جستجو

و من كلام له ع في الإيمان و وجوب الهجرة أقسام الإيمان

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثامنة و الثمانون من المختار فى باب الخطب فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرّا في القلوب ، و منه ما يكون عواريّ بين القلوب و الصّدور إلى أجل معلوم ، فإذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتّى يحضره الموت ، فعند ذلك يقع حدّ البراءة ، [ 159 ] و الهجرة قائمة على حدّها الأوّل ، ما كان للّه في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الامّة و معلنها ، لا يقع اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض ، فمن عرفها و أقرّ بها فهو مهاجر ، و لا يقع اسم الإستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ، و وعاها قلبه ، إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ عبد مؤمن ( ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن خ ل ) امتحن اللّه قلبه للإيمان ، و لا يعي حديثنا إلاّ صدور أمينة ، و أحلام رزينة ، أيّها النّاس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السّماء أعلم منّي بطرق الأرض ، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها ، و تذهب بأحلام قومها . اللغة ( العواريّ ) بالتشديد جمع العاريّة به أيضا كما عن الصحاح و غيره ، قال الفيومي : و قد تخفف في الشعر و تجمع على العوارى بالتخفيف أيضا قال الفيومي و هي أى العارية مأخوذه من تعاوروا الشي‏ء و اعتوروه تداولوه ، و الأصل فعلية بفتح العين قال : قال الأزهرى : نسبته إلى العارة و هى اسم من الاعارة يقال أعرته الشي‏ء إعارة و عارة مثل أطعته إطاعة و طاعة و أجبته إجابة و جابة ، قال : و قال الليث سمّيت عارية لأنّها عار على طالبها ، و قال الجوهرى مثله ، و قال بعضهم مأخوذة من عار الفرس إذا وهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها قال الفيومي بعد نقل كلامهما : و هما غلط ، لأنّ العارية من الواو ، لأنّ العرب تقول هم يتعاورون العوارى و يعتورونها بالواو إذا عار بعضهم بعضا و اللّه أعلم ، و العار و عار الفرس من الياء ، قال : فالصحيح [ 160 ] ما قاله الأزهرى . و ( مستسرّ الامّة و معلنها ) بصيغة الفاعل يقال استسرّ القمر و خفى و السرّ ما يكتم ، و أسررت الحديث إسرارا أخفيته و هو خلاف الاعلان و ( مستصعب ) مروىّ بفتح العين و كسرها و ( شغر برجلها ) رفعها و شغر الكلب شغرا من باب نفع رفع إحدى رجليه ليبول ، و شغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح و شغرتها فعلت بها ذلك يتعدّى و لا يتعدّي . و ( الخطم ) بالخاء المعجمة و الطاء المشالة و زان فلس من كلّ طائر منقاره و من كلّ دابة مقدّم أنفه ، و خطام البعير معروف و هو ما يوضع في أنفه لينقاد به و جمعه خطم مثل كتاب و كتب سمّى بذلك لأنه يقع في خطمه . الاعراب قوله : ما كان للّه اه ، قال القطب الراوندي في محكىّ كلامه : ما ههنا نافية ، و من في قوله : من مستسرّ الامة ، لبيان الجنس أى لم يكن للّه في أهل الأرض ممّن أسرّ دينه أو أعلنه حاجة . و قال الشارح المعتزلي : إنّها ظرفيّة و من زايدة و لا حاجة لها إلى المتعلّق قال : فلو حذفت لجرّ المستسرّ بدلا من أهل الأرض ، و من إذا كانت زايدة لا تتعلّق نحو ما جائنى من أحد انتهى . و قوله : برجلها ، الضمير راجع إلى فتنة لجواز الاضمار قبل الذكر لفظا فقط المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة لشرح أقسام الايمان ، و قد مضى تحقيق الكلام في بيان معنى الايمان بما لا مزيد عليه في شرح المختار المأة و التاسع ، و تلخّص لك ممّا حقّقناه هناك أنّه عبارة عن الاذعان و التّصديق باللّه سبحانه و برسوله [ 161 ] و بولاية أمير المؤمنين و الطيّبين من ذرّيته عليهم السّلام و البراءة من أعدائهم . و قد اختلف كلام الشراح في شرح هذه الخطبة و قصرت أفهامهم عن ادراك ما فيها من كنوز الدقايق و رموز الحقايق ، و تفرّقوا في شرحها أيادى سبا و أيدى سبا و وقعوا في طخية عميآء شوهاء كما هو غير خفىّ على من راجع إلى الشروح . و ذلك لقصور باعهم عن الاحاطة بأقطار الأخبار و أطراف الاثار المأثورة عن العترة الأطهار ، فهيهات التنبّه للرّمزة الدّقيقة الشأن و اللّمحة الخفيّة المكان ممن قلّ انسه بروايات أولياء الدّين و كلمات الأئمة المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين إذا عرفت هذا فأقول مستمدّا من اللّه سبحانه و منه التوفيق و الاعانة : إنّ عمدة نظر أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين سلام اللّه عليه و آله في هذه الخطبة الشريفة إلى تقسيم الايمان باعتبار ما تضمّنه من الاذعان بالولاية ، لا باعتبار ما تضمّنه من الاذعان باللّه سبحانه أو بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقسّمه بالاعتبار الّذي ذكرنا على قسمين و قال : ( فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرّا في القلوب و منه ما يكون عوارى بين القلوب و الصّدور إلى أجل معلوم ) يعني أنّ الايمان أى التّصديق بوجود الصّانع سبحانه و ما له من صفات الجلال و نعوت الكمال و الاذعان برسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جاء به من عند اللّه و الاعتقاد بولاية الأئمة الهداة قسمان : قسم منه يكون ثابتا مستقرّا في القلوب راسخا في النّفوس و هو الايمان الحقيقي البالغ إلى مرتبة اليقين و حدّ الملكة ، لا يحرّكه العواصف و لا يزيله القواصف لكونه مستندا إلى الدليل القطعي و البرهان القاطع ، و إليه الاشارة بقوله سبحانه : « يثبّت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدّنيا و في الآخرة » أى بالقول الّذي ثبت عندهم بالحجّة و البرهان و تمكّن في قلوبهم و اطمأنّت إليه أنفسهم ، فلا يزلون في الدّنيا إذا افتتنوا في دينهم و لا يلتئمون في الآخرة إذا سئلوا عن معتقدهم . و قسم آخر يكون غير راسخ فيها و لا بالغ إلى حدّ الملكة ، لعدم استناده إلى [ 162 ] الحجّة فيزول بتشكيك المشكك و تفتين المفتّن 1 و شبهه بالعوارى باعتبار كونه في معرض الزوال كما أنّ العوارى في معرض الاسترجاع و الرّد ، أو باعتبار ذهابه من القلوب و خروجه منها إن جعلنا العارية مأخوذة من عار الفرس كما قاله بعض اللّغويّين حسبما تقدّم ، و هو الأنسب