متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 14 ]
و من خطبة له عليه السّلام
و هى التاسعة و العشرون من المختار فى باب الخطب خطب بها في غارة الضّحاك بن قيس على ما تعرفها تفصيلا و قد رواها في شرح المعتزلي من ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني و العلامة المجلسي في البحار من امالى الشّيخ و ارشاد المفيد ، و الشيخ السعيد أبو المنصور احمد بن علي الطبرسي في كتاب الاحتجاج باختلاف كثير تطلع عليه بعد الفراغ من شرح ما اورده السّيد في الكتاب و هو قوله أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم ، كلامكم يوهي الصّم الصّلاب ، و فعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس كيت و كيت ، فإذا جاء الجهاد قلتم حيدي حياد ، ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم ، أعاليل بأضاليل ، و سألتموني التّطويل ،
دفاع ذي الدّين المطول لا يمنع الضّيم الذّليل ، و لا يدرك الحقّ إلاّ بالجدّ أىّ دار بعد داركم تمنعون ، و مع أىّ إمام بعدي تقاتلون ، المغرور و اللّه من غررتموه ، و من فاز بكم فقد فاز بالسّهم الأخيب ، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل أصبحت ، و اللّه لا أصدّق قولكم ،
و لا أطمع في نصركم ، و لا أوعد العدوّ بكم ، ما بالكم ما دوائكم ما طبّكم ، القوم رجال أمثالكم ، أقولا بغير علم ، و غفلة « و عفّة خ » من غير ورع ، و طمعا في غير حقّ .
[ 15 ]
اللغة
( الوهي ) الضّعف و وهى الحجر و السقاء كوقي انشقّ و اوهاه شقّه و ( الصمّ ) و ( الصّلاب ) من أوصاف الحجر و الصخرة الصماء التي ليس فيها صدع و لا خرق ( و كيت و كيت ) كناية عن القول و ( حيدي حياد ) قال الشّارح المعتزلي كلمة يقولها الهارب الفارّ و هي نظير قولهم : فيحى فياح اي اتّسعى ، و أصلها من حاد الشيء أي انحرف و قال الشّارح البحراني حياد اسم للمغارة و المعنى اعدلى عنا أيتها الحرب ، و يحتمل أن يكون من اسماء الأفعال كنزال فيكون قد امر بالتنحّى مرّتين بلفظين مختلفين .
أقول : قال نجم الأئمة الرّضيّ فعال المبنى على أربعة أضرب : الاول اسم فعل كنزال الثانى المصدر نحو لا مساس أي لامس الثالث الصّفة المؤنثة و لم يجىء في المذكر و جميعها يستعمل من دون الموصوف و هي بعد ذلك على ضربين : إما لازمة للنّداء سماعا نحو يالكاع اي لكعاء و يا فساق و يا خباث اي يا فاسقة و يا خبيثة و أما غير لازمة للنّداء و هي على ضربين .
أحدهما ما صار بالغلبة علما جنسيّا كاسامة و جعل من هذا القسم حلاق و جباذ للمنية كانت في الأصل صفة لكل ما تحلق عامة و تجبذأى تجذب ثمّ اختصّت بجنس المنايا و فشاش و صمام و حياد للداهية لأنّها تفش اي تخرج ريح الكبر و تحيداي تميل سمّيت بها تفولا و تصم اي تشتدّه يقال فشاش فشيه من استه الى فيه اي اخرجى ريح الكبر منه من استه مع فيه و يقال حيدي حياد أي ارجعى يا راجعة و يقال صمّى صمام اي اشتدّي يا شديدة اي زيدي في الشّدّة و أبقى على شدّتك و فياح للغارة يقولون فيحى فياح اي اتّسعى يا متّسعة على تأويل صمّى صمام .
قال فهذه و امثالها أعلام للجنس بدليل وصفها بالمعرفة نحو حناذ الطالعة و لو لم يكن معارف لم يجز حذف حرف النّداء معها في نحو فشاش فشيه و حيدي حياد .
