جستجو

و من خطبة له ع و هي في بيان صفات المتقين و صفات الفساق و التنبيه إلى مكان العترة الطيبة و الظن الخاطئ لبعض الناس

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 363 ] 86 و من خطبة له ع عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اَللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اَللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ اَلْحُزْنَ وَ تَجَلْبَبَ اَلْخَوْفَ فَزَهَر مِصْبَاحُ اَلْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَ أَعَدَّ اَلْقِرَى لِيَوْمِهِ اَلنَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ اَلْبَعِيدَ وَ هَوَّنَ اَلشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ [ فَأَقْصَرَ ] وَ ذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَ اِرْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلاً وَ سَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ اَلشَّهَوَاتِ وَ تَخَلَّى عَنِ اَلْهُمُومِ إِلاَّ هَمّاً وَاحِداً اِنْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ اَلْعَمَى وَ مُشَارَكَةِ أَهْلِ اَلْهَوَى وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ اَلْهُدَى وَ مَغَالِيقِ أَبْوَابِ اَلرَّدَى قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ وَ عَرَفَ مَنَارَهُ وَ قَطَعَ غِمَارَهُ وَ اِسْتَمْسَكَ مِنَ اَلْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَ مِنَ اَلْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ اَلْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ اَلْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَ تَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ [ غَشَوَاتٍ ] مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ دَفَّاعِ مُعْضِلاَتٍ دَلِيلُ فَلَوَاتٍ يَقُولُ فَيُفْهِمُ وَ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ [ 364 ] نَفْسَهُ اَلْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلُ عَدْلِهِ نَفْيُ اَلْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ اَلْحَقَّ وَ يَعْمَلُ بِهِ لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا وَ لاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ اَلْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ وَ يَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ استشعر الحزن جعله كالشعار و هو ما يلي الجسد من الثياب و تجلبب الخوف جعله جلبابا أي ثوبا . زهر مصباح الهدى أضاء و أعد القرى ليومه أي أعد ما قدمه من الطاعات قرى لضيف الموت النازل به و الفرات العذب . و قوله فشرب نهلا يجوز أن يكون أراد بقوله نهلا المصدر من نهل ينهل نهلا أي شرب حتى روي و يجوز أن يريد بالنهل الشرب الأول خاصة و يريد أنه اكتفى بما شربه أولا فلم يحتج إلى العلل . و طريق جدد لا عثار فيه لقوة أرضه و قطع غماره يقال بحر غمر أي كثير الماء و بحار غمار و استمسك من العرى بأوثقها أي من العقود الوثيقة قال تعالى فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقى‏ . و نصب نفسه لله أي أقامها . كشاف عشوات جمع عشوة و عشوة و عشوة بالحركات الثلاث و هي الأمر الملتبس يقال أوطأني عشوة . [ 365 ] و المعضلات جمع معضلة و هي الشدائد و الأمور التي لا يهتدي لوجهها . دليل فلوات أي يهتدى به كما يهتدي الركب في الفلاة بدليلهم . أمها قصدها و مظنة الشي‏ء حيث يظن وجوده و الثقل متاع المسافر و حشمه فصل في العباد و الزهاد و العارفين و أحوالهم و اعلم أن هذا الكلام منه أخذ أصحاب علم الطريقة و الحقيقة علمهم و هو تصريح بحال العارف و مكانته من الله تعالى . و العرفان درجة حال رفيعة شريفة جدا مناسبة للنبوة و يختص الله تعالى بها من يقربه إليه من خلقه . و الأولياء على طبقات ثلاث الطبقة