جستجو

و من خطبة له ع تعرف بخطبة الأشباح و هي من جلائل خطبه ع

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 398 ] 90 و من خطبة له ع تعرف بخطبة الأشباح و هي من جلائل خطبة ع رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع أَنَّهُ قَالَ : خَطَبَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ اَلْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرِ اَلْكُوفَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا رَبَّنَا مِثْلَ مَا نَرَاهُ عِيَاناً لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً وَ بِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ وَ نَادَى اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ اَلنَّاسُ حَتَّى غَصَّ اَلْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَيِّرُ اَللَّوْنِ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ ص ثُمَّ قَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لاَ يَفِرُهُ اَلْمَنْعُ وَ اَلْجُمُودُ وَ لاَ يُكْدِيهِ اَلْإِعْطَاءُ وَ اَلْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَ كُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ وَ هُوَ اَلْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ اَلنِّعَمِ وَ عَوَائِدِ اَلْمَزِيدِ وَ اَلْقِسَمِ عِيَالُهُ اَلْخَلاَئِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَ نَهَجَ سَبِيلَ اَلرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ وَ اَلطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ وَ لَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ اَلْأَوَّلُ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ قَبْلَهُ وَ اَلآْخِرُ اَلَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْ‏ءٌ بَعْدَهُ وَ اَلرَّادِعُ أَنَاسِيَّ اَلْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اِخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ اَلْحَالُ وَ لاَ كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ اَلاِنْتِقَالُ الأشباح الأشخاص و المراد بهم هاهنا الملائكة لأن الخطبة تتضمن ذكر الملائكة . [ 399 ] و قوله الصلاة جامعة منصوب بفعل مقدر أي احضروا الصلاة و أقيموا الصلاة و جامعة منصوب على الحال من الصلاة . و غص المسجد بفتح الغين أي امتلأ و المسجد غاص بأهله و يقال رجل مغضب بفتح الضاد أي قد أغضب أي فعل به ما يوجب غضبه . و يفره المنع يزيد في ماله و الموفور التام وفرت الشي‏ء وفرا و وفر الشي‏ء نفسه وفورا يتعدى و لا يتعدى و في أمثالهم يوفر و يحمد هو من قولك وفرته عرضه و وفرته ماله . و قوله و لا يكديه الإعطاء أي لا يفقره و لا ينفد خزائنه يقال كدت الأرض تكد و فهي كادية إذا أبطأ نباتها و قل خيرها فهذا لازم فإذا عديته أتيت بالهمزة فقلت أكديت الأرض أي جعلتها كادية و تقول أكدى الرجل إذا قل خيره و قوله تعالى وَ أَعْطى‏ قَلِيلاً وَ أَكْدى‏ أي قطع القليل يقول إنه سبحانه قادر على المقدورات و ليس كالملوك من البشر الذين إذا أعطوا نقصت خزائنهم و إن منعوا زادت و قد شرح ذلك و قال إذ كل معط منتقص أي منقوص و يجي‏ء انتقص لازما و متعديا تقول انتقص الشي‏ء نفسه و انتقصت الشي‏ء أي نقصته و كذلك نقص يجي‏ء لازما و متعديا . ثم قال و كل مانع مذموم غيره و ذلك لأنه تعالى إنما يمنع من تقتضي الحكمة و المصلحة منعه و ليس كما يمنع البشر و سأل رجل علي بن موسى الرضا عن الجواد فقال إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي يؤدي ما افترض الله عليه و البخيل هو الذي يبخل بما افترض الله عليه و إن كنت تعني الخالق [ 400 ] فهو الجواد إن أعطى و هو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له و إن منعه منعه ما ليس له . قوله و ليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل فيه معنى لطيف و ذاك لأن هذا المعنى مما يختص بالبشر لأنهم يتحركون بالسؤال و تهزهم الطلبات فيكونون بما سألهم السائل أجود منهم بما لم يسألهم إياه و أما البارئ سبحانه فإن جوده ليس على هذا المنهاج لأن جوده عام في جميع الأحوال . ثم ذكر أن وجوده تعالى ليس بزماني فلا يطلق عليه البعدية و القبلية كما يطلق على الزمانيات و إنما لم يكن وجوده زمانيا لأنه لا يقبل الحركة و الزمان من لواحق الحركة و إنما لم تطلق عليه البعدية و القبلية إذ لم يكن زمانيا لأن قولنا في الشي‏ء إنه بعد الشي‏ء الفلاني أي الموجود في زمان حضر بعد تقضي زمان ذلك الشي‏ء الفلاني و قولنا في الشي‏ء إنه قبل الشي‏ء الفلاني أي إنه موجود في زمان حضر و لم يحضر زمان ذلك الشي‏ء الفلاني بعد فما ليس في الزمان ليس يصدق عليه القبل و البعد الزمانيان فيكون تقدير الكلام على هذا الأول الذي لا يصدق عليه القبلية الزمانية ليمكن أن يكون شي‏ء ما قبله و الآخر الذي لا يصدق عليه البعدية الزمانية ليمكن أن يكون شي‏ء ما بعده . و قد يحمل الكلام على وجه آخر أقرب متناولا من هذا الوجه و هو أن يكون أراد الذي لم يكن محدثا أي موجودا قد سبقه عدم فيقال إنه مسبوق بشي‏ء من الأشياء إما المؤثر فيه أو الزمان المقدم عليه و أنه ليس بذات يمكن فناؤها و عدمها فيما لا يزال فيقال إنه ينقضي و ينصرم و يكون بعده شي‏ء من الأشياء إما الزمان أو غيره و الوجه الأول أدق و ألطف و يؤكد كونه مرادا قوله عقيبه ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال و ذلك لأن واجب الوجود أعلى من الدهر و الزمان فنسبة ذاته إلى الدهر و الزمان بجملته و تفصيل أجزائه نسبة متحدة . [ 401 ] فإن قلت إذا لم يكن قبل الأشياء بالزمان و لا بعدها بالزمان فهو معها بالزمان لأنه لا يبقى بعد نفي القبلية و البعدية إلا المعية . قلت إنما يلزم ذلك فيما وجوده زماني و أما ما ليس زمانيا لا يلزم من نفي القبلية و البعدية إثبات المعية كما أنه ما لم يكن وجوده مكانيا لم يلزم من نفي كونه فوق العالم أو تحت العالم بالمكان أن يكون مع العالم بالمكان . ثم قال الرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه الأناسي جمع إنسان و هو المثال الذي يرى في السواد و هذا اللفظ بظاهره يشعر بمذهب الأشعرية و هو قولهم إن الله تعالى خلق في الأبصار مانعا عن إدراكه إلا أن الأدلة العقلية من جانبنا اقتضت تأويل هذا اللفظ كما تأول شيوخنا قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ فقالوا إلى جنة ربها فنقول تقديره الرادع أناسي الأبصار أن تنال أنوار جلالته . فإن قلت أ تثبتون له تعالى أنوارا يمكن أن تدركها الأبصار و هل هذا إلا قول بالتجسيم . قلت كلا لا تجسيم في ذلك فكما أن له عرشا و كرسيا و ليس بجسم فكذلك أنوار عظيمة فوق العرش و ليس بجسم فكيف تنكر الأنوار و قد نطق الكتاب العزيز بها في غير موضع كقوله وَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها و كقوله مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [ 402 ] وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ اَلْجِبَالِ وَ ضَحِكْتَ عَنْهُ أَصْدَافُ اَلْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ اَللُّجَيْنِ وَ اَلْعِقْيَانِ وَ نُثَارَةِ اَلدُّرِّ وَ حَصِيدِ اَلْمَرْجَانِ مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي جُودِهِ وَ لاَ أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ اَلْأَنْعَامِ مَا لاَ تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ اَلْأَنَامِ لِأَنَّهُ اَلْجَوَادُ اَلَّذِي لاَ يَغِيضُهُ سُؤَالَ اَلسَّائِلِينَ وَ لاَ يُبَخِّلُهُ يُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ اَلْمُلِحِّينَ هذا الكلام من تتمة الكلام الأول و هو قوله لا يفره المنع و لا يكديه الإعطاء و الجود و تنفست عنه المعادن استعارة كأنها لما أخرجته و ولدته كانت كالحيوان يتنفس فيخرج من صدره و رئته الهواء . و ضحكت عنه الأصداف أي تفتحت عنه و انشقت يقال للطلع حين ينشق الضحك بفتح الضاد و إنما سمي الضاحك ضاحكا لأنه يفتح فاه و الفلز اسم الأجسام الذائبة كالذهب و الفضة و الرصاص و نحوها و اللجين اسم الفضة جاء مصغرا كالكميت و الثريا و العقيان الذهب الخالص و يقال هو ما ينبت نباتا و ليس مما يحصل من الحجارة و نثارة الدر ما تناثر منه كالسقاطة و النخالة و تأتي فعالة تارة للجيد المختار و تارة للساقط المتروك فالأول نحو الخلاصة و الثاني نحو القلامة . و حصيد المرجان كأنه أراد المتبدد منه كما يتبدد الحب المحصود و يجوز أن يعنى به الصلب المحكم من قولهم شي‏ء مستحصد أي مستحصف مستحكم يعنى أنه ليس برخو و لا هش و يروى و حصباء المرجان و الحصباء الحصى و أرض حصبة و محصبة [ 403 ] بالفتح ذات حصباء و المرجان صغار اللؤلؤ و قد قيل إنه هذا الحجر و استعمله بعض المتأخرين فقال أدمى لها المرجان صفحة خده و بكى عليها اللؤلؤ المكنون و تنفده تفنيه نفد الشي‏ء أي فني و أنفدته أنا و مطالب الأنام جمع مطلب و هو المصدر من طلبت الشي‏ء طلبا و مطلبا . و يغيضه بفتح حرف المضارعة ينقصه و يقال غاض الماء فهذا لازم و غاض الله الماء فهذا متعد و جاء أغاض الله الماء . و الإلحاح مصدر ألح على الأمر أي أقام عليه دائما من ألح السحاب إذا دام مطره و ألح البعير حرن كما تقول خلأت الناقة و روي و لا يبخله بالتخفيف تقول أبخلت زيدا أي صادفته بخيلا و أجبنته وجدته جبانا . و في هذا الفصل من حسن الاستعارة و بديع الصنعة ما لا خفاء به : فَانْظُرْ أَيُّهَا اَلسَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ اَلْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَ اِسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَ مَا كَلَّفَكَ اَلشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي اَلْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَ لاَ فِي سُنَّةِ اَلنَّبِيِّ ص وَ أَئِمَّةِ اَلْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اَللَّهِ عَلَيْكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ هُمُ اَلَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اِقْتِحَامِ اَلسُّدَدِ اَلْمَضْرُوبَةِ دُونَ اَلْغُيُوبِ اَلْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ اَلْغَيْبِ اَلْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اَللَّهُ [ 404 ] اِعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَ سَمَّى تَرْكَهُمُ اَلتَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ اَلْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَ لاَ تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ اَلْهَالِكِينَ تقول ائتم فلان بفلان أي جعله إماما و اقتدى به فكل علمه من وكله إلى كذا وكلا و وكولا و هذا الأمر موكول إلى رأيك و الاقتحام الهجوم و الدخول مغالبة و السدد المضروبة جمع سدة و هي الرتاج . و اعلم أن هذا الفصل يمكن أن تتعلق به الحشوية المانعون من تأويل الآيات الواردة في الصفات القائلين بالجمود على الظواهر و يمكن أيضا أن يتعلق به من نفى النظر و حرمه أصلا و نحن قبل أن نحققه و نتكلم فيه نبدأ بتفسير قوله تعالى وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللَّهُ وَ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ فنقول إن من الناس من وقف على قوله إِلاَّ اَللَّهُ و منهم من لم يقف على ذلك و هذا القول أقوى من الأول لأنه إذا كان لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله لم يكن في إنزاله و مخاطبة المكلفين به فائدة بل يكون كخطاب العربي بالزنجية و معلوم أن ذلك عيب قبيح . فإن قلت فما الذي يكون موضع يَقُولُونَ من الإعراب . قلت يمكن أن يكون نصبا على أنه حال من الراسخين و يمكن أن يكون كلاما مستأنفا أي هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا به . [ 405 ] و قد روي عن ابن عباس أنه تأول آية فقال قائل من الصحابة وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللَّهُ فقال ابن عباس وَ اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ و أنا من جملة الراسخين . ثم نعود إلى تفسير كلام أمير المؤمنين ع فنقول إنه غضب و تغير وجهه لقول السائل صف لنا ربنا مثل ما نراه عيانا و إذا هذا المعنى ينصرف وصية له بما أوصاه به من اتباع ما جاء في القرآن و السنة و ذلك لأن العلم الحاصل من رؤية الشي‏ء عيانا علم لا يمكن أن يتعلق مثله بالله سبحانه لأن ذاته تعالى لا يمكن أن تعلم من حيث هي هي كما تعلم المحسوسات أ لا ترى أنا إذا علمنا أنه صانع العالم و أنه قادر عالم حي سميع بصير مريد و أنه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض و علمنا جميع الأمور السلبية و الإيجابية المتعلقة به فإنما علمنا سلوبا و إضافات و لا شك أن ماهية الموصوف مغايرة لماهية الصفات و الذوات المحسوسة بخلاف ذلك لأنا إذا رأينا السواد فقد علمنا نفس حقيقة السواد لا صفة من صفات السواد و أيضا فإنا لو قدرنا أن العلم بوجوده و صفاته السلبية و الإيجابية يستلزم العلم بذاته من حيث هي هي لم يكن عالما بذاته علما جزئيا لأنه يمكن أن يصدق هذا العلم على كثيرين على سبيل البدل و إذا ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل البدل ثبت أنه يستحيل أن يصدق على كثيرين على سبيل الجمع و العلم بالمحسوس يستحيل أن يصدق على كثيرين لا على سبيل الجمع و لا على سبيل البدل فقد بان أنه يستحيل أن يعلم الله تعالى كما يعلم الشي‏ء المرئي عيانا فأمير المؤمنين ع أنكر هذا السؤال كما أنكره الله تعالى على بني إسرائيل لما طلبوا الرؤية قال تعالى وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‏ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اَللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصَّاعِقَةُ . [ 406 ] ثم قال للسائل بعد غضبه و استحالة لونه و ظهور أثر الإنكار عليه ما دلك القرآن عليه من صفته فخذ به فإن لم تجده في الكتاب فأطلبه من السنة و من مذاهب أئمة الحق فإن لم تجد ذلك فاعلم أن الشيطان حينئذ قد كلفك علم ما لم يكلفك الله علمه و هذا حق لأن الكتاب و السنة قد نطقا بصفات الله من كونه عالما قادرا حيا مريدا سميعا بصيرا و نطقا أيضا بتنزيهه عن سمات الحدوث كالجسمية و الحلول و الجهة و ما استلزم الجهة كالرؤية فلا إنكار على من طلب في مدارك العقول وجوها تعضد ما جاء به القرآن و السنة و توفق بين بعض الآيات و بعض و تحمل أحد اللفظين على الآخر إذا تناقضا في الظاهر صيانة لكلام الحكيم عن التهافت و التعارض و أما ما لم يأت الكتاب و السنة فيه بشي‏ء فهو الذي حرم و حظر على المكلفين الفكر فيه كالكلام في الماهية التي يذهب ضرار المتكلم إليها و كإثبات صفات زائدة على الصفات المعقولة لذات البارئ سبحانه و هي على قسمين أحدهما ما لم يرد فيه نص كإثبات طائفة تعرف بالماتريدية صفة سموها التكوين زائدة على القدرة و الإرادة . و الثاني ما ورد فيه لفظ فأخطأ بعض أهل النظر فأثبت لأجل ذلك اللفظة صفة غير معقولة للبارئ سبحانه نحو قول الأشعريين إن اليدين صفة من صفات الله و الاستواء على العرش صفة من صفات الله و إن وجه الله صفة من صفاته أيضا ثم قال إن الراسخين في العلم الذين غنوا بالإقرار بما عرفوه عن الولوج و التقحم فيما لم يعرفوه و هؤلاء هم أصحابنا المعتزلة لا شبهة في ذلك أ لا ترى أنهم يعللون أفعال الله تعالى بالحكم و المصالح فإذا ضاق عليهم الأمر في تفصيل بعض المصالح في بعض المواضع قالوا نعلم على الجملة أن لهذا وجه حكمة و مصلحة و إن كنا لا نعرف تفصيل تلك المصلحة كما يقولون في تكليف من يعلم الله تعالى منه أنه يكفر و كما يقولون في اختصاص الحال التي حدث فيها العالم بحدوثه دون ما قبلها و ما بعدها . [ 407 ] و قد تأول القطب الراوندي كلام أمير المؤمنين في هذا الفصل فقال إنما أنكر على من يقول لم تعبد الله المكلفين بإقامة خمس صلوات و هلا كانت ستا أو أربعا و لم جعل الظهر أربع ركعات و الصبح ركعتين و هلا عكس الحال و هذا التأويل غير صحيح لأنه ع إنما أخرج هذا الكلام مخرج المنكر على من سأله أن يصف له البارئ سبحانه و لم يكن السائل قد سأل عن العلة في أعداد الصلاة و كمية أجزاء العبادات . ثم إنه ع قد صرح في غضون الكلام بذلك فقال فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به و ما لم يدلك عليه فليس عليك أن تخوض فيه و هذا الكلام تصريح بأن البحث إنما هو في النظر العقلي في فن الكلام فلا يجوز أن يحمل على ما هو بمعزل عنه . و اعلم أننا نتساهل في ألفاظ المتكلمين فنوردها بعباراتهم كقولهم في المحسوسات و الصواب المحسات لأنه لفظ المفعول من أحس الرباعي لكنا لما رأينا العدول عن ألفاظهم