتشتّتة و حججهم المختلفة ، و اتّكالا على اصولهم الّتي أصّلوها و قواعدهم التي فصّلوها ، و استبدادا منهم بعقولهم الفاسدة و آرائهم الكاسدة . و بيّن عليه السّلام جهة الخطاء و الاختلاف بأنّهم ( لا يقتصّون أثر نبيّ ) لأنّهم لو اقتصّوه و اتّبعوه لما اختلفوا إذ ما جاء به النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم واحد و شرعه واحد و كتابه واحد فلو اقتفوه لا تّفقوا و أصابوا حسبما مرّ توضيحه في الكلام الثّامن عشر و شرحه ( و لا يقتدون بعمل وصيّ ) إذ الوصيّ مقتد في عمله بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلو اقتدوا به لكانوا مقتدين بالنّبيّ و به مهتدين و لم يكن هناك اختلاف و خطاء حسبما عرفت آنفا و حيث اختلفوا علم أنّهم كانوا تاركين اثره غير مقتدين عمله و يوضح ذلك ما في غاية المرام من أمالي الشّيخ مسندا عن المجاشعى عن الرّضا عن آبائه عليه السّلام قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول لرأس اليهود : على كم افترقتم ؟ فقال : على كذا و كذا فرقة ، فقال عليّ عليه السّلام : كذبت ، ثمّ أقبل على الناس و قال : و اللَّه لو ثنّيت لى الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الانجيل بانجيلهم و بين أهل القرآن بقرآنهم ، افترقت اليهود على أحد و سبعين فرقة سبعون منها في النّار و واحدة ناجية في الجنة و هى التي اتّبعت يوشع بن نون وصيّ موسى ، و افترقت النّصارى على اثنتين و سبعين فرقة إحدى و سبعون فرقة في النّار و واحدة في الجنة و هي التي اتّبعت شمعون وصيّ عيسى ( ع ) ، و تفترق هذه الامّة على ثلاث [ 247 ] و سبعين اثنتان و سبعون فرقة في النار و واحدة في الجنّة و هي الّتي اتّبعت وصيّ محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و ضرب بيده على صدره ثمّ قال عليه السّلام ثلاث عشرة فرقة من الثلاث و سبعين فرقة كلّها تنتحل مودّتي و حبّى واحدة منها في الجنّة و هم النمط الأوسط و اثنتا عشرة في النّار . و ( لا يؤمنون بغيب ) المراد بالغيب إمّا القرآن الّذي يصدّق بعضه بعضا . وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافاً كَثيراً و إمّا مطلق ما غاب من الحواسّ من توحيد اللَّه و نبوّة الأنبياء و ولاية الأوصياء و الرجعة و البعث و الحساب و الجنّة و النّار و ساير الأمور التي يلزم الإيمان بها ممّا لا يعرف بالمشاهدة و إنّما يعرف بالبراهين و الأدلّة الّتي نصبها اللَّه عليه ، و على أىّ تقدير فانتفاء الايمان بالغيب أيضا من أسباب اختلاف الفرق و جهات خطائها في المذاهب إذ لو كانوا يؤمنون بالغيب و به مذعنين لكانوا مهتدين إلى الحقّ و الصّواب في كلّ باب فان : هذَا الْقُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هيَ أَقْوَمُ و ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدًى لِلْمُتَّقينَ الَّذينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ و يُقيمُونَ الصَّلوةَ و مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ . ( و لا يعفون عن عيب ) إذ ملكة العفاف و الوقوف عند المحرّمات و الشّبهات مانعة عن الاستبداد بالآراء التي نشأت منها الفرقة و الاختلاف موجبة للفحص عن الحقّ و الاهتداء إلى صوب الصّواب ، و حيث لم يكن لهم عفاف و حايطة في الدّين لم يبالوا في أىّ واد يهيمون ، و على رواية لا يعفون بالتخفيف فالمراد به عدم العفو عن عيوب النّاس ، و على هذه الرّواية فهو من فروعات الخطاء في الدّين إذ العفو عن عيوب المذنبين من صفات المتّقين و المصيبين من المؤمنين كما شهد به الكتاب المبين : وَ سارِعُوا إلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمواتُ وَ الْأَرْضُ [ 248 ] أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقين الَّذينَ يُنْفِقُونَ في السَّرّآءِ وَ الضَّرّآءِ وَ الْكاظِمينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عنِ النّاسِ وَ اللَّهُ يُجِبُّ الْمُحْسِنينَ . ( يعملون في الشّبهات ) أى لا يقفون في ما اشتبه عليهم أمره و لا يبحثون عن وجه الحقّ فيه بل يعملون فيه بما أدىّ هواهم إليه و إليه الاشارة في قوله تعالى : وَ الَّذينَ كَسَبُوا السَيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ و في قوله : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمالاً الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً . روى في الوسائل من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية الأولى قال عليه السّلام : هؤلآء أهل البدع و الشّبهات و الشّهوات يسوّد اللَّه وجوههم يوم يلقونه . و عنه عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية الثّانية قال : هم النّصارى و القسّيسون و الرّهبان و أهل الشّبهات و الأهواء من أهل القبلة و الحروريّة و أهل البدع . ( و يسيرون في الشّهوات ) لما لاحظ عليه السّلام ميل طباعهم إلى اللّذات الدّنيوية و انهماكهم في الشّهوات النفسانية قاطعين مراحل الأوقات بالتّلذّذ بتلك اللّذات و الشّهوات لا جرم جعل الشّهوات بمنزلة طرق مسلوكة و جعل اشتغالهم بها بمنزلة السّير في تلك الطرق ( المعروف فيهم ما عرفو ) ه بعقولهم الفاسدة و إن لم يكن معروفا في الشريعة ( و المنكر عندهم ما أنكرو ) ه بآرائهم الكاسدة و إن لم يكن منكرا في الحقيقة ( مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ) دون الأئمّة الذين يهدون بالحقّ و به يعدلون ( و تعويلهم في المبهمات على آرائهم ) دون أهل الذكر الذين أمر بسؤالهم بقوله : [ 249 ] فَاسْئَلوُا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( كان كلّ امرى‏ء منهم امام نفسه ) و كأنّ دليل كلّ واحد منهم رأيه و هواه ( قد أخذ منها فيما يرى ) و يظنّ ( بعرى و ثقات ) لا انفصام لها ( و اسباب محكمات ) لا يضلّ من تمسّك بها و إنّما مثلهم في ذلك : « كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُون » « وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ » تكلمة هذه الخطبة مرويّة في كتاب الرّوضة من الكافي باختلاف كثير عن أحمد بن محمّد الكوفي عن جعفر بن عبد اللَّه المحمّدي عن أبي روح فرج بن قرة عن جعفر بن عبد اللَّه عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بالمدينة فحمد اللَّه فأثنى عليه و صلّى على النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ قال عليه السّلام : أمّا بعد فانّ اللَّه تبارك و تعالى لم يقصم جبّارى دهر إلاّ من بعد تمهيل و رخاء ، و لم يجبر كسر عظم من الامم إلاّ بعد أزل و بلاء ، أيّها النّاس في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من خطب معتبر ، و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي ناظر عين ببصير . عباد اللَّه أحسنوا فيما يعنيكم النّظر فيه ثمّ انظروا إلى عرصات من قد أفاده اللَّه بعلمه كانوا على سنّة من آل فرعون أهل جنّات و عيون و زروع و مقام كريم ، ثمّ انظروا بما ختم اللَّه لهم من النّضرة و السّرور و الأمر و النّهى و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و اللَّه مخلّدون و للّه عاقبة الأمور . فيا عجبا و ما لى لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبيّ و لا يقتدون بعمل