جستجو

و من خطبة له ع و هي في بيان صفات المتقين و صفات الفساق و التنبيه إلى مكان العترة الطيبة و الظن الخاطئ لبعض الناس

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى السادسة و الثمانون من المختار فى باب الخطب و شرحها في ضمن فصول : الفصل الاول عباد اللَّه إنّ من أحبّ عباد اللَّه إليه عبدا أعانه اللَّه على نفسه ، فاستشعر الحزن و تجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، و أعدّ القرى ليومه النّازل به ، فقرّب على نفسه البعيد ، و هوّن الشّديد ، نظر فأبصر ، و ذكر فاستكثر ، و ارتوى من عذب فرات سهّلت له موارده ، فشرب نهلا ، و سلك سبيلا جددا ، قد خلع سرابيل الشّهوات ، و تخلّى من الهموم إلاّ همّا واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى و مشاركة أهل الهوى ، و صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الرّدي ، قد أبصر طريقه ، و سلك سبيله ، و عرف مناره ، و قطع غماره ، و استمسك من العرى بأوثقها ، و من الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين [ 168 ] على مثل ضوء الشّمس ، قد نصب نفسه للّه سبحانه في أرفع الأمور ، من إصدار كلّ وارد عليه ، و تصير كلّ فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشاف عشوات ، مفتاح مبهمات ، دفّاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، و يسكت فيسلم ، قد أخلص للّه فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، و أوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ و يعمل به ، و لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها ، و لا مظنّة إلاّ قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده و إمامه ، يحلّ حيث حلّ ثقله ، و ينزل حيث كان منزله . اللغة ( الشّعار ) من الثوب مايلى شعر الجسد و ( الجلباب ) القميص أو غيره ممّا مضى في شرح الكلام الخامس و الستين و ( زهر ) الشي‏ء يزهر من باب منع صفالونه و أضاء و ( القرى ) من قرى الضّيف من باب رمى قرى بالكسر و القصر و الفتح و المدّ أضافه ، و في المصباح قرى بالكسر و القصر و الاسم القراء بالفتح و المدّ و ( فرات ) الماء العذب و باللام اسم نهر معروف . و ( نهل ) البعير نهلا من باب تعب شرب الشّرب الأوّل حتّى روى و ( الجدد ) بالتحريك المستوى من الأرض و ( السّربال ) القميص و ( الغمار ) بالكسر إما جمع الغمر كالغمور و هو الماء الكثير و معظم البحر أو جمع الغمرة كالغمرات و هى الشدة و الزحمة و ( العرى ) بالقصر مثل العروة من الدّلو و الكوز و نحوهما مقبضها و ( عشوات ) بالتحريك جمع العشوة بالتّثليث و هى الأمر الملتبس . ( و المعضلات ) الشدايد و الأمور التى لا تهدى لوجهها من أعضل الأمر إذا [ 169 ] اشتدّ و ( المعادن ) جمع معدن كمجلس و هو محل الجوهر و ( أمّه ) أمّا من باب قتل قصده و ( مظنة ) الشي‏ء المكان الذي يظنّ فيه وجوده و ( الثقل ) متاع المسافر و حشمه و الجمع أثقال كسبب و أسباب . الاعراب الفاء في قوله فاستشعر الحزن عاطفة مشعرة بسببية ما قبلها لما بعدها كما في قولك يقوم زيد فيغضب عمرو ، و كذلك أكثر الفاءات بعدها ، و قوله فهو من اليقين على مثل آه هو مبتداء و على مثل خبر له و من اليقين حال إمّا من المبتداء و العامل فيه الخبر و هو مبنيّ على جواز الاختلاف بين عامل الحال و عامل صاحبه ، و إمّا من الضمير المستكن في الخبر فيتّحد العاملان و إنّما قدّمت الحال على عاملها لتوسّعهم في الظروف قالوا : و من ذلك البرّ الكرّ بستّين أى الكرّ منه بستّين فمنه حال و العامل فيه بستّين . و قوله عليه السّلام : مصباح ظلمات بالرفع خبر بعد خبر ، و قوله فكان أوّل عدله نفى الهوى يجوز جعل أوّل اسما و نفى الهوى خبرا و بالعكس إلاّ أنّ مقتضى الاعراب الموجود في نسخ الكتاب هو الأوّل حيث اعراب الأوّل مرفوعا و النفى منصوبا و هو أيضا مقتضى الأصل . المعنى اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوق بشرح حال المتّقين و بيان صفات العارفين الكمّلين من عباد