متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 169 ]
و من خطبة له عليه السّلام يصف فيها المنافقين و هى المأة و الثالثة و التسعون من المختار فى باب الخطب
نحمده على ما وفّق له من الطّاعة ، و ذاد عنه من المعصية ، و نسئله لمنّته تماما ، و بحبله اعتصاما ، و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله ،
خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة ، و تجرّع فيه كلّ غصّة ، و قد تلوّن له الأدنون ، و تألّب عليه الأقصون ، و خلعت إليه العرب أعنّتها ،
و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها ، حتّى أنزلت بساحته عداوتها من أبعد الدّار ، و أسحق المزار .
أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ، و أحذّركم أهل النّفاق ، فإنّهم الضّالّون المضلّون ، و الزّالّون المزلّون ، يتلوّنون ألوانا ، و يفتنّون افتنانا ، و يعمدونكم بكلّ عماد ، و يرصدونكم بكلّ مرصاد ، قلوبهم دويّة ، و صفاحهم نقيّة ، يمشون الخفاء ، و يدبّون الضّراء ، وصفهم دوآء ،
و قولهم شفآء ، و فعلهم الدّآء العياء ، حسدة الرّخآء ، و مؤكّدوا
[ 170 ]
البلاء ، و مقنّطوا الرّجاء ، لهم بكلّ طريق صريع ، و إلى كلّ قلب شفيع ، و لكلّ شجو دموع ، يتقارضون الثّنآء ، و يتراقبون الجزاء ،
إن سئلوا ألحفوا ، و إن عذلوا كشفوا ، و إن حكموا أسرفوا ،
قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا ، و لكلّ قائم مائلا ، و لكلّ حيّ قاتلا ،
و لكلّ باب مفتاحا ، و لكلّ ليل مصباحا ، يتوصّلون إلى الطمع باليأس ليقيموا به أسواقهم ، و ينفّقوا به أعلاقهم ، يقولون فيشبّهون و يصفون فيموّهون ، قد هيّؤا الطّريق ، و أضلعوا المضيق ، فهم لمّة الشّيطان ، و حمّة النّيران ، أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون .
اللغة
قال في محكيّ النهاية : قد تكرّر في الحديث ذكر النّفاق و ما تصرّف منه اسما و فعلا ، و هو اسم لم يعرفه العرب بالمعنى المخصوص ، و هو الّذي يستر كفره و يظهر ايمانه و ان كان أصله في اللغة معروفا يقال نافق ينافق منافقه و نفاقا ، و هو مأخوذ من النافقاء إحد جحرتي اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر و خرج منه ،
و قيل من النفق و هو السّرب الّذى يستتر فيه لستره كفره انتهى .
و قال الطريحي : المنافق هو الّذي يستر الكفر و يظهر غيره من النّفق و هو السّرب في الأرض أى يستتر بالاسلام كما يستتر في السّرب .
و ( الذّود ) الطّرد و الدّفع و ( خاض ) في الأمر دخل فيه و أصل الخوض دخول
[ 171 ]
القدم فيما كان مايعا من الماء و الطّين ، ثمّ كثر استعماله في كلّ دخول فيه اذى و ( الغمرة ) الشدّة و غمرات الموت شدائده ، و في القاموس غمرة الشيء شدّته و مزدحمه و ( الغصّة ) الشجي في الحلق و الجمع غصص و ( سحق ) المكان فهو سحيق مثل بعد فهو بعيد لفظا و معنا قال تعالى فسحقاً لأَصحاب السعير أى بعدا و ( المزار ) المكان الّذى يزار منه أو فيه ، و المراد هنا الأوّل و ( زلّ ) فلان عن الأمر أخطاه و أزلّه غيره أوقعه في الخطاء .
و رجل ( مفنن ) ذو فنون في القول و غيره ( و يعمدونكم بكلّ عماد ) قال الشّارح المعتزلي : أى يفدحونكم و يهدّونكم يقول عمده المرض يعمده أى هدّه بكلّ عماد أى بأمر فادح و خطب مؤلم ، انتهى .
