متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 131 ]
و من خطبة له عليه السّلام في الملاحم و هى المأة و الخمسون من المختار في باب الخطب
و أخذوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغىّ ، و تركا لمذاهب الرّشد ، فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، و لا تستبطئوا ما يجبىء به الغد ، فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه ، و ما أقرب اليوم من تباشير غد ، يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود ،
و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون ، ألا و من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير ، و يحذو فيها على مثال الصّالحين ، ليحلّ فيها ربقا ،
و يعتق رقّا ، و يصدع شعبا ، و يشعب صدعا ، في سترة عن النّاس لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره ، ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل ، يجلى بالتّنزيل أبصارهم ، و يرمى بالتّفسير في مسامعهم ،
و يغبقون كأس الحكمة بعد الصّبوح .
منها و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزى ، و يستوجبوا الغير حتّى إذا اخلولق الأجل ، و استراح قوم إلى الفتن ، و اشتالوا عن لقاح حربهم ، لم يمنّوا على اللَّه بالصّبر ، و لم يستعظموا بذل أنفسهم
[ 132 ]
في الحقّ ، حتّى إذا وافق وارد القضآء انقطاع مدّة البلآء ، حملوا بصآئرهم على أسيافهم ، و دانوا لربّهم بأمر واعظهم ، حتّى إذا قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رجع قوم على الأعقاب ، و غالتهم السّبل ، و اتّكلوا على الولائج ، و وصلوا غير الرّحم ، و هجروا السّبب الّذي أمروا بمودّته ، و نقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه ، معادن كلّ خطيئة ، و أبواب كلّ ضارب في غمرة ، قد ماروا في الحيرة ،
و ذهلوا في السّكرة ، على سنّة من آل فرعون ، من منقطع إلى الدّنيا راكن ، أو مفارق للدّين مباين .
اللغة
( ظعن ) ظعنا من باب منع و ظعنا بالتّحريك سار و ( التباشير ) أوائل الصّبح و كلّ شيء ، و ( إبّان ) الشيء بكسر الهمزة و تشديد الباء الموحّدة وقته و زمانه و ( الرّبق ) بالكسر فالسّكون حبل فيه عدّة عري يشدّ به البهم و كلّ عروة ربقة بالكسر و الفتح و الجمع ربق و رباق و أرباق و ( يشحذنّ ) على البناء للمفعول من الشّحذ و هو التّحديد و ( القين ) الحدّاد و ( النّصل ) حديدة الرّمح و السّهم و السّيف ما لم يكن له مقبض و ( الغبوق ) وزان صبور الشّرب بالعشىّ و غبقه سقاه ذلك و ( الصّبوح ) كصبور أيضا الشّرب بالغداة ، و صبّحهم سقاهم صبوحا و قد يطلق الغبوق و الصّبوح على ما يشرب بالعشىّ و الغداة .
و ( الغير ) بكسر الغين المعجمة و فتح الياء المثنّاة قال في مجمع البحرين :
[ 133 ]
في الحديث : الشكر أمان من الغير ، و مثله من يكفر باللَّه يلقى الغير ، أى تغيّر الحال و انتقالها عن الصّلاح إلى الفساد و ( شالت ) النّاقة ذنبها و أشالته رفعته فشال الذّنب نفسه لازم متعدّ و ( اللقاح ) بالفتح اسم ماء الفحل لقحت النّاقة من باب سمع لقاحا أى قبلت اللّقاح فهى لاقح أى حامل و ( غاله ) السّيل أهلكه كاغتاله و ( الرّص ) مصدر من رصّ الشيء ألصق بعضه ببعض و ضمّ كرصّصه قال تعالى :
« كَأنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » و تراصّوا في الصفّ تلاصقوا و انضمّوا و ( مار ) الشيء من باب قال تحرّك بسرعة قال سبحانه :
« يَوْمَ تَمُورُ السَّمآءُ مَوْراً »
الاعراب
قال الشّارح المعتزلي : ينصب ظعنا و تركا على المصدريّة و العامل فيهما من غير لفظهما و هو أخذوا ، انتهى .
و الصّواب أنّهما حالان من فاعل أخذوا على التّأويل بالفاعل ، أى ظاعنين و تاركين ، و يا قوم بكسر الميم منادى مرّخم ، و قوله : في سترة خبر لمبتداء محذوف و جملة لا يبصر القائف أثره حال مؤكّدة نحو : وليّ مدبرا ، و جملة يجلى بالتّنزيل في محلّ الرّفع صفة لقوم ، و قوله : حتّى اذا اخلولق الأجل ،
جواب اذا محذوف بقرينة جواب اذا الآتية أعنى قوله : حملوا بصائرهم ، و جملة لم يمنّوا حال من فاعل اشتالوا ، و قوله : معادن كلّ خطيئة ، خبر لمبتداء محذوف و الجملة في محلّ الرّفع صفة لقوم .
و قوله : على سنّة من آل فرعون من منقطع آه ظرف مستقرّ حال من فاعل ذهلوا ، و من الاولى نشويّة ابتدائيّة و الثّانية أيضا للابتداء ، و مجرور الثانية بدل من مجرور الاولى بدل اشتمال نظير قوله تعالى :
[ 134 ]
« نُودِىَ مِنْ شاطىء الْوادِ الْأيْمَنِ فِى الْبُقْعةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ » قال ابن هشام : من فيهما للابتداء و مجرور الثانية بدل من مجرور الأولى بدل اشتمال لأنّ الشّجرة كانت نابتة بالشّاطىء ، انتهى .
و ربّما يعترض عليه بانّه لا بدّ على ذلك من تقدير ضمير يعود على المبدل منه ، و اجيب عنه بأنّ تكرار من يغنى عن تقدير الضّمير ، هذا .
و يحتمل كون من الثانية للتّبيين فهى إمّا بيان لمجرور من الاولى على حدّ قوله تعالى :
« وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلُّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بآياتِنا » .
أو بيان لمعادن كلّ خطيئة ، و الأوّل أقرب لفظا و الثّاني معنى ، فافهم .
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام يذكر في هذه الخطبة قوما من فرق الضّلال زاغوا عن طريق الهدى إلى سمت الرّدى و مدارها على فصول :
الفصل الاول
قوله عليه السّلام : ( و أخدوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغيّ و تركا لمذاهب الرّشد ) أى مرتحلين في مسالك الغيّ و الضّلال ، و تاركين لمذاهب الرّشد و السّداد ، فانّ اليمين و الشّمال مضلّة و الطّريق الوسطى هي الجادّة على ما تقدّم تفصيلا في شرح الفصل الثّاني من الكلام السّادس عشر ، فمن أخذ بالشّمال و اليمين ضلّ لا محالة عن النّهج القويم و الصراط المستقيم .
ثمّ نهاهم عن استعجال ما كانوا يتوقّعونه من الفتن الّتي أخبرهم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله
[ 135 ]
و هو عليه السّلام بوقوعها في مستقبل الزّمان ، و كانوا يسألونه عليه السّلام عنها و يستبطؤون حصولها فقال : ( فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ) أى مترقّب و معدّ ( و لا تستبطؤوا ما يجىء به الغد ) و علّل النّهى عن الاستعجال بقوله ( فكم من مستعجل بما إن أدركه ) حريص عليه ( ودّ أنّه لم يدركه ) و ذلك لأنّه ربّما يستعجل أمرا غفلة عمّا يترتّب عليه من المفاسد و المضارّ ، و جهلا بما يتضمّنه من الشّرور و المعايب فاذا أدركه ظهر له ما كان مخفيّا عنه فيودّ أن لا ينيله و لا يدركه قال سبحانه :
« وَ عَسى أنْ تُحِبّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » .
