جستجو

و من كلام له ع و فيه جملة من صفات الربوبية و العلم الإلهي

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 216 ] 49 و من خطبة له ع اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ اَلْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ [ ذَلَّتْ ] عَلَيْهِ أَعْلاَمُ اَلظُّهُورِ وَ اِمْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ اَلْبَصِيرِ فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَ لاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي اَلْعُلُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَ قَرُبَ فِي اَلدُّنُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلاَ اِسْتِعْلاَؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي اَلْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ اَلْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ اَلَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ اَلْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي اَلْجُحُودِ تَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ اَلْمُشَبِّهُونَ [ اَلْمُشْتَبِهُونَ ] بِهِ وَ اَلْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً بطنت سر فلان أي أخفيته . و الأعلام جمع علم و هو المنار يهتدى به ثم جعل لكل ما دل على شي‏ء فقيل لمعجزات الأنبياء أعلام لدلالتها على نبوتهم و قوله ع أعلام الظهور أي الأدلة الظاهرة الواضحة . و قوله فيما بعد أعلام الوجود أي الأدلة الموجودة و الدلالة هي الوجود نفسه و سيأتي شرح ذلك . و قوله و امتنع على عين البصير يقول إنه سبحانه ليس بمرئي بالعين و مع [ 217 ] ذلك فلا يمكن من لم يره بعينه أن ينكره لدلالة كل شي‏ء عليه بل لدلالته سبحانه على نفسه . ثم قال و لا قلب من أثبته يبصره أي لا سبيل لمن أثبت وجوده أن يحيط علما بجميع أحواله و معلوماته و مصنوعاته أو أراد أنه لا تعلم حقيقة ذاته كما قاله قوم من المحققين . و قد روي هذا الكلام على وجه آخر قالوا في الخطبة فلا قلب من لم يره ينكره و لا عين من أثبته تبصره و هذا غير محتاج إلى تفسير لوضوحه . و قوله ع فلا استعلاؤه باعده أي ليس علوه و لا قربه كما نعقله من العلو و القرب المكانيين بل هو علو و قرب خارج من ذلك فليس علوه يقتضي بعده بالمكان عن الأجسام و لا قربه يقتضي مساواته إياها في الحاجة إلى المكان و الجهة . و الباء في به متعلقة بساواهم معناه و لا قربه ساواهم به في الحاجة إلى المكان أي لم يقتض قربه مماثلته و مساواته إياهم في ذلك فصول في العلم الإلهي و هذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي أولها كونه تعالى عالما بالأمور الخفية . و الثاني كونه تعالى مدلولا عليه بالأمور الظاهرة يعني أفعاله . و الثالث أن هويته تعالى غير معلومة للبشر . و الرابع نفي تشبيهه بشي‏ء من مخلوقاته . [ 218 ] و الخامس بيان أن الجاحد لإثباته مكابر بلسانه و عارف به بقلبه . و نحن نذكر القول في جميع ذلك على سبيل اقتصاص المذاهب و الأقوال و نحيل في البرهان على الحق من ذلك و بطلان شبه المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية إذ ليس هذا الكتاب موضوعا لذلك و إن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل موجزة و تلويح إلى الشبهة لطيف فنقول أما الفصل الأول و هو الكلام في كونه تعالى عالما بالأمور الخفية فاعلم أن أمير المؤمنين ع إنما قال بطن خفيات الأمور و هذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالما يعلم الأمور الخفية الباطنة و هذا منقسم قسمين أحدهما أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة . و الثاني أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة . و الكلام من حيث إطلاقه يحتمل الأمرين فنحمله عليهما معا فقد خالف في كل واحدة من المسألتين قوم فمن الناس من نفى كونه عالما بالمستقبلات و من الناس من نفى كونه عالما بالأمور الحاضرة سواء كانت خفية أو ظاهرة و هذا يقتضينا أن نشرح أقوال العقلاء في هذه المسائل فنقول إن الناس فيها على أقوال القول الأول قول جمهور المتكلمين و هو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم الماضي و الحاضر و المستقبل ظاهرها و باطنها و محسوسها و غير محسوسها