أقول : و يجوز جعل يعمدونكم بمعنى يقصدونكم و ( رصدته ) رصدا من باب قتل إذا قعدت له على طريقه تترقبه ، و قعد فلان بالمرصد وزان جعفر و بالمرصاد بالكسر أى بطريق الارتقاب و الانتظار و ( خفى ) الشىء يخفى خفاء بالفتح إذا استتر و ( دبّ ) النّمل دبيبا مشى مشيا رويدا و ( الضراء ) بالفتح و تخفيف الراء و المدّ الشّجر الملتف فى الوادى و ( الدّاء العياء ) الّذى أعيا الأطبّاء و لم ينجع فيه الدّواء و ( نفق ) البيع نقاقا كسحاب راج و نفّق السّلعة تنفيقا روّجها كأنفقها و ( الاعلاق ) جمع علق كأحبار و حبر و هو النفيس من كلّ شيء و ( التمويه ) التزيين و موّه الشيء طلاه بفضّة أو ذهب و تحته نحاس ليزيّنه به .
قوله ( قد هيؤا الطريق ) في بعض النسخ هيّؤا بالهمزة من التهيّاء ، و في بعض بالنّون من الهيّن و هو السّهل فكانّه منقول من الواو إلى الياء ، و الأصل هوّنوا الطريق أى سهّلوها و ( أضلع ) الشيء أماله و جعله معوجا و ضلع الشيء ضلعا من باب تعب أعوج و ( اللّمة ) بضمّ اللام و فتح الميم مخففة الجماعة و بالتشديد الصاحب و الاصحاب في السّفر و المونس يستعمل في الواحد و الجمع و ( حمّة النيران ) بالتشديد معظم حرّها و بالتّخفيف سمّ العقرب .
[ 172 ]
الاعراب
من في قوله : من الطاعة و من المعصية بيان لما ، و الضّمير في له و عنه عايد إلى ما ، و قوله : خاض إلى رضوان اللّه إلى متعلّق بمقدّر حال من فاعل خاض أى متوجّها إلى رضوانه ، و الخفاء و الضّراء منصوبان على الظّرفيّة المجازيّة .
المعنى
اعلم أنّ الخطبة السّابقة لما كانت في وصف المتّقين عقّبها الرّضيّ « قد » بهذه الخطبة الّتي يصف عليه السّلام فيها المنافقين ملاحظة لحسن النّظم و بديع ترتيب الكتاب ، و المنافق حسبما عرفت آنفا هو الّذى يبطن الكفر و يظهر الايمان كما قال الشاعر :
للمؤمنين أمور محزية و للمنافق سرّ دونه نفق
و اطلاق المنافق بهذا المعنى هو المعروف في الكتاب و السّنة ، و المستفاد من بعض الأخبار أنّه قد يطلق على الناقص الايمان .
مثل ما رواه في الكافي في باب أصول الكفر و أركانه عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن عبد اللّه بن سنان عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال :
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ثلاث من كنّ فيه كان منافقا و إن صام و صلّى و زعم أنّه مسلم :
من إذا ائتمن خان ، و إذا حدّث كذب ، و إذا وعد أخلف إنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كتابه انّ اللَّه لا يحبّ الخائنين و قال انّ لعنة اللَّه عليه ان كان من الكاذبين و في قوله عزّ و جلّ و اذكر في الكتاب اسمعيل انّه كان صادق الوعد و كان رسولا نبيّا .
و فيه في باب النفاق و المنافق باسناده عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال :
إنّ المنافق ينهى و لا ينتهى و يأمر بما لا يأتي ، و إذا قام إلى الصّلاة اعترض ، قلت :
يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما الاعتراض ؟ قال عليه السّلام : الالتفات و إذا ركع ربض ، يمسى و همّه العشاء و هو مفطر ، و يصبح و همّه النوم و لم يسهر ، إن حدّثك كذبك و إن ائتمنته خانك ، و إن غبت اغتابك ، و إن وعدك أخلفك .
[ 173 ]
إذا عرفت ذلك فأقول : إنّه عليه السّلام قبل أن يأخذ فى وصف المنافقين افتتح كلامه بما جرى عادته على الافتتاح به فى باب الخطابة من ثناء اللّه تعالى و تعظيمه و تمجيد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال ( بحمده على ما وفق له من الطاعة و ذاد عنه من المعصية ) أى نحمده على ما وفّقنا له من طاعاته الموصلة الى جنانه و المحصلة لرضوانه ، و على ما أبعدنا منه من سيئآته المؤدية الى نيرانه ، و الموجبة لخذلانه .
و حصول هذا التوفيق منه عزّ و جلّ في حقه عليه السّلام بما أفاض عليه من القوّة العاصمة و ملكة العصمة الدّاعية إلى المعروف و الرّادعة عن المنكر .
و اما فى حقّ غيره الذين شرّكهم 1 معه في ثنائه فبالأوامر و النواهى الواردة فى الكتاب و السّنة و اجتماع شرايط الطاعة و انقطاع أسباب المعصية .
( و نسأله لمنّته تماما ) أى نسأل منه عزّ و جلّ أن يتمّ علينا نعمته ، فانّه المنّان الذى يبدء بالنوال قبل السؤال .
و المراد بنعمته التى سأل تمامها إما خصوص نعمة التوفيق المذكورة فى الجملة السابقة أو الأعمّ منها ، و الأوّل أولى بسبق العهد ، و الثانى أنسب بمقام السؤال فان قلت : نعم اللّه سبحانه غير متناهية كما قال عزّ من قائل « ان تعدّوا نعمة اللَّه لا تحصوها » فكيف سأل تماميّتها و هى أجلّ عن أن تستقصى و أعظم من أن تستتمّ .
قلت : إن اريد بمنّته خصوص نعمة التوفيق فلا إشكال ، و يراد حينئذ بتماميّتها كمالها و استمرارها إلى آخر العمر ، و إن اريد الأعمّ فيراد بتماميّتها أن ينضمّ ما أنعم به عليه فى الدّنيا إلى نعمة الآخرة أى يصل نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة كما قاله بعض المفسرين فى قوله تعالى و يتمّ نعمته عليك و على آل يعقوب كما أتمّها على ابويك من قبل إبراهيم و إسحاق من أنّ المراد بقوله يتمّ نعمته أن يصل نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة بأن يجعلهم أنبياء و ملوكا ثمّ ينقلهم إلى نعيم الآخرة و الدّرجات العلى من الجنّة ( و ) نسأله ( بحبله اعتصاما ) أى تمسّكا بكتابه المبين ، فانّه حبل اللّه المتين
----------- ( 1 ) حيث قال : نحمده بصيغة المتكلّم مع الغير منه
[ 174 ]
كما وصفه عليه السّلام بذلك فى الخطبة المأة و الخامسة و السبعين و كذلك وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا به فى حديث الثقلين الذى قدّمنا روايته فى شرح الخطبة السادسة و الثمانين .
و استعير عنه أيضا فى الكتاب العزيز فى قوله « و اعتصموا بحبل اللَّه جميعا و لا تفرّقوا » على أحد تفاسيره ، و وجه الاستعارة أنّ الاعتصام و التمسك بالحبل الوثيق المحكم كما أنه سبب النجاة من المهاوى و المهالك ، فكذلك بالتمسك بالقرآن يحصل النجاة من الكفر و الضلال الموجب للهلاك الدّائم و الخزى العظيم .
و روى الطريحى فى مجمع البحرين عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام قال : الامام منّا لا يكون إلاّ معصوما و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف ، قيل : فما معنى المعصوم ؟ قال عليه السّلام : المعتصم بحبل اللّه ، و حبل اللّه هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة .
و بما ذكرناه ظهر أنّ جعل المراد بالحبل في المتن هو القرآن أولى و أظهر من تفسيره بالدّين القويم كما في شرح البحراني ، هذا .
و لمّا حمد اللّه عزّ و جلّ بما هو أهله عقّبه بالشهادة بالرّسالة فقال ( و نشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله ) قد مرّ بيان معنى العبد و أنّ مرتبة الرّسالة فوق مرتبة العبوديّة في شرح الخطبة الاحدى و السبعين فليتذكر .
و لمّا شهد برسالته اتبعه بشرح حاله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أداء الرّسالة فقال ( خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة ) استعار لفظ الغمرة عن غمرة الماء و هي معظمه و مزدحمه للشدائد و المكاره الّتى ابتلى بها حين بعثته ، و الجامع للاستعارة أنّ غمرة الماء كما تغمر و تغطى الخائض فيها من كلّ جانب فكذلك تلك المكاره و الشدائد حسبما تعرف كانت محيطة به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كلّ طرف ، و رشّح الاستعارة بذكر لفظ الخوض .
و محصّل المراد انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحمل كلّ مكروه توجّها إلى منتهى رضاه عزّ و جلّ ( و تجرّع فيه كلّ غصّة ) أى تجرّع الغصص في تحصيل رضوانه تعالى ، أى ابتلعها جرعة بعد جرعة و أراد بالغصص الغموم و الهموم العارضة له من مزيد أذى المشركين
[ 175 ]
و سوء فعالهم .
