متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 269 ]
و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و السابعة و التسعون من المختار فى باب الخطب
و شرحها في فصول ثلاثة :
الفصل الاول
يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، و معاصي العباد في الخلوات ،
و اختلاف النّينان في البحار الغامرات ، و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات ،
و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله نجيب اللّه و سفير وحيه ،
و رسول رحمته .
أمّا بعد فإنّي أوصيكم بتقوى اللّه الّذي ابتدء خلقكم ، و إليه يكون معادكم ، و به نجاح طلبتكم ، و إليه منتهى رغبتكم ، و نحوه قصد سبيلكم ، و إليه مرامي مفزعكم ، فإنّ تقوى اللّه دوآء دآء قلوبكم ،
و بصر عمى أفئدتكم ، و شفاء مرض أجسادكم ، و صلاح فساد صدوركم و طهور دنس أنفسكم ، و جلاء غشاء أبصاركم ، و أمن فزع جاشكم ،
و ضياء سواد ظلمتكم .
[ 270 ]
فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثاركم ، و دخيلا دون شعاركم ،
و لطيفا بين أضلاعكم ، و أميرا فوق أموركم ، و منهلا لحين ورودكم ،
و شفيعا لدرك طلبتكم ، و جنّة ليوم فزعكم ، و مصابيح لبطون قبوركم ، و سكنا لطول وحشتكم ، و نفسا لكرب مواطنكم .
فإنّ طاعة اللّه حرز من متالف مكتنفة ، و مخاوف متوقّعة ، و أوار نيران موقدة ، فمن أخذ بالتّقوى غربت « عزبت خ » عنه الشّدايد بعد دنوّها ، و احلولت له الامور بعد مرارتها ، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها ، و أسهلت له الصّعاب بعد انصابها ، و هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها ، و تحدّبت عليه الرّحمة بعد نفورها ، و تفجّرت عليه النّعم بعد نضوبها ، و وبلت عليه البركة بعد إرذاذها .
فاتّقوا اللّه الّذي نفعكم بموعظته ، و وعظكم برسالته ، و امتنّ عليكم بنعمته ، فعبّدوا أنفسكم لعبادته ، و اخرجوا إليه من حقّ طاعته .
اللغة
( عجّ ) عجّا من باب ضرب و عجيجا أيضا رفع صوته بالتّلبية ، و منه الحديث أفضل الأعمال إلى اللّه العجّ و الثجّ ، فالعجّ رفع الصّوت في التّلبية ، و الثجّ إسالة الدّماء من الذّبح و النحر في الأضاحي .
و ( النّينان ) جمع نون و هو الحوت قال تعالى و ذا النّون اذ ذهب مغاضبا
[ 271 ]
و نهر ( غامر ) أى كثير الماء يغمر من يدخله أى يغطّيه و يستره ، و غمره البحر من باب نصر أى إذا علاه و غطاه و ( الطلبة ) بكسر الاّم ما طلبته .
و ( غشاء ) أبصاركم في بعض النسخ بالغين المعجمة و المدّ وزان كساء و هو الغطاء قال تعالى فأغشيناهم فهم لا يبصرون أى جعلنا على أبصارهم غشاوة و غطاء و في بعضها بالعين المهملة و القصر سوء البصر بالليل و النّهار مصدر عشى يقال عشى عشى من باب تعب ضعف بصره فهو أعشى و المرأة عشواء ، و ( الجاش ) القلب .
و ( الشّعار ) الثّوب الملاصق للبدن و هو الذي يلي شعر الجسد و ( الدّثار ) ما فوق الشّعار من الثياب و ( دخلة ) الرّجل و دخله و دخيلته و دخيله نيّته و مذهبه و خلده و ( المنهل ) المشرب و الشرب و الموضع الذى فيه المشرب و ( الطلبة ) بكسر اللاّم كالطلب محرّكة اسم من طالبه بحقه مطالبة ، و قال الشارح المعتزلي : الطلبة ما طلبته من شيء فيكون اسم عين .
و ( النفس ) محرّكة اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من نفس تنفيسا و نفسا أى فرّج تفريجا و ( الاوار ) بضمّ الهمزة وزان غراب حرّ النّار و الشّمس و العطش و اللهب و ( هطل ) السّماء تهطل من باب ضرب امطرت هطلا و هو بالفتح تتابع المطر المتفرّق العظيم القطر و المطر الضعيف الدائم و ( نضب ) الماء نضوبا غار و ( وبلت ) السماء تبل امطرت وابلا و هو المطر الشديد الضخم القطر و ( ارذّت ) السماء بتشديد الذال المعجمة أمطرت رذاذا ، و هو بالفتح كسحاب المطر الضّعيف أو الساكن الدائم الصغار القطر كالغبار .
الاعراب
الباء في قوله : بالرّياح سببيّة و نحوه منصوب بنزع الخافض ، و الفاء في قوله فانّ تقوى اللّه للتعليل ، و في قوله : فاجعلوا فصيحة .
[ 272 ]
المعنى
اعلم أنّ الغرض الأصلى من هذا الفصل من الخطبة الشريفة هو النصح و الموعظة و الوصية بالتقوى و الطاعة و الترغيب عليهما بالتنبيه على عظم ما يترتب عليهما من الثمرات و المنافع المرّغبة ، و صدّر الفصل باقتضاء صناعه البلاغة و رعاية براعة الاستهلال بذكر إحاطة علمه بجزئيات الموجودات تنبيها به على أنه عزّ و جلّ لا يخفى عليه طاعة المطيعين و معصية المذنبين فقال عليه السّلام :
( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ) أى صياحها فيها بالتسبيح و رفع أصواتها إلى عزّ جنابه تبارك و تعالى بالتّقديس و تضرّعها إليه سبحانه في إنجاح طلباتها و تنفيس كرباتها و سؤالها منه لدفع شدايدها .
و فيه حثّ للمخاطبين على الطلب و السّؤال و التّضرّع و الابتهال و الانابة إليه عزّ و علا على كلّ حال ، لأنهم أولى بذلك من الحيوانات العجم .
و يشهد بذلك الحديث الذي قدّمناه : أفضل الأعمال إلى اللّه العجّ و الثجّ .
و فى حديث آخر مروىّ فى الوسايل من الكافي عن حريز رفعه قال : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا أحرم أتاه جبرئيل فقال له : مر أصحابك بالعجّ و الثجّ ، و العجّ رفع الصّوت بالتلبية ، و الثجّ نحر البدن .
و فى الكافي في كتاب الدّعاء باسناده عن حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : أىّ العبادة أفضل ؟ قال : ما من شيء أفضل عند اللّه عزّ و جلّ من أن يسأل و يطلب ممّا عنده ، و ما أحد أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ ممّن يستكبر عن عبادته و لا يسأل ما عنده .
و فيه عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول : ادع و لا تقل قد فرغ من الأمر ، فانّ الدّعاء هو العبادة إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إنّ الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنّم داخرين و قال :
ادعوني أستجب لكم .
[ 273 ]
و فيه بسنده عن ميسر بن عبد العزيز عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قال لي : يا ميسر ادع و لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه ، إنّ عند اللّه عزّ و جلّ منزلة لا تنال إلاّ بمسألة ،
و لو أنّ عبدا سدّفاه و لم يسأل لم يعط شيئا فاسأل تعط ، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه .
( و ) يعلم ( معاصى العباد في الخلوات ) بمقتضى عموم علمه بالسرّ و الخفيّات و ما تحت الثرى و فوق الأرضين و السّماوات ، و فيه تحذير للسامعين عن ارتكاب الخطيئات و حثّ لهم عن الازعاج من السيئآت و تخصيصها بها لكون الخلوة مظنّة الوقوع في المعصية بعدم وجود الرّادع و الحاجز .
( و اختلاف النينان في البحار الغامرات ) أى تردّدها فيها و سبحها في البحر صعودا و هبوطا طولا و عرضا ( و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات ) أى اضطراب ماء البحار و تراكم أمواجها بالرّياح الشّديدة الهبوب ، ثمّ عقّب بالشهادة بالرّسالة فقال :
( و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نجيب اللّه ) أى الكريم الحسيب أفضل الناس حسبا و نسبا شرّفه اللّه تعالى بهذا الوصف الشامخ و اختاره به من خلقه .
( و سفير وحيه و رسول رحمته ) كما قال عزّ من قائل و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين أى نعمة عليهم لأنّ ما بعث به سبب لصلاح معاشهم و معادهم موجب للسّعادة الدائمة و كونه رحمة للكفّار أمنهم به من الخسف و المسخ و عذاب الاستيصال قال في مجمع البيان : قال ابن عباس : رحمة للبرّ و الفاجر و المؤمن و الكافر فهو رحمة للمؤمن في الدنيا و الآخرة و رحمة للكافر بأن عوفى ممّا أصاب الامم من الخسف و المسخ .
قال : و روي أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لجبرئيل عليه السّلام لما نزلت هذه الآية : هل أصابك من هذه الرّحمة شيء ؟ قال : نعم إنّى كنت أخشى عاقبة الأمر فامنت بك لما أثنى اللّه علىّ بقوله « ذى قوّة عند ذى العرش مكين » و قيل : إنّ الوجه في أنّه نعمة على الكافر أنّه عرّضه للايمان و الثّواب الدائم و هداه و إن لم يهتد كمن قدّم
[ 274 ]
الطعام إلى جائع فلم يأكل فانّه منعم عليه و إن لم يقبل .
( أمّا بعد فانّى اوصيكم ) عباد اللّه ( ب ) ما لا أزال اوصيكم به أعنى ( تقوى اللّه الذى ابتدء خلقكم ) و فى الاتيان بهذه الجملة و ما يتلوها من الجملات الوصفية تعظيم لشأنه عزّ و جلّ و تأكيد للغرض المسوق له الكلام ، لأنّ العلم باتّصافه بهذه الصفات يوجب مزيد الملازمة بالتقوى و المواظبة على أوامره و نواهيه عزّ و تعالى .
و المراد بهذه الجملة انّ اللّه الذى حباكم خلعة الخلقة و أخرجكم من العدم و أفاض عليكم نعمة الوجود الّتي هى أصل جميع النّعم صغيرها و كبيرها و جليلها و حقيرها أحرى بأن يخشى منه و يتّقى و لا يقابل نعمه العظام بالكفران و آلائه الجسام بالتّمرّد و الطغيان .
( و إليه يكون معادكم ) أى عودكم و رجوعكم يوم حشركم و نشركم ، فانّ الكلّ إليه راجعون فيجازيهم بما كانوا يعملون ، و أمّا الذين اتّقوا ، فاولئك هم الفائزون و أما الذين ظلموا فلا ينفع معذرتهم و لا هم يستعتبون كما قال عزّ من قائل : إن المتّقين في ظلال و عيون . و فواكه ممّا يشتهون . كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون .
إنّا كذلك نجزى المحسنين .
( و به نجاح طلبتكم و إليه منتهى رغبتكم ) أى الظفر بمطالبكم و قضاء مقاصدكم و نيل حوائجكم ، فانّه تعالى قاضى حوائج السائلين و منجح طلبات الرّاغبين ، و من كان هذا شأنه يجب أن يطاع و يعبد لا أن يعصى لحكمه و يتمرّد .
( و نحوه قصد سبيلكم ) لأنّه منتهى سير السالكين و غاية مراد المريدين ،
فلا بدّ من سلوك صراطه المستقيم المؤدّى إلى قربه و زلفاه ، و هو صراط الملازمين لطاعته و تقواه و أمّا غيرهم فانّهم عن الصراط لناكبون ، و عن لقائه محرومون .
( و إليه مرامى مفزعكم ) يعنى إذا دهمكم الخوف و الفزع ترميكم الأفزاع نحوه ،
لأنه يجيب المضطرّ إذا دعاه و يكشف السوء عنه إذا ناداه .
و فى الحديث ليس وراء اللّه مرمى ، قال الطريحي : أى مقصد ترمى إليه الآمال و يوجه نحوه الرّجاء ، تشبيها بالهدف الّتي ترمى إليها السّهام ، و إذا كان شأنه العزيز انّه إذا فاجاكم الفزع فاليه تضرّعون ، و إذا مسّكم الضرّ فاليه تجأرون ، فلا بدّ
[ 275 ]
من أن يطاع و لا يعصى و يذكر و لا ينسى .
ثمّ لمّا وصف اللّه عزّ و علا بأوصاف توجب منه الاتّقاء أردفه بالتنبيه على منافع التّقوى و الثمرات المترتّبة عليها في الدّين و الدّنيا لمزيد الحثّ و الترغيب إليها فقال :
( فانّ تقوى اللّه دواء داء قلوبكم ) يعنى أنّها رافعة للأمراض القلبيّة و الرّزائل النّفسانية الموبقة من البخل و الحسد و النفاق و العداوة و البغضاء و غيرها ، لأنها مضادّة لها كما أنّ الدواء ضدّ الدّاء ( و بصر عمى افئدتكم ) بيان ذلك أنّ حصول وصف العمى للأعمى لمّا كان موجبا لعجزه عن إدراكه للمحسوسات ، و سببا لضلاله عن الطريق ، فكذلك حصول هذا الوصف للأفئدة الناشي من اتّباع الهوى و الانهماك في الشهوات ، موجب لقصورها عن إدراك المعقولات ، و عن الاهتدا إلى الصراط المستقيم .
و كما أنّ بحسّ البصر يرتفع عمى الأبصار الظاهرة و يحصل إدراك المحسوسات فكذلك بالتقوى يرتفع عمى الأفئدة و يتمكّن من إدراك المعقولات و يهتدى إلى الصراط المستقيم ، لكونها مانعة من متابعة الهوى و انهماك الشهوات الموجبين لعماها ، و هذا معنى كونها بصرا لعمى أبصار الأفئدة .
روى في الصافي في تفسير قوله تعالى أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب الّتي في الصدور من التوحيد و الخصال عن السجاد عليه السّلام أنّ للعبد أربع أعين : عينان يبصر بهما أمر دينه و دنياه ، و عينان يبصر بهما أمر آخرته ، فاذا أراد اللّه بعبد خيرا فتح اللّه له العينين اللّتين في قلبه فأبصر بهما الغيب و أمر آخرته ، و إذا أراد اللّه به غير ذلك ترك القلب بما فيه .
