جستجو

و من خطبة له ع خطبها بصفين

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام خطبها بصفين و هى المأتان و الخامسة عشر من المختار فى باب الخطب و هى مرويّة في كتاب الرّوضة من الكافي باختلاف كثير و زيادة و نقصان حسبما تعرفه إنشاء اللّه تعالى بعد الفراغ من شرح تمام الخطبة في التكملة الآتية ، و شرحها في فصلين : الفصل الاول أمّا بعد فقد جعل اللّه لي عليكم حقّا بولاية أمركم ، و لكم عليّ من الحقّ مثل الّذي لي عليكم ، فالحقّ أوسع الأشياء في التّواصف ، و أضيّقها في التّناصف ، لا يجري لأحد إلاّ جرى عليه ، و لا يجري عليه [ 121 ] إلاّ جرى له ، و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه لكان ذلك خالصا للّه سبحانه دون خلقه ، لقدرته على عباده ، و لعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه ، و لكنّه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه ، و جعل جزائهم عليه مضاعفة الثّواب تفضّلا منه ، و توسّعا بما هو من المزيد أهله . ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض النّاس على بعض ، فجعلها تتكافوء في وجوهها ، و يوجب بعضها بعضا ، و لا يستوجب بعضها إلاّ ببعض . و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي ، فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ ، فجعلها نظاما لالفتهم ، و عزّا لدينهم ، فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة ، و لا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة . فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه ، و أدّى الوالي إليها حقّها ، عزّ الحقّ بينهم ، و قامت مناهج الدّين ، و اعتدلت معالم العدل ، و جرت على أذلالها السّنن ، فصلح بذلك الزّمان ، و طمع في بقاء الدّولة ، و يئست مطامع الأعداء . [ 122 ] و إذا غلبت الرّعيّة و اليها و أجحف الوالي برعيّته ، اختلفت هنالك الكلمة ، و ظهرت معالم الجور ، و كثر الإدغال في الدّين ، و تركت محاجّ السّنن ، فعمل بالهوى ، و عطّلت الأحكام ، و كثرت علل النّفوس ، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل ، و لا لعظيم باطل فعل ، فهنالك تذلّ الأبرار ، و تعزّ الأشرار ، و تعظم تبعات اللّه سبحانه عند العباد . فعليكم بالتّناصح في ذلك ، و حسن التّعاون عليه ، فليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه ، و طال في العمل اجتهاده ، ببالغ حقيقة ما اللّه سبحانه أهله من الطّاعة له ، و لكن من واجب حقوق اللّه سبحانه على عباده النّصيحة بمبلغ جهدهم ، و التّعاون على إقامة الحقّ بينهم ، و ليس امرء و إن عظمت في الحقّ منزلته ، و تقدّمت في الدّين فضيلته ، بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه ، و لا امرء و إن صغّرته النّفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه . اللغة ( تواصفوا ) الشى‏ء أى وصفه بعضهم على بعض و ( تناصف ) النّاس أنصف بعضهم لبعض و ( صروف ) الدّهر تغيّراته و انقلاباته جمع الصّرف و ( التّكافؤ ) التّساوي و الاستواء و ( يستوجب ) بالبناء على المفعول و ( المنهج ) واضح الطريق و ( ذلّ ) الطريق بالكسر محجّتها و الجمع أذلال كحبر و أخبار و ( الادغال ) [ 123 ] بالكسر أن يدخل في الشي‏ء ما ليس منه و بالفتح جمع الدّغل محرّكة كأسباب و سبب هو الفساد و ( المحاجّ ) بتشديد الجيم جمع المحجّة بفتح الميم و هى الجادّة . و ( تذلّ ) و ( تعزّ ) بالبناء على الفاعل من باب ضرب و في بعض النّسخ بالبناء على المفعول و ( التّبعة ) و زان كلمة ما تطلبه من ظلامة و الجمع تبعات و ( نصحت ) له نصحا و نصيحة و في لغة يتعدّى بنفسه فيقال نصحته و هو الاخلاص و الصّدق و المشورة و العمل . و قال الجزرى النّصيحة فى اللّغة الخلوص يقال : نصحته و نصحت له و معنى نصيحة اللّه صحّة الاعتقاد في وحدانيّته و اخلاص النّية في عبادته ، و النّصيحة لكتاب اللّه هو التّصديق به و العمل بما فيه ، و نصيحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التّصديق بنبوّته و رسالته و الانقياد لما امر به و نهى عنه ، و نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحقّ ، و نصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم . الاعراب قوله : لكان ذلك خالصا للّه سبحانه دون خلقه ، خالصا خال من ذلك و العامل فيه كان ، و على قول بعض النّحويّين من أنّ جميع العوامل اللّفظيّة تعمل في الحال إلاّ كان و اخواتها ، فلابدّ من جعل كان تامّة و دون خلقه في محلّ النصب أيضا على الحال ، و هى حال مؤكّدة . و قوله : و توسّعا بما هو من المزيد أهله ، توسّعا منصوب على المفعول لأجله ، و ما موصولة و جملة هو أهله مبتدء و خبر صلة ما و من المزيد بيان لما . و قوله : فريضة فرضها اللّه في بعض النّسخ بالنّصب على الاشتغال أو على الحال كما قاله بعض الشّراح ، و في بعضها بالرّفع على أنّه خبر لمبتدء محذوف . و قوله : ببالغ خبر ليس اعترضت بينهما جملة و ان اشتدّ آه و الباء فيه زايدة ، و قوله : أو يعان عليه في بعض النّسخ بالواو بدل أو . [ 124 ] المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة حسبما أشار اليه الرّضي و يأتي في رواية الكافي أيضا في آخر الفصل الثاني من جملة الخطب الّتي خطبها بصفّين ، و عمدة غرضه عليه السّلام في هذا الفصل منها نصيحة المخاطبين و ارشادهم إلى ما هو صلاحهم فى الدّنيا و الآخرة من اتّباعهم لأمره و اطاعتهم له و إسراعهم فيما يأمر و ينهي و اتّفاقهم على التّعاون و التّناصف و غير ذلك من وجوه مصالح محاربة القاسطين لعنهم اللّه أجمعين قال عليه السّلام ( أمّا بعد ) حمد اللّه عزّ و جلّ و الصلاة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ( فقد جعل اللّه ) عزّ شأنه ( لى عليكم حقّا بولاية أمركم ) أى لى عليكم حقّ الطاعة لأنّ اللّه جعلنى واليا عليكم متولّيا لاموركم و أنزلنى منكم منزلة عظيمة هى منزلة الامامة و الولاية و السّلطنة و وجوب الطّاعة كما قال عزّ من قائل أطيعوا اللّه و أطيعوا الرّسول و اولى الأمر منكم . ( و لكم علىّ من الحقّ مثل الّذى لى عليكم ) أراد بالحقّ الّذى لهم عليه ما هو حقّ الرّعيّة على الوالى ، و الحقّان متماثلان فى الوجوب ، و قد صرّح بهما فى الخطبة الرّابعة و الثلاثين بقوله : أيّها النّاس إنّ لى عليكم حقّا و لكم علىّ حقّ ، فأمّا حقّكم علىّ فالنّصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم و تعليمكم كيلا تجهلوا و تأديبكم كما تعلموا ، و أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد و المغيب و الاجابة حين أدعوكم و الطّاعة حين آمركم . ( فالحقّ أوسع الأشياء فى التواصف ) يعني إذا أخذ النّاس في بيان الحقّ و وصفه بعضهم لبعض كان لهم في ذلك مجال واسع لسهولته على الألسنة ( و أضيقها في التناصف ) يعني إذا حضر التناصف بينهم أى انصاف بعضهم لبعض فطلب منهم ضاق عليهم المجال لشدّة العمل و صعوبة الانصاف . و محصّله سعة الحقّ في مقام الوصف و القول و ضيقه في مقام الانصاف و العمل . ( لا يجرى لأحد إلاّ جرى عليه و لا يجرى عليه إلاّ جرى له ) لمّا ذكر حقّه [ 125 ] عليهم و حقّهم عليه اتبعه بهذه الجملة تأكيدا و ايذانا بأنّ جريان حقّه عليهم إنّما هو بجريان حقّهم عليه و بالعكس ، و فيه توطين لأنفسهم على ما عليهم و تشويق لهم إلى ما لهم . و انّما ساق الكلام مساق العموم تنبيها على أنّ اللاّزم على كلّ أحد أن يقوم في الحقوق بماله و ما عليه بمقتضي العدل و الانصاف ، فإنّ حقّ الوالي على الرّعيّة و الرّعيّة على الوالي و الوالد على الولد و الولد على الوالد و الزّوج على الزّوجة و الزّوجة على الزّوج و المعلّم على المتعلّم و المتعلّم على المعلّم و الجار على الجار و غيرهم من ذوى الحقوق حسبما نشير اليهم تفصيلا إنّما هو بالتّناصف بين الطرفين . و يوضحه ما في البحار من الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النّوفلى عن السّكونى عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : حقّ على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه ، و حقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه . قال العلامة المجلسى فيه ايماء إلى أنّه إذا لم يعلمهم عند الذّهاب لا يلزم عليهم اتيانه بعد الاياب . ( و لو كان لأحد أن يجرى له ) حقّ على غيره ( و لا يجرى ) لغيره ( عليه لكان ذلك ) الحقّ الجارى ( خالصا للّه سبحانه دون خلقه ) أى متجاوزا عن حقّه و ذلك ( لقدرته على عباده ) و عجز غيره ، فيجوز له أن يجرى حقّه عليهم و يطلب منهم الطّاعة و ينفذ أمره فيهم الزاما فيطيعوه قهرا بدون امكان تمرّد أحد منهم عن طاعته لكونه قاهرا فوق عباده فعّالا لما يشاء ، لا رادّ لحكمه و لا دافع لقضائه كما قال تعالى و لو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلّهم جميعا . و لمّا كان هنا مظنّة أن يتوهّم و يقال إنه إذا جرى حقّه عليهم و خرجوا من عهدته و قاموا بوظايف عبوديّته و طاعته طوعا أو كرها يكون حينئذ لهم حقّ عليه و هو جزاء ما أتوا به فلو لم يجزهم لكان ذلك منافيا للعدل دفع ذلك التّوهم بقوله : ( و لعدله فى كلّ ما جرت عليه صروف قضائه ) و أنواعه المتغيّرة المتبدّلة ، يعني أنّ الجزاء ليس مقتضي العدل حتّى يكون عدمه منافيا له بل هو العادل فى [ 126 ] جميع مقضيّاته و مقدّراته لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون ، نعم هو مقتضى التّفضّل ، و التّفضّل ليس بلازم عليه فلا يثبت لعباده باطاعتهم له حقّ لهم عليه ، هكذا ينبغى أن يفهم المقام . و قد تاه فيه أفهام الشرّاح فمنهم من طوى عن تحقيقه كشحا و منهم من خبط فيه خبطة عشواء ، فانظر ماذا ترى . و قريب ممّا حققناه ما قاله العلاّمة المجلسى فى البحار حيث قال فى شرح ذلك : و الحاصل أنه لو كان لأحد أن يجعل الحقّ على غيره و لم يجعل له على نفسه لكان هو سبحانه أولى بذلك ، و استدلّ على الأولويّة بوجهين : الأوّل القدرة ، فانّ غيره تعالى لو فعل ذلك لم يطعه أحد و اللّه قادر على جبرهم و قهرهم و الثانى أنه لو لم يجزهم على أعمالهم و كلّفهم بها لكان عادلا لأنّ له من النعم على العباد ما لو عبدوه أبدا الدّهر لم يوفوا حقّ نعمة واحدة هنها ، انتهى فقد علم بذلك كلّه أنه عزّ و جلّ ليس بمقتضى عدله لأحد عليه حقّ . ( و لكنه ) عزّ شأنه مع ذلك قد ( جعل ) له على عباده حقا و لهم عليه كذلك بمقتضى انعامه و فضله فجعل ( حقه على العباد أن يطيعوه ) و يوحّدوه ( و جعل جزاءهم ) لم يقل حقّهم رعاية للأدب و دفعا لتوهّم الاستحقاق أى جعل جزاء طاعتهم ( عليه مضاعفة الثواب ) كما قال تعالى فأمّا الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات فيوفّيهم اجورهم و يزيدهم من فضله و قال مثل الّذين ينفقون أموالهم فى سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فى كلّ سنبلة مأة حبّة و اللّه يضاعف لمن يشاء » . ( تفضّلا منه و توسعا بما هو من المزيد أهله ) فيه تنبيه على أنّ الحقّ الذى جعل لهم عليه أعظم مما أتوا به مع عدم كونه من جهة الاستحقاق بل لمحض التفضل و الانعام بما هو أهله من الزّيادة و التوسعة . و لما بيّن حقّ اللّه على عباده و هو الحقّ الذى له لنفسه عقّبه ببيان حقوق الناس بعضهم على بعض فقال : [ 127 ] ( ثمّ جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض ) و جعلها من حقوقه لافتراضها من قبله تعالى و فى القيام بها إطاعة له و امتثال لأمره ، فتكون بهذا الاعتبار من حقوقه الواجبة على عباده ، و هذه الجملة توطئة و تمهيد لما يريد أن ينبّه عليه من كون حقه عليه السّلام واجبا عليهم من قبله تعالى و كون القيام به اطاعة له عزّ و علا فيكون ذلك أدعى لهم على أدائه . ( فجعلها ) أى تلك الحقوق التى بين الناس ( تتكافؤ ) و تتقابل ( فى وجوهها ) أى جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله ، فحقّ الوالى على الرعيّة مثلا و هو الطاعة مقابل بمثله فهو العدل و حسن السيرة الذى هو حقّ الرّعية على الوالى ( و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب ) أى لا يستحقّ ( بعضها إلاّ ببعض ) كما أنّ الوالى إذا لم يعدل لا يستحقّ الطاعة و الزّوجة إذا كانت ناشزة لا يستحقّ النّفقة . و لمّا مهّد ما مهّد تخلّص إلى غرضه الأصلي فقال ( و أعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق ) المتكافئة ( حقّ الوالي