و الضّرب الثّاني من غير اللاّزمة للنّداء ما بقى على وصفيّتها نحو قطاط اي قاطة ، و لزام اي لازمة ، و بداد اي متبدّدة متفرّقة و الرابع الأعلام الشّخصية و جميع ألفاظها مؤّنثة و إن كان المسمّى بها مذكرا ايضا نحو لصاف منزل من منازل بني
[ 16 ]
تميم و خصاف فحل و حضار كوكب و ظفار مدينة و قطام اسم امرأة إلى آخر ما ذكره .
و قد لخّصناه بطوله لعدم اقتضاء المجال إلاّ ذكر هذا القدر و قد تحصل منه أنّ حياد علم جنس للداهية فعلى ما ذكره بطل ما توّهمه الشّارح البحراني من جعلها علما للغارة او اسم فعل كنزال .
و ( عز ) فلان بالزّاء المعجمة المشدّدة قوى بعد ذلة و ( قاساه ) كابده و ( اعاليل ) و ( اضاليل ) قال البحراني : جمع أعلال و أضلال و هما جمع علّة اسم لما يتعلل به من مرض و غيره و ضلة اسم من الضّلال و ( المطول ) كصبور كثير المطال ، و هو تطويل الوعد و تسويفه و ( الضيّم ) الظلم ، و في بعض النّسخ بدل تمنعون تمتّعون على التّفعل بحذف إحدى التّائين أى تنتفعون و ( الاخيب ) أشدّ خيبة و هي الحرمان و ( الافوق ) السّهم المكسور الفوق و هو موضع الوتر منه و ( النّاصل ) الذي لا نصل فيه و ( غفلة ) في بعض النّسخ عفّة بدله .
الاعراب
كلمة كيت لا تستعمل إلا مكررة بواو العطف ، و هي مبنيّة لوقوعها موقع الجملة الغير المستحقة للاعراب .
فان قيل : و كان يجب أن لا تكون مبنيّة كالجمل .
قيل : يجوز خلوّ الجمل عن الاعراب و البناء لأنهما من صفات المفردات و لا يجوز خلوّ المفرد عنهما فلما وقع المفرد ما لا إعراب له في الأصل و لا بناء و لم يجز أن يخلو أيضا عنهما مثله بقى على الأصل الذى ينبغي أن تكون الكلمات عليه و هو البناء إذ بعض المبنيّات و هو الخالى عن التركيب يكفيه عريه عن سبب الأعراب فعريه عن سبب الاعراب سبب البناء كما قيل عدم العلّة علّة العدم .
فان قلت : إنّها وضعت لتكون كناية عن جملة لها محلّ من الاعراب نحو قال فلان كيت و كيت أى زيد قائم مثلا و هي في موضع النّصب .
[ 17 ]
قيل : إنّ الاعراب المحلى في الجملة عارض فلم يعتدبه و كيف كان فبنائها على الفتح أكثر لثقل الياء كما في أين و كيف و لكونها في الأغلب كناية عن الجملة المنصوبة المحل ، و يجوز بنائها على الضمّ و الكسر أيضا تشبيها بحيث و جير و حياد و امثالها مبنيّة على الكسر .
قال نجم الأئمة الرّضىّ : و أمّا الأعلام الجنسية فكان حقّها الاعراب لأنّ الكلمة المبنيّة إذا سمى بها غير ذلك اللفظ وجب إعرابها كما يسمّى باين شخص لكنّها بنيت لأنّ الأعلام الجنسيّة أعلام لفظية ، فمعنى الوصف باق في جميعها إذ هي أوصاف غالبة انتهى .
و في اسناد عزت إلى الدّعوة توسع ، و أعاليل خبر مبتدء محذوف ، و بأضاليل متعلقة بأعاليل نفسها أى إذا دعوتكم إلى القتال تعللتم و هي أعاليل بالأضاليل التي لا جدوى لها .
