جستجو

و من خطبة له ع يحث الناس على التقوى

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و السادسة و الخمسون من المختار في باب الخطب الحمد للّه الّذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، و سببا للمزيد من فضله ، و دليلا على آلاءه و عظمته ، عباد اللّه إنّ الدّهر يجري بالباقين كجريه بالماضين ، لا يعود ما قد ولّى منه ، و لا يبقى سرمدا ما فيه ، آخر فعاله كأوّله ، متشابهه أموره ، متظاهرة أعلامه ، فكأنّكم [ 313 ] بالسّاعة تحدوكم حدو الزّاجر بشوله ، فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظّلمات ، و ارتبك في الهلكات ، و مدّت به شياطينه في طغيانه ، و زيّنت له سىّ‏ء أعماله ، فالجنّة غاية السّابقين ، و النّار غاية المفرطين ، اعلموا عباد اللّه أنّ التّقوى دار حصن عزيز ، و الفجور دار حصن ذليل ، لا يمنع أهله ، و لا يحرز من لجأ إليه ، ألا و بالتّقوى تقطع حمة الخطايا ، و باليقين تدرك الغاية القصوى ، عباد اللّه اللّه اللّه في أعزّ الأنفس عليكم ، و أحبّها إليكم ، فإنّ اللّه قد أوضح لكم سبيل الحقّ ، و أنار طرقه ، فشقوة لازمة ، أو سعادة دائمة ، فتزوّدوا في أيّام الفنآء لأيّام البقاء ، قد دللتم على الزّاد ، و أمرتم بالظّعن ، و حثثتم على المسير ، فإنّما أنتم كركب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالسّير ، ألا فما يصنع بالدّنيا من خلق للآخرة ، و ما يصنع بالمال من عمّا قليل يسلبه ، و يبقى عليه تبعته و حسابه ، عباد اللّه إنّه ليس لما وعد اللّه من الخير مترك و لا فيما نهى عنه من الشّرّ مرغب ، عباد اللّه احذروا يوما تفحص فيه الأعمال ، و يكثر فيه الزّلزال ، و تشيب فيه الأطفال ، إعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، و عيونا من جوارحكم ، و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، و عدد أنفاسكم ، لا [ 314 ] تستركم منهم ظلمة ليل داج ، و لا يكنّكم منهم باب ذور تاج ، و إنّ غدا من اليوم قريب ، يذهب اليوم بما فيه ، و يجي‏ء الغد لاحقا به ، فكأنّ كلّ امرء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته ، و مخطّ حفرته ، فياله من بيت وحدة ، و منزل وحشة ، و مفرد غربة ، و كأنّ الصّيحة قد أتتكم ، و السّاعة قد غشيتكم ، و برزتم لفصل القضاء ، قد زاحت عنكم الأباطيل ، و اضمحلّت عنكم العلل ، و استحقّت بكم الحقايق ، و صدرت بكم الامور مصادرها ، فاتّعظوا بالعبر ، و اعتبروا بالغير ، و انتفعوا بالنّذر . اللغة ( زجر ) البعير من باب نصر ساقه و ( شول ) جمع شائلة على غير قياس و هى من الابل ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجفّ لبنها و جمع الجمع أشوال ، و أمّا الشّائل بغير هاء فهى النّاقة تشول و ترفع ذنبها للقاح و الجمع شوّل مثل راكع و ركّع و ( الحمة ) بضمّ الحاء و فتح الميم ابرة العقرب و هى محلّ سمّها ، و ربّما يطلق على نفس السمّ ، و يروى حمّة بالتّشديد من حمة الحرّ و هو معظمة و ( رتج ) الباب أغلقه كارتجه و ( مخطّ حفرته ) في بعض النّسخ بالخاء المعجمة لأنّ القبر يخطّ أوّلا ثمّ يحفر ، و في بعضها بالحاء المهملة من حطّ القوم إذا نزلوا . الاعراب قوله : اللّه اللّه في أعزّ الأنفس ، منصوبان على التّحذير ، و حذف العامل وجوبا اي احذروا اللّه أو اتّقوا اللّه قال نجم الأئمة : و حكمة اختصاص وجوب الحذف [ 315 ] بالمحذر منه المكرّر كون تكريره دالاّ على مقارنة المحذر منه للمحذر بحيث يضيق الوقت إلاّ عن ذكر المحذر منه على أبلغ ما يمكن ، و ذلك بتكريره و لا يتّسع لذكر العامل مع هذا المكرّر ، و إذا لم يكرّر الاسم جاز إظهار العامل اتّفاقا و قوله : فشقوة لازمة أو سعادة دائمة ، مرفوعان على الخبريّة أى فعاقبتكم شقوة أو سعادة ، أو مبتدءان محذوفا الخبر ، و لا يضرّ نكارتهما لكونهما نكرة موصوفة و التّقدير فشقوة لازمة لمن نكب عنها أو سعادة دائمة لمن سلكها ، أى سلك هذه الطرق ، و يجوز أن يكونا فاعلين لفعل محذوف . و قوله : فما يصنع ، استفهام انكارى على سبيل التّقريع و التّوبيخ ، و عن في قوله . عمّا قليل ، بمعنى بعد ، و الضّمير في قوله : انّه ليس آه للشّأن ، و إضافة المخطّ إلى حفرته من باب الاضافة في سعيد كرز إذ المراد بهما القبر ، و قوله : فياله من بيت وحدة ، النّداء للتّفخيم و التّهويل ، و اللاّم للاستغاثة ، و الضّمير في له ، راجع إلى مخطّ حفرته ، و من بيت وحدة تميز . قال الرّضيّ : و قد يكون الاسم في نفسه تامّا لا لشي‏ء آخر أعنى لا يجوز اضافته فينصب عنه التميز و ذلك في شيئين : أحدهما الضّمير و هو الأكثر و ذلك فيما فيه معنى المبالغة و التّفخيم كمواضع التّعجب نحويا له رجلا و يا لها قصّة و يا لك ليلا و يا لها خطّة « إلى أن قال » فان كان الضّمير فيها 1 لا يعرف المقصود منه فالتّميز عن المفرد كقول امرء القيس : فيالك من ليل كأنّ نجومه بكلّ مغار القتل شدّت بيذبل و إن عرف المقصود من الضّمير برجوعه إلى سابق معيّن كقولك : جائني زيد فياله رجلا و ويله فارسا و يا ويحه رجلا و لقيت زيدا فللّه درّه رجلا ، أو بالخطاب لشخص معيّن نحو قلت لزيد يا لك من شجاع و للّه درّك من رجل و نحو ذلك ، فليس التميز عن المفرد ، لأنّه لا إبهام إذا في الضّمير بل عن النّسبة الحاصلة بالاضافة ، كما يكون كذلك إذا كان المضاف إليه فيها ظاهرا ، نحو يا لزيد رجلا ----------- ( 1 ) اى في تلك الأمثلة . [ 316 ] و للّه درّ زيد رجلا إلى آخر ما ذكره . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة قد خطب بها للنّصح و الموعظة و تنبيه المخاطبين من نوم الغفلة و الجهالة ، و افتتحها بما هو حقيق أن يفتتح به كلّ كلام ذى بال أعني حمد اللّه سبحانه و الثناء عليه تعالى بجملة من نعوت كماله فقال ( الحمد للّه الّذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ) قال الشّارح المعتزلي : لأنّ أوّل الكتاب العزيز الحمد للّه ربّ العالمين ، و القرآن هو الذكر قال سبحانه : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ . أقول : هذا إنّما يتمّ لو كان سورة الفاتحة أوّل ما نزل من القرآن أو يكون هذا الجمع و الترتيب و وقوع الفاتحة في البداء بجعل من اللّه سبحانه . أمّا الثّاني فباطل قطعا إذ نظم السّور و تأليفها و ترتيبها على ما هى عليه الآن إنّما كان في زمن عثمان و من فعله حسبما عرفته في تذييلات شرح الفصل السّابع عشر من الخطبة الاولى . و أمّا الأوّل فهو أيضا غير معلوم بعد ، بل المشهور بين المفسّرين أنّ أوّل سورة نزلت بمكّة هو سورة اقرء باسم ربك ، و قد رواه في مجمع البيان في تفسير سورة هل أتى عن ابن عباس و غيره ، نعم قد روى هناك عن سعيد بن المسيّب عن عليّ عليه السّلام أنّ اوّل ما نزل بمكّة فاتحة الكتاب ، ثمّ اقرء باسم ربّك . فالأولى أن يقال إنّ المراد أنه سبحانه جعل الحمد مفتاحا لذكره في عدّة سور ، و اطلاق الذكر على السورة لا غبار عليه كما أنّ القرآن يطلق على المجموع و على البعض من سورة و آية و نحوها ( و سببا للمزيد من فضله ) بمقتضى وعده الصادق في كتابه العزيز أعني قوله : لإن شكرتم لأزيدنّكم . ( و دليلا على آلائه و عظمته ) أمّا كونه دليلا على آلائه فيحتمل معنيين . [ 317 ] أحدهما أنه دليل للحامد على آلائه سبحانه أى على الفوز بها إذ الحمد و الشّكر سببان للوصول إلى النّعم موجبان لزيادتها حسبما عرفت آنفا ، و أنّها منه دون غيره ، فمن حمد له تعالى فقد اهتدى بحمده إلى نيل نعمه . و ثانيهما أنّ الحمد للّه تعالى دليل على أنّه صاحب الآلاء و النّعم إذ الحمد لا يليق إلاّ بوليّ النّعمة ، و لعلّ الثاني أظهر . و أمّا كونه دليلا على عظمته فلدلالته على عدم تناهي قدرته و عدم نفاد ملكه و خزائنه إذ كلّما ازداد الحمد ازدادت النّعمة لا يزيده كثرة العطاء إلاّ كرما وجودا فسبحان من لا تفنى خزائنه المسائل ، و لا تبدل حكمته الوسائل . و لمّا فرغ من حمد اللّه سبحانه شرع في التّذكير و الموعظة فقال ( عباد اللّه إنّ الدّهر يجري بالباقين كجريه بالماضين ) يعني أنّ جريانه بالأخلاف كجريانه بالأسلاف قال الشّاعر : فما الدّهر إلاّ كالزمان الّذي مضى و لا نحن إلاّ كالقرون الأوائل و هو من تشبيه المعقول بالمعقول ، إذ الجرى أمر عقلاني غير مدرك باحدى الحواس الخمس ، و من باب التّشبيه المفصل للتّصريح بوجه الشّبه و كونه مذكورا في الكلام و هو قوله ( لا يعود ما قد ولّي منه و لا يبقى سرمدا ما فيه ) يعني أنّ ما ولّي منه و أدبر فقد فات و مضى لا عود له أبدا ، و ما هو موجود فيه فهو في معرض الزّوال و الفناء ليس له ثبات و لا بقاء ، إذ وجود الزّماني إنّما هو بوجود زمانه ، فيكون منقضيا بانقضائه ، و في هذا المعنى قال الشّاعر : ما أحسن الأيّام إلاّ أنّها يا صاحبيّ إذا مضت لم ترجع ( آخر فعاله كأوّله ) و عن بعض النّسخ كأوّلها فالضّمير راجع إلى فعاله ، و على ما في المتن فالضّمير راجع إلى الدّهر فيحتاج إلى تقدير مضاف كأوّل فعاله ، و المراد واحد و انّ هو أجزاء الزّمان أوّلا و آخرا سابقا و لا حقا على وتيرة واحدة و نسق واحد أي ( متشابهة اموره ) فانّه كما كان أوّلا يعدّ قوما للفقر و آخرين للغنى و طائفة للصحّة و اخرى للمرض ، و فرقة للضّعة و اخرى للرّفعة ، و جمعا للوجود [ 318 ] و آخر للعدم ، و هكذا كذلك هو آخرا ، و بالجملة فانّ حديثه يخبر عن قديمه ، و جديده ينبي‏ء عن عتيقه قال الشّارح المعتزلي : و روى متسابقة اموره ، أى شي‏ء منها قبل كلّ شي‏ء كأنّها خيل تتسابق في مضمار ( متظاهرة أعلامه ) أى دلالاته على سجيّته و شيمته و أفعاله الّتي يعامل بها النّاس قديما و حديثا تظاهر بعضها بعضا و تعاضده هذا . و نسبة هذه الأمور إلى الدّهر و إن كان الفاعل في الحقيقة هو الرّب تعالى باعتبار كونه من الأسباب المعدّة لحصول ما يحصل في عالم الكون و الفساد من الخير و الشّر و السّعة و الضّيق حسبما عرفت في شرح الخطبة الثّانية و الثلاثين . و قوله ( فكأنّكم بالساعة تحدوكم حد و الزّاجر بشوله ) قد مرّ تحقيق الكلام في شرح نظير هذا الكلام له عليه السّلام في شرح الخطبة الحادية و العشرين و استظهرنا هناك أنّ المراد بالسّاعة ساعات اللّيل و النّهار ، لأنّها تسوق النّار إلى الدّار الآخرة و يسعى النّاس بها إليها ، و يجوز أن يراد بها هنا القيامة و إن لم نجوّزه فيما تقدّم لاباء لفظة ورائكم هناك عنه ، و لعلّ إرادة هذه هنا أظهر بملاحظة لفظة فكأنّكم فتأمّل . و تسميتها بالسّاعة باعتبار أنّ النّاس يسعى إليها ، فيكون المقصود به الاشارة إلى قرب القيامة و كونها حادية للمخاطبين باعتبار أنّها لا بدّ للنّاس من الحشر اليها و الاجتماع فيها للسّؤال و الجواب و الحساب و الكتاب و الثواب و العقاب لا مناص لهم عن وقوفها فكأنّها تسوقهم إليها ليجتمعوا فيها و ينظر إلى أعمالهم و إنّما شبّه حدوهم بحدو الزّاجر بشوله لأنّ سائق الشّول إنّما يسوقها بعنف و سرعة لخلوّها من الضّرع و اللّبن بخلاف سائق العشار فانّه يرفق بها و لا يزجرها كما هو ظاهر . و لمّا نبّه على قرب السّاعة و أنّها تحدو المخاطبين أردفه بالتّنبيه على وجوب الاشتغال بالنّفس أى بصرف الهمّة إلى محاسبتها و إصلاحها و تزكيتها و ترغيبها إلى ما اريد منها ( ف ) انّ ( من شغل نفسه بغير نفسه ) لا يتحصّل له نور [ 319 ] يهتدي به في ظلمات طريق الآخرة بل إنّما يحصل على أغطية من الهيئات البدنيّة و أغشية متحصّلة من الاشتغال بزخارف الدّنيا حاجبة له عن نور البصيرة فلأجل ذلك يكون قد ( تحيّر في الظّلمات ) و تاه فيها ( و ارتبك ) أى اختلط ( في الهلكات ) لا يكاد يتخلّص منها ( و مدّت به شياطينه في طغيانه و زينت له سىّ‏ء أعماله ) كما قال عزّ من قائل : إِنَّ الَّذينَ اتَّقُوا إِذا مَسَّهُمْ طآئِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ ثُمَّ لا يَقْصُرُونَ . يعني أنّ الّذين اتّقوا اللّه باجتناب معاصيه إذا طاف عليهم الشّيطان بوساوسه تذكّروا ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبوه و يتركونه فاذاهم مبصرون للرّشد ، و إخوان المشركين من شياطين الجنّ و الانس يمدّونهم في الضّلال و المعاصى و يزيدونهم فيه و يزينون ما هم فيه ثمّ لا يقصرون لا يكفّون الشّياطين عن استغوائهم و لا يرحمونهم و قيل : معناه و إخوان الشّياطين من الكفّار يمدّهم الشّياطين في الغىّ ثمّ لا يقصرون هؤلاء مع ذلك كما يقصر الّذين اتّقوا ، هكذا في مجمع البيان . ثمّ ذكر غاية وجود الانسان و قال : ( فالجنّة غاية السّابقين و النّار غاية المفرطين ) و كفى بالجنّة نعمة لمن طلب ، و كفى بالنّار نقمة لمن هرب ، و تخصيص الجنّة بالسّابقين و النّار بالمفرطين تنبيها على فضيلة السّبق و رذيلة التّفريط بتقوى الباعث على طلب أشرف الغايتين و الهرب من أخسّهما . و لمّا كان السّبق إلى الجنّة و النّجاة من النّار لا يحصل إلاّ بالتّقوى و بالكفّ عن الفجور أردفه بذكر ثمرات هذين الوصفين و شرح ما يترتّب عليهما من الفضايل و الرّذائل فقال : ( اعلموا عباد اللّه أنّ التّقوى دار حصن عزيز و الفجور دار حصن ذليل ) قال الشّارح المعتزلي : أى دار حصانة ، فأقيم الاسم مقام المصدر هذا و نسبة العزّة و الذّلّة إلى الدّار من التّوسّع باعتبار عزّة من