و فيه من الكافي عن الصادق عليه السّلام إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة أعين : عينان في الرّأس ، و عينان في القلب ، ألا و إنّ الخلايق كلّهم كذلك إلاّ أنّ اللّه عزّ و جلّ فتح أبصاركم و أعمى أبصارهم .
( و شفاء مرض أجسادكم ) هذا وارد مورد الغالب ، لأنّ عمدة سبب المرض هو
[ 276 ]
الشبع و البطنة و أهل التقوى لكونه متّصفا بقلّة الأكل و قناعته بالحلال حسبما عرفت في الخطبة المأة و الثانية و التّسعين و شرحها يسلم جسده غالبا من الأمراض و الأسقام .
و يرشد إلى ذلك ما رواه المحدّث الجزائرى في زهر الرّبيع أنّ حكيما نصرانيا دخل على الصادق عليه السّلام فقال : أ فى كتاب ربّكم أم فى سنّة نبيّكم شيء من الطب ؟ فقال : أما في كتاب ربّنا فقوله تعالى كلوا و اشربوا و لا تسرفوا و أما في سنّة نبيّنا : الاسراف في الاكل رأس كلّ داء و الحميّة منه أصل كلّ دواء .
و فيه أيضا عنه عليه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السبب و العلّة في موتهم لقال اكثرهم : التخمة .
و فيه أيضا قال : و روى أنّ المؤمن ياكل في معاء واحد و الكافر يا كل في سبعة أمعاء .
و قد تقدّم في شرح الفصل الثاني من الخطبة المأة و التاسعة و الخمسين فصل واف في فوايد الجوع و آفات الشّبع فليراجع ثمة .
( و صلاح فساد صدوركم ) لأنّ فساد الصدور و هو كونها ساقطة عن الاعتبار خالية عن المنفعة إنّما ينشأ من طريان ما يفسدها من الغلّ و الحقد و الحسد و نحوها من الوساوس النّفسانية عليها ، و بالتقوى يرتفع هذه كلّها و يحصل صلاحها ، و به يظهر أيضا معنى قوله :
( و طهور دنس أنفسكم ) لأنّ هذه الطوارى أيضا أوساخ موجبة لتدنّس النّفوس بها ، و التقوى مطهرة لذلك الدّنس و الوسخ .
( و جلاء غشاء أبصاركم ) يعنى أنّ التّقوى تجلو و تكشف غطاء أبصار البصاير و تستعدّ بذلك لادراك المعقولات ، كما أنّ الباصرة إذا ارتفع حجابها و انجلى غشاوتها تصلح لادراك المبصرات .
( و أمن فزع جاشكم ) إذ بها تحصل قوّة القلب في الدّنيا ، و هى أمان من أفزاع يوم القيامة و أخاويفها كما قال تعالى في سورة الأعراف فمن اتّقى و أصلح
[ 277 ]
فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و في سورة النّمل من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذ آمنون و في سورة الأنبياء لا يحزنهم الفزع الاكبر و تتلقّيهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون ( و ضياء سواد ظلمتكم ) الظاهر أنّ المراد بالظلمة هو ظلمة القلوب الحاصلة لها من اكتساب الآثام و انهماك الشهوات ، فانّ المعاصى توجب ظلمة القلب و اسوداد الوجه ، و بالتّقوى و الطاعة يحصل له نور و ضياء و استعداد لقبول الافاضات الالهيّة ، هذا .
و لا يخفى ما في هذه الفقرة و ما تقدّمت عليها من الفقرات السّبع من حسن المطابقة و لطفها .
و لمّا أوصى بالتّقوى و رغّب فيها بالتنبيه على ما يترتّب عليها من الثمرات العظيمة أكّد ذلك بالأمر بملازمة الطاعة المحصّلة لها و بالغ في المواظبة عليها فقال :
( فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثاركم ) أى بمنزلة الشّعار الملاصق للبدن لا الدّثار الذى فوق الشعار ، و هو إشارة إلى المواظبة عليها باطنا لا ظاهرا فقط ، و أكّد استبطانها بقوله :
( و دخيلا دون شعاركم ) أى داخلا في باطنكم تحت الشعار ، و بقوله ( و لطيفا بين أضلاعكم ) و هو غاية المبالغة في ادخالها في الباطن ، و آكد دلالة عليه من سابقيه و الغرض منه جعلها مكنونا في الخلد متمكّنا في القلوب .
و قوله : ( و أميرا فوق اموركم ) أى يكون ورودكم و صدوركم في اموركم الدنيويّة بأمره و نهيه كساير الامراء بالنّسبة إلى الرّعيّة .
( و منهلا لحين ورودكم ) أى مشربا تشربون من صفوها و عذبها حين الورود يوم القيامة كما قال عزّ من قائل انّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً .
عيناً يشرب بها عباد اللَّه يفجّرونها تفجيراً .
( و شفيعا لدرك طلبتكم ) أى واسطة و وسيلة لادراك مطالبكم الدّنيويّة و الاخروية
[ 278 ]
إذ بالتّقوى و الطاعة يحصل الاستعداد لدركها كما قال تعالى و من يتّق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكّل على اللَّه فهو حسبه انّ اللَّه بالغ أمره فقد دلّ قوله : يجعل له مخرجا ، على أنّها حصن حصين و حرز حريز بها يحصل النّجاة من الشدايد و الوقاية من المكاره ، و قوله : و يرزقه من حيث لا يحتسب على أنّها كنز كاف بها يدرك المطالب و يفاز بالمآرب ، و قوله : و من يتوكل على اللّه فهو حسبه ، على أنّه تعالى كاف لمن توكّل عليه و اكتفاه ، قادر على إنجاح ما يبتغيه و يتمنّاه ( و جنّة ليوم فزعكم ) أى وقاية يوم القيامة من النّار و غضب الجبّار كما قال تعالى ثمّ ننجّي الّذين اتّقوا .
و مصابيح لبطون قبوركم ) فانّ القبر بيت الظّلمة ، و العمل الصّالح يضىء قبر صاحبه كما يضيء المصباح الظلمة على ما جاء في الخبر .
( و سكنا لطول وحشتكم ) أي في القبور فانّها بيت الغربة و الوحدة و الوحشة و الأعمال الصّالحة كما ورد في أخبار كثيرة تتصوّر في صور حسنة يستأنس بها صاحبها و يسكن إليها و يطيب بها نفسه و يرفع عنه وحشة القبر .
روى في الكافي بسنده عن سالم عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : ما من موضع قبر إلاّ و هو ينطق كلّ يوم ثلاث مرّات : أنا بيت التراب أنا بيت البلا أنا بيت الدّود .
قال عليه السّلام : فاذا دخله عبد مؤمن قال مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد كنت احبّك و أنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطنى فسترى ذلك .
قال : فيفسح له مدّ البصر و يفتح له باب يرى مقعده من الجنّة .
قال : و يخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئا قطّ أحسن منه فيقول : يا عبد اللّه ما رأيت شيئا قط أحسن منك فيقول : أنا رأيك الحسن الّذى كنت عليه و عملك الصّالح الّذى كنت تعمله قال : ثمّ يؤخذ روحه فتوضع في الجنّة حيث رأى منزله ثمّ يقال له : نم قرير العين فلا تزال نفحة من الجنّة يصيب جسده و يجد لذّتها و طيبها حتّى يبعث .
[ 279 ]
و فى البحار من المحاسن باسناده عن أبي بصير عن أحدهما عليها السّلام قال : إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور فيهنّ صورة أحسنهنّ وجها و أبهاهنّ هيئة و أطيبهنّ ريحا و أنظفهنّ صورة .
قال : فيقف صورة عن يمينه و اخرى عن يساره و اخرى بين يديه و اخرى خلفه و اخرى عند رجله ، و تقف الّتى هي أحسنهنّ فوق « رأسه ظ » ، فان اتى عن يمينه منعته الّتى عن يمينه ، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات السّتّ قال : فتقول أحسنهنّ صورة : و من أنتم جزاكم اللّه خيرا ؟ فتقول الّتى عن يساره : أنا الزكاة ، و تقول الّتي بين يديه : أنا الصّيام ، و تقول الّتي خلفه : أنا الحجّ و العمرة ، و تقول الّتي عند رجليه : أنا برّ من وصلت من إخوانك ، ثمّ يقلن : من أنت فأنت أحسننا وجها و أطيبنا ريحا و أبهانا هيئة ؟ فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين .
( و نفسا لكرب مواطنكم ) أى سعة و روحا لكرب منازل الآخرة و مواقف القيامة ( فانّ طاعة اللّه حرز من متالف مكتنفة ) أى عوذة من المهالك المحيطة ( و مخاوف متوقّعة ) أى مخاوف الآخرة المنتظره الوقوع ( واوارنيران موقدة ) أراد به حرّ نار الجحيم .
( فمن أخذ بالتّقوى ) و عمل صالحا ( غربت ) أى بعدت و غابت ( عنه الشّدائد بعد دنوّها ) أى شدايد الآخرة و أهاويلها ، و يجوز أن يراد بها الأعمّ لأنّ المتّقى بقناعته و خفّة مؤنته و اعتزاله من مخالطة أبناء الدّنيا و مجالستهم سالم غالبا من المحن و الشّدايد و ايذاء أبناء النّوع .
( و احلولت له الامور بعد مرارتها ) أى صارت الأمرار الدّنيوية و الاخروية حلوا له ، أمّا الدّنيوية كضيق العيش و الجوع و الفقر و العرى و ما ضاهاها فلما له من الرّضا بالقضاء ، و أما الاخروية كمشاقّ الطاعات و العبادات فلكونها أحلى و ألذّ عنده من كلّ شيء و إن كان مرّا في ذوقه في مبدء السلوك ، و ذلك لما له من علم اليقين بأنّ هذه المشقّة القليلة توجب راحة طويلة ، و تلك المرارة اليسيرة تجلب لذّة دائمة .
[ 280 ]
( و انفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها ) أى انكشفت عنه أمواج الفتن الدّنيوية بعد تراكمها و كثرتها ، و ذلك لأنّ الآخذ بالتقوى لكونه بمعزل من الدّنيا و أهلها سالم من الفتن و المحن التي ابتلي بها أهلها .
( و أسهلت له الصّعاب بعد انصبابها ) أى صارت الامور الصعبة و المشاق النفسانية سهلة له بعد ايقاعها اياه في النصب و التعب ، و ذلك لما عرفت آنفا من أنّ المتّقى لمعرفته بعظم ما يترتّب على طاعته و تقواه من الثمرات الاخروية يسهل عليه كلّ خطب و يهون له الشدايد ( و هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها ) شبه كرامة اللّه سبحانه الشاملة للمتقى بالمطر العظيم القطر المتتابع على سبيل الاستعارة المكنية ، و إثبات الهطل تخييل و القحوط ترشيح . و نظيرها الفقرتان المتقدّمتان فانهما أيضا من قبيل الاستعارة المكنية التخييلية الترشيحية .
و المراد أنّ أهل التقوى انصبت عليه و تتابعت في حقه كرامة اللّه العزيز عزّ و جلّ بسبب اتصافه بالتقوى بعد احتباسها و منعها عنه ، و ذلك قبل أن يستعدّ بالتقوى لها و يشهد بذلك أي بافاضة كرامته على المتقي صريحا نصّ قوله سبحانه انّ أكرمكم عند اللّه اتقيكم .
( و تحدبت عليه الرحمة بعد نفورها ) أى تعطفت عليه الرحمة الالهية بعد ما كانت نافرة عنه حين ما لم يكن متصفا بالتقوى و مستعدا لها ، و هذه الفقرة أيضا مثل سوابقها حيث شبه الرحمة بالناقة العاطفة على ولدها على سبيل الاستعارة بالكناية و أثبت التحدّب تخييلا و النفور ترشيحا .
( و تفجّرت عليه النّعم بعد نضوبها ) إمّا استعارة مكنية مثل ما مرّت تشبيها للنعم بالينابيع الجارية المنفجرة ، فيكون ذكر التفجّر و النضوب تخييلا و ترشيحا ، أى انفجرت عليه ينابيع النعم بعد اغورارها .
و يجوز أن يراد بالتفجر التتابع بعلاقة الملازمة فيكون مجازا مرسلا ، و النعم قرينة التجوز أو اريد بالتفجر الافاضة و الجامع التتابع و الدوام فيكون استعارة تبعية و على هذين الاحتمالين فيراد بالنضوب الفقدان مجازا و لا يخفى على المتدبّر أنّ هذين الاحتمالين يأتيان أيضا في بعض القراين المتقدّمة كالقرينة المتأخّرة أعنى قوله :
[ 281 ]
( و وبلت عليه البركة بعد ارذاذها ) فيجوز أن تكون الاستعارة بالكناية بأن يشبه البركة بالمطر الشديد العظيم القطر و الوبل و الارذاذ تخييل و ترشيح ، و أن تكون استعارة تبعية بأن يستعار الوبل للفيض الكثير و الجامع الكثرة ، و أن يكون مجازا مرسلا و يراد بالوبل النزول ، و على التقديرين فيراد بالارذاذ القلّة و الضعف مجازا .
ثمّ بعد التنبيه على جملة من ثمرات التقوى و المنافع العظيمة المترتّبة عليها عاد إلى الأمر بها تأكيدا و تقوية لما قدّم فقال :
( فاتّقوا اللّه الذي نفعكم بموعظته ) و هى ما وعظكم بها في كتابه المبين و لسان نبيّه الأمين و هداكم بها إلى الجنّة و أنقذكم بها من النار و أىّ منفعة أعظم من هذه و أنفع .
( و وعظكم برسالته ) التي بعث بها رسله و لم يبق عذر لعاذر بعد مواعظهم البليغة في ترك التقوى و الطاعة .
( و امتنّ عليكم بنعمته ) الغير المحصاة التي لا يجوز للعاقل أن يقابلها بالكفران و يكافئها بترك التقوى و الطاعة و العصيان .
( فعبّدوا أنفسكم لعبادته ) أى ذللوها لحمل أثقال العبادة .