فهو تعالى العالم بما كان و ما هو حاضر و ما سيكون و ما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون كقوله [ 219 ] تعالى وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فهذا علم بأمر مقدر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون . القول الثاني قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الأمور المستقبلة و شبهوه بكونه مدركا قالوا كما أنه لا يدرك المستقبلات فكذلك لا يعلم المستقبلات و هو قول هشام بن الحكم . القول الثالث قول من زعم أنه لا يعلم الأمور الحاضرة و هذا القول نقيض القول الثاني و شبهوه بكونه قادرا قالوا كما أنه لا يقدر على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود و نسب ابن الراوندي هذا القول إلى معمر بن عباد أحد شيوخنا و أصحابنا يكذبونه في ذلك و يدفعون الحكاية عنه . القول الرابع قول من زعم أنه تعالى لا يعلم نفسه خاصة و يعلم كل ما عدا ذاته و نسب ابن الراوندي هذه المقالة إلى معمر أيضا و قال إنه يقول إن العالم غير المعلوم و الشي‏ء لا يكون غير نفسه و أصحابنا يكذبون ابن الراوندي في هذه الحكاية و ينزهون معمرا عنها . القول الخامس قول من قال إنه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشي‏ء أصلا و إنما أحدث لنفسه علما علم به الأشياء و هو قول جهم بن صفوان . القول السادس قول من قال إنه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها و إنما يعلم ذلك إجمالا و هؤلاء يسمون المسترسلية لأنهم يقولون يسترسل علمه على المعلومات [ 220 ] إجمالا لا تفصيلا و هو مذهب الجويني من متكلمي الأشعرية . القول السابع قول من قال إنه تعالى يعلم المعلومات المفصلة ما لم يفض القول به إلى محال و زعموا أن القول بأنه يعلم كل شي‏ء يفضي إلى محال و هو أن يعلم و يعلم أنه يعلم و هلم جرا إلى ما لا نهاية له و كذلك المحال لازم إذا قيل إنه يعلم الفروع و فروع الفروع و لوازمها و لوازم لوازمها إلى ما لا نهاية له قالوا و محال اجتماع كل هذه العلوم غير المتناهية في الوجود و هذا مذهب أبي البركات البغدادي صاحب المعتبر . القول الثامن قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الشخصيات الجزئية و إنما يعلم الكليات التي لا يجوز عليها التغيير كالعلم بأن كل إنسان حيوان و يعلم نفسه أيضا و هذا مذهب أرسطو و ناصري قوله من الفلاسفة كابن سينا و غيره . القول التاسع قول من زعم أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا لا كليا و لا جزئيا و إنما وجد العالم عنه لخصوصية ذاته فقط من غير أن يعلمه كما أن المغناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير أن يعلم بالجذب و هذا قول قوم من قدماء الفلاسفة . فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة . و اعلم أن حجة المتكلمين على كونه عالما بكل شي‏ء إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم و أنه فعله بالاختيار فحينئذ لا بد من كونه عالما لأنه لو لم يكن عالما بشي‏ء أصلا لما صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار لأن الإحداث على طريق الاختيار إنما يكون بالغرض و الداعي و ذلك يقتضي كونه عالما فإذا ثبت أنه عالم بشي‏ء أفسدوا حينئذ أن يكون عالما بمعنى اقتضى له العالمية أو بأمر خارج عن ذاته مختارا كان أو غير مختار [ 221 ] فحينئذ ثبت لهم أنه إنما علم لأنه هذه الذات المخصوصة لا لشي‏ء أزيد منها فإذا كان لهم ذلك وجب أن يكون عالما بكل معلوم لأن الأمر الذي أوجب كونه عالما بأمر ما هو ذاته يوجب كونه عالما بغيره من الأمور لأن نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة . فأما الجواب عن شبه المخالفين فمذكور في المواضع المختصة بذلك فليطلب من كتبنا الكلامية الفصل الثاني في تفسير قوله ع و دلت عليه أعلام الظهور فنقول إن الذي يستدل به على إثبات الصانع يمكن أن يكون من وجهين و كلاهما يصدق عليه أنه أعلام الظهور أحدهما الوجود و الثاني الموجود . أما الاستدلال عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدققين من الفلاسفة فإنهم استدلوا على أن مسمى الوجود مشترك و أنه زائد على ماهيات الممكنات و أن وجود البارئ لا يصح أن يكون زائدا على ماهيته فتكون ماهيته وجودا و لا يجوز أن تكون ماهيته عارية عن الوجود فلم يبق إلا أن تكون