على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالي ) و إنّما كان من أعظم الحقوق لكون مصلحته عامّة لجميع المسلمين و باعثا على انتظام أمر الدين . و لذلك أكّده بقوله ( فريضة فرضها اللّه سبحانه لكلّ على كلّ ) و أشار إلى وجوه المصلحة فيها بقوله ( فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم ) لأنّها سبب اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزون أديانهم ( فليست تصلح الرّعيّة إلاّ بصلاح الولاة ) كما هو المشاهد بالعيان و التجربة و شهدت عليه العقول السّليمة ( و لا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة ) في الطاعة إذ بمخالفتهم و عصيانهم يؤل جمعهم إلى الشّتات و حبل نظامهم إلى التّبات . ( فاذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه ) و أطاعوه ( و أدّى الوالي إليها حقّها ) و عدل ( عزّ الحقّ بينهم ) أى يكون عزيزا ( و قامت مناهج الدّين ) و سبله ( و اعتدلت معالم العدل ) أى مظانّه أو العلامات الّتي نصبت في طريق العدل لسلوكه ( و جرت على أذلالها السّنن ) أى جرت على محاجّها و مسالكها بحيث لا تكون فيها اعوجاج [ 128 ] و تحريف . ( فصلح بذلك الزّمان ) نسبة الصّلاح إلى الزّمان من باب التوسّع و المراد صلاح حال أهله بانتظام امورهم الدّنيويّة و الاخرويّة ( و طمع في بقاء الدّولة ) و السّلطنة ( و يئست مطامع الاعداء ) أى أطماعها باتّفاق أهل المملكة و قوّتهم . ( و ) أمّا ( إذا ) كان الأمر بخلاف ذلك بأن ( غلبت الرّعية واليها و أجحف الوالي برعيّته ) أى تعدّى عليهم و ظلمهم ف ( اختلفت هنا لك الكلمة ) باختلاف الآراء ( و ظهرت معالم الجور ) أى علاماته ، إذ بغلبة الرّعيّة على الوالي و إجحاف الوالي يحصل الهرج و المرج و يختلط النّاس بعضهم ببعض و يتسلّط الأشرار على الأبرار و يظلم الأقوياء للضّعفاء ( و كثر الادغال ) أى الابداع و التلبيس أو المفاسد ( فى الدّين ) لاختلاف الأهواء و أخذ كلّ بما يشتهيه نفسه ممّا هو مخالف للدّين و مفسد له ( و تركت محاجّ السّنن ) أى طرقها الواضحة لاعراض النّاس عنها ( فعمل بالهوى و عطّلت الأحكام ) الشرعيّة و التكاليف الدّينية ( و كثرت علل النفوس ) أى أمراضها بما حصلت لها من الملكات الرّديّة كالحقد و الحسد و العداوة و نحوها و قيل عللها وجوه ارتكاباتها للمنكرات فيأتي كلّ منكر بوجه و علة و رأى فاسد ( فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل ) لكثرة تعطيل الحقوق و كونه متداولا متعارفا بينهم ( و لا لعظيم باطل فعل ) لشيوع الباطل و اعتيادهم عليه مع كونه موافقا لهواهم ( فهنا لك تذلّ الأبرار ) لذلّة الحقّ الّذى هم أهله ( و تعزّ الاشرار ) لعزّة الباطل الّذى هم أهله ( و تعظم تبعات اللّه عند العباد ) إضافة التّبعات و هى المظالم إليه تعالى باعتبار أنّه المطالب بها و المؤاخذ عليها و إلاّ فالتّبعات فى الحقيقة لبعض النّاس عند بعض . و لمّا ذكر مصالح قيام كلّ من الوالى و الرّعيّة بما عليها من الحقوق و مفاسد تركها أمرهم بالمواظبة على الحقّ و قال : [ 129 ] ( فعليكم بالتناصح فى ذلك و حسن التعاون ) عليه أى بنصيحة بعضكم لبعض و إعانة كلّ منكم لآخر فى سلوك نهج الحقّ و إقامة أعلامه . و أكّد الزامهم بالتّناصح و التعاون بقوله : ( فليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه و طال فى العمل اجتهاده ) و سعيه ( ببالغ حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له ) أى لا يمكن لأحد أن يبلغ مدى عبادة اللّه و حقيقة طاعته و إن أتعب فيها نفسه و بذل جهده و بلغ كلّ مبلغ . ( و لكن من واجب حقوق اللّه على العباد « عباده » النصيحة ) أى نصيحة بعضهم لبعضهم ( بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحقّ بينهم ) بقدر ما يمكنهم لا بقدر ما هو أهله و يستحقّه ، فانّ ذلك غير ممكن . و لمّا حثّ على التعاون و التناصح أردفه بقوله : ( و ليس امرء و ان عظمت فى الحقّ منزلته و تقدّمت فى الدّين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمّله اللّه من حقّه ) و دفع بذلك ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام من أنّ البالغ إلى مرتبة الكمال فى الطّاعة و الحايز قصب سبق الفضيلة كمثله عليه السّلام و ساير ولاة العدل أىّ حاجة له إلى المعين . وجه الدّفع أنّ البالغ إلى مرتبة الكمال أىّ مرتبة كانت و المتقدّم فى الفضيلة أىّ فضيلة تكون لا استغناء له عن المعين و لا مقامه أرفع من أن يعان على ما حمله اللّه تعالى و كلّفه به من طاعته الذى هو حقه . و ذلك لأنّ من جملة التكاليف ما هو من عظائم الامور كالجهاد فى سبيل اللّه و اقامة الحدود و نشر الشرايع و الأحكام و جباية الصدقات و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و نحو ذلك مما هو وظيفة الامام و نايبه ، و معلوم أنه محتاج فى هذه التكاليف و ما ضاهاها إلى إعانة الغير البتّة . ثمّ أردفه بقوله ( و لا امرؤ و إن صغّرته النفوس و اقتحمته ) أى احتقرته ( العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه ) . و دفع بذلك ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام أيضا من أنّ بعض الناس من [ 130 ] السوقة و السفلة أىّ حاجة إلى إعانتهم و أىّ فايدة فى معاونتهم وجه الدّفع أنّ ذلك البعض و ان كان بالغا ما بلغ فى الحقارة و الدّناءة و انحطاط الشأن لكنه ليس بأدون و أحقر من أن يكون معينا على الحقّ و لو فى صغاير الامور و محقّراتها مثل أن يكون راعيا لدواب المجاهدين أو سقاء لهم أو حطابا أو خياطا و لا أقلّ من أن يكون خاصفا لنعلهم ، فانّ فى ذلك كلّه إعانة الحقّ و أهله أو معانا عليه و لو بأداء الأخماس و دفع الصّدقات إليهم و لا أقلّ من تعليمه معالم دينه و أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر . و محصّل المراد بالجملتين المتعاطفتين من قوله عليه الصلاة و السلام و ليس امرء إلى قوله عليه السّلام يعان عليه دفع توهّم عدم الحاجة إلى الاعانة فى العظماء لرفعة شأنهم و عدم الاحتياج إلى الضعفاء لحقارتهم و انحطاط درجتهم تذييلان الاول لمّا كان هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوقا لبيان حقوق الولاة على الرّعيّة و الرّعية على الولاة . أحببت أن أذكر جملة من الأخبار و الآثار الواردة في هذا المعني فأقول : قال : المحدّث الجزائرى في الأنوار النعمانيّة : في بعض الأخبار انّ عدل الحاكم يوما يعادل عبادة العابد خمسين . و فى الحديث من ولي من امور المسلمين شيئا ثمّ لم يحطهم بنصحه كما يحوط أهل بيته فليتبوء مقعده من النّار و روى أيضا أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتي بالوالي فيقذف على جسر جهنّم فيأمر اللّه سبحانه الجسر فينتقض به انتقاضة فيزول كلّ عظم منه عن مكانه ثمّ يأمر اللّه تعالى العظام فترجع إلى أماكنها ثمّ يسايله فان كان للّه مطيعا أخذ بيده و أعطاه كفلين من رحمته ، و إن كان للّه عاصيا أخرق به الجسر فغرق و هوى به في جهنّم مقدار سبعين خريفا . و فى الرواية انّه كان في زمن بنى إسرائيل سلطان ظالم فأوحي اللّه تعالى [ 131 ] إلى نبيّ من أنبيائه أن قل لهذا الظالم : ما جعلتك سلطانا إلاّ لتكفّ أصوات المظلومين عن بابي ، فو عزّتي و جلالي لاطعمنّ لحمك الكلاب ، فسلّط عليه سلطانا آخر حتّى قتله فأطعم لحمه الكلاب . و فى كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام إلى حبيب بن المنتجب و الى اليمن : اوصيك بالعدل في رعيّتك و الاحسان إلى أهل مملكتك و اعلم أنّ من ولي على رقاب عشرة من المسلمين و لم يعدل بينهم حشره اللّه يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكّها إلاّ عدله في دار الدّنيا و في الأثر بعث قيصر ملك الرّوم إلى كسرى ملك الفرس بماذا أنتم أطول أعمارا و أدوم ملكا ؟ فأجابه كسرى : أمّا بعد أيّها السيّد الكريم و الملك الجسيم أمّا سبب الملك و اعزازه في معززه و رسوخه في مركزه فلامور أنتم عنها غافلون و لستم لأمثالها فاعلون منها أن ليس لنا نوّاب يرشي و يمنع و لا بوّاب يروع و يدفع ، لم تزل أبوابنا مشرعة و نوّابنا لقضاء الحوائج مسرعة ، لا أقصينا صغيرا و لا أدنينا أميرا ، و لا احتقرنا بذوى الاصول ، و لا قدّمنا الشبّان على الكهول ، و لا كذبنا في وعد ، و لا صدقنا في ايعاد ، و لا تكلّمنا بهزل ، و لا سمنا وزيرا إلى عزل ، موائدنا مبسوطة ، و عقولنا مضبوطة ، لا نقطع في امل ، و لا لجليسنا نمل ، خيرنا مضمون ، و شرّنا مأمون ، و عطاؤنا غير ممنون ، و لا نحوج أحدا إلى باب ، بل نقضي بمجرّد الكتاب ، و نرقّ للباكى ، و نستقصي قول الحاكى ، ما جعلنا همّنا بطوننا و لا فروجنا ، أمّا البطون فلقمة ، و أمّا الفروج فأمة ، و لا نؤاخذ على قدر غيظنا ، بل نؤاخذ على قدر الجناية ، و لا نكلّف الضعيف المعدم ما يتحمّله الشريف المنعم ، و لا نؤاخذ البرى‏ء بالسقيم ، و لا الكريم باللّئيم ، النّمام عندنا مفقود ، و العدل فى جانبنا موجود ، الظّلم لا نتعاطاه ، و الجور انفسنا طاباه ، و لا نطمع فى الباطل ، و لا نأخذ العشر قبل الحاصل ، و لا ننكث العهود ، و لا نحنث فى الموعود ، الفقير عندنا مدعوّ ، و المفتقر لدينا مقصوّ ، جارنا لا يضام ، و عزيزنا لا يرام ، رعيّتنا مرعيّة ، و حوائجهم لدينا [ 132 ] مقضيّة ، صغيرهم عندنا خطير ، و ذرّيهم لدينا كبير ، الفقير بيننا لا يوجد ، و الغنىّ بما لديه يسعد ، العالم عندنا معظّم مكرّم ، و التّقىّ لدينا موقّر مقدّم ، لا يسدّ بمملكتنا باب ، و لا يوجد عندنا سارق و لا مرتاب ، سماؤنا ممطرة ، و أشجارنا لم تزل مثمرة ، لا نعامل بالشهوات ، و لا نجازى بالهفوات ، الطّير إلينا شاكى ، و البعير أتانا متظلّم باكى عدلنا قد عمّ القاصى و الدّانى ، وجودنا قد عمّ الطائع و العاصى ، عقولنا باهرة ، و كنوزنا ظاهرة ، و فروجنا عفائف ، و زبولنا نظائف ، أفهامنا سليمة ، و حلومنا جسيمة ، كفوفنا سوافح ، بحورنا طوافح ، نفوسنا أبيّة ، و طوالعنا المعيّة ، إن سئلنا أعطينا ، و إن قدرنا عفونا ، و إن وعدنا أوفينا ، و إن اغضبنا أغضينا فلمّا وصل الكتاب إلى قيصر قال : يحقّ لمن كان هذه سياسته أن تدوم رياسته قال انوشيروان : حصن البلاد بالعدل فهو سور لا يغرقه ماء و لا يحرقه نار و لا يهدمه منجنيق . كان كسرى إذا جلس فى مجلس حكمه أقام رجلين عن يمينه و شماله و كان يقول لهما : إذا زغت فحرّكونى و نبّهونى ، فقالا له يوما و الرّعيّة تسمع : أيّها الملك انتبه فانّك مخلوق لا خالق و عبد لا مولى و ليس بينك و بين اللّه قرابة أنصف النّاس و انظر لنفسك و كان يقال : صنفان متباغضان متنافيان السّلطان و الرّعيّة و هما مع ذلك متلازمان إن صلح أحدهما صلح الآخر و ان فسد أحدهما فسد الآخر و كان يقال : محلّ الملك من الرّعيّة محلّ الرّوح من الجسد و محلّ الرّعيّة منه محلّ الجسد من الرّوح ، فالرّوح تألم بألم كلّ عضو من البدن و ليس كلّ واحد من الأعضاء يألم بألم غيره ، و فساد الرّوح فساد جميع البدن ، و قد يفسد بعض البدن و غيره من ساير البدن صحيح . و كان يقال : ظلم الرّعيّة استجلاب البليّة . و كان يقال : العجب ممّن استفسد رعيّته و هو يعلم أنّ عزّه بطاعتهم . و كان يقال : أيدى الرّعية تبع ألسنتها حتّى يملك جسومها ، و لن يملك [ 133 ] جسومها حتّى يملك قلوبها فتحبّه ، و لن تحبّه حتّى يعدل عليها في أحكامه عدلا يتساوى فيه الخاصّة و العامّة و حتّى يخفّف عنها المؤن و الكلف ، و حتّى يعفيها من رفع أوضاعها و أراذلها عليها ، و هذه الثّالثة تحقد على الملك العلية من الرّعيّة و تطمع السّفلة في الرّتب السنّية . و كان يقال : الرّعية ثلاثة أصناف : صنف فضلاء مرتاضون بحكم الرّياسة و السّياسة يعلمون فضيلة الملك و عظيم غنائه و يرثون له من ثقل أعبائه فهؤلاء يحصل الملك موادّتهم بالبشر عند اللّقاء و يلقى أحاديثهم بحسن الاصغاء ، و صنف فيهم خير و شرّ فصلاحهم يكتسب من معاملتهم بالتّرغيب و التّرهيب ، و صنف من السّفلة الرّعاع أتباع لكلّ راع لا يمتحنون في أقوالهم و أفعالهم بنقد و لا يرجعون في الموالاة إلى عقد . و كان يقال : ترك المعاقبة للسّفلة على صغاير الجرايم تدعوهم إلى ارتكاب الكباير العظايم ألا ترى أوّل نشوز المرأة كلمة سومحت بها ، و أوّل حران الدّابة حيدة سوعدت عليها . و كان يقال : إذا لم يعمر الملك ملكه بانصاف الرّعيّة خرب ملكه بعصيان الرّعيّة . قيل لأنوشيروان : أىّ الجنن أوقى ؟ قال : الدّين ، قيل : فأىّ العدوّ أقوى ؟ قال : العدل . و في شرح المعتزلي جاء رجل من مصر إلى عمر بن الخطاب متظلّما فقال يا أمير المؤمنين هذا مكان العائذ بك قال : لو عذت بمكان ما شانك ؟ قال : سابقت ولد عمرو بن العاص بمصر فسبقته فجعل يعنفنى بسوطه و يقول : أنا ابن الأمير . و بلغ أباه ذلك فحبسنى خشية أن اقدم عليك ، فكتب إلى عمرو : إذا أتاك كتابى هذا فاشهد الموسم أنت و ابنك ، فلمّا قدم و عمرو و ابنه دفع الدرّة إلى المصري و قال : اضربه كما ضربك ، فجعل يضربه و عمر يقول : اضرب ابن الأمير اضرب ابن الامير يردّدها حتّى قال يا أمير المؤمنين قد استقدت منه فقال و أشار إلى عمرو : [ 134 ] ضعها على صلعته فقال المصرى يا أمير المؤمنين انّما أضرب من ضربني فقال : إنّما ضربك بقوّة أبيه و سلطانه فاضربه إن شئت فو اللّه لو فعلت لما منعك احد منه حتّى تكون أنت الّذى يتبرّع بالكف عنه ، ثمّ قال : يا ابن العاص متى تعبّدتم النّاس و قد ولدتهم امّهاتهم أحرارا . كتب عدىّ بن ارطاة إلى عمر بن عبد العزيز : أمّا بعد فانّ قبلنا قوما لا يؤدّون الخراج إلاّ أن يمسّهم نصب من العذاب ، فاكتب إلىّ يا أمير المؤمنين برأيك ، فكتب : أمّا بعد فالعجب كلّ العجب تكتب إلىّ تستأذننى في عذاب البشر كانّ إذني لك جنّة من عذاب اللّه أو كانّ رضاى ينجيك من سخط اللّه فمن أعطاك ما عليه عفوا فخذ منه ، و من أبي فاستحلفه وكله إلى اللّه ، فلأن يلقوا اللّه بجرايمهم أحبّ إلىّ من أن ألقاه بعذابهم . التذييل الثانى لمّا استطرد عليه السّلام في هذا الفصل ذكر حقّ اللّه تعالى على عباده و ذكر حقوق بعضهم على بعض ينبغي أن نذكر طرفا منها من طريق الأخبار و هى كثيرة جدّا لا تستقصى ، و نقنع منها بأجمعها لتلك الحقوق ، و هي رسالة عليّ بن الحسين عليهما السّلام المعروفة برسالة الحقوق فأقول و باللّه التوفيق : روى في البحار من كتاب تحف العقول تأليف الشّيخ أبي محمّد الحسن بن عليّ بن شعبة قال : رسالة عليّ بن الحسين عليهما السّلام المعروفة برسالة الحقوق . اعلم رحمك اللّه أنّ للّه عليك حقوقا محيطة بك في كلّ حركة حركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها و آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض و أكبر حقوق اللّه عليك ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقّه الّذى هو أصل الحقوق و منه تفرّع ، ثمّ أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقا و لسمعك عليك حقا ، و للسانك عليك حقّا ، و ليدك عليك حقّا ، و لرجلك عليك حقّا ، و لبطنك عليك حقّا ، و لفرجك عليك حقّا ، فهذه الجوارح السبع الّتي بها تكون الأفعال ، ثمّ جعل عزّ و جلّ لأفعالك عليك حقوقا فجعل لصلاتك عليك حقّا ، و لصومك عليك حقّا ، و لصدقتك [ 135 ] عليك حقّا ، و لهديك عليك حقّا ، و لأفعالك عليك حقا ، ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوى الحقوق الواجبة عليك ، و أوجبها عليك حقّا أئمّتك ، ثمّ حقوق رعيّتك ، ثمّ حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّب منها حقوق ، فحقوق أئمّتك ثلاثة أوجبها عليك حقّ سائسك بالسّلطان ، ثمّ سائسك بالعلم ثمّ حق سائسك بالملك و كلّ سائس امام ، و حقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حقّ رعيّتك بالسلطان ، ثمّ حقّ رعيتك بالعلم فانّ الجاهل رعيّة العالم و حقّ رعيتك بالملك من الأزواج و ما ملكت من الأيمان ، و حقوق رحمك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرّحم في القرابة ، فأوجبها عليك حقّ امّك ، ثمّ حقّ أبيك ، ثمّ حقّ ولدك ، ثمّ حقّ أخيك ، ثمّ الأقرب فالأقرب ، و الأوّل فالأوّل ، ثمّ حقّ مولاك المنعم عليك ثمّ حقّ مولاك الجارى نعمتك عليه ، ثمّ حقّ ذى المعروف لديك ، ثمّ حقّ مؤذنك بالصلاة ، ثمّ حقّ امامك في صلاتك ، ثمّ حقّ جليسك ، ثمّ حقّ جارك ، ثمّ حقّ صاحبك ، ثمّ حقّ شريكك ، ثمّ حقّ مالك ، ثمّ حقّ غريمك الذى تطالبه ، ثمّ حقّ غريمك الذى يطالبك ، ثمّ حقّ خليطك ، ثمّ حقّ خصمك المدعي عليك ، ثمّ حقّ خصمك الذى تدعى عليه ، ثمّ حقّ مستشيرك ، ثمّ حقّ المشير عليك ، ثمّ حقّ مستنصحك ، ثمّ حقّ الناصح لك ، ثمّ حقّ من هو أكبر منك ، ثمّ حقّ من هو أصغر منك ، ثمّ حقّ سائلك ، ثمّ حقّ من سألته ، ثمّ حقّ من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرّة بذلك بقول أو فعل عن تعمّد منه أو عير تعمّد منه ، ثمّ حقّ أهل ملتك عامة ، ثمّ حقّ أهل الذمّة ، ثمّ الحقوق الحادثة بقدر علل الأحوال و تصرّف الأسباب ، فطوبى لمن أعانه اللّه على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه و وفّقه و سدّده 1 فأما حقّ اللّه الأكبر فانك تعبده لا تشرك به شيئا فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدّنيا و الآخرة و يحفظ لك ما تحبّ منها . 2 و أما حقّ نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة اللّه فتؤدّى إلى لسانك حقّه ، و إلى سمعك حقّه ، و إلى بصرك حقّه ، و إلى يدك حقّها ، و إلى رجلك حقّها ، و إلى بطنك حقّه ، و إلى فرجك حقّه ، و تستعين باللّه على ذلك 3 و أما حقّ اللّسان فإكرامه عن الخنا ، و تعويده الخير ، و حمله على [ 136 ] الأدب و اجمامه إلاّ لموضع الحاجة و المنفعة للدّين و الدّنيا ، و إعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التى لا يؤمن ضررها مع قلّة عائدتها ، و بعد شاهد العقل و الدليل عليه و تزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم . 4 و أمّا حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلاّ لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما ، فانّه باب الكلام إلى القلب يؤدّى إليه ضروب المعانى على ما فيها من خير أو شرّ ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 5 و أمّا حقّ بصرك فغضّه عما لا يحلّ و ترك ابتذاله إلاّ لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو يستفيد بها علما ، فانّ البصر باب الاعتبار . . 6 و أمّا حقّ رجليك فان لا تمشي بهما إلى ما لا يحلّ لك ، و لا تجعلهما مطيّتك في الطّريق المستخفة بأهلها فيها فانّها حاملتك و سالكة بك مسلك الدّين و السّبق لك ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 7 و أمّا حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك فتنال بما تبسطها إليه من اللّه العقوبة في الآجل و من النّاس بلسان اللاّئمة في العاجل ، و لا تقبضها ممّا افترض اللّه عليها ، و لكن توقّرها بقبضها عن كثير ممّا لا يحلّ لها و بسطها إلى كثير ممّا ليس عليها ، فاذا هى قد عقلت و شرفت في العاجل وجب لها حسن الثّواب من اللّه في الآجل . 8 و أمّا حقّ بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير ، و أن تقتصد له في الحلال و لا تخرجه من حدّ التّقوية إلى حدّ التّهوين و ذهاب المروّة و ضبطه إذا همّ بالجوع و الظّماء فانّ الشّبع المنتهى بصاحبه إلى التّخم مكسلة و مثبطة و مقطعة عن كلّ برّ و كرم و إنّ الرّىّ المنتهى بصاحبه إلى السّكر مسخفة و مجهلة و مذهبة للمروّة . 9 و أمّا حقّ فرجك فحفظه ممّا لا يحلّ لك ، و الاستعانة عليه بغضّ البصر فانّه من أعون الأعوان و كثرة ذكر الموت و التّهدد لنفسك باللّه و التّخويف لها به و باللّه العصمة و التّأييد ، و لا حول و لا قوّة إلاّ به . [ 137 ] ثم حقوق الافعال 10 فأمّا حقّ الصّلاة فأن تعلم أنّها وفادة إلى اللّه و أنّك قائم بها بين يدى اللّه فاذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذّليل الرّاغب الرّاهب الخائف الرّاجي المستكين المتضرّع المعظم من قام بين يديه بالسّكون و الاطراق و خشوع الأطراف و لين الجناح و حسن المناجاة له في نفسه و الطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك و استهلكتها ذنوبك ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 11 و أمّا حقّ الصّوم فأن تعلم أنّه حجاب ضرب اللّه على لسانك و سمعك و بصرك و فرجك و بطنك ليسترك به من النّار و هكذا جاء في الحديث : الصّوم جنّة من النّار ، فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا ، و إن أنت تركتها تضطرب في حجابها و ترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنّظرة الدّاعية للشّهوة و القوّة الخارجة عن حدّ التّقيّة للّه لم تأمن أن تخرق الحجاب و تخرج منه ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 12 و أمّا حق الصّدقة فأن تعلم أنّها ذخرك عند ربّك و وديعتك إلتي لا تحتاج إلى الاشهاد فاذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرّا أوثق بما استودعته علانية ، و كنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته و كان الأمر بينك و بينه فيها سرّا على كلّ حال و لم تستظهر عليه فيما استودعته منها اشهاد الاسماع و الابصار عليه بها كأنّها أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ، ثمّ لم تمتن بها على أحد لأنّها لك فاذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأنّ في ذلك دليلا على أنّك لم ترد نفسك بها و لو أردت نفسك بها لم تمتنّ على أحد ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 13 و أمّا حقّ الهدى فأن تخلص بها الارادة إلى ربّك و التّعرّض لرحمته و قبوله و لا تريد عيون النّاظرين دونه فاذا كنت كذلك لم تكن متكلّفا و لا متصنّعا و كنت انّما تقصد إلى اللّه و اعلم أنّ اللّه يراد باليسير و لا يراد بالعسير كما أراد [ 138 ] بخلقه التيسير و لم يرد بهم التعسير و كذلك التذلّل أولى بك من التّدهقن لأنّ الكلفة و المؤونة في المدهقنين فأمّا التّذلل و التّمسكن فلا كلفة فيهما و لا مؤونة عليهما لأنّهما الخلقة و هما موجودان في الطبيعة و لا قوّة إلاّ باللّه . ثم حقوق الائمة 14 فأمّا حقّ سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جعلت له فتنة و أنّه مبتلي فيك بما جعله اللّه له عليك من السلطان و أن تخلص له في النصيحة و أن لا تماحكه و قد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه و تذلّل و تلطّف لاعطائه من الرّضا ما يكفّه عنك و لا يضرّ بدينك و تستعين عليه في ذلك باللّه و لا تعازّه و لا تعانده فانّك إن فعلت ذلك عققته و عققت نفسك فعرّضتها لمكروهه و عرّضته للهلكة فيك و كنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك و شريكا له فيما أتى إليك و لا قوّة إلاّ باللّه 15 و أمّا حقّ سائسك بالعلم فالتعظيم له و التوقير لمجلسه و حسن الاستماع إليه و الاقبال عليه و المعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك و تحضره فهمك و تذكى له و تجلى له بصرك بترك اللذّات و نقص الشّهوات و أن تعلم أنّك فيما القي رسوله إلى من لقاك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم فلا تخنه في تأدية رسالته و القيام بها عنه إذا تقلّدتها و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه . 16 و أمّا حقّ سائسك بالملك فنحو من سائسك بالسّلطان إلاّ أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فيما دقّ و جلّ منك إلاّ أن تخرجك من وجوب حقّ اللّه تعالى و يحول بينك و بين حقّه و حقوق الخلق فاذا قضيته رجعت إلى حقّه فتشاغلت به و لا قوّة إلاّ باللّه . ثم حقوق الرعية 17 فأمّا حقوق رعيّتك بالسلطان فأن تعلم أنّك استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم فانّه إنّما أحلّهم محلّ الرّعيّة منك ضعفهم و ذلّهم فما أولى من كفاكه ضعفه و ذلّه حتّى صيّره لك رعيّة و صيّر حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزّة و لا قوّة و لا يستنصر فيما تعاظمه منك إلاّ باللّه بالرّحمة و الحياطة و الاناة و ما أولاك [ 139 ] إذا عرفت ما أعطاك اللّه من فضل هذه العزّة و القوّة الّتي قهرت بها أن تكون للّه شاكرا و من شكر اللّه أعطاه فيما أنعم عليه و لا قوّة إلاّ باللّه 18 و أمّا حقّ رعيّتك بالعلم فأن تعلم أنّ اللّه قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم و ولاّك من خزانة الحكمة فان أحسنت فيما ولاّك اللّه من ذلك و قمت به لهم مقام الخازن الشفيق النّاصح لمولاه في عبيده الصّابر المحتسب الّذى إذا رأى ذا حاجة اخرج له من الأموال الّتي في يديه كنت راشدا و كنت لذلك أهلا « آملا » معتقدا و إلاّ كنت له خائنا و لخلقه ظالما و لسلبه و عزه متعرّضا . 