إذا خضنا في مباحثهم مستهجنا عبرنا بعبارتهم على علم منا أن العربية لا تسوغها : هُوَ اَلْقَادِرُ اَلَّذِي إِذَا اِرْتَمَتِ اَلْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ وَ حَاوَلَ اَلْفِكْرُ اَلْمُبَرَّأُ مِنْ خَطْرِ خَطَرَاتِ اَلْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ وَ تَوَلَّهَتِ اَلْقُلُوبُ إِلَيْهِ لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ وَ غَمَضَتْ مَدَاخِلُ اَلْعُقُولِ فِي حَيْثُ لاَ تَبْلُغُهُ اَلصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا وَ هِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ سُدَفِ اَلْغُيُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لاَ يُنَالُ بِجَوْرِ اَلاِعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ وَ لاَ تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي اَلرَّوِيَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلاَلِ عِزَّتِهِ [ 408 ] ارتمت الأوهام أي ترامت يقال ارتمى القوم بالنبل أي تراموا فشبه جولان الأوهام و الأفكار و تعارضها بالترامي . و خطر الوساوس بتسكين الطاء مصدر خطر له خاطر أي عرض في قلبه و روي من خطرات الوساوس . و تولهت القلوب إليه اشتد عشقها حتى أصابها الوله و هو الحيرة . و قوله لتجري في كيفية صفاته أي لتصادف مجرى و مسلكا في ذلك و غمضت مداخل العقول أي غمض دخولها و دق في الأنظار العميقة التي لا تبلغ الصفات كنهها لدقتها و غموضها طالبة أن تنال معرفته تعالى . و لفظة ذات لفظة قد طال فيها كلام كثير من أهل العربية فأنكر قوم إطلاقها على الله تعالى و إضافتها إليه أما إطلاقها فلأنها لفظة تأنيث و البارئ سبحانه منزه عن الأسماء و الصفات المؤنثة و أما إضافتها فلأنها عين الشي‏ء و الشي‏ء لا يضاف إلى نفسه و أجاز آخرون إطلاقها في البارئ تعالى و إضافتها إليه أما استعمالها فلوجهين أحدهما أنها قد جاءت في الشعر القديم قال خبيب الصحابي عند صلبه و ذلك في ذات الإله و إن يشأ يبارك على أوصال شلو موزع و يروى ممزع و قال النابغة محلتهم ذات الإله و دينهم قديم فما يخشون غير العواقب و الوجه الثاني أنها لفظة اصطلاحية فجاز استعمالها لا على أنها مؤنث ذو بل تستعمل [ 409 ] ارتجالا في مسماها الذي عبر عنه بها أرباب النظر الإلهي كما استعملوا لفظ الجوهر و العرض و غيرهما في غير ما كان أهل العربية و اللغة يستعملونها فيه . و أما منعهم إضافتها إليه تعالى و أنه لا يقال ذاته لأن الشي‏ء لا يضاف إلى نفسه فباطل بقولهم أخذته نفسه و أخذته عينه فإنه بالاتفاق جائز و فيه إضافة الشي‏ء إلى نفسه . ثم نعود إلى التفسير قوله ع ردعها أي كفها و تجوب أي تقطع و المهاوي المهالك الواحدة مهواه بالفتح و هي ما بين جبلين أو حائطين و نحو ذلك و السدف جمع سدفة و هي القطعة من الليل المظلم و جبهت أي ردت و أصله من جبهته أي صككت جبهته و الجور العدول عن الطريق و الاعتساف قطع المسافة على غير جادة معلومة . و خلاصة هذا الفصل أن العقول إذا حاولت أن تدرك متى ينقطع اقتداره على المقدرات نكصت عن ذلك لأنه قادر أبدا دائما على ما لا يتناهى و إذا حاول الفكر الذي قد صفا و خلا عن الوساوس و العوائق أن يدرك مغيبات علمه تعالى كل و حسر و رجع ناقصا أيضا و إذا اشتد عشق النفوس له و تولهت نحوه لتسلك مسلكا تقف منه على كيفية صفاته عجزت عن ذلك و إذا تغلغلت العقول و غمضت مداخلها في دقائق العلوم النظرية الإلهية التي لا توصف لدقتها طالبة أن تعلم حقيقة ذاته تعالى انقطعت و أعيت و ردها سبحانه و تعالى و هي تجول و تقطع ظلمات الغيب لتخلص إليه فارتدت حيث جبهها و ردعها مقرة معترفة بأن إدراكه و معرفته لا تنال باعتساف المسافات التي بينها و بينه و إن أرباب الأفكار و الرويات يتعذر عليهم أن يخطر لهم خاطر يطابق ما في الخارج من تقدير جلال عزته و لا بد من أخذ هذا القيد في الكلام لأن أرباب الأنظار [ 410 ] لا بد أن تخطر لهم الخواطر في تقدير جلال عزته و لكن تلك الخواطر لا تكون مطابقة لها في الخارج لأنها خواطر مستندها الوهم لا العقل الصريح و ذلك لأن الوهم قد ألف الحسيات و المحسوسات فهو يعقل خواطر بحسب ما ألفه من ذلك و جلال واجب الوجود أعلى و أعظم من أن يتطرق الوهم نحوه لأنه بري‏ء من المحسوسات سبحانه و أما العقل الصريح فلا يدرك خصوصية ذاته لما تقدم . و اعلم أن قوله تعالى فَارْجِعِ اَلْبَصَرَ هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ اِرْجِعِ اَلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ اَلْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ فيه إشارة إلى هذا المعنى و كذلك قوله يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ : اَلَّذِي اِبْتَدَعَ اَلْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ اِمْتَثَلَهُ وَ لاَ مِقْدَارٍ اِحْتَذَى عَلَيْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ وَ أَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ وَ اِعْتِرَافِ اَلْحَاجَةِ مِنَ اَلْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ اَلْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَظَهَرَتْ فِي اَلْبَدَائِعِ اَلَّتِي أَحْدَثَهَا آثَارُ صَنَعْتِهِ وَ أَعْلاَمُ حِكْمَتِهِ فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَ دَلِيلاً عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ وَ دَلاَلَتُهُ عَلَى اَلْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ [ 411 ] المساك بكسر الميم ما يمسك و يعصم به . و قوله ابتدع الخلق على غير مثال امتثله يحتمل وجهين أحدهما أن يريد بامتثله مثله كما تقول صنعت و اصطنعت بمعنى فيكون التقدير أنه لم يمثل لنفسه مثالا قبل شروعه في خلق العالم ثم احتذى ذلك المثال و ركب العالم على حسب ترتيبه كالصانع الذي يصوغ حلقة من رصاص مثالا ثم يصوغ حلقة من ذهب عليها و كالبناء يقدر و يفرض رسوما و تقديرات في الأرض و خطوطا ثم يبنى بحسبها . و الوجه الثاني أنه يريد بامتثله احتذاه و تقبله و اتبعه و الأصل فيه امتثال الأمر في القول فنقل إلى احتذاء الترتيب العقلي فيكون التقدير أنه لم يمثل له فاعل آخر قبله مثالا اتبعه و احتذاه و فعل نظيره كما يفعل التلميذ في الصباغة و النجارة شيئا قد مثل له أستاذه صورته و هيئته . و اعلم أن هذا أحد الأسئلة التي يذكرها أصحابنا في باب كونه عالما لأنهم لما استدلوا على كونه تعالى عالما بطريق إحكام العلم و إتقانه سألوا أنفسهم فقالوا لم لا يجوز أن يكون القديم سبحانه أحدث العالم محتذيا لمثال مثله و هيئة اقتضاها و المحتذي لا يجب كونه عالما بما يفعله أ لا ترى أن من لا يحسن الكتابة قد يحتذي خطا مخصوصا فيكتب قريبا منه و كذلك من يطبع الشمع بالخاتم ثم يطبع فيه مثال الخاتم فهو فعل الطابع و لا يجب كونه عالما . و أجاب أصحابنا عن ذلك فقالوا إن أول فعل محكم وقع منه ثم احتذى عليه يكفي في ثبوت كونه عالما و أيضا فإن المحتذي ليست العالمية بمسلوبة عنه بل موصوف بها [ 412 ] أ لا ترى أنه متصور صورة ما يحتذيه ثم يوقع الفعل مشابها له فالمحتذي عالم في الجملة و لكن علمه يحدث شيئا فشيئا . فأما معنى الفصل فظاهر يقول ع إنه ابتدع الخلق على غير مثال قدمه لنفسه و لا قدم له غيره ليحتذى عليه و أرانا من عجائب صنعته و من اعتراف الموجودات كلها بأنها فقيرة محتاجة إلى أن يمسكها بقوته ما دلنا على معرفته ضرورة و في هذا إشارة إلى أن كل ممكن مفتقر إلى المؤثر و لما كانت الموجودات كلها غيره سبحانه ممكنة لم تكن غنية عنه سبحانه بل كانت فقيرة إليه لأنها لولاه ما بقيت فهو سبحانه غني عن كل شي‏ء و لا شي‏ء من الأشياء مطلقا بغني عنه سبحانه و هذه من خصوصية الإلهية و أجل ما تدركه العقول من الأنظار المتعلقة بها . فإن قلت في هذا الكلام إشعار بمذهب شيخكم أبي عثمان في أن معرفته تعالى ضرورية . قلت يكاد أن يكون الكلام مشعرا بذلك إلا أنه غير دال عليه لأنه لم يقل ما دلنا على معرفته باضطرار و لكن قال ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته فالاضطرار راجع إلى قيام الحجة لا إلى المعرفة . ثم قال ع و ظهرت آثار صنعته و دلائل حكمته في مخلوقاته فكانت و هي صامتة في الصورة ناطقة في المعنى بوجوده و ربوبيته سبحانه و إلى هذا المعنى نظر الشاعر فقال فو عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد و في كل شي‏ء له آية تدل على أنه واحد [ 413 ] و قال في تفسير قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إنه عبارة عن هذا المعنى : فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَ تَلاَحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ اَلْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَ لَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ اَلْيَقِينُ بِأَنَّهُ لاَ نِدَّ لَكَ وَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤُ اَلتَّابِعِينَ عَنِ اَلْمَتْبُوعِينَ إِذْ يَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ اَلْعالَمِينَ كَذَبَ اَلْعَادِلُونَ بِكَ إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَ نَحَلُوكَ حِلْيَةَ اَلْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ وَ جَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ اَلْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ وَ قَدَّرُوكَ عَلَى اَلْخِلْقَةِ اَلْمُخْتَلِفَةِ اَلْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ ساَوَاكَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَ اَلْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ وَ نَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ وَ أَنْتَ اَللَّهُ اَلَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي اَلْعُقُولِ فَتَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً وَ لاَ فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا مَحْدُوداً مُصَرَّفاً حقاق المفاصل جمع حقة و جاء في جمعها حقاق و حقق و حق و لما قال بتباين أعضاء خلقك و تلاحم حقاق مفاصلهم فأوقع التلاحم في مقابلة التباين صناعة و بديعا و روي [ 414 ] المحتجة فمن قال المحتجة أراد أنها بما فيها من لطيف الصنعة كالمحتجة المستدلة على التدبير الحكمي من لدنه سبحانه و من قال المحتجبة أراد المستترة لأن تركيبها الباطن خفي محجوب . و الند المثل و العادلون بك الذين جعلوا لك عديلا و نظيرا و نحلوك أعطوك و هي النحلة و روي لم يعقد على ما لم يسم فاعله . و غيب ضميره بالرفع و القرائح جمع قريحة و هي القوة التي تستنبط بها المعقولات و أصله من قريحة البئر و هو أول مائها . و معنى هذا الفصل أنه ع شهد بأن المجسم كافر و أنه لا يعرف الله و أن من شبه الله بالمخلوقين ذوي الأعضاء المتباينة و المفاصل المتلاحمة لم يعرفه و لم يباشر قلبه اليقين فإنه لا ند له و لا مثل ثم أكد ذلك بآيات من كتاب الله تعالى و هي قوله تعالى فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ اَلْغاوُونَ وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ اَلْعالَمِينَ حكى سبحانه حكاية قول الكفار في النار و هم التابعون للذين أغووهم من الشياطين و هم المتبوعون لقد كنا ضالين إذ سويناكم بالله تعالى و جعلناكم مثله و وجه الحجة أنه تعالى حكى ذلك حكاية منكر على من زعم أن شيئا من الأشياء يجوز تسويته بالباري سبحانه فلو كان الباري سبحانه جسما مصورا لكان مشابها لسائر الأجسام المصورة فلم يكن لإنكاره على من سواه بالمخلوقات معنى . ثم زاد ع في تأكيد هذا المعنى فقال كذب العادلون بك المثبتون لك نظيرا و شبيها يعنى المشبهة و المجسمة إذ قالوا إنك على صورة آدم فشبهوك بالأصنام التي [ 415 ] كانت الجاهلية تعبدها و أعطوك حلية المخلوقين لما اقتضت أوهامهم ذلك من حيث لم يألفوا أن يكون القادر الفاعل العالم إلا جسما و جعلوك مركبا و متجزئا كما تتجزأ الأجسام و قدروك على هذه الخلقة يعني خلقة البشر المختلفة القوى لأنها مركبة من عناصر مختلفة الطبائع ثم كرر الشهادة فقال أشهد أن من ساواك بغيرك و أثبت أنك جوهر أو جسم فهو عادل بك كافر و قالت تلك الخارجية للحجاج أشهد أنك قاسط عادل فلم يفهم أهل الشام حوله ما قالت حتى فسره لهم قال ع فمن يذهب إلى هذا المذهب فهو كافر بالكتاب و بما دلت عليه حجج العقول ثم قال و إنك أنت الله أي و أشهد أنك أنت الله الذي لم تحط العقول بك كإحاطتها بالأشياء المتناهية فتكون ذا كيفية . و قوله في مهب فكرها استعارة حسنة ثم قال و لا في رويات خواطرها أي في أفكارها محدودا ذا حد مصرفا أي قابلا للحركة و التغير . و قد استدل بعض المتكلمين على نفي كون البارئ سبحانه جسما بما هو مأخوذ من هذا الكلام فقال لو جاز أن يكون البارئ جسما لجاز أن يكون القمر هو إله للعالم لكن لا يجوز أن يكون القمر إله العالم فلا يجوز أن يكون البارئ جسما بيان الملازمة أنه لو جاز أن يكون البارئ سبحانه جسما لما كان بين الإلهية و بين الجسمية منافاة عقلية و إذا لم يكن بينهما منافاة عقلية أمكن اجتماعهما و إذا أمكن اجتماعهما جاز أن يكون القمر هو إله العالم لأنه لا مانع من كونه إله العالم إلا كونه جسما يجوز عليه الحركة و الأفول و نقصان ضوئه تارة و امتلاؤه أخرى فإذا لم يكن ذلك منافيا للإلهية جاز أن يكون القمر إله العالم و بيان الثاني إجماع المسلمين على كفر من أجاز كون القمر إله العالم و إذا ثبتت الملازمة و ثبتت المقدمة الثانية فقد تمت الدلالة [ 416 ] وَ مِنْهَا قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ وَ لَمْ يَقْصُرْ دُونَ اَلاِنْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ وَ لَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ فَكَيْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ اَلْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ اَلْمُنْشِئُ أَصْنَافَ اَلْأَشْيَاءِ بِلاَ رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا وَ لاَ قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا وَ لاَ تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ اَلدُّهُورِ وَ لاَ شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى اِبْتِدَاعِ عَجَائِبِ اَلْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقَهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَ أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ اَلْمُبْطِئِ وَ لاَ أَنَاةُ اَلْمُتَلَكِّئِ فَأَقَامَ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا وَ نَهَجَ حُدُودَهَا وَ لاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي اَلْحُدُودِ وَ اَلْأَقْدَارِ وَ اَلْغَرَائِزِ وَ اَلْهَيْئَاتِ بَدَايَا خَلاَئِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا الوجهة بالكسر الجهة التي يتوجه نحوها قال تعالى وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها . و الريث البطء و المتلكئ المتأخر و الأود الاعوجاج و لاءم بين كذا و كذا أي جمع و القرائن هنا الأنفس واحدتها قرونة و قرينة يقال سمحت قرينته و قرونته أي أطاعته نفسه و ذلت و تابعته على الأمر و بدايا هاهنا جمع بدية [ 417 ] و هي الحالة العجيبة أبدأ الرجل إذا جاء بالأمر البدي‏ء أي المعجب و البدية أيضا الحالة المبتدأة المبتكرة و منه قولهم فعله بادئ ذي بدي‏ء على وزن فعيل أي أول كل شي‏ء و يمكن أن يحمل كلامه أيضا على هذا الوجه . و أما خلائق فيجوز أن يكون أضاف بدايا إليها و يجوز إلا يكون أضافه إليها بل جعلها بدلا من أجناسا و يروى برايا جمع برية يقول ع إنه تعالى قدر الأشياء التي خلقها فخلقها محكمة على حسب ما قدر و ألطف تدبيرها أي جعله لطيفا و أمضى الأمور إلى غاياتها و حدودها المقدرة لها فهيأ الصقرة للاصطياد و الخيل للركوب و الطراد و السيف للقطع و القلم للكتابة و الفلك للدوران و نحو ذلك و في هذا إشارة إلى قول النبي ص كل ميسر لما خلق له فلم تتعد هذه المخلوقات حدود منزلتها التي جعلت غايتها و لا قصرت دون الانتهاء إليها يقول لم تقف على الغاية و لا تجاوزتها ثم قال و لا استصعبت و امتنعت إذا أمرها بالمضي إلى تلك الغاية بمقتضى الإرادة الإلهية و هذا كله من باب المجاز كقوله تعالى فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ . و خلاصة ذلك الإبانة عن نفوذ إرادته و مشيئته . ثم علل نفي الاستصعاب فقال و كيف يستصعب و إنما صدرت عن مشيئته يقول إذا كانت مشيئته هي المقتضية لوجود هذه المخلوقات فكيف يستصعب عليه بلوغها إلى غاياتها التي جعلت لأجلها و أصل وجودها إنما هو مشيئته فإذا كان أصل وجودها