تحصّن بالأوّل و ذلّة من تحصّن بالآخر [ 320 ] أمّا الأوّل فلأنّ التقوى تحرز من اتّقى في الدّنيا من الرّذايل المنقصة و القبايح الموقعة له في الهلكات و المخازى ، و في الآخرة من النار و غضب الجبّار كالحصن الحصين الذي يحرز متحصّنه من المضارّ و المكاره . و أما الثاني فلأنّ الفجور يوقع الفاجر في الدّنيا في المعاطب و المهالك و لا ينجيه في الآخرة من العذاب الأليم و السخط العظيم ، فهو بمنزلة دار غير وثيق البنيان منهدم الحيطان و الجدران ( لا يمنع أهله و لا يحرز من لجأ إليه ) و من تحصّن بدار كذلك ليكوننّ ذليلا مهانا لا محالة . ( ألا و بالتّقوى تقطع حمة الخطايا ) التشبيه المضمر في النفس للخطايا بالعقارب أو بذوات السموم من الحيوان استعارة بالكناية و ذكر الحمة تخييل و القطع ترشيح و المراد أنّ بالتقوى يتدارك و ينجبر سريان سمّ الخطايا و الآثام في النفوس الموجب لهلاكها الأبد كما يقطع سريان سموم العقارب و الأفاعي في الأبدان بالباد زهر و الترياق و يمنع من نفوذها في أعماق البدن بقطع العضو الملدوغ من موضع اللّدغ ، و على رواية حمة بالتشديد فالمقصود أنّ بها تدفع شدّتها و ترفع . و لمّا نبّه على كون التقوى حاسمة لمادّة الخطايا ، و كان بذلك إصلاح القوّة العمليّة نبّه على ما به يحصل إصلاح القوّة النّظرية أعني اليقين فقال : ( و باليقين تدرك الغاية القصوى ) و إدراكها به لأنّ الانسان إذا كملت قوّته النّظريّة باليقين و قوّته العمليّة بالتّقوى ، بلغ الغاية القصوى من الكمال الانساني البتّة . ثمّ عاد عليه السّلام إلى تحذير العباد تأكيدا للمراد فقال : ( عباد اللّه اللّه اللّه ) أى راقبوه سبحانه و اتّقوه تعالى ( في أعزّ الأنفس عليكم و أحبّها إليكم ) الظّاهر أنّ المراد بأعزّ الأنفس عليهم نفسهم ، إذ كلّ أحد يحبّ نفسه بالذّات و لغيره بالعرض و التّبع ، و لذلك قال سبحانه : يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُم وَ أَهْليكُمْ ناراً وَقُودُها النّاسُ [ 321 ] وَ الحَجارَةُ قدّم الأمر بوقاية النّفس على الأهل لكونها أولى بها من الغير هذا . و قال الشّارح البحراني : و في الكلام إشارة إلى أنّ للانسان نفوسا متعدّدة و هى باعتبار مطمئنة و أمّارة بالسّوء و لوّامة و باعتبار عاقلة و شهويّة و غضبيّة ، و الاشارة إلى الثّلاث الأخيرة و أعزّها النّفس العاقلة إذ هى الباقية بعد الموت و عليها العقاب و فيها العصبيّة . أقول : كون كلامه عليه السّلام إشارة إلى ما ذكره بعيد غايته ( فانّ اللّه قد أوضح لكم سبيل الحقّ و أنار طرقه ) و يروى فأبان طرقه ، فالعطف للتّفسير يعني أنّه سبحانه أتمّ الحجّة عليكم ، و أزال العذر عنه بما بعثه من الأنبياء و الرّسل و أنزله من الزّبر و الكتب ، و أبلج لكم نهج الحقّ على لسانهم ( ف ) لم يبق بعد ذلك إلاّ ( شقوة لازمة ) لمن نكب عنه ( أو سعادة دائمة ) لمن سلكه كما قال عزّ من قائل إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إِمّا شاكِراً وَ إِمّا كَفُوراً . ثمّ عاد على الحثّ على أخذ الزّاد ليوم المعاد و قال : ( فتزوّدوا في أيّام الفناء لأيّام البقاء قد دللتم على الزّاد ) أى دلّكم اللّه سبحانه عليه بقوله : وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى . ( و أمرتم بالظعنّ ) و الرحيل ( و حثثتم على المسير ) يحتمل أن يكون الظّعن و المسير كنايتين عن ترك الدّنيا و الرّغبة في الآخرة و السّير إليها بالقلوب و النّفوس ، فيكون المراد بالأمر و الحثّ ما ورد في الكتاب و السّنة من الآيات و الأخبار المنفّرة من الاولى و المرغبة في الاخرى ، و يجوز أن يراد بهما معناهما الحقيقي أعني السّير و الرّحلة إلى الآخرة بالأبدان فيكون الأمر و الحثّ كناية عمّا أو جد اللّه من الأسباب المعدّة لفساد المزاج المقربة إلى الموت ، و عن اللّيل و النّهار الحاديين [ 322 ] للانسان بتعاقبها إلى وطنه الأصلي على ما مرّ تحقيقا و تفصيلا في شرح الخطبة الثّالثة و السّتين . ( فانّما أنتم كركب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالسّير ) لمّا أمرهم بالتّزوّد في الدّنيا علّله بذلك تنبيها على وجوب المبادرة إلى أخذ الزّاد لأنّ المسافر إذا كان زمام أمره بيد غيره و لا يعلم متى يسار به لزم عليه أن يبادر إلى زاده كيلا يفجاه السّفر و يسير بغير زاد فيعطب . قال الشّارح البحراني : قوله : فانّما أنتم كركب