وصيّ و لا يؤمنون بغيب و لا يعفون عن عيب ، المعروف فيهم ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا ، و كلّ امرء منهم امام نفسه و اخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات و أسباب محكمات فلا يزالون بجور و لم « لن خ ل » [ 250 ] يزدادوا إلاّ خطاء لا ينالون تقرّبا و لن يزدادوا إلاّ بعدا من اللَّه عزّ و جلّ انس بعضهم ببعض و تصديق بعضهم لبعض ، كلّ ذلك وحشة مما ورّث النّبيّ الأمّي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و نفورا ممّا أدّى إليهم من أخبار فاطر السّماوات و الأرض . أهل حسرات و كهوف شبهات ، و أهل عشوات و ضلالة و ريبة ، من و كله اللَّه إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتّهم عند من لا يعرفه ، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها . و وا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودّتها اليوم كيف يستذلّ بعدى بعضها بعضا ، و كيف يقتل بعضها بعضا ، المتشتّتة غدا عن الأصل النّازلة بالفرع المؤمّلة الفتح من غير جهة ، كلّ حزب منهم آخذ بغصن أينما مال الغصن مال معه . إنّ اللَّه و له الحمد سيجمع هؤلاء لشرّ يوم لبني أميّة كما يجمع قزع الخريف يؤلّف بينهم ثمّ يجعلهم ركاما كركام السّحاب ، ثمّ يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين سيل العرم ، حيث بعث عليهم فارة فلم يثبت عليه اكمّة و لم يردّ سننه رضّ طود يذعذهم اللَّه في بطون أودية ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، و يمكّن من قوم لديار قوم ، تشريدا لبني اميّة ، و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع اللَّه بهم ركنا و ينقض اللَّه بهم طىّ الجنادل من ارم و يملاء منهم بطنان الزّيتون . فو الذي فلق الحبّة و برء النسمة ليكوننّ ذلك و كأنّي أسمع صهيل خيلهم و طمطمة رجالهم و أيم اللَّه ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلوّ و التّمكين في البلاد كما تذوب الالية على النّار ، من مات منهم مات ضالاّ و اللَّه عزّ و جلّ يقضي منهم من درج و يتوب اللَّه عزّ و جلّ على من تاب ، و لعلّ اللَّه يجمع شيعتي بعد التّشتت لشرّ يوم لهؤلاء ، و ليس لأحد على اللَّه عزّ ذكره الخيرة بل للّه الخيرة و الأمر جميعا أيّها النّاس إنّ المنتحلين للامامة من غير أهلها كثير و لو لم تتخاذلوا عن مرّ [ 251 ] الحقّ و لم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم ، و لم يقومن قوى عليكم على هضم الطاعة و ازوائها عن أهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو اسرائيل على عهد موسى عليه السّلام ، و لعمرى ليضاعفنّ عليكم البتّة بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل و لعمرى أن لو قد استكملتم من بعدى مدّة سلطان بني اميّة لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضّلالة و أحييتم الباطل و خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم ، و قطعتم الأدنى من أهل بدر و وصلتم الأ بعد من أبناء الحرب لرسول اللَّه . و لعمرى أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء و قرب الوعد و انقضت المدّة و بدا لكم النجم ذو الذّنب من قبل المشرق ، و لاح لكم القمر المنير ، فاذا كان ذلك فراجعوا التّوبة و اعلموا أنّكم ان اتّبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فتداويتم من العمى و الصّمم و البكم ، و كفيتم مؤنة الطلب و التعسّف و نبذتم الثقل الفادح من الأعناق ، و لا يبعد اللَّه إلاّ من أبى و ظلم و اعتسف و أخذ ما ليس له وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » . هذا . و رواها المفيد في الارشاد عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام إلى قوله بل للّه الخيرة و الأمر جميعا باختلاف كثير و زيادات كثيرة على رواية الروضة ، و روى قوله عليه السّلام لو لم تتخاذلوا عن نصرة الحقّ إلى آخر رواية الروضة في ضمن خطبة اخرى رواها عن مسعدة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال انه خطبها بالكوفة و بينها و بين رواية الروضة أيضا اختلاف كثير من أراد الاطلاع فليراجع الارشاد . توضيح « العرصات » جمع العرصة و هي كلّ بقعة من الدّور واسعة ليس فيها بناء « أفاده اللَّه بعلمه » في بعض النسخ بالفاء من أفدت المال أعطيته و في بعضها بالقاف [ 252 ] من أفاده خيلا أعطاه ليقودها و لعلّ المعنى أنه أعطاه اللَّه زينة الحياة الدنيا مع علمه بحاله بحسب اقتضاء حكمته و مقتضى عدالته كما قال في سورة هود عليه السّلام : مَنْ كانَ يُريدُ الْحَيوةَ الدُّنْيا وَ زينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فيها وَ هُمْ فيها لا يُبْخَسُونَ ، أولئِكَ لَيْسَ لَهُمْ في الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ الآية . و المراد بمن أفاده اللَّه هو المتخلّفون الغاصبون للخلافة ، و في رواية الارشاد أباده بدل أفاده و هو الأنسب و عليه فالضّمير في بعلمه راجع إلى من اى كان علمه سببا للهلاكة « و السنّة » الطريقة أى كانوا على طريقة من طرايق آل فرعون و « أهل جنات » بالكسر عطف بيان لآل فرعون . و قوله « في الجنان » متعلّق بقوله مخلّدون ، و القسم معترض بين الظرف و متعلّقه « فلا يزالون بجور » الباء إمّا بمعنى في أو للمصاحبة و الملابسة « كلّ ذلك » بالنّصب مفعول به للفعل المحذوف و « وحشةً » مفعول له أى ارتكبوا كلّ ذلك وحشة . و المراد بما ورث النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ما ورثه آله المعصومين من الخلافة و الولاية « و الفاطر » المخترع « أهل حسرات » خبر محذوف المبتداء أى هم أهل حسرات في الآخرة و « الكهوف » جمع كهف و هو الغار الواسع في الجبل ، و في بعض النسخ كفوف شبهات و هو جمع كف و الكلام جار على الاستعارة و النّاقة « العشواء » لا تبصر امامها و « من وكله اللَّه » مبتدا و خبره « فهو مأمون » و وكله إلى نفسه تركه إليها ، و في هذا كلّه تعريض على الخلفاء كما لا يخفى « و الرّعا » بكسر الرّاء جمع الرّاعي و « الفعلات » جمع الفعلة و هي العادة « المتشتّتة » إما بالجرّ صفة لشيعتي و إمّا بالرّفع على أنّه خبر حذف مبتدائه أى هم المتشتّته . و لعلّ المراد بتشتّتهم عن الأصل و بنزولهم بالفرع ما صدر من بعض الشيعة كالزّيدية و الافطحية و الاسماعيلية و نحوهم حيث عدلوا عن الامام الأصل و تعلّقوا بالفرع و أملوا الفتح من غير جهة فاخطأوا و « القزع » محركة قطع من السحاب [ 253 ] و الواحدة قزعة و « الرّكام » الأوّل بالضّم من الرّكم و هو جمع شي‏ء فوق آخر ، و الثّاني بالفتح و هو السحاب المتراكم و « المستثار » محل الاستثارة من الثور و هو الهيجان و الوثوب و نهوض القطا و الجراد . و « سيل العرم » جمع عرمة كفرحة و هو سدّ يعترض به الوادي جمع عرم او هو جمع بلا واحدا و هو الاحباس تبني في البادية الأودية و الجرذ الذكر و المطر الشّديد و واد و بكلّ فسر قوله تعالى سيل العرم و « الاكمة » كالقصبة التلّ الصّغير و « لم يردّ سننه » من سنّ الماء صبّها أو من سنّ الطّريقة سارها و « الرض » هنا الحجارة و « الطّود » الجبل أو عظيمه و « ذعذع » المال و غيره فرقّه و بدّده و « ضعضعه » هدمه حتّى الأرض و « ينقض اللَّه » من النقض