( و اخرجوا إليه من حقّ طاعته ) أى من طاعته التى هو حق عليكم و ثابت في ذمتكم ، أو من طاعته التي حقيق به عزّ و جلّ أى اخرجوا إليه من كمال طاعته التي يليق بحضرته .
الترجمة
ميداند خداوند تبارك و تعالى صداى وحشيان را در بيابانها ، و معصيتهاى بندگان را در مكان خلوت ، و تردّد ماهيان را در درياهاى گود ، و تلاطم آب درياها را با بادهاى تند و زنده ، و شهادت مىدهم باينكه محمّد مصطفى صلوات اللّه و سلامه عليه و آله بنده نجيب خداست و ايلچى وحى او و پيغمبر رحمت اوست .
اما پس از ثناى خدا پس بدرستى كه من وصيّت ميكنم شما را بتقوى و پرهيزكارى خداوندى كه ايجاد فرموده خلقت شما را و بسوى اوست بازگشت شما
[ 282 ]
و با عنايت اوست رسيدن مطالب شما و بطرف اوست قصد راه شما و بسوى اوست نشانگاه فزع و خوف شما پس بدرستيكه تقوى دواى درد قلبهاى شماست ، و چشم كورى دلهاى شما ، و شفاى ناخوشى بدنهاى شما ، و صلاح فساد سينهاى شما ،
و پاكيزگى كثافت نفسهاى شماست ، و جلاى پردهاى بصرهاى شما ، و خاطر جمعى خوف قلبهاى شما ، و روشنى سياهى تاريكى قلب شما است .
پس بگردانيد طاعت و عبادت پروردگار را لباس باطنى خودتان نه لباس ظاهرى و داخل در باطن خود نه شعار ظاهرى ، و چيزى لطيف در ميان دندهاى خودتان ، و أمير حكمران بالاى جميع كارهاى خودتان و محل آب خور از براى زمان ورود آن ، و واسطه از براى درك مطالب خودتان ، و سپر از براى روز فزع خود و چراغها از براى بطون قبرهاى خود ، و مايه انس از براى طول وحشت خود ، و فرج و راحت از براى أندوه و محنت مواطن خودتان .
پس بدرستيكه طاعت خدا حرز است ، از مهلكههاى محيطه و از محلّهاى خوفى كه متوقعست و از حرارت آتشهاى روشن شده ، پس كسيكه اخذ نمود تقوى را غايب شد از آن شدتها بعد از نزديكى آنها باو ، و شيرين شد از براى او كارها بعد از تلخى آنها ، و منكشف شد از او موجها بعد از تراكم و تلاطم آنها ، و آسان شد از براى او كارهاى صعب بعد از مشقت انداختن آنها ، و باريد باو بارانهاى كرامت بعد از قحطى آن ، و برگشت با مهربانى بر او رحمت خدا بعد از رميدن آن ، و منفجر شد بر او چشمهاى نعمتها بعد از نايابى آنها ، و باريد بأو باران بركت با شدّت بعد از ضعف و قلّت آن .
پس پرهيز نمائيد از خدا چنان خداوندى كه نفع بخشيد بشما با موعظه بالغه خود ، و موعظه فرمود بشما با رسالت رسولان خود ، و منت گذاشت بر شما با نعمت فراوان خود ، پس ذليل نمائيد نفسهاى خودتان را با بار عبادت او ، و خارج شويد بسوى او از حق اطاعت او كه لايق حضرت او است .
[ 283 ]
الفصل الثانى
ثمّ إنّ هذا الإسلام دين اللّه الّذي اصطفاه لنفسه ، و اصطنعه على عينه ، و أصفاه خيرة خلقه ، و أقام دعائمه على محبّته ، أذلّ الاديان بعزّته ، و وضع الملل برفعه ، و أهان أعدائه بكرامته ، و خذل محادّيه بنصره ، و هدم أركان الضّلالة بركنه ، و سقى من عطش من حياضه ، و أتاق الحياض بمواتحه .
ثمّ جعله لا انفصام لعروته ، و لا فكّ لحلقته ، و لا انهدام لاساسه و لا زوال لدعائمه ، و لا انقلاع لشجرته ، و لا انقطاع لمدّته ، و لا عفاء لشرايعه ، و لا جذّ لفروعه ، و لا ضنك لطرقه ، و لا وعوثة لسهولته و لا سواد لوضحه ، و لا عوج لانتصابه ، و لا عصل فى عوده ، و لا وعث لفجّه ، و لا انطفآء لمصابيحه ، و لا مرارة لحلاوته .
فهو دعائم أساخ في الحقّ أسناخها ، و ثبّت لها أساسها ، و ينابيع غزرت عيونها ، و مصابيح شبّت نيرانها ، و منار اقتدى بها سفّارها ،
و أعلام قصد بها فجاجها ، و مناهل روى بها ورّادها ، جعل اللّه فيه منتهى رضوانه ، و ذروة دعائمه ، و سنام طاعته .
[ 284 ]
فهو عند اللّه وثيق الاركان ، رفيع البنيان ، منير البرهان ، مضىء النّيران ، عزيز السّلطان ، مشرف المنار ، معوز المثار ، فشرّفوه ،
و أدّوا إليه حقّه ، وضعوه مواضعه .
اللغة
( اصطنعه على عينه ) افتعال من الصنع و الصنع اتّخاذ الخير لصاحبه كذا في مجمع البيان ، و قيل : من الصنيعة و هى العطية و الاحسان و الكرامة يقال اصطنعتك لنفسى اخترتك لأمر أستكفيكه و اصطنع خاتما أمر أن يصنع له قال تعالى في سورة طه مخاطبا لموسى عليه السّلام و اصطنعتك لنفسى . اذهب أنت و أخوك بآياتى . و لا تنيا في ذكرى .
و قال الشارح المعتزلى : اصطنعه على عينه كلمة يقال لما يشتدّ الاهتمام به ، تقول للصانع : اصنع لى خاتما على عينى ، أى اصنعه صنعة كالصّنعة التي تصنعها و أنا حاضر اشاهدها .
و قال الزّمخشرى في الكشاف في تفسير قوله تعالى و لتصنع على عينى لتربى و يحسن إليك و أنا مراعيك و راقبك كما يرعى الرّجل الشىء بعينه إذا اعتنى به ، و تقول للصانع اصنع هذا على عينى أنظر إليك لئلاّ تخالف به عن مرادى و ( الخيرة ) بفتح الياء وزان عنبة كالخيرة بسكونها اسم من اخترت الرّجل أى فضلته على غيره و ( الدّعائم ) جمع الدّعامة بالكسر عماد البيت و الخشب المنصوب للتعريش و ( حادّه ) محادّة عادّه و غاضبه و خالفه مأخوذ من الحدد و هو الغضب قال تعالى يوادّون من حادّ اللَّه و رسوله .
و ( تئق ) الحوض من باب فرح امتلأ ماء و أتاق الحياض ملأها و ( المواتح ) جمع الماتح و هو الذى يستقى بالدّلو من المتح و هو الاستقاء يقال متحت الدّلو
[ 285 ]
أى استخرجتها و ( عروة ) الكوز مقبضه و ( الجذ ) بالذّال المعجمة القطع أو القطع المستأصل ، و في بعض النسخ بالحاء المهملة و هو القطع و في بعضها بالجيم و الدّال المهملة و هو القطع أيضا و الفعل في الجميع كمدّ .
و ( وعث ) الطريق و عوثة من باب قرب و تعب إذا شقّ على السالك فهو وعث و قيل : الوعث رمل دقيق تغيب فيه الأقدام فهو شاق ، ثمّ استعير لكلّ أمر شاقّ من تعب و أثم و غير ذلك ، و منه و عثاء السفر أى شدّة النصب و التعب .
و ( الوضح ) محرّكة بياض الصبح و القمر و محجّة الطريق و ( العصل ) محرّكة الاعوجاج في صلابة و منه العصال بالكسر و هو السهم المعوّج و ( الفج ) الطريق الواسع بين الجبلين و ( ساخت ) قوائمه في الأرض أى غابت و ساخت بهم الأرض أى خسفت و يعدى بالهمزة فيقال : أساخه اللّه و ( الينبوع ) العين ينبع منه الماء أى يخرج و قيل : الجدول الكثير الماء و هو أنسب و ( غزر ) الماء بضمّ الزّاء المعجمة غزارة كثر فهو غزير و ( شبت نيرانها ) بضمّ الشين بالبناء على المفعول أى اوقدت و ( ورّادها ) جمع وارد قال الشارح المعتزلى : و روى روّادها جمع رائد و هو الذى يسبق القوم فيرتاد لهم الماء و الكلاء و ( ذروة ) الشيء بالكسر و الضمّ أعلاه و ( سنام ) بالفتح وزان سحاب أيضا أعلاه و ( عوز ) الشيء عوزا من باب تعب عزّ فلم يوجد ، و عزت الشيء أعوزه من باب قال احتجت إليه فلم أجده ، و أعوزنى مثل أعجزنى وزنا و معنى ، و أعوز الرّجل إعوازا افتقر ، و أعوزه الدّهر أفقره و ( ثار ) الغبار يثور ثورا وثورانا هاج ، و ثار به الناس أى وثبوا عليه ، و فلان أثار الفتنة أى هيّجها ، و المثار مصدر أو اسم للمكان .
الاعراب
قوله : على عينه ظرف مستقرّ حال من فاعل اصطنع ، و قوله : على محبّة يحتمل أن يكون ظرف لغو متعلّق بقوله أقام فالضمير راجع إلى اللّه ، و أن يكون ظرفا مستقرّا حالا من فاعل أقام أو من الضمير في دعائمه ، فالضمير فيه على الأوّل
[ 286 ]
أيضا راجع إلى اللّه ، و على الثانى فيعود إلى الاسلام ، و يجوز جعل على بمعنى اللاّم للتعليل كما فى قوله تعالى و لتكبّروا اللّه على ما هديكم و على هذا فايضا ظرف لغو و الضّمير يصحّ عوده إلى اللّه و إلى الاسلام فتدبّر ، و الباء في قوله : بعزّته للسّببيّة ، و قوله : ثمّ جعله لا انفصام لعروته المفعول الثّاني لجعل محذوف و جملة لا انفصام لعروته صفة له .
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لمّا أوصى في الفصل السّابق بالتّقوى و الطّاعة أردفه بهذا الفصل المتضمّن لشرف الاسلام و فضايله لكونهما من شئونه فقال :
( ثمّ إنّ هذا الاسلام دين اللّه ) أى لا دين مرضىّ عند اللّه سوى الاسلام و هو التّوحيد و التّدرّع بالشّرع الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما قال تعالى انّ الدّين عند اللَّه الاسلام و قال و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين أى من يطلب غيره دينا يدين به لن يقبل منه بل يعاقب عليه و هو من الهالكين في الآخرة ، و فيه دلالة على أنّ الدّين و الاسلام واحد و هما عبارتان عن معبر واحد ، و هو التّسليم و الانقياد بما جاء به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .
و هو ( الّذي اصطفاه ) اللّه و اختاره من بين ساير الأديان ( لنفسه ) أى لأن يكون طريقا إلى معرفته و طاعته مؤدّيا إلى جنّته .
( و اصطنعه على عينه ) أى اتّخذه صنعة و اختاره حالكونه مراعيا حافظا له مراقبا عليه مشاهدا ايّاه ، و يجوز جعل العين مجازا في العلم فيكون المعنى أنّه اصطنعه و أسّس قواعده على ما ينبغى و على علم منه به أى حالكونه عالما بدقايقه و نكاته أو بشرفه و فضله .
و يحتمل أن يكون معنى اصطنعه أنّه طلب صنعته أى انّه أمر بصنعته و القيام به حالكونه بمرئى منه أى كالمصنوع المشاهد له ، و ذلك أنّ من صنع لغيره شيئا و هو ينظر إليه صنعه كما يحبّ و لا يتهيّأ له خلافه أو أنّه أمر بأن يصنع أي بصنعه
[ 287 ]
و صنيعته أى بكرامته و الاتيان به على وجه الكمال .
و على هذا الاحتمال فالصّانع له أى المأمور بالصّنعة و الصنع و الصنيعة المكلّفون المطلوب منهم الاسلام .
و هذا نظير ما قاله المفسّرون في قوله تعالى و لتصنع على عيني على قراءة لتصنع بلفظ الأمر مبنيّا للمفعول . إنّ المعنى ليصنعك غيرك أى لتربّى و تغذّى و يحسن إليك بمرئى منّي أى يجرى امرك على ما اريد من الرّفاهة .
( و أصفاه خيرة خلقه ) أى آثر و اختار للبعثة به خيرة خلقه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، أو جعل خيرة خلقه خالصا لتبليغه دون غيره .
( و أقام دعائمه على محبّته ) أى أثبت أركان الاسلام فوق محبّته تعالى ، فانّ من أحبّه سبحانه أسلم له ، أو أنّه قام دعائم حالكونه تعالى محبّا له أو حالكون الاسلام محبوبا له تعالى ، أو لأجل حبّه إياه ، أو لأجل محبوبيّته عنده على الاحتمالات المتقدّمة في الاعراب .
ثمّ المراد بدعائمه إما مطلق أركانه التي يأتي تفصيلها منه عليه السّلام في أوائل باب المختار من حكمه و هو الأنسب .
أو خصوص ما اشير إليه في الحديث المرويّ في البحار من أمالى الصدوق بسنده عن المفضل عن الصادق عليه السّلام قال : بني الاسلام على خمس دعائم : على الصّلاة ،
و الزّكاة ، و الصوم ، و الحجّ ، و ولاية أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده صلوات اللّه عليهم ( أذلّ الأديان بعزّته ) أراد بذلّتها نسخها أو المراد ذلّة أهلها على حذف المضاف و يحتملهما قوله ( و وضع الملل برفعه ) و يصدّق هاتين القرينتين صريحا قوله تعالى ارسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه .
( و أهان أعداءه بكرامته ) أى أهان أعداء الاسلام و هم اليهود و النصارى و المشركون و كلّ من عانده و لم يتديّن به من أهل الملل المتقدّمة ، و إهانتهم بالقتل و الاستيصال و أخذ الجزية و الذلّ و الصّغار .
( و خذل محادّيه بنصره ) أى ترك نصرة المخالفين للاسلام المحادّين له و أخزاهم
[ 288 ]
بنصرته للاسلام و أهله .
