جستجو

و من خطبة له ع في الحث على العمل الصالح

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السلام و هى الخامسة و السبعون من المختار فى باب الخطب رحم اللّه عبدا « امرء » سمع حكما فوعى ، و دعي إلى رشاد فدنى ، [ 231 ] و أخذ بحجزة هاد فنجى ، راقب ربّه ، و خاف ذنبه ، قدّم خالصا ، و عمل صالحا ، اكتسب مذخورا ، و اجتنب محذورا ، رمى غرضا ، و أحرز عوضا ، كابر هواه ، و كذّب مناه ، جعل الصّبر مطيّة نجاته ، و التّقوى عدّة وفاته ، ركب الطّريقة الغرّاء ، و لزم المحجّة البيضآء ، اغتنم المهل و بادر الأجل ، و تروّد من العمل . اللغة ( و عيت ) الحديث حفظته قال تعالى : و تعيها اُذُنُ واعية و ( الحجزة ) بالضمّ معقد الازار و ( رقبته ) أرقبه من باب قتل حفظته و أنا رقيب و راقبت اللّه خفت عذابه و ( اكتسب ) بمعنى كسب و ( الغرض ) ما يرمى بالسّهام و فى بعض النّسخ عرضا بالعين المهملة و هو متاع الدّنيا و ( كابرته ) مكابرة غالبته و عاندته ، و في بعض النّسخ كاثر بالثاء المثلثة و هو بمعنى غالب أيضا ، يقال : كاثرناهم فكثرناهم أى غلبناهم بالكثرة و ( المطيّة ) المركب و ( الغرّاء ) و ( البيضاء ) بمعنى و ( المحجّة ) بالفتح معظم الطريق و ( المهل ) بالفتح فالسّكون و بفتحتين أيضا اسم من المهلة أو مصدر الاعراب جملة سمع و ما بعدها منصوب المحل على الوصفيّة و قوله : راقب ربّه ، و قدّم خالصا ، و ما بعدهما من الافعال بحذف العواطف فيها نوع من الفصاحة كثير في استعمالهم قال سبحانه : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ ، في جَنَّةٍ عالِيَةٍ ، لا يَسْمَعُ فيها لاغِيَةٌ ، فيها عَينٌ جارِيَةٌ ، فيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ . و ربّه و ذنبه مفعولان بالواسطة و نسبة الخوف إلى الذّنب مجاز لأنّه انّما هو من اللّه سبحانه إلاّ أنّه لمّا كان سببه الذّنب نسب إليه و حقيقة الكلام خاف من اللّه [ 232 ] لأجل ذنبه . المعنى اعلم أنّه عليه السّلام ترحّم في كلامه ذلك على عبد اتّصف بما ذكر فيه من الأوصاف و فيه حثّ و ترغيب على ملازمة تلك الصّفات و الاتّصاف بهذه الأوصاف و هى على ما ذكره عليه السّلام عشرون . الأوّل ما أشار إليه بقوله ( رحم اللّه عبدا سمع حكما فوعى ) أراد بالحكم الحكمة الأعمّ من العلميّة و العمليّة كما في قوله تعالى : وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً . الثّاني قوله ( و دعى إلى رشاد فدنى ) أى الى رشد و هداية فدنى من الداعى و قرب من المرشد و الهادي . الثّالث قوله ( و أخذ بحجزة هاد فنجى ) أى اعتصم به و التجأ إليه و استهدى به فهداه من الضّلالة و انقذه من الجهالة فاهتدى و نجى من الهلكة و امن من العقوبة و الهادي في كلامه و إن كان مطلقا إلاّ أنّ الأظهر عندى أنّ المراد به الأئمة الذين يهدون بالحقّ و به يعدلون ، فيكون المراد بالأخذ بحجزتهم المتمسّكين بحبل الولاية و المقتبسين من أنوارها ، و يدلّ على ما استظهرته ما ورد في تفسير قوله تعالى انّما انت منذر و لكلّ قوم هاد ، بطرق كثيرة أنّ الهادى هو أمير المؤمنين و ولده المعصومون سلام اللّه عليهم أجمعين . فمنها ما في غاية المرام من تفسير العياشي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال : قال أمير المؤمنين : فينا نزلت هذه الآية : إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا المنذر و أنت الهادي يا عليّ ، فمنّا الهادي و النّجاة و السّعادة إلى يوم القيامة . و منه أيضا عن بريد ، عن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام [ 233 ] إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ . فقال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا المنذر و فى كلّ زمان إمام منّا يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللّه و الهداة من بعده عليّ ثمّ الأوصياء من بعده واحد بعد واحد ، و اللّه ما ذهبت منّا و ما زالت فينا إلى السّاعة ، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنذر و بعليّ يهتدي المهتدون . و الأخبار في هذا المعنى كثيرة بالغة حدّ الاستفاضة يطول الكتاب بذكرها و قد روى في غاية المرام ثلاثين رواية من طريق العامّة