بمشيئته فكيف يستصعب عليه توجيهها لوجهتها و هو فرع من فروع وجودها و تابع له . [ 418 ] ثم أعاد معاني القول الأول فقال إنه أنشأ الأشياء بغير روية و لا فكرة و لا غريزة أضمر عليها خلق ما خلق عليها و لا تجربة أفادها أي استفادها من حوادث مرت عليه من قبل كما تكسب التجارب علوما لم تكن و لا بمساعدة شريك أعانه عليها فتم خلقه بأمره إشارة إلى قوله و لم يستصعب إذ أمر بالمضي فلما أثبت هناك كونها أمرت أعاد لفظ الأمر هاهنا و الكل مجاز و معناه نفوذ إرادته و أنه إذا شاء أمرا استحال ألا يقع و هذا المجاز هو المجاز المستعمل في قوله تعالى إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ تعبيرا بهذا اللفظ عن سرعة مواتاة الأمور له و انقيادها تحت قدرته . ثم قال ليس كالواحد منا يعترض دون مراده ريث و بطء و تأخير و التواء ثم قال و أقام العوج و أوضح الطريق و جمع بين الأمور المتضادة أ لا ترى أنه جمع في بدن الحيوانات و النبات بين الكيفيات المتباينة المتنافرة من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و وصل أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها لأن اعتدال المزاج أو القرب من الاعتدال سبب بقاء الروح و فرقها أجناسا مختلفات الحدود و الأقدار و الخلق و الأخلاق و الأشكال أمور عجيبة بديعة مبتكرة الصنعة غير محتذ بها حذو صانع سابق بل مخلوقة على غير مثال قد أحكم سبحانه صنعها و خلقها على موجب ما أراد و أخرجها من العدم المحض إلى الوجود و هو معنى الابتداع فإن الخلق في الاصطلاح النظري على قسمين أحدهما صورة تخلق في مادة و الثاني ما لا مادة له بل يكون وجود الثاني من الأول فقط من غير توسط المادة فالأول يسمى التكوين و الثاني يسمى الإبداع و مرتبة الإبداع أعلى من مرتبة التكوين [ 419 ] وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ اَلسَّمَاءِ وَ نَظَمَ بِلاَ تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَ لاَحَمَ صُدُوعَ اِنْفِرَاجِهَا وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ أَزْوَاجِهَا وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ وَ اَلصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا وَ فَتَقَ بَعْدَ اَلاِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ اَلشُّهُبِ اَلثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِي خَرْقِ اَلْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ وَ أَمْرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا وَ قَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا وَ أَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا وَ قَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ بِهِمَا وَ لِيُعْلَمَ عَدَدُ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسَابِ بِمَقَادِيرِهِمَا ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا وَ نَاطَ بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا وَ مَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا وَ رَمَى مُسْتَرِقِي اَلسَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا وَ أَجْرَاهَا عَلَى أَذْلاَلِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَ مَسِيرِ سَائِرِهَا وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا الرهوات جمع رهوة و هي المكان المرتفع و المنخفض أيضا يجتمع فيه ماء المطر و هو من الأضداد و الفرج جمع فرجة و هي المكان الخالي و لاحم ألصق و الصدع الشق و وشج بالتشديد أي شبك و وشجت العروق و الأغصان بالتخفيف اشتبكت و بيننا رحم واشجة أي مشتبكة . و أزواجها أقرانها و أشباهها قال تعالى وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً أي أصنافا ثلاثة . [ 420 ] و الحزونة ضد السهولة و أشراجها جمع شرج و هو عرا العيبة و أشرجت العيبة أي أقفلت أشراجها و تسمى مجرة السماء شرجا تشبيها بشرج العيبة و أشراج الوادي ما انفسح منه و اتسع . و الارتتاق الارتتاج و النقاب جمع نقب و هو الطريق في الجبل و تمور تتحرك و تذهب و تجي‏ء قال تعالى يَوْمَ تَمُورُ اَلسَّماءُ مَوْراً و الأيد القوة و ناط بها علق و الدراري الكواكب المضيئة نسبت إلى الدر لبياضها واحدها دري و يجوز كسر الدال مثل بحر لجي و لجي . و الثواقب المضيئات و تقول افعل ما أمرتك على أذلاله أي على وجهه و دعه في أذلاله أي على حاله و أمور الله جارية على أذلالها أي على مجاريها و طرقها . يقول ع كانت السماء أول ما خلقت غير منتظمة الأجزاء بل بعضها أرفع و بعضها أخفض فنظمها سبحانه فجعلها بسيطا واحدا نظما اقتضته القدرة الإلهية من غير تعليق أي لا كما ينظم الإنسان ثوبا مع ثوب أو عقدا مع عقد بالتعليق و الخياطة و ألصق تلك الفروج و الشقوق فجعلها جسما متصلا و سطحا أملس لا نتوات فيه و لا فرج و لا صدوع بل جعل كل جزء منها ملتصقا بمثله و ذلل للملائكة الهابطين بأمره و الصاعدين بأعمال خلقه لأنهم الكتبة الحافظون لها حزونة العروج إليها و هو الصعود . ثم قال و ناداها بعد إذ هي روي بإضافة بعد إلى إذ و روي بضم بعد أي و ناداها بعد ذلك إذ هي دخان و الأول أحسن و أصوب لأنها على الضم تكون دخانا بعد نظمه رهوات فروجها و ملاحمة صدوعها و الحال تقتضي أن دخانها قبل ذلك لا بعده . [ 421 ] فإن قلت ما هذا النداء قلت هو قوله اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فهو أمر في اللفظ و نداء في المعنى و هو على الحقيقة كناية عن سرعة الإبداع ثم قال و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها هذا صريح في أن للسماء أبوابا و كذلك قوله على نقابها و هو مطابق لقوله سبحانه و تعالى لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ اَلسَّماءِ و القرآن العظيم و كلام هذا الإمام المعظم أولى بالاتباع من كلام الفلاسفة الذين أحالوا الخرق على الفلك و أما إقامة الرصد من الشهب الثواقب فهو نص القرآن العزيز وَ أَنَّا لَمَسْنَا اَلسَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ اَلْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً و القول بإحراق الشهب للشياطين اتباعا لنص الكتاب أولى من قول الفلاسفة الذين أحالوا الانقضاض على الكواكب . ثم قال و أمسكها على الحركة بقوته و أمرها بالوقوف فاستمسكت و وقفت ثم ذكره الشمس و القمر تذكرة مأخوذ من قول الله تعالى وَ جَعَلْنَا اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اَللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ اَلنَّهارِ مُبْصِرَةً . ثم ذكر الحكم في جريان الشمس و القمر في مجراهما تذكرة مأخوذ من قوله تعالى وَ اَلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها و قوله وَ اَلْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ و قوله وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسابَ . [ 422 ] ثم قال ثم علق في جوها فلكها و هذا يقتضي أن الفلك غير السماء و هو خلاف قول الجمهور و قد قال به قائلون و يمكن أن نفسر ذلك إذا أردنا موافقة قول الجمهور بأنه أراد بالفلك دائرة معدل النهار فإنها الدائرة العظمى في الفلك الأعظم و هي في الاصطلاح النظري تسمى فلكا . ثم ذكر أنه زين السماء الدنيا بالكواكب و أنها رجوم لمسترقي السمع و هو مأخوذ من قوله تعالى إِنَّا زَيَّنَّا اَلسَّماءَ اَلدُّنْيا بِزِينَةٍ اَلْكَواكِبِ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى اَلْمَلَإِ اَلْأَعْلى‏ وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ . ثم شرح حال الدنيا فقال من ثبات ثابتها يعني الكواكب التي في كرة البروج و مسير سائرها يعني الخمسة و النيرين لأنها سائرة دائما . ثم قال و صعودها و هبوطها و ذلك أن للكواكب السيارة صعودا في الأوج و هبوطا في الحضيض فالأول هو البعد الأبعد عن المركز و الثاني البعد الأقرب . فإن قلت ما باله ع قال و نحوسها و سعودها و هو القائل لمن أشار عليه ألا يحارب في يوم مخصوص المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار . قلت إنه ع إنما أنكر في ذلك القول على من يزعم أن النجوم مؤثرة في الأمور الجزئية كالذين يحكمون لأرباب المواليد و عليهم و كمن يحكم في حرب أو سلم أو سفر أو مقام بأنه للسعد أو النحس و أنه لم ينكر على من قال إن النجوم تؤثر سعودا و نحوسا في الأمور الكلية نحو أن تقتضي حرا أو بردا أو تدل على مرض عام [ 423 ] أو قحط عام أو مطر دائم و نحو ذلك من الأمور التي لا تخص إنسانا بعينه و قد قدمنا في ذلك الفصل ما يدل على تصويب هذا الرأي و إفساد ما عداه : وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ اَلْمَلاَئِكَةِ ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَ عِمَارَةِ اَلصَّفِيحِ اَلْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ وَ مَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَ حَشَى بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا وَ بَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ اَلْفُرُوجِ زَجَلُ اَلْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ اَلْقُدُسِ وَ سُتُرَاتِ اَلْحُجُبِ وَ سُرَادِقَاتِ اَلْمَجْدِ وَ وَرَاءَ ذَلِكَ اَلرَّجِيجِ اَلَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ اَلْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ اَلْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا . وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ أُولِي أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ لاَ يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي اَلْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَ لاَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جَعَلَهُمُ اَللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ اَلْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ وَ حَمَّلَهُمْ إِلَى اَلْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ اَلشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ وَ أَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ اَلْمَعُونَةِ وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ اَلسَّكِينَةِ وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلَى تَمَاجِيدِهِ وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلاَمِ تَوْحِيدِهِ لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ اَلآْثَامِ وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اَللَّيَالِي وَ اَلْأَيَّامِ وَ لَمْ تَرْمِ اَلشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ وَ لَمْ تَعْتَرِكِ اَلظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ وَ لاَ قَدَحَتْ قَادِحَةُ اَلْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ لاَ سَلَبَتْهُمُ اَلْحَيْرَةُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ وَ مَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ [ 424 ] وَ هَيْبَةِ جَلاَلِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ وَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ اَلْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ وَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ اَلْغَمَامِ اَلدُّلَّحِ وَ فِي عِظَمِ اَلْجِبَالِ اَلشُّمَّخِ وَ فِي قَتْرَةِ اَلظَّلاَمِ اَلْأَيْهَمِ وَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ اَلْأَرْضِ اَلسُّفْلَى فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ اَلْهَوَاءِ وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ اِنْتَهَتْ مِنَ اَلْحُدُودِ اَلْمُتَنَاهِيَةِ قَدِ اِسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَ وَصَّلَتْ وَصَلَتْ حَقَائِقُ اَلْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ وَ قَطَعَهُمُ اَلْإِيقَانُ بِهِ إِلَى اَلْوَلَهِ إِلَيْهِ وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَةَ مَعْرِفَتِهِ وَ شَرِبُوا بِالْكَأْسِ اَلرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاوَاتِ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ فَحَنَوْا بِطُولِ اَلطَّاعَةِ اِعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ وَ لَمْ يُنْفِدْ طُولُ اَلرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَ لاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ اَلزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمُ اَلْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَ لاَ تَرَكَتْ لَهُمُ اِسْتِكَانَةُ اَلْإِجْلاَلِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ وَ لَمْ تَجْرِ اَلْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ وَ لَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ اَلْمُنَاجَاةِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لاَ مَلَكَتْهُمُ اَلْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ اَلْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ اَلطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَ لَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ اَلتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهِمْ . وَ لاَ تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلاَدَةُ اَلْغَفَلاَتِ وَ لاَ تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ اَلشَّهَوَاتِ قَدِ اِتَّخَذُوا ذَا اَلْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ وَ يَمَّمُوهُ عِنْدَ اِنْقِطَاعِ اَلْخَلْقِ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ لاَ يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ وَ لاَ يَرْجِعُ بِهِمُ اَلاِسْتِهْتَارُ [ 425 ] بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلاَّ إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ اَلشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ وَ لَمْ تَأْسِرْهُمُ اَلْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ اَلسَّعْيِ عَلَى اِجْتِهَادِهِمْ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَ لَوِ اِسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ اَلرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ وَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ اَلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ وَ لَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ اَلتَّقَاطُعِ وَ لاَ تَوَلاَّهُمْ غِلُّ اَلتَّحَاسُدِ وَ لاَ تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ اَلرَّيْبِ اَلرِّيَبِ وَ لاَ اِقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ اَلْهِمَمِ فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَ لاَ عُدُولٌ وَ لاَ وَنًى وَ لاَ فُتُورٌ وَ لَيْسَ فِي أَطْبَاقِ اَلسَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلاَّ وَ عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ اَلطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً وَ تَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً هذا موضع المثل إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل إذا جاء هذا الكلام الرباني و اللفظ القدسي بطلت فصاحة العرب و كانت نسبة الفصيح من كلامها إليه نسبة التراب إلى النضار الخالص و لو فرضنا أن العرب تقدر على الألفاظ الفصيحة المناسبة أو المقاربة لهذه الألفاظ من أين لهم المادة التي عبرت هذه الألفاظ عنها و من أين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله ص هذه المعاني الغامضة السمائية ليتهيأ لها التعبير عنها أما الجاهلية فإنهم إنما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاة أو صفة جبال أو فلوات و نحو ذلك و أما الصحابة [ 426 ] فالمذكورون منهم بفصاحة إنما كان منتهى فصاحة أحدهم كلمات لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة أما في موعظة تتضمن ذكر الموت أو ذم الدنيا أو يتعلق بحرب و قتال من ترغيب أو ترهيب فأما الكلام في الملائكة و صفاتها و صورها و عباداتها و تسبيحها و معرفتها بخالقها و حبها له و ولهها إليه و ما جرى مجرى ذلك مما تضمنه هذا الفصل على طوله فإنه لم يكن معروفا عندهم على هذا التفصيل نعم ربما علموه جملة غير مقسمة هذا التقسيم و لا مرتبة هذا