الأولى حال العابد و هو صاحب الصلاة الكثيرة و الصوم الدائم و الحج و الصدقة . و الطبقة الثانية حال الزاهد و هو المعرض عن ملاذ الدنيا و طيباتها تقنعه الكسرة و تستره الخرقة لا مال و لا زوجة و لا ولد . و الطبقة الثالثة حال العارف و هو الواصل إلى الله سبحانه بنفسه لا ببدنه و البارئ سبحانه متمثل في نفسه تمثل المعشوق في ذات العاشق و هو أرفع الطبقات و بعده الزاهد . و أما العابد فهو أدونها و ذلك لأن العابد معامل كالتاجر يعبد ليثاب و يتعب نفسه ليرتاح فهو يعطي من نفسه شيئا و يطلب ثمنه و عوضه و قد يكون العابد غنيا موسرا كثير المال و الولد فليست حاله من أحوال الكمال . و أما الزاهد فإنه احتقر الدنيا و عروضها و قيناتها فخلصت نفسه من دناءة المطامع [ 366 ] و صار عزيزا ملكا لا سلطان عليه لنفسه و لا لغيره فاستراح من الذل و الهوان و لم يبق لنفسه شي‏ء تشتاق إليه بعد الموت فكان أقرب إلى السلامة و النجاة من العابد الغني الموسر . و أما العارف فإنه بالحال التي وصفناها و يستلزم مع وجودها أن يكون زاهدا لأنه لا يتصور العرفان مع تعلق النفس بملاذ الدنيا و شهواتها نعم قد يحصل بعض العرفان لبعض العلماء الفضلاء مع تعلقهم بشهوات الدنيا و لكنهم لا يكونون كاملين في أحوالهم و إنما تحصل الحالة الكاملة لمن رفض الدنيا و تخلى عنها و تستلزم الحالة المذكورة أيضا أن يكون عابدا عبادة ما و ليس يشترط في حصول حال العرفان أن يكون على قدم عظيمة من العبادة بل الإكثار من العبادة حجاب كما قيل و لكن لا بد من القيام بالفرائض و شي‏ء يسير من النوافل . و اعلم أن العارف هو العارف بالله تعالى و صفاته و ملائكته و رسله و كتبه و بالحكمة المودعة في نظام العالم لا سيما الأفلاك و الكواكب و تركيب طبقات العناصر و الأحكام و في تركيب الأبدان الإنسانية . فمن حصل له ذلك فهو العارف و إن لم يحصل له ذلك فهو ناقص العرفان و إن انضم إلى ذلك استشعاره جلال الله تعالى و عظمته و رياضة النفس و المجاهدة و الصبر و الرضا و التوكل فقد ارتفع طبقة أخرى فإن حصل له بعد ذلك الحب و الوجد فقد ارتفع طبقة أخرى فإن حصل له بعد ذلك الإعراض عن كل شي‏ء سوى الله و أن يصير مسلوبا عن الموجودات كلها فلا يشعر إلا بنفسه و بالله تعالى فقد ارتفع طبقة أخرى و هي أرفع طبقات . [ 367 ] و هناك طبقة أخرى يذكرونها و هي أن يسلب عن نفسه أيضا فلا يكون له شعور بها أصلا و إنما يكون شاعرا بالقيوم الأول سبحانه لا غير و هذه درجة الاتحاد بأن تصير الذاتان ذاتا واحدة . و هذا قول قوم من الأوائل و من المتأخرين أيضا و هو مقام صعب لا تثبت العقول لتصوره و اكتناهه . و اعلم أن هذه الصفات و الشروط و النعوت التي ذكرها في شرح حال العارف إنما يعني بها نفسه ع و هو من الكلام الذي له ظاهر و باطن فظاهره أن يشرح حال العارف المطلق و باطنه أن يشرح حال عارف معين و هو نفسه ع و سيأتي في آخر الخطبة ما يدل على ذلك . و نحن نذكر الصفات التي أشار ع إليها واحدة واحدة فأولها أن يكون عبدا أعانه الله على نفسه و معنى ذلك أن يخصه بألطاف يختار عندها الحسن و يتجنب القبيح فكأنه أقام النفس في مقام العدو و أقام الألطاف مقام المعونة التي يمده الله سبحانه بها فيكسر عادية العدو المذكور و بهذا الاعتبار سمي قوم من المتكلمين اللطف عونا . و ثانيها أن يستشعر الحزن أي يحزن على الأيام الماضية إن لم يكن اكتسب فيها من موجبات الاختصاص أضعاف ما اكتسبه . و ثالثها أن يتجلبب الخوف أي يخاف من الإعراض عنه بأن يصدر عنه ما يمحوه من جريدة المخلصين . و رابعها أن يعد القرى لضعيف المنية و ذلك بإقامة وظائف العبادة . [ 368 ] و خامسها أن يقرب على نفسه البعيد و ذلك بأن يمثل الموت بين عينيه صباحا و مساء و ألا يطيل الأمل . و سادسها أن يهون عليه الشدائد و ذلك باحتمال كلف المجاهدة و رياضة النفس على عمل المشاق . و سابعها أن يكون قد نظر فأبصر و ذلك بترتيب المقدمات المطابقة لمتعلقاتها ترتيبا صحيحا لتنتج العلم اليقيني . و ثامنها أن يذكر الله تعالى فيستكثر من ذكره لأن ذكره سبحانه و الإكثار منه يقتضي سكون النفس و طمأنينتها كما قال تعالى أَلا بِذِكْرِ اَللَّهِ تَطْمَئِنُّ اَلْقُلُوبُ . و تاسعها أن يرتوي من حب الله تعالى و هو العذب الفرات الذي سهل موارده على من انتخبه الله و جعله أهلا للوصول إليه فشرب منه و نهل و سلك طريقا لا عثار فيه و لا وعث . و عاشرها أن يخلع سرابيل الشهوات لأن الشهوات تصدئ مرآة العقل فلا تنطبع المعقولات فيها كما ينبغي و كذلك الغضب . و حادي عشرها أن يتخلى من الهموم كلها لأنها تزيدات و قواطع عن المطلوب إلا هما واحدا و هو همه بمولاه الذي لذته و سروره الاهتمام به و التفرد بمناجاته و مطالعة أنوار عزته فحينئذ يخرج عن صفة أهل العمى و من مشاركة أهل الهوى لأنه قد امتاز عنهم بهذه المرتبة و الخاصية التي حصلت له فصار مفتاحا لباب الهدى و مغلاقا لباب الضلال و الردى قد أبصر طريق الهدى و سلك سبيله و عرف مناره و قطع غماره . [ 369 ] و ثاني عشرها أن ينصب نفسه لله في أرفع الأمور و هو الخلوة به و مقابلة أنوار جلاله بمرآة فكره حتى تتكيف نفسه بتلك الكيفية العظيمة الإشراق فهذا أرفع الأمور و أجلها و أعظمها و قد رمز في هذا الفصل و مزجه بكلام خرج به إلى أمر آخر و هو فقه النفس في الدين و الأمور الشرعية النافعة للناس في دنياهم و أخراهم أما في دنياهم فلردع المفسد و كف الظالم و أما في أخراهم فللفوز بالسعادة باعتبار امتثال الأوامر الإلهية فقال في إصدار كل وارد عليه أي في فتيا كل مستفت له و هداية كل مسترشد له في الدين ثم قال و تصيير كل فرع إلى أصله و يمكن أن يحتج بهذا من قال بالقياس و يمكن أن يقال إنه لم يرد ذلك بل أراد تخريج الفروع العقلية و ردها إلى أصولها كما يتكلف أصحابنا القول في بيان حكمة القديم تعالى في الآلام و ذبح الحيوانات ردا له إلى أصل العدل و هو كونه تعالى لا يفعل القبيح . و ثالث عشرها أن يكون مصباحا لظلمات الضلال كشافا لعشوات الشبه مفتاحا لمبهمات الشكوك المستغلقة دفاعا لمعضلات الاحتجاجات العقلية الدقيقة الغامضة دليلا في فلوات الأنظار الصعبة المشتبهة و لم يكن في أصحاب محمد ص أحد بهذه الصفة إلا هو . و رابع عشرها أن يقول مخاطبا لغيره فيفهمه ما خاطبه به و أن يسكت فيسلم و ذلك لأنه ليس كل قائل مفهما و لا كل ساكت سالما . و خامش عشرها أن يكون قد أخلص لله فاستخلصه الله و الإخلاص لله مقام عظيم جدا و هو ينزه الأفعال عن الرياء و ألا يمازج العبادة أمر لا يكون لله سبحانه و لهذا كان بعض الصالحين يصبح من طول العبادة نصبا قشفا فيكتحل و يدهن ليذهب بذلك أثر العبادة عنه . [ 370 ] و قوله فهو من معادن دينه و أوتاد أرضه معادن دينه الذين يقتبس الدين منهم كمعادن الذهب و الفضة و هي الأرضون التي يلتقط ذلك منها و أوتاد أرضه هم الذين لولاهم لمادت الأرض و ارتجت بأهلها و هذا من باب الاستعارة الفصيحة و أهل هذا العلم يقولون أوتاد الأرض جماعة من الصالحين و لهم في الأوتاد و الأبدال و الأقطاب كلام مشهور في كتبهم . و سادس عشرها أن يكون قد ألزم نفسه العدل و العدالة ملكه تصدر بها عن النفس الأفعال الفاضلة خلقا لا تخلقا . و أقسام العدالة ثلاثة هي الأصول و ما عداها من الفضائل فروع عليها الأولى الشجاعة و يدخل فيها السخاء لأنه شجاعة و تهوين للمال كما أن الشجاعة الأصلية تهوين للنفس فالشجاع في الحرب جواد بنفسه و الجواد بالمال شجاع في إنفاقه و لهذا قال الطائي أيقنت أن من السماح شجاعة تدمي و أن من الشجاعة جودا و الثانية الفقه و يدخل فيها القناعة و الزهد و العزلة . و الثالثة الحكمة و هي أشرفها . و لم تحصل العدالة الكاملة لأحد من البشر بعد رسول الله ص إلا لهذا الرجل و من أنصف علم صحة ذلك فإن شجاعته و جوده و عفته و قناعته و زهده يضرب بها الأمثال . و أما الحكمة و البحث في الأمور الإلهية فلم يكن من فن أحد من العرب و لا نقل في جهاد أكابرهم و أصاغرهم شي‏ء من ذلك أصلا و هذا فن كانت اليونان و أوائل