بالضاد المعجمة . و لعلّه عليه السّلام كنّى ب « طىّ الجنادل من ارم » القصور و البساتين المشرفة المطوّية بالحجارات المسنّدة التي كانت لبني اميّة و « بطنان الزيتون » كناية عن الشّام كما في قوله تعالى و التّين و الزّيتون و « الطمطمة » العجمة في اللّسان و « درج » يدرج من باب قعد و سمع درجا و دروجا مشى و « المنتحلين للامامة » المدّعين لها لنفسه و هو لغيره و « من غير أهلها » بيان للمنتحلين و « ازوائها عن أهلها » اى صرفها وطيّها عنه و « التمحيص » بالصاد المهملة الابتلاء . و اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة متضمّنة لجملة من الأخبار الغيبيّة و فقراتها الأخيرة من قبيل المتشابهات و علمها موكول إليهم عليهم السّلام إذ أهل البيت أدرى بما فيه إلاّ أنا نورد في تفسيرها على سبيل الاحتمال ما أورده الخليل القزويني في شرحه على الروضة بتغيير يسير منّا ، فأقول : لعلّ مراده عليه السّلام بقوله مع أنّ اللَّه و له الحمد اه أنّه سبحانه يجمع هذه الفرق المختلفة على اختلافهم لاستيصال بني اميّة و هو شرّ يوم لهم و قد كان ذلك في سنة اثنتين و ثلاثين و مأة حسبما أخبر عليه السّلام به حيث انقرضت سلطنة بني اميّة لعنهم اللَّه لظهور دولة العبّاسيّة و اجتماع الجنود من خراسان على أبي مسلم المروزيّ لكن [ 254 ] دفعوا الفاسد بالأفسد . و شبّه عليه السّلام اجتماعهم باجتماع سحاب الخريف المتراكم يقول عليه السّلام : إنّ اللَّه يفتح لهم بعد اجتماعهم أبوابا يهيجون من مكانهم ، كسيل الجنّتين اللّتين كانتا لأولاد سبا ، و هو سيل العرم حيث بعث اللَّه الجرذ و هو الفارة الكبيرة على السّد الذي كان لهم فقلع الصّخر منهم و خرب السّد فسال الماء و غشيهم السّيل و خرب دور اولاد سبا و قصورهم و بساتينهم و لم يثبت عليه التّلال و لم يردّه أحجار الجبال . و كذلك هؤلاء يخرجون على كثرتهم و احتشامهم لاستيصال بني امية و تخريب الدور و القصور منهم من مستثارهم و هو خراسان و قد وقع ذلك على ما أخبر عليه السّلام حيث اجتمع الجيش و اتفقوا على أبى مسلم المروزى و جعلوه أميرا لهم و توجّهوا نحو مروان الحمار و هو آخر خلفاء بني اميّة . و قوله عليه السّلام يذعذعهم اللَّه اه إشارة إلى تفرّقهم في الأودية و كونهم كتائب مختلفة يسلكون فيها سلوك الينابيع في الأرض و جريانها فيها . يأخذ بهم من قوم حقوق قوم اه أى يأخذ اللَّه ببني العبّاس من بني اميّة حقوق بنى هاشم و يقاصّ بهم منهم و يجزيهم بهم جزاء ما ظلموا في حق آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و إن لم يصل الحقّ إليهم و يمكّن بهم عليهم السّلام لقوم من بنى العباس في ديار قوم من بنى اميّة كلّ ذلك طردا لبنى اميّة و ابعادا لهم ، و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا من بنى هاشم و بنى عباس و غيرهم يهدم اللَّه بهم أركان بنى امية و يكسر بهم قصور هم المسنّدة المطويّة بالأحجار التي كانت بالشّام و يملاء من جيوشهم بلاد الشّام . فو اللَّه الفالق البارى انّ ذلك لكائن لا محالة و كأنّي أسمع أصوات خيولهم و طمطمة رجالهم ، أى كلماتهم العجمية و ذلك أنّ لسانهم كان لسان العجم . و قوله عليه السّلام : و أيم اللَّه ليذوبنّ اه بيان لحال بنى العبّاس بعد القهر و الغلبة يقول عليه السّلام : إنّهم بعد العلوّ و التمكّن في البلاد و قوام الأمر و تمام السلطنة ينقرضون و يفنون كما تفنى و تذوب الالية على النّار ، و قد كان ذلك في سنة [ 255 ] خمسين و ستمأة حيث قتل المستعصم و هو آخر خلفاء العباسيّة على يدهلا كو و يحتمل أن يكون إشارة إلى حال بنى امية . و قوله عليه السّلام : و اللَّه عزّ و جلّ يفضي منهم من درج ، في النسخ بالفاء و الظاهر أن يكون تحريفا و يكون بالقاف أى اللَّه يميت من سعى من بنى امية فيكون كناية عن أنّ من أراد الخروج منهم يقتله اللَّه ، و في بعض النّسخ و إلى اللَّه يقضي و هو الصحيح أى و إلى اللَّه ينتهى منهم من درج فيكون كناية عن ما ذكرنا و إشارة إلى أنّ من تاب منهم تاب ضالا و أمره إلى اللَّه يعذّبه كيف يشاء و يتوب على من تاب كمعاوية بن يزيد و نحوه من بني اميّة . و لعلّ اللَّه يجمع شيعتي بعد التشتّت ، لعلّه إشارة إلى ظهور دولة الحقّة القائميّة و لا يلزم اتّصالها بملكهم . و ليس لأحدّ إلى قوله جميعا إشارة إلى كون هذه الأمور سهلا بيد اللَّه سبحانه إذ هو القاهر القادر فوق عباده و هو المختار الفعّال لما يشاء ليس لأحد معه الاختيار و هو على كلّ شي‏ء قدير . و قوله عليه السّلام أيّها النّاس اه إشارة إلى اغتصاب الخلافة و توبيخ لهم على التثاقل و التخاذل يقول عليه السّلام : إنّ المدّعين للخلافة من الّذين لم يكونوا أهلا لها كثير و لو لم يكن منكم التّخاذل يوم السّقيفة و الشورى عن إقامة الحقّ و الوهن عن توهين الباطل لم يجسر عليكم أحد و لم يقدر على غلبة الطّاعة و صرفها عن أهلها و لكنكم تحيّرتم بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كما تحيّرت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران عليه السّلام و ليكوننّ تحيّركم بعدي أضعاف ما تحيّرت بنو إسرائيل . و قوله : لقد اجتمعتم على سلطان الدّاعي إلى الضّلالة ، أراد به اجتماعهم على بنى العبّاس و دعائهم إلى الضّلالة لترويجهم مذهب الزنادقة . و قطعتم الادنى من أهل بدر ، أراد به أولاده المعصومين عليهم السّلام حيث إنّ الظّفر [ 256 ] في بدر لم يكن إلاّ بأبيهم سلام اللَّه عليه و كان أقرب النّاس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و كذلك أولاده عليهم السّلام . و وصلتم الاّ بعد من أبناء الحرب اه أراد به بني العباس حيث أنّ أباهم كان من جملة المحاربين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في غزوة بدر ثمّ تاب و أسلم و المراد بقطع الأوّلين و وصل الآخرين أخذهم بنى العباس خلفاء لهم دون الأئمة عليهم السّلام . ثمّ قال : و لعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم ، أي أيدى بني اميّة و هو الشام و ما والاها و أشار عليه السّلام بذوبانها إلى قتل وليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان لعنهم اللَّه و اختلاف أهل الشام و اضطراب دولة بنى اميّة و قد كان ذلك في السنّة ست و عشرين و مأة و امتدّت سلطنتهم بعد ذلك إلى ستّ سنين بمنتهى التزلزل و الاضطراب و لذلك قال عليه السّلام لدنى التمحيص للجزاء ، أى قرب ابتلائهم بجزاء أعمالهم و ذلك بقتل الاحياء منهم و إخراج الأموات منهم من القبور كما هو في السّير مشهور و في الكتب مسطور . و انقضت المدّة ، أراد به المدّة المقدّرة لبني امية و كانت ألف شهر . و بدا لكم النجم ذو الذّنب ، أراد به أبا مسلم المروزى حيث خرج من خراسان و هو من بلاد المشرق مع جنوده نحو الشّام و تسميته بالنجم لكونه كالنجم يرمى به الشياطين من بنى اميّة و توصيفه بذى الذنب لكون ظهوره لانتصار بنى العباس دون آل محمّد سلام اللَّه عليهم . و لاح لكم القمر المنير ، أراد به أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه و على آبائه آلاف التّحيّة و الثّناء فقد طلع في المشرق و انتشر أنوار علمه في الآفاق ثمّ غاب هناك بغدر المأمون الملعون . فاذا كان ذلك ، أى ذوبان ما في أيديهم أو انقضاء المدّة أو طلوع القمر