إلى آخره فوجه التّشبيه ظاهر ، فالانسان هو النّفس ، و المطايا هى الأبدان و القوى النّفسانيّة و الطريق هى العالم الحسيّ و العقلي ، و السّير الّذي ذكر ما قبل الموت هو تصرّف النّفس في العالمين لتحصيل الكمالات المعدّة و هى الزّاد لغاية السّعادة الباقية ، و أمّا السّير الثّاني الّذي هم وقوف ينتظرون و لا يدرون متى يؤمرون به فهو الرّحيل إلى الآخرة من دار الدّنيا و طرح البدن و قطع عقبات الموت و القبر إذ الانسان لا يعرف وقت ذلك . ( ألا فما يصنع بالدّنيا من خلق للآخرة ) الاستفهام في معرض التّنفير عن الدّنيا و التّوبيخ لطالبيها إذ الانسان لمّا كان مخلوقا للآخرة فمقتضى العقل أن يصرف همّته إليها لا إلى الدّنيا الزّائلة عنه عن قليل ( و ما يصنع بالمال عمّا قليل يسلبه ) و هو في معرض التّنفير عن المال بالتّنبيه على أنّه مسلوب عنه بعد زمان قليل فيزول سريعا لذّته ( و يبقى عليه تبعته ) أى اثمه ( و حسابه ) و ما كان هذا وصفه فحرىّ بأن يرفض و يترك لا أن يقتنى و يجمع . ثمّ رغّب في الخير بقوله ( عباد اللّه أنّه ليس لما وعد اللّه من الخير مترك ) أى ليس للخيرات و المثوبات الّتي وعدها اللّه سبحانه في كتابه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محلّ لأن تترك رغبة عنها إلى غيرها إذ كلّ خير دونها زهيد ، و كلّ نفع عندها قليل كما قال عزّ من قائل : [ 323 ] أَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زينَةُ الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَ خَيرٌ أَمَلاً و في سورة آل عمران : زُيَّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنينَ وَ الْقَناطيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ ءَأُنَبَّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذينَ اتَّقُوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها وَ أَزواجٌ مُطَهَّرةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ وَ اللّهِ بَصيرٌ بِالْعِبادِ . هذا و مقصوده عليه السّلام بذلك الكلام التّرغيب في الطّاعات المحصّلة للخيرات الاخرويّة و التّحضيض عليها و على القيام بوظائفها . ثمّ نفرّ عن الشّر بقوله ( و لا فيما نهى عنه من الشّر مرغب ) أى ليس في المحرّمات و المعاصى التّي نهى اللّه سبحانه عنها محلّ لأن يرغب فيها مع وجود نهيه و كونها مبغوضة عنده محصّلة للآثام و العقوبات الدّائمة ( عباد اللّه احذروا يوما تفحص فيه الأعمال ) أى تكشف و تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّلو أنّ بينها و بينه أمدا بعيدا ( و يكثر فيه الزّلزال ) و نظير التّحذير عنه بكثرة الزّلزال التّحذير في قوله تعالى : يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةً عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاس سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى وَ لكِنَّ عَذابَ اللّهِ شَديدٌ . [ 324 ] قال في مجمع البيان معناه يا أيّها العقلاء المكلّفون اتّقوا عذاب ربّكم و اخشوا معصية ربّكم إنّ زلزلة الأرض يوم القيامة أمر عظيم هايل لا يطاق ، يوم ترون الزّلزلة أو السّاعة تشغل كلّ مرضعة عن ولدها و تنساه ، و تضع الحبالي ما في بطونها و هو تهويل لأمر القيامة و تعظيم لما يكون فيه من الشّدايد أى لو كان ثمّ مرضعة لذهلت أو حامل لوضعت و إن لم يكن هناك حامل و لا مرضعة ، و ترى النّاس سكارى من شدّة الخوف و الفزع ، و ما هم بسكارى من الشّراب و قيل : معناه كأنّهم سكارى من ذهول عقولهم لشدّة ما يمرّ بهم لأنّهم يضطربون اضطراب السّكران هذا ( و ) لشدّة ذلك اليوم أيضا ( يشيب فيه الأطفال ) كما قال تعالى : يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شَيْباً . قال الطّبرسيّ : و هذا وصف لذلك اليوم و شدّته كما يقال هذا أمر يشيب منه الوليد و تشيب منه النّواصي إذا كان عظيما شديدا . و قال الشّارح المعتزلي : قوله عليه السّلام و يشيب فيه الأطفال كلام جار مجرى المثل و ليس ذلك على حقيقته لأنّ الامّة مجتمعة على أنّ الأطفال لا يتغيّر حالهم في الآخرة إلى الشّيب ، و الأصل في هذا أنّ الهموم و الأحزان إذا توالت على الانسان شاب سريعا قال أبو الطّبيب : و الهمّ يخترم الجسيم مخافة و يشيب ناصية الصّبيّ و يهرم ثمّ عقّب بالتّحذير من المعاصي بقوله ( اعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من