الحكماء و أساطين الحكمة ينفردون به و أول من خاض فيه من العرب علي ع و لهذا [ 371 ] تجد المباحث الدقيقة في التوحيد و العدل مبثوثة عنه في فرش كلامه و خطبه و لا تجد في كلام أحد من الصحابة و التابعين كلمة واحدة من ذلك و لا يتصورونه و لو فهموه لم يفهموه و أنى للعرب ذلك . و لهذا انتسب المتكلمون الذين لججوا في بحار المعقولات إليه خاصة دون غيره و سموه أستاذهم و رئيسهم و اجتذبته كل فرقة من الفرق إلى نفسها أ لا ترى أن أصحابنا ينتمون إلى واصل بن عطاء و واصل تلميذ أبي هاشم بن محمد بن الحنفية و أبو هاشم تلميذ أبيه محمد و محمد تلميذ أبيه علي ع . فأما الشيعة من الإمامية و الزيدية و الكيسانية فانتماؤهم إليه ظاهر . و أما الأشعرية فإنهم بأخرة ينتمون إليه أيضا لأن أبا الحسن الأشعري تلميذ شيخنا أبي علي رحمه الله تعالى و أبو علي تلميذ أبي يعقوب الشحام و أبو يعقوب تلميذ أبي الهذيل و أبو الهذيل تلميذ أبي عثمان الطويل و أبو عثمان الطويل تلميذ واصل بن عطاء فعاد الأمر إلى انتهاء الأشعرية إلى علي ع . و أما الكرامية فإن ابن الهيصم ذكر في كتاب المقالات أن أصل مقالتهم و عقيدتهم تنتهي إلى علي ع من طريقين أحدهما بأنهم يسندون اعتقادهم عن شيخ بعد شيخ إلى أن ينتهي إلى سفيان الثوري ثم قال و سفيان الثوري من الزيدية ثم سأل نفسه فقال إذا كان شيخكم الأكبر الذي تنتمون إليه كان زيديا فما بالكم لا تكونون زيدية و أجاب بأن سفيان الثوري رحمه الله تعالى و أن أشهر عنه الزيدية إلا أن تزيده إنما كان عبارة عن موالاة أهل البيت و إنكار ما كان بنو أمية عليه من الظلم و إجلال زيد بن علي و تعظيمه و تصوينه في أحكامه و أحواله و لم ينقل عن سفيان الثوري أنه طعن في أحد من الصحابة . [ 372 ] الطريق الثاني أنه عد مشايخهم واحدا فواحدا حتى انتهى إلى علماء الكوفة من أصحاب علي كسلمة بن كهيل و حبة العرني و سالم بن الجعد و الفضل بن دكين و شعبة و الأعمش و علقمة و هبيرة ابن مريم و أبي إسحاق الشعبي و غيرهم ثم قال و هؤلاء أخذوا العلم من علي بن أبي طالب ع فهو رئيس الجماعة يعنى أصحابه و أقوالهم منقولة عنه و مأخوذة منه . و أما الخوارج فانتماؤهم إليه ظاهر أيضا مع طعنهم فيه لأنهم كانوا أصحابه و عنه مرقوا بعد أن تعلموا عنه و اقتبسوا منه و هم شيعته و أنصاره بالجمل و صفين و لكن الشيطان ران على قلوبهم و أعمى بصائرهم . ثم إنه ع ذكر حال هذا العارف العادل فقال أول عدله نفي الهوى عن نفسه و ذلك لأن من يأمر و لا يأتمر و ينهى و لا ينتهي لا تؤثر عظته و لا ينفع إرشاده ثم شرح ذلك فقال يصف الحق و يعمل به ثم قال لا يدع للخير غاية إلا أمها و لا مظنة إلا قصدها و ذلك لأن الخير لذته و سروره و راحته فمتى وجد إليه طريقا سلكها ثم قال قد أمكن الكتاب يعني القرآن من زمامه أي قد أطاع الأوامر الإلهية فالقرآن قائده و إمامه يحل حيث حل و ينزل حيث نزل : وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَ أَضَالِيلَ مِنْ ضُلاَّلٍ وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ [ حِبَالِ ] غُرُورٍ وَ قَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ اَلْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ [ رَأْيِهِ ] وَ عَطَفَ اَلْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤَمِّنُ اَلنَّاسَ مِنَ اَلْعَظَائِمِ وَ يُهَوِّنُ كَبِيرَ اَلْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ اَلشُّبُهَاتِ وَ فِيهَا وَقَعَ وَ يَقُولُ أَعْتَزِلُ اَلْبِدَعَ وَ بَيْنَهَا اِضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ [ 373 ] صُورَةُ إِنْسَانٍ وَ اَلْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لاَ يَعْرِفُ بَابَ اَلْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَ لاَ بَابَ اَلْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَ ذَلِكَ مَيِّتُ اَلْأَحْيَاءِ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَ اَلْأَعْلاَمُ قَائِمَةٌ وَ اَلآْيَاتُ وَاضِحَةٌ وَ اَلْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَ هُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَقِّ وَ أَعْلاَمُ اَلدِّينِ وَ أَلْسِنَةُ اَلصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ اَلْقُرْآنِ وَ رِدُوهُمْ وُرُودَ اَلْهِيمِ اَلْعِطَاشِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ ص إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ مَاتَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ وَ يَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِبَالٍ فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ وَ أَعْذِرُوا مَنْ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ هُوَ أَنَا أَ لَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ اَلْأَكْبَرِ وَ أَتْرُكْ فِيكُمُ اَلثَّقَلَ اَلْأَصْغَرَ قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ اَلْإِيمَانِ وَ وَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ اَلْحَلاَلِ وَ اَلْحَرَامِ وَ أَلْبَسْتُكُمُ اَلْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي وَ فَرَشْتُكُمُ اَلْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَ فِعْلِي وَ أَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ اَلْأَخْلاَقِ مِنْ نَفْسِي فَلاَ تَسْتَعْمِلُوا اَلرَّأْيَ فِيمَا لاَ يُدْرِكُ قَعْرَهُ اَلْبَصَرُ وَ لاَ تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ اَلْفِكَرُ الجهائل جمع جهالة كما قالوا علاقة و علائق و الأضاليل الضلال جمع لا واحد له من لفظه . و قوله و قد حمل الكتاب على آرائه يعني قد فسر الكتاب و تأوله على مقتضى هواه و قد أوضح ذلك بقوله و عطف الحق على أهوائه . [ 374 ] و قوله يؤمن الناس من العظائم فيه تأكيد لمذهب أصحابنا في الوعيد و تضعيف لمذهب المرجئة الذين يؤمنون الناس من عظائم الذنوب و يمنونهم العفو مع الإصرار و ترك التوبة و جاء في الخبر المرفوع المشهور الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و الأحمق من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله . و قوله يقول أقف عند الشبهات يعني أن هذا المدعي للعلم يقول لنفسه و للناس أنا واقف عند أدنى شبهة تحرجا و تورعا كما قال ص دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . ثم قال و في الشبهات وقع أي بجهله لأن من لا يعلم الشبهة ما هي كيف يقف عندها و يتخرج من الورطة فيها و هو لا يأمن من كونها غير شبهة على الحقيقة . و قوله أعتزل البدع و بينها اضطجع إشارة إلى تضعيف مذاهب العامة و الحشوية الذين رفضوا النظر العقلي و قالوا نعتزل البدع . و قوله فالصورة صورة إنسان و ما بعده فمراده بالحيوان هاهنا الحيوان الأخرس كالحمار و الثور و ليس يريد العموم لأن الإنسان داخل في الحيوان و هذا مثل قوله تعالى إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً . و قال الشاعر و كائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف و نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم و الدم [ 375 ] قوله و ذلك ميت الأحياء كلمة فصيحة و قد أخذها شاعر فقال ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إلا أن أمير المؤمنين ع أراد لجهله و الشاعر أراد لبؤسه . و تؤفكون تقلبون و تصرفون . و الأعلام المعجزات هاهنا جمع علم و أصله الجبل أو الراية و المنارة تنصب في الفلاة ليهتدى بها . و قوله فأين يتاه بكم أي أين يذهب بكم في التيه و يقال أرض تيهاء يتحير سالكها و تعمهون تتحيرون و تضلون . و عترة رسول الله ص أهله الأدنون و نسله و ليس بصحيح قول من قال إنهم رهطه و إن بعدوا و إنما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده نحن عترة رسول الله ص و بيضته التي فقئت عنه على