و الخاصّة في ذلك من أراد الاطلاع فليراجع إليه . الرابع قوله ( راقب ربّه ) و المراقبة احدى ثمرات الايمان و هي على ما قيل رتبة عظيمة من رتب السّالكين ، و حقيقتها أنّها حالة للنّفس يثمرها نوع خاص من المعرفة و لها تأثير خاصّ في القلب و الجوارح أمّا الحالة فهى مراعات القلب للرّقيب و اشتغاله به ، و أما العلم المثمر لها فهو العلم بأنّ اللّه تعالى مطلع على الضماير و السّرائر قائم على كلّ نفس بما كسبت كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً . فهذه المعرفة إذا استولت على القلب و لم يبق فيها شبهة فلا بدّ أن تجذ به إلى مراعات الرّقيب ، و الموقنون بهذه المعرفة طائفتان . احداها الصّديقون و مراقبتهم التّعظيم و الاجلال و استغراق قلبهم بملاحظة ذلك الجلال و الانكسار تحت الهيبة و العظمة بحيث لا يبقى فيه مجال للالتفات إلى الغير أصلا ، و جوارحهم معطلة عن الالتفات و التلفّت إلى المباحات فضلا عن المحظورات و إذا تحرّكت بالطاعة كانت كالمستعمل لها فلا تصلح لغيرها و لا يحتاج إلى تدبير في ضبطها على سنن السّداد ، و من نال هذه المرتبة فقد يغفل عن الخلق حتّى لا يبصرهم و لا يسمع أقوالهم . و الطائفة الثّانية الورعين من أصحاب اليمين و هم قوم غلب بعض اطلاعات اللّه على قلوبهم و لكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال ، بل بقيت قلوبهم على الاعتدال متّسعة [ 234 ] للتّلفت ، إلى الأقوال و الأعمال إلاّ أنّها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبة فقد غلب الحياء من اللّه على قلوبهم فلا يقدمون و لا يجحمون « يحجمون » إلاّ عن تثبّت فيمتنعون عن كلّ أمر فاضح يوم القيامة إذ يرون اللّه مشاهدا لأعمالهم في الدّنيا كما يرونه مشاهدا في القيامة . و لا بدّ لأهل هذه الدّرجة من المراقبة في جميع حركاته و سكناته و يلزم عليه أن يرصد كلّ خاطر يسنح له ، فان كان إلهيّا يعجل مقتضاه ، و إن كان شيطانيّا يبادر إلى قمعه ، و إن شكّ فيه توقف إلى أن يظهر له بنور الحقّ من أىّ جانب هو روى في الوسائل عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم مسندا عن داوود الرّقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ : وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ . قال : من علم أنّ اللّه يراه أو يسمع ما يقول و يعلم ما يفعله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى . الخامس قوله ( و خاف ذنبه ) و الخوف توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب و إذا علق بالذّوات كما تقول خفت اللّه و خفت زيدا فمعناه توقّع مكروه أو حرمان يقع من جهته و إلاّ فالذّوات لا يتعلّق بها خوف فمعنى الخوف من الذّنب الخوف ممّا يكون الذّنب سببا له من العقوبة الدّنيويّة أو الاخروية أو نقصان الدّرجة و انحطاط الرّتبة و حرمان الجنّة . قال بعض العلماء : خوف الخائفين من اللّه قد يكون لامور مكروهة لذاتها و قد يكون لامور مكروهة لادائها إلى ما هو مكروه لذاته . أمّا القسم الأوّل فمثل أن يتمثّل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته كسكرات الموت و شدّته أو سؤال القبر أو عذابه أو هول الموقف بين يدي اللّه تعالى و الحياء من كشف السّر و السؤال عن كلّ صغيرة و كبيرة ، أو الخوف عن المرور على الصّراط مع حدّته أو من النّار و أهوالها و أغلالها أو من حرمان الجنّة أو من نقصان الدّرجات فيها أو خوف الحجاب من اللّه ، و كلّ هذه الأسباب مكروهة في أنفسها و يختلف أحوال [ 235 ] السّالكين إلى اللّه فيها و أعلاها رتبة خوف الفراق و الحجاب عن اللّه و هو خوف العارفين و ما قبل ذلك فهو خوف العابدين و الصّلحاء و الزاهدين . و أما القسم الثّاني فأقسام كثيرة كخوف الموت قبل التّوبة أو خوف نقض التّوبة أو خوف الانحراف عن القصد في عبادة اللّه أو خوف استيلاء القوى الشّهوانيّة بحسب مجرى العادة في استعمال الشّهوات المألوفة أو خوف تبعات النفس عنده أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشّقاوة في علم اللّه ، و كلّ هذه و نحوها مخاوف عباد اللّه الصّالحين و أغلبها على قلوب المتّقين خوف الخاتمة فانّ الأمر فيه خطير . قال بعض اولى الالباب : إذا اسكن