و دفاع إمّا منصوب بحذف الجار تشبيها لدفاعهم بدفاع ذى الدّين ، أو مرفوع استعارة لدفاعهم ، و المغرور مبتدء و من خبره ، و هو أولى من جعله خبرا مقدّما و من مبتدء لكونه أبلغ في إثبات الغرور لمن اغترّبهم من حيث إفادته الحصر دون العكس ، و قولا و غفلة و طمعا منصوبات بالأفعال المقدّرة
المعنى
قد أشرنا أنّ السّبب في هذه الخطبة هو غارة الضّحاك بن قيس بعد قصّة الحكمين و عزمه على المسير الى الشام و ذلك على ما روى في شرح المعتزلي و غيره من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّد الثّقفى باختصار منّا هو :
أنّ معاوية لما بلغه أنّ عليّا بعد واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلاها له ذلك فخرج من دمشق معسكرا و بعث إلى كور الشّام فصاح فيها أنّ عليّا قدساء إليكم فاجتمع إليه النّاس من كلّ كورة و أرادوا المسير إلى صفّين .
فمكثوا يجيلون الرّأى يومين أو ثلاثة حتّى قدمت عليهم عيونهم أنّ عليّا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة انكرت أمر الحكومة و أنّه قد رجع عنكم
[ 18 ]
إليهم فكبر النّاس سرورا لانصرافه عنهم و ما ألقى اللّه عزّ و جلّ من الخلاف بينهم .
فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من عليّ و أصحابه و هل يقبل بالنّاس أم لا ، فما برح حتّى جاء الخبر أنّ عليّا قد قتل اولئك الخوارج و أنّه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالنّاس و أنّهم استنظروه و دافعوه فسرّ بذلك هو و من قبله من النّاس .
فعند ذلك دعى معاوية الضّحاك بن قيس الفهري و قال له : سر حتّى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فاغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فامس في اخرى و لا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها .
فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف ، فأقبل الضّحاك فنهب الأموال و قتل من لقى من الأعراب حتّى مرّ بالثّعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ، ثمّ أقبل فلقى عمرو بن عميس بن مسعود الذّهلي و هو ابن أخى عبد اللّه بن مسعود صاحب رسول اللّه فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه فخرج عليّ عليه السّلام إلى النّاس و هو يقول على المنبر :
يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس و إلى جيوش لكم قد اصيب منهم طرف آخر اخرجوا فقاتلوا عدوّكم و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين .
فردّوا عليه ردّا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال : و اللّه لوددت إنّ لى بكلّ ثمانية منكم رجلا منهم و يحكم اخرجوا معي ثمّ فرّوا عني ما بدا لكم فو اللّه ما أكره لقاء ربّى على نيتي و بصيرتي و في ذلك لي روح عظيم و فرج من مناجاتكم و لمّا رأى تثاقل أصحابه و تقاعدهم عنه خطبهم بهذه الخطبة فقال :
( أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم ) و المتفرّقة آرائهم ( كلامكم يوهي ) الجبال ( الصّم الصّلاب ) أى الضعيف القلوب الصّلبة التي هي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، و يظنّ السّامعون أنّ ورائه بأسا و نجدة ( و فعلكم يطمع فيكم الأعداء ) أراد به تخاذلهم عن الجدال و تقاعدهم عن
[ 19 ]
القتال ( تقولون في المجالس ) إذا حنيتم و أنفسكم ( كيت و كيت ) اى سنغلب عدوّنا و نقتل خصومنا و لا محلّ لهم منّا و نحو ذلك ( و إذا جاء الجهاد ) و شاهدتم الانجاد ( قلتم حيدى حياد ) و كنتم كالحمرة المستنفرة فرّت من قسورة .
( ما عزّت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم ) يعنى من دعاكم لم يعز بدعوته من ذلته ، و من قاساكم لم يسترح قلبه من تعبه و إذا دعوتكم إلى الجهاد و القتال تعللتم بامور و هي ( أعاليل ) باطلة ( بأضاليل ) لا جدوى لها و لا طائل تحتها ( و سألتموني ) التّأخير ( و التطويل ) كلّ ذلك ذّبا عنكم و دفاعا عن أنفسكم ( كدفاع ذي الدّين المطول ) عن نفسه المماطل لدينه اللازم له ( لا يمنع الضيم الذّليل ) الحقير ( و لا يدرك الحقّ الاّ بالجدّ ) و الاجتهاد و التّشمير في ( اىّ دار ) أو عن اىّ دار ( بعد داركم ) التي أنتم عليها و هو العراق أو دار الاسلام التي لا نسبة لغيرها إليها ( تمنعون ) عدوّكم إذا أخرجوكم عن دياركم و مساكنكم ( و مع أىّ امام بعدى تقاتلون ) خصومكم إذ تركتم القتال و نئيتم عنه بجانبكم .