طريق المجاز لأنهم بالنسبة إلى الأمصار عترة له لا في الحقيقة أ لا ترى أن العدناني يفاخر القحطاني فيقول له أنا ابن عم رسول الله ص ليس يعني أنه ابن عمه على الحقيقة بل هو بالإضافة إلى القحطاني كأنه ابن عمه و إنما استعمل ذلك و نطق به مجازا فإن قدر مقدر أنه على طريق حذف المضافات أي ابن ابن عم أب الأب إلى عدد كثير في البنين و الآباء فكذلك أراد أبو بكر أنهم عترة أجداده على طريق حذف المضاف و قد بين رسول الله ص عترته من هي لما قال إني تارك فيكم الثقلين فقال عترتي أهل بيتي و بين في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء و قال حين نزلت إِنَّما يُرِيدُ اَللَّهُ [ 376 ] لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم . فإن قلت فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين ع بهذا الكلام . قلت نفسه و ولداه و الأصل في الحقيقة نفسه لأن ولديه تابعان له و نسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة و قد نبه النبي ص على ذلك بقوله و أبوكما خير منكما . و قوله و هم أزمة الحق جمع زمام كأنه جعل الحق دائرا معهم حيثما داروا و ذاهبا معهم حيثما ذهبوا كما أن الناقة طوع زمامها و قد نبه الرسول ص على صدق هذه القضية بقوله و أدر الحق معه حيث دار . و قوله و ألسنة الصدق من الألفاظ الشريفة القرآنية قال الله تعالى وَ اِجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي اَلْآخِرِينَ لما كان يصدر عنهم حكم و لا قول إلا و هو موافق للحق و الصواب جعلهم كأنهم ألسنة صدق لا يصدر عنها قول كاذب أصلا بل هي كالمطبوعة على الصدق . و قوله فأنزلوهم منازل القرآن تحته سر عظيم و ذلك أنه أمر المكلفين بأن يجروا العترة في إجلالها و إعظامها و الانقياد لها و الطاعة لأوامرها مجرى القرآن . فإن قلت فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك . قلت نص أبو محمد بن متويه رحمه الله تعالى في كتاب الكفاية على أن عليا ع معصوم و إن لم يكن واجب العصمة و لا العصمة شرط في الإمامة لكن أدلة النصوص قد دلت على عصمته و القطع على باطنه و مغيبه و أن ذلك أمر اختص [ 377 ] هو به دون غيره من الصحابة و الفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم و بين قولنا زيد واجب العصمة لأنه إمام و من شرط الإمام أن يكون معصوما فالاعتبار الأول مذهبنا و الاعتبار الثاني مذهب الإمامية . ثم قال وردوهم ورود الهيم العطاش أي كونوا ذوي حرص و انكماش على أخذ العلم و الدين منهم كحرص الهيم الظماء على ورود الماء . ثم قال أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين إلى قوله و ليس ببال هذا الموضع يحتاج إلى تلطف في الشرح لأن لقائل أن يقول ظاهر هذا الكلام متناقض لأنه قال يموت من مات منا و ليس بميت و هذا كما تقول يتحرك المتحرك و ليس بمتحرك و كذلك قوله و يبلى من بلي منا و ليس ببال أ لا ترى أنه سلب و إيجاب لشي‏ء واحد فإن قلتم أراد بقاء النفس بعد موت الجسد كما قاله الأوائل و قوم من المتكلمين قيل لكم فلا اختصاص للنبي و لا لعلي بذلك بل هذه قضية عامة في جميع البشر و الكلام خرج مخرج التمدح و الفخر . فنقول في الجواب إن هذا يمكن أن يحمل على وجهين أحدهما أن يكون النبي ص و علي و من يتلوهما من أطائب العترة أحياء بأبدانهم التي كانت في الدنيا بأعيانها قد رفعهم الله تعالى إلى ملكوت سماواته و على هذا لو قدرنا أن محتفرا احتفر تلك الأجداث الطاهرة عقب دفنهم لم يجد الأبدان في الأرض و قد روي في الخبر النبوي ص مثل ذلك و هو قوله إن الأرض لم تسلط علي و إنها لا تأكل لي لحما و لا تشرب لي دما نعم يبقى الأشكال في قوله و يبلى من بلي منا و ليس ببال فإنه إن صح هذا التفسير في الكلام الأول و هو قوله يموت [ 378 ] من مات منا و ليس بميت فليس يصح في القضية الثانية و هي حديث البلاء لأنها تقتضي أن الأبدان تبلى و ذاك الإنسان لم يبل فأحوج هذا الأشكال إلى تقدير فاعل محذوف فيكون تقدير الكلام يموت من