( و قد تلوّن له الأدنون ) أى تغيّر له أقاربه من قريش ألوانا ( و تألّب عليه الأقصون ) أى تجمّع على حربه الأباعد منه نسبا من أقصى البلاد ( و خلعت ) متوجّهة ( اليه ) معاشر ( العرب أعنّتها و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها ) قال الشارح البحراني :
هذان مثلان كنّي بهما عن المسارعة إلى حربه لأنّ أقوى عدو الخيل إذا خلعت أعنّتها و أقوى عدوّ الرّواحل إذا ضربت بطونها و فيه ايماء إلى أنّهم أتوه فرسانا و ركبانا مسرعين إلى حربه .
( حتى انزلت بساحته ) و منزله ( عداوتها ) أى حربها و اطلاقها عليه من باب اطلاق اسم السبب على المسبب ، أى أسرعوا إلى حربه صلّى اللّه عليه و آله ( من أبعد الدّار و أسحق المزار ) و فيه إشارة إلى غاية عداوتهم ، لأنّ الظعن إلى الحرب من مكان بعيد لا يكون إلاّ عن اهتمام أكيد و عناد عنيد و عداوة شديدة .
قال الشارح المعتزلي : من قرء كتب السّير علم ما لاقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذات اللّه من المشقّة و استهزاء قريش به في أوّل الدّعوة و رميهم إيّاه بالحجارة حتى أدموا عقيبه و صياح الصبيان به و القاء فرث الكرش على رأسه ، و فتل الثوب فى عنقه ،
و حصره و حصر أهله في شعب بني هاشم سنين عديدة محرّمة معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا لو لا أنّ بعض من كان يحنو عليهم لرحم أو لسبب غيره فهو يسرق الشىء القليل من الدّقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلا .
ثمّ ضربهم أصحابه و تعذيبهم بالجوع و الوثاق في الشمس و طردهم إياه عن شعاب مكة حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشة و خرج صلّى اللّه عليه و آله مستجيرا منهم تارة بثقيف ، و تارة ببنى عامر ، و تارة بربيعة الفرس و بغيرهم .
ثمّ أجمعوا إلى قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالأوس و الخزرج ،
تاركا أهله و أولاده و ما حوته يده ، ناجيا بحشاشة نفسه حتى وصل إلى المدينة ،
فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الكتائب ، و ضربوا له آباط الابل .
[ 176 ]
و لم يزل منهم في عناء شديد و حروب متصلة حتى أكرمه اللّه تعالى و أيّده و نصر دينه و أظهره ، انتهى .
و محصّل الكلام أنه صلّى اللّه عليه و آله قد كابد الشدايد و قاسى الهموم و تجرّع الغصص لتأسيس أساس الاسلام و تشييد قوائم الدّين ، هذا .
و انما مهّد عليه السّلام تلك المقدّمة أعني مقدّمة البعثة لأنّه لما كان غرضه الأصلى من هذه الخطبة التحذير من المنافقين الذين كان همّهم في إبطال الدّين و ترويج الباطل ، أراد أن ينبّه على مزيد خبث طينتهم الموجب لمزيد الحذر منهم حيث إنهم يريدون ليطفؤا نور اللّه ، و يبطلوا الدّين القويم الذى قد قوسي فيه هذه المكاره ،
و احتمل تلك المشاق الكثيرة .
و قبل التحذير منهم أوصى المخاطبين بما لا يزال يوصى به فقال ( اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ) و التصلّب في الدّين ( و أحذّركم ) من كيد ( أهل النفاق ) و خديعة الخائنين أى الذين أظهروا الاسلام و أبطنوا الكفر .
و الظاهر أنّ غرضه عليه السّلام منه التعريض على معاوية و عمرو بن العاص و أمثالهما من المنتحلين للاسلام ، و يشعر بذلك قوله عليه السّلام في عهده الآتي في المتن إلى محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر حيث قال فيه متعرّضا على معاوية :
فانه لا سواء إمام الهدى و إمام الرّدى ، و وليّ النبيّ و عدوّ النبيّ ، و لقد قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إني لا أخاف على امتى مؤمنا ، و لا مشركا ، أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بايمانه ، و أمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه ، و لكنّي أخاف عليكم كلّ منافق الجنان ،
عالم اللّسان ، يقول ما تعرفون ، و يفعل ما تنكرون .