ليس ( المغرور و اللّه ) إلاّ ( من غرر تموه ) حيث اغترّبكم مع كثرة ما يشاهد منكم من خلف المواعيد و التّثاقل عن الجهاد و ما يصدر عنكم من أفعال الرذول الاوغاد ( و من فاز بكم فقد فاز بالسهم الاخيب ) إخبار عن سوء حال من كانوا حزبه و من يقاتل بهم و التّعبير عن الابتلاء بهم بالفوز على التهكم و السّهم الأخيب التي لا غنم لها في المسير كالثلاثة المسمّاة بالاوغاد أو التي فيها غرم كالتي لم تخرج حتّى استوفيت أجزاء الجزور فحصل لصاحبها غرم و خيبة .
و قد شبّه نفسه و خصومه باللاعبين بالميسر و شبّه فوزه بهم بالفوز بأحد السّهام الخايبة فلأجل ملاحظة هذا الشّبه استعار لهم لفظ السّهم بصفة الاخيب و اطلاق الفوز هنا مجاز من باب اطلاق أحد الضّدّين على الآخر مثل تسمية السّيئة جزاء
[ 20 ]
( و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل ) شبّه إرسالهم في الحرب بالرّمى بالسّهام و استعارلهم أوصاف السّهم من الأفوق و استعار لفظ الرّمى لمقاتلته بهم ثم خصّصهم بأرده الاوصاف للسّهم التي يبطل معها فايدته لمشابهتهم ذلك السّهم في عدم الانتفاع بهم في الحرب و عدم الظفر معهم بالمقصود .
( اصبحت و اللّه لا اصدّق قولكم ) لكثرة ما شاهدت منكم من العدات الباطلة و الأقوال الكاذبة ( و لا أطمع في نصركم ) مع تثاقلكم عن الجهاد و تقاعدكم عن القتال غير مرّة ( و لا او عدبكم العدوّ ) اذ الوعيد بهم مع طول تخلّفهم و شعور العدوّ بذلك ممّا يوجب جرئة العدوّ و تسلّطه و جسارته .
( ما بالكم ) و ما شأنكم الذي اوجب لكم التخاول و التّصامم عن ندائى و ( ما دوائكم ) و ( ما طبكم ) كى اداوى و اعالج للمرض الذي اضعفكم عن استماع دعائى .
و قيل انّ الطبّ بمعنى العادة على حدّ قوله :
فما ان طبّنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا
و الأوّل هو الأظهر ( القوم رجال أمثالكم ) فما أخوفكم منهم .
قال الشّاعر :
قاتلوا القوم يا خزاع و لا يدخلكم من قتالهم فشل القوم أمثالكم لهم شعر في الرّأس لا ينشرون ان قتلوا
ثمّ عيّرهم على امور مستقبحة شرعا منفور عنها عادة .
احدها ما أشار إليه بقوله : ( أقولا بغير علم ) أراد به قولهم إنّا نفعل بالخصوم كذا و كذا مع أنّه لم يكن في قلوبهم إرادة الحرب أو دعويهم الايمان و الطاعة مع عدم الاطاعة فكأنّهم لا يذعنون بما يقولون ، و على الرّواية الاخرى و هي أقولا بغير عمل كما هو الأظهر فيكون إشارة إلى ما يعدونه به من النّهوض إلى الحرب مع عدم وفائهم بالوعد و عدم قيامهم بما قالوا تذكيرا لهم بما في ذلك من المقت الشديد و الخزى الأكيد ، قال سبحانه : « لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند اللّه أن
[ 21 ]
تقولوا ما لا تفعلون » الثّاني ما أشار إليه بقوله ( و غفلة من غير ورع ) أراد به غفلتهم عمّا يصلحهم من غير ورع يحجزهم عن المحارم و ينبّههم عن نوم الغفلة .