اللَّه الصّالحين ، و في الحقيقة و المعنى هو شرح لحال نفسه الشريف و حال أولاده المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين ، إذ الأوصاف الآتية لم تجمع إلاّ فيهم و لم تشاهد إلاّ منهم . و هم المتّصفون بالفناء في اللَّه و البقاء باللّه ، و المبتغون لمرضاة اللَّه و هم أحبّ النّاس إلى اللَّه و اللَّه أحبّ إليهم و أولى بهم من أنفسهم ، فهم التّامّون في محبّة اللَّه و المخلصون في توحيد اللَّه و المظهرون لأمر اللَّه و نهيه و عباده المكرمون [ 170 ] الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِه‏ يَعْمَلُونَ . إذا عرفت هذا فأقول قوله عليه السّلام ( إنّ من أحبّ عباد اللّه إليه عبدا أعانه اللَّه على نفسه ) أراد بمحبّته سبحانه له إفاضته الكمالات النّفسانية عليه المعدّة له بالقرب إليه تعالى و القبول بفضله و جوده ، و يأتي في شرح المختار المأتين و الخامس و العشرين إنشاء اللّه تفصيل الكلام في معنى محبّته تعالى ، و معنى إعانته له على نفسه اعانته جنود عقله على جنود جهله و تقوية عقله على قهر نفسه الأمّارة ، فاذا قوى عقله و اعين له اتّصف بأوصاف أشار عليه السّلام إليها . أوّلها أنّه ( استشعر الحزن ) أي أتّصف بالحزن و جعله ملازما له لزوم الشّعار للجسد ، و إنّما صار محزونا لما صدر منه في الأيّام الماضية من التفريط في جنب اللّه حيث لم يكتسب فيها من موجبات القرب و الاختصاص اضعاف ما اكتسبه ( و ) الثّاني انه ( تجلبب الخوف ) أي جعله لازما له لزوم الجلباب للبدن ، و قد مضى تحقيق الكلام في الخوف و في أقسامه في شرح الخطبة الخامسه و السّبعين و الثّالث أنّه حيث اتّصف بالحزن و الخوف ( ف ) استعدّ بذلك لأن ( زهر مصباح الهدى في قلبه ) أى أضاء أنوار المعارف الحقّة الالهيّة في قلبه فصار سببا لاهتدائه و وصوله إلى مقام القرب . ( و ) الرابع انّه ( أعدّ القرى ليومه النّازل به ) شبّه يوم الموت و ما بعده بالضّيف المتوقّع نزوله و كما أنّ من توقّع نزول ضيف به يهيّأ له قرى ليبيض به وجهه عند الضيف و يكسب به المحمدة منه و لا ينفعل منه عند نزوله ، فكذلك الرّجل الموصوف لمّا توقّع نزول الموت و علم أنّه قادم لا محالة أعدّ له من وظايف الطّاعات و العبادات ما يكون موجبا لبياض ( لابيضاض خ ) وجهه عند نزوله و اكتسابه المحمدة و الثّناء ، و ذلك أيضا من ثمرات الخوف المقدّم ذكره و من شئوناته . و الخامس أنه حيث أعدّ قرى ضيفه ( فقرّب على نفسه البعيد ) و الظّاهر أنّ [ 171 ] المراد بالبعيد هو الموت الذي يراه الغافلون بعيدا و بتقريبه على نفسه هو مبادرته إليه و جعله له نصب عينيه و ترقّبه له و عدم غفلته عنه صباحا و مساءا ، لأنّه بعد ما هيّأ أسبابه و أعدّ القرى له لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه و أمّا ما ذكره الشّارح البحراني من احتمال كون المراد بالبعيد هو رحمة اللّه البعيد عن مستحقّها ، و بتقريبه تحسين العمل أو كون المراد به أمله الطّويل في الدنيا و بتقريبه تقصير الأمل فمضافا إلى بعده في نفسه غير ملايم لظاهر العطف بالفاء و إن أمكن توجيهه بتكلّف . ( و ) السادس أنّه ( هوّن الشديد ) يحتمل أن يكون المراد بالشديد شدايد الموت و دواهيه و ما يتلو ذلك ، فيكون المراد بتهوينها تسهيلها بالأعمال الصّالحة و هو من ثمرات اعداده القرى للموت ، و أن يكون المراد به شدايد الطاعات و كلفة المجاهدات و الرّياضيات ، فيكون المراد بتهوينها تحملها و الصّبر لها و حبس النّفس عليها ، و هو من فروع شروق مصباح الهدى في قلبه . و السّابع انّه ( نظر فأبصر ) أى تفكّر في الملك و الملكوت فصار ذا معرفة و بصيرة كما قال سبحانه : سَنُريهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وَ في أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ( و ) الثّامن أنّه ( ذكر فاستكثر ) أى ذكر اللَّه فاستكثر من ذكره إذ بذكره تسكن النّفوس كما قال سبحانه : أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » . و بكثرة ذكره تنال المحمدة و الثّناء عند اللّه