( و هدم أركان الضّلالة بركنه ) ركن الشيء جانبه الّذى يستند إليه و يقوم به ، فاستعار أركان الضلالة للعقايد المضلّة أو رؤساء أهل الضّلالة أو الأصنام ، و أراد بركنه أصوله و قواعده أو النّبي أو كلمة التوحيد .
( و سقى من عطش من حياضه ) المراد بمن عطش الجاهل بقواعد الاسلام المبتغي له ، و بالحياض النّبي و الأئمّة سلام اللّه عليهم المملوون بمياه العلوم الحقّة ، أو الأعمّ الشامل للعلماء الرّاشدين أيضا و يسقيه هدايته له إلى الاستفادة و أخذ علوم الدّين عنهم عليهم السّلام .
( و أتاق الحياض بمواتحه ) أى ملأ صدور اولى العلم عليهم السّلام من زلال المعارف الحقّة و العلوم الدّينية بوساطة المبلّغين من اللّه تعالى من الملائكة و روح القدس و الالهامات الالهيّة . و إن اريد بالحياض الأعمّ الشامل للعلماء فيعمّم المواتح للأئمة لأنهم يستفيدون من علومهم عليهم السّلام و يستضيئون بأنوارهم عليهم السّلام و قيل هنا : معان اخر ، و الأظهر ما قلناه .
( ثمّ جعله ) وثيقا ( لا انفصام لعروته ) كما قال تعالى قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .
قال أمين الاسلام الطبرسي « قد » قد ظهر الايمان من الكفر و الحقّ من الباطل ،
فمن يكفر بما خالف أمر اللّه و يصدق باللّه و بما جاءت به رسله فقد تمسّك و اعتصم بالعصمة الوثيقة و عقد لنفسه من الدّين عقدا وثيقا لا يحلّه شبهة ، لا انفصام لها أى لا انقطاع لها كما لا ينقطع من تمسك بالعروة كذلك لا ينقطع أمر من تمسّك بالايمان ،
و محصّله أنّ من اعتصم بعروة الاسلام فهي تؤدّيه إلى غاية مقصده من رضاء الحقّ و رضوانه و نزول غرفات جنانه لأنّها وثيقة لا ينقطع و لا تنفصم .
( و ) جعله محكما ( لا فكّ لحلقته ) قال الشّارح البحراني : كناية عن عدم انقهار أهله و جماعته .
[ 289 ]
( و ) مشيّدا ( لا انهدام لأساسه ) قال البحراني : استعار لفظ الأساس للكتاب و السّنة الّذين هما أساس الاسلام ، و لفظ الانهدام لاضمحلالهما انتهى ، و لا بأس به ، و قد يفسّر في بعض الرّوايات بالولاية .
و هو ما رواه في البحار من أمالي الشيخ باسناده عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال : لمّا قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مناسكه من حجّة الوداع ركب راحلته و أنشأ يقول : لا يدخل الجنّة إلاّ من كان مسلما ، فقام اليه أبو ذر الغفارى فقال : يا رسول اللّه و ما الاسلام ؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : الاسلام عريان و لباسه التقوى ، و زينته الحياء ، و ملاكه 1 الورع و كماله الدّين ، و ثمرته العمل ، و لكلّ شيء أساس و أساس الاسلام حبّنا أهل البيت .
( و ) ثابتا ( لا زوال لدعائمه ) قال البحراني : استعار لفظ الدّعائم لعلمائه أو للكتاب و السنة و قوانينهما ، و أراد بعدم زوالها عدم انقراض العلماء أو عدم القوانين الشرعيّة ، انتهى .
و الأولى أن يراد بالدّعائم ما يأتي تفصيلها منه عليه السّلام في أوائل باب المختار من حكمه عليه السّلام و هو ثالث أبواب النّهج .
( و ) راسخا ( لا انقلاع لشجرته ) الظاهر أنّه من قبيل اضافة المشبّه به على المشبّه كما في لجين الماء ، و المراد أنّ الاسلام كشجرة ثابتة أصلها ثابت و فرعها فى السماء كما اشير اليه في قوله مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة الآية .
قال الطبرسي : قال ابن عبّاس : هي كلمة التوحيد شهادة أن لا إله إلاّ اللّه كشجرة زاكية نامية راسخة اصولها فى الأرض عالية أغصانها ، و ثمارها في السماء ،
و أراد به المبالغة في الرّفعة و الأصل سافل و الفرع عال إلاّ أنه يتوصّل من الأصل إلى الفرع .
قال : و قيل : انّه سبحانه شبّه الايمان بالنّخلة لثبات الايمان في قلب المؤمن كثبات النخلة في منبتها ، و شبّه ارتفاع عمله إلى السماء بارتفاع فروع النخلة ،
----------- ( 1 ) أى قوامه و نظامه م
[ 290 ]
و شبّه ما يكسبه المؤمنون من بركة الايمان و ثوابه في كلّ وقت و حين بما ينال من ثمرة النخلة في أوقات السّنة كلّها من الرّطب و التّمر .
و فى البحار من علل الشرايع باسناده عن معمّر بن قتادة عن أنس بن مالك في حديث قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال حبيبي جبرئيل عليه السّلام : إنّ مثل هذا الدّين كمثل شجرة ثابتة الايمان أصلها ، و الصّلاة ، عروقها ، و الزّكاة ماؤها ، و الصّوم سعفها ، و حسن الخلق ورقها ، و الكفّ عن المحارم ثمرها ، فلا تكمل شجرة إلاّ بالثمر كذلك الايمان لا يكمل إلاّ بالكفّ عن المحارم .
( و ) متماديا ( لا انقطاع لمدّته ) لاستمراره و بقائه إلى يوم القيامة .
( و ) جديدا ( لا عفاء لشرايعه ) أى لا اندراس لما شرع اللّه منه لعباده و لا انمحاء لطرقه و شعبه الّتي يذهب بسالكها إلى حظاير القدس و محافل الانس ( و ) زاكيا ( لا جذّ لفروعه ) أى لا ينقطع ما يتفرّع عليه من الأحكام الّتي يستنبطها المجتهدون بأفكارهم السليمة من الكتاب و السّنة ، و يحتمل أن يراد بها ما يتفرّع عليه من الثّمرات و المنافع الدنيويّة و الاخروية .
( و ) وسيعا ( لا ضنك لطرقه ) أى لا ضيق لمسالكه بحيث يشقّ على السّالكين سلوكه ، و المراد أنها ملّة سمحة سهلة ليس فيها ثقل على المكلّفين كما كان في الملل السّابقة .
قال تعالى الّذين يتّبعون الرّسول النّبي الاميّ الّذى يجدونه مكتوباً عندهم في التورية و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهيهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال الّتي كانت عليهم .
قال أمين الاسلام الطبرسي : معناه يبيح لهم المستلذّات الحسنة و يحرّم عليهم القبايح و ما تعافه الأنفس ، و قيل : يحلّ لهم ما اكتسبوه من وجه طيّب و يحرّم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث ، و قيل : يحلّ لهم ما حرّمه عليهم رهبانيّهم و أحبارهم و ما كان يحرّمه أهل الجاهلية من البحائر و السوائب و غيرها ، و يحرّم عليهم الميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما ذكر معها .
و يضع عنهم إصرهم أى ثقلهم شبّه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد
[ 291 ]
بالثقل ، و ذلك إن اللّه سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم و جعل توبة هذه الامّة الندم بالقلب حرمة للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .
و الاغلال الّتي كانت عليهم قيل : يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة و قرض ما يصيبه البول من أجسادهم و ما أشبه ذلك من تحريم السّبت و تحريم العروق و الشحوم و قطع الأعضاء الخاطئة و وجوب القصاص دون الدّية انتهى .
و قيل : الاصر الثقل الّذى يأصر حامله أى يحبسه فى مكانه لفرط ثقله .
و قال الزّمخشرى : هو مثل لثقل تكليفهم و صعوبته نحو اشتراط قتل الأنفس فى صحّة توبتهم ، و كذلك الاغلال مثل لما كان فى شرايعهم من الأشياء الشّاقة نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطاء من غير شرع الدّية ، و قطع الأعضاء الخاطئة ،
و قرض موضع النّجاسة من الجلد و الثوب و إحراق الغنايم ، و تحريم العروق فى اللّحم و تحريم السبت .
و عن عطا كانت بنو اسرائيل إذا قامت تصلّى لبسوا المسوح و غلّوا أيديهم إلى الأعناق ، و ربّما ثقب الرّجل ترقوته و جعل فيها طرف السّلسلة و أوثقها إلى السّارية يحبس نفسه على العبادة .
( و ) سهلا ( لا وعوثة لسهولته ) يعني أنّه على حدّ الاعتدال من السهولة ، و ليس سهلا مفرطا كالوعث من الطريق يتعسّر سلوكه و يشقّ المشى فيه لرسوب الأقدام .
( و ) واضحا ( لا سواد لوضحه ) يعنى أنّ بياضه لا يشوبه الظلام كما قال النّبى صلّى اللّه عليه و آله :
بعثت اليكم بالحنيفيّة السمحقة السهلة البيضاء ، و بياضه كناية عن صفائه عن كدر الباطل .
( و ) مستقيما ( لا عوج لانتصابه ) أى لا اعوجاج لقيامه كما قال تعالى قل انّنى هدانى ربّى الى صراط مستقيم . ديناً قيماً ملّة إبراهيم حنيفاً و ما كان من المشركين و المراد أنّه صراط مستقيم مؤدّ لسالكه إلى الجنّة ، و رضوان اللّه تعالى ليس فيه عوج و لا أمت .
( و ) مستويا ( لا عصل فى عوده ) و هو أيضا كناية عن استقامته و ادائه إلى الحقّ .
( و ) يسيرا ( لا وعث لفجّه ) أراد بالفجّ مطلق الطريق مجازا من إطلاق المقيّد
[ 292 ]
على المطلق و يمكن إرادة المعنى الحقيقى و يكون النظر فى التشبيه إلى أنه الجادّة الوسطى بين طرفى الافراط و التفريط ، كما أنّ الفجّ هو الطريق الواسع بين الجبلين .
( و ) مضيئا ( لا انطفاء لمصابيحه ) الظاهر أنّ المراد بمصابيحه أئمة الدّين و أعلام اليقين الذينهم مصابيح الدّجى و منار الهدى ، و أراد بعدم انطفائها عدم خلوّ الأرض منهم عليهم السّلام .
( و ) حلوا ( لا مرارة لحلاوته ) لأنه أحلى و ألذّ فى أذواق المتديّنين من كلّ حلو ، و لذيذ لا يشوبه مرارة مشقّة التكليف .
كما قال الصادق عليه السّلام في قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام :
لذّة ما فى النداء أزال تعب العبادة و العناء .
( فهو دعائم أساخ فى الحقّ أسناخها ) يعنى أنّ الاسلام دعائم العبوديّة فلا ينافى حملها عليه هنا لما تقدّم سابقا من إضافتها إليه فى قوله : أقام دعائمه على محبّته ،
و قوله : و لا زوال لدعائمه ، نظرا إلى أنّ ظهور الاضافة في التغاير .
وجه عدم المنافاة أنّ الغرض فيما سبق تشبيه الاسلام و الدّين بالبيت فأثبت له الدّعائم على سبيل الاستعارة المكنيّة التخييلية ، فهو لا ينافى كون الاسلام نفسه أيضا دعائم لكن للعبوديّة .
و يمكن دفع المنافاة بوجه آخر و هو أنّا قد بيّنا فيما سبق أنّ المراد بدعائم الاسلام إمّا الدعائم الّتي يأتي تفصيلها منه عليه السّلام في باب المختار من حكمه أو خصوص العبادات الخمس أعنى الصلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ و الولاية حسبما اشير إليه في الحديث الذى رويناه من البحار و في أحاديث كثيرة غيره تركنا ذكرها ،
و على أىّ تقدير فلمّا كان قوام الاسلام بتلك الدّعائم و ثباته عليها حتّى أنّه بدونها لا ينتفع بشيء من أجزائه فجعله نفس تلك الدّعائم مبالغة من باب زيد عدل .
و يوضح ذلك ما في البحار من الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال : الصّلاة عمود دينكم .
و فى الكافى أيضا باسناده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال
[ 293 ]
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : مثل الصّلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب و الأوتاد و الغشاء ، و إذا انكسر العمود لم ينفع طناب و لاوتد و لا غشاء .
و أما قوله : أساخ في الحقّ أسناخها ، فمعناه أنّه تعالى أثبت اصولها في الحقّ يعني أنّه بناء محكم بني على الحقّ و ثبت قوائمة عليه دون الباطل كما قال تعالى فأقم وجهك للدّين حنيفاً فطرة اللَّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدّين القيّم أى ذلك الدّين المستقيم الحقّ .
( و ثبّت لها أساسها ) أى أحكم لهذه الدّعائم أبنيتها .
( و ينابيع غزرت عيونها ) يعني جداول و أنهار كثيرة ماء عيونها الّتى تجريان منها ، و الظاهر أنّه من التّشبيه البليغ ، و المراد أنّ الاسلام بما تضمّنه من الأحكام الكثيرة الاسلاميّة بمنزلة ينابيع وصفها ما ذكر ، و وجه الشّبه أنّ الينابيع منبع مادّة حياة الأبدان و الأحكام الاسلاميّة منشأ مادّة حياة الأرواح ، إذ بامتثالها يحصل القرب من اللّه المحصّل لحياة الأبد .
و في وصف المشبّه به بغزارة العيون إشارة إلى ملاحظة ذلك الوصف في جانب المشبّه أيضا لأنّ الأحكام الاسلاميّة صادرة عن صدر النّبوّة و صدور الأئمة الّتي هى معادن العلوم الالهيّة و عيونها ، و كفى بها كثرة و غزارة .
( و مصابيح شبّت نيرانها ) و هو أيضا من التّشبيه البليغ ، يعني أنّ الاسلام بما فيه من الطّاعات و العبادات الّتي من وظايفه مثل المصابيح الموقدة النّيران المشتعلة الّتي هي في غاية الاضاءة ، و وجه الشّبه أنّ المصابيح الّتي وصفها ذلك كما أنها ترفع الظلام المحسوسة ، فكذلك الطاعات الموظفة في دين الاسلام إذا اقيست عليها تنوّر القلوب و تجلو ظلمتها المعقولة .