و لما حذّر عن المنافقين اتبعه بذكر مذامّهم و مثالبهم تنفيرا عنهم و قال ( فانّهم الضالّون ) عن الصراط المستقيم و النهج القويم ( المضلّون ) لغيرهم عنه بالشبه و التمويه ( و الزّالون المزلّون ) أى الخاطئون الموقعون لغيرهم فى الخطاء أيضا .
( يتلوّنون ألوانا ) أى يتغيّرون فى أقوالهم و أفعالهم من حال إلى حال بحسب
[ 177 ]
تبدّل أهوائهم الفاسدة فيلاقون كلا بوجه و لسان غير الآخر .
( و يفتنون افتنانا ) أى يتشعّبون بأنحاء مختلفة فى القول و العمل على مقتضى اختلاف آرائهم الباطلة .
( و يعمدونكم بكلّ عماد ) أى يقصدونكم بكلّ أمر فادح ثقيل و خطب مؤلم على وجه الخدعة و الحيلة .
( و يعمدونكم بكلّ عماد ) أى يقصدونكم بكلّ أمر فادح ثقيل و خطب مؤلم على وجه الخدعة و الحيلة .
( و يرصدونكم بكلّ مرصاد ) أى يترقّبونكم و يقعدون منتظرين بكلّ طريق معدّ للارتقاب ، يعني أنّهم لا يغفلون عنكم و لا يدعون مراقبتكم و يهيّئون وجوه الحيل في اضلالكم و إصابتكم بكلّ مكروه .
( قلوبهم دويّة ) أى فاسدة من داء أصابها و هو الدّاء النّفساني الموجب لمرضها كالحقد و الحسد و العداوة و البخل و النّفاق و الشّك و الارتياب ، قد وصفهم اللّه سبحانه أيضا بهذا الوصف حيث قال « في قلوبهم مرض فزادهم اللَّه مرضا .
قال الطبرسى فى تفسير الآية ، إنما سمى الشك في الدّين مرضا لأنّ المرض هو الخروج عن حدّ الاعتدال ، فالبدن ما لم تصبه آفة يكون صحيحا سويّا ، و كذلك القلب ما لم يصبه آفة من الشّكّ يكون صحيحا ، و قيل : المرض هو الفتور فهو في القلب فتوره عن الحقّ كما أنّه في البدن فتور الأعضاء .
( و صفاحهم نقيّة ) أى صفحات وجوههم طاهرة نظيفة ، و هو كناية عن اتّصاف ظاهرهم بالبشر و البشاشة و المحبّة و النّصح و الصّداقة خلاف ما في باطنهم من الشرّ و الفساد و اللّدد و العناد .
( يمشون ) في ( الخفاء ) أى مختفيا قال الشارح البحراني : و هو كناية عن كون حركاتهم القوليّة و الفعليّة فيما يريدونه في خفاء أفهام النّاس .
( و يدبّون الضّراء ) و هو مثل يضرب لمن أراد أن يختل صاحبه يقال : فلان يدبّ له الضّراء إذا أراد بصاحبه سوء و أذى من حيث لا يعلم ، كمن يمشى في الشّجر الملتف الساتر للاصطياد .
( وصفهم دواء و قولهم شفاء و فعلهم الدّاء العياء ) يعني أنّهم يتّصفون ظاهرا
[ 178 ]
بأوصاف أهل الايمان أو أنّهم يصفون من الطاعات و الخيرات ما هو دواء الأمراض النفسانية كالمؤمنين ، و يقولون من الأقوال الحسنة و المواعظ البالغة ما هو شفاء الصّدور كالنّاسكين و الزّاهدين ، و يفعلون فعل الفاسقين الفاجرين الّذى هو الدّاء الأكبر المعيي للأطباء من العلاح .
و محصّله أنّهم يتّصفون ظاهرا بصفات المؤمنين ، و يتكلّمون بمثل كلامهم إلاّ أنّ أفعالهم خلاف أقوالهم ، و باطنهم مناف لظاهرهم كما قال تعالى في وصفهم « يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و اللَّه أعلم بما يكتمون » و قال أيضا « و إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انّا معكم انّما نحن مستهزؤن » و في سورة آل عمران « و إذا لقوكم قالوا آمنّا و إذا خلوا عضّوا عليكم الأَنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم انّ اللَّه عليم بذات الصّدور » .