الثّالث ما أشار إليه بقوله ( و طمعا في غير حقّ ) لعله أراد به طمعهم في أن يوفر عطياتهم و يمنحهم زيادة على ما كان يؤتيهم ، و كأنّه عقل من بعضهم أنّ سبب تسويفهم و تخلّفهم عن ندائه هو الطمع في التّوفير كما فعل معاوية و الخلفاء قبله خذلهم اللّه ، فردعهم عن ذلك بأنّه طمع من غير استحقاق هذا .
و روى في شرح المعتزلي من كتاب الغارات لابراهيم الثّقفى أنّ عليّا دعا حجر بن عدىّ الكندي بعد غارة الضحاك فعقد له على أربعة ألف فخرج حجر حتّى مرّ بالسّماوة و هي أرض كلب فلقى بها امرء القيس بن عديّ بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي و هم أصهار الحسين بن عليّ بن أبي طالب فكانوا ولاءه في الطريق و على المياه فلم يزل في أثر الضّحاك حتى لقاه بناحية ترمد فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضّحاك تسعة عشر رجلا ، و قتل من أصحاب حجر رجلان و حجز الليل بينهما ، فمضى الضّحاك فلما أصبحوا لم يجدواله و لا لأصحابه أثرا ، و كان الضّحاك يقول بعد ، انا ابن قيس انا ابوانيس انا قاتل عمرو بن عميس .
تكملة
قد اشرنا سابقا إلى انّ هذه الخطبة مرويّة بطرق متعدّدة ، و المستفاد من رواية الاحتجاج و البحار من الارشاد انّها من الخطبة السّابعة و العشرين ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السّلام و لا بأس بذكر تلك الرّواية زيادة للبصيرة .
فأقول : قال في الاحتجاج و الارشاد على ما رواه من الأخير في البحار : و من كلام له عليه السّلام يجرى مجرى الاحتجاج مشتملا على التّوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية و التنفيذ متضمّنا للوم و الوعيد .
أيّها النّاس انّى استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا ، و أسمعتكم فلم تجيبوا ، و نصحت لكم فلم تقبلوا شهودا بالغيب ، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها ،
[ 22 ]
و أعظكم بالموعظة البالغة فتفرقون عنها ، كأنكم حمر مستنفرة فرّت من قسورة ،
و أحثكم على جهاد أهل الجور ، فما اتى علىّ آخر قولي حتى اراكم متفرّقين أيادي سبا ، ترجعون إلى مجالسكم ، تتربعون حلقا ، تضربون الأمثال ، و تنشدون الأشعار ، و تجسّسون الأخبار .
حتّى إذا تفرّقتم تسئلون عن الأشعار جهلة من غير علم ، و غفلة من غير ورع و تتبّعا من غير خوف ، و نسيتم الحرب و الاستعداد لها ، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأعاليل و الأضاليل ، فالعجب كلّ العجب و كيف لا اعجب من اجتماع قوم على باطلهم و تخاذلكم عن حقّكم .
يا اهل الكوفة انتم كامّ مجالد حملت فاملصت 1 فمات قيّمها ، و طال ايّمها ،
و ورثها ابعدها و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة إنّ من ورائكم الأعور الأدبر جهنّم الدّنيا لا تبقى و لا تذر ، و من بعده النهّاس 2 الفراس الجموع المنوع .
ثمّ ليتوارثنكم من بني اميّة عدّة ما لآخر بأرءف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا 3 ، بلاء قضاه اللّه على هذه الامة لا محالة كاين ، يقتلون أخياركم ، و يستعبدون أراذلكم ، و يستخرجون كنوزكم و ذخايركم من جوف حجالكم نقمة بما ضيّعتم من اموركم ، و صلاح انفسكم و دينكم .