و لمّا نهاهم عن استبطاء ما يجيء به الغد أشار إلى قربه بقوله ( و ما أقرب اليوم من تباشير غد ) و أوائله كما قال الشّاعر : غد ما غد ما أقرب اليوم من غد .
ثمّ قال عليه السّلام : ( يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود ) أى وقت وروده و زمانه و المستفاد من شرح البحراني أنّ المقصود بهذه الجملة تقريب ذلك الموعود من الفتن ، و من شرح المعتزلي أنّها إشارة إلى قرب وقت القيامة و ظهور الفتن التى يظهر أمامها ،
و الانصاف أنّ كلامه عليه السّلام متشابه المراد ، لأنّ السيّد ( ره ) حذف أوّل الخطبة و ساقها على غير نسق ، فأوجب ذلك إبهام المرام و إعضال الكلام ، و كم له ( ره ) من مثل هذا الاسلوب المخالف للسّليقة في هذا الكتاب الموجب للغلق و الاضطراب هذا .
و قوله : ( و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون ) أى هذا وقت قرب ظهور ما لا تعرفون من تلك الملاحم و الفتن الحادثة بالتّفصيل .
قال الشّارح المعتزلي : لأنّ تلك الملاحم و الأشراط الهايلة غير معهود مثلها ، نحو دابّة الأرض ، و الدّجال و فتنته و ما يظهر على يده من المخاريق و الامور الموهمة ، و واقعة السّفياني و ان يقتل فيها من الخلائق الذي لا يحصى عددهم ، انتهى ثمّ أشار إلى سيرة أهل بيته عليه السّلام عند ظهور هذه الفتن فقال ( ألا و من أدركها منّا ) أهل البيت ( يسرى فيها ) أى في ظلمات هذه الفتن ( بسراج منير ) أى بنور
[ 136 ]
الامامة و الولاية ، فلا توجب ظلماتها انحرافه عن طريق الهدى ، و لا توقع له شبهة في عقيدته الصّادقة الصّافية بل يسلك فيها مسلك الحقّ المبين ( و يحذو فيها على مثال ) أسلافه ( الصّالحين ) و يقتفى آثار أولياء الدّين ( ليحلّ فيها ربقا و يعتق رقّا ) أى يستفكّ الهدى و ينقذ مظلومين من أيدى الظّالمين ، و يحتمل أن يكون كناية عن حلّه فيها ربق الشّك من أعناق النّفوس و عتقها من ذلّ الجهل ( و يصدع شعبا و يشعب صدعا ) أى يفرّق ما اجتمع و اتّفق من الضّلال و يصلح ما تشتّت و تفرّق من الهدى .
و قوله : ( في سترة عن النّاس ) قال الشّارح المعتزلي هنا بعد بنائه على أنّ المراد بالموصول في قوله عليه السّلام سابقا : و من أدركها ، هو مهدىّ آل محمّد سلام اللَّه عليه و على آبائه الطّاهرين : إنّ هذا الكلام يدلّ على استتار هذا الانسان المشار إليه و ليس ذلك بنافع للاماميّة في مذهبهم و إن ظنّوا أنّه تصريح بقولهم ، و ذلك لأنّه من الجايز أن يكون هذا الامام يخلقه اللَّه في آخر الزّمان و يكون مستترا مدّة و له دعاة يدعون إليه و يقرّرون أمره ثمّ يظهر بعد ذلك الاستتار و يملك المماليك و يقهر الدّول و يمهّد الأرض كما ورد في الخبر انتهى .
أقول : قد أشرنا في شرح الخطبة المأة و الثّامنة و الثلاثين أنّ المهدىّ صاحب الزّمان عليه صلوات الرّحمن مخلوق موجود الآن ، و أنّ خلاف المعتزلة و من حذا حذوهم فيه و إنكارهم لوجوده بعد ممّا لا يعباء به بعد قيام البراهين العقليّة و النقلية و دلالة الأصول المحكمة على وجوده كما هو ضروريّ مذهب الاماميّة رضوان اللَّه عليهم ، و كتب أصحابنا في الغيبة كفتنا مؤنة الاستدلال في هذا المقام و كيف كان فلو اريد بالموصول خصوص امام الزّمان عليه السّلام لا بدّ أن يكون المراد بقوله : في سترة عن النّاس ، غيبته و استتاره عن أعين النّاس ، و يكون قوله ( لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره ) إشارة إلى شدّة استتاره و عدم إمكان الوصول إليه و لو استقصى في الطلب و بولغ في النّظر و التّأمل إلاّ للأوحدىّ من النّاس إذا اقتضت الحكمة الالهيّة ، و لو اريد به العموم كان المقصود به ما قاله الشّارح
[ 137 ]
البحراني حيث قال : و ما زالت أئمة أهل البيت عليهم السّلام مغمورين في النّاس لا يعرفهم إلاّ من عرّفوه أنفسهم حتّى لو تعرّفهم من لا يريدون معرفته لم يعرفهم ، لست أقول لم يعرف أشخاصهم بل لا يعرف أنّهم أهل الحقّ و الأحقّون بالأمر .
( ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل ) قال الشّارح المعتزلي : يريد ليحرضنّ في هذه الملاحم قوم على الحرب و قتل أهل الضّلال ، و ليوطننّ عزائمهم كما يشحذ الصّيقل السّيف و يطلق حدّه .
و قال الشّارح البحراني : أى في أثناء ما يأتي من الفتن تشحذ أذهان قوم و تعدّ لقبول العلوم و الحكمة كما يشحذ الحدّاد النّصل ، و لفظ الشّحذ مستعار لاعداد الأذهان ، و وجه الاستعارة الاشتراك في الاعداد التّام النّافع ، فهو يمضى في مسائل الحكمة و العلوم كمضىّ النّصل فما يقطع به و هو وجه التّشبيه المذكور ، انتهى .
أقول : فعلى قول الأوّل يكون المراد بقوله عليه السّلام : قوم ، أنصار إمام الزمان عليه السّلام و أصحابه ، و على قول الثّاني يكون المراد به علماء الامّة المستجمعين لكمالات النفوس ، السّالكين لسبيل اللَّه من جاء منهم قبلنا و من يأتي في آخر الزمان و وصف هؤلاء بقوله ( يجلى بالتنزيل أبصارهم و يرمى بالتّفسير في مسامعهم ) أى يكشف الرّين و تدفع ظلمات الشّكوك و الشّبهات عن أبصار بصائرهم بالقرآن و التّدبر في بديع اسلوبه و معانيه ، و يرمى بتفسيره حقّ التفسير في مسامعهم ، و الجملة الثّانية بمنزلة التّعليل للأولى ، يعني أنّهم لتلقّيهم تفسيره على ما يحقّ و ينبغى من أهل الذكر الذينهم معادن التنزيل و التّأويل و تحصيلهم المعرفة عنهم عليهم السّلام بمعانيه و مبانيه و اسراره الباطنة و الظاهرة و حكمه الجليّة و الخفيّة ارتفعت غطاء الشّبهات و غشاوة الشّكوكات عن ضمائرهم و بصائرهم ، فاستعدّت أذهانهم لادراك المعارف الحقّة و الحكم الالهيّة ، و لم يزل الأسرار الرّبانيّة و العنايات الالهيّة تفاض اليهم صباحا و مساء .