( و منار اقتدى بها سفّارها ) يعني أنّه بما فيه من الأدلّة السّاطعة و البراهين القاطعة الّتي يستدلّ بها العلماء في المقاصد ، مثل منائر يهتدى بها المسافرون في الفلوات ، و إضافة سفار إلى ضمير المنار من التّوسع .
و مثله قوله ( و أعلام قصد بها فجاجها ) أى مثل أعلام قصد بنصب تلك الأعلام
[ 294 ]
إهداء المسافرين في تلك الفجاج .
( و مناهل روى بها ورّادها ) يعني أنّه بما فيه من العلوم الاسلاميّة النقليّة و العقليّة بمنزلة مشارب تروى بمائها العطاش الواردون إليها .
( جعل اللّه فيه منتهى رضوانه ) أى غاية رضاه لكونه أتمّ الوسايل و أكملها في الايصال إلى قربه و زلفاه كما اشير إليه في قوله أكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً و قوله انّ الدّين عند اللَّه الاسلام .
( و ذروة دعائمه ) الظاهر أنّ المراد بالدعائم العبادات التي بنيت عليها بيت العبوديّة ، و لما كان دين الاسلام أشرف الأديان و أفضلها تكون العبادات الموظفة فيه أفضل العبادات و أعلاها ، و إضافة الدعائم إلى اللّه من باب التّشريف و التكريم باعتبار أنّها مجعولات له سبحانه أو من أجل كونها مطلوبة له تعالى .
و به يظهر أيضا معنى قوله ( و سنام طاعته ) و يستفاد من بعض الأخبار أنّ ذروة الاسلام و سنامه هو خصوص الجهاد .
و هو ما رواه في البحار من الكافي باسناده عن سليمان بن خالد عن أبيجعفر عليه السّلام قال : ألا اخبرك بأصل الاسلام و فرعه و ذروة سنامه ؟ قلت : بلى جعلت فداك ،
قال : أمّا أصله فالصّلاة ، و فرعه الزّكاة ، و ذروة سنامه الجهاد .
قال المحدّث العلامة المجلسي : الاضافة في ذروة سنامه بيانيّة أو لاميّة إذ للسّنام الذى هو ذروة البعير ذروة أيضا هو أرفع أجزائه ، و إنما صارت الصلاة أصل الاسلام لأنه بدونها لا يثبت على ساق ، و الزّكاة فرعه لأنه بدونها لا تتمّ ، و الجهاد ذروة سنامه لأنه سبب لعلوّه و ارتفاعه ، و قيل : لأنه فوق كل برّ كما ورد في الخبر و كيف كان ( فهو عند اللّه وثيق الأركان ) لابتنائه على أدلّة محكمة و اصول متقنة ( رفيع البنيان ) كناية عن علوّ شأنه و رفعة قدره على ساير الأديان .
( منير البرهان ) أى الدّليل الدّال على حقيّته من الآيات و المعجزات الباهرة منير واضح .
( مضيء النيران ) كناية عن كون أنواره أى العلوم و الحكم الثاقبة التي فيه في غاية
[ 295 ]
الضياء بحيث لا تخفى على الناظر المتدبّر .
( عزيز السلطان ) يريد أنّ حجّته قويّة أو أنّ سلطنته غالبة على ساير الأديان كما قال تعالى ليظهره على الدّين كلّه .
( مشرف المنار ) أى مرتفع المنارة قال الشارح البحراني : و كنى به عن علوّ قدر علمائه و أئمته و انتشار فضلهم و الهداية بهم .
( معوز المثار ) قيل : أى يعجز الناس ازعاجه و إثارته لقوّته و ثباته و متانته و قال البحراني : أى يعجز الخلق إثارة دفائنه و استخراج ما فيه من كنوز الحكمة و لا يمكنهم استقصاؤها ، و في بعض النسخ معوز المثال أى يعجز الخلق عن الاتيان بمثله ، و في بعضها معوز المنال أى يعجزون عن النيل و الوصول إلى نكاته و دقائقه و أسراره .
( فشرّفوه ) أى عظّموه و عدّوه شريفا و اعتقدوه كذلك ( و اتّبعوه و أدّوا إليه حقّه ) أى ما يحقّه من الاتّباع الكامل ( و ضعوه مواضعه ) أراد به الكفّ عن تغيير أحكامه و العلم بمرتبته و مقداره الذى جعله اللّه له ، أو العمل بجميع ما تضمّنه من الأوامر و النواهي ، و فّقنا اللّه لذلك بجاه محمّد و آله سلام اللّه عليه و عليهم .
الترجمة
فصل ثانى از اين خطبه شريفه در وصف اسلام است و ذكر فضايل آن ميفرمايد :
پس بدرستى اين اسلام دين خداست كه پسند فرموده آنرا از براى خودش و برگزيده آنرا در حالتى كه عالمست بفضيلت آن ، و خالص گردانيده بأو بهترين خلق خود را كه پيغمبر آخر الزّمان صلّى اللّه عليه و آله باشد ، و بر پا داشته ستونهاى آن را بر بالاى محبّت خود ، ذليل نموده دينها را بسبب عزيزى آن ، و پست فرموده ملّتها را بجهت بلندى آن ، و خوار نموده دشمنهاى خود را بجهت گرامى داشتن آن ، و ذليل كرده معاندين خود را با يارى كردن آن ، و خراب كرده أركان ضلالت و گمراهى را با ركن آن ، و سيراب فرموده تشنگان را از حوضهاى آن ، و پر كرده حوضها را
[ 296 ]
با آب كشندگان آن .
پس گردانيده آن را كه گسيخته نمىشود جاى دستگير آن ، و فك نميشود حلقه آن ، و خرابى نيست اساس آن را و زوال نيست ستونهاى آن را ، و بر كندگى نيست درخت آن را ، و انقطاع نيست مدّت او را ، و اندراس نيست شريعتهاى او را و بريدگى نيست شاخهاى او را ، و تنگى نيست راههاى آنرا ، و دشوارى نيست أز براى سهولت آن ، و سياهى نيست از براى سفيدى آن ، و كجى نيست أز براى استقامت آن و اعوجاج نيست از براى چوب آن ، و صعوبت نيست از براى راههاى آن ،
و خاموشى نيست چراغهاى آن را ، و تلخى نيست شيريني آنرا .
پس آن اسلام ستونهائيست كه ثابت و محكم كرده خدا در حقّ اصلهاى آنها را ، و بغايت مستحكم نموده از براى آنها بنيانهاى آنها را ، و نهرهاى پر آبيست كه زياده است آبهاى چشمهاى آنها ، و چراغهائيست كه أفروخته شده آتشهاي آنها و منارههائيست كه هدايت يافته با آنها مسافران آنها ، و علمهائيست كه قصد كرده شده با آنها راه روندگان گدوكهاى آنها ، و سرچشمهائيست كه سيراب شده با آنها واردين بآنها ، گردانيده است خداوند تبارك و تعالى در او غايت رضاى خود را ، و بلندتر ستونهاى خود را ، و كوهان طاعت خود را .
پس او است در نزد خدا كه محكم است ركنهاى آن ، و بلند است بنائى آن نورانى است دليل آن ، روشن است آتشهاى آن ، عزيز است سلطنت آن ، بلند است مناره آن ، نا يابست معارضه گرى آن ، پس مشرّف و گرامى داريد او را ، و تبعيّت نمائيد بآن ، و أدا كنيد بأو حقّ او را و بگذاريد او را جائيكه لايق او است .
[ 297 ]
الفصل الثالث و الرابع فى بعثة النبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نبذ من فضايل القران
ثمّ إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله حين دنا من الدّنيا الانقطاع ، و أقبل من الآخرة الاطّلاع ، و أظلمت بهجتها بعد إشراق ، و قامت بأهلها على ساق ، و خشن منها مهاد ، و أزف منها قياد ، في انقطاع من مدّتها ،
و اقتراب من أشراطها ، و تصرّم من أهلها ، و انفصام من حلقتها ، و انتشار من سببها ، و عفآء من أعلامها ، و تكشّف من عوراتها ، و قصر من طولها جعله اللّه سبحانه بلاغا لرسالته ، و كرامة لامّته ، و ربيعا لاهل زمانه ، و رفعة لاعوانه ، و شرفا لأنصاره .
ثمّ أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه ، و سراجا لا يخبو توقّده و بحرا لا يدرك قعره ، و منهاجا لا يضلّ نهجه ، و شعاعا لا يظلم ضوئه و فرقانا لا يخمد برهانه ، و بنيانا لا تهدم أركانه ، و شفآء لا تخشى أسقامه و عزّا لا تهزم أنصاره ، و حقّا لا تخذل أعوانه .
فهو معدن الايمان و بحبوحته ، و ينابيع العلم و بحوره ، و رياض العدل و غدرانه و أثافيّ الاسلام و بنيانه ، و أودية الحقّ و غيطانه ، و بحر
[ 298 ]
لا ينزفه المستنزفون « المنتزفون خ ل » ، و عيون لا ينضبها الماتحون ،
و مناهل لا يغيضها الواردون و منازل لا يضلّ نهجها المسافرون ، و أعلام لا يعمى عنها السّايرن ، و آكام لا يجوز عنها القاصدون .
جعله اللّه ريّا لعطش العلمآء ، و ربيعا لقلوب الفقهاء ، و محاجّ لطرق الصّلحاء ، و دوآء ليس معه « بعده خ ل » داء ، و نورا ليس معه ظلمة و حبلا وثيقا عروته ، و معقلا منيعا ذروته ، و عزّا لمن تولاّه ، و سلما لمن دخله ، و هدى لمن ائتمّ به ، و عذرا لمن انتحله ، و برهانا لمن تكلّم به ، و شاهدا لمن خاصم به ، و فلجا لمن حاجّ به ، و حاملا لمن حمله ، و مطيّة لمن أعمله ، و آية لمن توسّم ، و جنّة لمن استلام ، و علما لمن وعى ، و حديثا لمن روى ، و حكما لمن قضى .
اللغة
( الاطلاع ) الاشراف من موضع عال و ( السّاق ) الشّدّة قال تعالى و التفّت السّاق بالساق أى اتّصلت آخر شدّة الدّنيا بأوّل شدّة الآخرة و ( المهاد ) بالكسر كالمهد موضع يهيّا للصّبي و الفراش و ( قاد ) الرّجل الفرس قودا من باب قال و قيادا بالكسر و هو نقيض السّوق قال الخليل : القود أن يكون الرّجل أمام الدّابة آخذا بقيادها ، و السّوق أن يكون خلفها ، فان قادها لنفسه قيل : اقتادها ، و المقود بالكسر الحبل يقاد به ، و القياد مثله مثل لحاف و ملحف .
و ( العورة ) السوءة و كلّ أمر يستحى منه و ( الطول ) الامتداد يقول طال الشيء
[ 299 ]
طولا بالضمّ امتدّ و خلاف العرض ، و في بعض النسخ من طولها وزان عنب و هو حبل تشدّ به قائمة الدّابة أو تشدّ و تمسك طرفه و ترسلها ترعى ، و طال طولك و طيلك و طيالك أى عمرك أو مكثك أو غيبتك .
( و منهاجا لا يضلّ نهجه ) المنهاج و النهج وزان فلس الطريق الواضح ، و نهج الطريق نهجا من باب منع سلكه ، و يضلّ من باب الافعال و في بعض النسخ بصيغة المجرّد .
و ( الغدران ) جمع الغدير و هو النهر و ( الأثافي ) بفتح الهمزة و تشديد الياء كاثاف جمع الاثفية بالضمّ و بالكسر و هو الحجر يوضع عليه القدر و الأثافي الأحجار الموضع عليها القدر على شكل مثلّث و ( نضب ) الماء نضوبا من باب قعد غار في الأرض و ينضب بالكسر من باب ضرب لغة .
و ( غاض ) الماء غيضا من باب سار نضب و قلّ ، و غاضه اللّه بتعدّى و لا يتعدّى فالماء مغيض قال الشارح المعتزلي و روى لا يغيضها بالضمّ على قول من قال أغضت الماء و هي لغة غير مشهورة .
و ( الأكمة ) بالتحريك التلّ ، و قيل : شرفة كالرّابية و هو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد ، و ربّما غلظ و الجمع اكم و اكمات مثل قصبة و قصب و قصبات و جمع الاكم اكام مثل جبل و جبال ، و جمع الاكام اكم بضمّتين مثل كتاب و كتب و جمع الاكم أكام مثل عنق و أعناق هكذا قال الفيومي .
و ( المحجّة ) بالفتح جادّة الطريق و ( الفلج ) بالضّم اسم من الفلج و هو الظفر و الفوز و فلج بحجّته أثبتها ، و أفلج اللّه حجّته أظهرها و ( وعى ) الحديث وعيا من باب وعد حفظه و جمعه و تدبّره .
الاعراب
قوله : في انقطاع من مدّتها ظرف لغو متعلّق بقوله أزف و في بمعنى مع و يحتمل أن يكون ظرفا مستقرّا متعلّقا بمقدّر حالا من قياد ، و قوله : نورا بدل من الكتاب ، و قوله : و منهاجا لا يضلّ نهجه إن كان من باب الافعال فنهجه منصوب على
[ 300 ]
المفعول و الفاعل ضمير مستكن راجع إلى منهاجا ، و إن كان بصيغة المجرّد فهو مرفوع على الفاعل و اسناد الفعل اليه من المجاز العقلي أو المصدر بمعنى الفاعل فمجاز لغويّ و الاسناد حينئذ على حقيقته .
المعنى
اعلم أنّه عليه السّلام لمّا ذكر في الفصل السّابق فضل الاسلام و شرفه أردفه بهذا الفصل و أشار فيه إلى بعثة من جاء بالاسلام ، و شرح حال زمان البعثة تنبيها بذلك على عظم ما ترتّب على بعثه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفوائد العظيمة ، ثمّ عقّب بذكر أعظم نعمة أنعم اللّه به على عباده ببعثه و هو تنزيل الكتاب العزيز و ذلك قوله :
( ثمّ إن اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) بالهدى و دين الحقّ ( حين دنا من الدّنيا الانقطاع و أقبل من الآخرة الاطلاع ) الظاهر أنّ المراد به قرب انقطاع دنيا كلّ امّة و إقبال آخرتهم بحضور موتهم حسبما عرفت تفصيله فى شرح قوله : أمّا بعد فانّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و أنّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطلاع ، من الخطبة الثامنة و العشرين .