( حسدة الرّخاء ) أى إن رأوا لأحد سعة و رفاهيّة في العيش و نعمة أنعم اللّه سبحانه بها عليه يحسدونه و يحزنونه به كما قال تعالى ان تمسسكم حسنة تسؤهم و إن تصبكم سيئة يفرحوا بها ( و مؤكّدوا البلاء ) يعني إذا وقع أحد في بلاء و مكروه يسعون في تأكيده و تشديده بالسّعاية و النميمة و ساير أسباب التشديد ، و لا يسعون في دفعه و رفعه و اصلاحه و في بعض النّسخ و مولّدوا البلاء باللاّم و هو ظاهر .
( و مقنطوا الرّجاء ) قال البحراني : أى إذا رجا راج أمرا ففي طباعهم أن يقنطوه و يؤيسوه ، و هكذا شأن المنافق الكذّاب أن يبعّد القريب و يقرّب البعيد أقول : و يحتمل أن يكون المراد أنّهم بمقتضى خبثهم الباطني يقنّطون الرّاجين من رحمة اللّه عزّ و جلّ و يؤيسونهم منها ، و ذلك لقنوطهم في أنفسهم منها بما لهم من الغيّ و الضّلال كما قال تعالى و من يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضّالّون ( لهم بكلّ طريق صريع ) الظّاهر أنّ المراد به أنّ لهم في كلّ طريق من طرق البرّ صرعى أى هلكى لاضلالهم النّاس عنها ، و قال الشّارح البحراني : إنّه كناية عن كثرة من يقتلونه أو يؤذونه بخديعتهم و كنّى بالطّريق إمّا عن كلّ مقصد
[ 179 ]
قصدوه أو عن كلّ حيلة احتالوها و مكر مكروه ، فانّه لا بدّ أن يستلزم أذى و الأظهر ما قلناه .
( و إلى كلّ قلب شفيع ) أى إلى صرف كلّ قلب نحوهم و عطفه إليهم وسيلة و واسطة ، و هى خلابة ألسنتهم و ملقهم و ما يظهرونه من التّلطّف و التّؤدد و التّملق أو المراد أنّ لهم إلى تحريف كلّ قلب و إضلاله عن الحقّ شفيع ، و على أىّ تقدير فالمراد به التّنبيه على شدّة استيلائهم على القلوب و تمكّنهم من التّصرّف فيها بأىّ نحو كان .
( و لكلّ شجو دموع ) يعني أنّهم يسكبون دموعهم و يبكون رياء عند كلّ محزون و مصاب تخييلا بأنّهم مشاركوهم في الحزن و الأسف و قصدهم بذلك التوصّل إلى حصول أغراضهم الفاسدة .
( يتقارضون الثّناء ) أى يثنى أحدهم على الآخر ليثنى الآخر عليه كأنّه يقرض الثناء ليأخذ عوضه .
( و يتراقبون الجزاء ) أى يترقّب كلّ واحد منهم جزاء محمدته و ثنائه من صاحبه إذا أثنى عليه و ينتظر أن يجزيه بمثل ثنائه أو بغيره من وجوه الجزاء .
( إن سألوا ألحفوا ) أى أسرّوا في سؤالهم و ألحوّا فيه ( و إن عذلوا كشفوا ) يعني إن لاموا أحدا ببعض المعايب كشفوا عيوبه عند الأجانب و الأقارب ، و ربما يظهرونها عند من لا يرضى بالاظهار عنده ، و ذلك لعدم كون نصحهم عن وجه الصدق و الخلوص حتى يناصحوه في الخلوة لا فى الملاء .
( و ان حكموا أسرفوا ) أى إذا ولى أحدهم ولاية أسرف فيها بالظلم و الطغيان و أفرط في الأكل و الشرب و الانهماك فى شهوات نفسه كما فعل معاوية في ولاية الشام .
و يحتمل أن يراد به أنهم إذا فوّض إليهم الحكم تعدّوا فيه و تجاوزوا عن الاعتدال كما صدر عن عمرو بن العاص و أبي موسى الأشعري في قضيّة التحكيم .
( قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا ) أى هيّؤا لابطال الحقّ شبهة فاسدة باطلة ليموّهوا
[ 180 ]
بها كما اعتذر المنافق الثاني في زوى الخلافة عنه عليه السّلام بأنّ فيه دعابة ، و تبعه على ذلك عمرو بن العاص اللّعين كما حكى عليه السّلام عنه في المختار الثالث و الثمانين بقوله : عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام إنّ فيّ دعابة و إنّي امرء تلعابة .