19 و أمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح فأن تعلم أنّ اللّه جعلها سكنا و مستراحا و انسا و واقية و كذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد اللّه على صاحبه و يعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه و وجب أن يحسن صحبة نعمة اللّه و يكرمها و يرفق بها و إن كان حقك عليها أغلظ و طاعتك لها ألزم فيما أحببت و كرهت ما لم تكن معصية فانّ لها حقّ الرّحمة و المؤانسة و موضع السكون إليها قضاءا للّذة الّتي لا بدّ من قضائها و ذلك عظيم و لا قوّة إلاّ باللّه . 20 و أمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربّك و لحمك و دمك و أنك تملكه لا أنك صنعته دون اللّه و لا خلقت له سمعا و لا بصرا و لا أجريت له رزقا و لكن اللّه كفاك ذلك بمن سخّره لك و ائتمنك عليه و استودعك إياه لتحفظه فيه و تسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل و تلبسه مما تلبس و لا تكلّفه ما لا يطيق فان كرهت خرجت إلى اللّه منه و استبدلت به و لم تعذب خلق اللّه و لا قوّة إلاّ باللّه . و أما حق الرحم 21 فحقّ أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا و أنها وقتك بسمعها و بصرها و يدها و رجلها و شعرها و بشرها و جميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها و ألمها و ثقلها و غمها حتّى دفعتها عنك يد القدرة و أخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع و تجوع هى و تكسوك و تعرى و ترويك و تظمأ و تظلّك و تضحى و تنعمك ببؤسها [ 140 ] و تلذّذك بالنوم بأرقها و كان بطنها لك وعاء و حجرها لك حواء و ثديها لك سقاء و نفسها لك وقاء تباشر حرّ الدّنيا و بردها لك و دونك فتشكرها على قدر ذلك و لا تقدر عليه إلاّ بعون اللّه و توفيقه . 22 و أمّا حقّ أبيك فتعلم أنّه أصلك و أنّك فرعه و أنّك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ممّا تعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه و احمد اللّه و اشكره على قدر ذلك 23 و أمّا حقّ ولدك فتعلم أنّه منك و مضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره و شرّه و أنّك مسئول عمّا ولّيته من حسن الأدب و الدّلالة على ربّه و المعونة له على طاعته فيك و في نفسه فمثاب على ذلك و معاقب فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدّنيا المعذر إلى ربّه فيما بينك و بينه بحسن القيام عليه و الأخذ له منه و لا قوّة إلاّ باللّه . 24 و أمّا حقّ أخيك فتعلم أنّه يدك الّتي تبسطها و ظهرك الّذى تلتجي‏ء إليه و عزّك الّذى تعتمد عليه و قوّتك الّتي تصول بها فلا تتّخذه سلاحا على معصية اللّه و لا عدة للظّلم بخلق اللّه و لا تدع نصرته على نفسه و معونته على عدوّه و الحول بينه و بين شياطينه و تأدية النصيحة إليه و الاقبال عليه في اللّه فان انقاد لربّه و أحسن الاجابة له و إلاّ فليكن اللّه آثر عندك و أكرم عليك منه 25 و أمّا حقّ المنعم عليك بالولاء فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله و أخرجك من ذلّ الرّق و وحشته إلى عزّ الحرّية و أنسها و أطلقك من اسر الملكة وفكّ عنك حلق العبودية و أوجدك رايحة العزّ و أخرجك من سجن القهر و دفع عنك العسر و بسط لك لسان الانصاف و أباحك الدّنيا كلّها فملّكك نفسك و حلّ اسرك و فرّغك لعبادة ربك و احتمل بذلك التقصير فيما له فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد اولى رحمك فى حياتك و موتك و أحقّ الخلق بنصرك و معونتك و مكانفتك في ذات اللّه فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك أحدا أبدا 26 و أمّا حقّ مولاك الجارية عليه نعمتك فأن تعلم أنّ اللّه جعلك حامية [ 141 ] عليه و واقية و ناصرا و معقلا و جعله لك وسيلة و سببا بينك و بينه فبالحرىّ أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثوابك منه في الآجل و يحكم له بميراثه فى العاجل إذا لم يكن له رحم مكافاة لما أنفقته من مالك عليه و قمت به من حقّه بعد إنفاق مالك فان لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه و لا قوّة إلاّ باللّه . 27 و أمّا حقّ ذى المعروف عليك فأن تشكره و تذكر معروفه و أن تنشر له المقالة الحسنة و تخلص له الدّعاء فيما بينك و بين اللّه سبحانه فانك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا و علانية ثمّ إن أمكنك مكافاته بالفعل كافأته و إلاّ كنت مرصدا له موطّنا نفسك عليها . 28 و أمّا حقّ المؤذّن فأن تعلم أنه مذكّرك بربك و داعيك إلى حظّك و أفضل أعوانك على قضاء الفريضة التى افترضها اللّه عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن اليك و إن كنت فى بيتك متّهما لذلك لم تكن للّه في أمره متّهما و علمت أنه نعمة من اللّه عليك لا شكّ فيها فأحسن صحبة نعمة اللّه بحمد اللّه عليها على كلّ حال و لا قوّة إلاّ باللّه . 29 و أمّا حقّ إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلّد السفارة فيما بينك و بين اللّه و الوفادة إلى ربّك و تكلّم عنك و لم تتكلّم عنه و دعا لك و لم تدع له و طلب فيك و لم تطلب فيه و كفاك همّ المقام بين يدى اللّه و المسائلة له فيك و لم تكفه ذلك فان كان في شي‏ء من ذلك تقصير كان به دونك و إن كان آثما لم تكن شريكه فيه و لم يكن لك عليه فضل فوقي نفسك بنفسه و وقي صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه . 30 و أمّا حقّ الجليس فأن تلين له كنفك و تطيب له جانبك و تنصفه في مجاراة اللّفظ و لا تغرق في نزع اللّحظ إذا الحظت و تقصد في اللّفظ إلى إفهامه إذا لفظت و ان كنت الجليس اليه كنت في القيام عنه بالخيار و إن كان الجالس إليك كان بالخيار و لا تقوم إلاّ باذنه و لا قوّة إلاّ باللّه . 31 و أمّا حقّ الجار فحفظه غائبا و كرامته شاهدا و نصرته و معونته في [ 142 ] الحالين جميعا ، لا تتّبع له عورة ، و لا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فان عرفتها منه عن غير إرادة منك و لا تكلّف كنت لما علمت حصنا حصينا ، و سترا ستيرا لو بحثت الأسنّة عنه ضميرا لم تتصل إليه لا نطوائه عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا تسلّمه عند شديدة ، و لا تحسده عند نعمة ، تقيل عثرته و تغفر زلّته و لا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك ، و لا تخرج أن تكون سلما له ، تردّ عنه الشتيمة ، و تبطل فيه كيد حامل النصيحة ، و تعاشره معاشرة كريمة ، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه . 32 و أمّا حقّ الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا و إلاّ فلا أقلّ من الانصاف و أن تكرمه كما يكرمك و تحفظه كما يحفظك ، و لا يسبقك فيما بينك و بينه إلى مكرمة فان سبقك كافأته و لا تقصد به عمّا يستحقّ من المودّة تلزم نفسك نصيحته و حياطته و معاضدته على طاعة ربّه و معاونته على نفسه فيما يهمّ به من معصية ربّه ثمّ تكون رحمة و لا تكون عليه عذابا ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 33 و أمّا حقّ الشريك فإن غاب كفيته و إن حضر ساويته و لا تعزم على حكمك دون حكمه و لا تعمل برأيك دون مناظرته و تحفظ عليه ماله و تنفى عنه خيانته فيما عزّ أوهان ، فانه بلغنا أنّ يد اللّه على الشريكين ما لم يتخاونا ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 34 و أمّا حقّ المال فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه و لا تنفقه إلاّ في حلّه و لا تحرّفه عن مواضعه و لا تصرفه عن حقايقه و لا تجعله إذا كان من اللّه إلاّ إليه و سببا إلى اللّه و لا تؤثر به على نفسك من لعلّه لا يحمدك و بالحرىّ أن لا يحسن خلافتك في تركتك و لا يعمل فيه بطاعة ربك فتكون معينا له على ذلك و بما أحدث فيما لك احسن نظرا لنفسك فيعمل بطاعة ربّه فيذهب بالغنيمة و تبوء بالاثم و الحسرة و الندامة مع التبعة و لا قوّة إلاّ باللّه . 35 و أمّا حقّ الغريم الطالب لك فإن كنت موسرا أوفيته و كفيته و أغنيته و لم تردده و تمطله فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : مطل الغنىّ ظلم ، و إن كنت معسرا أرضيته بحسن القول و طلبت إليه طلبا جميلا و رددته عن نفسك ردّا لطيفا و لم تجمع عليه ذهاب ماله و سوء معاملته فانّ ذلك لؤم ، و لا قوّة إلاّ باللّه . [ 143 ] 36 و أمّا حقّ الخليط فان لا تغرّه و لا تغشّه و لا تكذبه و لا تغفله و لا تخدعه و لا تعمل في انتقاضه عمل العدوّ الذى لا يبقى على صاحبه و إن اطمأنّ إليك استقصيت له على نفسك و علمت أنّ غبن المسترسل ربا ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 37 و أمّا حقّ الخصم المدعى عليك فان كان ما يدّعى عليك حقا لم تنفسخ في حجّته و لم تعمل فى إبطال دعوته و كنت خصم نفسك له و الحاكم عليها و الشاهد له بحقه دون شهادة الشهود ، فانّ ذلك حقّ اللّه عليك و إن كان ما يدّعيه باطلا رفقت به و روعته و ناشدته بدينه و كسرت حدته عنك بذكر اللّه و ألقيت حشو الكلام و لغطه الذى لا يردّ عنك عادية عدوّك بل تبوء باثمه و به يشحذ عليك سيف عداوته لأنّ لفظة السوء تبعث الشر و الخير مقمعة للشرّ ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 38 و أمّا حقّ الخصم المدّعى عليه فان كان ما تدّعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدّعوى ، فانّ للدّعوى غلظة في سمع المدّعى عليه و قصدت قصد حجتك بالرّفق و امهل المهلة و أبين البيان و ألطف اللّطف و لم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل و القال فتذهب عنك حجّتك و لا يكون لك في ذلك درك ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 39 و أمّا حقّ المستشير فإن حضرك له وجه رأى جهدت له في النصيحة و أشرت إليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، و ذلك ليكن منك في رحمة و لين فانّ اللين يونس الوحشة و إنّ الغلظ يوحش موضع الانس ، و إن لم يحضرك له رأى و عرفت له من تثق برأيه و ترضى به لنفسك دللته عليه و أرشدته إليه فكنت لم تأله خيرا و لم تدّخره نصحا ، و لا قوّة إلاّ باللّه 40 و أمّا حقّ المشير عليك فلا تتّهمه فيما يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك فانما هي الآراء و تصرّف النّاس فيها و اختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتّهمت رأيه فأمّا تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممّن يستحقّ المشاورة و لا تدع شكره على ما بدالك من إشخاص رأيه و حسن وجه مشورته فاذا وافقك حمدت اللّه و قبلت ذلك من أخيك بالشكر و الارصاد بالمكافاة في مثلها إن فزع إليك و لا قوّة إلاّ باللّه . [ 144 ] 41 و أمّا حقّ المستنصح فانّ حقه أن تؤدّى إليه النصيحة على الحقّ الذي ترى له أنه يحمل و يخرج المخرج الذى يلين على مسامعه ، و تكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فان لكلّ عقل طبقة من الكلام يعرفه و يجتنبه ، و ليكن مذهبك الرّحمة ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 42 و أمّا حقّ النّاصح فأن تلين له جناحك ثمّ تشرئب له قلبك و تفتح له سمعك حتّى تفهم عنه نصيحته ثمّ تنظر فيها فان كان وفّق فيها للصّواب حمدت اللّه على ذلك و قبلت منه و عرفت له نصيحته ، و إن لم يكن وفّق لها فيها رحمته و لم تتّهمه و علمت أنّه لم يألك نصحا إلاّ أنّه أخطأ إلاّ أن يكون عندك مستحقا للتّهمة فلا تعبأ بشى‏ء من أمره على كلّ حال ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 43 و أمّا حقّ الكبير فإن حقّه توقير سنّه و إجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه و ترك مقابلته عند الخصام و لا تسبقه إلى طريق و لا تؤمه في طريق و لا تستجهله و إن جهل عليك تحملت و أكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه فانّما حقّ السنّ بقدر الاسلام و لا قوّة إلاّ باللّه . 44 و أمّا حقّ الصغير فرحمته و تثقيفه و تعليمه و العفو عنه و الستر عليه و الرّفق به و المعونة له و السّتر على جرائر حداثته فانه سبب للتوبة و المداراة له و ترك مماحكته فانّ ذلك أولى « أدنى » لرشده . 45 و أمّا حقّ السائل فإعطاؤه إذا تهيأت صدقة و قدرت على سدّ حاجته و الدّعاء له فيما نزل به و المعاونة له على طلبته ، فان شككت في صدقه و سبقت إليه التّهمة له و لم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدّك عن حظك و يحول بينك و بين التقرّب إلى ربك و تركته بستره و رددته ردا جميلا ، و إن غلبت نفسك في أمره و أعطيته على ما عرض في نفسك منه فانّ ذلك من عزم الامور 46 و أمّا حقّ المسؤول فحقّه إن أعطى قبل منه ما أعطي بالشكر له و المعرفة لفضله و طلب وجه العذر في منعه و أحسن به الظنّ و اعلم أنه إن منع ماله منع و ان [ 145 ] ليس التثريب في ماله و إن كان ظالما فانّ الانسان لظلوم كفّار . 