و هو معنى قوله : ( و يغبقون كأس الحكمة بعد الصّبوح ) و هو من باب الاستعارة
[ 138 ]
بالكناية حيث شبّه الحكمة التى هى عبارة عن المعارف المتضمّنة لصلاح النشأتين بالشّراب ، و الجامع عظم المنفعة و اللّذة فيهما و إن كانت منفعة الأولى للأرواح و بها التذاذها و كمالها ، و نفع الثّاني للأبدان و منه حظّها ، و اثبات الكأس تخييل ، و ذكر الغبوق و الصّبوح ترشيح .
الفصل الثانى
( منها ) قوله عليه السّلام ( و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزى و يستوجبوا الغير ) قال الشارحان البحراني و المعتزلي : هذا الفصل من كلامه يتّصل بكلام قبله لم يذكره الرّضيّ قد وصف فيه فئة ضالّة قد استولت و ملكت و املى لها اللَّه سبحانه انتهى .
ان قيل : كيف ساغ جعل طول الأمد علّة لاستكمال الخزى ؟
قلت : اللاّم هنا ليست على التّعليل حقيقة بل هى على العلّية المجازيّة كما في قوله سبحانه « فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا و حزنا » حيث شبّه ترتّب كونه عدوّا و حزنا على الالتقاط بترتّب العلّة الغائية على معلولها ، فاستعمل فيه اللاّم الموضوعة للعليّة ، و فيما نحن فيه أيضا لمّا كان طول المدّة سببا لتماديهم في الغيّ و الغفلة ، و فعلهم للآثام و المعاصي بسوء اختيارهم ، و كان فعل المعاصى جالبا لكمال الخزى ، و موجبا لتغيّر النّعم ، فجعلوا بفعلهم للمعاصي بمنزلة الطّالبين لكمال الخزى ، ثمّ رتّب استكمال الخزى على طول الأمد و استعمل اللاّم الموضوعة للعليّة فيه و مثله قوله تعالى :
« وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ » .
و محصّل المرام أنّهم بطول بقائهم في الدّنيا ركبوا الذّنوب و المعاصي ، فاستحقّوا بذلك الخزى و النّكال ، و استوجبوا تغير النّعمة بسوء الأعمال
[ 139 ]
لأنّ « اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » قال « وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَليلٍ ،
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازي إلاَّ الْكَفُورُ » .
( حتّى إذا اخلولق الأجل ) قال الشّارح البحراني : أى صار خليقا ، و ليس بشيء ، لأنّ اخلولق لم يذكر له إلاّ الفاعل فهو فعل تامّ بمعنى قرب ، و ما ذكره معنى اخلولق إذا ذكر له اسم و خبر و كان فعلا ناقصا مثل : اخلولق السّماء أن تمطر أى صار خليقا للأمطار ، و كيف كان فالمراد أنّه قرب انقضاء مدّة هؤلاء الضّالين المستكملين للخزى و المستوجبين للغير .
( و استراح قوم إلى الفتن ) أى مال و صبا قوم من الشّيعة و أهل البصرة إلى فتن تلك الفئة الضّالّة ، و وجدوا الرّاحة لأنفسهم في توجّههم إليها ( و اشتالوا عن لقاح حربهم ) أى رفع هؤلاء المستريحون أنفسهم عن تهيّج الحرب بينهم و بين هذه الفئة ، و شبّه الحرب بالنّاقة اللاّقح و أثبت لها اللّقاح تخييلا ، و المراد أنّهم تركوا محاربتهم و رفعوا أيديهم عن سيوفهم إمّا لعجزهم عن القتال أو لعدم قيام القائم بالأمر فهادنوهم و ألقوا اليهم السّلم .
حالكونهم ( لم يمنّوا على اللَّه بالصّبر ) على مشاقّ القتال ، و في رواية : بالنّصر ، أى بنصرهم للَّه ( و لم يستعظموا بذل أنفسهم في ) طلب ( الحقّ ) و نصرته ( حتّى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّة البلاء ) أى ورد القضاء الالهي بانقطاع بلاء هذه الفئة الضّالة و انقضاء ملكهم و أمارتهم و أذن اللَّه في استيصالهم بظهور من يقوم بنصر الحقّ و دعوته اليه ( حملوا ) أى هؤلاء المستريحون إلى الفتن ( بصائرهم على أسيافهم ) لحرب أهل الضّلال ، قال الشّارح المعتزلي : و هذا معنى لطيف ، يعني أنّهم أظهروا بصائرهم و عقايد قلوبهم للنّاس و كشفوها و جرّدوها من أجفانها مع تجريد السّيوف من أجفانها فكأنها شيء محمول على السيوف يبصره من يبصر السيوف ، فترى في
[ 140 ]
غاية الجلاء و الظهور كما ترى السيوف المجرّدة ( و دانوا لربّهم بأمر و اعظهم ) أشار به إلى الامام القائم عجّل اللَّه ظهوره ، هذا .
و للشّراح في شرح هذا الفصل من كلامه عليه السّلام اضطراب عظيم ، و تحيّروا في مراجع الضماير الموجودة فيه ، و اضطرّوا في إصلاح نظم الكلام إلى التأويلات الباردة التي يشمئزّ عنها الأفهام ، و نحن شرحناه بحمد اللَّه على ما لا يخرجه من السلاسة و النظم بمقتضى سليقتنا ، و العلم بعد موكول إلى صاحب الكلام عليه السّلام
الفصل الثالث
في اقتصاص حال المرتدّين بعد قبض الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و ظاهر هذا الفصل يعطى أن يكون قبله كلام أسقطه الرّضىّ حتى يكون هذا الكلام غاية له ، و إلاّ فلا ارتباط له بالفصل المتقدّم .
يقول عليه السّلام : ( حتّى إذا قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رجع قوم على الأعقاب ) و تركوا ما كانوا عليه من الانقياد للشريعة و امتثال أوامر اللَّه و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و المراد بهؤلاء القوم الغاصبون للخلافة و متّبعوهم و المقتفون اثرهم ( و غالتهم السبل ) أى أهلكتهم سبل الضلال و عدو لهم عن سبيل الحقّ قال سبحانه :
« وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِه » .
و قد فسّر السبيل في هذه الآية و في غير واحد من الآيات بالأئمة و ولايتهم ، و فسّر السبل بأئمة الضلال و ولايتهم و قد مضى طرف من الأخبار في هذا المعنى في شرح الفصل الثاني من الكلام السابع عشر و أقول هنا : روى في البحار من تفسير فرات بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد الفزارى معنعنا عن حمران ، قال سمعت أبا جعفر يقول في قول اللَّه :
« وَ إنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ » .
[ 141 ]
قال : عليّ بن أبيطالب و الأئمة من ولد فاطمة عليهم السّلام هم صراط اللَّه ، فمن أتاهم سلك السبيل و من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أبي بصير عن أبي جعفر في قوله :
« وَ إنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ » .
قال : طريق الامامة فاتّبعوه .
« وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ » .
أى طرقا غيرها .
و عن محمّد بن القاسم عن السيارى عن محمّد بن خالد عن حماد عن حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنه قال قوله عزّ و جلّ :
« يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً » .
يعني عليّ بن أبيطالب عليه السّلام و من تفسير الامام قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : ما من عبد و لا أمة اعطى بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام في الظاهر و نكثها في الباطن و أقام على نفاقه إلاّ و إذا جائه ملك الموت لقبض روحه تمثّل له إبليس و أعوانه ، و تمثّلت النيران و أصناف عفاريتها لعينيه و قلبه و مقاعده مقاعد الناكث من مضايقها ، و تمثّل له أيضا الجنان و منازله فيها لو كان بقى على ايمانه و وفي بيعته فيقول له ملك الموت : انظر إلى تلك الجنان التي لا يقادر قدر سرّائها و بهجتها و سرورها إلاّ اللَّه ربّ العالمين كانت معدّة لك ،
فلو كنت بقيت على ولايتك لأخى محمّد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يكون إليها مصيرك يوم فصل القضاء ، و لكن نكثت و خالفت فتلك النيران و أصناف عذابها و زبانيتها و أفاعيها الفاغرة أفواهها و عقاربها الناصبة أذنابها و سباعها الثائلة مخالبها و ساير أصناف عذابها هو لك و إليها مصيرك فعند ذلك يقول :
[ 142 ]
« يا لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً » .
و قبلت ما أمرني به و التزمت من موالاة عليّ عليه السّلام ما ألزمنى .
( و اتكلوا على الولايج ) أى اعتمدوا في آرائهم الفاسدة و بدعهم المبتدعة على أهلهم و خواصّهم في نصرة ذلك الرّأى و ترويج تلك البدعة ( و وصلوا غير الرّحم ) أى رحم آل محمّد و اللاّم عوض عن المضاف إليه يعني أنّهم قطعوا رحم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله بحسبانهم أنّها لا تنفع ، و وصلوا غيرها لانتفاعهم في دنياهم بها .
و هؤلاء هم الّذين أشار إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في الحديث المرويّ في البحار من أمالي الشّيخ و ابنه عن المفيد معنعنا عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقول على المنبر : ما بال أقوام يقولون إنّ رحم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا ينفع يوم القيامة ، بلى و اللَّه إنّ رحمي لموصولة في الدّنيا و الآخرة ، و إنّي أيّها النّاس فرطكم يوم القيامة على الحوض ، فاذا جئتم قال الرّجل يا رسول اللَّه أنا فلان بن فلان فأقول : أمّا النّسب فقد عرفته و لكنّكم أخذتم بعدى ذات الشّمال و ارتددتم على أعقابكم القهقرى .
و فيه منه باسناده عن حمزة بن أبي سعيد الخدرى أيضا عن أبيه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنّه قال : أتزعمون أنّ رحم نبيّ اللَّه لا ينفع قومه يوم القيامة ؟ بلى و اللَّه إنّ رحمي لموصولة في الدّنيا و الآخرة ، ثمّ قال : يا أيّها النّاس أنا فرطكم على الحوض فاذا جئت و قام رجال يقولون يا نبيّ اللَّه أنا فلان بن فلان ، و قال آخر يا نبيّ اللَّه أنا فلان بن فلان ، و قال آخر يا نبيّ اللَّه أنا فلان بن فلان ، فأقول : أمّا النّسب فقد عرفت و لكنّكم أحدثتم بعدى و ارتددتم القهقرى قال العلاّمة المجلسيّ بعد رواية هذا الحديث : الظّاهر أنّ المراد بالثلاثة الثّلاثة .
( و هجروا السبب الّذى أمروا بمودّته ) أراد بهم آل محمّد عليهم السّلام أيضا لكونهم سببا لمن اهتدى بهم في الوصول إلى اللَّه سبحانه .
[ 143 ]
و يدلّ عليه ما رواه في البحار من أمالى الشّيخ و ابنه بسنده عن محمّد بن المثنى الأزدي أنّه سمع أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول . نحن السّبب بينكم و بين اللَّه عزّ و جلّ و قد أمرنا اللَّه بمودّتهم في قوله :
« قُلْ لا أسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى » .
و قال رسول اللَّه في مروىّ البحار من كتاب العمدة من مناقب الفقيه ابن المغازلي الشّافعي باسناده إلى ابن عمر قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : لمّا خلق اللَّه الخلق اختار العرب فاختار قريشا و اختار بني هاشم فأنا خيرة من خيرة ، ألا فأحبّوا قريشا و لا تبغضوها فتهلكوا ، ألا كلّ سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببى و نسبي ، ألا و إنّ عليّ بن أبيطالب عليه السّلام من نسبى و حسبي فمن أحبّه فقد أحبّني و من أبغضه فقد أبغضني .
قال الشّارح المعتزلي في شرح قوله : و هجروا السّبب : يعني أهل البيت ، و هذا إشارة إلى قول النّبي صلّى اللَّه عليه و آله : خلفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي ، حبلان ممدودان من السّماء إلى الأرض لا يفترقان حتّى يردا علىّ الحوض فعبّر أمير المؤمنين عن أهل البيت بلفظ السّبب لما كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال : حبلان ، و السبب في اللغة الحبل ، انتهى .
أقول : و قد استعير لهم عليهم السّلام لفظ الحبل في غير واحد من الآيات ، قال شيخنا أبو عليّ الطبرسي في تفسير قوله تعالى :
« وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا » قيل في معنى حبل اللَّه أقوال : أحدها أنّه القرآن ثانيها أنّه دين الاسلام و ثالثها ما رواه أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال : نحن حبل اللَّه الذي قال : و اعتصموا بحبل اللَّه جميعا ، و الأولى حمله على الجميع .
و الّذي يؤيّده ما رواه أبو سعيد الخدرى عن النّبيّ أنّه قال : يا أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أحدهما اكبر من الآخر كتاب اللَّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، و عترتي أهل بيتي ألا و إنّهما لن
[ 144 ]
يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض .
و في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم في هذه الآية قال : التّوحيد و الولاية و في رواية أبي الجارود في قوله تعالى : « و لا تفرّقوا » ، قال : إنّ اللَّه تبارك و تعالى علم أنّهم سيفترقون بعد نبيّهم و يختلفون ، فنهاهم اللَّه عن التفرّق كما نهى من كان قبلهم ، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و لا يتفرّقوا .
و في البحار أيضا من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات رواية عن صاحب نهج الايمان ، عن الحسين بن جبير باسناده إلى أبي جعفر الباقر عليه السّلام في قوله تعالى :
« إلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنْ النّاسِ » .
قال : حبل من اللَّه كتاب اللَّه ، و حبل من النّاس عليّ بن أبيطالب عليه السّلام .
و فيه من الكتاب المذكور أيضا مسندا عن حصين بن مخارق عن أبي الحسن موسى عن آبائه عليهم السّلام في قوله عزّ و جلّ :
« فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » .
قال : مودّتنا أهل البيت .
و في الصّافي من معاني الأخبار عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها فليستمسك بولاية أخي و وصيّي عليّ بن أبيطالب فانّه لا يهلك من أحبّه و تولاه ، و لا ينجو من أبغضه و عاداه .
( و نقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه ) أى نقلوا بناء الدّين و الايمان عن أساسه المرصوص المستحكم اللاّصق بعضه ببعض ، فبنوه في غير موضعه و هو اشارة إلى عدو لهم بالخلافة عن أصلها و مكانها اللاّيق به إلى غيره ، و هو توبيخ و تفريع آخر لأولئك المنافقين بعد و لهم عن أولياء المؤمنين و أئمة الدّين ، كما و بخّ اللَّه اخوانهم في هذا المعنى بقوله :
[ 145 ]
« أَ فَمَنَْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ في نارِ جَهَنَّمَ » .