( و لكلّ قائم مائلا ) أى أعدّوا لكلّ أمر صحيح مستقيم ليس به اعوجاج ما يوجب اعوجاجه من الشّبه و التمويهات .
( و لكلّ حىّ قاتلا ) يحتمل أن يراد به خصوص ذى الحياة من نوع الانسان فيراد بالقاتل معناه المعروف و أن يراد به معناه المجازى أى هيؤا لكلّ ما له قوام و ثبات من امور الدّين ما يوجب فساده و إبطاله كما قال عليه السّلام في المختار المأة و السابع و العشرين ، و انما حكم الحكمان ليحييا ما أحيى القرآن و يميتا ما أمات القرآن و إحياؤه الاجتماع عليه و إماتته الافتراق عنه .
( و لكلّ باب مفتاحا ) أى لكلّ باب من أبواب الضلال مفتاحا من وجوه التدبير و الحيل يفتحونه به على الناس لاضلالهم .
( و لكلّ ليل مصباحا ) أى لكلّ أمر مظلم يعيي فيه رأيا يستضاء به فيه و يهتدى به إليه كما دبّره ابن العاص عند ضيق الخناق على أهل الشام بصفّين من رفع المصاحف على الرّماح صبيحة ليلة الهرير ، فأنجاهم بتلك الحيلة و المكيدة عن هذه الورطة العظيمة .
( يتوصّلون إلى الطمع باليأس ) لعلّ المراد أنهم يتزهّدون و يظهرون اليأس و الاستغناء عما في أيدى الناس و صلة به إلى مطامعهم ، و محصله أنهم يتركون الدنيا للدّنيا و يستغنون عن الناس تزويرا .
( ليقيموا به أسواقهم و ينفقوا به أعلاقهم ) شبههم فى قصدهم إلى إضلال الناس بالتاجر الذي يجلس في السوق و يعرض متاعه على المشترين و يرغبهم إليه بحسن المعاملة قصدا إلى رواج متاعه ، فجعلهم بمنزلة التاجر ، و ما عندهم من متاع الضلال بمنزلة المبيع ، و من يريدون إضلاله بمنزلة المشترى ، و ما عنده من الهدى بمنزلة الثمن .
[ 181 ]
فيكون محصّل المعنى أنهم يظهرون اليأس من الناس جلبا لقلوبهم إليهم ،
و توصلا به إلى ما يطمعونه منهم من الاضلال و الاغواء و غرضهم بذلك إقامة أسواقهم أى انتظام معاملتهم معهم و ترويج ما لديهم من متاع الضلال الذي يزعمون أنه متاع نفيس مع أنه خبيث خسيس .
( يقولون فيشبهون ) أى يقولون قولا فاسدا فيوقعون به الشبهة في قلوب الخلق ( و يصفون فيموّهون ) أى يصفون الباطل و يزيّنونه بصورة الحقّ .
( قد هيّنوا الطريق و أضلعوا المضيق ) لعلّ المراد به أنهم جعلوا الطريق المؤدّى إلى الضلال سهلا هينا لمن أرادوا اسلاكهم فيه بالخدع و التمويهات ، و جعلوا المسلك الضيق معوجا لمن أراد الخروج من ورطة الضلال بعد تورطه فيها ، فسهولة الطريق بالنسبة إلى الوارد ، و الضيق و الاعوجاج بالنسبة إلى الخارج .
( فهم لمة الشيطان ) أى جماعته و أصحابه و أتباعه ( وحمة النيران ) أى معظم حرّها و قال الشارح البحراني مستعار لمعظم شرورهم ، و وجه المشابهة استلزامها للأذى البالغ و كذلك حمة التخفيف .
( اولئك حزب الشيطان ) لاضلالهم الناس عن الهدى إلى الرّدى ( ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ) اقتباس من الآية الشريفة في سورة المجادلة قال تعالى استحوذ عليهم الشيطان فانسيهم ذكر اللَّه اولئك حزب الشيطان الآية .
قال الطبرسي في تفسيره : أى استولي عليهم يعني المنافقين و غلب عليهم لشدّة اتباعهم اياه فأنساهم ذكر اللّه حتى لا يخافون اللّه و لا يذكرونه ، اولئك حزب الشيطان أى جنوده ، ألا انّ حزب الشيطان هم الخاسرون ، يخسرون الجنّة و يحصل لهم بدلها النار .