كما قال تعالى : رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( و ) التّاسع أنه ( ارتوى من عذب فرات سهلت له موارده ) شبّه عليه السّلام العلوم الحقّة و المعارف الالهيّة المفاضة على العارف بالماء الصّافي العذب الزّلال فاستعاره لها و رشّحه بذكر الارتواء كما أنّه استعار في الكلام السّابع عشر للعقايد [ 172 ] الباطلة و الآراء الفاسدة لفظ الآجن حيث قال عليه السّلام في ذكر أوصاف القضاة السوء : حتّى إذا ارتوى من آجن ، و المراد بسهولة موارده عدم كونها ردغة و حلة و هو كناية عن سرعة استعداده لقبول تلك العلوم المفاضة من محالّها و مواردها أعني الألواح السّماويّة و ألسن الملائكة و لسان النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الرّوع في القلب و النّكث في القلوب و نحوها إن كان المراد بالموصوف الأئمة عليهم السّلام على ما قدّمنا ، و النّبي و الأَئمة سلام اللَّه عليه و عليهم إن كان المقصود به مطلق العارف هذا و قوله عليه السّلام ( فشرب نهلا ) إشارة إلى أنّه لما شرب من العذب الفرات و ارتوى اكتفى بذلك و صار شربه الأوّل كافيا و لم يحتج بعده إلى الشّرب الثّاني لأنه شرب من رحيق التحقيق و من عين التوفيق شربة لاظمأ بعدها أبدا . ( و ) العاشر أنّه ( سلك سبيلا جدداً ) أى طريقاً مستوية عدلا مصونة عن طرفي الافراط و التفريط إذ اليمين و الشّمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة الموصلة لسالكها إلى خطيرة القدس ، و قد مضى تفصيلاً و تحقيقاً في شرح الفصل الثاني من الكلام السادس عشر فتذكر . و الحادي عشر أنّه ( قد خلق سرابيل الشّهوات ) أى نزع لباس الشهوات و خلى نفسه منها لكونها موجبة لصداء مرآت القلب مانعة عن انطباع صور الحقّ فيها . ( و ) الثاني عشر أنه قد ( تخلّى من الهموم ) أى هموم الدّنيا كلّها لكونها مجانبة للحقّ شاغلة عنه ( إلا همّا واحداً انفرد به ) و هو همّه بالوصول إلى مولاه الّذي به لذّته و بالانفراد بذكره و مناجاته سروره و بهجته و بمطالعة جلاله و كبريائه شعفه و فرحته . و الثّالث عشر أنّه حيثما تخلّى من الهموم و انحصر همّه في الهمّ الواحد ( فخرج به من صفة العمى و ) عن ( مشاركة أهل الهوى ) أراد أنه باتّصافه بفضيلة العلم و الحكمة خرج من صفة الجهالة و عن مشاركة أهل الهوى و الشّهوة لكون الاشتراك معهم موجباً للضّلالة ، و إليه الإشارة بقوله سبحانه : [ 173 ] « وَ أَما مَنْ خافَ مَقامَ رَبَّه‏ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ فَإنَّ الْجَنَّة هِىَ الْمَأْوى‏ . ( و ) الرابع عشر أنّه من أجل اتّصافه بالعلم و الحكمة أيضا ( صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الرّدى ) فبه ينفتح أبواب الرّشاد و الهداية للمهتدين ، و ينغلق أبواب الغوى و الضّلالة للجاهلين ، لكونه فاتحا لباب المعروف سادّا لباب المنكر فبنور وجوده يهتدى الجاهلون ، و بكمال ذاته يرتدع الضّالّون . و الخامس عشر أنه ( قد أبصر طريقه و سلك سبيله ) أى أبصر بنور بصيرته طريقه المأمور بسلوكها فسلكها ، و إلى هذا السّبيل و الطريق أشير في قوله : إنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِه و في قوله : وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلاً كما مضى مشروحا في شرح الفصل الثاني من الكلام السّادس عشر فتذكر . ( و ) السّادس عشر أنّه ( عرف مناره ) أصل المنار هو العلم المنصوب على الطّريق ليأمن به المارّة من الخروج عن الجادّة فمن عرف مناره أمن الضّلالة ، و المراد به هنا هم أئمة الدّين الّذينهم أعلام اليقين ، فالسّالك إلى اللّه بقدمي الصّدق و العرفان إذا عرفهم و لزمهم و أخذ بحجزتهم أمن من الضّلال و وصل إلى حظيرة القدس و الجلال التي هي منتهى الآمال ، هذا إن كان الموصوف بالصّفات مطلق العارف و إن كان المقصود به هم عليه السّلام حسبما أشرنا إليه سابقا فالمراد بالمنار هو النّبيُّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . ( و ) السابع عشر أنّه ( قطع غماره ) أشار بالغمار إلى ما