47 و أمّا حقّ من سرّك اللّه به و على يديه فان كان تعمّد هالك حمدت اللّه أوّلا ثمّ شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء و كافأته على فضل الابتداء و أرصدت له المكافاة ، فان لم يكن تعمّدها حمدت اللّه و شكرت له و علمت أنّه منه توحّدك بها و أحببت هذا إذا كان سببا من أسباب نعم اللّه عليك و ترجو له بعد ذلك خيرا فانّ أسباب النّعم بركة حيث ما كانت و إن كان لم يتعمّد ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 48 و أمّا حقّ من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فان كان تعمّدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع و حسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق فانّ اللّه يقول « و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل » إلى قوله « من عزم الأمور » و قال عزّ و جلّ « و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصّابرين » هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمّد الانتصار منه فتكون قد كافأنه في تعمّد على خطاء و رفقت به و رددته بألطف ما تقدر عليه ، و لا قوّة إلاّ باللّه . 49 و أمّا حقّ أهل ملّتك عامّة فاضمار السّلامة و نشر جناح الرّحمة و الرّفق بمسيئهم و تألّفهم و استصلاحهم و شكر محسنهم إلى نفسه و إليك فانّ إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه و كفاك مؤونته و حبس عنك نفسه فعمّهم جميعا بدعوتك ، و انصرهم جميعا بنصرتك ، و أنزلهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد و صغيرهم بمنزلة الولد و أوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف و رحمة وصل أخاك بما يجب للأخ « يحبّ الأخ » على أخيه . 50 و أمّا حقّ أهل الذّمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل اللّه و كفى بما جعل اللّه لهم من ذمّته و عهده و تكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم و اجبروا عليه و تحكم فيهم بما حكم اللّه به على نفسك فيما جرى بينك من معاملة و ليكن بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمّة اللّه و الوفاء بعهده و عهد رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حايل ، فانّه بلغنا أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : من ظلم معاهدا كنت خصمه ، فاتّق اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه . [ 146 ] فهذه خمسون حقّا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها و العمل في تأديتها و الاستعانة باللّه جلّ ثناؤه على ذلك ، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه و الحمد للّه ربّ العالمين . قال الشّارح عفى اللّه عنه و وفّقه لأداء حقوقه : و انّما أوردت الرّواية بتمامها مع كون صدرها خارجا عن الغرض لكثرة فوايدها و مزيد عوائدها فضننت بها عن الاسقاط و الاقتصار . ثمّ أقول : النّسخة الّتي رويت منها كانت غير خالية عن السّقم فرويت كما رإيت ، فلعلّ اللّه يوفّقني على إصلاحها و مقابلتها 1 فيما بعد بتحصيل نسخة صحيحة ، و هو الموفّق و المعين و به اعتمادى الترجمة از جمله خطبهاى شريفه آن امام مبين و سيّد الوصيّين است كه خطبه خواند آن را در صفّين مى‏فرمايد أمّا بعد از حمد خدا و نعت رسول خدا پس بتحقيق گردانيده است خدا از براى من بر شما حقّ بزرگى را بسبب صاحب اختيار بودن من بر امر شما ، و از براى شماست بر من از حق مثل آن حقي كه مراست بر شما ، پس حق فراترين خيرهاست در مقام وصف كردن بعضي با بعضي أوصاف آن را ، و تنگ‏ترين چيزهاست ----------- ( 1 ) قلت : إن لم يوفّق الشارح المصنّف « قد » للاصلاح و المقابلة فقد وفّقنى اللّه تعالى و له الحمد لذلك و قابلت النسخة بنفس المصدر كتاب تحف العقول على النسخة المصحّحة التى نشرها أخيرا الأخ الأعزّ و الفاضل الفذّ على أكبر الغفارى عامله اللّه بلطفه الخفى و الجلى ، فظهر بعد المقابلة أنّ نسخة المصنف كانت كثيرة السقم كثيرة الخطاء مع ما فيها من الاسقاط ، فانّ الواحد و الثلاثين من الحقوق و هو حقّ الجار إلى آخره ، و كذا الواحد و الأربعين و هو حقّ المستنصح إلى آخره كانا ساقطين ظاهرا عن نسخة المصنف بتمامهما و لذا لم يذكرا فى الطبعة الأولى ، فان كنت فى ريب مما ذكرنا فعليك بتطبيق هذه النسخة مع المطبوعة أوّلا يظهر لك صحّة ما ادّعيناه ، و صدق ما قلناه و اللّه الموفّق للسداد « المصحّح » [ 147 ] در مقام انصاف كردن بعضي مر بعضي را ، جارى نميشود آن حق از براى منفعت أحدى مگر اينكه جارى شود بر ضرر او ، و جارى نمى‏شود بر ضرر او مگر اينكه جارى شود از براى منفعت او و اگر باشد از براى كسى كه جارى شود حقّ او بر غير و حق غير بر او جارى نشود هر آينه باشد و مختص بخداوند سبحانه بدون خلق او از جهت قدرت او بر بندگان خود و از جهت عدالت او در هر چيزى كه جارى شد بر آن چيز اقسام قضا و حكم او ، و ليكن گردانيد خداى تعالى حقّ خود را بر بندگان اينكه اطاعت او نمايند ، و گردانيد جزاى طاعت ايشان را بر خود اينكه ثواب ايشان را بالمضاعف كند از حيثيّت تفضّل و احسان و از روى وسعت دادن با چيزى كه خود اهل اوست از زياده كردن جزا پس گردانيد حق سبحانه و تعالى از جمله حقوق خود حقوقى را كه واجب گردانيده است آنها را از براى بعضى از مردمان بر بعضى ، پس گردانيد آنها را متساوى و متقابل در جهات آنها و باعث مى‏شود بعضى از آنها به بعضى و مستحق نميشود بعضى را مگر بعوض بعضى و بزرگترين چيزى كه واجب گردانيد حق سبحانه و تعالى از اين حقوق حق والى و پادشاهست بر رعيّت ، و حقّ رعيّت است بر والى و پادشاه فريضه‏ايست كه فرض كرده خداى سبحانه و تعالى آنرا از براى هر يكى از والى و رعيّت بر ديگرى ، پس گردانيد آن حقّ را سبب نظم از براى الفت ايشان و مايه عزّت از براى دين ايشان ، پس صلاح نمى‏يابد حال رعيّت مگر بصلاح حال پادشاهان و صلاح نمى‏يابد حال پادشاهان مگر بانتظام أمر رعيّت . پس وقتى كه ادا كند رعيّت بوالى حقّ او را كه اطاعت و فرمان برداريست و ادا كند والى برعيّت حقّ او را كه عدالت و دادرسى است عزيز مى‏شود حقّ در ميانه ايشان ، و مستقيم مى‏شود راههاى دين ، و معتدل مى‏شود علامتهاى عدالت ، و جارى ميشود سنن شرعيّه بر راههاى خود پس صلاح مى‏يابد بسبب اين روزگار ، و اميدوارى مى‏شود در دوام و بقاء سلطنت ، و مأيوس مى‏گردد جايگاه طمع دشمنان . [ 148 ] و وقتى كه غالب گردد و تمرّد نمايد رعيّت بر پادشاه خود ، يا ظلم و تعدّى كند پادشاه بر رعيّت خود مختلف مى‏شود در آن وقت سخنان ، و آشكار گردد علامتهاى ظلم و ستم ، و بسيار گردد دغل و مفاسد در دين ، و ترك شود جادّه سنن شرعيّه ، پس عمل كرده مى‏شود بخواهشات نفسانيّه ، و معطّل گردد احكام شرعيّه نبويّه ، و بسيار شود ناخوشيهاى نفسها ، پس استيحاش نمى‏شود يعنى مردم وحشت نمى‏كنند از بزرگ حقّى كه تعطيل افتد ، و نه از بزرگ باطلى كه آورده شود ، پس در آن وقت ذليل و خار گردند نيكوكاران ، و عزيز گردد بدكرداران ، و بزرگ مى‏شود مظالم خدا بر ذمّه بندگان . پس بر شما باد نصيحت كردن يكديگر را در آن حقّ واجب و معاونت خوب همديگر بالاى آن پس نيست احدى و اگر چه شديد باشد در تحصيل رضاى خدا عرض او ، و دراز باشد در عمل سعى و تلاش او كه برسد حقيقت آن چيزى را كه خداى تعالى أهل و سزاوار اوست از اطاعت و عبادت ، و ليكن از حقوق واجبه خدا بر بندگان نصيحت كردنست بمقدار طاقت ايشان و اعانت كردن يكديگر است برپا داشتن حق و عدل در ميان خودشان . و نيست مردى و اگر چه بزرگ شود در حق گذارى مرتبه او و مقدّم باشد در دين‏دارى فضيلت او بالاتر از اينكه اعانت كرده شود بر چيزى كه بار كرده است خدا بر او از حقّ خود ، يعنى البته محتاج است بمعين . و نيست مردى اگر چه كوچك شمرده باشد او را نفسها و حقير ديده باشد او را چشمها پست تر از اينكه اعانت كند بر آن حقّ يا اعانت كرده شود بر آن الفصل الثانى قال السيّد رضي اللّه عنه : فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثّناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له عليه السّلام . [ 149 ] فقال عليه السّلام : إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه ، و جلّ موضعه من قلبه ، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه ، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه ، و لطف إحسانه إليه ، فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد الاّ ازداد حقّ اللّه عليه عظما . و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر ، و يوضع أمرهم على الكبر ، و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء ، و استماع الثّناء ، و لست بحمد اللّه كذلك ، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء ، و ربّما استحلى النّاس الثّناء بعد البلاء ، فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجى نفسي إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدآئها ، و فرائض لا بدّ من إمضائها . فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة ، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة ، و لا تخالطوني بالمصانعة ، و لا تظنّوا بي [ به ] استثقالا في حقّ قيل لي ، و لا التماس إعظام لنفسي ، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له ، أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ ، أو مشورة بعدل ، فإنّي لست في نفسي [ 150 ] بفوق أن أخطئ ، و لا آمن ذلك من فعلي إلاّ أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي ، فإنّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرّب لا ربّ غيره ، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا ، و أخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى ، و أعطانا البصيرة بعد العمى . اللغة ( صغر ) الشي‏ء يصغر من باب شرف صغرا و زان عنب إذا صار صغيرا و صغر صغرا من باب تعب إذا ذلّ و هان قال تعالى : و هم صاغرون ، أى داخرون ذليلون و ( عظم ) الشّي‏ء بالضّم أيضا عظما كعنب إذ اصار عظيما و ( سخف ) سخفا و سخافة و زان قرب قربا فهو سخيف و فلان في عقله سخف أى نقص ، و قال الخليل : السّخف في العقل خاصّة و السخافة في كلّ شي‏ء . و ( اطريت ) فلانا مدحته بأحسن ما فيه و قيل : بالغت في مدحه و جاوزت الحدّ و قال السّرقسطي في باب الهمز و الياء أطرأته مدحته و أطريته أثنيت عليه . و قوله : ( من البقيّة ) بالباء الموحّدة كما في نسخة الشّارح المعتزلي و غيرها من بقي الدّين كذا فضل و تأخّر ، و البقيّة اسم منه و الجمع بقايا و بقيّات مثل عطية و عطايا و عطيات ، و المنقول من خطّ الرّضي من التقية بالتاء المثناة و ( البادرة ) الحدّة و الكلام الذى يسبق من الانسان في حالة الغضب و ( المصانعة ) الرّشوة و المداراة و ( كفه ) عن المكروه أى صرفه فكفّ هو أى انصرف يستعمل متعدّيا و لازما . الاعراب قوله : من حقّ خبر انّ قدّم على اسمها و هو قوله ان يصغر ، و هو مؤوّل بالمصدر و الواو في و انّ أحق آه حرف قسم حذف المقسم به و جواب القسم قوله : لمن عظمت ، و يحتمل أن تكون للعطف فتكون اللام في لمن تأكيدا . و قوله : و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم انّى احبّ ، يكون زايدة بعد [ 151 ] أن النّاصبة جى‏ء بها لمحض اصلاح اللّفظ و تصحيح دخول أن النّاصبة و إلاّ فلا حاجة اليها من حيث المعني ، و الدّليل على زيادتها أنّها لم تعمل شيئا أصلا و مثلها في الزّيادة قول أم عقيل ابن أبيطالب و هي ترقصه : أنت تكون ماجد بليل إذا تهبّ شمال بليل و جملة أن يكون حال في محلّ النّصب مفعول كرهت ، و جملة انّي احبّ فاعل جال و قوله : و لست بحمد اللّه كذلك ، الباء فى بحمد اللّه إما للمصاحبة و الجار و المجرور في موضع الحال أى لست كذلك مصاحبا بحمده أى حامدا له تعالى على حدّ قوله تعالى فسبّح بحمد ربّك أى سبّحه حامدا له أى نزّهه عمّا لا يليق به و اثبت له ما يليق و إمّا للاستعانة على أنّه من اقامة المسبّب مقام السّبب كما قاله بعض علماء الأدبيّة في سبحانك اللّهم و