الخوف القلب أحرق الشّهوة و أطرد عنه الغفلة . السّادس قوله ( قدّم خالصا ) قال الصّادق عليه السّلام العمل الخالص الذى لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلاّ اللّه و هذا هو معنى الاخلاص قال تعالى : وَ ما أمِروُا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينِ . و للقوم في تعريف الاخلاص عبارات فقيل : هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين حتّى عن ملاحظة النفس فلا يشهد غير اللّه ، و قد مرّ تفصيل ذلك في شرح الخطبة الاولى عند قوله عليه السّلام و كمال توحيده الاخلاص له ، و قيل : هو تنزيه العمل عن ان يكون لغير اللّه فيه نصيب ، و قيل : هو إخراج الخلق عن معاملة الحقّ ، و قيل : هو ستر العمل من الخلايق و تصفيته من العلايق ، و قيل : إنّه لا يريد عامله عليه عوضا في الدّارين و هذه درجة رفيعة و اليها أشار أمير المؤمنين و سيّد الموحّدين بقوله : ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك . السّابع قوله ( و عمل صالحا ) و العمل ما صدر عن الحيوان بقصده قلبيّا أو قالبيّا فهو أخصّ من الفعل ، و المراد بالعمل الصّالح إتيان المأمور به كما امر به و يقابله العمل الفاسد قال تعالى : فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقآءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً . [ 236 ] و قال في سورة الفاطر : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ . قال الصّادق عليه السّلام : الكلم الطيّب قول المؤمن لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه و خليفة رسول اللّه قال عليه السّلام : و العمل الصّالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند اللّه لا شكّ فيه من ربّ العالمين . أقول : و لعلّ مقصوده عليه السّلام أنّ العمل الصّالح الموجب لرفع الكلم الطيّب بالمعنى الذي ذكره هو الاعتقاد الذي نبّه عليه ، لما قد علمت أنّ متعلق العمل أعمّ من الاعتقاد . الثّامن قوله ( اكتسب مذخورا ) أى ذخيرة مرجوّة ليوم فاقته و زادا معدّا لوقت حاجته و خير الزّاد هو التّقوى كما أفصح به الكتاب المبين و صرّح به أخبار سيّد المرسلين . التّاسع قوله ( و اجتنب محذورا ) أى تجنّب ممّا يلزم الحذر منه و يجب الاحتراز عنه و هو مخالفة الأوامر الشّرعيّة و منابذة التكاليف الالزاميّة قال سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أنْ تُصيبُهمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ . أوجب الحذر لمخالفي أمره من إصابة الفتنة و هى العقوبة الدّنيوية و إصابة العذاب الأليم و هى العقوبة الاخرويّة . العاشر قوله ( رمى غرضا ) أى رمى بسهام أعماله الصّالحة الباطنة و الظاهرة فأصاب الغرض غير خاطئة 1 فأدرك مناه و حاز ما تمنّاه ، و على رواية عرضا بالمهملة فالمعنى أنّه رمى عرض الدّنيا و حذف متاعها و رفض حطامها و أخرج حبّها من قلبه علما منه بسرعة زوالها و فنائها . ----------- ( 1 ) حال من السهام . [ 237 ] الحادى عشر قوله ( و احرز عوضا ) اى أحرز متاع الآخرة الباقية الذي هو عوض من متاع الدّنيا الفانية ، و ادّخر ما يفاض عليه من الحسنات و أعدّ ما يثاب عليه من الصالحات . وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدٌ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيرٌ أَمَلاً . الثّاني عشر قوله ( كابر هواه ) أى غالب هواه بوفور عقله و يجاهد نفسه الأمارة و يطوّعها لقوّته العاقلة ، قوله تعالى : وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَي النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى . أى نهى نفسه عن المحارم التي تهويها و تشتهيها فانّ الجنّة مستقرّه و مأواه . روى في الوسائل عن الصّدوق باسناده عن الحسين بن زيد عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال : من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها مخافة اللّه عزّ و جلّ حرّم اللّه عليه النّار و آمنه من الفزع الأكبر و أنجز له ما وعده في كتابه : وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ . ألا و من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدّنيا على الآخرة لقى اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و ليست له حسنة يتّقى بها النّار ، و من اختار الآخرة و ترك الدّنيا رضى اللّه عنه و غفر له مساوى عمله . و عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام فقلت الملائكة أفضل أم بنو آدم ؟ فقال : قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : إنّ اللّه ركب في الملائكة عقلا بلا شهوة و ركب في البهائم شهوة بلا عقل و ركب في بني آدم كلتيهما من غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة و من غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم . [ 238 ] و عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره . الثالث عشر قوله ( و كذب مناه ) أى قابل ما يلقيه إليه الشيطان من الأماني الباطلة بالتكذيب ، قال تعالى : وَ قالَ لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصيباً مَفْروُضاً وَ لاُضِلنَّهُمْ وَ لاُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَليُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيّاً مِنْ دوُنِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبيناً يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً أُولئِكَ مَأْويهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحيصاً . قال في مجمع البيان في تفسير قوله و لا منينهم يعني امنينهم طول البقاء في الدّنيا فيؤثرون بذلك الدّنيا و نعيمها على الآخرة ، و قيل معناه أقول لهم ليس ورائكم بعث و لا نشر و لا جنة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب فافعلوا ما شئتم عن الكلبي ، و قيل : امنينهم بالأهواء الباطلة الدّاعية إلى المعصية و ازيّن لهم شهوات الدّنيا و زهراتها أدعو كلاّ منهم إلى نوع ميل طبعه إليه فأصدّه بذلك عن الطاعة و القيه في المعصية . الرّابع عشر قوله ( جعل الصبر مطيّة نجاته ) و الصبر قوّة ثابتة و ملكة راسخة بها يقتدر على حبس النفس و منعه عن قبايح اللذات و منى الشهوات و على حمله على مشاق العبادات و التكليفات و على التحمل على المصائب و الآفات و الدّواهى و البليات و بها يحصل النجاة و الخلاص من غضب الجبار و عذاب النار ، و لذلك جعلها مطيّة يتمكن بها من الهرب ، و الفرار عن العدوّ في مقام الحاجة و الاضطرار ، و الآيات القرآنية و الأخبار المعصومية في مدحها و فضلها و الحثّ عليها أكثر من أن تحصى و لعلّنا نشبع الكلام في تحقيقها و بيان أقسامها في شرح الخطبة المأة و الثانية و السبعين [ 239 ] و نقتصر هنا على بعض ما ورد فيها على ما اقتضاه المقام . فأقول في الوسائل من الكافي باسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إذا كان يوم القيامة فيقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيقال من أنتم ، فيقولون نحن أهل الصبر ، فيقال لهم على ما صبرتم ؟ فيقولون : كنا نصبر على طاعة اللّه و نصبر عن معاصي اللّه فيقول اللّه عزّ و جلّ : صدقوا ادخلوهم الجنة و هو قول اللّه عزّ و جلّ : إِنَّما يُوَفَّى الصّابِروُنَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ . و عن عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث إلى عليّ عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصّبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، و صبر عند الطاعة ، و صبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتّى يردها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلاثمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين السّماء و الأرض ، و من صبر على الطاعة كتب اللّه له ستّمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، و من صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمأة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش . و عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال اصبروا على الدّنيا فانّما هي ساعة فما مضى منه لا تجد له ألما و لا سرورا ، و ما لم يجى‏ء فلا تدرى ما هو و إنّما هى ساعتك التي أنت فيها ، فاصبر فيها على طاعة اللّه و اصبر فيها عن معصية اللّه . الخامس عشر قوله ( و التّقوى