يعني أنّ المحقّ اسّس بنيان دينه على قاعدة محكمة و أساس وثيق و هو الحقّ الّذي هو التّقوى من اللَّه و طلب مرضاته بالطّاعة ، و المبطل أسّس بنيانه على قاعدة هي أضعف القواعد و هو الباطل و النّفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلّة الثّبات فهوى به الباطل في نار جهنّم .
ثمّ وصفهم ، بأوصاف اخرى فقال ( معادن كلّ خطيئة ) قال الشّارح البحراني أى إنّهم مستعدّون لفعل كلّ خطيئة و مهيّؤن لها ، فهم مظانّها ، و لفظ المعادن استعارة ، انتهى .
أقول : و الظّاهر أنّ المراد أنّهم معدن كلّ خطيئة صدرت من هذه الامّة و أصل كلّ ذنب واقع منهم و منشاه و مبدء الشّرور و المساوى ، و ذلك باغتصابهم للخلافة إذ لو استقرّت في أهلها أعنى أهل بيت العصمة و الطهارة لحملوا النّاس على الحنيفيّة البيضاء ، و جرى الامور على وفق الحقّ فضّلوا و أضلّوا .
« وَ إذا قيلَ لَهُمْ ما ذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أساطيرُ الْأَوَّلينَ لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيمَةِ وَ مَنْ أَوْزارِ الَّذينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سآءَ ما يَزِرُونَ » روى في الصّافى عن العيّاشي عن الباقر عليه السّلام ما ذا أنزل ربّكم في عليّ ؟ قالوا :
أساطير الأوّلين سجع أهل الجاهليّة في جاهليّتهم ليحملوا أوزارهم ليستكملوا الكفر ليوم القيامة و من أوزار الّذين يضلّونهم يعني كفر الّذين يتولّونهم و عن عليّ بن إبراهيم القمّي قال : يحملون آثامهم يعني الّذين غصبوا امير المؤمنين و آثام كلّ من اقتدى بهم ، و هو قول الصّادق عليه السّلام : و اللَّه ما اهريقت
[ 146 ]
محجمة من دم و لا قرع عصا بعصا و لا غصب فرج حرام و لا اخذ مال من غير حلّه إلاّ و زر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيء .
و في حديث مفضّل بن عمر الوارد في الرّجعة عن الصّادق عليه السّلام بعد اقتصاصه مسير المهدي عليه السّلام إلى قبر جدّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و إخراجه بضجيعيه و أمره بصلبهما قال : فيأمر المهدى ريحا فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ، ثمّ يأمر بانزالهما فينزلان فيحييهما باذن اللَّه تعالى و يأمر الخلايق بالاجتماع ، ثمّ يقصّ عليهم قمص أفعالهم في كلّ كور و دور حتّى يقصّ عليهم قتل هابيل بن آدم عليه السّلام ، و جمع النّار لابراهيم ، و طرح يوسف في الجبّ ، و حبس يونس في بطن الحوت ، و قتل يحيى ، و صلب عيسى ، و عذاب جرجيس ، و دانيال ، و ضرب سلمان الفارسى ، و اشعال النّار على باب أمير المؤمنين و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام و إرادة إحراقهم بابها ، و ضرب صديقة الكبرى فاطمة الزّهراء بسوط ، و رفس بطنها و إسقاطها محسنا ، و سمّ الحسن عليه السّلام ، و قتل الحسين و ذبح أطفاله و بني عمّه و أنصاره و سبى ذرارى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و إراقة دماء آل محمّد ، و كلّ دم مؤمن ، و كلّ فرج نكح حراما ، و كلّ ربا اكل ، و كلّ خبث و فاحشة و ظلم منذ عهد آدم إلى قيام قائمنا ، كلّ ذلك يعد ده عليهما و يلزمهما إيّاه و يعترفان به ثمّ يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر ، الحديث .
( و ) بما ذكرنا ظهر أيضا أنّهم ( أبواب كلّ ضارب في غمرة ) يعني أنّ كلّ من أراد الباطل و الضّلال فليقصد هؤلاء و ليرمق أعمالهم و ليتّبع آثارهم ، إذ كلّ ضلال قد خرج منهم و انتشر في مشارق الأرض و مغاربها ، فهم أبواب الضلال كما أنّ الأئمة عليهم السّلام أبواب الهدى .
روى في البحار من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال :
« وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدًى وَ لا كِتابٍ مُنيرٍ
[ 147 ]
ثانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ » .
قال : هو الأوّل ثاني عطفه إلى الثّاني ، و ذلك لما أقام رسول اللَّه أمير المؤمنين علما للناس و قال : و اللَّه لا نفى بهذه له أبدا ( قد ماروا في الحيرة ) أى تردّدوا في أمرهم ، فهم حائرون تائهون لا يعرفون جهة الحقّ فيقصدونه ، و ذلك بعدو لهم عن أئمة الدين و أدلاّء الشّرع المبين .
روى العلاّمة المجلسيّ من كتاب المحاسن عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن العلا عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : إنّ من دان اللَّه بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل من اللَّه فانّ سعيه غير مقبول ، و هو ضالّ متحيّر ،
و مثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها و قطيعها فتاهت ذاهبة و جائية يومها ، فلمّا أن جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فجائت إليها فباتت معها في ربضها 1 ،
فلمّا أن ساق الرّاعي قطيعه أنكرت راعيها و قطيعها فهجمت متحيّرة تطلب راعيها و قطيعها ، فبصرت بسرح 2 قطيع غنم آخر فعمدت نحوها و حنّت إليها ،
فصاح بها الرّاعي : ألحقى بقطيعك فانّك تائهة متحيّرة قد ضللت عن راعيك و قطيعك فهجمت زعرة متحيّرة لا راعى لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها ، فبينا هى كذلك إذا اغتنم الذّئب ضيعتها فأكلها ، و هكذا يا محمّد بن مسلم من أصبح من هذه الامّة لا إمام له من اللَّه عادل أصبح تائها متحيّرا إن مات على حاله تلك مات ميتة كفر و نفاق ، و اعلم يا محمّد أنّ أئمة الحقّ و أتباعهم على دين اللَّه .
و قد تقدّمت هذه الرّواية في التّذنيب الثّالث من شرح الفصل الرّابع من الخطبة الاولى برواية الكافي و أوردتها هنا لاقتضاء المقام ، و توضيح كلام الامام عليه السّلام ( و ذهلوا في السّكرة ) أى غابت أذهانهم في سكرة الجهل ( على سنّة من آل فرعون ) أى على طريقة اتباع فرعون الّذين قال اللَّه فيهم : « أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب » كما أنّ الأئمة عليهم السّلام على سنّة آل موسى و شيعته ، و المراد أنّهم
----------- ( 1 ) ربض الغنم مرعاها
----------- ( 2 ) السرح المال السائم
[ 148 ]
على طريقة أهل الظلم و الضّلال كما أنّ الأئمة عليهم السّلام على طريقة أهل العدل و الهدى .