بحمدك ، إنّ المعني و بمعونتك الّتي هي نعمة توجب على حمدك سبّحتك لا بحولي و قوّتي ، و على هذا فيكون المعني لست كذلك باعانته الّتي توجب حمده تعالى . و قوله : انحطاطا للّه ، مفعول لأجله لتركته ، و عن تناول متعلّق بانحطاطا و اضافة تناول إلى ما من اضافة المصدر إلى مفعوله ، و قوله : لاخراجي علّة للمنفي ، لا للنفى و قوله : في حقوق ، متعلّق بالبقيّة و الفاء في قوله فلا تكلّموني ، فصيحة . و قوله فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له ، الضمير في أنّه للشأن و أن يقال له بدل من الحقّ بدل اشتمال و كذلك ان يعرض عليه بدل من العدل ، و الباء في قوله : بفوق ، زايدة للتأكيد و زيادتها في خبر ليس مطردة ، و الفاء في قوله : فابدلنا آه ، عاطفة للتفصيل على الأجمال . المعنى اعلم أنّه عليه السّلام لمّا خطب بما تقدّم في الفصل الأوّل ( فأجابه عليه السّلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه و يذكر سمعه و طاعته له ) و ستطلع على كلام هذا الرّجل في التكملة الآتية انشاء اللّه تعالى . قال المحدّث العلامة المجلسيّ في البحار عند رواية هذه الخطبة من الكافي : [ 152 ] الظاهر أنّ هذا الرّجل كان الخضر عليه السّلام و قد جاء في مواطن كثيرة و كلّمه عليه السّلام لاتمام الحجّة على الحاضرين ، و قد أتى بعد وفاته عليه السّلام و قام على باب داره و بكى و أبكى و خاطب عليه السّلام بأمثال تلك الكلمات و خرج و غاب عن النّاس . أقول : و يؤيّده ما يأتي في رواية الكافي من أنّه لم يكن رأي في عسكره عليه السّلام قبل هذا اليوم و لا بعده ، و كيف كان فلمّا سمع عليه السّلام كلامه ( فقال عليه السّلام ) مجيبا له : ( إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه ) فانّ من كمل معرفته باللّه و شاهد عظمته و جلاله و كبرياءه لا يبقى لغيره وقع في نظره ، لما ظهر من جلاله تعالى كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ما رواه عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في احياء العلوم : لا يبلغ عبد حقيقة الايمان حتّى ينظر النّاس كالأباعر في جنب اللّه ثمّ يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير . ( و انّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه و لطف احسانه اليه ) يعني أحقّ النّاس بتعظيم جلال اللّه و تصغير ما سواهم الأئمّة عليهم السّلام لعظم نعمة اللّه عليهم و كمال معرفتهم بجلال ربّهم ، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم من غيرهم فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الثناء و الاطراء . أو أنّ من عظمت نعمه و لطفه و احسانه إليه فهو أحقّ و أجدر بأن يعظم جلال اللّه و يجلّ محلّه في قلبه ، و من كان كذلك فيضمحلّ عند ملاحظة جلاله و مشاهدة عظمة غيره ، فلا يكون له التفات و توجّه إلى الخلق في أعماله حتّى يطلب رضاءهم و مدحهم و ثناءهم . و من هنا لما قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام ما الخالص من الأعمال ؟ فقال : الّذى يعمل للّه تعالى لا يحبّ أن يحمده عليه أحد . و قال بعضهم : الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط ، و قال آخر : هو اخراج الخلق عن معاملة الرّب . و يؤيّد الثّاني تعليله بقوله ( فانّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلاّ ازداد حقّ اللّه عليه عظما ) و أعظم حقّه هو الاخلاص كما قال « و ما امروا إلاّ ليعبدوا اللّه مخلصين [ 153 ] له الدّين » « فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا » . ( و انّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس ان يظنّ بهم حبّ الفخر ) . لظهور مخائل حبّه عليهم ، و ذلك لضعف عقولهم و حبّهم للجاه و المنزلة عند الناس و للثناء و المحمدة منهم . و النكتة في محبتهم لذلك هو ارتياح النفس و التذاذ القلب به و ميل الطبع اليه بسبب استشعار الكمال من قول المادح ، و ذلك لأنّ الكمال محبوب ، و كلّ محبوب فادراكه لذيذ ، فمهما شعرت النفس بكمالها ارتاحت و تلذّذت فالمدح يشعر نفس الممدوح بكمالها . فانّ الوصف الذى يمدح به إما أن يكون جليا ظاهرا كوصفه بأنه طويل القامة و حسن الوجه ، أو خفيا مشكوكا كوصفه بالقدرة و الشجاعة و السخاوة ، و الالتذاذ بالأوّل أقلّ و بالثاني أعظم ، لأنّ الانسان ربما يكون شاكا في كمال قدرته و شجاعته و سخاوته ، و بمدح غيره له بذلك يرتفع شكه و يحصل له الطمأنينة باستشعار ذلك الكمال ، فتعظم لذّته لا سيما إذا كان المادح من أهل الخبرة فهذا هو النكتة في حبّ الجاه و الفخر و الثناء . و أيضا فانّ المدح يدلّ على حشمة الممدوح و اضطرار المادح إلى اطلاق اللسان بحمده ، و مدحه إما عن طوع أو عن قهر و الحشمة أيضا لذيذة لما فيها من القهر و القدرة و السلطنة ، و هذه اللّذة تحصل و إن كان المادح في الباطن غير معتقد بما مدح به لأنّ اضطراره إلى مدحه و وصفه نوع قهر و استيلاء عليه ، فيورث ذلك حبّ الولاة للمحمدة و الثناء . و إنما جعله من أسخف الحالات ، لأنّ من غلب على قلبه حبّ الجاه و المنزلة و الفخر صار همته مقصورا على ملاحظة الخلق و مراعاتهم فى أقواله و أفعاله ملتفتا إلى ما يوجب وقعه فى نظرهم و منزلته عندهم و رضائهم منه رجاء لمدحهم و خوفا من ذمّهم و هذا من محض ضعف العقل و قصوره . [ 154 ] لأنّ هذه الصفة التى يحبّ المدح بها إما أن يكون متّصفا بها واقعا أم لا فان كان متّصفا بها فهى إما من الكمالات النفسانية كالقدرة و الشجاعة و العدالة ، أو ليست من الكمالات النفسانية بل من الأعراض الدّنيوية كالثروة و الجلال و الشوكة و نحوها . أما الأعراض الدنيويّة فالفرح بها كالفرح بما أنبتت الأرض من النبات الذى يصير عن قريب هشيما تذروه الرياح ، و هذا من قلّة عقل العاقل فلا ينبغى أن يفرح بما هو فى معرض الزوال و الفناء ، و ان فرح فلا ينبغى أن يفرح بمدح المادح بل بوجوده و المدح ليس سبب وجوده . و أما الكمالات النفسانية فينبغى أن يكون فرحه فيها بفضل اللّه تعالى أيضا لا بمدح المادح ، فانّ اللذة في استشعار الكمال و الكمال موجود بفضل اللّه لا بمدح المادح و المدح تابع له و ان لم يكن متّصفا بها واقعا فحبّ المدح بها غاية الجنون ، و مثله كمثل من يهزء به إنسان و يقول له : سبحان اللّه ما اكثر العطر الذى فى أحشائك و ما أطيب الرّوائح التى تفوح منك إذا قضيت حاجتك ، و هو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار و الأنتان و مع ذلك فيفرح بمدحه فاذا المادح إن كان صادقا فليكن فرحه بصفته الّتي هي من فضل اللّه و إن كان كاذبا فينبغي أن يغمّه مدحه حيث إنه يستهزء به و يستسخر منه فكيف يفرح به . و أمّا الحشمة الّتي اضطرت المادح إلى المدح فمرجعها أيضا إلى قدرة عارضة لا ثبات لها ، فعلم بذلك أنّ حبّ الفخر من أسخف حالات الولاة . ( و ) من أسخف حالاتهم أيضا أن ( يوضع أمرهم على الكبر ) أى يتّهموا بالكبر لاستعظامهم لنفسهم و استحقارهم لغيرهم و ترفعهم عليه و انفهم من عباداتهم و هو ايضا من ضعف العقل لأنّ الكبر و العزّ و العظمة و الجلال لا يليق إلاّ بالقادر القاهر مالك الملك و الملكوت فأين يليق به العبد الضعيف المسكين المستكين الذى لا يملك لنفسه موتا و لا حياتا و لا نشورا . [ 155 ] فالوالى المتكبّر منازع للّه تعالى في صفة لا يليق إلاّ بجلاله مثل الغلام الّذى أخذ قلنسوة الملك فوضعها على رأسه و جلس على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت و الخزى و ما أقبح ما تعاطاه و أشدّ جرأته على مولاه و أفحش سفهه عند أهل البصيرة هذا . و لمّا ذكر اجمالا أنّ المشاهد لجمال الربوبيّة يصغر في نظره ما سواه و أنّ أحقّ النّاس بمشاهدة جلاله و استصغار غيره هو من فاز لعظيم نعمة المعرفة و عقّبه بذكر حالة الولاة من حبّهم للفخر و الكبر و اتّهامهم بذلك . أردف ذلك بالتصريح على براءة نفسه القدسية من هذه الحالات و نزاهته عن حبّ الاطراء و الثناء بمقتضي مشاهدته لجلال الربّ تعالى فقال : ( و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أني أحبّ الاطراء ) أى المجاوزة عن الحدّ في المدح و المبالغة فيه ( و استماع الثناء ) قال بعض الشارحين : جولان الظنّ حصول المعني في النفس من غير إذعان كامل ، و كراهته عليه السّلام له يدلّ على كراهته للاذعان التامّ بطريق أولى . ( و لست بحمد اللّه كذلك ) أى محبا لها ( و لو كنت احبّ أن يقال ذلك ) أى لو أحببت الاطراء و الثناء و التعظيم و التّبجيل بما فيه من التذاذ النفس ( لتركته ) قطعا ( انحطاطا للّه ) و تذلّلا لأجله و تصاغرا ( عن تناول ما هو أحقّ به ) منّي و من كلّ أحد ( من العظمة و الكبرياء ) و يحتمل أن يكون أحقّ بمعني حقيق غير مراد به التفضيل كما في قولهم العسل أحلي من الخلّ و هو الأظهر بل أولى لأنّ العظمة و الكبرياء لا يليق إلاّ به تعالى كما قال في الحديث القدسى : الكبرياء ردائي و العظمة إزارى فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم و لا ابالي . و في كلامه عليه السّلام إشارة إلى أنّ الاطراء و الثناء يجران إلى الكبر و ذلك أنّ المادح إذا بالغ في المدح و ذكر مناقب الممدوح و محاسنه و اثنى عليه بها يورث ذلك في الممدوح الارتياح و الاهتزاز و استعظامه لنفسه بما فيها من المناقب و المحاسن و استحقاره بغيره لخلوّه منها ، و ليس الكبر إلاّ عبارة عن ذلك . [ 156 ] ( و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء ) أى استحلى من أبلى بلاء حسنا من الولاة و غيرهم أن يمدح و يثنى عليه بعد ابتلائه بالشدائد و مكايدته المشاق . قال الشارح البحراني : هذا يجرى مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه فكأنه عليه السّلام يقول : و أنت معذور حيث رأيتني أجاهد في سبيل اللّه و أحثّ الناس على ذلك و من عادة النّاس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من الطاعات . ثمّ أجاب عليه السّلام عن هذا العذر بقوله ( فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لاخراجي نفسى إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من امضائها ) أى لا تثنوا علىّ لأجل ما ترونه منّى من طاعة اللّه فانّ ذلك انّما هو لاخراج نفسى إلى اللّه من حقوقه الباقية علىّ لم افرغ بعد من أدائها ، و هى حقوق نعمه و فرائضه الّتي لا بدّ من المضيّ فيها و كذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها اللّه من النصيحة في الدّين و الارشاد إلى الطريق الأفضل و التعظيم لكيفيّة سلوكه . و في المنقول من خط الرّضي من التقيّة بالتاء و المعنى فانّ الّذى أفعل من طاعة اللّه إنما هو لاخراج نفسي إلى اللّه و إليكم من تقيّة الخلق فيما يجب علىّ من الحقوق إذ كان عليه السّلام إنّما يعبد اللّه للّه غير ملتفت فى شى‏ء من عبادته و أداء واجب حقّه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه أو المراد بها التقيّة الّتي كان يعملها في زمن الخلفاء الثلاثة و تركها في أيام خلافته ، و كأنه قال : لم أفعل شيئا إلاّ و هو أداء حقّ واجب علىّ و إذا كان كذلك فكيف أستحقّ أن يثنى علىّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل ، و اقابل بهذا التعظيم ، و هو من باب التواضع للّه و تعظيم كيفية أداء حقّه ، و كسر للنفس عن محبّة الباطل و الميل اليه . و لمّا نهاهم عن الثناء عليه أردف بتعليمهم كيفية سلوكهم معه عليه السّلام قولا و فعلا فقال عليه السّلام . [ 157 ] ( فلا تكلّمونى بما تكلّم به الجبابرة ) و الظلمة أى لا تكلّمونى بكلام متضمن للتملق لى و التودّد الىّ كما يتكلّم به عند أهل الغرور و النخوة من المتجبّرين العتاة ( و لا تتحفّظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة ) أى لا تحرّزوا منّى بما يتحرّز به عند أهل الهدة من الملوك و السلاطين و الامراء ، فانّ النّاس إنّما يتحفظون عنهم و يتكلّمون عندهم حقّا أو بأطلا بما يعجبهم و يوافق مذاقهم من الثناء و الاطراء و الملق ، و يحتشمون منهم و يقومون بين أيديهم و يخضعون لهم ، كلّ ذلك خوفا من سطوتهم و توقّيا من سورتهم . ( و لا تخالطونى ) و عن بعض النّسخ لا تخاطبونى بدله ( بالمصانعة ) أى بالرّشوة و المداراة ، و قال بعض الشارحين : المصانعة أن تصنع لأحد شيئا ليصنع لك شيئا آخر و الغرض النّهى عن المخالطة أو المخاطبة بحسب ما يرونه صلاحا في حصول أغراضهم أو ما يعجبه عليه السّلام على زعمهم . ( و لا تظنوابى استثقالا في