ماهيته هي الوجود نفسه و أثبتوا وجوب ذلك الوجود و استحالة تطرق العدم بوجه ما فلم يفتقروا في إثبات البارئ إلى تأمل أمر غير نفس الوجود . و أما الاستدلال عليه بالموجود لا بالوجود نفسه فهو الاستدلال عليه بأفعاله و هي طريقة المتكلمين قالوا كل ما لم يعلم بالبديهة و لا بالحس فإنما يعلم بآثاره الصادرة عنه و البارئ تعالى كذلك فالطريق إليه ليس إلا أفعاله فاستدلوا عليه بالعالم و قالوا تارة العالم محدث و كل محدث له محدث و قالوا تارة أخرى العالم ممكن فله مؤثر [ 222 ] و قال ابن سينا إن الطريقة الأولى و هي الاستدلال عليه بالوجود نفسه أعلى و أشرف لأنه لم يحتج فيها إلى الاحتجاج بأمر خارج عن ذاته و استنبط آية من الكتاب العزيز في هذا المعنى و هي قوله تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي اَلْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ . قال ابن سينا أقول إن هذا حكم لقوم يعني المتكلمين و غيرهم ممن يستدل عليه تعالى بأفعاله و تمام الآية أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ . قال هذا حكم الصديقين الذين يستشهدون به لا عليه يعني الذين استدلوا عليه بنفس الوجود و لم يفتقروا إلى التعلق بأفعاله في إثبات ربوبيته الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر و ذلك معنى قوله ع و امتنع على عين البصير و قوله و لا قلب من أثبته يبصره و قوله و لم يطلع العقول على تحديد صفته فنقول إن جمهور المتكلمين زعموا أنا نعرف حقيقة ذات الإله و لم يتحاشوا من القول بأنه تعالى لا يعلم من ذاته إلا ما نعلمه نحن منها و ذهب ضرار بن عمرو أن لله تعالى ماهية لا يعلمها إلا هو و هذا هو مذهب [ 223 ] الفلاسفة و قد حكي عن أبي حنيفة و أصحابه أيضا و هو الظاهر من كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل الفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى و هو معنى قوله ع بعد و قرب أي في حال واحدة و ذلك يقتضي نفي كونه تعالى جسما و كذلك قوله ع فلا استعلاؤه باعده و لا قربه ساواهم في المكان به فنقول إن مذهب جمهور المتكلمين نفي التشبيه و هذا القول يتنوع أنواعا . النوع الأول نفي كونه تعالى جسما مركبا أو جوهرا فردا غير مركب و المراد بالجوهر هاهنا الجرم و الحجم و هو قول المعتزلة و أكثر محققي المتكلمين من سائر الفرق و إليه ذهبت الفلاسفة أيضا . و قال قوم من مستضعفي المتكلمين خلاف ذلك فذهب هشام بن الحكم إلى أنه تعالى جسم مركب كهذه الأجسام و اختلفت الحكاية عنه فروي عنه أنه قال إنه يشبر نفسه سبعة أشبار و روي عنه أنه قال إنه على هيئة السبيكة و روي عنه أنه قال إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة من حيث أتيتها رأيتها على هيئة واحدة و روي عنه أيضا قال إنه ذو صورة و أصحابه من الشيعة يدفعون اليوم هذه الحكايات عنه و يزعمون أنه لم يزد على قوله أنه جسم لا كالأجسام و أنه إنما أراد بإطلاق هذا اللفظ عليه إثباته . [ 224 ] و صدقوا عنه أنه كان يطلق عليه كونه نورا لقول الله سبحانه اَللَّهُ نُورُ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ . و حكي عن محمد بن النعمان الأحول المعروف بشيطان الطاق و هشام بن سالم المعروف بالجواليقي و أبي مالك بن الحضرمي أنه نور على صورة الإنسان و أنكروا مع ذلك أن يكون جسما و هذه مناقضة ظاهرة . و حكي عن علي بن ميثم مثله و قد حكي عنه أنه كان يقول بالصورة و الجسم . و حكي عن مقاتل بن سليمان و داود الجواربي و نعيم بن حماد المصري أنه في صورة الإنسان و أنه لحم و دم و له جوارح و أعضاء من يد و رجل و لسان و رأس و عينين و هو مع ذلك لا يشبه غيره و لا يشبهه غيره وافقهم على ذلك جماعة من العامة و من لا نظر له . و حكي عن داود الجواربي أنه قال اعفوني من الفرج و اللحية و سلوني عما وراء ذلك و حكي عنه أنه قال هو أجوف من فيه إلى صدره و ما سوى ذلك مصمت . و حكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم الجواليقي كان يقول إن له وفرة سوداء . و ذهب جماعة من هؤلاء إلى القول بالمؤانسة و الخلوة و المجالسة و المحادثة . و سئل بعضهم عن معنى قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ فقال يقعد معه على سريره و يغلفه بيده . و قال بعضهم سألت معاذا العنبري فقلت أ له وجه فقال نعم حتى عددت [ 225 ] جميع الأعضاء