و قد صرّحوا بذلك في غير واحد من الرّوايات مثل ما في البحار عن العياشي عن أبي الصّباح الكناني قال : نظر أبو جعفر إلى أبيعبد اللَّه عليهما السّلام فقال : هذا و اللَّه من الذين قال اللَّه :
« وَ نُريدُ أن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمْ الْوارِثينَ » . الآية و قال سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام : و الذي بعث محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ الأبرار منّا أهل البيت و شيعتهم بمنزلة موسى و شيعته ، و إنّ عدوّنا و أشياعهم بمنزلة فرعون و أشياعه .
و فيه من تفسير فرات بن إبراهيم عن الحسين بن سعيد باسناده عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال : من أراد أن يسأل عن أمرنا و أمر القوم فانا . و أشياعنا يوم خلق اللَّه السّموات و الأرض على سنّة موسى و أشياعه ، و إنّ عدوّنا يوم خلق اللَّه السّموات و الأرض على سنّة فرعون و أشياعه ، فنزلت فينا هذه الآيات :
« نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَاء مُوسى وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ،
إنَّ فِرْعونَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحيي نِساءَهُمْ إنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ ، وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أئِمَّةَ وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ ،
وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِىَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ » .
[ 149 ]
و إنّي اقسم بالّذى خلق « فلق ظ » الحبّة و برىء النّسمة ليعطفنّ عليكم هؤلاء عطف الضّروس 1 على ولدها .
و فيه عن عليّ بن إبراهيم قال : حدّثني أبي عن النّضر عن ابن حميد عن أبيعبد اللَّه عليه السّلام قال : لقى المنهال بن عمرو عليّ بن الحسين صلوات اللَّه عليهما فقال له : كيف أصبحت يا ابن رسول اللَّه ؟ قال : ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت ؟
أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبنائنا و يستحيون نسائنا ( من منقطع إلى الدّنيا راكن أو مفارق للدّين مباين ) أو لمنع الخلوّ يعني أنّ صنفا منهم منقطع إلى الدّنيا منهمك في لذّاتها مكبّ على شهواتها ، و الصّنف الآخر مفارق للدّين مزايل له و إن لم يكن له دنيا كما ترى كثيرا من أحبار النّصارى و رهبانهم ، يتركون الدّنيا و يزهدون فيها و هم من أهل الضّلال .
تنبيه
قال الشّارح المعتزليّ في شرح هذا الفصل الأخير من الخطبة :
فان قلت : أليس الفصل صريحا في تحقيق مذهب الاماميّة ؟
قلت : لا ، بل نحمله على أنّه عنى عليه السّلام أعدائه الّذين حاربوه من قريش و غيرهم من افناء العرب في أيّام صفّين ، و هم الّذين نقلوا البناء ، و هجروا السّبب و وصلوا غير الرّحم ، و اتّكلوا على الولايج ، و غالتهم السّبل ، و رجعوا على الأعقاب كعمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و مروان بن الحكم و الوليد بن عقبة و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و عبد اللَّه بن الزّبير و سعيد بن العاص و جوشب ، و ذى الكلاع و شرجيل بن الصمت و أبي الأعور السّلمى و غيرهم ممّن تقدّم ذكرنا لهم في الفصول المتعلّقة بصفين و أخبارها ، فانّ هؤلاء نقلوا الامامة عنه عليه السّلام إلى معاوية ، فنقلوا البناء عن رصّ أصله إلى غير موضعه .
فان قلت : لفظ الفصل يشهد بخلاف ما تأوّلته لأنّه عليه السّلام قال : حتّى إذا
----------- ( 1 ) ضرسهم الزمان شدّ عليهم و ناقة ضروس سيئة الخلق تعضّ حالبها .
[ 150 ]
قبض اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رجع قوم على الأعقاب ، فجعل رجوعهم على الأعقاب عقيب قبض الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و ما ذكرته أنت كان بعد قبض الرّسول بنيّف و عشرين سنة قلت : ليس يمتنع أن يكون هؤلاء المذكورون رجعوا على الأعقاب لمّا مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أضمروا في أنفسهم مشاقّة أمير المؤمنين عليه السّلام و أذاه ، و قد كان فيهم من يتحكّك به في أيام أبي بكر و عمر و عثمان و يتعرّض له و لم يكن أحد منهم و لا من غيرهم تقدّم على ذلك في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و لا يمتنع أيضا أن يريد برجوعهم على الأعقاب ارتدادهم عن الاسلام بالكلّية ، فانّ كثيرا من أصحابنا يطعنون في ايمان بعض من ذكرناه ، و يعدّونهم من المنافقين ، و قد كان سيف رسول اللَّه يقمعهم و يردعهم عن إظهار ما في أنفسهم من النفاق ، فأظهر قوم منهم بعده ما كانوا يضمرونه من ذلك خصوصا فيما يتعلّق بأمير المؤمنين الّذي ورد في حقّه : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم إلاّ ببغض عليّ بن أبيطالب عليه السّلام ،
و هو خبر محقّق مذكور في الصّحاح .
فان قلت : يمنعك من هذا التّأويل قوله : و نقلوا البناء عن رصّ أساسه فجعلوه في غير موضعه ، و ذلك لأنّ إذا ظرف و العامل فيها قوله : رجع قوم على الأعقاب ،
و قد عطف عليه قوله : و نقلوا البناء ، فاذا كان الرّجوع على الأعقاب واقعا في الظرف المذكور و هو وقت قبض الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله وجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في ذلك الوقت أيضا ، لأنّ أحد الفعلين معطوف على الآخر ، و لم ينقل أحد وقت قبض الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله البناء إلى معاوية عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، و إنّما نقل عنه إلى شخص آخر و في إعطاء العطف حقّه إثبات مذهب الاماميّة صريحا .
قلت : إذا كان الرّجوع على الأعقاب واقعا وقت قبض النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فقد قلنا بما يجب من وجود عامل في الظرف ، و لا يجب أن يكون نقل البناء إلى غير موضعه واقعا في تلك الحال أيضا بل يجوز أن يكون واقعا في زمان آخر إمّا بأن يكون الواو للاستيناف لا للعطف ، أو بأن يكون العطف في مطلق الحدث لا في وقوع الحدث في عين ذلك الزّمان المخصّص كقوله تعالى :
[ 151 ]
« حَتّى إذا أتَيا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أهْلَها فَأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فيها جِداراً يُريدُ أنْ يَنْقَضَّ فَأقامَهُ » .
فالعامل في الظرف استطعما ، و يجب أن يكون استطعامهما وقت إتيانهما أهلها لا محالة ، و لا يجب أن يكون جميع الأفعال المذكورة المعطوفة واقعة حال الاتيان أيضا ، ألا ترى أنّ من جملتها ، فأقامه ، و لم يكن إقامة الجدار حال إتيانهما القرية بل متراخيا عنه بزمان ما اللّهم إلاّ أن يقول قائل أشار بيده إلى الجدار فقام ، أو قال له قم فقام ، لأنّه لا يمكن أن يجعل إقامة الجدار مقارنا للاتيان إلاّ على هذا الوجه ، و هذا لم يكن و لا قاله مفسّر ، و لو كان قد وقع على هذا الوجه لما قال له : لو شئت لا تّخذت عليه أجرا لأنّ الأجر إنّما يكون على اعتمال عمل فيه مشقّة و إنّما يكون فيه مشقّة إذا بناه بيده و باشره بجوارحه و أعضائه .