حقّ لى و لا التماس إعظام لنفسى ) أي لا يذهب ظنّكم إلى أنّ فيّ توانيا من الحقّ الذي قيل لى ، و انى أعدّه ثقيلا علىّ ، و لا إلى أنّى أطلب من الخلق التعظيم لنفسى ، و ذلك لأنّه مع الحقّ و الحقّ معه يدور معه كيف دار و لمعرفته بمن هو أهل للاعزاز و أحقّ به لاختصاصه بالعظمة و الكبرياء فقط جلّ جلاله دون غيره حسبما صرّح به سابقا ، و من هذا شأنه فكيف يستثقل الحقّ و يلتمس الاعظام . ( فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ) يعنى من كان استماع الحقّ و العدل ثقيلا عليه عند إظهارهما عليه كان عمله بهما أثقل و أشق ، لكن شيئا منهما ليس ثقيلا عليه فضلا عن إصغائه إليه ، بل المعلوم من حاله عليه السّلام مضافا إلى شهادة قوله تعالى و ممّن خلقنا امّة يهدون بالحقّ و به يعدلون النّازل فيه و في الأئمة من ذريّته عليه و عليهم السّلام مواظبته على الحقّ و العدل في جميع حالاته . و لمّا نهاهم عن التحفّظ منه و نبّههم على عدم ثقل استماع القول الحقّ [ 158 ] و العدل عليه كعدم ثقل عمله بهما فرّع عليه قوله ( فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ ) أى لا تمسكوا عنها و فيه تلطف لهم ( أو مشورة بعدل ) و فيه تطييب لقلوبهم و لهذه النّكتة أيضا أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قوله « و شاورهم في الأمر » بالتشاور من دون حاجة لأحد منهما إلى استخراج الوجه بالمشاورة لعلمهما بوجوه المصالح جميعا في الحرب و غيرها . و أمّا التعليل بقوله ( فانّي لست في نفسى بفوق ان اخطى و لا آمن ذلك من فعلى إلاّ أن يكفى اللّه من نفسى ما هو أملك به منّى ) فانّما هو من الانقطاع إلى اللّه و التّواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحقّ و عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبوديّة و الاقرار بأنّ عصمته عليه السّلام من نعمه تعالى . و ليس اعترافا بعدم العصمة كما يتوهّم بل ليست العصمة إلاّ ذلك فانّها عبارة عن أن يعصم اللّه العبد من ارتكاب الخطاء و المعصية و قد أشار إليه بقوله : إلاّ أن يكفى اللّه ، على حدّ قول يوسف الصدّيق عليه السّلام « و ما أبرّء نفسى إنّ النفس لأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّى » و أراد بقوله ما هو أملك به العصمة من الخطاء فانّه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد نفسه ثمّ اتبعه بمزيد الهضم و سوّى بينهم و بينه و قال ( فانّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا ) و يعصمنا ممّا لا نقدر أن نعتصم منه بأنفسنا من مكاره الدّنيا و الآخرة ( و أخرجنا ممّا كنّا فيه ) من الجهالة و عدم العلم و المعرفة ( إلى ما صلحنا عليه ) من الكمالات الّتي يسّرها لنا ببعثة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ( فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى ) . قال الشّارح المعتزلي : ليس هذا إشارة إلى خاصّ نفسه لأنّه لم يكن كافرا فأسلم ، و لكنّه كلام يقوله و يشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من إفناء الناس فيأتى بصيغة الجمع الدّاخلة فيها نفسه توسّعا ، و يجوز أن يكون معناها لولا ألطاف اللّه تعالى ببعثة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكنت أنا و غيرى على مذهب الأسلاف . [ 159 ] تكملة هذه الخطبة رواها ثقة الاسلام الكليني في كتاب الرّوضة من الكافي و السند علىّ بن الحسن المؤدّب عن أحمد بن محمّد بن خالد و أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن التّميمي « التيمى » جميعا عن إسماعيل بن مهران قال : حدّثنى عبد اللّه بن الحرث عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام الناس بصفّين فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على محمّد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال عليه السّلام : أمّا بعد فقد جعل اللّه لي عليكم حقّا بولاية أمركم و منزلتى الّتي أنزلني اللّه عزّ ذكره بها منكم و لكم عليّ من الحقّ مثل الّذى لى عليكم ، و الحقّ أجمل الأشياء في التراصف « التواصف » و أوسعها في التناصف لا يجرى لأحد إلاّ جرى عليه ، و لا يجرى عليه إلاّ جرى له ، و لو كان لأحد أن يجرى ذلك له و لا يجرى عليه لكان ذلك للّه عزّ و جلّ خالصا دون خلقه ، لقدرته على عباده ، و لعدله في كلّ ما جرت عليه ضروب قضائه ، و لكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه ، و جعل كفارتهم عليه حسن الثواب تفضّلا منه و تطوّلا بكرمه و توسّعا بما هو من المزيد له أهل ، ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض ، فجعلها تتكافا في وجوهها و يوجب بعضها بعضا ، و لا يستوجب بعضها إلاّ ببعض فأعظم ما افترض اللّه تبارك و تعالى من تلك الحقوق حقّ الوالى على الرّعيّة و حقّ الرّعيّة على الوالى فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ لكلّ على كلّ فجعلها نظام الفتهم و عزّا لدينهم و قواما لسنن الحقّ فيهم ، فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة ، و لا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرّعيّة . فاذا أدّت الرّعية إلى الوالى حقّه و أدّى إليها الوالى كذلك عزّ الحقّ بينهم ، فقامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل ، و جرت على اذلالها السّنن ، و صلح بذلك الزّمان و طاب به العيش و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء . و إذا غلبت الرّعية و اليهم و علا الوالى الرّعية اختلفت هنا لك الكلمة [ 160 ] و ظهرت مطامع الجور و كثر الادغال في الدّين و تركت معالم السنن ، فعمل بالهوى و عطلت الآثار و كثرت علل النفوس و لا يستوحش لجسيم حدّ عطل و لا لعظيم باطل اثل ، فهنا لك تذلّ الأبرار ، و تعزّ الأشرار ، و تخرب البلاد ، و تعظم تبعات اللّه عزّ و جلّ عند العباد . فهلمّ أيّها الناس إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ و جلّ و القيام بعد له و الوفاء بعهده و الانصاف له في جميع حقّه ، فانه ليس العباد إلى شي‏ء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه ، و ليس أحد و إن اشتدّ على رضاء اللّه حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله ، و لكن من واجب حقوق اللّه عزّ و جلّ على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم ، و التعاون على اقامة الحقّ بينهم . و ليس امرء و إن عظمت في الحقّ منزلته و جسمت في الخلق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله اللّه عزّ و جلّ من حقّه ، و لا لامرؤ مع ذلك خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك أو يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة و كلّ في الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ شرع سواء « فأجابه عليه السّلام رجل من عسكره لا يدرى من هو و يقال : إنّه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده ، فقام و أحسن الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقّه عليهم و الاقرار بما ذكر من تصرّف الحالات به و بهم ثمّ قال : أنت أميرنا و نحن رعيتك بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من الذلّ و باعزازك اطلق على عباده من الغل ، فاختر علينا فامض اختيارك و ائتمر فامض ائتمارك فانّك القائل المصدّق و الحاكم الموفق و الملك المخول لا نستحلّ في شي‏ء من معصيتك و لا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجلّ عنه في أنفسنا فضلك » . فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ من حقّ من عظمّ جلال اللّه في نفسه و عظم موضعه [ 161 ] من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه ، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعم اللّه عليه و لطف إحسانه إليه فانّه لم تعظم نعم اللّه تعالى على أحد إلاّ ازداد حق اللّه عليه عظما . و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر و يوضع أمرهم على الكبر ، و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّى أحبّ الاطراء ، و استماع الثناء ، و لست بحمد اللّه كذلك ، و لو كنت احبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء ، و ربّما استحلى الناس الثناء بعد البلاء ، فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لاخراجى نفسى إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم افرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من إمضائها . فلا تكلّمونى بما تكلّم به الجبابرة و لا تتحفظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة و لا تخالطونى بالمصانعة ، و لا تظنوا بى استثقالا في حقّ قيل لى و لا التماس إعظام لنفسى لما لا يصلح لى فانّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو ألعدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل فانّى لست في نفسي بفوق أن اخطى و لا آمن ذلك من فعلى إلاّ أن يكفى اللّه من نفسى ما هو أملك به منى ، فانّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره ، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا ممّا كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى . « فأجابه الرّجل الّذى أجابه من قبل فقال : أنت أهل ما قلت و اللّه فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر ، و قد حملك اللّه تعالى رعايتنا و ولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الّذى نهتدى به ، و إما منا الذى نقتدى به ، و أمرك كلّه رشد ، و قولك كلّه أدب ، قد قرّت لك في الحياة أعيننا ، و امتلأت بك من سرور قلوبنا ، و تحيّرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا ، و لسنا نقول لك أيّها الامام الصّالح تزكية لك ، و لا نجاوز القصد في الثناء عليك ، و لم « لن » يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غشّ في دينك فنتخوّف أن يكون أحدثت بنعم اللّه تبارك و تعالى تجبّرا ، أو دخلك [ 162 ] كبر ، و لكنّا نقول ما قلنا تقرّبا إلى اللّه عزّ و جلّ بتوقيرك ، و توسّعا بتفضيلك و شكرا باعظام أمرك ، فانظر لنفسك و لنا و آثر لأمر اللّه على نفسك و علينا فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الامور مع ذلك فيما ينفعنا » . فأجابه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : و أنا استشهدكم عند اللّه على نفسى ، لعلمكم فيما و ليت به من اموركم و عمّا قليل يجمعنى و ايّاكم الموقف بين يديه و السؤال عمّا كنّا فيه ، ثمّ يشهد بعضنا على بعض ، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا ، فانّ اللّه عزّ و جلّ لا تخفى عليه خافية ، و لا يجوز عنده إلاّ مناصحة الصدور في جميع الأمور « فأجابه الرّجل و يقال : لم ير الرّجل بعد كلامه هذا الأمير المؤمنين عليه السّلام فأجابه و قد عال الذى في صدره و البكاء تقطع منطقه ، و غصص الشّجى تكسر صوته إعظاما لخطر مرزأته و وحشة من كون فجيعته ، فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ شكى إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذّل الطويل في فساد زمانه و انقلاب جده و انقطاع ما كان من دولته ، ثمّ نصب المسألة إلى اللّه عزّ و جلّ بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتّفجع و حسن الثناء فقال : يا رباني العباد و يا ساكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك ، و أين يبلغ وصفنا من فعلك ، و أنّى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصى جميل بلائك ، كيف و بك جرت نعم اللّه علينا ، و على يدك اتّصلت أسباب الخير إلينا ، ألم تكن لذلّ الذليل ملاذا ، و للعصاة الكفار إخوانا ، فبمن إلاّ بأهل بيتك و بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من فظاعة تلك الخطرات ، أو بمن فرّج عنّا غمرات الكربات ، و بمن إلاّ بكم أظهر اللّه معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا ، حتّى استبان بعد الجور ذكرنا ، و قرّت من رخاء العيش أعيننا لما ولّيتنا بالاحسان جهدك و وفيت لنا بجميع وعدك ، و قمت لنا على جميع عهدك ، فكنت شاهد من غاب منّا ، و خلف أهل البيت لنا ، و كنت عزّ ضعفائنا ، و ثمال فقرائنا ، و عماد عظمائنا ، يجمعنا فى الامور عدلك ، و يتّسع لنا في الحقّ تأنيك فكنت لنا أنسا إذا رأيناك ، و سكنا إذا ذكرناك ، فأىّ الخيرات لم تفعل ، و أىّ [ 163 ] الصّالحات لم تعمل ، و لو أنّ الأمر الّذى نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا ، و تقوى لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا و بمن نفديه بالنّفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك ، و لأخطرناها و قل خطرها دونك ، و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك ، و مدافعة من ناواك ، و لكنّه سلطان لا يحاول و عزّ لا يزاول ، و ربّ لا يغالب ، فان يمنن علينا بعافيتك ، و يترحّم علينا ببقائك و يتحنّن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا نحدث اللّه عزّ و جلّ بذلك شكرا نعظمه ، و ذكرا نديمه ، و نقسّم انصاف أموالنا صدقات ، و أنصاف رقيقنا عتقاء ، و نحدث له تواضعا في أنفسنا ، و نخشع في جميع امورنا ، و إن يمض بك إلى الجنان و يجرى عليك حتم سبيله ، فغير متّهم فيك قضاؤه ، و لا مدفوع عنك بلاؤه ، و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بان اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه ، و لكنّا نبكى من غير اثم لعزّ هذا السلطان أن يعود ذليلا ، و للدّين و الدّنيا أكيلا ، فلا نرى لك خلقا نشكو إليه ، و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه » . بيان لما يحتاج إلى البيان من موارد الاختلاف الّتي لم يتقدّم شرحها عند شرح المتن : قوله عليه السّلام « و الحق أجمل الأشياء في التّراصف » أصل التّراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض ، و المراد أنّ الحقّ أحسن الأشياء في إنفاق الامور و أحكامها . قوله « و أوسعها في التّناصف » أى إذا أنصف الناس بعضهم لبعض فالحقّ يسعه و يحتمله و لا يقع الناس في العمل بالحقّ ضيق . قوله « و جعل كفارتهم عليه حسن الثّواب » قال في البحار : لعلّ المراد بالكفارة الجزاء العظيم لستره عملهم حيث لم يكن له في جنبه قدر ، فكأنّه قد محاه و ستره ، و في أكثر النسخ بحسن الثواب فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها ما يقع منهم لتدارك سيئآتهم كالتوبة و ساير الكفارات ، أى أوجب قبول كفارتهم و توبتهم على نفسه مع حسن الثواب بأن يثيبهم على ذلك أيضا قوله « قواما يسرّ الحقّ فيهم » أى بها يقوم جريان الحقّ فيهم و بينهم . [ 164 ] قوله « اثّل » بالثّاء المثلّثة و البناء على المفعول من باب التّفعيل يقال : أثل ماله تأثيلا زكّاه و أصّله و أثّل ملكه عظمه و أثّل أهله كساهم أفضل كسوة و الاثال وزان سحاب و غراب المجد و الشّرف قوله « فهلمّ ايّها الناس » اسم فعل بمعنى تعال يستوى فيه الواحد و الجمع و التذكير و التّأنيث على لغة أهل الحجاز . قوله « حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله » أى جزاء ما أعطى اللّه أهل الحقّ من الدّين المبين و سائر ما هداهم اللّه إليه ، بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا أو يكون في الكلام تقدير مضاف أى حقيقة جزاء ما أعطى من الحقّ ، و قيل : المراد بحقيقة ما أعطى اللّه شكر نعمة هدايته تعالى إلى دين الحقّ . قوله « و لا لامرؤ مع ذلك » قال في البحار كأنّه راجع إلى ما حمّل اللّه على الوالى أو إلى الوالى الّذى اشير إليه سابقا أى لا يجوز أو لا بدّ لا مرؤ أو لا استغناء لامرء على الوالى أو مع كون و اليه مكلّفا بالجهاد و غيره من امور الدّين و إن كان ذلك المرء محقّرا ضعيفا بدون أن يعين على إقامة الدّين أو يعينه النّاس أو الوالى عليه قوله « خسأت به الامور » يقال خسأت الكلب خسئا طردته و خسا الكلب يتعدّى و لا يتعدّى و يجوز أن يكون استعمل هنا غير متعدّ بنفسه ، فعدّى بالباء أى طردته الامور ، و المراد أنّه ليس بحيث يتمشّى امر من اموره و لا ينفع سعيه في تحصيل شي‏ء من الامور قوله « بدون ما » لفظة ما زايدة . قوله « و أهل الفضيلة في الحال » المراد بهم الأئمة عليهم السّلام و الولاة و الامراء و العلماء و كذا « أهل النّعم العظام » . قوله « و الافرار » عطف على الثناء أى أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك الرّجل و لم يذكره عليه السّلام اختصارا أو تقيّة من تغيّر حالاته من استيلاء أئمّة الجور و مظلوميّته و تغيّر أحوال رعيّته من تقصيرهم في حقّه و عدم قيامهم بما يحقّ من طاعته و القيام بخدمته [ 165 ] قوله « من الغلّ » أى أغلال الشرك و المعاصى . قوله « و ائتمر » أى أقبل ما أمر اللّه به فامضه علينا . قوله « و الملك المخوّل » أى الملك الّذى أعطاك اللّه الامرة علينا و جعلنا خدمك و تبعك قوله « لا نستحلّ في شي‏ء من معصيتك » لعلّ التّعدية بفى لتضمين معنى الدخول أو المعنى لا نستحلّ معصيتك في شي‏ء من الأشياء على أن يكون من زايدة قوله « في ذلك » أى في العلم بأن تكون كلمة في تعليليّة ، و يحتمل أن يكون اشارة إلى ما دلّ عليه الكلام من اطاعته عليه الصّلاة و السلام . قوله « خطرك » أى قدرك و منزلتك . قوله « و يجلّ عنه » أى عمّا قلته في وصفك . قوله « فبلاؤه عندنا ما لا يكفر » أى نعمته عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها و سترها ، أو لا يجوز كفرانها و ترك شكرها . قوله « و لم يكن » في بعض النسخ لن يكون و في بعضها لن يكنّ بالبناء على المفعول من كنت الشي‏ء سترته أو بفتح الياء و كسر الكاف من كنّ الطاير بيضه حضنه قوله « و توسّعا » أى في الفضل و الثواب . قوله « مع ذلك » أى مع طوعنا فيما امرت ، و في البحار أى مع طاعتنا لك ، فانّ نفس الطاعة أمر مرغوب فيه و مع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا و ما هو خير لنا في دنيانا و آخرتنا . قوله « الاّ مناصحة الصّدور » أى خلوصها من غشّ النّفاق بأن يضمر فيها خلاف ما يظهر أو نصح الاخوان نصحا يكون في الصّدور لا بمحض اللّسان . قوله « و قد عال الّذى في صدره » يقال : عالنى الشي‏ء أى غلبنى و عال أمرهم اشتدّ قوله « و غصص الشّجى » جمع غصّه بالضّم و هو ما يعترض في الحلق ، [ 166 ] و الشّجى الحزن . قوله « لخطر مرزأته » الخطر القدر و الاشراف على الهلاك و المرزأة المصيبة و كذا الفجيعة و الضّمير راجع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و القائل كان عالما بقرب أو ان شهادته عليه السّلام فلذا كان يندب و يتفجّع و إرجاعهما إلى القائل بعيد قوله « ثمّ شكى إليه » أى إلى اللّه تعالى . قوله « أشفى عليه » أى أشرف عليه . قوله « و انقلاب جدّه » أى بخته . قوله « بالتفجع » متعلّق بقوله نصيب ، و التفجع التّوجّع في المصيبة أى سأل اللّه دفع هذا البلاء الّذى قد ظنّ وقوعه عنه عليه السّلام مع التّفجع و التّضرّع . قوله « يا ربّاني العباد » قال الجزرى الربّاني منسوب إلى الربّ بزيادة الالف و النّون ، و قيل : هو من الربّ بمعني التّربية لتربيتهم المتعلّمين بصغار العلوم و كبارها ، و الربّاني العالم الرّاسخ في العلم و الدّين يطلب بعلمه وجه اللّه ، و قيل : العالم العاقل المعلّم . قوله « و يا ساكن البلاد » في بعض النسخ سكن البلاد محرّكة و هو كلما يسكن إليه . قوله « و بك جرت نعم اللّه » أى بمجاهداتك و مساعيك الجميلة في ترويج الدّين و تشييد أركان الاسلام في زمن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده . قوله « و للعصاة الكفّار اخوانا » أى كنت تعاشر من يعصيك و يكفر نعمتك بالشّفقه و الرّأفة معاشرة الاخوان ، أو المراد الشّفقة على الكفّار و العصاة و الاهتمام في هدايتهم ، و يحتمل أن يراد بهم المنافقون الّذين كانوا في عسكره و كان يلزمه رعايتهم بظاهر الشّرع . قوله « من فظاعة تلك الخطرات » أى قباحتها و شدّتها . قوله « ثمال فقرائنا » أى غياثهم و لجائهم و قيل : الثمال المطعم في الشّدة . قوله « يجمعنا من الأمور عدلك » أى هو سبب اجتماعنا في جميع الامور أو من [ 167 ] بين ساير الامور أو هو سبب لانتظام جميع امورنا و عدلك محيط بجميعنا في جميع الامور . قوله « و يتّسع لنا في الحقّ تأنّيك » أى صار مداراتك و عدم تعجيلك في الحكم علينا بما نستحقّه سببا لوسعة الحقّ علينا و عدم تضيّق الامور بنا . قوله « ليبلغ تحريكه » أى تغييره و صرفه و في النسخة القديمة تحويله . قوله « و لا خطرناها » لا نجعل لها خطرا أى قدرا و منزلة كما في حديث وصف الأئمة عليهم السّلام : ما أجلّ خطركم أى قدركم و منزلتكم عند اللّه أو لا نعدّها خطيرا أى رفيعا . قوله « و قلّ خطرها دونك » أى شرفها أو هلاكها و الخطر أيضا السّبق يتراهن عليه و لا يقال إلاّ في الشي‏ء الّذى له قدر و مزيّة . قوله « حاولك » أى قصدك . قوله « من ناواك » أى عاداك . قوله « و لكنّه سلطان » أى الربّ تعالى . قوله « و عزّ » ذو عزّ و غلبة . قوله « لا يزاول » أى لا يحاول و لا يطالب ، و هذا إشارة إلى أن هذه الامور بقضاء اللّه و قدره و المبالغة في دفعها في حكم مغالبة اللّه فى تقديراته . قوله « بان اختياره لك ما عنده » ما عنده خبران أو خبره محذوف أى خير لك و المعني أنّه لا يختلف قلوبنا بل هي متّفقة على أنّ اللّه اختار لك بامضائك النعيم و الرّاحة الدّائمة على ما كنت فيه من المشقّة و الجهد و العناء . قوله « نبكى من غير اثم » أى لا نأثم على البكاء عليك فانّه من أفضل الطاعات . قوله « و للدّين و الدّنيا اكيلا » أى آكلا فالفعيل بمعنى الفاعل لا بمعنى المفعول أى نبكي لتبدّل هذا السّلطان الحقّ بسلطنة الجور فيكون آكلا للدّين و الدّنيا . قوله « و لا نرى لك خلفا » أى من بين السّلاطين لخروج السّلطنة من أهل البيت عليهم السّلام . قال الشارح : أكثر ما أوردته هنا التقطته من كلام المحدّث العلامة المجلسي [ 168 ] قدّس سرّه في البحار . الترجمة فصل دوّيم از آن خطبه است سيد رضي گفته : پس جواب داد آن حضرت را مردى از أصحاب او بسخن درازى كه در آن بسيار ستايش مى‏كرد او را و ذكر مى‏نمود در آن شنيدن و اطاعت كردن خود را بآن بزرگوار پس فرمود آن حضرت كه : بتحقيق از حق كسى كه بزرگ است جلال و عظمت خدا در نفس او و أجلّ است مرتبه او در قلب او اينست كه كوچك و حقير باشد در نزد او بجهت بزرگى آن جلال و عظمت هر چيزى كه غير خداى تعالى است ، و بتحقيق سزاوارتر كسى كه باشد بر اين حال كسى است كه بزرگ شده نعمت خدا بر او و لطيف شده احسان و انعام او بسوى او از جهت اينكه بزرگ نمى‏گردد نعمت خدا بر احدى مگر اينكه زايد گردد بزرگ بودن حقّ خدا بر او . و بدرستى كه از سخيف و خفيف‏ترين حالات پادشاهان در نزد مردمان صالح سالم العقل اين است كه گمان برده شود بايشان دوست داشتن افتخار بر مردمان را و حمل شود بناء امر ايشان بتكبّر بخلقان . و بتحقيق كه ناخوش داشتم اين را كه جولان كند در ظنّ شما اينكه من دوست دارم زيادت تعريف و استماع ستايش را ، و نيستم من بحمد اللّه همچنين و اگر بودم كه دوست مى‏داشتم اينكه گفته شود مدح و ثنا درباره من البتّه ترك ميكردم آنرا از جهت پستى و تواضع از براى خدا و فروتنى از اخذ كردن چيزى كه خدا سزاوارتر است بآن از عظمت و كبريا ، و بسا هست كه شيرين مى‏دانند مردمان مدح و ثنا را بعد از زحمت بلا ، پس ستايش نكنيد بر من باثناء جميل بسبب خارج كردن من نفس خودم را بسوى خدا و بسوى شما از بقيّه حقوقى كه فارغ نگشته‏ام از أداء آنها ، و از واجباتى كه لابد و ناچارم از إمضا و إجراء آنها . پس تكلّم نكنيد با من بسخنانى كه تكلّم كرده شود با آن ستمكاران و جبّاران ، [ 169 ] و تحفّظ نكنيد از من با چيزى كه تحفّظ كرده مى‏شود با آن در نزد پادشاهان با حدّت و سطوت ، و آميزش نكنيد با من به تملّق و چاپلوسى ، و گمان نبريد در من اينكه گرانى دارم در حقّى كه گفته شده بمن ، و اينكه خواهش دارم بزرگ شمردن نفس خودم را از جهت اينكه كسى كه گر دارد حق را از اينكه گفته شود مر او را يا عدالت را از اينكه اظهار شود بر او باشد عمل كردن بحقّ و عدل گرانتر باو پس خوددارى نكنيد از گفتگوى بحقّ و از مشورت بعدل . پس بتحقيق كه من نيستم در پيش نفس خود برتر از اينكه خطا بكنم ، و أيمن نيستم خطا را از كار خودم مگر اينكه كافى باشد خدا از نفس من چيزى را كه قادرتر است بآن چيز از من ، پس جز اين نيست كه من و شما بندگان مملوكيم از براى پروردگارى كه غير از او پروردگارى نيست ، مالك است از ما چيزى را كه ما مالك آن نيستيم از نفسهاى خود ما ، و بيرون آورده است ما را از جهالتى كه در آن بوديم بسوى علم و معرفتى كه صلاح ما بر آن حاصل شد ، پس بدل كرد ما را بعد از گمراهى بهدايت ، و عطا فرمود بما بعد از نابينائي بصيرت را .