أنفسكم ) أى حرسا و حفظة ملازمين لكم غير منفكّين عنكم ، و أراد به الجوارح و الأعضاء ، و لذا فسّره بقوله ( و عيونا من جوارحكم ) مراقبين لكم شهداء عليكم يوم القيامة كما قال تعالى في سورة السّجدة : وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدآءِ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتّى إِذا جآوُها [ 325 ] شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذي أَنْطَقَ كُلَّشَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . روى في الصّافي عن القمّي نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا شيئا منها ، فيشهد عليهم الملائكة الّذين كتبوا عليهم أعمالهم قال الصّادق عليه السّلام فيقولون للّه : يا ربّ هولاء ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون باللّه ما فعلوا من ذلك شيئا و هو قول اللّه عزّ و جلّ « يوم يبعثهم اللّه جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم » و هم الّذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السّلام فعند ذلك يختم اللّه عزّ و جلّ على ألسنتهم و ينطق جوارحهم فيشهد السّمع بما سمع ممّا حرّم اللّه ، و يشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم اللّه عزّ و جلّ ، و يشهد اليدان بما أخذتا ، و تشهد الرّجلان بما سعتا فيما حرّم اللّه ، و يشهد الفرج بما ارتكب ممّا حرّم اللّه ، ثمّ أنطق اللّه عزّ و جلّ ألسنتهم ، فيقولون هم لجلودهم : لم شهدتم علينا الآية قال : و الجلود الفروج . و في الصّافي عن القمّي أيضا في تفسير قوله تعالى في سورة يس : أَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَ تَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ . قال : إذا جمع اللّه عزّ و جلّ الخلق يوم القيامة دفع إلى كلّ إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنّهم عملوا من ذلك شيئا ، فتشهد عليهم الملائكة ، فيقولون ، يا ربّ ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئا و هو قول اللّه عزّ و جلّ : يوم يبعثهم اللّه جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم فاذا فعلوا ذلك ختم اللّه على ألسنتهم و تنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون ، هذا [ 326 ] و بما ذكرنا ظهر لك ضعف ما ذكره الشّارح البحراني بل فساده من أنّ شهادة الجلود و غيرها بلسان الحال و النّطق به ، فانّ كلّ عضو لما كان مباشرا لفعل من الأفعال كان حضور ذلك العضو و ما صدر عنه في علم اللّه تعالى بمنزلة الشّهادة القوليّة بين يديه ، فانّ ذلك مخالف لظاهر الآية و نصّ الرّواية لدلالتهما على كون الشّهادة بلسان القال لا بلسان الحال كما زعمه الشّارح و توهّم . و قوله ( و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم و عدد أنفاسكم ) أراد بهم الكرام الكاتبين قال تعالى : إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعيد ما يَلْفَظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيدٌ . قال في مجمع البيان : ذكر سبحانه أنّه مع علمه به وكّل به ملكين يحفظان عليه عمله الزاما للحجّة ، فقال : إذ يتلقّى المتلقّيان ، و هما الملكان يأخذان منه عمله فيكتبانه كما يكتب المملى عليه ، عن اليمين و عن الشّمال قعيد ، المراد بالقعيد هو الملازم الّذي لا يبرح لا القاعد الّذي هو ضدّ القائم ، و قيل : عن اليمين كاتب الحسنات و عن الشّمال كاتب السّيئات عن الحسن و مجاهد ، و قيل : الحفظة أربعة : ملكان باللّيل ، و ملكان بالنّهار عن الحسن ، ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد أى ما يتكلّم بكلام فيلفظه أى يرميه من فيه إلاّ لديه حافظ حاضر معه يعني الملك الموكّل به إمّا صاحب اليمين و إمّا صاحب الشّمال ، يحفظ عمله لا يغيب عنه ، و عن أبي أمامة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : إنّ صاحب الشّمال ليرفع القلم ستّ ساعات عن العبد المسلم المخطى أو المسى‏ء ، فان ندم و استغفر اللّه منها ألقاها و إلاّ كتب واحدة ، و في رواية اخرى قال : صاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال ، فاذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها و إذا عمل سيئة فأراد صاحب الشّمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين : امسك ، فيمسك