مات حال موته و ليس بميت فيما بعد ذلك من الأحوال و الأوقات و يبلى كفن من بلي منا و ليس هو ببال فحذف المضاف كقوله وَ إِلى‏ مَدْيَنَ أي و إلى أهل مدين و لما كان الكفن كالجزء من الميت لاشتماله عليه عبر بأحدهما عن الآخر للمجاورة و الاشتمال كما عبروا عن المطر بالسماء و عن الخارج المخصوص بالغائط و عن الخمر بالكأس و يجوز أن يحذف الفاعل كقوله تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ اَلْحُلْقُومَ و قول حاتم إذا حشرجت و حذف الفاعل كثير . و الوجه الثاني أن أكثر المتكلمين ذهبوا إلى أن للإنسان الحي الفعال أجزاء أصلية في هذه البنية المشاهدة و هي أقل ما يمكن أن تأتلف منه البنية التي معها يصح كون الحي حيا و جعلوا الخطاب متوجها نحوها و التكليف واردا عليها و ما عداها من الأجزاء فهي فاضلة ليست داخلة في حقيقة الإنسان و إذا صح ذلك جاز أن ينتزع الله تلك الأجزاء الأصلية من أبدان الأنبياء و الأوصياء فيرفعها إليه بعد أن يخلق لها من الأجزاء الفاضلة عنها نظير ما كان لها في الدار الأولى كما قاله من ذهب إلى قيامة الأنفس و الأبدان معا فتنعم عنده و تلتذ بضروب اللذات الجسمانية و يكون هذا مخصوصا بهذه الشجرة [ 379 ] المباركة دون غيرها و لا عجب فقد ورد في حق الشهداء نحو ذلك في قوله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . و على الوجه الأول لو أن محتفرا احتفر أجداثهم لوجد الأبدان فيها و إن لم يعلم أن أصول تلك البنى قد انتزعت منها و نقلت إلى الرفيق الأعلى و هذا الوجه لا يحتاج إلى تقدير ما قدرناه أولا من الحذف لأن الجسد يبلى في القبر إلا قدر ما انتزع منه و نقل إلى محل القدس و كذلك أيضا يصدق على الجسد أنه ميت و إن كان أصل بنيته لم يمت و قد ورد في الخبر الصحيح أن أرواح الشهداء من المؤمنين في حواصل طيور خضر تدور في أفناء الجنان و تأكل من ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فإذا جاء هذا في الشهداء فما ظنك بموالي الشهداء و ساداتهم . فإن قلت فهل يجوز أن يتأول كلامه فيقال لعله أراد بقاء الذكر و الصيت . قلت إنه لبعيد لأن غيرهم يشركهم في ذلك و لأنه أخرج الكلام مخرج المستغرب المستعظم له . فإن قلت فهل يمكن أن يقال إن الضمير يعود إلى النبي ص لأنه قد ذكره في قوله خاتم النبيين فيكون التقدير أنه يموت من مات منا و النبي ص ليس بميت و يبلى من بلي منا و النبي ليس ببال . قلت هذا أبعد من الأول لأنه لو أراد ذلك لقال إن رسول الله ص لا تبليه الأرض و أنه الآن حي و لم يأت بهذا الكلام الموهم و لأنه في سياق تعظيم العترة و تبجيل أمرها و فخره بنفسه و تمدحه بخصائصه و مزاياه فلا يجوز أن يدخل في غضون ذلك ما ليس منه . [ 380 ] فإن قلت فهل هذا الكلام منه أم قاله مرفوعا قلت بل ذكره مرفوعا أ لا تراه قال خذوها عن خاتم النبيين ثم نعود إلى التفسير فنقول إنه لما قال لهم ذلك علم أنه قال قولا عجيبا و ذكر أمرا غريبا و علم أنهم ينكرون ذلك و يعجبون منه فقال لهم فلا تقولوا ما لا تعرفون أي لا تكذبوا إخباري و لا تكذبوا إخبار رسول الله لكم بهذا فتقولون ما لا تعلمون صحته ثم قال فإن أكثر الحق في الأمور العجيبة التي تنكرونها كإحياء الموتى في القيامة و كالصراط و الميزان و النار و الجنة و سائر أحوال الآخرة هذا إن كان خاطب من لا يعتقد الإسلام فإن كان الخطاب لمن يعتقد الإسلام فإنه يعني بذلك أن أكثرهم كانوا مرجئة و مشبهة و مجبرة و من يعتقد أفضلية غيره عليه و من يعتقد أنه شرك في دم عثمان و من يعتقد أن معاوية صاحب حجة في حربه أو شبهة يمكن أن يتعلق بها متعلق و من يعتقد أنه أخطأ في التحكيم إلى غير ذلك من ضروب الخطإ التي كان أكثرهم عليها . ثم قال و أعذروا من لا حجة لكم عليه و هو أنا يقول قد عدلت فيكم و أحسنت السيرة و أقمتكم على المحجة البيضاء حتى لم يبق لأحد منكم حجة يحتج بها علي ثم شرح ذلك فقال عملت فيكم بالثقل الأكبر يعني الكتاب و خلفت فيكم الأصغر يعني ولديه لأنهما بقية الثقل