من أنف و فم و صدر و بطن و استحييت أن أذكر الفرج فأومأت بيدي إلى فرجي فقال نعم فقلت أ ذكر أم أنثى فقال ذكر . و يقال إن ابن خزيمة أشكل عليه القول في أنه أ ذكر أم أنثى فقال له بعض أصحابه إن هذا مذكور في القرآن و هو قوله تعالى وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏ فقال أفدت و أجدت و أودعه كتابه . و دخل إنسان على معاذ بن معاذ يوم عيد و بين يديه لحم في طبيخ سكباج فسأله عن البارئ تعالى في جملة ما سأله فقال هو و الله مثل هذا الذي بين يدي لحم و دم . و شهد بعض المعتزلة عند معاذ بن معاذ فقال له لقد هممت أن أسقطك لو لا أني سمعتك تلعن حماد بن سلمة فقال أما حماد فلم ألعنه و لكني ألعن من يقول إنه سبحانه ينزل ليلة عرفة من السماء إلى الأرض على جمل أحمر في هودج من ذهب فإن كان حماد يروي هذا أو يقوله فعليه لعنة الله فقال أخرجوه فأخرج . و قال بعضهم خرجنا يوم عيد إلى المصلى فإذا جماعة بين يدي أمير و الطبول تضرب و الأعلام تخفق فقال واحد من خلفنا اللهم لا طبل إلا طبلك فقل له لا تقل هكذا فليس لله تعالى طبل فبكى و قال أ رأيتم هو يجي‏ء وحده و لا يضرب بين يديه طبل و لا ينصب على رأسه علم فإذن هو دون الأمير . و روى بعضهم أنه تعالى أجرى خيلا فخلق نفسه من مثلها . و روى قوم منهم أنه نظر في المرآة فرأى صورة نفسه فخلق آدم عليها . و رووا أنه يضحك حتى تبدو نواجذه . [ 226 ] و رووا أنه أمرد جعد قطط في رجليه نعلان من ذهب و أنه في روضة خضراء على كرسي تحمله الملائكة . و رووا أنه يضع رجلا على رجل و يستلقي فإنها جلسة الرب . و رووا أنه خلق الملائكة من زغب ذراعيه و أنه اشتكى عينه فعادته الملائكة و أنه يتصور بصورة آدم و يحاسب الناس في القيامة و له حجاب من الملائكة يحجبونه . و رووا عن النبي ص أنه قال رأيت ربي في أحسن صورة فسألته عما يختلف فيه الملأ الأعلى فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها فعلمت ما اختلفوا فيه . و رووا أنه ينزل إلى السماء الدنيا في نصف شعبان و أنه جالس على العرش قد فضل منه أربع أصابع من كل جانب و أنه يأتي الناس يوم القيامة فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك فيقول لهم أ فتعرفونه إن رأيتموه فيقولون بيننا و بينه علامة فيكشف لهم عن ساقه و قد تحول في الصورة التي يعرفونها فيخرون له سجدا . و رووا أنه يأتي في غمام فوقه هواء و تحته هواء . و كان بطبرستان قاص من المشبهة يقص على الناس فقال يوما في قصصه إن يوم القيامة تجي‏ء فاطمة بنت محمد معها قميص الحسين ابنها تلتمس القصاص من يزيد بن معاوية فإذا رآها الله تعالى من بعيد دعا يزيد و هو بين يديه فقال له ادخل تحت قوائم العرش لا تظفر بك فاطمة فيدخل و يختبئ و تحضر فاطمة فتتظلم و تبكي فيقول سبحانه انظري يا فاطمة إلى قدمي و يخرجها إليها و به جرح من سهم نمرود [ 227 ] فيقول هذا جرح نمرود في قدمي و قد عفوت عنه أ فلا تعفين أنت عن يزيد فتقول هي أشهد يا رب أني قد عفوت عنه . و ذهب بعض متكلمي المجسمة إلى أن البارئ تعالى مركب من أعضاء على حروف المعجم . و قال بعضهم إنه ينزل على حمار في صورة غلام أمرد في رجليه نعلان من ذهب و على وجهه فراش من ذهب يتطاير . و قال بعضهم إنه في صورة غلام أمرد صبيح الوجه عليه كساء أسود ملتحف به . و سمعت أنا في عصري هذا من قال في قوله تعالى وَ تَرَى اَلْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ إنهم قيام على رأسه بسيوفهم و أسلحتهم فقال له آخر على سبيل التهكم به يحرسونه من المعتزلة أن يفتكوا به فغضب و قال هذا إلحاد . و رووا أن النار تزفر و تتغيظ تغيظا شديدا فلا تسكن حتى يضع قدمه فيها فتقول قط قط أي حسبي حسبي و يرفعون هذا الخبر مسندا و قد ذكر شبيه به في الصحاح . و روي في الكتب الصحاح أيضا أن الله خلق آدم على صورته و قيل إن في التوراة نحو ذلك في السفر الأول . و اعلم أن أهل التوحيد يتأولون ما يحتمل التأويل من هذه الروايات على وجوه محتملة غير مستبعدة و ما لا يحتمل التأويل منها يقطعون ببطلانه و بأنه موضوع و للاستقصاء في هذا المعنى موضع غير هذا الموضع . و حكى أبو إسحاق النظام و محمد بن عيسى برغوث أن قوما قالوا إنه تعالى الفضاء نفسه و ليس بجسم لأن الجسم يحتاج إلى مكان و نفسه مكان الأشياء . [ 228 ] و قال برغوث و طائفة منهم يقولون هو الفضاء نفسه و هو جسم