بالمقام . و أتى بقوله : إلى أجل معلوم ، ترشيحا للتشبيه ، إذ من شأن العارية أن تستعار إلى وقت معين ، و يحتمل أن يكون قيدا للمشبّه فيكون المراد أنّ بقائه في القلوب مستمرّ إلى وقت معين عند اللّه سبحانه و أجل معلوم تعلّقت مشيّته سبحانه ببقائه فيها إليه ، فقد تحصّل من ذلك أنّ الايمان على قسمين مستقرّ و مستودع ، هذا . و قوله ( فاذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتّى يحضره الموت فعند ذلك يقع حدّ البراءة ) تفريع على كون الايمان بكلا قسميه أمرا قلبيّا ، يعني أنّه إذا كان الايمان أمرا باطنيّا لا يمكن العثور عليه و أردتم التبرّى من أحد بمجرّد سوء الظنّ به و زعم عدم كونه مؤمنا أو بمشاهدة المنكرات منه فاجعلوا ذلك الشخص موقوفا أى لا تسرعوا إلى البراءة منه إلى حين حضور موته ، فان أدركه الموت و لم يصدر منه عمل صالح يستدل به على إيمانه أو توبة جابرة للمنكر الصادر عنه فعند ذلك يسوغ البراءة ، إذ عند حضور الموت ينقطع زمان التكليف و لا يبقى بعده حالة ترجى و تنتظر ، فالموت هو حدّ البراءة و منتهاها . و بقاؤه على سوء الظاهر مدّة عمره و تركه الصالحات رأسا إلى ذلك الحدّ يكون كاشفا عن خبث باطنه ، إذ بالايمان يستدلّ على الصّالحات و بالصّالحات تستدلّ على الايمان كما صرّح به في المختار المأة و الخامس و الخمسين . و أمّا إلى حين الموت فلا تسوغ التبرّى إذ ربما يكون عمله منكرا ظاهرا و له محمل صحيح باطنا ، كالكذب المتضمّن لا نجاء مؤمن من القتل أو حفظ ماله أو عرضه و نحو ذلك و عليه تدلّ الأخبار الآمرة بحمل فعل المسلم على الصحّة ، و على فرض ----------- ( 1 ) او يزول بالاغراض الباطنة كما انسلخ من زبير و طلحة و أمثالهما . منه [ 163 ] عدم محمل صحيح لفعله و كونه قبيحا باطنا أيضا كما هو قبيح ظاهرا ، فربما يتدارك ذنبه بالتوبة و نحوها . و يفصح عنه ما رواه في البحار من كنز جامع الفوايد قال : روى شيخ الطائفة بإسناده عن زيد بن يونس الشحام قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام : الرّجل من مواليكم عاص يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذنب نتبرّء منه ؟ فقال : تبرّءوا من فعله و لا تبرّءوا من خيره ، و ابغضوا عمله ، فقلت : يسع لنا أن نقول : فاسق فاجر ؟ فقال لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لأوليائنا ، أبي اللّه أن يكون وليّنا فاسقا فاجرا و إن عمل ما عمل ، و لكنّكم قولوا فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيّب الرّوح و البدن ، الحديث . و قد تقدّم تمامه في شرح الفصل الثّاني من المختار المأة و الثاني و الخمسين ، هذا و يحتمل أن يكون تفريعا على خصوص القسم الأخير من الايمان ، فيكون المراد به النّهى عن التسرّع إلى البراءة عن مؤمن بمحض احتمال كون إيمانه مستودعا و عارية إلى أجل معين ، و احتمال انقضاء ذلك الأجل و خروجه عن وصف الايمان إلى النفاق لأنّ اليقين لا ينقض إلاّ بيقين مثله ، فلا بدّ من الحكم ظاهرا ببقائه على إيمانه و بأنّه مؤمن إلى أن يظهر منه إلى حين موته أمر بيّن يدلّ على خروجه من حدّ الايمان إلى حدّ الكفر و النّفاق كما ظهر من طلحة و زبير و أمثالهما من المنافقين ، فعند ظهور ذلك الأمر البيّن يعلم أنّ ايمانه كان مستودعا و حينئذ يجوز التبرّى عنه ، و أمّا قبل ظهوره فلا . و يرشد إلى ذلك قول اللّه سبحانه « و لا تقولوا لمن القى إليكم السّلام لست مؤمنا » الاية . و يرشد إليه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما رواه القميّ في تفسير هذه الآية من أنه لما رجع اسامة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخبره بقتل مرداس اليهودي بعد أن شهد بأن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه ، قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أفلا شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت و لا ما كان في نفسه علمت ، هذا . [ 164 ] و لما قسّم الايمان على قسمين و كان القسم الأوّل هو المطلوب ، و كانت مطلوبيّته من البديهيات الأوّليّة غنيّة عن البيان ، لا جرم طوى عنه و أتى ما هو أحرى بالبيان و أهمّ بالتنبيه عليه ، و هو الطريق الموصل إلى وصف الايمان فقال : ( و الهجرة قائمة على حدّها الأوّل ) لم تتغيّر و لم تتبدّل أى من أراد الفوز بالايمان و الوصول إلى معارج اليقين فليهاجر إلى أئمّة الدّين ، لأنّ الهجرة قائمة على حدّها الأوّل الذي كان في بدء البعثة إذ الغرض الأصلي في ذلك الزّمان لم يكن إلاّ الوصول إلى حضور حجّة اللّه و رسوله و تحصيل الايمان و المعرفة و معالم الشرع معه ، و هذا الغرض موجود الآن و يحصل بالوصول إلى حضور الأئمة لكونهم حجج اللّه على عباده و خلفائه في بلاده و قائمين مقام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فالهجرة إليهم هجرة إليه . و يشهد به ما رواه في الصّافي عن العيّاشي عن محمّد بن أبي عمير قال : وجّه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام و عبد اللّه ، فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ، قال محمّد بن أبي عمير : حدثني محمد بن حكيم قال ذكرت لأبي الحسن زرارة و توجيهه عبيدا إلى المدينة ، فقال عليه السّلام : إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه تعالى « و من يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه و رسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه » . و في الوسائل من معاني الأخبار عن حذيفة بن منصور قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : المتعرّب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته ، هذا و لما ذكر قيام الهجرة و بقائها على حدّها الأوّل تنبيها بذلك على مطلوبيّتها و وجوبها أردفه بقوله ( ما كان للّه في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الامة و معلنها ) إشارة إلى أنّ مطلوبيّتها ليس لأجل حاجة و افتقار منه إلى المهاجرين و غيرهم من أهل الأرض مضمرين لما قصدوه بالهجرة أو مظهرين له . و بعبارة اخرى انّه سبحانه طلب الهجرة من المهاجرين لا لأجل حاجة منه في هجرتهم و غرض عايدة إليه تعالى من جلب منفعة أو دفع مضرّة أو طلب ثناء و محمدة ، بل [ 165 ] هو الغنيّ المطلق المتعالى عن الفاقة و الافتقار ، و