و يحتمل أن يراد به قرب زوالها بالكلّية و إشراف الآخرة و القيامة الكبرى بناء على أنّ ما مرّ من عمر الدّنيا أكثر ممّا بقى ، و يعضده بعض الأخبار .
مثل ما رواه في البحار من البرسي في مشارق الأنوار عن الثمالي عن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام قال : إنّ اللّه خلق محمّدا و عليّا و الطيّبين من ذريّتهما من نور عظمته و أقامهم أشباحا قبل المخلوقات ، ثمّ قال الظنّ إنّ اللّه لم يخلق خلقا سواكم بلى و اللّه لقد خلق اللّه ألف ألف آدم و ألف ألف عالم و أنت و اللّه في آخر تلك العوالم .
و فيه أيضا من جامع الأخبار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ موسى سأل ربّه عزّ و جلّ أن يعرّفه بدء الدّنيا منذكم خلقت فأوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى تسألني عن غوامض علمي فقال : يا ربّ أحبّ أن أعلم ذلك ، فقال : يا موسى خلقت الدّنيا منذ مأة ألف ألف عام عشر مرات و كانت خرابا خمسين ألف عام ، ثمّ بدءت في عمارتها فعمرتها خمسين ألف عام ، ثمّ خلقت فيها خلقا على مثال البقر ياكلون رزقى
[ 301 ]
و يعبدون غيرى خمسين ألف عام ، ثمّ امتّهم كلّهم في ساعة واحدة ، ثمّ خربت الدّنيا خمسين ألف عام ، ثمّ بدءت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام ، ثمّ خلقت فيها بحرا فمكث البحر خمسين ألف عام لا شيء مجاجا من الدّنيا يشرب ، ثمّ خلقت دابّة و سلّطتها على ذلك البحر فشربه بنفس واحد ، ثمّ خلقت خلقا أصغر من الزّنبور و أكبر من البقّ فسلّطت ذلك الخلق على هذه الدّابّة فلدغها و قتلها ، فمكثت الدّنيا خرابا خمسين ألف عام ، ثمّ بدءت في عمارتها فمكثت خمسين ألف سنة ، ثمّ جعلت الدّنيا كلّها آجام القصب و خلقت السّلاحف و سلّطتها عليها فأكلتها حتّى لم يبق منها شيء ، ثمّ أهلكتها في ساعة واحدة فمكثت الدّنيا خرابا خمسين ألف عام ، ثمّ بدءت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام ، ثمّ خلقت ثلاثين آدم ثلاثين ألف سنة من آدم إلى آدم ألف سنة ، فأفنيتهم كلّهم بقضائي و قدرى ، ثمّ خلقت فيها ألف ألف مدينة من الفضّة البيضاء ، و خلقت في كلّ مدينة مأة ألف ألف قصر من الذّهب الأحمر ، فملئت المدن خردلا عند الهواء يومئذ ألذّ من الشهد و أحلى من العسل و أبيض من الثلج ، ثمّ خلقت طيرا أعمى و جعلت طعامه في كلّ ألف سنة حبّة من الخردل أكلها كلّها حتّى فنيت ، ثمّ خرّبتها فمكثت خرابا خمسين ألف عام ثمّ بدءت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام ، ثمّ خلقت أباك آدم بيدى يوم الجمعة وقت الظهر و لم أخلق من الطين غيره ، و أخرجت من صلبه النبيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .
و هذان الخبران كما ترى يعضدان ما ذكرناه من كون الغابر من الدّنيا أكثر من الباقي .
لكن العلامة المجلسي « قد » قال في المجلّد التاسع من البحار بعد ايراد رواية البرسي : لا أعتمد على ما تفرّد بنقله ، و قال في المجلّد الرّابع عشر بعد رواية الخبر الثاني من جامع الأخبار : هذه من روايات المخالفين أوردها صاحب الجامع فأوردتها و لم أعتمد عليها .
فعلى ذلك لا يمكن التعويل عليهما مع منافاتهما لما رواه المحدّث الجزائرى
[ 302 ]
فى الأنوار عن ابن طاووس « ره » أنّ عمر الدّنيا مأة ألف سنة يكون منها عشرون ألف سنة ملك جميع أهل الدّنيا ، و يكون ثمانون ألف سنة منها مدّة ملك آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأولى ردّ علم ذلك إلى اللّه و الرّاسخون فى العلم عليهم السّلام هذا .
و قوله ( و أظلمت بهجتها بعد اشراق ) أراد به أنّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حين فترة من الرّسل بعد ما كانت الدّنيا مبتهجة بوجودهم مشرقة مضيئة بأنوار هدايتهم ، فأظلمت بهجتها أى ذهب حسنها و نضارتها بطول زمان الفترة و تمادى مدّة الغفلة و الضلالة .
( و قامت بأهلها على ساق ) قد مضى تحقيق معنى هذه الجملة في شرح الخطبة المأة و الثامنة و الثلاثين فليراجع ثمّة و محصّل المراد بلوغها حين بعثته إلى غاية الشدّة بأهلها لما كانت عليه العرب حينئذ من ضيق العيش و الضّر و الحروب و القتل و الغارة و إثارة الفتن و تهييج الشرور و المفاسد كما قال عليه السّلام في الخطبة السّادسة و العشرين : إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل ، و أنتم معشر العرب على شرّ دين و فى شرّ دار منيخون بين حجارة خشن و حيات صمّ ، تشربون الكدر ، و تأكلون الجشب ،
و تسفكون دمائكم و تقطعون أرحامكم آه .
( و خشن منها مهاد ) كناية عن عدم الاستقرار بها و فقدان طيب العيش و الرّاحة ،
لأنّ ذلك إنّما يتمّ بانتظام الشرايع و ثبات قوانين العدل و يرتفع بارتفاعها .
( و أزف منها قياد ) أى قرب منها اقتياد أهلها و تعريضهم بالهلاك و الفناء ، أو انقيادها بنفسها للعدم و الزّوال ، و الثاني أظهر بملاحظة الظروف الّتي بعدها أعني قوله .
( في انقطاع من مدّتها ) و انخراطها في سلك العدم .
( و اقتراب من أشراطها ) أي آياتها و علاماتها الدّالّة على زوالها ، و المراد بها أشراط السّاعة الّتي اشير اليها في قوله تعالى فهل ينظرون الاّ السّاعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها و قوله انّه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها و قوله يوم تأتي السّماء بدخان مبين . يغشي النّاس هذا عذاب اليم .
[ 303 ]
و انّما جعلها من أشراط الدّنيا مع كونها من أشراط السّاعة لوقوعها في الدّنيا مع أنّها كما تدلّ على قرب القيامة تدلّ على انقطاع الدّنيا و تمامها ، فتكون أشراطا لهما معا ، و مضى تفصيل هذه الأشراط في شرح الخطبة المأة و التاسعة و الثمانين .
و روى في الصافي في حديث أشراط السّاعة : أوّل الآيات الدّخان و نزول عيسى و نار تخرج من قعر عدن ابين تسوق النّاس إلى المحشر .
و فى البحار من مجمع البيان و روى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال : بادروا بالأعمال ستّا : طلوع الشمس من مغربها ، و الدّابّة ، و الدّجّال ، و الدّخان ، و خويصة أحدكم أى موته ، و أمر العامّة يعني القيامة .
( و تصرّم من أهلها ) أى انقطاع منهم ( و انفصام من حلقتها ) أى انكسار و اندراس من نظام أهلها و اجتماعهم على الشريعة و الدّين ( و انتشار من سببها ) أى تفرّق من حبلها و ربقتها المشدودة بها رقاب أهلها و هو حبل الاسلام .
( و عفاء من اعلامها ) أى دروس منها و هو كناية عن فقدان الأنبياء و العلماء الصّالحين الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهالة و يستضاء بأنوارهم في بوادى الضّلالة .
( و تكشّف من عوراتها ) أى ظهور من معايبها و مساويها الّتي كانت مستورة بحجاب الشرايع و استار الاسلام .
( و قصر من طولها ) أى من تماديها و امتدادها أو المراد قصر عمرها على رواية طول بكسر الطّاء و فتح الواو .
و تعديد هذه الحالات الّتي كان عليها النّاس حين بعثه صلّى اللّه عليه و آله و شرحها و بسطها تذكيرا للمخاطبين بأنّ بعثه في مثل تلك الحالات أعظم من منّ اللّه تعالى به على عباده ، ليؤدّ السامعون بتذكّره و ذكراه وظايف شكر تلك النعمة العظمى ، و يقوموا بمراسم حمده حيث أنقذهم ببعثه سلام اللّه عليه و آله من ورطات الكفر و الضّلال ،
و أنجاهم من العقاب و الوبال .
( جعله اللّه سبحانه بلاغا لرسالته ) أى تبليغا لها كما في قوله تعالى و ما على الرّسول الاّ البلاغ أى إلاّ أداء الرّسالة و بيان الشريعة أو كفاية لها كما في قوله
[ 304 ]
تعالى في وصف القرآن هذا بلاغ للنّاس و لينذروا به أى موعظة بالغة كافية ،
و على المعنيين فلا بد من جعل المصدر بمعنى الفاعل أى جعله عزّ و جلّ مبلّغا للرسالة أو كافيا لها أى غير محتاج معه إلى رسول آخر ، و لذلك كان صلّى اللّه عليه و آله خاتم النّبوة .
( و كرامة لامّته ) أى أكرمهم عزّ و جلّ بجعله رسولا لهم و جعلهم امّة له صلّى اللّه عليه و آله و فضّلهم بذلك على ساير الامم .
( و ربيعا لأهل زمانه ) تشبيهه بالرّبيع إمّا من أجل ابتهاجهم ببهجة جماله و بديع مثاله كما يبتهج النّاس بالرّبيع و نضراته و طراوته ، أو من أجل أنّ أهل زمانه قد خرجوا بوجوده الشريف من ضنك المعيشة إلى الرّخا و السعة ، كما أنّ الناس يخرجون في الرّبيع من جدب الشتاء و ضيق عيشها إلى الدّعة و الرفاهة .
( و رفعة لأعوانه و شرفا لأنصاره ) يحتمل رجوع الضميرين الى اللّه كما في الفقرة الاولى و إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما في الفقرتين الأخيرتين ، و على أىّ تقدير فالمراد بالأعوان و الأنصار المسلمون أمّا كونهم أنصارا له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فواضح ، و أمّا جعلهم أنصارا و عونا للّه عزّ و جلّ على الاحتمال الأول فلكونهم أنصار دين اللّه و أعوان رسوله ، أضافهما إليه تعالى تشريفا و تكريما .
و كيف كان فقد شرف اللّه تعالى المسلمين و رفع شأنهم فى الدّنيا و الآخرة بمتابعتهم لرسوله و معاونتهم له و سلّطهم على محادّيه و جاحديه لعنهم اللّه تعالى و عذّبهم عذابا أليما ، هذا .
و لمّا ذكر بعثة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و أشار إلى بعض فوايد بعثه أردفه بذكر أعظم معجزات النّبوة و هو الكتاب العزيز ، و أشار إلى جملة من أوصافه و مزاياه تنبيها على علوّ قدره و عزّة شأنه فقال :
( ثمّ أنزل عليه الكتاب ) و عدّ به اثنين و أربعين منقبة .
أولها كونه ( نورا لا تطفى مصابيحه ) أمّا أنّه نور فلاهتداء النّاس به من ظلمات الجهل كما يهتدى بالنور المحسوس في ظلمة اللّيل قال تعالى إنّ هذا القرآن يهدى للّتي هي أقوم و أمّا مصابيحه فاستعارة لطرق الاهتداء و فنون العلوم الّتي تضمّنها القرآن .
[ 305 ]
( و ) الثانية كونه ( سراجا لا يخبو توقده ) أمّا أنّه سراجا فلما مرّ آنفا ،
و أمّا ، أنّه لا يخبو توقّده فالمراد به عدم انقطاع اهتداء النّاس به و استضاءتهم بنوره .
( و ) الثالثة كونه ( بحرا لا يدرك قعره ) استعارة البحر له باعتبار اشتماله على النكات البديعة و الأسرار الخفيّة و دقايق العلوم الّتي لا يدركها بعد الهمم و لا ينالها غوص الفطن كما لا يدرك الغائص قعر البحر العميق .
( و ) الرابعة كونه ( منهاجا لا يضلّ نهجه ) أى طريقا واضحا مستقيما إلى الحقّ لا يضلّ سالكه أو لا يضلّ سلوكه .
( و ) الخامسة كونه ( شعاعا لا يظلم ضوءه ) أى حقّا لا يدانيه شكّ و ريب أى لا يشوبه ظلمة الباطل فيغطيه و يستره كما قال تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه و قال لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
قال الطبرسي : قيل : إنّ الباطل الشيطان و معناه لا يقدر الشيطان أن ينقص منه حقّا أو يزيد فيه باطلا ، و قيل : لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات فلا تناقض في ألفاظه .
و لا كذب في اخباره و لا يعارض و لا يزاد فيه و لا يغيّر بل هو محفوظ حجة على المكلّفين إلى يوم القيامة ، و يؤيّده قوله تعالى انّا نحن نزّلنا الذّكر و انّا له لحافظون .
( و ) السادسة كونه ( فرقانا لا يخمد برهانه ) أى فارقا بين الحقّ و الباطل و فاصلا بينهما لا ينتفي براهينه الجليّة و بيّناته الّتي بها يفرق بينهما كما قال تعالى انّه لقول فصل و ما هو بالهزل و قال هدى للنّاس و بيّنات من الهدى و الفرقان .
( و ) السابعة كونه ( بنيانا لا تهدم أركانه ) شبّهه ببنيان مرصوص وثيق الأركان فاستعار له لفظه و الجامع انتظام الاجزاء و اتّصال بعضها ببعض ، و قوله : لا تهدم أركانه ،
ترشيح للاستعارة ، و فيه إشارة إلى أنّ البنيان الوثيق كما أنّه مأمون من التّهافت و الهدم و الانفراج فكذلك الكتاب العزيز محفوظ من طروّ النقص و الخلل و الاندراس .