الترتيب بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم و أما من عنده علم من هذه المادة كعبد الله بن سلام و أمية بن أبي الصلت و غيرهم فلم تكن لهم هذه العبارة و لا قدروا على هذه الفصاحة فثبت أن هذه الأمور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة لم تحصل إلا لعلي وحده و أقسم أن هذا الكلام إذا تأمله اللبيب اقشعر جلده و رجف قلبه و استشعر عظمة الله العظيم في روعه و خلده و هام نحوه و غلب الوجد عليه و كاد أن يخرج من مسكه شوقا و أن يفارق هيكله صبابة و وجدا . ثم نعود إلى التفسير فنقول الصفيح الأعلى سطح الفلك الأعظم و يقال لوجه كل شي‏ء عريض صفيح و صفحة . و الفروج الأماكن الخالية و الفجاج جمع فج و الفج الطريق الواسع بين جبلين أو حائطين و أجوائها جمع جو و هو ما اتسع من الأودية و يقال لما بين السماء و الأرض جو و يروى أجوابها جمع جوبة و هي الفرجة في السحاب و غيره و يروى أجوازها جمع جوز و هو وسط الشي‏ء و الفجوات جمع فجوة و هي الفرجة بين الشيئين تقول منه تفاجى الشي‏ء إذا صار له فجوة و منه الفجاء و هو تباعد ما بين عرقوبي البعير . و الزجل الصوت و حظائر القدس لفظة وردت في كلام رسول الله ص و أصل الحظيرة ما يعمل شبه البيت للإبل من الشجر ليقيها البرد فسمى [ 427 ] ع تلك المواطن الشريفة المقدسة العالية التي فوق الفلك حظائر القدس و القدس بتسكين الدال و ضمها الطهر و التقديس التطهير و تقدس تطهر و الأرض المقدسة المطهرة و بيت المقدس أيضا و النسبة إليه قدسي و مقدسي و السترات جمع سترة و الرجيج الزلزلة و الاضطراب و منه ارتج البحر و تستك الأسماع تنسد قال النابغة و نبئت خير الناس أنك لمتني و تلك التي تستك منها المسامع سبحات النور بضم السين و الباء عبارة عن جلالة الله تعالى و عظمته و تردع الأبصار تكفها و خاسئة أي سادرة و منه يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ اَلْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ و خسا بصره خسا و خسوءا أي سدر . و قوله على حدودها أي تقف حيث تنتهي قوتها لأن قوتها متناهية فإذا بلغت حدها وقفت و قوله أولي أجنحة من الألفاظ القرآنية . و قوله لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه أي لا يدعون الإلهية لأنفسهم و إن كان قوم من البشر يدعونها لهم و قوله لا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به فيه إشارة إلى مذهب أصحابنا في أن أفعال العباد مخلوقة لهم لأن فائدة هذا القيد و هو قوله انفرد به إنما تظهر بذلك . و أما الآيات المقدسة فالرواية المشهورة مُكْرَمُونَ و قرئ مكرمون بالتشديد و قرئ لا يسبقونه بالضم و المشهور القراءة بالكسر و المعنى أنهم يتبعون قوله و لا يقولون شيئا حتى يقوله فلا يسبق قولهم قوله و أراد أن يقول لا يسبقونه بقولهم فحذف الضمير المضاف إليه و أناب اللام منابه . [ 428 ] ثم قال و هم بأمره يعملون أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا كذلك فرع على أمره لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به و جاء في الخبر المرفوع عن رسول الله ص أنه رأى جبرائيل ليلة المعراج ساقطا كالحلس من خشية الله و الحلس الكساء الخفيف . و الزائغ العادل عن الطريق و الإخبات التذلل و الاستكانة و أبوابا ذللا أي سهلة وطيئة و منه دابة ذلول و تماجيده الثناء عليه بالمجد و المؤصرات المثقلات و الإصر الثقل . و تقول ارتحلت البعير أي ركبته و العقبة النوبة و الجمع عقب و معنى قوله و لم ترتحلهم عقب الليالي و الأيام أي لم تؤثر فيهم نوبات الليالي و الأيام و كرورها كما يؤثر ارتحال الإنسان البعير في ظهره و نوازعها شهواتها النازعة المحركة و روي نوازغها بالغين المعجمة من نزع بينهم أي أفسد . و لم تعترك الظنون أي لم تزدحم الظنون على يقينهم الذي عقدوه . و الإحن جمع إحنة و هي الحقد يقول لم تقدح قوادح الحقد في ضمائرهم . و ما لاق أي ما التصق و أثناء صدورهم جمع ثني و هي التضاعيف و الرين الدنس و الغلبة قال تعالى كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ . و تقترع من الاقتراع بالسهام بأن يتناوب كل من الوساوس عليها و يروى فيفترع بالفاء أي تعلو برينها فرعه أي علاه . و الغمام جمع غمامة و هي السحابة و الدلح الثقال جاء يدلح بجملة أي جاء مثقلا به و الجبال الشمخ العالية الشاهقة . و قوله في قترة الظلام أي سواده و الأيهم لا يهتدى فيه و منه [ 429 ] فلاة يهماء و التخوم بضم التاء جمع تخم و هو منتهى الأرض أو القرية مثل فلس و فلوس و يروى تخوم بفتح التاء على أنها واحد و الجمع تخم مثل صبور و صبر . و ريح هفافة أي ساكنة طيبة يقول كان أقدامهم التي خرقت الهواء إلى حضيض الأرض رايات بيض تحتها ريح ساكنة ليست مضطربة فتموج تلك الرايات بل هي ساكنة تحبسها حيث انتهت و جاء في الخبر أن لإسرافيل جناحين أحدهما في أقصى المشرق و الآخر في أقصى المغرب و أن العرش على كاهله و أنه ليتضاءل أحيانا لعظمة الله حتى يعود مثل الوضع و هو العصفور . ثم قال قد استفرغتهم أشغال عبادته تعالى أي جعلتهم فارغين إلا منها و يروى و وسلت حقائق الإيمان بالسين المشددة يقال وسل فلان إلى ربه وسيلة و الوسيلة ما يتقرب به و الجمع وسيل و وسائل و يقال وسلت إليه و توسلت إليه بمعنى . و سويداوات القلوب جمع سويداء و هي حبة القلب و الوشيجة في الأصل عرق الشجرة و هي هنا استعارة و حنيت ضلعي أي عوجتها و الربق جمع ربقة و هي الحبل . قوله و لم يتولهم الإعجاب أي لم يستول عليهم و الدءوب الجد و الاجتهاد و الأسلات جمع أسلة و هي طرف اللسان و مستدقه و الجؤار الصوت المرتفع و الهمس الصوت الخفي يقول ليست لهم أشغال خارجة عن العبادة فيكون لأجلها أصواتهم المرتفعة خافية ساكنة لا تعدو من عدا عليه إذا قهره و ظلمه و هو هاهنا استعارة . و لا تنتضل الخدائع في هممهم استعارة أيضا من النضال و هو المراماة بالسهام و ذو العرش هو الله تعالى و هذه لفظة قرآنية قال سبحانه إِذاً لاَبْتَغَوْا إِلى‏ ذِي اَلْعَرْشِ [ 430 ] سَبِيلاً يعني لابتغوا إلى الله تعالى سبيلا و قال تعالى ذُو اَلْعَرْشِ اَلْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ و الاستهتار مصدر استهتر فلان بكذا أي لازمه و أولع به . و قوله فينوا أي فيضعفوا وني يني و الجد الاجتهاد و الانكماش . ثم قال إنهم لا يستعظمون عبادتهم و لو أن أحدا منهم استعظم عبادته لأذهب خوفه رجاءه الذي يتولد من استعظام تلك العبادة يصفهم بعظم التقوى . و الاستحواذ الغلبة و الغل الحقد و تشعبتهم تقسمتهم و فرقتهم و منه قيل للمنية شعوب أي مفرقة و أخياف الهمم أي الهمم المختلفة و أصله من الخيف و هو كحل إحدى العينين دون الأخرى و منه المثل الناس أخياف أي مختلفون و الإهاب الجلد و الحافد المسرع و منه الدعاء اللهم إليك نسعى و نحفد . و اعلم أنه ع إنما كرر و أكد صفاتهم بما وصفهم به ليكون ذلك مثالا يحتذي عليه أهل العرفان من البشر فإن أعلى درجات البشر أن يتشبه بالملك و خلاصة ذلك أمور . منها العبادة القائمة . و منها ألا يدعى أحد لنفسه الحول و القوة بل لا حول و لا قوة . و منها أن يكون متواضعا ذا سكينة و وقار . و منها أن يكون ذا يقين لا تقدح فيه الشكوك و الشبهات . و منها ألا يكون في صدره إحنة على أحد من الناس . و منها شدة التعظيم و الهيبة لخالق الخلق تبارك اسمه . و منها أن تستفرغه أشغال العبادة له عن غيرها من الأشغال . [ 431 ] و منها أنه لا تتجاوز رغباته مما عند الله تعالى إلى ما عند غيره سبحانه . و منها أن يعقد ضميره و قلبه على محبة الله تعالى و يشرب بالكأس الروية من حبه . و منها عظم التقوى بحيث يأمن كل شي‏ء عدا الله و لا يهاب أحدا إلا الله . و منها الخشوع و الخضوع و الإخبت و الذل لجلال عزته سبحانه . و منها ألا يستكثر الطاعة و العمل و إن جل و عظم . و منها عظم الرجاء الواقع في مقابلة عظم الخوف فإن الله تعالى يحب أن يرجى كما يحب أن يخاف أبحاث تتعلق بالملائكة و اعلم أنه يجب أن تعلم أبحاث متعددة تتعلق بالملائكة و يقصد فيها قصد حكاية المذهب خاصة و نكل الاحتجاج و النظر إلى ما هو مذكور في كتبنا الكلامية . البحث الأول في وجود الملائكة قال قوم من الباطنية السبيل إلى إثبات الملائكة هو الحس و المشاهدة و ذلك أن الملائكة عندهم أهل الباطن . و قالت الفلاسفة هي العقول المفارقة و هي جواهر مجردة عن المادة لا تعلق لها بالأجسام تدبيرا و احترزوا بذلك عن النفوس لأنها جواهر مفارقة إلا أنها تدبر الأبدان و زعموا أنهم أثبتوها نظرا . و قال أصحابنا المتكلمون الطريق إلى إثبات الملائكة الخبر الصادق المدلول على صدقه و في المتكلمين من زعم أنه أثبت الملائكة بطريق نظري و هو أنه لما وجد خلقا من طين وجب في العقل أن يكون في المخلوقات خلق من الهواء و خلق من النار فالمخلوق من الهواء هو الملك و المخلوق من النار الشيطان . [ 432 ] البحث الثاني في بنية الملائكة و هيئة تركيبهم قال أصحابنا المتكلمون أن الملائكة أجسام لطاف و ليسوا من لحم و دم و عظام كما خلق البشر من هذه الأشياء و قال أبو حفص المعود القرينسي من أصحابنا إن الملائكة من أجسام من لحم و عظم إنه لا فرق بينهم و بين البشر و إنما لم يروا لبعد المسافة بيننا و بينهم . و قد تبعه على هذا القول جماعة من معتزلة ما وراء النهر و هي مقالة ضعيفة لأن القرآن يشهد بخلافه في قوله وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ و قوله إِذْ يَتَلَقَّى اَلْمُتَلَقِّيانِ عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمالِ قَعِيدٌ فلو كانوا أجساما كثيفة كأجسامنا لرأيناهم . البحث الثالث في تكليف الملائكة حكى عن قوم من الحشوية أنهم يقولون إن الملائكة مضطرون الله جميع أفعالهم و ليسوا مكلفين . و قال جمهور أهل النظر إنهم مكلفون . و حكى عن أبي إسحاق النظام إنه قال إن قوما من المعتزلة قالوا إنهم جبلوا على الطاعة لمخالفة خلقهم خلقة المكلفين و أنهم قالوا لو كانوا مكلفين لم يؤمن أن يعصوا فيما أمروا به و قد قال تعالى لا يَعْصُونَ اَللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ . و قال قوم إن أكثر الملائكة مكلفون و إن فيهم من ليس بمكلف بل هو مسخر للملائكة المكلفين كما أن الحيوانات ما هو غير مكلف بل هو مسخر للبشر و مخلوق لمصالحهم . قالوا و لا ننكر أن يكون الملائكة الذين ذكر منهم أنهم غلظ الأجسام و عظم الخلق و التركيب بحيث تبلغ أقدامهم إلى قرار الأرض قد جعلوا عمدا للسموات و الأرض فهم [ 433 ] يحملونها بمنزلة الأساطين التي تحمل السقوف العالية و لم يرشحوا لأمر من الأمور سوى ذلك . البحث الرابع فيما يجوز من الملائكة و ما لا يجوز قال شيخنا أبو القاسم حكى أبو الحسن الخياط عن قدماء المعتزلة أنه لا يجوز أن يعصي أحد من الملائكة و لم يذكر عنهم علة في ذلك . و قال قوم إنهم لا يعصون و لا يجوز أن يعصوا لأنهم غير مطيقين الشهوة و الغضب فلا داعي لهم إلى المعصية و الفاعل لا يفعل إلا بداع إلى الفعل . و قال قوم إنهم لا يعصون لأنهم يشاهدون من عجائب صنع الله و آثار هيبته ما يبهرهم عن فعل المعصية و القصد إليها و كذلك قال تعالى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . و قال قوم إنما لم يجز أن يعصوا لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم لا يعصون و لا ينكر مع ذلك أن يكون منهم من يتغير حاله و يتبدل بها حالة أخرى و يعصي على ما ورد من خبر الملكين ببابل و خبر إبليس و إنما يسلب عنهم المعصية ما داموا على حالهم التي هي عليها . و قال شيوخنا أصحاب أبي هاشم رحمه الله تعالى إن المعصية تجوز عليهم كما تجوز علينا إلا أن الله تعالى علم أن لهم ألطافا يمتنعون معها من القبيح لفعلها فامتنعوا من فعل القبيح اختيارا فكانت حالهم كحال الأنبياء من البشر يقدرون على المعصية و لا يفعلونها [ 434 ] اختيارا من أنفسهم باعتبار الألطاف المفعولة لهم و لو كان لإبليس أو فرعون أو نمرود ألطاف يعلم الله تعالى إذا فعلها فعلوا الواجب و امتنعوا من فعل القبيح لفعلها بهم و لكانوا معصومين كالأنبياء و الملائكة لكنه تعالى علم أنهم لا يؤمنون و لو فعل مهما فعل فلا لطف في المعلوم و هذا عندهم حكم عام لجميع المكلفين من الإنس و الجن و الملائكة . البحث الخامس في أن أي القبيلين أفضل الملائكة أو الأنبياء قال أصحابنا نوع الملائكة أفضل من نوع البشر و الملائكة المقربون أفضل من نوع الأنبياء و ليس كل ملك عند الإطلاق أفضل من محمد ص بل بعض المقربين أفضل منه و هو ع أفضل من ملائكة أخرى غير الأولين و المراد بالأفضل الأكثر ثوابا و كذلك القول في موسى و عيسى و غيرهما من الأنبياء و الذي يحكيه قوم من أرباب المقالات أن المعتزلة قالوا إن أدنى ملك في السماء أفضل من محمد ص ليس بصحيح عنهم . و قال أهل الحديث و الأشعرية أن الأنبياء أفضل من الملائكة . و قال الشيعة الأنبياء أفضل من الملائكة و الأئمة أفضل من الملائكة . و قال قوم منهم و من الحشوية إن المؤمنين أفضل من الملائكة . البحث السادس في قدم الملائكة و حدوثهم أما الفلاسفة القائلون بأنهم العقول المفارقة فإنهم يذهبون إلى قدم الملائكة . و قال غيرهم من أهل الملل إنهم محدثون . و قال قوم من متأخري الحكماء إن نفوس البشر إذا فارقت الأبدان بالموت بقيت قائمة بأنفسها غير مدبرة لشي‏ء من الأبدان فإن كانت خيرة صالحة فهي الملائكة [ 435 ] و إن كانت شريرة رديئة الجوهر فهي الشياطين فالملائكة عند هؤلاء محدثون و عندهم أن هذه النفوس تساعد نفوسا أخرى متعلقة بتدبير الأبدان أما على الخير أو على الشر فما ينسب في الكتب الإلهية إلى إغواء الشياطين للناس و إضلالهم فالمراد به تلك النفوس الشريرة و ما ينسب فيها إلى إعانة الملائكة لهم على الخير و الصلاح فالمراد به تلك النفوس الخيرة . البحث السابع في إبليس أ هو من الملائكة أو ليس منها قال شيخنا أبو عثمان و جماعة من أصحابنا إنه من الملائكة و لذلك استثناه الله تعالى فقال فَسَجَدَ اَلْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ . و قال قوم إنه كان من الملائكة بدلالة هذه الآية لكن الله مسخه حيث خالف الأمر فهو بعد المسخ خارج عن الملائكة و قد كان قبل ذلك ملكا قالوا و معنى قوله كانَ مِنَ اَلْجِنِّ أي من خزان الجنة و روي ذلك عن ابن عباس قالوا و يحمل على معناه أنه صار من الجن فيكون كان بمعنى صار كقوله تعالى كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا أي من صار لأنها لو كانت كان على حقيقتها لوجب إلا يكلم بعضهم بعضا لأنهم كانوا صبيانا في المهود . قالوا و معنى صيرورته من الجن صيرورته ضالا كما أن الجن ضالون لأن الكفار بعضهم من بعض كما قال تعالى اَلْمُنافِقُونَ وَ اَلْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ . [ 436 ] و قال معظم أصحابنا إن إبليس ليس من الملائكة و لا كان منها و إنما استثناه الله تعالى منهم لأنه كان مأمورا بالسجود معهم فهو مستثنى من عموم المأمورين بالسجود لا من خصوص الملائكة . البحث الثامن في هاروت و ماروت هل هما من الملائكة أم لا قال جمهور أصحابنا إنهما من الملائكة و إن القرآن العظيم قد صرح بذلك في قوله وَ ما أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ و إن الذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس فمن تعلمه منهم و عمل به كان كافرا و من تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به و لكن ليتوقاه كان مؤمنا قالوا و ما كان هذان الملكان يعلمان أحدا حتى ينبهاه و ينهياه و ينصحاه و يقولا له إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي ابتلاء و اختبار من الله فَلا تَكْفُرْ و لا تتعلمه معتقدا أنه حق . و حكى عن الحسن البصري أن هاروت و ماروت علجان أقلفان من أهل بابل كانا يعلمان الناس السحر و قرأ الحسن على الملكين ببابل بكسر اللام . و قال قوم كانا من الملائكة فعصيا الله تعالى بالحيف في الحكومة و قد كان استقضاهما في الأرض و ركب فيهما الشهوة و الغضب على نحو ما ركب في البشر امتحانا لهما لأنهما قد كانا عيرا البشر بالمعصية فلما عصيا حبسهما الله تعالى و عاقبهما بعذاب معجل و ألهمهما كلاما إذا تكلما به سكن بعض ما بهما من الألم و إن السحرة يستمعون ذلك الكلام فيحفظونه و يفرقون به بين المرء و زوجه فإنهما يتقدمان إلى من يحضرهما عند ما يتكلمان بالزجر عن العمل بذلك الكلام و يقولان إِنَّما نَحْنُ [ 437 ] فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ و هما لم يكفرا و لا دعوا إلى السحر و إن عذابهما سيقطع و قد جاء في الأخبار ما يوافق هذا . و قال قوم من الحشوية إنهما شربا الخمر و قتلا النفس و زنيا بامرأة اسمها باهيد فمسخت و هي الزهرة التي في السماء : وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ اَلْأَرْضِ وَ دَحْوِهَا عَلَى اَلْمَاءِ كَبَسَ اَلْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَ لُجَجِ بِحَارِ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا وَ تَرْغُو زَبَدًا كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ اَلْمَاءِ اَلْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَ سَكَنَ هَيْجُ اِرْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اِصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِياً مَقْهُوراً وَ فِي حَكَمَةِ اَلذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً وَ سَكَنَتِ اَلْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اِعْتِلاَئِهِ وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَ كَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ وَ لَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ اَلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ اَلْجِبَالِ اَلشُّمَّخِ اَلْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ اَلْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَ أَخَادِيدِهَا وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلاَمِيدِهَا وَ ذَوَاتِ اَلشَّنَاخِيبِ اَلشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ اَلْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ اَلْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا وَ رُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ اَلْأَرَضِينَ وَ جَرَاثِيمِهَا وَ فَسَحَ [ 438 ] بَيْنَ اَلْجَوِّ وَ بَيْنَهَا وَ أَعَدَّ اَلْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وَ أَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ اَلْأَرْضِ اَلَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ اَلْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا وَ لاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ اَلْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ اِفْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَ تَبَايُنِ قَزَعِهِ حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ اَلْمُزْنِ فِيهِ وَ اِلْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ يَمْرِي تَمْرِيهِ اَلْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَ دُفَعَ شآبِيبِهِ . فَلَمَّا أَلْقَتِ اَلسَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا وَ بَعَاعَ مَا اِسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ اَلْعِبْ‏ءِ اَلْمَحْمُولِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ اَلْأَرْضِ اَلنَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ اَلْجِبَالِ اَلْأَعْشَابَ فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَ تَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا وَ حِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَ خَرَقَ اَلْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا وَ أَقَامَ اَلْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا كبس الأرض أي أدخلها في الماء بقوة و اعتماد شديد و يقال لضرب من التمر الكبيس لأنه يكبس حتى يتراص و المور مصدر مار أي ذهب و جاء و مستفحلة هائجة هيجان الفحول و استفحل الأمر تفاقم و اشتد و زاخرة زخر الماء أي امتد جدا و ارتفع . و الأواذي جمع آذي و هو الموج و تصطفق يضرب بعضها بعضا و الأثباج هاهنا [ 439 ] أعالي الأمواج و أصل الثبج ما بين الكاهل إلى الظهر فنقل إلى هذا الموضع استعارة . و ترغو تصوت صوت البعير و الرغاء صوت ذات الخف و في المثل كفى برغائها مناديا أي أن رغاء بعير المضيف يقوم مقام ندائه للضيافة و القرى و زبدا على هذا منصوب بفعل مقدر تقديره و ترغو قاذفة زبدا و الزبد ما يظهر فوق السيل يقال قد أزبد البحر و السيل و بحر مزبد أي مالح يقذف بالزبد و الفحول عند هياجها فحول الإبل إذا هاجت للضراب . و جماح الماء صعوده و غليانه و أصله من جماح الفرس و هو أن يعز فارسه و يغلبه و الجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده و خضع ذل و هيج الماء اضطرابه هاج هيجا و هياجا و هيجانا و اهتاج و تهيج كله بمعنى أي ثار و هاجه غيره يتعدى و لا يتعدى و هيج ارتمائه يعنى تقاذفه و تلاطمه يقال ارتمى القوم بالسهام و بالحجارة ارتماء و كلكلها صدرها و جاء كلكل و كلكال و ربما جاء في ضرورة الشعر مشددا قال كأن مهواها على الكلكل موضع كفي راهب مصلى و المستخذي الخاضع و قد يهمز و قيل لأعرابي في مجلس أبي زيد كيف تقول استخذأت ليتعرف منه الهمزة فقال العرب لا تستخذئ و همزه و أكثر ما يستعمل ملينا و أصله من خذا الشي‏ء يخذو و خذوا أي استرخى و يجوز خذي بكسر الذال و أذن خذواء بينة الخذاء أي مسترخية . و تمعكت تمرغت مستعار من تمعك الدابة في الأرض و قالوا معكت الأديم أي دلكته و كواهلها جمع كاهل و هو ما بين الكتفين و يسمى الحارك . [ 440 ] و اصطخاب أمواجه افتعال من الصخب و هو الصياح و الجلبة يقال صخب الرجل فهو صخبان و اصطخب افتعل منه قال إن الضفادع في الغدران تصطخب و الساجي الساكن و الحكمة ما أحاط من اللجام بحنك الدابة و كانت العرب تتخذها من القد و الأبق لأن الزينة لم تكن قصدهم قال زهير القائد الخيل منكوبا دوابرها قد أحكمت حكمات القد و الأبقا و استعار الحكمة هاهنا فجعل للذل حكمة ينقاد الماء بها و يذل إليها . و مدحوة مبسوطة قال تعالى وَ اَلْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها و يجوز أن تكون مدحوة هاهنا بمعنى مقذوفة مرمية يقال دحوت الحصاة أي قذفتها و يقال للاعب الجوز ادح و أبعد المدى و التيار أعظم الموج و لجته أعمقه و البأو الكبر و الفخر تقول بأوت على القوم أبأى بأوا قال حاتم فما زادنا بأوا على ذي قرابة غنانا و لا أزرى بأحسابنا الفقر و هذا الكلام استعارة يقال كسرت الأرض سورة الماء الجامح كما تكسر سورة بأو الرجل المتكبر المفتخر و الاعتلاء التيه و التكبر و الشموخ العلو مصدر شمخ بأنفه أي تكبر و الجبال الشوامخ الشاهقة و السمو العلو و سمو علوائه أي غلوه و تجاوزه الحد . [ 441 ] و كعمته أي شددت فمه لما هاج من الكعام و هو شي‏ء يجعل في فم البعير و بعير مكعوم . و الكظة الجهد و الثقل الذي يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام يقول كعمت الأرض الماء حال كونه مكظوظا لشدة امتلائه و كثرته و ازدحام أمواجه فهمد أي سكن همدت النار تهمد بالضم همودا أي طفئت و ذهبت البتة و الخمود دون الهمود و النزقات الخفة و الطيش نزق الرجل بالكسر ينزق نزقا و النزقات الدفعات من ذلك . و لبد الشي‏ء بالأرض يلبد بالضم لبودا أي لصق بها ساكنا و الزيفان التبختر في المشي زاف البعير يزيف و الزيافة من النوق المختالة و يروى و لبد بعد زفيان وثباته و الزفيان شدة هبوب الريح يقال زفته الريح زفيانا أي طردته و ناقة زفيان سريعة و قوس زفيان سريعة الإرسال للسهم و أكنافها جوانبها و كنفا الطائر جناحاه و يقال صلاء مكنف أي أحيط به من جوانبه و تكنفه القوم و اكتنفوه أحاطوا به . و الجبال الشواهق العالية و مثله البذخ و العرنين أول الأنف تحت مجتمع الحاجبين و الينابيع جمع ينبوع و هو ما انفجر من الأرض عن الماء و السهوب جمع سهب و هو الفلاة و البيد جمع بيداء و هي الفلاة أيضا . و الأخاديد جمع أخدود و هو الشق في الأرض قال تعالى قُتِلَ أَصْحابُ اَلْأُخْدُودِ و الراسيات الثقال و الشناخيب رءوس الجبال و الشم العالية و الجلاميد الصخور واحدها جلمود و الصياخيد جمع صيخود و هي الصخرة الصلبة . [ 442 ] و الميدان التحرك و الاضطراب و ماد الرجل يميد أي تبختر و رسوب الجبال نزولها رسب الشي‏ء في الماء أي سفل فيه و سيف رسوب ينزل في العظام . و قوله في قطع أديمها جمع قطعة يريد في أجزائها و أبعاضها و يروى في قطع أديمها بضم القاف و فتح الطاء جمع قطعة و هي القطعة مفروزة من الأرض و حكي أن أعرابيا قال ورثت من أبي قطعة و يروى في قطع أديمها بسكون الطاء و القطع طنفسة الرحل فنقل ذلك إلى هذا الموضع استعارة كأنه جعل الأرض ناقة و جعل لها قطعا و جعل الجبال ثابتة في ذلك القطع . و أديم الأرض وجهها و ظاهرها و تغلغل الماء في الشجر دخوله و تخلله في أصوله . و عروقه متسربة أي داخلة تسرب الثعلب أي دخل السرب و جوبات جمع جوبة و هي الفرجة في جبل أو غيره و خياشيمها جمع خيشوم و هو أقصى الأنف و تقول خشمت الرجل خشما أي كسرت خيشومه و جراثيمها جمع جرثومة و هي أصل الشجر . و فسح أوسع و متنسما يعني موضع النسيم و الأرض الجرز التي لا نبات فيها لانقطاع المطر عنها و هذه من الألفاظ القرآنية و الروابي التلاع و ما علا من الأرض و الجداول الأنهار الصغار جمع جدول و الذريعة الوصلة . و ناشئة سحاب ما يبتدئ ظهوره و الموات بفتح الميم القفر من الأرض و اللمع جمع لمعة و هي القطعة من السحاب أو غيره و تباين قزعه القزع قطع من السحاب رقيقة واحدها قزعة قال الشاعر [ 443 ] كأن رعاله قزع الجهام و في الحديث كأنهم قزع الخريف و تباينها افتراقها و تمخضت تحركت بقوة يقال تمخض اللبن إذا تحرك في الممخضة و تمخض الولد تحرك في بطن الحامل و الهاء في فيه ترجع إلى المزن أي تحركت لجة المزن في المزن نفسه أي تحرك من السحاب وسطه و ثبجه . و التمع البرق و لمع أي أضاء و كففه جمع كفة و الكفة كالدارة تكون في السحاب . و كان الأصمعي يقول كل ما استطال فهو كفة بالضم نحو كفة الثوب و هي حاشيته و كفة الرمل و الجمع كفاف و كل ما استدار فهو كفة بالكسر نحو كفة الميزان و كفة الصائد و هي حبالته و الجمع كفف و يقال أيضا كفة الميزان بالفتح و الوميض الضياء و اللمعان . و قوله لم ينم أي لم يفتر و لم ينقطع فاستعار له لفظة النوم و الكنهور العظيم من السحاب و الرباب الغمام الأبيض و يقال إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب و قد يكون أبيض و قد يكون أسود و هو جمع و الواحدة ربابة و به سميت المرأة الرباب . و المتراكم الذي قد ركب بعضه بعضا و الميم بدل من الباء و سحا صبا و سحابة سحوح و تسحسح الماء سال و مطر سحساح أي يسح شديدا و متداركا يلحق بعضه بعضا من غير انقطاع و أسف دنا من الأرض و هيدبه ما تهدب منه أي تدلى كما يتدلى هدب العين على أشفارها و يمري الجنوب و هو بمعنى يحلب و يستدر و يروى تمريه الجنوب . على أن يعدى الفعل إلى المفعولين كما تقول حلبت الناقة لبنا و يروى تمتري الجنوب و هو بمعنى تمري من مريت الفرس و امتريته إذا استخرجت بالسوط ما عنده من الجري و إنما [ 444 ] خص الجنوب بذلك لأنها الريح التي يكون عليها المطر و الدرر جمع درة و هي كثرة اللبن و سيلانه و صبه و الأهاضيب جمع هضاب و الهضاب جمع هضب و هي حلبات القطر بعد القطر و الدفع جمع دفعة بالضم و هي كالدفقة من المطر بالضم أيضا و الشآبيب جمع شؤبوب و هي رشة قوية من المطر تنزل دفعة بشدة و البرك الصدر و بوانيها تثنية بوان على فعال بكسر الفاء و هو عمود الخيمة و الجمع بون بالضم قال الشاعر أصبر من ذي ضاغط عركرك ألقى بواني زوره للمبرك و من روى بوانيها أراد لواصقها من قولك قوص بانية إذا التصقت بالوتر . و الرواية الأولى أصح و بعاع السحاب ثقله بالمطر قال إمرؤ القيس و ألقى بصحراء الغبيط بعاعه نزول اليماني بالعياب المثقل و العب‏ء الثقل و استقلت ارتفعت و نهضت و هوامد الأرض هي الأرضون التي لا نبات بها و زعر الجبال جمع أزعر و المراد به قلة العشب و الخلى و أصله من الزعر و هو قلة الشعر في الرأس قال من يك ذا لمة يرجلها فإنني غير ضائري زعري و قد زعر الرجل يزعر قل شعره و تبهج تسر و تفرح تقول بهجني أمر كذا بالفتح و أبهجني معا أي سرني و من رواه بضم الهاء أراد يحسن و يملح من البهجة و هي الحسن يقال بهج الرجل بالضم بهاجة فهو بهيج أي حسن قال الله تعالى مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ و تقول قد أبهجت الأرض بالهمزة أي بهج نباتها و حسن . [ 445 ] و تزدهي أي تتكبر و هي اللغة التي حكاها ابن دريد قال تقول زها الرجل يزهو زهوا أي تكبر و على هذه اللغة تقول ازدهى الرجل يزدهي كما تقول من علا اعتلى يعتلي و من رمى ارتمى يرتمي و أما من رواها و تزدهى بما ألبسته على ما لم يسم فاعله فهي اللغة المشهورة تقول زهي فلان علينا و للعرب أحرف تتكلم بها على سبيل المفعول به و إن كانت بمعنى الفاعل كقولهم عني بالأمر و نتجت الناقة فتقول على هذه اللغة فلان يزدهى بكذا . و الريط جمع ريطة و هي الملاءة غير ذات لفقين و الأزاهير النور ذو الألوان . و سمطت به علق عليها السموط جمع سمط و هو العقد و من رواه شمطت بالشين المعجمة أراد ما خالط سواد الرياض من النور الأبيض كالأقحوان و نحوه فصارت الرياض كالشعر الأشمط و الناضر ذو النضارة و هي الحسن و الطراوة . و بلاغا للأنام أي كفاية و الآفاق النواحي و المنار الأعلام فصول متنوعة تتعلق بالخطبة و ينبغي أن نتكلم في هذا الموضع في فصول . الفصل الأول في كيفية ابتداء خلق الأرض . ظاهر كلام أمير المؤمنين ع أن الماء خلق قبل الأرض و قد ذكرنا فيما تقدم أنه قول لبعض الحكماء و أنه موافق لما في التوراة إلا أن في كلامه ع في هذا الموضع إشكالا و ذلك أن لقائل أن يقول كلامه يشعر بأن هيجان الماء و غليانه و موجه [ 446 ] سكن بوضع الأرض عليه و هذا خلاف ما يشاهد و خلاف ما يقتضيه العقل لأن الماء الساكن إذا جعل فيه جسم ثقيل اضطرب و تموج و صعد علوا فكيف الماء المتموج يسكن بطرح الجسم الثقيل فيه . و الجواب أن الماء إذا كان تموجه من قبل ريح هائجة جاز أن يسكن هيجانه بجسم يحول بينه و بين تلك الريح و لذلك إذا جعلنا في الإناء ماء و روحناه بمروحة تموجه فإنه يتحرك فإن جعلنا على سطح الماء جسما يملأ حافات الإناء و روحنا بالمروحة فإن الماء لا يتحرك لأن ذلك الجسم قد حال بين الهواء المجتلب بالمروحة و بين سطح الماء فمن الجائز أن يكون الماء الأول هائجا لأجل ريح محركة له فإذا وضعت الأرض عليه حال بين سطح الماء و بين تلك الريح و قد مر في كلام أمير المؤمنين في الخطبة الأولى ذكر هذه الريح فقال ريح اعتقم مهبها و أدام مربها و أعصف مجراها و أبعد منشأها فأمرها بتصفيق الماء الزخار و إثارة موج البحار فمخضت مخض السقاء و عصفت به عصفها بالفضاء . الفصل الثاني في بيان قوله ع فلما سكن هيج الماء من تحت أكنافها و حمل شواهق الجبال البذخ على أكتافها فجر ينابيع العيون فيها و عدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها . و ذلك لأن العامل في لما يجب أن يكون أمرا مباينا لما أضيفت إليه مثاله لما قام زيد قام عمرو فقام الثانية هي العاملة في لما فيجوز أن تكون أمرا مباينا لما أضيف لما إليه و هو قيام زيد و هاهنا قد قال ع لما حمل الله تعالى شواهق الجبال على الأرض عدل حركات الأرض بالجبال و معلوم أن أحد الأمرين هو الآخر . و الجواب أنه ليس أحد الأمرين هو الآخر بعينه بل الثاني معلول الأول و موجب [ 447 ] عنه لأن الأول هو حمل الجبال عليها و الثاني تعديل حركاتها بالجبال المحمول عليها فكأنه قال حمل عليها الجبال فاقتضى ذلك الحمل تعديل حركاتها و معلوم أن هذا الكلام منتظم . الفصل الثالث في قوله إن الجبال هي المسكنة للأرض . فنقول إن هذا القول يخالف قول الحكماء لأن سكون الأرض عند الحكماء لم يكن لذلك بل لأنها تطلب المركز و هي حاصلة في حيزها الطبيعي لكنا و إن كان مخالفا لقول الحكماء فإنا نعتقده دينا و مذهبا و نعدل عن قول الحكماء لأن اتباع قوله ع أولى من اتباع أقوالهم . الفصل الرابع في ذكر نظائر لما وصف به المطر و السحاب . فمن ذلك ما رواه عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال سئل أعرابي عن مطر فقال استقل سد مع انتشار الطفل فشصا و احزأل ثم اكفهرت أرجاؤه و احمومت ارحاؤه و انزعرت فوارقه و تضاحكت بوارقه و استطار وادقه و أرسعت جوبه و ارتعن هيدبه و حسكت أخلافه و استقلت أردافه و انتشرت أكنافه فالرعد يرتجس و البرق يختلس و الماء ينبجس فأترع الغدر و أنبت الوجر و خلط الأوعال بالآجال و قرن الصيران بالرئال فللأودية هدير و للشراج خرير و للتلاع زفير و حط النبع و العنم من القلل الشم إلى القيعان الصحم فلم يبق في القلل إلا معصم [ 448 ] مجرنثم أو داحض محرجم و ذلك من فضل رب العالمين على عباده المذنبين . قلت السد السحاب الذي يسد الأفق و أصل الجبل و الطفل اختلاط الظلام و انتشاره حال غروب الشمس و شصا ارتفع و علا و احزأل انتصب و اكفهرت أرجاؤه غلظت نواحيه و جوانبه و تراكمت و احمومت اسودت مع مخالطة حمرة و أرجاؤه أوساطه و انزعرت تفرقت و الفوارق قطع من السحاب تتفرق عنه مثل فرق الإبل و هي النوق إذا أرادت الولادة فارقت الإبل و بعدت عنها حيث لا ترى و تضاحكت بوارقه لمعت و استطار انتشر و الوادق ذو الودق و هو مطر كبار و أرسعت جوبه أي تلاءمت فرجه و التحمت و