إنّما حثّهم على الهجرة و على الايمان المتحصّل بالهجرة و ساير التكاليف الشرعيّة المتفرّعة عليه لأجل ايصال النفع إلى العباد و إنجائهم من العقوبة يوم المعاد . فهذه الجملة أعني قوله : ما كان للّه اه ، بمنزلة الاستيناف البياني فانّ قوله : و الهجرة قائمة اه ، لما كان دالا بدلالة التنبيه و الاشارة على مطلوبيّة الهجرة ، و ربما يسبق منه إلى الأوهام القاصرة أنّ مطلوبيّتها لأجل حاجة إليها منه سبحانه أتا بهذه الجملة دفعا لذلك التوهّم . فقد ظهر بما ذكرناه ضعف ما قاله الشّارح المعتزلي من أنّ معناه ما دام للّه في أهل الأرض المستسرّ منهم باعتقاده و المعلن حاجة أى ما دام التكليف باقيا زعما منه أنّ جعل ما نافية موجب لادخال كلام منقطع بين كلامين يتّصل أحدهما بالآخر وجه الضعف منع استلزام كونها نافية ، لانقطاع هذه الجملة عما قبلها إذ قد ظهر بما ذكرناه اتّصالها و حسن ارتباطها به كما لا يخفى . مضافا إلى أنّ وصف اللّه سبحانه بالحاجة على إبقائها على حقيقتها باطل ، و على تأويلها بالمعنى المجازي كما أوّلها الشارح البحراني حيث جعل لفظ الحاجة مستعارا في حقه تعالى باعتبار طلبه للعبادة بالأوامر و غيرها كطلب ذى الحاجة لها ممّا يشمئزّ منه الطباع و يأبى عنه الذوق السليم كما لا يخفى . و بالجملة فهذه الجملة معترضة بين الجملتين ، و الغرض من الاعتراض تنزيه اللّه سبحانه من الحاجة و الافتقار إلى عبادة أهل الأرض ، فهي نظير الجملة المعترضة في قوله سبحانه « و يجعلون للّه البنات سبحانه و لهم ما يشتهون » فانّ قوله : سبحانه جملة لكونه بتقدير الفعل وقعت في أثناء الكلام ، لأنّ قوله : و لهم ما يشتهون ، عطف على قوله : للّه البنات ، و النكتة فيه تنزيه اللّه و تقديسه عما ينسبونه إليه . و كيف كان فلما ذكر قيام الهجرة على حدّها الأوّل أوضحه و شرحه بقوله ( لا يقع اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض فمن عرفها و أقرّ بها فهو مهاجر ) يعني أنّه لا يستحق أحد لاطلاق اسم المهاجر عليه و بوصفه بالهجرة إلاّ بمعرفة [ 166 ] حجّة اللّه في أرضه و الايمان به ، و هذا الحجّة هو النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في زمانه و الأئمة المعصومون القائمون مقامه بعده . و ذلك لما ذكرناه من أنّ الغرض الأصلي من الهجرة هو الوصول إلى حضور الحجة و تحصيل الايمان و المعرفة و معالم الشريعة منه لا مجرّد ترك الأوطان و الهجرة من البلدان و المسير من مكان إلى مكان ، فالمهاجر في الحقيقة هو الضارب في الأرض لمعرفة إمام زمانه و الايمان به . و يؤمى إلى ذلك ما رواه في الصافي عن عليّ بن إبراهيم القمّي ( ره ) في قوله « و السّابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار » قال : هم النقباء و أبوذر و المقداد و سلمان و عمّار و من آمن و صدّق و ثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و يدل عليه ما رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس ابن عبد الرحمن قال : حدّثنا حمّاد عن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول العامة إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهلية ، فقال عليه السّلام : الحق و اللّه قلت : فانّ إماما هلك و رجل بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك ؟ قال : لا يسعه إنّ الامام إذا هلك وقعت حجة وصيّه على من هو معه في البلد و حقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول « فلو لا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين و لينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون » قلت : فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم ، قال : إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول « و من يخرج من بيته مهاجرا إلى اللّه و رسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه » . بل لا يبعد أن يقال إنّ من عرف امام زمانه و اتبعه و آمن به فيصح أن يسمّى باسم المهاجر من دون حاجة الى المسافرة ، و بعبارة اخرى مجرّد المعرفة و الاتباع كاف في صحّة التسمية كما يفصح عنه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : فمن عرفها و أقرّبها فهو مهاجر . و صحّة إطلاقه عليه ذلك إما باعتبار اشتراكه مع المهاجر المسافر في الغاية المقصودة و ان افترقا بالمسافرة و عدم المسافرة ، أو باعتبار كونه مهاجرا بسبب معرفته من الضلالة إلى الهدى كما أنّ المهاجر الاصطلاحى مهاجر من بلد إلى [ 167 ] بلد آخر . و على هذا فيكون قوله ( و لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعها اذنه و وعاها قبله ) توكيدا لما فهم من الجملة السابقة ، فانه لما كان مدلولها المطابقي على الاحتمال الأخير أنّ العارف بامام زمانه مهاجر و حقيق بأن يوصف بالمهاجريّة من دون حاجة إلى السّفر أتا بهذا الكلام توضيحا لمدلولها الالتزامي . فيكون محصل مراده حينئذ أنّ من بلغته حجيّة الحجة فسمعها باذنه و حفظها بقلبه أى عرفها حقّ المعرفة و لو في وطنه و مع عدم تجشّم السفر فهو ليس بمستضعف بل مهاجر ، و لا يجوز عدّ مثل هذا الشخص في عداد المستضعفين المستحقين للذّم و العقاب بترك المهاجرة و المسافرة المشار إليهم في قوله سبحانه « إنّ الذين توفّيهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك ماويهم جهنّم و سآئت مصيرا » فانّ هذه الآية كما قيل نزلت في أناس من أهل مكّة أسلموا و لم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة في بدو الاسلام ، فانّ المفروض عليهم يومئذ هو المهاجرة بالأبدان و على من بعدهم هو المعرفة و الايمان من دون لزوم الهجرة بالبدن هذا . و لكنّ الأظهر أنّ المراد بهذه الجملة أنّ من بلغته خبر الحجّة فسمعه و وعاه بقلبه أى علم علما قطعيا بوجود الحجّة فلا يقع عليه اسم الاستضعاف أى لا يسوغ له التقصير في الايمان به و الاعتذار بكونه مستضعفا فلو قصر و فرط دخل في زمرة المستضعفين المذكورين في الآية السابقة الّذين لم يكونوا مستضعفين في الحقيقة ، و لذلك استحقوا التقريع و العقوبة فالمقصّر المفرط يكون مثلهم في استحقاق السّخط . و يشهد بذلك ما رواه في الصافى من الكافى عن الصادق عليه السّلام أنه سئل ما تقول فى المستضعفين ؟ فقال شبيها بالفزع فتركتم أحدا يكون مستضعفا و أين المستضعفون فو اللّه لقد مشى بأمركم هذا العواتق فى خدورهن و تحدّثت به السقاآت في طرق المدينة . و عن الكاظم عليه السّلام أنّه سئل عن الضعفاء فكتب عليه السّلام : الضعيف من لم ترفع له [ 168 ] حجّة و لم يعرف الاختلاف فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف . و يؤيّده ما فيه عن عليّ بن إبراهيم في الآية المتقدّمة 1 أنها نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين عليه السّلام و لم يقاتلوا معه ، فقالت الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم ، قالوا : كنّا مستضعفين في الأرض أى لم نعلم مع من الحقّ فقال اللّه تعالى : ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها أى دين اللّه و كتاب اللّه واسع فتنظروا فيه . و وجه التأييد غير خفىّ على المتدبّر فتدبّر ، هذا . و لما فهم من الجملات السابقة تصريحا و تلويحا وجوب السعى و الهجرة إليه عليه السّلام و إلى الطيّبين من ذريّته لكونهم حجّة اللّه في عباده و خليفة اللّه فى بلاده و علم أنّه لا يسوغ التقصير و الاستضعاف في معرفة حقّهم أردف ذلك بالتنبيه على أنّ معرفتهم حقّ المعرفة من خواصّ المؤمنين المخلصين فقال عليه السّلام : ( إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان ) و الغرض بذلك تشويق المخاطبين و ترغيبهم إلى المهاجرة إليهم و المبادرة إلى معرفة شئونات ولايتهم ليدخلوا في زمرة المؤمنين الممتحنين الكاملين في مقام العرفان و الايقان الحائزين قصب السبق في مضمار التصديق و الايمان . و في بعض النسخ لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و هذا المعني قد ورد عنهم عليهم السّلام في أخبار كثيرة . فقد روى في الكافي عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان عن عمار بن مروان عن جابر قال قال أبو جعفر عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للايمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه ، و ما اشمأزّت منه قلوبكم و أنكرتموه فردّوه إلى اللّه و إلى الرسول و إلى العالم من آل محمّد و إنما الهلاك أن يحدث أحدكم بشي‏ء منه لا يحتمله فيقول : و اللّه ما كان ----------- ( 1 ) و لا منافاة بين هذا الخبر و الخبر السابق الدال على نزولها فى اناس من أهل مكة اسلموا و لم يهاجروا اه : لأنّ الخبر المتقدّم تفسير و هذا تأويل و الآية يشملهما كما قاله المحدث الفيض ره ، منه ره . [ 169 ] هذا و اللّه ما كان هذا و الانكار هو الكفر . و رواه في البحار من الخرايج و منتخب البصائر عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام مثله إلاّ أنّ في آخره : و الانكار لفضائلهم هو الكفر . و فيه عن أحمد بن إدريس عن عمران بن موسى عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ذكرت التقية يوما عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال عليه السّلام : و اللّه لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله ، و لقد آخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهما فما ظنكم بساير الخلق ، إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان ، فقال عليه السّلام و إنما صار سلمان من العلماء لأنّه امرء منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء . و قد مضى أحاديث اخر في هذا المعني في شرح الفصل الرابع من المختار الثاني و قدّمنا هناك بعض الكلام في تحقيق معني هذه الأحاديث . و أقول هنا مضافا إلي ما سبق : إنّ المراد من أمر آل محمّد عليهم السّلام و علمهم و حديثهم الوارد في هذه الروايات على اختلاف عناوينها شي‏ء واحد ، و هو ما يختصّ بهم عليهم السّلام و ما هو خصايص ولايتهم من شرافة الذات و نورانيّتها و الكمالات الكاملة و الأخلاق الفاضلة و الاشراقات الّتي يختصّ بها عقولهم و القدرة على ما لا يقدر عليه غيرهم و ما لهم من المقامات النورانية و العلوم الغيبيّة و الاسرار الالهيّة و الأخبار الملكوتيّة و الآثار اللاّهوتية و الأطوار الناسوتية و الأحكام الغريبة و القضايا العجيبة ، فانّ هذه الشئونات صعب في نفسه مستصعب فهمه و تسليمه على الخلق لا يذعن به و لا يقبله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و أعدّه بتطهيره و امتحانه و ابتلائه بالتكاليف العقلية و النقلية حتّى تحلّى بالكمالات العلمية و العملية ، و الفضايل الخلقية و النفسانية و عرف مبادى كمالاتهم و قدرتهم و لا يستنكر ما ذكر من فضائلهم و ما صدر عنهم من قول أو فعل أو أمر أو نهي ، و لا يتلقي شيئا من ذلك بالتكذيب و لا ينسبهم عليهم السّلام فيه [ 170 ] إلى الكذب و ذلك لكونه مخلوقا من فاضل طينتهم معجونا بنور ولايتهم مضافا إليهم ، فاذا ورد عليه شي‏ء منهم وصل إليه فهمه و عرفه على ما هو حقّه آمن به تفصيلا ، و إذا قصر عنه عقله آمن به إجمالا و لا ينكره كما قال عزّ من قائل « و الراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا و ما يذكر إلاّ اولو الألباب » . و أما غير من ذكر فاذا ورد عليهم شي‏ء من أمرهم و علمهم و أحاديثهم و فضايلهم عليهم السلام نفرت قلوبهم و اشمأزّت نفوسهم و تاهت عقولهم و سارعوا إلى ردّه و انكاره و لا يحتملونه و لا يتحمّلونه بل يكفرون به و يكذبونه كما قال عليه السّلام في المختار السبعين : و لقد بلغني أنكم تقولون : علىّ يكذب ، قاتلكم اللّه فعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أوّل من آمن به ، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه ، كلاّ و اللّه و لكنّها لهجة غبتم عنها و لم تكونوا من أهلها ويل امّه كيلا بغير ثمن لو كان له دعاة . ( و ) قوله ( لا يعى حديثنا إلاّ صدور أمينة و أحلام رزينة ) توكيد لما دلت عليه الجملة السابقة أى لا يحفظ حديثنا الصّعب المستصعب إلاّ قلوب متّصفة بالأمانة و عقول ذات ثقل و وقار و رزانة . روى في الكافى عن علىّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن البرقى ، عن ابن سنان أو غيره رفعه إلى أبى عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة إنّ اللّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بنى آدم ألست بربّكم ، فمن و فى لنا و في اللّه له بالجنّة ، و من أبغضنا و لم يرد « يواد خ » إلينا حقّنا ففى النار خالدا مخلّدا . و المراد انّه لا يحفظ و لا يحتمل حديثنا إلاّ صدور أمينة في احتماله و حفظه و كتمانه و ستره إلى أن يؤدّيه إلى أهله على وفق ما احتمله و تحمّله من دون تغير و تبديل و لا تحريف و لا زيادة و لا نقصان كما هو شأن الأمين يحفظ الأمانة و يردّها إلى أهلها صحيحة سالمة . و يرشد اليه ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى و غيره عن محمّد بن أحمد عن بعض أصحابنا قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام جعلت فداك ما [ 171 ] معني قول الصادق عليه السّلام حديثنا لا يحتمله ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان ؟ فجاء الجواب إنما معني قول الصادق عليه السّلام أى لا يحتمله ملك و لا نبيّ و لا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره ، و النبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيّ غيره ، و المؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مومن غيره ، فهذا معني قول جدّى عليه السّلام هذا . و وصف الأحلام بالرزانة إشارة إلى أنها لا يستنفرها صعوبة ما سمعتها من الأحاديث و الفضايل إلى ردّها و إنكارها و لا يستخفنّها غرابتها إلى نشرها و اذاعتها . روى في البحار من منتخب البصاير بسنده عن الحذاء قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : إنّ أحبّ أصحابي إلىّ أفقههم و أورعهم و أكتمهم لحديثنا ، و إنّ أسوأهم عندى حالا و أمقنهم إلىّ الّذى إذا سمع الحديث ينسب إلينا و يروى عنّا و اشمأزّ منه جحده و اكفر من دان به و لا يدرى لعلّ الحديث من عندنا خرج و إلينا اسند فيكون بذلك خارجا من ديننا . و فيه منه بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ « إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا » قال : هم الأئمة و يجرى فيمن استقام من شيعتنا و سلم لأمرنا و كتم حديثنا عن عدوّنا تستقبله الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة و قد و اللّه مضى أقوام كانوا على مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا و سلّموا لأمرنا و كتموا حديثنا و لم يذيعوه عند عدوّنا و لم يشكّوا فيه كما شككتم فاستقبلتهم الملائكة بالبشرى من اللّه بالجنّة ، هذا . و لما فرغ عليه السّلام من قسمة الايمان إلى قسميه و ندب إلى المهاجرة و رغب في احتمال أحاديثهم و تحمّلها و حفظها ، عقّب ذلك كلّه بالأمر بالسؤال و أرشدهم إلى المسألة عنه قبل الازداف و الانتقال فقال عليه السّلام : ( أيّها النّاس سلوني قبل أن تفقدوني ) و قد قدّمنا في شرح الفصل الأوّل من المختار الثاني و التسعين أنّ هذا كلام تفرّد عليه السّلام به و ليس لأحد أن يقول على المنبر سلوني إلاّ هو و تقدّم هناك فصل واف فيما يترتّب على العنوان . [ 172 ] و أقول هنا : إنّ أمره للمخاطبين بالمسألة في كلّ موقف و مكان و كلّ وقت و زمان مع عدم تقييد المسئول عنه بشي‏ء مخصوص يدلّ على غزارة علمه و أنه البحر الذى لا يساحل ، و الحبر الّذي لا يطاول ، و أنّه عالم بجميع العلوم و فارس ميدانها و سابق حلباتها و حائز قصبات رهانها و مبيّن غوامضها و صاحب بيانها ، و الفارس المتقدّم عند احجام فرسانها و تأخر أقرانها ، و أنّه فيها كلّها قد بلغ الغاية القصوى و فضل فيها جميع الورى ، فاسمع به و أبصر فلا نسمع بمثله غيره و لا ترى ، و اهتد إلى اعتقاد ذلك بناره فما كلّ نار اضرمت نار قرى و لنعم ما قيل : قال اسألونى قبل فقدى ذوا ابانة عن علمه الباهر لو شئت اخبرت عما قد مضى و ما بقى في الزمن الغابر و يكفى في ايضاح ذلك قوله : علّمنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من العلم ألف باب فانفتح لى من كلّ باب ألف باب ، فاذا كان المعلم المؤدب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو أكمل العالمين و أعلاهم فى درجات العرفان و اليقين و التلميذ المتعلّم أمير المؤمنين عليه السّلام و هو في الفطنة و الذكاء أفضل البارعين ، فيحقّ له أن يبلغ أقصى غايات الكمال ، و ينال نهايات معارج العلم و المعرفة ، و يتمكّن من قول سلونى قبل أن تفقدونى . ( فلأنا بطرق السماء أعلم منّى بطرق الأرض ) و قد ضمن بعض الشعر ذلك و قال : و من ذا يساميه بمجد و لم يزل يقول سلونى ما يحلّ و يحرم سلونى ففى جنبى علم ورثته عن المصطفى ما فات منّى به الفم سلونى عن طرق السماوات إننى بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم و لو كشف اللّه الغطا لم أزد به يقينا على ما كنت أدرى و أفهم قال الشارح المعتزلي : المراد بقوله ذلك ما اختصّ به من العلم بمستقبل الامور و لا سيّما فى الملاحم و الدّول قال : و قد تأوّله بعضهم على وجه آخر قالوا : أراد أنا بالأحكام الشرعية و الفتاوى الفقهيّة أعلم منى بالامور الدّنيويّة ، فعبّر عن تلك بطرق السماء لأنها أحكام إلهية ، و عبّر عن هذه بطرق الأرض لأنها الامور [ 173 ] الأرضيّة ، قال : و الأوّل أظهر ، لأنّ فحوى الكلام و أدلته يدلّ على أنّه المراد . و قال الشارح البحراني : أراد بطرق السماء وجوه الهداية إلى معرفة سكّان السماوات من الملاء الأعلى و مراتبهم من حضرة الربوبيّة و مقامات أنبياء اللّه و خلفائه من حظاير القدس و انتقاش نفسه القدسيّة عنهم بأحوال الفلك و مدبّراتها و الأمور الغيبيّة مما يتعلّق بالفتن و الوقايع المستقبلة إذ كان له الاتّصال التّام بتلك المبادى ، فبالحرىّ أن يكون علمه بما هناك أتمّ و أكمل من علمه بطرق الأرض أى إلى منازلها . ثمّ نقل عن الوبرى أنّه قال : أراد أنّ علمه بالدّين أوفر من علمه بالدّنيا . أقول : لا يخفى على المتوقد الذّكى العارف بنكات العبارة و أساليب الكلام من أهل الجودة و الذكاء و الفطنة أنّ الشراح قصرت أفهامهم عن معرفة مراد الامام و عزب أذهانهم عن فهم مغزى الكلام ، لأنّه عليه السّلام أمرهم بالسؤال قبل فقدانه ، و قبل ظهور فتنة كما هو مفاد قوله الآتى قبل أن تشغر برجلها فتنة ، و علّل ذلك بأنه أعلم بطرق السماء منه بطرق الأرض ، و هذا ملخّص معنى كلامه عليه السّلام . فعلى هذا فليس للمعنى الذى حكاه الشارح المعتزلى عن بعضهم ، و كذا المعنى الّذى نقله البحراني عن الوبرى ربط بالمقام أصلا و لا شي‏ء منهما مرادا من الكلام قطعا . و أمّا المعني الّذي قاله الشارح المعتزلي فليس بذلك البعد و لكنّه لم يتبيّن منه جهة التعبير عن العلم بمستقبل الامور بالعلم بطرق السماء كما لم يتبيّن وجه أعلميّته بها أى جهة التفضيل و كونه عليه السّلام أعلم بها من علمه بطرق الأرض . و أمّا ما قاله الشارح البحراني من أنه أراد بطرق السماء وجوه الهداية آه ، ففيه أنّ وجوه الهداية إلى معرفة منازل سكّان السماوات و مقامات الأنبياء و أحوال الفلك و مدبّراتها لا ربط لها بالمقام ، فكيف يصحّ جعلها علّة لقوله : سلوني آه . و أما وجه الهداية إلى الامور الغيبيّة فهو مناسب للمقام إلاّ أنّه قاصر عن تأدية [ 174 ] المعني المراد . فان قلت : إذا زيفت جميع ما ذكروه فما ذا عندك فى هذا المقام و ما الّذى أراده بهذا الكلام و ما المعنى المناسب السليم من النقض و الابرام ؟ قلت : الّذى اهتديت اليه بنور التوفيق و أدّى إليه النظر الدقيق . أنّه لما كان عالما بما يظهر بعده من الفتن و الملاحم أراد من باب اللطف أن يرشد المخاطبين إلى ما هو أصلح لهم عند ظهورها ، و أوفق بانتظام امورهم عاجلا و آجلا ، فأمرهم بأن يسألوه قبل أن يفقدوه و قبل أن يظهر تلك الفتن حتّى يهتدوا بسؤاله عليه السّلام إلى وجوه مصالحهم فيها ، و علّل ذلك بكونه أكمل علما بطرق السماء من طرق الأرض . و فهم معنى هذه العلّة وجهة ارتباطها بالمعلول يحتاج إلى تمهيد مقدّمة و هى : أنّ جميع ما يجرى فى عالم الملك و الشهادة من المقضيات و المقدرات فهو مثبت في عالم الأمر و الملكوت ، مكتوب في امّ الكتاب بالقلم الربّاني كما قال جلّ و عزّ « و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين » و قال « و ما من غائبة في السماء و الأرض إلاّ في كتاب مبين » و ظهورها في هذا العالم مسبوق بثبوتها في ذلك العالم ، و إليه الاشارة في قوله سبحانه « و ما من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم » فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أوّلا على الوجه الكلّى فى لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الّذى يجري منه ثانيا على الوجه الجزئي فى لوح القدر الّذى فيه المحو و الاثبات مدرجا على التنزيل ، فالى الأوّل أشير بقوله « و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه » و بقوله « و عنده أمّ الكتاب » و إلى الثاني بقوله « و ما ننزّله الاّ بقدر معلوم » و منه تنزل و تظهر في عالم الشهادة . إذا عرفت ذلك فأقول : إنه عليه السّلام أراد بطرق السماء مجارى الأمورات المقدّرة و مسالكها نازلة من عالم الأمر بتوسّط المدبّرات من الملائكة المختلفين بقضائه و أمره إلى عالم الشهادة ، و بطرق الأرض مجارى تلك الامور في ذلك العالم و محالّ [ 175 ] بروزها منها ، و الى نزولها أشار سبحانه بقوله « تنزّل الملائكة و الرّوح فيها باذن ربّهم من كلّ امر » فان كلّ أمر لفظ عام لم يبق بعده شي‏ء كما في رواية أبي جعفر الثاني عليه السّلام ، و المنزل إليه هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام بعده و الأئمة القائمون مقامه . كما روى في البحار من تفسير العياشي عن محمّد بن عذافر الصيرفي عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى خلق روح القدس و لم يخلق خلقا أقرب إليه منها ، و ليست 1 بأكرم خلقه عليه ، فأذا أراد أمرا ألقاه إليها فألقاه إلى النجوم فجرت به . قال العلاّمة المجلسي ره : و الظاهر أنّ المراد بالنجوم الأئمة عليهم السّلام ، و جريانها به كناية عن علمهم بما يلقى اليهم و نشر ذلك بين الخلق . و فى تفسير الصافي من تفسير القميّ قال : تنزّل الملائكة و الرّوح القدس على إمام الزمان و يدفعون إليه ما قد كتبوه . و عن الصادق عليه السّلام إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة و الرّوح و الكتبة إلى السماء الدّنيا ، فيكتبون ما يكون من قضاء اللّه تلك السّنة ، فاذا أراد اللّه أنّ يقدّم شيئا أو يؤخّره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثمّ أثبت الّذي أراد . و في الكافى عن أبي جعفر عليه السّلام قال اللّه عزّ و جل في ليلة القدر « فيها يفرق كلّ امر حكيم » يقول ينزّل فيها كلّ أمر حكيم « إلى أن قال » إنّه ينزل في ليلة القدر إلى اولى الأمر تفسير الامور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا و كذا و في أمر النّاس بكذا و كذا ، و أنّه ليحدث لولىّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم اللّه عزّ و جلّ الخاص و المكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثمّ قرء « و لو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه ان اللّه عزيز حكيم » . ----------- ( 1 ) أى هى أقرب خلق اللّه من جهة الوحى ، و ليست باكرم خلق اللّه إذ النبيّ و الأئمة عليهم السلام الذين خلق الروح لهم هم أكرم على اللّه منها « بحار » [ 176 ] ثمّ أقول : قد ظهر بدلالة هذه الرّوايات أنّ ما ينزل من عالم الأمر فانّما ينزل أوّلا إلى ولىّ الأمر ، ثمّ يجرى بعده في الموادّ المقدّرة ، و لازمه كون ولىّ الأمر عالما بها و بكيفيّة نزولها في مسالكها و مجاريها العلويّة و السفليّة . و اوضح دلالة منها ما رواه في البحار من بصاير الدّرجات عن سماعة بن سعد الخثعمي أنه كان مع المفضل عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له المفضّل : جعلت فداك يفرض اللّه طاعة عبد على العباد ثمّ يحجب عنه خبر السماء ؟ قال : اللّه أكرم و أرءف بعباده من أن يفرض 1 عليه طاعة عبد يحجب عنه خبر السماء صباحا أو مساء و فيه من البصاير عن الثمالي قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : لا و اللّه لا يكون عالم جاهلا أبدا عالم 2 بشي‏ء جاهل بشي‏ء ثمّ قال : اللّه أجلّ و أعزّ و أعظم و أكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه و أرضه ، ثمّ قال : لا لا يحجب ذلك عنه . بل قد يظهر من أخبار اخر علمهم عليهم السّلام بجميع ما في السماء مثل علمهم بما في الأرض و قد مرّ كثير من هذه الأخبار في تضاعيف الشرح و نورد هنا بعضها . و هو ما في البحار من تفسير علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن مرار عن يونس عن هشام عن أبى عبد اللّه عليه السّلام فى قوله تعالى و كذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات و الأرض و ليكون من الموقنين قال كشط 3 له عن الأرض و من عليها و عن السماء و ما فيها و الملك الّذي يحملها و العرش و من عليه ، و فعل ذلك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه . و من بصائر الدرجات عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في هذه ، قال : كشط لابراهيم السماوات السبع حتّى نظر إلى ما فوق العرش و كشط له الأرض حتّى ----------- ( 1 ) هكذا في نسخة البحار و الظاهر انه من سهو النساخ و الصحيح عليهم بدل عليه ، منه ----------- ( 2 ) و في الكافى عالما بشي‏ء جاهلا بشي‏ء بدل قوله عالم بشي‏ء جاهل بشي‏ء تفصيل لقوله جاهلا و هو الاظهر ، بحار . ----------- ( 3 ) الكشط رفعك الشي‏ء بعد الشي‏ء قد غشاه ، و كشط الجل عن الفرس كشفه ، بحار [ 177 ] رأى ما في الهواء و فعل بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل ذلك ، و إنى لأرى صاحبكم و الأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك . و فيه من البصاير عن بريدة الأسلمي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يا على إنّ اللّه أشهدك معى سبع مواطن حتّى ذكر الموطن الثاني أتاني جبرئيل فاسرى بى إلى السماء فقال أين أخوك ؟ فقلت : ودعته خلفى ، قال : فقال : فادع اللّه يأتيك به ، قال : فدعوت فاذا أنت معى ، فكشط لى عن السماوات السبع و الأرضين السبع حتّى رأيت سكانها و عمّارها و موضع كلّ ملك منها فلم أر من ذلك شيئا إلاّ و قد رأيته كما رأيته . و فيه من البصاير عن عبد الأعلى و عبيدة بن بشير قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ابتداء منه : و اللّه إنّي لأعلم ما في السماوات و ما في الأرض و ما في الجنّة و ما في النّار و ما كان و ما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثمّ قال : اعلمه من كتاب اللّه أنظر إليه هكذا ، ثمّ بسط كفّيه ثمّ قال : إنّ اللّه يقول « و انزلنا اليك الكتاب فيه تبيان كلّ شي‏ء » . و الأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى و لا حاجة إلى الاكثار من روايتها و كلّها متفق معنى في الدّلالة على علم أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة الطاهرين من ذريّته سلام اللّه عليهم بالسماوات و ما فيها و بطرقها و أبوابها و اخبارها غير محجوب عنهم عليهم السّلام شي‏ء من ذلك . فان قلت : غاية ما ظهر من هذه الأخبار كون الامام عالما بالسماء و ما فيها كعلمه بالأرض و ما عليها ، و لم يظهر منها وجه التفضيل المستفاد من قوله : فلأنا بطرق السماء أعلم منّى بطرق الأرض فاللاّزم عليك بيان جهة التفضيل و معناه . قلت : قوله عليه السّلام فلأنا بطرق السماء أعلم ، يحتمل معنيين . أحدهما أنّه عليه السّلام أسبق علما بها ، و ذلك لما علمت أنّ الامورات المقدّرة في عالم الشهادة مباديها في السماء و منتهاها في الأرض ، و المبدء مقدّم على المنتهى و سابق عليه ، فيكون العلم به أسبق من العلم بالمنتهى كما يؤدّى إليه النظر الدّقيق . [ 178 ] و ثانيهما أنّه عليه السّلام أكمل و أتمّ علما بها ، و ذلك لأنه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة من ذريتهما قد كانوا أنوارا مخلوقه قبل خلقة آدم و عالم بألفى عام أو أربعة عشر ألف عام أو خمسة عشر ألف عام أو أربعين ألف عام أو أربعمأة ألف سنة و أربعة و عشرين ألف سنة أو ألف ألف دهر على اختلاف الروايات الواردة في خلقتهم 1 . و قد كان منزلهم و مأويهم في تلك المدّة المتطاولة في سرادقات العزّة و حجابات العظمة و ظلّ العرش و السماوات العاليات ، ثمّ اهبطوا باقتضاء مصالح التكليف و إرشاد العباد إلى عالم الشهادة و اكتسوا جلباب البشريّة و لبثوا فى الأرض مدّة قليلة ثمّ رجعوا إلى أوطانهم الأصلية و مساكنهم النورانيّة ، و قد دلّت على ذلك كلّه الأخبار الصحيحة . فبطول مدّة الاقامة و المكث فيها و تمادى توطنهم و بقائهم في الملاء الأعلى يكون علمهم بعالم الملكوت البتّة أكمل و أتمّ من علمهم بعالم الناسوت كما لا يخفى . و بقى الكلام بعد ذلك كلّه في جهة ارتباط العلّة بالمعلول أعنى ارتباط قوله : فلأنا بطرق السّماء أعلم ، بقوله : سلوني قبل أن تفقدوني قبل أن تشغر فتنة اه . و جهة الارتباط أنه لما أرشدهم إلى السؤال عن الفتن و الملاحم المستقبلة علّله بذلك ، لأنّ الفتن الحادثة مثل ساير الامورات المقدورة مكتوبة في الألواح السّماوية قبل حدوثها و ظهورها ، و ينزل علمها إلى الامام في ليلة القدر و غيرها كما قال عزّ من قائل « ما اصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل ان نبراها انّ ذلك على اللّه يسير » أى ما يحدث من مصيبة و قضيّة في الأرض ----------- ( 1 ) قال العلاّمة المجلسى ره و الاختلاف الوارد في أزمنة سبق الانوار يمكن حملها على اختلاف معانى الخلق و مراتب ظهوراتهم في العوالم المختلفة فانّ الخلق يكون بمعنى التقدير و قد ينسب الى الارواح و الى الاجساد المثالية و الى الطينات و لكل منها مراتب شتى مع انه قد يطلق العدد و يراد به الكثرة لا خصوص العدد و قد يراعى في ذلك مراتب اختلاف عقولات المخاطبين و افهامهم و قد يكون بعضها لعدم ضبط الرواة ، منه ره . [ 179 ] و في أنفسكم إلاّ و قد كتبناها و الحكم المتعلّق بها في كتاب من قبل أن نخلق المصيبة أو الأنفس . روى القمّي « ره » عن الصّادق عليه السّلام في هذه الآية قال : صدق اللّه و بلغت رسله كتابه في السّماء علمه بها ، و كتابه في الأرض علومنا في ليلة القدر و غيرها . فعلم أمير المؤمنين عليه السّلام بالفتن و ما يتعلّق بها لما كان حاصلا من المبادى العالية و الطرق السّماويّة حسن تعليل الأمر بالسؤال عن الفتن بعلمه بطرق السّماء . و أيضا قد أخبر اللّه سبحانه الفتن الحادثة في كتابه الكريم و هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعضها في ظواهر آياته و بعضها في بواطنها ، و أعلمها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمير المؤمنين عليه السّلام . فمما أخبر بها في الظاهر قوله سبحانه الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون . روى في المجمع عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لما نزلت هذه الآية قال : لا بدّ من فتنة تبتلى به الامّة بعد نبيّها ليتعيّن الصادق من الكاذب ، لأنّ الوحى قد انقطع و بقي السيّف و افتراق الكلمة إلى يوم القيامة . و منه أيضا قوله تعالى « و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك الاّ فتنة للناس » الآية فانّه إخبار عن فتن بني اميّة و ملكهم كما ورد في غير واحد من الأخبار . و ممّا يدلّ على أنّ الفتن الحادثة و غيرها من ساير الامورات مدرجة في مفاهيم الآيات قوله تعالى و ما من غائبة في السّماء و الأرض إلاّ في كتاب مبين أى من خصلة غايبة يعني جميع ما أخفاه عن خلقه و غيبه عنهم مبين في الكتاب . روى في البحار من بصائر الدرجات عن محمّد بن الحسن عن حماد عن إبراهيم ابن عبد الحميد عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام في حديث و ان كان في كتاب اللّه لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاها اللّه الماضين النّبيّين و المرسلين ، و قد جعله اللّه ذلك كلّه لنا في امّ الكتاب ، إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول و ما من غائبة في السّماء و الأرض إلاّ في كتاب مبين ثمّ قال عزّ و جلّ ثمّ أورثنا الكتاب الذين [ 180 ] اصطفينا فنحن الذين اصطفانا اللّه ، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شي‏ء . هذا ما اهتديت إليه في شرح هذا المقام بالتمسك بولاية أمير المؤمنين و آله الطاهرين عليهم السّلام ، و الحمد اللّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدى لو لا أن هدانا اللّه . و بعد ما أسفر لك وجه المرام و اتّضح لك معنى الكلام فاستمع لما يتلى عليك في شرح قوله عليه السّلام : ( قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها ) قال الشارح البحراني : أراد فتنة بني اميّة و أحكامهم العادلة عن العدل و ما يلحق النّاس في دولتهم من البلاء ، و كنّى بشغر رجلها عن خلوّ تلك الفتنة عن مدبّر يدبّرها و يحفظ الامور و ينتظم الدّين حين وقوع الجور ، انتهى . و أقول : أمّا حمله الفتنة على فتنة بني اميّة فلا بأس به لأنّه نكرة في سياق الاثبات فلا تفيد العموم ، فباقتضاء كونها أقرب الفتن إلى زمانه عليه السّلام و محلاّ لابتلاء المخاطبين بها يكون حملها عليها أنسب و أولى ليسألوه عليه السّلام عنها و عما ينجيهم من ورطاتها و يعرفوا مناصهم منها و من هفواتها . و أما جعله شغر رجلها كناية عن خلوّها عن المدبر ففيه أنه مبنىّ على ما زعمه من أنّ لفظ تشغر هنا مأخوذ من شغرة البلدة إذا خلت عن مدبرها كما صرّح به في بيان لغته ، و هو زعم فاسد . أما أوّلا فلأنّ قوله برجلها قرينة على أنه ليس هنا بمعنى الخلوّ من المدبّر فافهم . و أما ثانيا فلأنه بعد الغضّ عن ذلك يتوجّه عليه أنّ فتنة بني امية لم تكن خالية عن مدبّر كيف و مثل معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص اللّعين و مروان ابن الحكم و ساير الخلفاء الامويين و أضرابهم من قادة الكفر و أولياء الضلال عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين كانوا مدبّرين لأمر تلك الفتن ، و كانت أوقاتهم مستغرقة في تدبيرها و ترويجها و نظم أمورها و حفظها و ترتيبها . [ 181 ] نعم امور الدّين و أحكام الشرع المبين قد كانت يومئذ معطّلة مختلّة مضطربة ليس لها حافظ و لا مدبّر لغلبة التقية و كون أئمّة الحق في زاوية الخمول غير متمكنين من إقامة دعائم الشريعة و من حفظ مراسمها و إصلاح معالمها . فان قلت : الظاهر أنّ مراد الشارح بقوله : عن مدبّر يدبرها ، من يدبّر في رفع تلك الفتنة لا من يدبّر فى ترويجها و تقويتها ، و القرينة على أنّ مراده ذلك قوله و يحفظ الامور و ينتظم الدّين كما هو غير خفى . قلت : سلّمنا ظهور كلامه بقرينة الجملتين المعطوفتين في كون مراده ما ذكرت إلاّ أنّ بقوله عليه السّلام قبل أن تشغر برجلها فتنة لا يدلّ على هذا المعنى أصلا كما هو واضح لا يخفى . و الذي عندى في شرح هذه الفقرة أنه شبّه الفتنة على سبيل الاستعارة بالكناية بالبعير الشموس الذي يرفع رجله و يدوس من لقاه و يطأ في خطامه و يخبط من قاربه و دناه ، لعدم قائد يقوده و لا ممسك يمسكه فأثبت لها الشغر بالرجل و الوطاء في الخطام تخييلا و ترشيحا للاستعارة . و وجه الاستعارة أنّ البعير الموصوف بالأوصاف المذكورة كما أنه يكون عامّ الضرر ليس له من أذيه رافع و لا رادع ، فكذلك هذه الفتنة عند بروزها و ظهورها لا يكون من مضارّها و مفاسدها رادّ و لا مانع . و نظير هذا التشبيه ما مرّ فى المختار الثانى فى قوله : في فتن داستهم بأخفافها و وطأتهم بأظلافها و قامت بهم على سنابكها . و قوله ( و تذهب بأحلام قومها ) نظير ما مرّ في المختار الثانى تلو العبارة المتقدّمة آنفا : فهم فيها تائهون حايرون جاهلون مفتونون . و المراد أنّ تلك الفتنة لشدّتها و قوّة الباطل فيها و ضعف الحقّ فيها و غلبة الضلال على أهلها يذهب بعقول ذوى العقول فيتردّدون في معرفة الحقّ و لا يهتدون إلى سبيل الرّشاد و طريق الصلاح و السداد إلاّ من عصمه اللّه بفضله و هداه إلى قصد سبيله ، و هو الهادي إلى النهج القويم و الصراط المستقيم . [ 182 ] الترجمة از جمله خطب شريفه آن امام بحق و ولىّ مطلق است در قسمت ايمان ميفرمايد پس قسمى از ايمان آنستكه ميباشد ثابت و برقرار در دلها ، و قسمى ديگر از او آنست كه ميشود مثل عاريتها در ميان دلها و سينها تا وقت معلوم ، پس هرگاه باشد شما را برائت و بيزاري از أحدى از آحاد ناس پس موقوف داريد او را و صبر نمائيد تا آنكه حاضر شود او را مرگ پس در اين حالت حضور مرگ واقع ميشود حدّ برائت و هجرت از ضلالت بسوى رشاد و هدايت قائم است بر حدّ أوّل خود نبوده است خداوند عزّ و جلّ را در أهل زمين هيچ احتياج از كسانى كه پنهان كننده باشند دين خود را يا اظهار و آشكار كننده باشند . واقع نميشود اسم هجرت بر أحدى مگر بمعرفت و شناختن حجت خدا در زمين پس هر كه شناخت او را و اقرار نمود باو پس او است مهاجر و واقع نميشود اسم استضعاف و مستضعف گفته نميشود بر كسيكه رسيده باشد باو حجت پس بشنود آنرا گوش او و نگه داشته باشد آنرا قلب او . بدرستيكه أمر ما بالغاية صعب و دشوار است و متحمل نميشود آن را مگر بنده مؤمنى كه امتحان كرده باشد خداوند تعالى قلب او را از براى ايمان و حفظ نميكند حديث ما را مگر سينهاى أمين و عقلها سنگين . اى جماعت مردمان بپرسيد از من علوم أوّلين و آخرين را قبل از اينكه نيابيد مرا ، پس هر آينه من براههاى آسمان داناترم از خود براههاى زمين ، پيش از اينكه بلند نمايد پاى خود را فتنه كه پازند در مهار خود و ببرد عقلهاى قوم خود را