الأصغر فجاز أن يطلق عليهما بعد ذهاب من ذهب منه أنهما الثقل الأصغر و إنما سمى النبي ص الكتاب و العترة الثقلين لأن الثقل في اللغة متاع المسافر و حشمه فكأنه ص لما شارف الانتقال إلى جوار ربه تعالى جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل و جعل الكتاب و العترة كمتاعه و حشمه لأنهما أخص الأشياء به . قوله و ركزت فيكم راية الإيمان أي غرزتها و أثبتها و هذا من باب الاستعارة . [ 381 ] و كذلك قوله و وقفتكم على حدود الحلال و الحرام من باب الاستعارة أيضا مأخوذ من حدود الدار و هي الجهات الفاصلة بينها و بين غيرها . قوله و ألبستكم العافية من عدلي استعارة فصيحة و أفصح منها قوله و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي أي جعلته لكم فراشا و فرش هاهنا متعد إلى مفعولين يقال فرشته كذا أي أوسعته إياه . ثم نهاهم أن يستعملوا الرأي فيما ذكره لهم من خصائص العترة و عجائب ما منحها الله تعالى فقال إن أمرنا أمر صعب لا تهتدي إليه العقول و لا تدرك الأبصار قعره و لا تتغلغل الأفكار إليه و التغلغل الدخول من تغلغل الماء بين الشجر إذا تخللها و دخل بين أصولها : وَ مِنْهَا حَتَّى يَظُنَّ اَلظَّانُّ أَنَّ اَلدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا وَ تُورِدُهُمْ صَفْوَهَا وَ لاَ يُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَ لاَ سَيْفُهَا وَ كَذَبَ اَلظَّانُّ لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مَجَّةٌ مِنْ لَذِيذِ اَلْعَيْشِ يَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً معقولة محبوسة بعقال كما تعقل الناقة و تمنحهم تعطيهم و المنح العطاء منح يمنح بالفتح و الاسم المنحة بالكسر و استمنحت زيدا طلبت منحته . و الدر في الأصل اللبن جعل الدنيا كناقة معقولة عليهم تمنحهم لبنها ثم استعمل [ 382 ] الدر في كل خير و نفع فقيل لا در درة أي لا كثر خيره و يقال في المدح لله درة أي عمله . و مجة من لذيذ العيش مصدر مج الشراب من فيه أي رمى به و قذفه و يقال انمجت نقطة من القلم أي ترششت و شيخ ماج أي كبير يمج الريق و لا يستطيع حبسه لكبره . و يتطعمونها أي يذوقونها و برهة أي مدة من الزمان فيها طول و لفظت الشي‏ء من فمي ألفظه لفظا رميته و ذلك الشي‏ء اللفاظة و اللفاظ أي يلفظونها كلها لا يبقى منها شي‏ء معهم . و هذه الخطبة طويلة و قد حذف الرضي رحمه الله تعالى منها كثيرا و من جملتها أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لا يرون الذي ينتظرون حتى يهلك المتمنون و يضمحل المحلون و يتثبت المؤمنون و قليل ما يكون و الله و الله لا ترون الذي تنتظرون حتى لا تدعون الله إلا إشارة بأيديكم و إيماضا بحواجبكم و حتى لا تملكون من الأرض إلا مواضع أقدامكم و حتى يكون موضع سلاحكم على ظهوركم فيومئذ لا ينصرني إلا الله بملائكته و من كتب على قلبه الإيمان و الذي نفس علي بيده لا تقوم عصابة تطلب لي أو لغيري حقا أو تدفع عنا ضيما إلا صرعتهم البلية حتى تقوم عصابة شهدت مع محمد ص بدرا لا يودى قتيلهم و لا يداوى جريحهم و لا ينعش صريعهم قال المفسرون هم الملائكة . و منها لقد دعوتكم إلى الحق و توليتم و ضربتكم بالدرة فما استقمتم و ستليكم [ 383 ] بعدي ولاة يعذبونكم بالسياط و الحديد و سيأتيكم غلاما ثقيف أخفش و جعبوب يقتلان و يظلمان و قليل ما يمكنان . قلت الأخفش الضعيف البصر خلقة و الجعبوب القصير الذميم و هما الحجاج و يوسف بن عمر و في كتاب عبد الملك إلى الحجاج قاتلك الله أخيفش العينين أصك الجاعرنين . و من كلام الحسن البصري رحمه الله تعالى يذكر فيه الحجاج أتانا أعيمش أخيمش يمد بيد قصيرة البنان ما عرق فيها عنان في سبيل الله . و كان المثل يضرب بقصر يوسف بن عمر و كان يغضب إذا قيل له قصير فصل له الخياط ثوبا فأبقى منه فضلة كثيرة فقال له ما هذه قال فضلت من قميص الأمير فضربه مائة سوط فكان الخياطون بعد ذلك يفصلون له اليسير من الثوب و يأخذون الباقي لأنفسهم