يا اهل الكوفة اخبركم بما يكون قبل ان يكون لتكونوا منه على حذر ،
و لتنذروا به من اتّعظ و اعتبر ، كأنّى بكم تقولون : إنّ عليّا يكذب كما قالت قريش لنبيّها و سيّدها نبيّ الرّحمة محمّد بن عبد اللّه حبيب اللّه .
فيا ويلكم فعلى من اكذب ؟ أعلى اللّه فأنا أوّل من عبد اللّه و وحّده ، أم على
----------- ( 1 ) املصت المرة بولدها أسقطت .
----------- ( 2 ) النهاس اللحم اخذه بمقدم الاسنان و نهس الحية لسعها و فرس الاسد فريسته دق عنقها و المراد بالنهاس الفراس ، اما هشام بن عبد الملك لاشتهاره بالبخل او سليمان بن عبد الملك فانه الذى قنيت له الخلافة بعد وفات الحجاج بقليل بحار .
----------- ( 3 ) عمر بن عبد العزيز .
[ 23 ]
رسول اللّه فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره ، كلاّ و لكنّها لهجة 1 خدعة كنتم عنها أغنياء .
و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة لتعلمنّ نبأها بعد حين ، و ذلك إذا صيّرها ،
اليكم جهلكم لا ينفعكم عندها علمكم ، فقبحا لكم يا أشباح الرّجال و لا رجال و حلوم الأطفال و عقول ربّات الحجال ، أما و اللّه أيّها الشّاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهوائهم ، ما أعزّ اللّه نصر من دعاكم ، و لا استراح قلب من قاساكم ، و لا قرّت عين من أراكم ، كلامكم يوهن الصمّ الصّلاب ، و فعلكم يطمع فيكم عدوّكم المرتاب .
ياويحكم أىّ دار بعد داركم تمنعون ، و مع أىّ إمام بعدي تقاتلون ، المغرور و اللّه من غرر تموه ، و من فازبكم فاز بالسّهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصرتكم و لا اصدّق قولكم ، فرّق اللّه بيني و بينكم ، و أعقبني ربّكم من هو خير لي منكم ، و أعقبكم من هو شرّ لكم منّي .
إمامكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه ، و إمام أهل الشّام يعصى اللّه و هم يطيعونه ،
و اللّه لوددت إنّ معاوية صارفنى بكم صرف الدّينار بالدّرهم فأخذ منّي عشرة منكم و أعطانى واحدا منهم ، و اللّه لوددت انّى لم أعرفكم و لم تعرفونى ، فانّه معرفة جرّت ندما ، لقد وريتم 2 صدرى غيظا و أفسدتم علىّ أمرى بالخذلان و العصيان ، حتى لقد قالت قريش إنّ عليّا رجل شجاع لكن لا علم له بالحرب .
للّه درّهم هل كان فيهم أطول لها مراسا منّى ، و أشدّ لها مقاساة ، لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ثمّ ها أنا ذا قد ذرفت على السّتين و لكن لا أمر
----------- ( 1 ) اى اذا قلت لكم ساظفر على الخصم انشاء اللّه فليس هذا من الكذب بل هو من مصالح الحرب و كذا اشباهه من مصالح و غيره و يحتمل ارجاع ضمير و لكنها الى ما ذكره من نسبته الى الكذب خصوصا على نسخة اغنيا بالنون اى ما ذكرتم لهجة خدعتم فيها من الشيطان و لم يكن لكم حاجة الى ذكرها بحار .
----------- ( 2 ) ورى القيح جوفه يريه وريا اكله و الاسم الورى بالتحريك بحار .
[ 24 ]
لمن لا يطاع .
أما و اللّه لوددت أنّ ربى أخرجنى من بين أظهركم إلى رضوانه ، فانّ المنية لترصدنى 1 فما يمنع أشقاها أن يخضبها ، و ترك يده على رأسه و لحيته ،
عهدا عهده إلىّ النّبيّ الاميّ ، و قد خاب من افترى ، و نجى من اتّقى و صدّق بالحسنى .