قال الشّارح : و اعلم أنّا نحمل كلام أمير المؤمنين عليه السّلام على ما يقتضيه سودده الجليل و منصبه ، و دينه القويم من الاغضاء عمّا سلف ممّن سلف ، فقد صاحبهم بالمعروف برهة من الدّهر ، فامّا أن يكون ما كانوا فيه حقّهم أو حقّه فتركه لهم رفعا لنفسه عن المنازعة أو لما رآه من المصلحة ، و على تحمّلى التّقديرين فالواجب علينا أن نطبق بين آخر أفعاله و أقواله بالنّسبة اليهم و بين أوّلها ، فان بعد تأويل من يتأوّل كلامه فليس بأبعد من تأويل أهل التّوحيد و العدل الآيات المتشابهة في القرآن ، و لم يمنع بعدها من الخوض في تأويلها محافظة على الاصول المقرّرة فكذلك ههنا ، انتهى كلامه هبط مقامه .
أقول : و أنت خبير بما فيه من وجوه الكلام و ضروب الملام اما اولا فلأنّ قوله : لا بل نحمله على أنّه عنى أعداءه الّذين حاربوه من قريش و غيرهم في أيّام صفّين ، فيه أنّه لا وجه لهذا الحمل بل ظاهر كلامه عليه السّلام بمقتضى الاطلاق يشمل كلّ من اتّصف بالأوصاف الّتي ذكره عليه السّلام ، و من المعلوم أنّ اتّصاف المتخلّفين الثلاثة و متبعيهم بالأوصاف المذكورة أظهر و أشهر من اتّصاف أهل
[ 152 ]
صفّين بها ، لأنّهم أوّل من فتح باب غصب الخلافة و نقلوها عن أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أنفسهم و تبعهم أشياعهم فنقلوها عنه عليه السّلام إليهم .
بل أقول : انّه لو لا جسارة الثّاني على إحراق باب بيت النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و إخراج أمير المؤمنين عليه السّلام من البيت للبيعة ملبّبا و ضربه لفاطمة عليها السّلام و كسره ضلعها ، و غصب فدك و قطعه لرحم الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و هتكه لناموس أهل بيته ، لم يجسر أحد على معارضة أمير المؤمنين عليه السّلام ، و لم يخطر على قلب أحد نزع الخلافة عنه عليه السّلام إلى نفسه ، و لو لا تولية معاوية للشّام و رضاه بظلمه و جوره و أفعاله المخالفة للشّريعة ، و تشييده بصنعه لم يطمع معاوية في الأمارة و الخلافة و النّهوض لقتال عليّ عليه السّلام ، فكلّ فتنة و فساد و أمر مخالف للدّين و لسنّة سيد المرسلين من فروع تلك الشجرة الملعونة على ما عرفته في شرح الكلام المأة و السّادس و العشرين .
و بالجملة فكلامه عليه السّلام بحكم الاصول و القواعد اللّفظية العموم و الاطلاق ،
و حمله على طائفة مخصوصة خلاف الأصل لا يصار إليه إلاّ بدليل و ليس فليس .
و أما ثانيا فلأنّ قوله : قلت ليس يمتنع أن يكون هولاء المذكورون رجعوا على الأعقاب لمّا مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أضمروا في أنفسهم آه فيه إنّ هؤلاء إن كانوا رجعوا على الأعقاب حين موته و أضمروا في أنفسهم مشاقة أمير المؤمنين عليه السّلام و أذاه فالّذين ذكرناهم أعنى الثلاثة و أشياعهم قد رجعوا على الأعقاب أيضا و أبدوا مشاقته و أذاه عقيب موته صلوات اللَّه عليه و آله ، يشهدك على ذلك إحراقهم بابه و إخراجهم له من بيته ملبّبا و تدبيرهم لقتله على يد خالد بن الوليد كما روته العامّة و الخاصّة .
و يشهد به أيضا ما رواه الشّارح في الشّرح في غير هذا المقام .
قال : روى كثير من المحدّثين أنّ عليّا عقيب يوم السّقيفة تظلّم و تألّم و استنجد و استصرخ حيث ساموه إلى الحضور و البيعة و أنّه قال و هو يشير إلى القبر :
يا نبيّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني ، و أنّه قال : وا جعفراه و لا جعفر لى اليوم
[ 153 ]
وا حمزتاه و لا حمزة لى اليوم .
و بهذا كلّه يظهر لك أنّ رجوع من ذكرناه على الأعقاب مع نصبهم العداوة لأمير المؤمنين عليه السّلام و إعلانهم بالمشاقة و الأذى له أظهر من رجوع غيرهم ممّن ذكره الشّارح مع إخفائهم له ، و مع هذا فصرف كلام الامام عليه السّلام إلى الآخرين دون الأوّلين لا وجه له .
و أما ثالثا فانّ قوله : و لا يمتنع أيضا أن يريد برجوعهم على الأعقاب ارتدادهم عن الاسلام بالكليّة حقّ لا ريب فيه ، و لكن قوله : فانّ كثيرا من أصحابنا يطعنون في ايمان بعض ما ذكرناه و يعدّونهم من المنافقين ، فيه أنّ تخصيص الارتداد و النّفاق ببعض من ذكره لا وجه له ، بل كلّ من ذكره و ذكرناه مطعون منافق ملعون .
و قد ورد في غير واحد من أحاديثنا و إن لم يكن حجّة على العامّة ، ارتدّ النّاس إلاّ ثلاثة نفر : سلمان ، و أبو ذر ، و المقداد .
و روى في غاية المرام عن ابن شهر آشوب من طريق العامّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى :
« أ فَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرينَ » .
يعني بالشّاكرين عليّ بن أبيطالب ، و المرتدّين على أعقابهم الّذين ارتدّوا عنه .
فقد ظهر بذلك أنّ الارتداد عن الاسلام في الحقيقة هو الارتداد عن أمير المؤمنين فكلّ من ارتدّ عنه فقد ارتدّ عنه ، و التّخصيص بقوم دون قوم تعسّف و تعصّب .
و أما رابعا فانّ قوله : بل يجوز أن يكون واقعا في زمان آخر ، بعيد و جعل الواو للاستيناف سخيف ، و العطف في مطلق الحدث خلاف الظّاهر ، و القياس على الآية فاسد ، لأنّ العاطف هنا هي الواو ، و هى للجمع و التّشريك ، و الكلام من
[ 154 ]
باب التنازع ، فيدلّ على وقوع الجملات المتعاطفة في زمان القبض إن قلنا إنّ العامل في إذا الشرطيّة هو الجواب دون الشّرط ، و أمّا الآية فالعاطف فيها هي الفاء و هي تفيد التّرتيب و التّعقيب ، فلا يلزم من عدم وقوع إقامة الجدار حين الاتيان هناك عدم وقوع نقل البناء حين القبض فيما نحن فيه .
و التّحقيق أنّ قوله : فأقامه ، عطف على قوله : فوجدا ، و ليس عطفا على استطعما ، فلا يلزم عمله في الظّرف لأنّ المعطوف على المعطوف على الجواب لا يجب أن يكون مشتركا للجواب في جميع الأحكام و عاملا فيما يعمله ، بخلاف المعطوف على نفس الجواب .
و هذا كلّه مبنيّ على التنزّل و المماشاة ، و إلاّ فنقول : إنّ إقامة الجدار قد كانت حال إتيان القرية و التراخى بزمان ما لا ينافيه ، لأنّهم قد صرّحوا في إفادة الفاء للتعقيب أنّه في كلّ شيء بحسبه ، فيقال : تزوّج فلان فولد له ولد ، إذا لم يكن بينهما إلاّ مدّة الحمل ، و دخلت البغداد فالبصرة إذا لم يقم في بغداد و لم يتوقّف بين البلدين .