تحل الأشياء فيه و ليس بذي غاية و لا نهاية و احتجوا بقوله تعالى وَ جاهِدُوا فِي اَللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ . فأما من قال إنه جسم لا كالأجسام على معنى أنه بخلاف العرض الذي يستحيل أن يتوهم منه فعل و نفوا عنه معنى الجسمية و إنما أطلقوا هذه اللفظة لمعنى أنه شي‏ء لا كالأشياء و ذات لا كالذوات فأمرهم سهل لأن خلافهم في العبارة و هم علي بن منصور و السكاك و يونس بن عبد الرحمن و الفضل بن شاذان و كل هؤلاء من قدماء رجال الشيعة و قد قال بهذا القول ابن كرام و أصحابه قالوا معنى قولنا فيه سبحانه أنه جسم أنه قائم بذاته لا بغيره . و المتعصبون لهشام بن الحكم من الشيعة في وقتنا هذا يزعمون أنه لم يقل بالتجسيم المعنوي و إنما قال إنه جسم لا كالأجسام بالمعنى الذي ذكرناه عن يونس و السكاك و غيرهما و إن كان الحسن بن موسى النوبختي و هو من فضلاء الشيعة قد روي عنه التجسيم المحض في كتاب الآراء و الديانات . النوع الثاني نفي الأعضاء و الجوارح عنه سبحانه فالذي يذهب إليه المعتزلة و سائر المحققين من المتكلمين نفي ذلك عنه و قد تأولوا ما ورد في القرآن العزيز من ذلك من نحو قوله تعالى لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ و قوله سبحانه عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللَّهِ و غير ذلك و حملوه على وجوه صحيحة جائزة في اللغة العربية . و أطلقت الكرامية عليه سبحانه لفظ اليدين و الوجه و قالوا لا نتجاوز الإطلاق [ 229 ] و لا نفسر ذلك و لا نتأوله و إنما نقتصر على إطلاق ما ورد به النص . و أثبت الأشعري اليدين صفة قائمة بالبارئ سبحانه و كذلك الوجه من غير تجسيم . و قالت المجسمة إن لله تعالى يدين هما عضوان له و كذلك الوجه و العين و أثبتوا له رجلين قد فضلتا عن عرشه و ساقين يكشف عنهما يوم القيامة و قدما يضعها في جهنم فتمتلئ و أثبتوا له ذلك معنى لا لفظا و حقيقة لا مجازا . فأما أحمد بن حنبل فلم يثبت عنه تشبيه و لا تجسيم أصلا و إنما كان يقول بترك التأويل فقط و يطلق ما أطلقه الكتاب و السنة و لا يخوض في تأويله و يقف على قوله تعالى وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللَّهُ و أكثر المحصلين من أصحابه على هذا القول . النوع الثالث نفي الجهة عنه سبحانه فالذي يذهب إليه المعتزلة و جمهور المحققين من المتكلمين أنه سبحانه ليس في جهة و لا مكان و أن ذلك من توابع الجسمية أو العرضية اللاحقة بالجسمية فإذا انتفى عنه كونه جسما و كونه عرضا لم يكن في جهة أصلا و إلى هذا القول يذهب الفلاسفة . و ذهبت الكرامية و الحشوية إلى أن الله تعالى في جهة فوق و إليه ذهب هشام بن الحكم و علي بن منصور و يونس بن عبد الرحمن و هشام بن سالم الجواليقي و كثير من أهل الحديث . و ذهب محمد بن الهيصم متكلم الكرامية إلى أنه تعالى ذات موجودة منفردة بنفسها عن سائر الموجودات لا تحل شيئا حلول الأعراض و لا تمازج شيئا ممازجة الأجسام [ 230 ] بل هو مباين للمخلوقين إلا أنه في جهة فوق و بينه و بين العرش بعد لا يتناهى . هكذا يحكي المتكلمون عنه و لم أره في شي‏ء من تصانيفه و أحالوا ذلك لأن ما لا يتناهى لا يكون محصورا بين حاصرين و أنا أستبعد عنه هذه الحكاية لأنه كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول و حقيقة مذهب مثبتي المكان أنه سبحانه متمكن على العرش كما يتمكن الملك على سريره فقيل لبعض هؤلاء أ هو أكبر من العرش أم أصغر أم مساو له فقال بل أكبر من العرش فقيل له فكيف يحمله فقال كما تحمل رجلا الكركي جسم الكركي و جسمه أكبر من رجليه و منهم من يجعله مساويا للعرش في المقدار و لا يمتنع كثير منهم من إطلاق القول بأن أطرافه تفضل عن العرش و قد سمعت أنا من قال منهم إنه مستو على عرشه كما أنا مستو على هذه الدكة و رجلاه على الكرسي الذي وسع السموات و الأرض و الكرسي تحت العرش كما يجعل اليوم الناس تحت أسرتهم كراسي يستريحون بوضع أرجلهم عليها . و قال هؤلاء كلهم إنه تعالى ينزل و يصعد حقيقة لا مجازا و إنه يتحرك و ينزل فمن ذلك نزوله إلى السماء الدنيا كما ورد في الخبر و من ذلك إتيانه و مجيئه كما نطق به الكتاب العزيز في قوله سبحانه هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اَللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ اَلْغَمامِ و قوله وَ جاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا . و أطلق ابن الهيصم عليه هذه الألفاظ اتباعا لما ورد في الكتاب و السنة و قال لا أقول بمعانيها و لا أعتقد حركته الحقيقية و إنما أرسلها إرسالا كما وردت و أما غيره فاعتقد معانيها حقيقة و قال ابن الهيصم في كتاب المقالات إن أكثر الحشوية يجيز عليه تعالى العدو و الهرولة . [ 231 ] و قال قوم منهم إنه تعالى يجوز أن ينزل فيطوف البلدان و يدور في السكك . و قال بعض الأشعريين إن سائلا سأل السكاك فقال إذا أجزت عليه الحركة فهلا أجزت عليه أن يطفر فقال لا يجوز عليه الطفر لأن الطفر إنما يكون فرارا من ضد أو اتصالا بشكل فقال له فالحركة أيضا كذلك فلم يأت بفرق . فأما القول بأنه تعالى في كل مكان فإن المعتزلة يقولون ذلك و تريد به أنه و إن لم يكن في مكان أصلا فإنه عالم بما في كل مكان و مدبر لما في كل مكان و كأنه موجود في جميع الأمكنة لإحاطته بالجميع . و قال قوم من قدماء الفلاسفة إن البارئ تعالى روح شديد في غاية اللطافة و في غاية القوة ينفذ في كل العالم و هؤلاء يطلقون عليه أنه في كل مكان حقيقة لا تأويلا و من هؤلاء من أوضح هذا القول و قال إنه تعالى سار في هذا العالم سريان نفس الواحد منا في بدنه فكما أن كل بدن منا له نفس سارية فيه تدبره كذلك البارئ سبحانه هو نفس العالم و سار في كل جزء من العالم فهو إذا في كل مكان بهذا الاعتبار لأن النفس في كل جزء من البدن . و حكى الحسن بن موسى النوبختي عن أهل الرواق من الفلاسفة أن الجوهر الإلهي سبحانه روح ناري عقلي ليس له صورة لكنه قادر على أن يتصور بأي صورة شاء و يتشبه بالكل و ينفذ في الكل بذاته و قوته لا بعلمه و تدبيره . النوع الرابع نفي كونه عرضا حالا في المحل فالذي تذهب إليه المعتزلة و أكثر المسلمين و الفلاسفة نفي ذلك القول باستحالته عليه سبحانه لوجوب وجوده و كون كل حال في الأجسام ممكنا بل حادثا . [ 232 ] و ذهبت الحلولية من أهل الملة و غيرها إلى أنه تعالى يحل في بعض الأجسام دون بعض كما يشاء سبحانه و إلى هذا القول ذهب أكثر الغلاة في أمير المؤمنين و منهم من قال بانتقاله من أمير المؤمنين ع إلى أولاده و منهم من قال بانتقاله من أولاده إلى قوم من شيعته و أوليائه و اتبعهم على هذه المقالة قوم من المتصوفة كالحلاجية و البسطامية و غيرهم . و ذهبت النسطورية من النصارى إلى حلول الكلمة في بدن عيسى ع كحلول السواد في الجسم . فأما اليعقوبية من النصارى فلا تثبت الحلول و إنما تثبت الاتحاد بين الجوهر الإلهي و الجوهر الجسماني و هو أشد بعدا من الحلول . النوع الخامس في نفي كونه تعالى محلا لشي‏ء ذهبت المعتزلة و أكثر أهل الملة و الفلاسفة إلى نفي ذلك و القول باستحالته على ذاته سبحانه . و ذهبت الكرامية إلى أن الحوادث تحل في ذاته فإذا أحدث جسما أحدث معنى حالا في ذاته و هو الإحداث فحدث ذلك الجسم مقارنا لذلك المعنى أو عقيبه قالوا و ذلك المعنى هو قول كن و هو المسمى خلقا و الخلق غير المخلوق قال الله تعالى ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ قالوا لكنه قد أشهدنا ذواتها فدل على أن خلقها غيرها . [ 233 ] و صرح ابن الهيصم في كتاب المقالات بقيام الحوادث بذات البارئ فقال إنه تعالى إذا أمر أو نهى أو أراد شيئا كان أمره و نهيه و إراداته كائنة بعد أن لم تكن و هي قائمة به لأن قوله منه يسمع و كذلك إرادته منه توجد . قال و ليس قيام الحوادث بذاته دليلا على حدوثه و إنما يدل على الحدوث تعاقب الأضداد التي لا يصح أن يتعطل منها و البارئ تعالى لا تتعاقب عليه الأضداد . و ذهب أبو البركات البغدادي صاحب المعتبر إلى أن الحوادث تقوم بذات البارئ سبحانه و إنه لا يصح إثبات الإلهية إلا بذلك و قال إن المتكلمين ينزهونه عن ذلك و التنزيه عن هذا التنزيه هو الواجب . و ذهب أصحابنا و أكثر المتكلمين إلى أن ذلك لا يصح في حق واجب الوجود و أنه دليل على إمكان ذاته بل على حدوثها و أجازوا مع ذلك عليه أن يتجدد له صفات يعنون الأحوال لا المعاني نحو كونه مدركا بعد أن لم يكن و كقول أبي الحسين أنه يتجدد له عالمية بما وجد و كان من قبل عالما بأنه سيوجد و إحدى هاتين الصفتين غير الأخرى . و قالوا إن الصفات و الأحوال قيل مفرد عن المعاني و المحال إنما هو حلول المعاني في ذاته لا تجدد الصفات لذاته و للكلام في هذا الباب موضع هو أليق به . النوع السادس في نفي