ارتعن استرخى و هيدبه ما تدلى منه و حسكت أخلافه امتلأت ضروعه و أرادفه مآخره و أكنافه نواحيه و يرتجس يصوت و الرجس الصوت و يختلس يستلب البصر و ينبجس ينصب فأترع الغدر ملأها جمع غدير و أنبت الوجر حفرها جمع وجار و هو بيت الضبع و الآجال جمع إجل و هو قطيع البقر و الصيران مثله جمع صوار و الرئال جمع رأل و هو فرخ النعام و الهدير الصوت و الشراج جمع شرج و هو مسيل الماء إلى الحرة و خرير الماء صوته و زفير التلاع أن تزفر بالماء لفرط امتلائها و النبع شجر و العنم شجر آخر و كلاهما لا ينبت إلا في رءوس الجبال و الشم العالية و الصحم السود التي تضرب إلى الصفرة و المعصم المعتصم الملتجئ و المجرنثم المتقبض و الداحض الزالق الواقع و المحرجم المصروع . و من ذلك ما رواه أبو حاتم عن الأصمعي قال سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن مطر أصاب بلادهم فقال نشأ عارضا فطلع ناهضا ثم ابتسم وامضا فاعتن في الأقطار فأشجاها و امتد في [ 449 ] الآفاق فغطاها ثم ارتجس فهمهم ثم دوي فأظلم فأرك و دث و بغش و طش ثم قطقط فأفرط ثم ديم فأغمط ثم ركد فأثجم ثم وبل فسجم و جاد فأنعم فقمس الربا و أفرط الزبى سيعا تباعا يريد انقشاعا حتى إذا ارتوت الحزون و تضحضحت المتون ساقه ربك إلى حيث يشاء كما جلبه من حيث شاء . قلت العارض سحاب يعترض في الأفق و اعتن اعترض و أشجاها ملأها فكان كالشجى في حلقها و ارتجس صوت و الهمهمة صوت الرعد و دوي أحدث دويا فأظلم أعدم الضوء من الأرض بتكاثفه فأرك أي مطر ركا و الرك المطر الضعيف و كذلك الدث و البغش و الطش و فوق ذلك القطقط و ديم صار ديمة و هي المطر أياما لا يقلع و أغمط أي دام و أثجم أقام و وبل جاء بالوابل و هو المطر العظيم و سجم صب و أنعم بالغ و قمس غوص في الماء و أفرط الزبى ملأها جمع زبية و هي حفيرة تحفر للوحوش في مكان مرتفع و الحزون جمع حزن و هو ما غلظ من الأرض و المتون جمع متن و هو الصلب من الأرض و تضحضحت صار فوقها ضحضاح من الماء و هو الرقيق . و من ذلك ما رواه أبو حاتم أيضا عن الأصمعي قال سألت أعرابيا عن مطر أصابهم بعد جدب فقال ارتاح لنا ربك بعد ما استولى اليأس على الظنون و خامر القلوب القنوط فأنشأ بنوء الجبهة قزعة كالقرص من قبل العين فاحزألت عند ترجل النهار لأدهم السرار حتى إذا نهضت في الأفق طالعة أمر مسخرها الجنوب فتبسمت لها فانتثرت أحضانها و احمومت أركانها و بسق عنانها و اكفهرت رحاها و انبعجت كلاها و ذمرت [ 450 ] أخراها أولاها ثم استطارت عقائقها و ارتعجت بوارقها و تعقعقت صواعقها ثم ارتعبت جوانبها و تداعت سواكبها و درت حوالبها فكانت للأرض طبقا شج فهضب و عم فأحسب فعل القيعان و ضحضح الغيطان و صوح الأضواج و أترع الشراج فالحمد لله الذي جعل كفاء إساءتنا إحسانا و جزاء ظلمنا غفرانا . قلت نوء الجبهة محمود عندهم للمطر و القزعة القطعة الصغيرة من السحاب و القرص الترس و العين ما عن يمين قبلة العراق و ترجل النهار انبساط الشمس و الأدهم أحد ليالي السرار و الأحضان النواحي و احمومت اسودت و بسق علا و العنان ما يعترض من السحاب في الأفق و انبعجت انفتقت و ذمرت حضت و العقائق البروق و ارتعجت اهتزت و ارتعدت و طبقا أي غطت الأرض و هضب جاء بالمطر دفعة فدفعة و أحسب كفى و عل القيعان سقاها مرة بعد أخرى و الغيطان جمع غائط و هو ما سفل من الأرض و صوح الأضواج هدم الأجواف و أترع الشراج ملأ المسيلات . و من ذلك ما رواه ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال سمعت أعرابيا من بني عامر يصف مطرا قال نشأ عند القصر بنوء الغفر حيا عارضا ضاحكا وامضا فكلا و لا ما كان حتى شجيت به أقطار الهواء و احتجبت به السماء ثم أطرق فاكفهر و تراكم فادلهم و بسق فازلأم ثم حدت به الريح فخر و البرق مرتعج و الرعد مبتوج و الحدج مبتعج فأثجم ثلاثا متحيرا هثهاثا أخلافه حاشكة و دفعه متواشكة و سوامه متعاركة ثم ودع منجما و أقلع متهما محمود البلاء مترع النهاء مشكور النعماء بطول ذي الكبرياء . قلت القصر العشي و الغفر من نجوم الأسد و الحيا الداني من الأرض . و قوله كلا و لا أي في زمان قصير جدا و شجيت به الأقطار صار كالشجى لها [ 451 ] و ازلأم انتصب و المرتعج المتدارك و المبتوج العالي الصوت و الحدج السحاب أول ما ينشأ و يتبعج يشقق و أثجم دام متحيرا أي كأنه قد تحير لا وجه له يقصده و الهثهاث المداخل و أخلافه حاشكة أي ضروعة ممتلئة و دفعه متواشكة أي مسرعة و سوامه متعاركة شبه قطع السحاب بسوام الإبل و منجما مقلعا و متهما يسير نحو تهامة الفصل الخامس في بيان أنه ع إمام أرباب صناعة البديع و ذلك لأن هذا الفن لا يوجد منه في كلام غيره ممن تقدمه إلا ألفاظ يسيرة غير مقصودة و لكنها واقعة بالاتفاق كما وقع التجنيس في القرآن العزيز اتفاقا غير مقصود و ذلك نحو قوله يا أَسَفى‏ عَلى‏ يُوسُفَ و كما وقعت المقابلة أيضا غير مقصودة في قوله وَ اَلسَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ اَلْمِيزانَ على أنها ليست مقابلة في المعنى بل من اللفظ خاصة و لما تأمل العلماء شعر إمرئ القيس و وجدوا فيه من الاستعارة بيتا أو بيتين نحو قوله يصف الليل فقلت له لما تمطى بصلبه و أردف أعجازا و ناء بكلكل و قوله و إن يك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل و لم ينشدوا مثل ذلك في أشعار الجاهلية حكموا له بأنه إمام الشعراء و رئيسهم . و هذا الفصل من كلام أمير المؤمنين ع قد اشتمل من الاستعارة العجيبة و غيرها من أبواب البديع على ما لو كان موجودا في ديوان شاعر مكثر أو مترسل مكثر [ 452 ] لكان مستحق التقديم بذلك أ لا تراه كيف وصف الأمواج بأنها مستفحلة و أنها ترغو رغاء فحول الإبل ثم جعل الماء جماحا ثم وصفه بالخضوع و جعل للأرض كلكلا و جعلها واطئة للماء به و وصف الماء بالذل و الاستخذاء لما جعل الأرض متمعكة عليه كما يتمعك الحمار أو الفرس و جعل لها كواهل و جعل للذل حكمة و جعل الماء في حكمة الذل منقادا أسيرا و ساجيا مقهورا و جعل الماء قد كان ذا نخوة و بأو و اعتلاء فردته الأرض خاضعا مسكينا و طأطأت من شموخ أنفه و سمو غلوائه و جعلها كاعمة له و جعل الماء ذا كظة بامتلائه كما تعتري الكظة المستكثر من الأكل ثم جعله هامدا بعد أن كانت له نزقات و لابدا بعد أن كانت له وثبات ثم جعل للأرض أكتافا و عرانين و أنوفا و خياشيم ثم نفى النوم عن وميض البرق و جعل الجنوب مارية درر السحاب ثم جعل للسحاب صدرا و بوانا ثم جعل الأرض مبتهجة مسرورة مزدهاة و جعل لها ريطا من لباس الزهور و سموطا تحلى بها فيا لله و للعجب من قوم زعموا أن الكلام إنما يفضل بعضه بعضا لاشتماله على أمثال هذه الصنعة فإذا وجدوا في مائه ورقة كلمتين أو ثلاثا منها أقاموا القيامة و نفخوا في الصور و ملئوا الصحف بالاستحسان لذلك و الاستظراف ثم يمرون على هذا الكلام المشحون كله بهذه الصنعة على ألطف وجه و أرصع وجه و أرشق عبارة و أدق معنى و أحسن مقصد ثم يحملهم الهوى و العصبية على السكوت عن تفضيله إذا أجملوا و أحسنوا و لم يتعصبوا لتفضيل غيره عليه على أنه لا عجب فإنه كلام علي ع و حظ الكلام حظ المتكلم و أشبه امرأ بعض بزه [ 3 ] الجزء السابع تتمة الخطب و الأوامر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل تتمة خطبة 90 فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ اِخْتَارَ آدَمَ ع خِيَرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَ أَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِي اَلْإِقْدَامِ عَلَيْهِ اَلتَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَ اَلْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ اَلتَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَ لِيُقِيمَ اَلْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ اَلْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ اَلْمَقْطَعَ عُذُرُهُ وَ نُذُرُهُ مهد أرضه سواها و أصلحها و منه المهاد و هو الفراش و مهدت الفراش بالتخفيف مهدا أي بسطته و وطأته و قوله خيرة من خلقه على فعلة مثل عنبة الاسم [ 4 ] من قولك اختاره الله يقال محمد خيرة الله من خلقه و يجوز خيرة الله بالتسكين و الاختيار الاصطفاء . و الجبلة الخلق و منه قوله تعالى وَ اِتَّقُوا اَلَّذِي خَلَقَكُمْ وَ اَلْجِبِلَّةَ اَلْأَوَّلِينَ و يجوز الجبلة بالضم و قرأ بها الحسن البصري و قرئ قوله سبحانه وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً على وجوه فقرأ أهل المدينة بالكسر و التشديد و قرأ أبو عمرو جبلا كثيرا مثل قفل و قرأ الكسائي جبلا كثيرا بضم الباء مثل حلم و قرأ عيسى بن عمر جبلا بكسر الجيم و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق جبلا بالضم و التشديد . قوله و أرغد فيها أكله أي جعل أكله و هو المأكول رغدا أي واسعا طيبا قال سبحانه وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما و تقرأ رغدا و رغدا بكسر الغين و ضمها و أرغد القوم أخصبوا و صاروا في رغد من العيش . قوله و أوعز إليه فيما نهاه عنه أي تقدم إليه بالإنذار و يجوز و وعز إليه بالتشديد توعيزا و يجوز التخفيف أيضا وعز إليه وعزا . و الواو في و أعلمه عاطفة على و أوعز لا على نهاه . قوله موافاة لسابق علمه لا يجوز أن ينتصب لأنه مفعول له و ذلك لأن المفعول له يكون عذرا و علة للفعل و لا يجوز أن يكون إقدام آدم على الشجرة لأجل الموافاة للعلم الإلهي السابق و لا يستمر ذلك على مذاهبنا بل يجب أن ينصب موافاة على [ 5 ] المصدرية المحضة كأنه قال فوافى بالمعصية موافاة و طابق بها سابق العلم مطابقة . قوله فأهبطه بعد التوبة قد اختلف الناس في ذلك فقال قوم بل أهبطه قبل التوبة ثم تاب عليه و هو في الأرض و قال قوم تاب قبل الهبوط و هو قول أمير المؤمنين ع و يدل عليه قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوَّابُ اَلرَّحِيمُ قُلْنَا اِهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فأخبر عن أنه أهبطهم بعد تلقي الكلمات و التوبة و قال تعالى في موضع آخر وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ اَلْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا اَلشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ اَلشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلْخاسِرِينَ قالَ اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ . فبين أن اعترافهما بالمعصية و استغفارهما كانا قبل أمرهما بالهبوط و قال في موضع آخر وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ ثُمَّ اِجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏ قالَ اِهْبِطا مِنْها جَمِيعاً فجعل الإهباط بعد الاجتباء و التوبة و احتج الأولون بقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ اَلظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ قالوا فأخبر سبحانه عن أمره لهم بالهبوط عقيب إزلال الشيطان لهما ثم عقب الهبوط بفاء التعقيب في قوله فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فدل على أن التوبة بعد الهبوط . [ 6 ] و يمكن أن يجاب عن هذا فيقال إنه تعالى لم يقل فقلنا اهبطوا بالفاء بل قال وَ قُلْنَا اِهْبِطُوا بالواو و الواو لا تقتضي الترتيب و لو كان عوضها فاء لكانت صريحة في أن الإهباط كان عقيب الزلة فأما الواو فلا تدل على ذلك بل يجوز أن تكون التوبة قبل الإهباط و يخبر عن الإهباط بالواو قبل أن يخبر عن التوبة . قوله ع و ليقيم الحجة على عباده أي إذا كان أبوهم أخرج من الجنة بخطيئة واحدة فأخلق بها ألا يدخلها ذو خطايا جمة و هذا يؤكد مذهب أصحابنا في الوعيد . ثم أخبر ع أن البارئ سبحانه ما أخلى عباده بعد قبض آدم و توفيه مما يؤكد عليهم حجج الربوبية بل أرسل إليهم الرسل قرنا فقرنا بفتح القاف و هو أهل الزمان الواحد قال الشاعر إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم و خلفت في قرن فأنت غريب و تعاهدهم بالحجج أي جدد العهد عندهم بها و يروى بل تعهدهم بالتشديد و التعهد التحفظ بالشي‏ء تعهدت فلانا و تعهدت ضيعتي و هو أفصح من تعاهدت لأن التفاعل إنما يكون من شيئين و تقول فلان يتعهده صرع . قوله و بلغ المقطع عذره و نذره مقطع الشي‏ء حيث ينقطع و لا يبقى خلفه شي‏ء منه أي لم يزل يبعث الأنبياء واحدا بعد واحد حتى بعث محمدا ص فتمت به حجته على الخلق أجمعين و بلغ الأمر مقطعه أي لم يبق بعده رسول ينتظر [ 7 ] و انتهت عذر الله تعالى و نذره فعذره ما بين للمكلفين من الإعذار في عقوبته لهم إن عصوه و نذره ما أنذرهم به من الحوادث و من أنذرهم على لسانه من الرسل القول في عصمة الأنبياء و اعلم أن المتكلمين اختلفوا في عصمة الأنبياء و نحن نذكر هاهنا طرفا من حكاية المذاهب في هذه المسألة على سبيل الاقتصاص و نقل الآراء لا على سبيل الحجاج و نخص قصة آدم ع و الشجرة بنوع من النظر إذ كانت هذه القصة مذكورة في كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل فنقول اختلف الناس في المعصوم ما هو فقال قوم المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي و هؤلاء هم الأقلون أهل النظر و اختلفوا في عدم التمكن كيف هو فقال قوم منهم المعصوم هو المختص في نفسه أو بدنه أو فيهما بخاصية تقضي امتناع إقدامه على المعاصي . و قال قوم منهم بل المعصوم مساو في الخواص النفسية و البدنية لغير المعصوم و إنما العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية و هذا قول الأشعري نفسه و إن كان كثير من أصحابه قد خالفه فيه . و قال الأكثرون من أهل النظر بل المعصوم مختار متمكن من المعصية و الطاعة . و فسروا العصمة بتفسيرين أحدهما أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلف فتقتضي ألا يفعل المعصية اقتضاء [ 8 ] غير بالغ إلى حد الإيجاب و فسروا هذه الأمور فقالوا إنها أربعة أشياء أولها أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور داعية إلى العفة و ثانيها العلم بمثالب المعصية و مناقب الطاعة و ثالثها تأكيد ذلك العلم بالوحي و البيان من الله تعالى و رابعها أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان و السهو لم يترك مهملا بل يعاقب و ينبه و يضيق عليه العذر قالوا فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة لأن العفة إذا انضاف إليها العلم بما في الطاعة من السعادة و ما في المعصية من الشقاوة ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه و ترادفه و تظاهر البيان عنده و تمم ذلك خوفه من العتاب على القدر القليل حصل من اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة . و قال أصحابنا العصمة لطف يمتنع المكلف عند فعله من القبيح اختيارا و قد يكون ذلك اللطف خارجا عن الأمور الأربعة المعدودة مثل أن يعلم الله تعالى أنه إن أنشأ سحابا أو أهب ريحا أو حرك جسما فإن زيدا يمتنع عن قبيح مخصوص اختيارا فإنه تعالى يجب عليه فعل ذلك و يكون هذا اللطف عصمة لزيد و إن كان الإطلاق المشتهر في العصمة إنما هو لمجموع ألطاف يمتنع المكلف بها عن القبيح مدة زمان تكليفه . و ينبغي أن يقع الكلام بعد هذه المقدمة في ثلاثة فصول الفصل الأول في حال الأنبياء قبل البعثة و من الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد فالذي عليه أصحابنا المعتزلة رحمهم الله أنه يجب أن ينزه النبي قبل البعثة عما كان فيه تنفير عن الحق الذي يدعو إليه و عما فيه غضاضة و عيب . [ 9 ] فالأول نحو أن يكون كافرا أو فاسقا و ذلك لأنا نجد التائب العائد إلى الصلاح بعد أن عهد الناس منه السخف و المجون و الفسق لا يقع أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر عند الناس موقعهما ممن لم يعهدوه إلا على السداد و الصلاح . و الثاني نحو أن يكون حجاما أو حائكا أو محترفا بحرفه يقذرها الناس و يستخفون بصاحبها إلا أن يكون المبعوث إليهم على خلاف ما هو المعهود الآن بألا يكون من تعاطى ذلك مستهانا به عندهم . و وافق أصحابنا في هذا القوم جمهور المتكلمين . و قال قوم من الخوارج يجوز أن يبعث الله تعالى من كان كافرا قبل الرسالة و هو قول ابن فورك من الأشعرية لكنه زعم أن هذا الجائز لم يقع . و قال قوم من الحشوية قد كان محمد ص كافرا قبل البعثة و احتجوا بقوله تعالى وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى‏ و قال برغوث المتكلم و هو أحد النجارية لم يكن النبي ص مؤمنا بالله قبل أن يبعثه لأنه تعالى قال له ما كُنْتَ تَدْرِي مَا اَلْكِتابُ وَ لاَ اَلْإِيمانُ . و روي عن السدي في قوله تعالى وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ اَلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ قال وزره الشرك فإنه كان على دين قومه أربعين سنة . و قال بعض الكرامية في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم ص [ 10 ] قالَ أَسْلَمْتُ إنه أسلم يومئذ و لم يكن من قبل ذلك مسلما و مثل ذلك قال اليمان بن رباب متكلم الخوارج . و حكى كثير من أرباب المقالات عن شيخنا أبي الهذيل و أبي علي جواز أن يبعث الله تعالى من قد ارتكب كبيرة قبل البعثة و لم أجد في كتب أصحابنا حكاية هذا المذهب عن الشيخ أبي الهذيل و وجدته عن أبي علي ذكره أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية فقال منع أهل العدل كلهم من تجويز بعثة من كان فاسقا قبل النبوة إلا ما جرى في كلام الشيخ أبي علي رحمه الله تعالى من ثبوت فصل بين البعثة و قبلها فأجاز أن يكون قبل البعثة مرتكبا لكبيرة ثم يتوب فيبعثه الله تعالى حينئذ و هو مذهب محكي عن عبد الله بن العباس الرامهرمزي ثم قال الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى و الصحيح من قول أبي علي رحمه الله تعالى مثل ما نختاره من التسوية بين حال البعثة و قبلها في المنع من جواز ذلك . و قال قوم من الأشعرية و من أهل الظاهر و أرباب الحديث إن ذلك جائز واقع و استدلوا بأحوال إخوة يوسف و منع المانعون من ذلك من ثبوت نبوة إخوة يوسف ثم هؤلاء المجوزون منهم من جوز عليهم فعل الكبائر مطلقا و منهم من جوز ذلك على سبيل الندرة ثم يتوبون عنه و يشتهر حالهم بين الخلق بالصلاح فأما لو فرضنا إصرارهم على الكبائر بحيث يصيرون مشهورين بالفسق و المعاصي فإن ذلك لا يجوز لأنه يفوت الغرض من إرسالهم و نبوتهم على هذا التقدير . و قالت الإمامية لا يجوز أن يبعث الله تعالى نبيا قد وقع منه قبيح قبل النبوة [ 11 ] لا صغيرا و لا كبيرا لا عمدا و لا خطأ و لا على سبيل التأويل و الشبهة و هذا المذهب مما تفردوا به فإن أصحابنا و غيرهم من المانعين للكبائر قبل النبوة لم يمنعوا وقوع الصغائر منهم إذا لم تكن مسخفة منفرة . اطردت الإمامية هذا القول في الأئمة فجعلت حكمهم في ذلك حكم الأنبياء في وجوب العصمة المطلقة لهم قبل النبوة و بعدها الفصل الثاني في عصمة الأنبياء في زمن النبوة عن الذنوب في أفعالهم و تروكهم عدا ما يتعلق بتبليغ الوحي و الفتوى في الأحكام جوز قوم من الحشوية عليهم هذه الكبائر و هم أنبياء كالزنا و اللواط و غيرهما و فيهم من جوز ذلك بشرط الاستسرار دون الإعلان و فيهم من جوز ذلك على الأحوال كلها . و منع أصحابنا المعتزلة من وقوع الكبائر منهم ع أصلا و منعوا أيضا من وقوع الصغائر المسخفة منهم و جوزوا وقوع الصغائر التي ليست بمسخفه منهم ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي الإقدام على المعصية الصغيرة غير المسخفة عمدا و هو قول شيخنا أبي هاشم رحمه الله تعالى فإنه أجاز ذلك و قال إنه لا يقدم ع على ذلك إلا على خوف و وجل و لا يتجرأ على الله سبحانه . و منهم من منع من تعمد إتيان الصغيرة و قال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل و دخول الشبهة و هذا قول أبي علي رحمه الله تعالى . [ 12 ] و حكى عن أبي إسحاق النظام و جعفر بن مبشر أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو و النسيان و أنهم مؤاخذون بذلك و إن كان موضوعا عن أمتهم لأن معرفتهم أقوى و دلائلهم أكثر و أخطارهم أعظم و يتهيأ لهم من التحفظ ما لا يتهيأ لغيرهم . و قالت الإمامية لا تجوز عليهم الكبائر و لا الصغائر لا عمدا و لا خطأ و لا سهوا و لا على سبيل التأويل و الشبهة و كذلك قولهم في الأئمة و الخلاف بيننا و بينهم في الأنبياء يكاد يكون ساقطا لأن أصحابنا إنما يجوزون عليهم الصغائر لأنه لا عقاب عليها و إنما تقتضي نقصان الثواب المستحق على قاعدتهم في مسألة الإحباط فقد اعترف إذا أصحابنا بأنه لا يقع من الأنبياء ما يستحقون به ذما و لا عقابا و الإمامية إنما تنفي عن الأنبياء الصغائر و الكبائر من حيث كان كل شي‏ء منها يستحق فاعله به الذم و العقاب لأن الإحباط باطل عندهم فإذا كان استحقاق الذم و العقاب يجب أن ينفى عن الأنبياء وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب فقد صار الخلاف إذا متعلقا بمسألة الإحباط و صارت هذه المسألة فرعا من فروعها . و اعلم أن القول بجواز الصغائر على الأنبياء بالتأويل و الشبهة على ما ذهب إليه شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى إنما اقتضاه تفسيره لآيه آدم و الشجرة و تكلفه إخراجها عن تعمد آدم للعصيان فقال إن آدم نهي عن نوع تلك الشجرة لا عن عينها بقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ و أراد سبحانه نوعها المطلق فظن آدم أنه أراد خصوصية تلك الشجرة بعينها و قد كان أشير إليها فلم يأكل منها بعينها و لكنه أكل من شجرة أخرى من نوعها فأخطأ في التأويل و أصحاب شيخنا أبي هاشم لا يرضون هذا المذهب و يقولون إن الإشكال باق بحاله لأن آدم أخل بالنظر على [ 13 ] هذا القول في أن المنهي عنه هل هو عين الشجرة أو نوعها مع أنه قد كان مدلولا على ذلك لأنه لو لم يكن مدلولا على ذلك لكان تكليف الامتناع عن التناول تكليف ما لا يطاق و إذا دل على ذلك وجب عليه النظر و لا وجه يجب النظر لأجله إلا الخوف من تركه و إذا لم يكن بد من كونه خائفا فهو عالم إذا بوجوب هذا التأمل و النظر فإذا أخل به فقد وقعت منه المعصية مع علمه . و كما لا يرضى أصحاب شيخنا أبي هاشم هذا المذهب فكذلك لا يرتضون مذهب النظام و جعفر بن مبشر و ذلك لأن القول بأن الأنبياء يؤاخذون على ما يفعلونه سهوا متناقض لأن السهو يزيل التكليف و يخرج الفعل من كونه ذنبا مؤاخذا به و لهذا لا يصح مؤاخذة المجنون و النائم و السهو في كونه مؤثرا في رفع التكليف جار مجرى فقد القدر و الآلات و الأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء حال غيرهم في صحة تكليفهم مع السهو جاز أن يخالف حالهم حال غيرهم في صحة التكليف مع فقد القدر و الآلات و ذلك باطل . و اعلم أن الشريف المرتضى رحمه الله تعالى قد تكلم في كتابه المسمى بتنزيه الأنبياء و الأئمة على هذه الآية و انتصر لمذهب الإمامية فيها و حاول صرفها عن ظاهرها و تأول اللفظ بتأويل مستكره غير صحيح و أنا أحكي كلامه هاهنا و أتكلم عليه نصرة لأصحابنا و نصرة أيضا لأمير المؤمنين ع فإنه قد صرح في هذا الفصل بوقوع الذنب من آدم ع أ لا ترى إلى قوله و المخاطرة بمنزلته و هل تكون هذه اللفظة إلا في الذنب و كذلك سياقة الفصل من أوله إلى آخره إذا تأمله المنصف و اطرح الهوى و التعصب ثم إنا نذكر كلام السيد الشريف المرتضى رحمه الله تعالى قال رحمه الله تعالى [ 14 ] أما قوله تعالى وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فإن المعصية مخالفة للأمر و الأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب و بالندب معا فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة فيكون بمواقعتها تاركا فرضا و نفلا و غير فاعل قبيحا و ليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهر و لهذا يقولون أمرت فلانا بكذا و كذا من الخير فعصاني و خالفني و إن لم يكن ما أمر به واجبا . يقال له الكلام على هذا التأويل من وجوه أولها أن ألفاظ الشرع يجب أن تحمل على حقائقها اللغوية ما لم يكن لها حقائق شرعية فإذا كان لها حقائق شرعية وجب أن تحمل على عرف الشرع و اصطلاحه كالصلاة و الحج و النفاق و الكفر و نحو ذلك من الألفاظ الشرعية و هكذا قال السيد المرتضى رحمه الله تعالى في كتابه في أصول الفقه المعروف بالذريعة في باب كون الأمر للوجوب و هو الحق الذي لا مندوحة عنه و إذا كان لفظ العصيان في الاصطلاح الشرعي موضوعا لمخالفة الأمر الإيجابي لم يجز العدول عنه و حمله على مخالفة الندب . و معلوم أن لفظ العصيان في العرف الشرعي لا يطلق إلا على مخالفة الأمر المقتضي للوجوب فالقول بجواز حملها على مخالفة الأمر الندبي قول تبطله و تدفعه تلك القاعدة المقررة التي ثبتت بالاتفاق و بالدليل على أننا قبل أن نجيب بهذا الوجه نمنع أصلا أنه يجوز أن يقال لتارك النفل إنه عاص لا في أصل اللغة و لا في العرف و لا في الشرع و ذلك لأن حقيقة النفل هو ما يقال فيه للمكلف الأولى أن تفعل هذا و لك ألا تفعله و معلوم أن [ 15 ] تارك مثل ذلك لا يطلق عليه أنه عاص و يبين ذلك أن لفظ العصيان في اللغة موضوع للامتناع و لذلك سميت العصا عصا لأنه يمتنع بها و منه قولهم قد شق العصا أي خرج عن الربقة المانعة من الاختلاف و التفرق و تارك الندب لا يمتنع من أمر لأن الأمر الندبي لا يقتضي شيئا اقتضاء اللزوم بل معناه إن فعلت فهو أولى و يجوز ألا تفعل فأي امتناع حدث إذا خولف أمر الندب سمي المخالف له عاصيا و يبين ذلك أيضا أن لفظ عاص اسم ذم فلا يجوز إطلاقه على تارك الندب كما لا يسمى فاسقا و إن كان الفسق في أصل اللغة للخروج . ثم يسأل المرتضى رحمه الله تعالى عما سأل عنه نفسه فيقال له كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية أ و ليس هذا يوجب أن يوصف الأنبياء بأنهم عصاة في كل حال و أنهم لا ينفكون عن المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب . و قد أجاب رحمه الله تعالى عن هذا فقال وصف تارك الندب بأنه عاص توسع و تجوز و المجاز لا يقاس عليه و لا يعدي عن موضعه و لو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح و تارك الأولى و الأفضل لم يجز إطلاقه في الأنبياء إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في فاعل القبائح فإطلاقه عن التقييد موهم . لكنا نقول إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبيح فلا يجوز ذلك و إن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه لاستحقوا الثواب و لكان أولى فهم كذلك . كذلك يقال له ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب أصول الفقه لأن من قال إذا ترك زيد الندب فإنه يسمى عاصيا يلزمه أن يقول إن عمرا إذا ترك الندب يسمى عاصيا و ليس هذا قياسا كما أن من قال لزيد البليد هذا [ 16 ] حمار قال لعمرو البليد هذا حمار و القياس على المجاز الذي اختلف الأصوليون في جوازه خارج عن هذا الموضع . و مثال المسألة الأصولية المختلف فيها وَ اِخْفِضْ لَهُما جَناحَ اَلذُّلِّ هل يجوز أن يقال طأطئ لهما عنق الذل . و أما قوله لو سلمنا أنه حقيقة في تارك الندب لم يجز إطلاقه في حق الأنبياء لأنه يوهم العصيان بل يجب أن يقيد . فيقال له لكن البارئ سبحانه أطلقه و لم يقيده في قوله وَ عَصى‏ آدَمُ فيلزمك أن يكون تعالى موهما و فاعلا للقبيح لأن إيهام القبيح قبيح . فإن قال الدلالة العقلية على استحالة المعاصي على الأنبياء تؤمن من الإيهام . قيل له و تلك الدلالة بعينها تؤمن من الإيهام في قول القائل الأنبياء عصاة فهلا أجزت إطلاق ذلك . و ثانيها أنه تعالى قال فَغَوى‏ و الغي الضلال . قال المرتضى رحمه الله تعالى معنى غوى هاهنا خاب لأنه نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم فإذا خالف الأمر و لم يصر إلى ما ندب إليه فقد خاب لا محالة من حيث لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحقه بالامتناع و لا شبهه في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة قال الشاعر فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره و من يغو لا يعدم على الغي لائما [ 17 ] يقال له أ لست القائل في مصنفاتك الكلامية إن المندوبات إنما ندب إليها لأنها كالمسهلات و الميسرات لفعل الواجبات العقلية و أنها ليست ألطافا في واجب عقلي و أن ثوابها يسير جدا بالإضافة إلى ثواب الواجب فإذا كان آدم ع ما أخل بشي‏ء من الواجبات و لا فعل شيئا من المقبحات فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحقر ثواب المندوب بالإضافة إليه و مثل هذا لا يقال فيه لمن ترك المندوب إنه قد خاب أ لا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال و ترك بعد ذلك درهما واحدا كان يمكنه اكتسابه فلم يكتسبه لا يقال إنه خاب . و ثالثها أن ظاهر القرآن يخالف ما ذكره لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله وَ لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ اَلظَّالِمِينَ و قوله أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا اَلشَّجَرَةِ و هذا يوجب أنه قد عصى بأن فعل منهيا عنه و الشريف المرتضى رحمه الله تعالى يقول إنه عصى بأن ترك مأمورا به . قال المرتضى رحمه الله تعالى مجيبا عن هذا إن الأمر و النهي ليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال و اشتراك و قد يؤمر عندنا بلفظ النهي و ينهى بلفظ الأمر و إنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه فإذا قال تعالى لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ و لم يكره قربهما لم يكن في الحقيقة ناهيا كما أنه تعالى لما قال اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا و لم يرد ذلك لم يكن أمرا به و إذا كان قد صحب قوله لا تَقْرَبا هذِهِ اَلشَّجَرَةَ إرادة ترك التناول وجب أن يكون هذا القول أمرا و إنما سماه منهيا و سمى [ 18 ] أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي لأن في النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل و تزهيدا في الفعل نفسه و لما كان الأمر ترغيبا من فعل المأمور و تزهيدا في تركه جاز أن يسمى نهيا . و قد يتداخل هذان الوضعان في الشاهد فيقول أحدنا قد أمرت فلانا بألا يلقى الأمير و إنما يريد أنه نهاه عن لقائه و يقول نهيتك عن هجر زيد و إنما معناه أمرتك بمواصلته . يقال له هذا خلاف الظاهر فلا يجوز المصير إليه إلا بدلالة قاطعة تصرف اللفظ عن ظاهره و يكفي أصحاب أبي هاشم في نصرة قولهم التمسك بالظاهر . و اعلم أن بعض أصحابنا تأول هذه الآية و قال إن ذلك وقع من آدم ع قبل نبوته لأنه لو كان نبيا قبل إخراجه من الجنة لكان إما أن يكون مرسلا إلى نفسه و هو باطل أو إلى حواء و قد كان الخطاب يأتيها بغير واسطة لقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا أو إلى الملائكة و هذا باطل لأن الملائكة رسل الله بدليل قوله جاعِلِ اَلْمَلائِكَةِ رُسُلاً و الرسول لا يحتاج إلى رسول آخر أو يكون رسولا و ليس هناك من يرسل إليه و هذا محال فثبت أن هذه الواقعة وقعت له ع قبل نبوته و إرساله الفصل الثالث في خطئهم في التبليغ و الفتاوي قال أصحابنا إن الأنبياء معصومون من كل خطإ يتعلق بالأداء و التبليغ فلا يجوز [ 19 ] عليهم الكذب و لا التغيير و لا التبديل و لا الكتمان و لا تأخر البيان عن وقت الحاجة و لا الغلط فيما يؤدونه عن الله تعالى و لا السهو فيه و لا الإلغاز و لا التعمية لأن كل ذلك إما أن ينقض دلالة المعجز على صدقه أو يؤدى إلى تكليف ما لا يطاق . و قال قوم من الكرامية و الحشوية يجوز عليهم الخطأ في أقوالهم كما جاز في أفعالهم قالوا و قد أخطأ رسول الله ص في التبليغ حيث قال تلك الغرانيق العلا و إن شفاعتهن لترتجى و قال قوم منهم يجوز الغلط على الأنبياء فيما لم تكن الحجة فيه مجرد خبرهم لأنه لا يكون في ذلك إبطال حجة الله على خلقه كما وقع من النبي ص في هذه الصورة فإن قوله ذلك ليس بمبطل لحجة العقل في أن الأصنام لا يجوز تعظيمها و لا ترجى شفاعتها فأما ما كان السبيل إليه مجرد السمع فلو أمكن الغلط فيه لبطلت الحجة بإخبارهم . و قال قوم منهم إن الأنبياء يجوز أن يخطئوا في أقوالهم و أفعالهم إذا لم تجر تلك الأفعال مجرى بيان الوحي كبيانه ع لنا الشريعة و لا يجوز عليه الخطأ في حال البيان و إن كان يجوز عليه ذلك في غير حال البيان كما روي من خبر ذي اليدين حين سها النبي ص في الصلاة و كذلك ما يكون منه من تبليغ وحي فإنه لا يجوز عليه أن يخطئ فيه لأنه حجة الله على عباده فأما في أقواله الخارجة عن التبليغ فيجوز [ 20 ] أن يخطئ كما روي عنه ص في نهيه لأهل المدينة عن تأبير النخل . فأما أصحابنا المعتزلة فإنهم اختلفوا في الخبر المروي عنه ع في سورة النجم فمنهم من دفع الخبر أصلا و لم يقبله و طعن في رواته و منهم من اعترف بكونه قرآنا منزلا و هم فريقان أحدهما القائلون بأنه كان وصفا للملائكة فلما ظن المشركون أنه وصف آلهتهم رفع و نهي عن تلاوته و ثانيهما القائلون إنه خارج على وجه الاستفهام بمعنى الإنكار فتوهم سامعوه أنه بمعنى التحقيق فنسخه الله تعالى و نهى عن تلاوته . و منهم من قال ليس بقرآن منزل بل هو كلام تكلم به رسول الله ص من قبل نفسه على طريق الإنكار و الهزء بقريش فظنوا أنه يريد التحقيق فنسخه الله بأن بين خطأ ظنهم و هذا معنى قوله وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اَللَّهُ ما يُلْقِي اَلشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اَللَّهُ آياتِهِ قالوا فإلقاء الشيطان هاهنا هو إلقاء الشبهة في قلوب المشركين و إنما أضافه إلى أمنيته و هي تلاوته القرآن لأن بغرور الشيطان و وسوسته أضاف المشركون إلى تلاوته ع ما لم يرده بها . و أنكر أصحابنا الأخبار الواردة التي تقتضي الطعن علي الرسول ص قالوا و كيف يجوز أن تصدق هذه الأخبار الآحاد على من قد قال الله تعالى له كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ و قال له سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ و قال عنه وَ لَوْ تَقَوَّلَ [ 21 ] عَلَيْنا بَعْضَ اَلْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ اَلْوَتِينَ و أما خبر ذي اليدين و خبر تأبير النخل فقد تكلمنا عليهما في كتبنا المصنفة في أصول الفقه : وَ قَدَّرَ اَلْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا وَ قَسَّمَهَا عَلَى اَلضِّيقِ وَ اَلسَّعَةِ فَعَدَّلَ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ اَلشُّكْرَ وَ اَلصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَ فَقِيرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا وَ بِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا وَ خَلَقَ اَلآْجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا الضيق و الضيق لغتان فأما المصدر من ضاق فالضيق بالكسر لا غير و عدل فيها من التعديل و هو التقويم و روي فعدل بالتخفيف من العدل نقيض الظلم . و الميسور و المعسور مصدران و قال سيبويه هما صفتان و لا يجي‏ء عنده المصدر على وزن مفعول البتة و يتأول قولهم دعه إلى ميسوره و يقول كأنه قال دعه إلى أمر يوسر فيه و كذلك يتأول المعقول أيضا فيقول كأنه عقل له شي‏ء أي حبس و أيد و سدد . و معنى قوله ع ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها هو معنى قول النبي ص إن إعطاء هذا المال فتنة و إمساكه فتنة . [ 22 ] و العقابيل في الأصل الحلأ و هو قروح صغار تخرج بالشفة من بقايا المرض و الفاقة الفقر . و طوارق الآفات متجددات المصائب و أصل الطروق ما يأتي ليلا . و الأتراح الغموم الواحد ترح و ترحه تتريحا أي حزنه . و خالجا جاذبا و الخلج الجذب خلجه يخلجه بالكسر و اختلجه و منه الخليج الحبل لأنه يجتذب به و سمى خليج البحر خليجا لأنه يجذب من معظم البحر . و الأشطان الجبال واحدها شطن و شطنت الفرس أشطنه إذا شددته بالشطن . و القرائن الحبال جمع قرن و هو من شواذ الجموع قال الشاعر أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أن لدى الباب كالمشدود في قرن و مرائر القرائن جمع مرير و هو ما لطف و طال منها و اشتد فتله و هذا الكلام من باب الاستعارة : عَالِمُ اَلسِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ اَلْمُضْمِرِينَ وَ نَجْوَى اَلْمُتَخَافِتِينَ وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ اَلظُّنُونِ وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ اَلْيَقِينِ وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ اَلْجُفُونِ وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ اَلْقُلُوبِ وَ غَيَابَاتُ اَلْغُيُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ لاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ اَلْأَسْمَاعِ وَ مَصَايِفِ اَلذَّرِّ وَ مَشَاتِي اَلْهَوَامِّ وَ رَجْعِ اَلْحَنِينِ مِنَ اَلْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ اَلْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ اَلثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ اَلْأَكْمَامِ وَ مُنْقَمَعِ اَلْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ اَلْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ اَلْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ [ 23 ] اَلْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا وَ مَغْرِزِ اَلْأَوْرَاقِ مِنَ اَلْأَفْنَانِ وَ مَحَطِّ اَلْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ اَلْأَصْلاَبِ وَ نَاشِئَةِ اَلْغُيُومِ وَ مُتَلاَحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ اَلسَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا وَ مَا تَسْفِي اَلْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا وَ تَعْفُو اَلْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا وَ عَوْمِ بَنَاتِ اَلْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ اَلرِّمَالِ وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ اَلْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ اَلْجِبَالِ وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ اَلْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ اَلْأَوْكَارِ وَ مَا أَوْعَبَتْهُ اَلْأَصْدَافُ وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ اَلْبِحَارِ وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَ مَا اِعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ اَلدَّيَاجِيرِ وَ سُبُحَاتُ اَلنُّورِ وَ أَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَ تَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلاَلَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَ لاَ اِعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا اِبْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَ لاَ اِعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ اَلْأُمُورِ وَ تَدَابِيرِ اَلْمَخْلُوقِينَ مَلاَلَةٌ وَ لاَ فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ لو سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله علي بن العباس بن جريج لإسماعيل بن بلبل قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا و لكن لعمري منه شيبان و كم أب قد علا بابن ذرا شرف كما علا برسول الله عدنان إذ كان يفخر به على عدنان و قحطان بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن [ 24 ] و يقول له إنه لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط بل لو سمع هذا الكلام أرسطوطاليس القائل بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات لخشع قلبه و قف شعره و اضطرب فكره أ لا ترى ما عليه من الرواء و المهابة و العظمة و الفخامة و المتانة و الجزالة مع ما قد أشرب من الحلاوة و الطلاوة و اللطف و السلاسة لا أرى كلاما يشبه هذا إلا أن يكون كلام الخالق سبحانه فإن هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة و جدول من ذلك البحر و جذوة من تلك النار و كأنه شرح قوله تعالى وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ اَلْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ اَلْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ . ثم نعود إلى التفسير فنقول النجوى المسارة تقول انتجى القوم و تناجوا أي تساروا و انتجيت زيدا إذا خصصته بمناجاتك و منه الحديث أنه ص أطال النجوى مع علي ع فقال قوم لقد أطال اليوم نجوى ابن عمه فبلغه ذلك فقال إني ما انتجيته و لكن الله انتجاه و يقال للسر نفسه النجو يقال نجوته نجوا أي ساررته و كذلك ناجيته مناجاة و سمي ذلك الأمر المخصوص نجوى لأنه يستسر به فأما قوله تعالى وَ إِذْ هُمْ نَجْوى‏ فجعلهم هم النجوى و إنما النجوى فعلهم فإنما هو كقولك قوم رضا و إنما الرضا فعلهم و يقال للذي تساره النجي على فعيل و جمعه أنجيه قال الشاعر [ 25 ] إني إذا ما القوم كانوا أنجيه و قد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى خَلَصُوا نَجِيًّا و قال الفراء قد يكون النجي و النجوى اسما و مصدرا . و المتخافتين الذين يسرون المنطق و هي المخافتة و التخافت و الخفت قال الشاعر أخاطب جهرا إذ لهن تخافت و شتان بين الجهر و المنطق الخفت و رجم الظنون القول بالظن قال سبحانه رَجْماً بِالْغَيْبِ و منه الحديث المرجم بالتشديد و هو الذي لا يدرى أ حق هو أم باطل و يقال صار رجما أي لا يوقف على حقيقة أمره . و عقد عزيمات اليقين العزائم التي يعقد القلب عليها و تطمئن النفس إليها . و مسارق إيماض الجفون ما تسترقه الأبصار حين تومض يقال أومض البصر و البرق إيماضا إذا لمع لمعا خفيفا و يجوز ومض بغير همز يمض ومضا و وميضا و ومضانا و أكنان القلوب غلفها و الكن الستر و الجمع أكنان قال تعالى جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلْجِبالِ أَكْناناً و يروى أكنة القلوب و هي الأغطية أيضا قال تعالى وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً و الواحد كنان قال عمر بن أبي ربيعة [ 26 ] تحت عين كناننا ظل برد مرحل و يعني بالذي ضمنته أكنان القلوب الضمائر . و غيابات الغيوب جمع غيابة و هي قعر البئر في الأصل ثم نقلت إلى كل غامض خفي مثل غيابة و قد روي غبابات بالباء . و أصغت تسمعت و مالت نحوه و لاستراقه لاستماعه في خفيه قال تعالى إِلاَّ مَنِ اِسْتَرَقَ اَلسَّمْعَ . و مصائخ الأسماع خروقها التي يصيخ بها أي يتسمع . و مصايف الذر المواضع التي يصيف الذر فيها أي يقيم الصيف يقال صاف بالمكان و اصطاف بمعنى و الموضع مصيف و مصطاف . و الذر جمع ذرة و هي أصغر النمل . و مشاتي الهوام المواضع التي تشتو الهوام بها يقال شتوت بموضع كذا و تشتيت أي أقمت به الشتاء . و الهوام جمع هامة و لا يقع هذا الاسم إلا على المخوف من الأحناش . [ 27 ] و رجع الحنين ترجيعه و ترديده و المولهات النوق و النساء اللواتي حيل بينهن و بين أولادهن . و همس الأقدام صوت وطئها خفيا جدا قال تعالى فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً و منه قول الراجز . فهن يمشين بنا هميسا و الأسد الهموس الخفي الوطء . و منفسح الثمرة أي موضع سعتها من الأكمام و قد روي متفسخ بالخاء المعجمة و تشديد السين و بتاء بعد الميم مصدرا من تفسخت الثمرة إذا انقطعت . و الولائج المواضع الساترة و الواحدة وليجة و هو كالكهف يستتر فيه المارة من مطر أو غيره و يقال أيضا في جمعه ولج و أولاج . و متقمع الوحوش موضع تقمعها و استتارها و سمي قمعة بن إلياس بن مضر بذلك لأنه انقمع في بيته كما زعموا . و غيران الجبال جمع غار و هو كالكهف في الجبل و المغار مثل الغار و المغارة مثله . و مختبأ البعوض موضع اختبائها و استتارها و سوق الأشجار جمع ساق و ألحيتها جمع لحاء و هو القشر . و مغرز الأوراق موضع غرزها فيها . [ 28 ] و الأفنان جمع فنن و هو الغصن و الأمشاج ماء الرجل يختلط بماء المرأة و دمها جمع مشيج كيتيم و أيتام و محطها إما مصدر أو مكان . و مسارب الأصلاب المواضع التي يتسرب المني فيها من الصلب أي يسيل . و ناشئة الغيوم أول ما ينشأ منها و هو النشي‏ء أيضا و ناشئة الليل في قوله تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اَللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أول ساعاته و يقال هي ما ينشأ في الليل من الطاعات و متلاحمها ما يلتصق منها بعضها ببعض و يلتحم . و درور قطر السحائب مصدر من در يدر أي سال و ناقة درور أي كثيرة اللبن و سحاب درور أي كثير المطر و يقال إن لهذا السحاب لدرة أي صبا و الجمع درور و متراكمها المجتمع المتكاثف منها ركمت الشي‏ء أركمه بالضم جمعته و ألقيت بعضه على بعض و رمل ركام و سحاب ركام أي مجتمع . و الأعاصير جمع إعصار و هي ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء كالعمود و قال تعالى فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ . و تسفي من سفت الريح التراب سفيا إذا أذرته فهو سفي و ذيولها هاهنا يريد به أطرافها و ما لاحف الأرض منها . و ما تعفو الأمطار أي ما تدرس عفت الريح المنزل أي درسته و عفا المنزل نفسه يعفو درس يتعدى و لا يتعدى . و بنات الأرض الهوام و الحشرات التي تكون في الرمال و عومها فيها سباحتها و يقال لسير السفينة و سير الإبل أيضا عوم عمت في الماء بضم أوله أعوم . [ 29 ] و كثبان الرمال جمع كثيب و هو ما انصب من الرمل و اجتمع في مكان واحد فصار تلا و كثبت الشي‏ء أكثبه كثبا إذا جمعته و انكثب الرمل اجتمع . و شناخيب الجبال رءوسها واحدها شنخوب و ذراها أعاليها جمع ذروة و ذروة بالكسر و الضم . و التغريد التطريب بالغناء و التغرد مثله و كذلك الغرد بفتحهما و يقال غرد الطائر فهو غرد إذا طرب بصوته . و ذوات المنطق هاهنا الأطيار و سمي صوتها منطقا و إن كان لا يطلق إلا على ألفاظ البشر مجازا . و دياجير جمع ديجور و هو الظلام و الأوكار جمع وكر و هو عش الطائر و يجمع أيضا على وكور و وكر الطائر يكر وكرا أي دخل وكره . و قوله و ما أوعبته الأصداف أي من اللؤلؤ و حضنت عليه أمواج البحار أي ما ضمته كما تحضن الأنثى من الطير بيضها و هو ما يكون في لجة إما من سمك أو خشب أو ما يحمله البحر من العنبر كالجماجم بين الأمواج و غير ذلك . و سدفة الليل ظلمته و جاء بالفتح و قيل السدفة اختلاط الضوء و الظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار . و غشيته غطته و ذر عليه شارق نهار أي ما طلعت عليه الشمس و ذرت الشمس تذر بالضم ذرورا طلعت و ذر البقل إذا طلع من الأرض . و شرقت الشمس طلعت و أشرقت بالهمزة إذا أضاءت و صفت . و اعتقبت تعاقبت و أطباق الدياجير أطباق الظلم و أطباقها جمع طبقة أي [ 30 ] أغطيتها أطبقت الشي‏ء أي غطيته و جعلته مطبقا و قد تطبق هو و منه قولهم لو تطبقت السماء على الأرض لما فعلت كذا و سبحات النور عطف على أطباق الدياجير أي يعلم سبحانه ما تعاقب عليه الظلام و الضياء و سبحات هاهنا ليس يعني به ما يعنى بقوله سبحان وجه ربنا لأنه هناك بمعنى ما يسبح عليه النور أي يجرى من سبح الفرس و هو جريه و يقال فرس سابح . و الخطوة ما بين القدمين بالضم و خطوت خطوة بالفتح لأنه المصدر . و رجع كل كلمة ما ترجع به من الكلام إلى نفسك و تردده في فكرك . و النسمة الإنسان نفسه و جمعها نسم و مثقال كل ذرة أي وزن كل ذرة و مما يخطئ فيه العامة قولهم للدينار مثقال و إنما المثقال وزن كل شي‏ء قال تعالى إِنَّ اَللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ . و هماهم كل نفس هامة الهماهم جمع همهمة و هي ترديد الصوت في الصدر و حمار همهيم يهمهم في صوته و همهمت المرأة في رأس الصبي و ذلك إذا نومته بصوت ترققه له و النفس الهامة ذات الهمة التي تعزم على الأمر . قوله و ما عليها أي ما على الأرض فجاء بالضمير و لم يسبق ذكر صاحبه اعتمادا على فهم المخاطب كما قال تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ . و قرارة النطفة ما يستقر فيه الماء من الأماكن قال الشاعر و أنتم قرارة كل معدن سوءة و لكل سائلة تسيل قرار و النطفة الماء نفسه و منه قوله ع في الخوارج إن مصارعهم النطفة أي لا يعبرون النهر و يجوز أن يريد بالنطفة المني و يقويه ما ذكره بعده من المضغة . [ 31 ] و النقاعة نقرة يجتمع فيها الدم و مثله أنقوعة و يقال لوقبة الثريد أنقوعة . و المضغة قطعة اللحم و السلالة في الأصل ما استل من الشي‏ء و سميت النطفة سلالة الإنسان لأنها استلت منه و كذلك الولد . و الكلفة المشقة و اعتورته مثل عرته و نفذهم علمه تشبيه بنفوذ السهم و عدي الفعل بنفسه و إن كان معدى في الأصل بحرف الجر كقولك اخترت الرجال زيدا أي من الرجال كأنه جعل علمه تعالى خارقا لهم و نافذا فيهم و يروى و أحصاهم عده بالتضعيف : اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ اَلْوَصْفِ اَلْجَمِيلِ وَ اَلتَّعْدَادِ اَلْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوٍّ اَللَّهُمَّ فَقَدْ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَ لاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ اَلْخَيْبَةِ وَ مَوَاضِعِ اَلرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ اَلآْدَمِيِّينَ وَ اَلثَّنَاءِ عَلَى اَلْمَرْبُوبِينَ اَلْمَخْلُوقِينَ اَللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ اَلرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ اَلْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ اَلْمَحَامِدِ وَ اَلْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ وَ لاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا اَلْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ اَلْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ [ 32 ] التعداد مصدر و خير خبر مبتدإ محذوف تقديره فأنت خير مأمول . و معنى قوله قد بسطت لي أي قد آتيتني لسنا و فصاحة و سعة منطق فلا أمدح غيرك و لا أحمد سواك . و يعني بمعادن الخيبة البشر لأن مادحهم و مؤملهم يخيب في الأكثر و جعلهم مواضع الريبة لأنهم لا يوثق بهم في حال . و معنى قوله ع و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة و كنوز المغفرة أنه راج منه أن يدله على الأعمال التي ترضيه سبحانه و يستوجب بها منه الرحمة و المغفرة و كأنه جعل تلك الأعمال التي يرجو أن يدل عليها ذخائر للرحمة و كنوزا . و الفاقة الفقر و كذلك المسكنة . و ينعش بالفتح يرفع و الماضي نعش و منه النعش لارتفاعه و المن العطاء و النعمة و المنان من أسماء الله سبحانه