المنير ، فراجعوا التوبة . ثمّ قال عليه السّلام : و اعلموا أنّكم إن اتّبعتم طالع المشرق ، أراد به القمر المنير [ 257 ] سلك بكم منهج الطّريقة البيضاء و الصّراط المستقيم ، فتداويتم من الضّلالة و الغواية و كفيتم مؤنة طلب العلم من غير مظانه ، و سلمتم من التعسّف و الأخذ على غير الطريق المستقيم ، و نبذتم ثقل استنباط التكاليف الشّرعية . من اعناقكم حيث انّكم تأخذونها من أهلها فيكفيكم مؤنتها و لا يبعد اللَّه من رحمته إلاّ من أبى من قبول الحقّ و ظلم أهل الحقّ و أخذ على غير الطريق و انتحل ما ليس له بحقّ . وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ هذا . و بنحو ما قلناه في شرح هذا الحديث الشريف فسّره المحدّث العلامّة المجلسي ره في البحار إلاّ أنّه خالفنا في شرح الفقرات الأخيرة حيث قال : قوله عليه السّلام : لو قد ذاب ما في أيديهم أى ذهب ملك بني العبّاس ، لدنى التمحيص للجزاء أى قرب قيام القائم عليه السّلام و فيه التّمحيص و الابتلاء ليجزى الكافرين و يعذّبهم في الدّنيا ، و قرب الوعد أى وعد الفرج ، و انقضت المدّة أى قرب انقضاء مدّة أهل الباطل ، و النجم ذو الذنب من علامات ظهور القائم عليه السّلام ، و المراد بالقمر المنير القائم عليه السّلام ، و كذا طالع المشرق إذ مكة شرقية بالنسبة إلى المدينة ، أو لأنّ اجتماع العساكر إليه عليه السّلام و توجّهه إلى فتح البلاد من الكوفة و هي كالشرقية بالنسبة إلى الحرمين و لا يبعد أن يكون ذكر القمر ترشيحا للاستعارة أى القمر الطّالع من مشرقه . و الثقل الفادح الدّيون المثقلة و المظالم أو بيعة أهل الجور و طاعتهم و ظلمهم إلاّ من أبى أى من طاعة القائم عليه السّلام أو الرّب تعالى ، و اعتسف أى مال عن طريق الحقّ إلى غيره أو ظلم على غيره انتهى كلامه فيكون هذه الفقرات على ما ذكره أيضا إشارة إلى ظهور دولة الحقّة و اللَّه العالم . الترجمة اين خطبه شريفه متضمن توبيخ و مذمت خلق است بجهت اختلاف ايشان در [ 258 ] دين و تشتّت آراءشان در احكام شرع مبين و عدول ايشان از تمسك حبل المنين كه عبارتست از امام زمان و زمين ميفرمايد : أمّا بعد از حمد و ثناى الهى و صلوات بر حضرت . رسالت پناهى پس بدرستيكه خداوند تعالى نشكست هرگز گردنكشان روزگار را مگر بعد از مهلت و وسعت در حيات ، و اصلاح نفرموده است استخوان شكسته احدى را از امّتهاى پيغمبران مگر بعد از شدّت و تنگى و امتحان ، و در نزد آنچه استقبال نموديد از ملامت و عتاب من و استدبار كرديد از أهوال و كارهاى بزرك زمن عبرتست صاحب عبرت و بصيرت را ، و نيست هر صاحب قلب عاقل و دانا ، و نه هر صاحب گوش سميع و شنوا و نه هر صاحب نظر بصير و بينا . پس اى نفس تعجب كن و چيست مرا كه تعجب نكنم از خطاى اين فرقهاى بى‏ادب بر اختلاف حجّتهاى ايشان در دين و مذهب كه متابعت نميكنند بر اثر خير البشر ، و اقتدا نمينمايند بر عمل وصيّ پيغمبر ، ايمان نمى‏آورند بغيب ، و عفت نميورزند از گناه و عيب ، عمل ميكنند در شبهها ، و سير مينمايند در شهوتها ، معروف در ميان ايشان چيزى است كه خود شناخته‏اند او را بميل طبيعت ، و منكر نزد ايشان چيزيست كه خود انكار كرده‏اند آنرا نه بمقتضاى شريعت . مرجع ايشان در شدايد بنفس خودشان است نه بر أئمه ، و اعتماد ايشان در مبهمات برأى خودشان است نه بعترت خير البشر ، گويا هر مردى از ايشان امام و مقتداى خودش هست در دين ، بتحقيق كه تمسك نموده است از نفس خود در چيزى كه ظن ميكند به بندهاى استوار و ريسمانهاى محكم تابدار ، يعنى اعتقادش اينست آنچه اخذ نموده است آنرا از نفس خود در احكام در استحكام مانند حكم الهى است .