هذا على قول بعض المفسّرين من أنّه نقض الجدار و بناه ، و أمّا على قول من قال إنّه أقامه بيده ، و كذا على قول من قال : إنّه مسحه بيده فقام ، كما رواه في الكشّاف و غيره عن البعض الآخرين فلا يكون هناك تراخ أصلا ، إذ لا فرق بين الاشارة باليد كما فرضه الشّارح و بين المسح بها كما رواه الزّمخشري .
ثمّ استبعاد الشّارح لذلك بأنّه لو كان على هذا الوجه لم يستحقّ اجرة لأنّ الاجرة إنّما يكون على اعتمال عمل فيه مشقّة ، مدفوع بأنّ الاجرة إنّما هى على عمل فيه منفعة للغير سواء كان فيه مشقّة أم لا ، لا سيّما عمل له منفعة عظيمة مثل إقامة الجدار ، فقد قيل كما في الكشّاف : إنّ طوله في السّماء مأة ذراع .
و أما خامسا فانّ قوله : و اعلم أنّا نحمل كلام أمير المؤمنين عليه السّلام آه ،
تمويه باطل بصورة الحقّ ، فانّ سودد أمير المؤمنين عليه السّلام و منصبه و حلمه إنّما كان مقتضيا للعفو و الصّفح و الاغضاء و الاغماض فيما يتعلّق بأمر الدّنيا ، و قد كان عليه السّلام
[ 155 ]
كذلك حسبما عرفت من مكارم أخلاقه في تضاعيف الشّرح و تعرفه بعد ذلك في مواقعه انشاء اللَّه أيضا ، و أمّا أمر الدّين و ما فيه صلاح الشّرع المبين فلا يجوز له فيه الاغضاء و الاغماض أصلا ، بل لا بدّ له من باب اللّطف و الأمر بالمعروف و النّهى عن المنكر التّنبيه على هفوات المتخلّفين الضالين المضلّين الغاصبين للخلافة من دون أن يأخذه في اللَّه لومة لائم ، ليتنبّه النّاس من مراقد الغفلة ، و يلتفتوا إلى سوء ما فعلوه من البدعات المبتدعة ، و يرتدعوا عن حسن الاعتقاد و الظنّ لهم ، و لا يتّخذوا من دون اللَّه و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة .
و أما سادسا فانّ قوله : فان بعد ذلك فليس بأبعد من تأويل أهل التوحيد و العدل الآيات المتشابهة ، فيه أنّ تأويلنا للآيات المتشابهة مثل قوله « و جآء ربك » و « إلى ربّها ناظرة » و « الرّحمن على العرش استوى » و نحوها إنما هو لقيام الأدلّة القاطعة و البراهين العقلية و النقلية و الاصول المحكمة الملجئة لنا على التأويل ،
و أما فيما نحن فيه فأيّ دليل و برهان و داع دعى إلى التأويل ؟ و أىّ أصل محكم اقتضى ذلك لو لم يقتض خلافه ؟
و غير خفيّ على الخبير المنصف المجانب للتعصّب و التعسّف أنّ أهل السّنّة حيث ضاق بهم الخناق لم يبق لهم إلاّ التمسك بحسن الظنّ على السلف ، و الحال أنّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئا ، و اللَّه الهادي إلى سواء السبيل .
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن بزرگوار است كه اشاره فرموده در آن بواقعات عظيمه ميفرمايد :
و فرا گرفتند گمراهان امت طريق يمين و شمال و راه افراط و تفريط را در حالتى كه كوچ كنندگانند در راه جهل و ضلالت ، و ترك نمايندگانند راه رشد و سعادت را ، پس طلب ننمائيد بشتاب آنچه كه واقع شونده است و مهيا ، و دير مشماريد آنچه كه مىآورد آنرا فردا پس بسا بشتاب طلب كننده است چيزيرا كه اگر
[ 156 ]
درك نمايد آن را دوست مىگيرد در نيافتن آن را ، و چه نزديكست امروز بأوايل فردا .
اى قوم اين زمان وقت وارد شدن هر وعده داده شده است و وقت نزديكيست از طلوع و ظهور آنچه كه نمىشناسيد آن را در فتنههاى حادثه و علامات هائله ،
آگاه باشيد قسم بخدا بدرستى كسى كه درك نمايد آن فتنهها را از ما سير مىكند در ظلمتهاى آن فتنهها بچراغى كه نور بخشنده است ، و رفتار مىكند در آن بقرار صالحان تا اينكه بگشايد در آن فتنهها ريسمانها را از گردن اسيران ، و آزاد نمايد بندگان را از بندگى ، و پراكنده سازد آنچه كه بهم پيوسته از منكرات ، و بهم بست كند آنچه كه پاشيده شده از محسنات ، آن شخص در پرده است از أنظار مردمان نمىبيند صاحب قيافه أثر و نشانه آن را اگر چه امعان نظر نمايد .
پس از آن البته تيز ساخته شود در آن فتنهها طائفه بجهة قتال أهل ضلال يا بجهة كسب معارف و كمالات همچو تيز ساختن شمشير ساز شمشير را در حالتى كه جلا داده بشود با نور قرآن ديدهاى بصيرت آن طائفه ، و انداخته شود تفسير قرآن در گوشهاى ايشان ، و مىآشامند كاسه حكمت را در شبانگاه بعد از آشاميدن آن در چاشتگاه از جمله اين خطبه است كه مىفرمايد : و طول يافت مدّت بآن أهل ضلال تا اينكه كامل نمايند ذلت و خواريرا ، و مستحق باشند بتغيير نعمت پروردگار تا زمانى كه نزديك شد گذشتن آن عهد ميل كردند طايفه از أهل بصيرت بآن فتنهها ،
و بلند كردند دم را از آبستنى جنگشان در حالتى كه منت نگذاشتند به پروردگار با صبر نمودن در كار زار ، و بزرگ نشمردند بخش كردن جانهاى خودشان را در راه حق تا زمانى كه موافقت نمود قضاء فرود آمده الهى با بريده شدن مدّت بلا ،
برداشتند أهل معرفت و بصيرت بصيرتهاى خودشان را بر شمشيرهاى خود ، و تقرّب جستند بسوى پروردگار بفرمان واعظ خودشان .
تا زمانى كه قبض فرمود خداوند تبارك و تعالى روح رسول خود را بازگشتند
[ 157 ]
گروهى بر پاشنهاى خود بارتداد ، و هلاك ساخت ايشان را طرق ضلالت ، و اعتماد كردند بر خواص و انصار خود ، و پيوستند بغير خويشان پيغمبر ، و دورى گزيدند از سببى كه مامور شده بودند از جانب خدا بمحبّت آن ، و نقل كردند بناى خلافت را از استوارى بنياد خود ، پس بنا كردند آن را در غير محل و مكان خود .
ايشان معدنهاى هر خطا و ضلالتند ، و درهاى هر در آمده در باطل و جهالت ،
بتحقيق كه متردّد شدند در حيرت ، و غفلت ورزيدند در مستى جهالت بر طريقه آل فرعون و روش أتباع آن ملعون ، هستند بعضى از ايشان منقطعند از عقبا بسوى دنيا مايلند بآن ، و برخى مفارقند از دين خدا مباينند از آن .