يا اهل الكوفة دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا و نهارا و سرّا و إعلانا و قلت لكم : اغزوهم قبل أن يغزوكم فانّه ما غزى قوم في عقر دارهم إلاّ ذلّوا ،
فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولى ، و استصعب عليكم أمرى و اتّخذتموه ورائكم ظهرّيا ، حتّى شنّت عليكم الغارات ، و ظهرت فيكم الفواحش و المنكرات ،
تمسيكم 2 و تصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم حيث أخير اللّه عن الجبابرة العتاة الطغاة و المستضعفين الغواة في قوله تعالى : « يذبحون أبنائكم و يستحيون نسائكم و في ذلكم بلاء من ربّكم عظيم » أما و الذى فلق الحبّة و برء النّسمة لقد حلّ بكم الذى توعدون ، عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم انتفع بكم و أعطيتكم بالدّرة فلم تستقيموالى ،
و عاقبتكم بالسّوط الذى يقام به الحدود فلم ترعووا ، و لقد علمت أنّ الذى يصلحكم هو السّيف ، و ما كنت متحرّيا صلاحكم بفساد نفسى ، و لكن سيسلّط عليكم سلطان صعب لا يوقّر كبيركم ، و لا يرحم صغيركم ، و لا يكرم عالمكم ، و لا يقسم الفيىء بالسّوية بينكم ، و ليضربنكم و ليذلّنكم و ليجهزنكم في المغازي و يقطعنّ سبلكم
----------- ( 1 ) رصده رقبه و الرصيد الرقيب بحار .
----------- ( 2 ) تمسيكم و تصبحكم لعل الضمير المستتر فيهما راجع الى الفواحش و المنكرات اى ياتيكم اما صباحا او مساء عقوبات تلك المنكرات كما فعل بمن فيكم و الكاف اسمى اى ياتيكم مثل ما فعل بهم اوصله تقدير اى ياتيكم عقوبة كما فعل بهم او الضميران راجعان الى شنّ الغارات و ظهور الفواحش و المنكرات و يكون المراد ظهورها من المخالفين فيهم و هذه عقوبة اعمالهم بحار .
[ 25 ]
و ليحجبنّكم 1 على بابه حتّى يأكل قويّكم ضعيفكم ثمّ لا يبعد اللّه إلاّ من ظلم و لقلّ ما أدبر شيء فأقبل و انّى لأظنكم على فترة و ما علىّ إلاّ النّصح لكم .
يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث و اثنتين صمّ و ذو أسماع ، و بكم و ذو ألسن و عمى و ذو أبصار لا إخوان صدق عند اللّقاء و لا إخوان ثقة عند البلاء .
اللّهمّ قد مللتهم و ملّونى ، و سئمتهم و سئموني ، اللّهمّ لا ترض عنهم أميرا ،
و لا ترضيهم عن أمير ، و أمث قلوبهم كما يماث الملح في الماء ، أما و اللّه لو أجد بدّا من كلامكم و مراسلتكم ما فعلت ، و لقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة كلّ ذلك ترجعون بالهزو من القول ، فرارا من الحقّ ، و الحادا إلى الباطل الذى لا يغر اللّه بأهله الدّين .
و إنّى لأعلم بكم أنكم لا تزيدوننى غير تخسير كلّما أمرتكم بجهاد عدوّكم اثّاقلتم إلى الأرض ، و سألتموني التّأخير دفاع ذي الدّين المطول ، إن قلت لكم في القيظ : سيروا ، قلتم : الحرّ شديد ، و إن قلت لكم في البرد : سيروا ، قلتم : القرّ شديد ، كلّ ذلك فرارا عن الحرب ، إذا كنتم من الحرّ و البرد تعجزون فأنتم من حرارة السّيف أعجز و أعجز ، فانا للّه و إنا إليه راجعون .
يا أهل الكوفة قد أتانى الصّريح 2 يخبر في أنّ ابن غامد قد نزل بالأنبار على اهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الرّوم و الخزر 3 فقتل بها عاملى ابن حسان و قتل معه رجالا صالحين ذوى فضل و عبادة و نجدة ، بوّء اللّه لهم جنات النعيم و أنّه أباحها .