عدّة وفاته ) قد مرّ معنى التّقوى و بعض ما ورد فيها في شرح الخطبة الثالثة و العشرين ، و أقول هنا إنّ العدّة لما كانت عبارة عمّا أعدّها الانسان و هيّئها لحوادث دهره و ملمّات زمانه و كان الموت أعظم الحوادث ، و بالتّقوى يحصل الوقاية من سكراته و غمراته و به يتّقى من شدايد البرزخ و كرباته و يستراح من طول الموقف و مخاوفه ، لا جرم جعلها عليه السّلام عدّة للوفات و وقاية يحصل بها النجاة ، و استعار عنها الكتاب المجيد بالزاد فقال : [ 240 ] وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى‏ . بملاحظة أنّ الزّاد لمّا كان هو الطعام الذي يتّخذ للسّفر ليتقوّى به الطبيعة على الحركات الحسيّة و كانت تقوى اللّه ممّا تقوى به النّفس على الوصول إلى حظيرة القدس حسن الاستعارة به عنها لما بين المعنيين من كمال المشابهة و تمامها . قال بعض العارفين : ليس السّفر من الدّنيا أهون من السّفر في الدّنيا و هذا لا بدّ له من زاد و كذلك ذلك بل يزداد ، فانّ زاد الدّنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم و زاد الآخرة ينجيك من عذاب مقطوع معلوم ، زاد الدّنيا يوصلك إلى متاع الغرور و زاد الآخرة يبلغك دار السّرور ، زاد الدّنيا سبب حظوظ النّفس و زاد الآخرة سبب الوصول إلى عتبة الجلال و القدس . السّادس عشر قوله ( ركب الطريقة الغرّاء ) أى سلك جادّة الشّريعة الواضحة المستقيمة الموصلة لسالكها الى الجنان و مقام القرب و الرّضوان . السّابع عشر قوله ( و لزم المحجة البيضاء ) قال الشّارح البحراني و الفرق بين ذلك و الذي قبله أنّ الأوّل أمر بركوب الطريقة الغرّاء و الثّاني أمر بلزومها و عدم مفارقتها و انّها و إن كانت واضحة إلاّ أنّها طويلة كثيرة المخاوف و سالكها أبدا محارب للشّيطان و هو في معرض أن يستزلّه عنها . الثامن عشر قوله ( اغتنم المهل ) أى أيام مهلته و هو مدّة عمره و أيّام حياته في دار الدّنيا . قال زين العابدين و سيد الساجدين عليه السّلام في دعاء مكارم الأخلاق من الصّحيفة : اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و نبّهني لذكرك في أوقات الغفلة و استعملني بطاعتك في أيّام المهلة و انهج لي إلى محبّتك سبيلا سهلة . و انّما عبّر عنها بأيّام المهلة لأنّ العناية الأزليّة لمّا كانت مقتضية لسوق النّاقص إلى كماله فاقتضت العناية عدم معاجلة العباد بالعقوبة و السّخط و الأخذ [ 241 ] بالذّنوب و المعصية في هذه الحياة الدّنيا ليرجعوا إلى التّوبة و يراجعوا الانابة فكأنّه تعالى أمهلهم مدّة حياتهم في الدّنيا و أنظرهم طول بقائهم فيها و جعلهم في النّظرة و المهلة . التّاسع عشر قوله ( بادر الأجل ) أى سارع إلى أجله الموعود بصحبة عمله الصّالح و هو كناية عن جعله الموت نصب عينيه و عدم غفلته عنه و ترقبه له فاذا كان كذلك لا يخاف من حلول الموت و نزوله و لا يبالى أوقع على الموت أم وقع الموت عليه . العشرون قوله ( و تزوّد من العمل ) أى تزوّد من أعماله الصالحة لقطع منازل الآخرة نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا للاتّصاف بتلك الأوصاف الشّامخة الفايقة حتّى نستوجب بذلك رحمته العامة الواسعة بمحمّد و عترته الطاهرة . الترجمة از جمله خطبهاى شريفه آن حضرت است كه ميفرمايد : خداوند رحمت كند بنده را كه بشنود حكمت را پس گوش گيرد و حفظ نمايد و خوانده شود به سوى رشد و صلاح پس اجابت كند و نزديك آيد ، و بگيرد كمرگاه هدايت كننده را و معتصم او بشود پس نجات يابد ، مراقب باشد پروردگار خود را و بترسد از گناه خود ، پيش فرستد كردار پاكيزه و عمل كند عمل شايسته ، كسب نمايد چيزى را كه ذخيره ميشود از براى آخرت ، و اجتناب نمايد از چيزى كه باعث حذر است و ندامت . بيندازد با تير اعمال حسنه بسوى غرض و نشانه و جمع كند متاع دار جاودانيرا بعوض متاع دنياى فانى ، غلبه نمايد بهوا و هوس و شهوات نفسانيه و تكذيب نمايد آمال و امانى باطله شيطانيه بگرداند صبر و شكيبائيرا مركب نجات خويش و تقوى و پرهيزكارى را توشه وفات خود ، سوار بشود بر طريقه روشن شريعت و لازم شود بر جاده آشكار ملّت ، غنيمت شمارد ايام مهلت حياة را و مبادرت نمايد بنيكوكارى قبل از ممات و توشه بگيرد از اعمال صالحه بجهت سفر آخرت .