اتحاده تعالى بغيره ذهب أكثر العقلاء إلى استحالة ذلك و ذهبت اليعقوبية من النصارى إلى أن الكلمة اتحدت بعيسى فصارت جوهرا من جوهرين أحدهما إلهي و الآخر جسماني و قد أجاز الاتحاد في نفس الأمر لا في ذات [ 234 ] البارئ قوم من قدماء الفلاسفة منهم فرفريوس و أجازه أيضا منهم من ذهب إلى أن النفس إنما تعقل المعقولات لاتحادها بالجوهر المفارق المفيض للنفوس على الأبدان و هو المسمى بالعقل الفعال . النوع السابع في نفي الأعراض الجسمانية عنه من التعب و الاستراحة و الألم و اللذة و الغم و السرور و نحو ذلك . و ذهبت المعتزلة و أكثر العقلاء من أهل الملة و غيرهم إلى نفي ذلك و القول باستحالته عليه سبحانه . و ذهبت الفلاسفة إلى جواز اللذة عليه و قالوا إنه يلتذ بإدراك ذاته و كماله لأن إدراك الكمال هو اللذة أو سبب اللذة و هو تعالى أكمل الموجودات و إدراكه أكمل الإدراكات و إلى هذا القول ذهب محمد الغزالي من الأشعرية . و حكى ابن الراوندي عن الجاحظ أن أحد قدماء المعتزلة و يعرف بأبي شعيب كان يجوز عليه تعالى السرور و الغم و الغيرة و الأسف و يذكر في ذلك ما روي عن النبي ص أنه قال لا أحد أغير من الله و إنه تعالى يفرح بتوبة عبده و يسر بها . و قال تعالى فَلَمَّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ و قال مقال المتحسر على الشي‏ء يا حَسْرَةً عَلَى اَلْعِبادِ و حكي عنه أيضا أنه يجوز عليه أن يتعب و يستريح و يحتج بقوله وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ . [ 235 ] و هذه الألفاظ كلها عند أصحابنا متأولة محمولة على محامل صحيحة تشتمل على شرحها الكتب المبسوطة . النوع الثامن في أنه تعالى ليس بمتلون لم يصرح أحد من العقلاء قاطبة بأن الله تعالى متلون و إنما ذهب قوم من أهل التشبيه و التجسيم إلى أنه نور فإذا أبصرته العيون و أدركته أبصرت شخصا نورانيا مضيئا لم يزيدوا على ذلك و لم يصرحوا بإثبات اللون بهذه العبارة و إن كان كل مضي‏ء ملونا . النوع التاسع في أنه تعالى لا يشتهي و لا ينفر ذهب شيوخنا المتكلمون إلى أنه سبحانه لا يصح عليه الشهوة و النفرة لأنهما إنما يصحان على ما يقبل الزيادة و النقصان بطريق الاغتذاء و النمو و البارئ سبحانه و تعالى يتعالى عن ذلك و ما عرفت لأحد من الناس خلافا في ذلك اللهم إلا أن يطلق هاتان اللفظتان على مسمى الإرادة و الكراهية على سبيل المجاز . النوع العاشر في أن البارئ تعالى غير متناهي الذات قالت المعتزلة لما كان البارئ تعالى ليس بجسم و جسماني و كانت النهاية من لواحق الأشياء ذوات المقادير يقال هذا الجسم متناه أي ذو طرف . قلنا إن ذات البارئ تعالى غير متناهية لا على معنى أن امتداد ذاته غير متناه فإنه سبحانه ليس بذي امتداد بل بمعنى أن الموضوع الذي يصدق عليه النهاية ليس بمتحقق في حقه سبحانه فقلنا إن ذاته غير متناهية كما يقول المهندس إن النقطة غير متناهية لا على معنى أن لها امتدادا غير متناه فإنها ليست بممتدة أصلا بل على معنى أن الأمر [ 236 ] الذي تصدق عليه النهاية و هو الامتداد لا يصدق عليها فإذن صدق عليها أنها غير متناهية و هذا قول الفلاسفة و أكثر المحققين . و قالت الكرامية البارئ تعالى ذات واحدة منفردة عن العالم قائمة بنفسها مباينة للموجودات متناهية في ذاتها و إن كنا لا نطلق عليها هذا اللفظ لما فيه من إيهام انقطاع وجودها و تصرم بقائها . و أطلق هشام بن الحكم و أصحابه عليه تعالى القول بأنه متناهي الذات غير متناهي القدرة . و قال الجاحظ إن لي قوما زعموا أنه تعالى ذاهب في الجهات الست التي لا نهاية لها . النوع الحادي عشر في أنه تعالى لا تصح رؤيته قالت المعتزلة رؤية البارئ تعالى مستحيلة في الدنيا و الآخرة و إنما يصح أن يرى المقابل ذو الجهة . و قالت الكرامية و الحنابلة و الأشعرية تصح رؤيته و يرى في الآخرة يراه المؤمنون ثم اختلفوا فقالت الكرامية و الحنابلة يرى في جهة فوق و حكي عن مضر و كهمس و أحمد الجبي أنهم أجازوا رؤيته في الدنيا و ملامسته و مصافحته و زعموا أن المخلصين يعانقونه متى شاءوا و يسمون الحبية . و حكى شيخنا أبو الحسين في التصفح عن أيوب السجستاني من المرجئة أن البارئ تعالى تصح رؤيته و لمسه . و ذهب قوم إلى أنهم لا يزالون يرون الله تعالى و أن الناس كلهم كافرهم و مؤمنهم يرونه و لكن لا يعرفونه . [ 237 ] و قال من ترفع عن هذه الطبقة منهم لا