أقول : و بعبارة أوضح أنهم فوّتوا على أنفسهم النعيم المؤبّد و عرضوها للعذاب المخلّد بما اتّصفوا به من صفة النفاق .
روى في الكافي باسناده عن محمّد بن الفضيل قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام
[ 182 ]
أسأله عن مسألة فكتب عليه السّلام إليّ إنّ المنافقين يخادعون اللّه و هو خادعهم و إذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراؤن النّاس و لا يذكرون اللّه إلاّ قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا ، ليسوا من الكافرين و ليسوا من المؤمنين و ليسوا من المسلمين يظهرون الايمان و يصيرون إلى الكفر و التكذيب لعنهم اللّه .
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن حضرتست كه وصف فرموده در آن منافقين را ميفرمايد :
حمد ميكنم خدا را در مقابل آن چيزى كه توفيق داد مر آن چيز را در طاعت و فرمانبردارى ، و دفع و منع فرمود بندگان را از آن از معصيت و گردن كشى ،
و در خواست مىكنيم از او تمام كردن مر منّت او را ، و چنگ زدن بريسمان محكم او كه عبارتست از اسلام يا قرآن .
و گواهى ميدهيم اينكه محمّد بنده پسنديده و فرستاده او است ، فرو رفت در هر شدايد بجهت توجّه برضاى خدا ، و جرعه جرعه نوشيد هر غصّه در تحصيل رضاى إلهى و حال آنكه متغيّر و متلوّن الحال شدند از براى او نزديكان و خويشان ، و جمع گشتند بر عداوت او بيگانگان ، و كندند طايفه عرب بسوى حرب او لجامهاى خود را و زدند بر شكمهاى شتران باركش خودشان بجهت رفتن بسوى جنگ او تا آنكه فرود آوردند در فضاى خانه و منزل او دشمنى خودشان را از دورترين خانه و دورترين زيارتگاه وصيّت مىكنم شما را اى بندگان خدا به پرهيزكارى خدا و مىترسانم شما را از أهل نفاق ، پس بدرستيكه منافقان گمراهان و گمراه كنندگانند ، و لغزندگان و لغزانندگانند ، رنگ برنگ و مختلف الحال مىشوند و خلق را تفتين مىكنند ،
قصد مىكنند شما را بهر أمر سنگين ، و انتظار شما را مىكشند در هر گذر گاهى ،
[ 183 ]
قلبهاى ايشان فاسد است ، و صفحه روهاى ايشان پاك و نظيف ، راه مىروند در پنهانى و حركت مىكنند در طرق اذيّت و اضرار .
صفت ايشان دواء است ، و گفتار ايشان شفاء است ، و كردار ايشان درد بى درمان حسد كنندگان رفاهيّتند ، و محكم كنندگان بلا و معصيبت ، و مأيوس كنندگان اميدند ، ايشان را است در هر راهى افتاده ، و بسوى هر قلبى واسطه ، و از براى هر اندوهى اشك چشمى ، بقرض ميدهند بيكديگر ثنا و ستايش را ، و منتظر مىباشند از يكديگر جزا و احسان را .
اگر سؤال نمايند اصرار مىكنند ، و اگر ملامت نمايند پرده درى مىكنند ،
و اگر حاكم نمايند ايشان را در حكومتى اسراف مىنمايند ، بتحقيق كه مهيّا ساختهاند از براى هر حق باطلى را ، و از براى هر راست كجى را ، و از براى هر زنده قاتلى را ، و از براى هر در كليدى را و از براى هر شب چراغى را .
يعنى صاحبان أنواع و أقسام حيله و خدعه مىباشند ، توصّل مىكنند بسوى طمع با اظهار يأس از مردم تا اينكه بر پا كنند بسبب اظهار يأس بازار كار خودشان را و رواج دهند متاع خود را ، حرف مىزنند پس مشتبه مىسازند خلق را ، و تعريف مىكنند پس زينت مىدهند و آسان مىگردانند راه باطل را بجهت داخلين ، و كج مىكنند راه تنگ را بجهت خارجين ، پس ايشان جماعت شيطانند ، و چشمه آتشند ايشان دسته شيطانند ، آگاه باش بدرستى دسته شيطان ايشانند زيانكاران .