( و ) الثامنة كونه ( شفاء لا تخشى أسقامه ) يعني انّه شفاء للأبدان و الأرواح .
أمّا الأبدان فبالتجربة و العيان مضافا إلى الأحاديث الواردة في خواصّ أكثر الآيات المفيدة للاستشفاء و التعويذ بها .
[ 306 ]
مثل ما في الكافي باسناده عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال :
شكى رجل إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا في صدره فقال : استشف بالقرآن فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول : و شفاء لما في الصّدور .
و عن سلمة بن محرّز قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : من لم يبرءه الحمد لم يبرءه شيء .
و عن إبراهيم مهزم عن رجل سمع أبا الحسن عليه السّلام يقول : من قرء آية الكرسي عند منامه لم يخف الفالج انشاء اللّه ، و من قرءها في دبر كلّ فريضة لم يضرّه ذوحمة .
و فى مجمع البيان من كتاب العياشي باسناده انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لجابر بن عبد اللّه الأنصارى : ألا اعلمك أفضل سورة أنزلها اللّه في كتابه ؟ قال : فقال له جابر :
بلى بأبى أنت و أمّي يا رسول اللّه علّمنيها ، قال : فعلّمه الحمد أمّ الكتاب ، ثمّ قال :
يا جابر ألا اخبرك عنها ؟ قال : بلى بأبى أنت و امّى فأخبرني ، فقال : هى شفاء من كلّ داء إلاّ السّام ، و السّام الموت ، إلى غير هذه ممّا لا حاجة إلى ايرادها .
و أمّا الأرواح فلأنّه بما تضمّنه من فنون العلوم شفاء لأمراض الجهل .
فقد ظهر بذلك كونه شفاء للأبدان من الأوجاع و الأسقام ، و شفاء للقلوب من كلّ شك و ريب و شبهة ، و يصدق ذلك قوله تعالى في سورة السجدة قل هو للّذين آمنوا هدى و شفاء و في سورة بني اسرائيل و ننزّل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين .
و لا يزيد الظالمين الاّ خساراً .
قال أمين الاسلام الطبرسي وجه الشّفاء فيه من وجوه :
منها ما فيه من البيان الّذى يزيل عمى الجهل و حيرة الشكّ .
و منها ما فيه من النظم و التأليف و الفصاحة البالغة حدّ الاعجاز الّذى يدلّ على صدق النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو من هذه الجهة شفاء من الجهل و الشكّ و العمى في الدّين و يكون شفاء للقلوب .
و منها أنّه يتبرّك به و بقراءته و يستعان به على دفع العلل و الأسقام و يدفع اللّه به كثيرا من المكاره و المضارّ على ما يقتضيه الحكمة .
و منها ما فيه من أدّلة التوحيد و العدل و بيان الشرايع فهو شفاء للنّاس في دنياهم
[ 307 ]
و آخرتهم ، و رحمة للمؤمنين أى نعمة لهم ، و إنّما خصّهم بذلك لأنّهم المنتفعون به ، انتهى .
فقد تحصّل من ذلك أنّه شفاء لا يخاف أن يعقب سقما ، لأنّ الكمالات النفسانية الحاصلة من قراءته و تفكّره و تدبّر آياته تصير ملكات راسخة لا تتبدّل بأضدادها و لا تتغيّر .
( و ) التاسعة كونه ( عزا لا تهزم أنصاره ) أى لا تغلب و لا تقهر .
( و ) العاشرة كونه ( حقّا لا تخذل أعوانه ) و المراد بأعوانه و أنصاره هم المسلمون العارفون بحقّه العاملون بأحكامه و عدم هزمهم و خذلانهم نصّ قوله تعالى لن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً .
قال في مجمع البيان فيه أقوال :
أحدها أنّ المراد لن يجعل اللّه لليهود على المؤمنين نصرا و لا ظهورا .
و قيل : لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا بالحجّة و إن جاز أن يغلبوهم بالقوّة ، لكن المؤمنين منصورون بالدّلالة و الحجّة .
و قيل : لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا لأنّه مذكور عقيب قوله فاللَّه يحكم بينهم يوم القيامة بيّن اللّه سبحانه أنّه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدّنيا بالقتل و القهر و النهب و الاسر و غير ذلك من وجوه الغلبة فلن يجعل لهم يوم القيامة عليهم سبيلا .
و الحادية عشر ما أشار إليه بقوله ( فهو معدن الايمان و بحبوحته ) .
أمّا أنّه معدن الايمان ، فلأنّ المعدن عبارة عن منبت الجوهر من ذهب و فضّة و نحوهما ، و لمّا كان الايمان باللّه و رسوله جوهرا نفيسا لا جوهر أنفس منه و لا أغلى عند ذوى العقول ، و كان يستفاد من القرآن و يستخرج منه جعله معدنا له .
و أمّا أنّه بحبوحته و وسطه فلأنّ الايمان بجميع أجزائه و شرايطه و مراسمه يدور عليه ، فهو بمنزلة القطب و المركز لدائرة الايمان كما هو ظاهر .
( و ) الثانية عشر أنّه ( ينابيع العلم و بحوره )
[ 308 ]
أمّا أنّه ينابيع العلم فلأنّ العلوم بجميع أقسامه منه تفيض كالعيون الجارية منها الماء .
و أمّا أنّه بحوره فلاحتوائه بفنون العلم كاحتواء البحر بمعظم الماء ( و ) الثالثة عشر أنّه ( رياض العدل و غدرانه ) .
أمّا كونه رياض العدل فلأنّ الرّياض عبارة عن مجامع النّبات و الزّهر و الرّياحين الّتي تبتهج النفوس بخضرتها و نضرتها ، و تستلذّ الطباع بحسنها و بهجتها كما قال تعالى و حدائق ذات بهجة فشبّه التّكاليف الشرعيّة المجعولة عن وجه العدل و الحكمة بالزّهر و النبات الحسن لايجابها لذّة الأبد و جعل الكتاب العزيز رياضا لها لاجتماعها فيه و استنباطها منه .
و أمّا كونه غدران العدل فلأنّ الغدير عبارة عن مجمع الماء فشبّه الأحكام العدليّة بالماء لما فيها من حياة الأرواح كما أنّ بالماء حياة الأبدان و جعله غديرا لجامعيّته لها .
( و ) الرابعة عشر أنّه ( أثافيّ الاسلام و بنيانه ) لما قد عرفت من أنّ الأثافي عبارة عن الأحجار الّتي عليها القدر ، فجعله أثافى للاسلام لاستقراره و ثباته عليه مثل استقرار القدر على الأثافي .
و بهذا الاعتبار أيضا جعل الصلاة و الزّكاة و الولاية أثافية في حديث البحار من الكافي عن الصّادق عليه السّلام قال : أثافي الاسلام ثلاثة : الصلاة ، و الزكاة ، و الولاية لا تصحّ واحدة منهنّ إلاّ بصاحبتها .
قال العلاّمة المجلسيّ : و إنّما اقتصر عليها لأنها أهمّ الأجزاء و يدلّ على اشتراط قبول كلّ منها بالآخرين ، و لا ريب في كون الولاية شرطا لصحّة الاخريين .
( و ) الخامسة عشر أنّه ( أودية الحقّ و غيطانه ) يعني أنّ طالب الحقّ إنّما يجده في هذه الأودية و الأراضى المطمئنة قال الشارح البحراني : و اللّفظان مستعاران باعتبار كونه معدنا للحقّ و مظنّة له ، كما أنّ الأودية و الغيطان مظانّ الكلاء و الماء .
( و ) السادسة عشر أنّه ( بحر لا ينزفه المستنزفون ) أى لا ينزحه كلّه و لا يفنيه
[ 309 ]
المستقون ، و هو إشارة إلى عدم انتهاء العلوم المستفادة منه ، فانّ فيه علم ما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة حسبما عرفت في شرح الفصل السّابع عشر من الخطبة الاولى .
( و ) السابعة عشر أنّه ( عيون لا ينضبها الماتحون ) أى لا يغيّرها المستسقون .
( و ) الثامنة عشر أنّه ( مناهل لا يغيضها الواردون ) أى مشارب لا ينقص مائها الواردون على كثرة ورودهم عليها .
( و ) التاسعة عشر أنّه ( منازل لا يضلّ نهجها المسافرون ) يعني أنّه منازل السّالكين إلى اللّه لا يضلّ مسافروه منهاج تلك المنازل لكونه واضحا جليّا و جادّة مستقيمة ( و ) العشرون أنّه ( أعلام لا يعمى عنها السّائرون ) لاستنارتها و اضاءتها .
( و ) الحادية و العشرون أنّه ( آكام لا يجوز عنها القاصدون ) قال الشّارح البحراني : استعار لفظ الاعلام و الآكام للأدلّة و الامارات فيه على طريق إلى معرفته و احكامه باعتبار كونها هادية إليها كما تهدى الأعلام و الجبال على الطّرق .
و الثانية و العشرون أنّه ( جعله اللّه تعالى ريّا لعطش العلماء ) شبّه شدّة اشتياق نفوس العلماء و حرصهم على المعارف الحقّة الالهيّة بعطش العطاش ، و حيث إنّ الكتاب العزيز كان رافعا لغللهم جعله مرويّا لهم كما يروى الماء الغليل .
( و ) الثالثة و العشرون أنّه جعله سبحانه ( ربيعا لقلوب الفقهاء ) لابتهاج قلوبهم به و استلذاذهم منه كما يبتهج النّاس بالرّبيع .
( و ) الرابعة و العشرون أنّه جعله ( محاجّ لطرق الصلحاء ) أى جواد واضحة مستقيمة لا عوج فيها و لا خفاء ، لأنّه يهدى للّتي هي أقوم .
( و ) الخامسة و العشرون أنّه جعله ( دواء ليس معه داء ) حسبما عرفته في شرح قوله : و شفاء لا تخشى أسقامه .
( و ) السادسة و العشرون أنّه جعله ( نورا ليس معه ظلمة ) أى حقّا لا يشوبه باطل حسبما عرفته في شرح قوله ، و شعاعا لا يظلم نوره .
[ 310 ]
و فى الكافى باسناده عن أبى جميلة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام أصحابه : إنّ هذا القرآن هدى النهار و نور اللّيل المظلم على ما كان من جهد وفاقة .
و فيه عن طلحة بن زيد عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى و مصابيح الدّجى فليجل جال بصره و يفتح للضياء نظره فانّ التّفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظّلمات بالنور .
( و ) السابعة و العشرون أنّه جعله ( حبلا وثيقا عروته ) لا يخشى من انفصامه من تمسّك به و اتّبع بأحكامه نجا و من تركه هلك .
( و ) الثامنة و العشرون أنّه جعله ( معقلا منيعا ذروته ) أى ملجأ و حصنا حصينا يمنع الملتجى إليه من أن يناله المكروه و سوء العذاب .
( و ) التاسعة و العشرون أنّه جعله ( عزّا لمن تولاّه ) يعني من اتّخذه وليّا و ألقى إليه أزمّة اموره و عمل بأوامره و نواهيه فهو عزّة له في الدّارين .
( و ) الثلاثون أنّه جعله عزّ و جلّ ( سلما لمن دخله ) قال الشارح البحراني أى أمنا ، و دخوله الخوض في تدبّر مقاصده و اقتباسها و بذلك الاعتبار يكون مأمنا من عذاب اللّه و من الوقوع في الشّبهات الّتي هي مهاوى الهلاك ، و قيل : استعار لفظ السّلم باعتبار عدم اذاه لمن دخله فهو كالمسالم له .
( و ) الحادية و الثلاثون أنّه جعله ( هدى لمن ائتمّ به ) و هو واضح كما قال تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين .
( و ) الثانية و الثلاثون أنه جعله ( عذرا لمن انتحله ) و لعلّ المراد كونه عذرا منجيا من العذاب يوم القيامة لمن دان به و جعله نحلته و قيل : إنّ المراد أنّ من انتسب اليه بأن جعل نفسه من أهل القرآن و افتخر بذلك كان القرآن نفسه عذرا له ،
لعلوّ شأنه ، و ما ذكرناه أقرب .
( و ) الثالثة و الثلاثون أنّه جعله ( برهانا لمن تكلّم به ) أى حجّة واضحة و بيانا جليا لمن احتجّ به .
[ 311 ]
( و ) الرابعة و الثلاثون أنه جعله ( شاهدا لمن خاصم به ) أى دليلا محكما للمستدلّ .
( و ) الخامسة و الثلاثون أنّه جعله ( فلجأ لمن حاجّ به ) أى ظفرا و فوزا للمخاصم يعني أنّ من خاصم و احتجّ به فاز بمقصده و غلب خصمه .
روى في البحار من كنز الفوايد باسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال : يا معشر الشّيعة خاصموا بسورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر تفلجوا ، فو اللّه إنّها لحجّة اللّه تبارك و تعالى على الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّها لسيّدة دينكم و إنّها لغاية علمنا ، يا معشر الشّيعة خاصموا بحم و الكتاب المبين فانّها لولاة الأمر خاصة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .
( و ) السادسة و الثلاثون أنه جعله ( حاملا لمن حمله ) يعني أنّ من حمل القرآن و حفظه و عمل به و اتّبع أحكامه حمله القرآن إلى دار القدس و غرفات الجنان .
روى في الكافي باسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله :
يا معاشر قرّاء القرآن اتّقوا اللّه عزّ و جلّ فيما حملكم من كتابه فاني مسئول و انكم مسئولون ، إنّي مسئول عن تبليغ الرّسالة ، و أما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب اللّه و سنّتي .
و فيه عن السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة و المجتهدون قوّاد أهل الجنّة و الرّسل سادات أهل الجنّة .