يجوز أن يرى بعين خلقت للفناء و إنما يرى في الآخرة بعين خلقت للبقاء . و قال كثير من هؤلاء إن محمدا ص رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج . و رووا عن كعب الأحبار أن الله تعالى قسم كلامه و رؤيته بين موسى و محمد ع . و رووا عن المبارك بن فضالة أن الحسن كان يحلف بالله قد رأى محمد ربه . و تعلق كثير منهم بقوله تعالى وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ و قالوا كلمه موسى ع مرتين و رآه محمد ص مرتين . و أنكر ابن الهيصم مع اعتقاده أقوال الكرامية ذلك و قال إن محمدا ص لم يره و لكنه سوف يراه في الآخرة . قال و إلى هذا القول ذهبت عائشة و أبو ذر و قتادة و قد روي مثله عن ابن عباس و ابن مسعود . و اختلف من قال إنه يرى في الآخرة هل يجوز أن يراه الكافر فقال أكثرهم إن الكفار لا يرونه لأن رؤيته كرامة و الكافر لا كرامة له و قالت السالمية و بعض الحشوية إن الكفار يرونه يوم القيامة و هو قول محمد بن إسحاق بن خزيمة ذكر ذلك عنه محمد بن الهيصم . فأما الأشعري و أصحابه فإنهم لم يقولوا كما قال هؤلاء إنه يرى كما يرى الواحد منا بل قالوا يرى و ليس فوقا و لا تحتا و لا يمينا و لا شمالا و لا أماما و لا وراء و لا يرى كله و لا بعضه و لا هو في مقابلة الرائي و لا منحرفا عنه و لا تصح الإشارة إليه إذا رئي [ 238 ] و هو مع ذلك يرى و يبصر و أجازوا أيضا عليه أن تسمع ذاته و أن تشم و تذاق و تحس لا على طريق الاتصال بل تتعلق هذه الإدراكات كلها بذاته تعلقا عاريا عن الاتصال و أنكرت الكرامية ذلك و لم يجيزوا عليه إلا إدراك البصر وحده و ناقضهم شيخنا أبو الحسين في التصفح و ألزمهم أحد أمرين إما نفي الجميع أو إثبات إدراكه من جميع الجهات كما يقوله الأشعرية . و ذهب ضرار بن عمرو إلى أن الله تعالى يرى يوم القيامة بحاسة سادسة لا بهذا البصر و قيل ذلك عن جماعة غيره . و قال قوم يجوز أن يحول الله تعالى قوة القلب إلى العين فيعلم الله تعالى بها فيكون ذلك الإدراك علما باعتبار أنه بقوة القلب و رؤية باعتبار أنه قد وقع بالمعنى الحال في العين . فهذه الأنواع الأحد عشر هي الأقوال و المذاهب التي يشتمل قوله ع بنفي التشبيه عليها و سيأتي من كلامه ع في نفي التشبيه ما هو أشد تصريحا من الألفاظ التي نحن في شرحها الفصل الخامس في بيان أن الجاحد له مكابر بلسانه و مثبت له بقلبه و هو معنى قوله ع فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود . لا شبهة في أن العلم بافتقار المتغير إلى المغير ضروري و العلم بأن المتغير ليس هو المغير [ 239 ] إما أن يكون ضروريا أو قريبا من الضروري فإذا قد شهدت أعلام الوجود على أن الجاحد لإثبات الصانع إنما هو جاحد بلسانه لا بقلبه لأن العقلاء لا يجحدون الأوليات بقلوبهم و إن كابروا بألسنتهم و لم يذهب أحد من العقلاء إلى نفي الصانع سبحانه . و أما القائلون بأن العالم وجد عن طبيعة و أن الطبيعة هي المدبرة له و القائلون بتصادم الأجزاء في الخلاء الذي لا نهاية له حتى حصل منها هذا العالم و القائلون بأن أصل العالم و أساس بنيته هو النور و الظلمة و القائلون بأن مبادئ العالم هي الأعداد المجردة و القائلون بالهيولى القديمة التي منها حدث العالم و القائلون بعشق النفس للهيولى حتى تكونت منها هذه الأجسام فكل هؤلاء أثبتوا الصانع و إنما اختلفوا في ماهيته و كيفية فعله . و قال قاضي القضاة إن أحدا من العقلاء لم يذهب إلى نفي الصانع للعالم بالكلية و لكن قوما من الوراقين اجتمعوا و وضعوا بينهم مقالة لم يذهب أحد إليها و هي أن العالم قديم لم يزل على هيئته هذه و لا إله للعالم و لا صانع أصلا و إنما هو هكذا ما زال و لا يزال من غير صانع و لا مؤثر . قال و أخذ ابن الراوندي هذه المقالة فنصرها في كتابه المعروف بكتاب التاج قال فأما الفلاسفة القدماء و المتأخرون فلم ينفوا الصانع و إنما نفوا كونه فاعلا بالاختيار و تلك مسألة أخرى قال و القول بنفي الصانع قريب من القول بالسفسطة بل هو هو بعينه لأن من شك في المحسوس أعذر ممن قال إن المتحركات تتحرك من غير محرك حركها . و قول قاضي القضاة هذا هو محض كلام أمير المؤمنين ع و عينه و ليس قول الجاحظ هو هذا لأن الجاحظ يذهب إلى أن جميع المعارف و العلوم الإلهية ضرورية و نحن ما ادعينا في هذا المقام إلا أن العلم بإثبات الصانع فقط هو الضروري فأين أحد القولين من الآخر