عنه سبع ساعات ، فان استغفر اللّه منها لم يكتب عليه شي‏ء ، و إن لم يستغفر اللّه كتب له سيّئة واحدة ، هذا [ 327 ] و قد علم بذلك أنّه سبحانه مع علمه بحال العبد و كونه أقرب إليه من حبل الوريد وكّل عليه لحكمة اقتضته من تشديد في تثبط العبد من المعصية و تأكيد في اعتبار الأعمال و ضبطها للجزاء و إلزام الحجّة يوم يقوم الأشهاد حفظة صدق يحفظون عمله و يضبطونه و هم ملازمون له غير غائبين عنه أبدا . كما أشار إليه بقوله ( لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ) أى شديدة الظلمة ( و لا يكنّكم ) أى لا يستركم ( منهم باب ذور تاج ) أى باب عظيم مغلق . ثمّ حذّر بقرب الموت فقال : ( و انّ غدا من اليوم قريب ) كنّى بالغد عن وقت الموت ( يذهب اليوم بما فيه ) من الخير و الشّر و الطّاعة و المعصية ( و يجي‏ء الغد لاحقا به ) ثمّ حذّر ببلوغ القبر و كنّى عنه بقوله ( فكان كلّ امرء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته و مخطّ حفرته ) و أشار إلى هول ذلك المنزل و وصفه بالأوصاف الموحشة المنفّرة فقال ( فيا له من بيت وحدة و منزل وحشة و مفرد غربة ) ثمّ حذّر بالصّيحة و نفخ الصّور و قيام السّاعة فقال : ( و كان الصّيحة قد أتتكم و السّاعة قد غشيتكم ) و الظّاهر أنّ المراد بالصّيحة الصّيحة و النّفخة الثانية و قد اشير اليهما أعنى الصّيحتين في سورة يس قال تعالى : ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَ نُفِخَ فِى الصُّور فَإذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَميعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ . قال في مجمع البيان : أى ما ينتظرون إلاّ صيحة واحدة يريد النّفخة الاولى عن ابن عبّاس ، يعني أنّ القيامة تأتيهم بغتة تأخذهم الصّيحة و هم يخصّمون أى [ 328 ] يختصمون في امورهم و يتبايعون في الأسواق ، ثمّ أخبر عن النفخة الثّانية و ما يلقونه فيها إذا بعثوا بعد الموت فقال : و نفخ في الصّور فاذاهم من الأجداث ، و هى القبور ، إلى ربّهم أى إلى الموضع الّذي يحكم اللّه فيه لا حكم لغيره هناك ، ينسلون ، أى يخرجون سراعا ثمّ أخبر عن سرعة بعثهم فقال : إن كانت إلاّ صيحة واحدة ، أى لم تكن المدّة إلاّ مدّة صيحة واحدة ، فاذا هم جميع لدينا محضرون ، أي فاذا الأوّلون و الآخرون مجموعون في عرصات القيامة محضرون في موقف الحساب و في سورة الزّمر : وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمواتِ وَ مَنْ في الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخْرى فَإذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ . قال في مجمع البيان : فصعق من في السّموات آه أى يموت من شدّة تلك الصّيحة الّتي تخرج من الصّور جميع من في السّماوات و الأرض ، و قوله : ثمّ نفخ فيه أخرى ، يعني نفخة البعث و هي النّفخة الثّانية . ( و برزتم لفصل القضاء ) أى لحكم العدل الفاصل بين الحقّ و الباطل ليتميّز المصيب من المخطى ، و المسلم من الكافر ، و المؤمن من المنافق ليجزى كلّ ما عمل كما قال عزّ من قائل : وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جيى‏ءَ بِالنَّبِيّينَ وَ الشُّهَداء وَ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ . ( قد زاحت عنكم الأباطيل ) أى بعدت و تنحت عنكم الهيئآت الباطلة الممكنة الزّوال ( و اضمحلّت عنكم العلل ) أى ذهبت و انحلّت عنكم العلل و الأمراض النّفسانيّة ( و استحقّت بكم الحقايق ) قال الشّارح المعتزلي : أى حقّت و وقعت [ 329 ] فاستفعل بمعنى فعل ( و صدرت بكم الأمور مصادرها ) أراد به رجوع كلّ امرء إلى ثمرة ما قدّم ، قاله البحراني ( فاتّعظوا بالعبر ) أى بكلّ ما يفيد اعتبارا و تنبّها على أحوال الآخرة و بما فيه تذكرة للموت و ما بعده من الشّدايد و الأهوال ، ألا ترى إلى الآباء و الاخوان و الأبناء و الولدان و الأقرباء و الجيران كيف طحنتهم المنون ، و توالت عليهم السّنون ، و فقدتهم العيون ، اندرست عن وجه الأرض آثارهم و انقطعت عن الأفواه أخبارهم . إذا كان هذا حال من كان قبلنا فانّا على آثارهم نتلاحق ( و اعتبروا بالغير ) أى بتغيّرات الدّهر و انقلاباته على أهله ، لا يدوم سروره ، و لا تتمّ اموره ، لا يقيم على حال ، و لا يمتنع بوصال ، و عوده كاذبة . و آماله خائبة . تحدّثك الأطماع أنّك للبقاء خلقت و أنّ الدّهر خلّ موافق كأنّك لم تبصر اناسا