و لقد بلغنى أنّ العصبة 4 من أهل الشّام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة ،
----------- ( 1 ) ضمن معنى القيام و لذا عدى بعلى بحار .
----------- ( 2 ) الصريح في أكثر النسخ بالحاء المهملة و هو الرجل خالص النسب و كل خالص صريح و الاظهر إنه بالخاء المعجمة كما في الارشاد اى المستغيث أو من يطلب الاغاثة بحار .
----------- ( 3 ) بضم الخا و الزاء المعجمة و الراء اخيرا طائفة من الامم .
----------- ( 4 ) العصبة من الرجال ما بين العشرة الى الاربعين بحار .
[ 26 ]
و الاخرى المعاهدة فيهتكون سترها ، و يأخذون القناع من رأسها ، و الخرص من اذنها ، و الأوضاح 1 من يديها و رجليها و عضديها ، و الخلخال و الميزر عن سوقها ،
فما تمتنع ألاّ بالاسترجاع و النّداء يا للمسلمين فلا يغيثها مغيث ، و لا ينصرها ناصر فلو أنّ مؤمنا مات من دون هذا ما كان عندى ملوما بل كان عندى بارّا محسنا .
و اعجبا كلّ العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم و فشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون ، و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون فترتب أيديكم ، يا أشباه الابل غاب عنها رعاتها ، كلّما اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب .
الترجمة
از جمله خطب آن حضرتست كه توبيخ مىفرمايد در آن اصحاب خود را بسوء افعال و اعمال از جهت تسامح ايشان در جدال و قتال باين نحو كه مىفرمايد .
اى مردمانى كه مجتمع است بدنهاى ايشان و مختلفست خواهشات ايشان قولهاى شما ضعيف مينمايد سنكهاى سخت را ، و فعلهاى شما بطمع مىاندازد در شما دشمنان را مىگوئيد در مجلسها چنين و چنان پس چون مىآيد وقت محاربه و مجادله مىگوئيد : حيدى حياد يعنى برگرد اى داهيه 2 عزيز نشد دعوت آن كسى كه دعوت نمود شما را ، و راحت نگرديد قلب آن كسى كه كشيد رنج شما را ، زمانى كه دعوت كنم شما را بجهاد عذر ميآوريد و آن عذرهاى شما عذرهائيست با گمراهيها ، و مدافعه شما محاربه را از خودتان مثل مدافعه كردن صاحب دين بسيار مماطله كننده است غريم خود را .
منع نمىنمايد مرد ذليل ظلم را از خود و ادراك نميشود حق مگر بجهد
----------- ( 1 ) نوع من الحلى يعمل من الفضة سميت بها لبياضها واحدها واضح .
----------- ( 2 ) و لنعم ما قيل :
در ميان همدگر مردانهايد در غزا چون عورتان خانهايد بهر آن گفت آن سپهد ارغيوب لا شجاعة يا فتى قبل الحروب
[ 27 ]
و كوشش ، از كدام خانه بعد از خانه خودتان كه دار اسلامست مانع ميشويد ، و با كدام امام بعد از من مقاتله مىكنيد ، فريب داده شده بخدا سوگند آنكس است كه شما فريب داديد او را و كسى كه فايز شود بشما فايز ميشود بسهمى كه نوميدتر باشد از سهمهاى قمار و كسى كه تير اندازد با شما بدشمنان پس بتحقيق كه تير انداخته به تير شكسته بى پيكان .
قسم بخداوند كه گرديدم بمرتبه كه باور ندارم گفتار شما را ، و طمع ندارم در يارى دادن شما ، و نمىترسانم دشمن را با شما ، چيست حال شما چيست دواى شما علاج ناخوشى شما ، گروهى كه طرف مقابل شمايند مردانند مانند شما ،
آيا مىگوئيد گفتار بى اعتقاد ، و غفلت مىورزيد بدون ورع ، و طمع تفضيل داريد بدون استحقاق .