و عن عمرو بن جميع عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم :
إنّ أحقّ النّاس بالتخشّع في السّرّ و العلانية لحامل القرآن ، و إنّ أحقّ النّاس في السرّ و العلانية بالصلاة و الصّوم لحامل القرآن ، ثمّ نادى بأعلى صوته يا حامل القرآن تواضع به يرفعك اللّه و لا تعزّ زبه فيذلّك اللّه ،
يا حامل القرآن تزيّن به للّه يزيّنك اللّه به و لا تزيّن به للنّاس فيشينك اللّه به ،
من ختم القرآن فكأنّما ادرجت النّبوة بين جنبيه و لكنّه لا يوحى إليه ، و من جمع القرآن فنوله لا يجهل مع من يجهل عليه و لا يغضب فيمن يغضب عليه و لا يحدّ فيمن
[ 312 ]
يحدّ عليه و لكنّه يعفو و يصفح و يغفر و يحلم لتعظيم القرآن ، و من اوتى القرآن فظنّ أنّ أحدا من النّاس اوتى أفضل ممّا اوتى فقد عظّم ما حقّر اللّه ، و حقّر ما عظّم اللّه .
( و ) السابعة و الثلاثون أنّه جعله ( مطيّة لمن أعمله ) أى مركبا سريع السّير يبلغ بمن أعمله إلى منزله و مقصده ، و هو حظاير القدس و مجالس الانس ، و المراد باعماله هو حفظه و المواظبة عليه و عدم الغفلة عنه .
روى في الكافي باسناده عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول :
إنّ الرّجل إذا كان يعلم السّورة ثمّ نسيها و تركها و دخل الجنّة أشرفت عليه من فوق فى أحسن صورة فتقول : تعرفني ؟ فيقول : لا ، فتقول : أنا سورة كذا و كذا لم تعمل بي و تركتني أما و اللّه لو عملت بي لبلغت بك هذه الدّرجة ،
و أشارت بيدها إلى فوقها .
و عن يعقوب الأحمر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : إنّ عليّ دينا كثيرا و قد دخلني شيء ما كاد القرآن يتفلّت مني ، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : القرآن القرآن إنّ الآية من القرآن و السّورة لتجيء يوم القيامة حتّى تصعد ألف درجة يعني في الجنّة ،
فتقول : لو حفظتني لبلغت بك ههنا .
و عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : من نسي سورة من القرآن مثّلت له في صورة حسنة و درجة رفيعة في الجنّة ، فاذا رآها قال : ما أنت ما أحسنك ليتك لي ، فيقول : أما تعرفني أنا سورة كذا و كذا و لو لم تنسني لرفعتك إلى هذا .
( و ) الثامنة و الثلاثون أنّه جعله ( آية لمن توسّم ) أى دلالة للمتفكّر المعتبر و علامة يستدلّ بها المتفرّس ، و أصل التوسّم هو النظر في السمة أى العلامة الدّالة قال تعالى انّ في ذلك لآيات للمتوسّمين أى دلالات للمتفكّرين المعتبرين .
قال في مجمع البيان : و قد صحّ عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال : اتّقوا فراسة المؤمن و انّه ينظر بنور اللّه ، و قال : إن للّه عبادا يعرفون الناس بالتوسّم ثمّ قرء هذه الآية .
( و ) التاسعة و الثلاثون أنه جعله ( جنّة لمن استلام ) أى وقاية و سلاحا لطالب
[ 313 ]
الدّرع و السلاح ، و المراد كونه وقاية لقارئه من مكاره الدّنيا و الآخرة أما الآخرة فواضحة ، لأنه يوجب النجاة من النار و الخلاص من غضب الجبار جلّ جلاله .
و أما الدّنيا فيدلّ على كونه وقاية من مكارهها صريح قوله تعالى و إذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً .
قال الطبرسيّ : قال الكلبيّ : و هم أبو سفيان و النّضر بن الحرث و أبو جهل و امّ جميل امرأة أبي لهب ، حجب اللّه رسوله عن أبصارهم و كانوا يأتونه و يمرّون به و لا يرونه .
و فى الصافى من قرب الاسناد عن الكاظم عليه السّلام انّ امّ جميل امرأة أبي لهب أتته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نزلت سورة تبّت و مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبو بكر بن أبي قحافة ، فقال :
يا رسول اللّه هذه امّ جميل منخفضة أو مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّها لا تراني ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك ؟ قال : حيث شاء اللّه ،
قالت : لقد جئته و لو أراه لرميته فانّه هجاني و اللاّت و العزّى إنّي لشاعرة ، فقال أبو بكر : يا رسول اللّه لم ترك ؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لا ، ضرب اللّه بيني و بينها حجابا مستورا .
و أما ساير النّاس فيشهد بكونه جنّة لهم من المكاره .
ما رواه في الكافي باسناده عن الاصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال : و الّذى بعث محمّدا بالحقّ و أكرم أهل بيته ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابة من صاحبها أو آبق إلاّ و هو في القرآن ، فمن أراد ذلك فليسألني عنه .
قال : فقام اليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عمّا يؤمن من الحرق و الغرق فقال عليه السّلام : اقرء هذه الآيات اللَّه الذى نزّل الكتاب و هو يتولّى الصالحين .
و ما قدروا اللَّه حقّ قدره الى قوله سبحانه و تعالى عما يشركون فمن قرأها فقد أمن من الحرق و الغرق ، قال : فقرأها رجل و اضطرمت النار في بيوت جيرانه و بيته وسطها فلم يصبه شيء .
[ 314 ]
ثمّ قام اليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنّ دابتي استصعبت عليّ و أنا منها على وجل فقال : اقرء في اذنها اليمني و له أسلم من في السّموات و الأرض طوعاً و كرهاً و اليه ترجعون فقرأها فذلّت له دابّته .
و قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنّ أرضي أرض مسبعة إنّ السباع تغشى منزلي و لا تجوز حتى تأخذ فريستها فقال : اقرء لقد جائكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم . فان تولّوا فقل حسبى اللَّه لا اله إلاّ هو عليه توكّلت و هو ربّ العرش العظيم فقرأهما الرّجل فاجتنبته السباع .
ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنّ في بطني ماء أصفر فهل من شفاء ؟
فقال : نعم بلا درهم و لا دينار و لكن اكتب على بطنك آية الكرسي و تغسلها و تشربها و تجعلها ذخيرة في بطنك فتبرء باذن اللّه عزّ و جلّ ، ففعل الرّجل فبرء باذن اللّه .
ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضّالّة فقال عليه السّلام اقرء يس في ركعتين و قل : يا هادى الضالّة ردّ عليّ ضالّتي ففعل فردّ اللّه عليه ضالّته .
ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الآبق فقال عليه السّلام : اقرء « أو كظلمات في بحر لجيّ يغشيه موج من فوقه موج إلى قوله و من لم يجعل اللَّه له نوراً فما له من نور » فقالها الرّجل فرجع إليه الآبق .
ثمّ قام إليه آخر فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن السّرق فانّه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلا ، فقال له : اقرء إذا آويت إلى فراشك « قل ادعوا اللَّه أو ادعوا الرّحمن إلى قوله فكبّره تكبيراً » ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام : من بات بأرض قفر فقرء هذه الآية انّ ربّكم اللَّه الّذى خلق السّموات و الأَرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش إلى قوله تبارك اللَّه ربّ العالمين حرسته الملائكة و تباعدت عنه الشّياطين .
قال : فمضى الرّجل فاذا هو بقرية خراب فبات فيها و لم يقرء هذه الآية فغشاه الشّياطين و إذا هو آخذ بخطمه فقال له صاحبه : انظره ، و استيقظ الرّجل فقرء الآية فقال الشيطان لصاحبه : ارغم اللّه أنفك احرسه الآن حتّى يصبح .
[ 315 ]
فلمّا أصبح رجع الى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبره فقال له رأيت في كلامك الشفاء و الصّدق و مضى بعد طلوع الشمس فاذا هو بأثر شعر الشّياطين مجتمعا في الأرض .
( و ) الاربعون أنّه جعله ( علما لمن وعى ) أى علما كاملا بالمبدء و المعاد لمن حفظه و عقله و جعله في وعاء قلبه قال الطريحي : و في الحديث لا يعذّب اللّه قلبا وعي القرآن ، أى عقل القرآن ايمانا منه و عملا ، فأمّا من حفظ ألفاظه و ضيّع حدوده فهو غير واع له ، و فيه : خير القلوب أوعاها ، أى أحفظها للعلم و أجمعها له .
( و ) الحادية و الاربعون أنّه جعله ( حديثا لمن روى ) قال أمين الاسلام الطبرسي في تفسير قوله تعالى اللَّه نزّل احسن الحديث كتابا متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يؤمنون ربّهم يعنى القرآن ، و إنّما سمّاه اللّه حديثا لأنّه كلام اللّه و الكلام سمّى حديثا كما يسمّى كلام النبىّ حديثا ، لأنه حديث التنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء ، و هو أحسن الحديث لفرط فصاحته و لاعجازه و لاشتماله على جميع ما يحتاج المكلّف إليه من التنبيه على أدلّة التوحيد و العدل و بيان أحكام الشرايع و غير ذلك من المواعظ و قصص الأنبياء و الترغيب و الترهيب ، كتابا متشابها يشبه بعضه بعضا و يصدق بعضه بعضا ليس فيه اختلاف و تناقض ، و قيل : إنه يشبه كتب اللّه المتقدّمة و ان كان أعم و أجمع و أنفع .
( و ) الثانية و الاربعون أنه جعله ( حكما لمن قضى ) يعنى من يقضى بين الناس ، فالقرآن حكم له لا حكم له غيره لأنه الحكم الحقّ و غيره باطل كما قال تعالى و من لم يحكم بما أنزل اللَّه فاولئك هم الظالمون و فى آية اخرى فاولئك هم الفاسقون و فى ثالثة فاولئك هم الكافرون .
قيل فى توجيهه : إنّ الحاكم بغير ما أنزل اللّه إن كان لا مع الاعتقاد فهو إمّا ظالم أو فاسق ، و ان حكم بذلك مع اعتقاد أنّه غير ما أنزل اللّه فهو كافر ، هذا .
و قد تقدّم في شرح الفصل السابع عشر من الخطبة الاولى و غيره فصل واف في فضل الكتاب العزيز و ما يتعلّق به فليراجع هناك ، و نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا من العارفين بفضله ، و العاملين بأحكامه ، و الواعين لعلمه ، و الرّاوين لحديثه ، و القاضين
[ 316 ]
بحكمه بجاه محمّد و آله سلام اللّه عليه و عليهم .
الترجمة
فصل سيّم و چهارم از اين خطبة در بيان بعثت حضرت رسالتمآب صلوات اللّه و سلامه عليه و آله و اشاره بر فوايد بعثت است و ذكر نزول كتاب كريم و إشاره بر مناقب آن ميفرمايد :
پس بدرستيكه خداوند تعالى مبعوث فرمود محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله را با حقّ هنگامى كه نزديك شده از دنياى فانى بريده شدن آن ، و اقبال كرده بود از آخرت مشرف بودن آن ، و ظلمانى شده بود شكفتگى دنيا بعد از روشنائى آن ، و بر پا ايستاده بود بأهل خود بغايت شدّت ، و ناهموار شده بود از آن بساط آن ، و نزديك شده بود از آن انقياد آن بزوال در انقطاع مدّت آن ، و نزديكى علامتهاى فناى آن ، و بريده شدن أهل آن ، و گسيخته شدن حلقه آن ، و تفرّق ريسمان آن ، و اندراس علمهاى آن ، و انكشاف قبايح آن ، و كوتاهى درازى آن .
گردانيد او را حق تعالى كفايت كننده از براى رسالت خود ، و كرامت از براى امّت او ، و بهار از براى أهل زمان او ، و سر بلندى بجهت اعوان او ، و شرف مر ياران او را .
پس نازل فرمود بر آن بزرگوار كتاب عزيز خود را نوريكه خاموش نميباشد چراغهاى آن ، و چراغى كه نابود نمىگردد اشتعال آن ، و دريائى كه درك نميشود ته آن ، و جاده واضحى كه ضلالت نمىافتد سالك آن ، و شعائى كه تاريك نميباشد روشنائى آن ، و فرقانى كه خاموش نميشود برهان و دليل آن ، و بنيادى كه خراب نميشود ركنهاى آن ، و شفائى كه ترسيده نميشود مرضهاى آن ، و عزيزى كه مغلوب نميباشد ناصران آن ، و حقى كه خوار نمىباشد ياران آن .
پس آن كتاب معدن ايمان و وسط او است ، و چشمهاى علم و درياهاى او است و باغهاى عدالت و گودالهاى آب او است ، و پايهاى اسلام و بنيان او است ، و بيابانهاى
[ 317 ]
حق و گوديهاى او است ، و دريائيست كه نميتواند بكشد آب آن را آب كشندگان و چشمهائيست كه تمام نمىكند آب آنرا آب بردارندگان ، و سرچشمههائى است كه ناقص نمىنمايد آن را واردان ، و منزلهائيست كه گم نمىكند راه آن را مسافران ، و علامتهائيست كه نابينا نمىشود از آنها سير كنندگان ، و تلهائيست كه تجاوز نمىنمايد از آنها قاصدان .
گردانيد خداوند آن را سيرابى از براى تشنگى عالميان ، و بهار از براى قلبهاى فقيهان ، و راههاى روشن از براى طرق صالحان ، و دوائى كه نيست بعد از آن دردى ، و نورى كه نيست با وجود آن ظلمتى ، و ريسمانى كه محكم است جاى دستگير آن ، و پناهگاهى كه مانع است بلندى آن ، و عزيزى از براى كسى كه آنرا بجهت خود دوست اخذ نموده باشد ، و أمن امان أز براى كسى كه داخل آن شود و هدايت از براى كسى كه اقتدا نمايد بآن ، و عذر از براى كسى كه نسبت آنرا بخود بدهد ، و برهان واضح بجهت كسيكه با آن تكلّم نمايد ، و شاهد صادق بجهت كسيكه مخاصمه نمايد با آن ، و غلبه و ظفر براى كسيكه احتجاج كند با آن ، و بردارنده مر حاملان خود را ، و مركب از براى كسيكه إعمال نمايد آنرا ، و علامت از براى كسيكه تفكر نمايد ، و زره از براى كسيكه طالب سلاح باشد ، و علم كامل كسيرا كه حفظ كند آنرا ، و حديث صحيح كسى را كه روايت نمايد ، و حكم بحق از براى كسيكه حكم نمايد .