ترادفت عليهم بأسباب المنون اللّواحق ( و انتفعوا بالنّذر ) أى بكلّ ما أفاد تخويفا بالآخرة و ما فيها من المفزعات و الدّواهى فيا من عدم رشده ، و ضلّ قصده إنّ أوقاتك محدودة ، و أنفاسك معدودة ، و أفعالك مشهورة ، و أنت مقيم على الاصرار ، غافل عن يوم تشخص فيه الأبصار . إذا نصب الميزان للفصل و القضا و ابلس محجاج و اخرس ناطق و اجّجت النّيران و اشتدّ غيظها إذا فتحت أبوابها و المغالق فانّك مأخوذ بما قد جنيته و إنّك مطلوب بما أنت سارق فقارب و سدّد و اتّق اللّه وحده و لا تستقلّ الزّاد فالموت طارق الترجمة از جمله خطب بليغه آن امام مبين و وليّ ربّ العالمين است در نصيحت و موعظه و تنفير از دنيا و ترغيب بعقبى ميفرمايد : حمد و ثنا مر خدايراست كه گردانيد حمد را كليد از براى ذكر خود ، و سبب زيادتى فضل و انعام خود ، و دليل بر نعمتهاى خود و عظمت بى نهايت خود ، [ 330 ] اى بندگان خدا بدرستى روزگار جارى مى‏شود بباقي ماندگان مثل جارى شدن او بر گذشتگان در حالتى كه باز نمى‏گردد آنچه كه پشت گردانيده از آن ، و باقى نمى‏ماند هميشه آنچه كه در او است ، آخر كارهاى او مثل أوّل كارهاى اوست شبيه است بهمديگر كارهاى او ، هم پشت يكديگرند علامتهاى او ، پس گويا كه شما مى‏بينيد قيامت را ميراند شما را بسوى خود مثل راندن كسى كه بعنف و زجر شتر ماده بي شير و بچه خود را براند ، پس كسى كه مشغول نمايد نفس خود را بغير اصلاح نفس خود متحيّر مى‏ماند در ظلمتهاى جهالت ، و آميخته شود در تباهي هلاكات ، و بكشند او را شيطانها در طغيان او ، و زينت ميدهند از براى او عملهاى بد او را پس بهشت پايان كار سبقت كنندگانست ، و جهنم نهايت كار تفريط نمايندگان بدانيد اى بندگان خدا كه تقوى حصن حصينى است با عزّت ، و فسق و فجور خانه حصنى است با ذلّت كه منع نمى‏كند أهل خود را از بلا و مكاره ، و حفظ نمى‏كند كسى را كه پناه برد بسوى او ، آگاه باشيد كه با تقوى بريده ميشود نيش پر زهر گناها ، و با يقين درك مى‏شود غاية قصوى . اى بندگان بپرهيزيد از خدا در عزيزترين نفسها بر شما و دوست‏ترين آنها بسوى شما ، پس بدرستى كه حقتعالى واضح گردانيده از براى شما راه حق را ، و ظاهر نموده راههاى آن را ، پس نهايت كار يا شقاوتيست لازم ، يا سعادتيست دائم پس توشه برداريد در روزهاى فنا از براى روزهاى بقا ، پس بتحقيق كه راه نموده شديد بر توشه آخرت و مامور شديد برحلت و حثّ و ترغيب شديد بسير كردن بسوى وطن اصلى ، پس بدرستى كه شما مانند سوارانيد منتظر ايستاده كه نمى‏دانيد چه وقت مأمور خواهيد شد بحركت . آگاه باشيد چه مى‏كند دنيا را كسى كه خلق شده است از براى آخرت ، و چه كار دارد با مال كسى كه بعد از زمان قليل سلب مى‏شود از آن و باقى مى‏ماند بر او و بال و حساب آن ، اى بندگان خدا بدرستى كه نيست مر چيزيرا كه وعده فرموده است خدا از نيكوئى جاى تركى ، و نيست در آنچه نهى فرموده از آن از [ 331 ] بدى جاى رغبتى ، اى بندگان خدا حذر نمائيد از روزى كه جستجو مى‏شود در آن عملها ، و بسيار مى‏شود در آن زلزله ، و پير مى‏شوند در آن بچه‏گان . بدانيد اى بندگان خدا كه بر شما است نگهبانان از نفسهاى خودتان ، و جاسوسان از أعضاء و جوارح شما ، و نگهدارندگان راست و درست يعنى كرام الكاتبين كه نگه مى‏دارند عملهاى شما را و شماره نفسهاى شما را در حالتى كه نمى‏پوشاند شما را از ايشان تاريكى شب تار ، و پنهان نمى‏سازد شما را از آنها در محكم بسته شده ، و بدرستى كه فردا نزديكست از امروز مى‏رود امروز با آنچه كه در اوست از خير و شر ، و مى‏آيد فردا در حالتى كه لاحق است بآن . پس گويا هر مردى از شما بتحقيق رسيده است از زمين بمنزل تنهائى خود ، و بمحلّ خطّ گودال خود كه عبارتست از قبر او ، پس أى بسا تعجّب أيقوم مرا بمنزل و مكان از خانه تنهائى و منزل بيمناك و محلّ تفرّد غريبى ، و گويا صداى نفخه صور اسرافيل آمده است بشما ، و قيامت احاطه نموده بر شما ، و بيرون آمده‏ايد از قبر بجهة حكم عدل پروردگار كه تميز دهنده است ميان حق و باطل در حالتى كه بعيد شده است از شما باطلها ، و زايل شده از شما علّتها ، و مستحق شده است بشما حقيقتها و بازگشته بشما امورات بمواضع بازگشتن خودشان . پس پند گيريد با عبرتها ، و عبرت نمائيد با تغيّرات روزگار ، و منتفع باشيد با چيزهائى كه مى‏ترساند شما را از عذاب نار ، و از سخط خداوند قهار .