كان مغمورا فيه من مشاق الدّنيا و همومها و التّألّم بسبب فقدها و مجاذبة أهلها لها و تزاحمهم عليها ، فانّ العارف بمعزل عن ذلك و إنّما هو شأن الجاهلين الّذين هم في غمرة ساهون . ( و ) الثامن عشر أنّه ( استمسك من العرى بأوثقها و من الحبال بأمتنها ) و المراد [ 174 ] بأوثق العرى و أمتن الحبال ما اشير إليها في سورة البقرة بقوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لأانْفِصامَ لَها و في سورة آل عمران بقوله : وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا . و قد فسّر العروة في الظاهر بالايمان و الحبل به و بالقرآن ، و قد فسّرا في الباطن بالولاية ، روى في البحار من كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات قال : ذكر صاحب نهج الايمان في تأويل قوله : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏ روى أبو عبد اللّه الحسين بن جبير في كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب حديثا مسندا إلى الرّضا عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بحبِّ عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و روى أيضا في الكتاب المذكور مسندا عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال : نحن حبل اللّه الذي قال اللّه تعالى : وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَ لا تَفَرَّقُوا . و الأخبار في هذا المعنى متظافرة . و التاسع عشر أنّه لما استمسك بالعروة الوثقى و الحبل الأمتن فترقّى بذلك إلى أعلى مدارج العلم و العرفان ( ف ) كان ( هو من اليقين على مثل ضوء الشمس ) يعني أنّه رأى بعين اليقين الحقايق و شاهد دقايق الملك و الملكوت لا يختلجه في ذلك شكّ و وهم كما يرى بصره نور الشمس في الوضوح و الجلا . و العشرون أنه لكمال ذاته ( قد نصب نفسه ) و عيّنها ( ل ) أجل ابتغاء مرضات ( اللَّه سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه و تصيير كلّ فرع إلى أصله ) أراد عليه السّلام أنه لما كمل ذاته نصب نفسه لأرفع الأمور من هداية الخلق و ارشادهم إلى [ 175 ] ما فيه رشادهم فقام باصدار الأجوبة عن كلّ ما ورد عليه من الأسؤلة و نهض بردّ كلّ فرع من فروع العلم إلى أصله المتشعّب عنه ، و فيه إشعار و تنبيه على جواز الاجتهاد و استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية كما عليه بناء المجتهدين من أصحابنا ، خلافا لأصحابنا الأخبارييّن و التفصيل معنون في الأصول . و الحادى و العشرون أنّه ( مصباح ظلمات ) يقتبس منه العالمون أنوار العلم و يهتدى به التائهون في ظلمات الجهل . و الثّاني و العشرون أنّه ( كشّاف عشوات ) يكشف به و يميّز الأمور الملتبسة و في بعض النسخ غشوات بالغين المعجمة فالمراد أنه يكشف النقاب عن وجه الحقّ . و الثالث و العشرون أنّه ( مفتاح مبهمات ) به يفتح أبواب الأحكام المبهمة المغلقة . و الرّابع و العشرون أنّه ( دفّاع معضلات ) يعني أنه يدفع الأعضال عن المسائل المعضلة الشرعية و يرفع الاشكال عن الأحكام المشكلة الأصليّة و الفرعيّة بكلامه الوافي و بيانه الشافي . و الخامس و العشرون أنّه ( دليل فلوات ) أراد عليه السّلام أنّ السّالك في مسالك الفلوات كما لا يهتدي إليها إلاّ بدلالة الأدلاء الّذين اعتادوا سلوكها و ضبطوا مراحلها و منازلها ، فكذلك السّاير في فلوات المعقولات الطالب لطيّ مراحلها الباغي للنّزول إلى ساحة الحقّ و الوصول إلى حظيرة القدس لا يهتدي إليها و لا يمكنه النّزول فيها إلاّ بهداية دليل هاد و إرشاد مرشد يرشد إلى الرشاد ، و هو العارف المعتاد بسلوك تلك المسالك فمن لم يسلك بدلالته فهو ضالّ و هالك . و السادس و العشرون أنّه ( يقول فيفهم و يسكت فيسلم ) يعني أنه يقول : إذا اقتضت الحال فيفهم لمخاطبة المقال و يسكت في مقام السّكوت فيسلم من عثرات اللّسان . [ 176 ] و السابع و العشرون أنّه ( قد أخلص للّه فاستخلصه ) أى أخلص علمه للّه و جعله خالصا عن شوب الرّياء و الشّرك على ما مضى في شرح الفصل الرّابع من فصول الخطبة الأولى ، و حيث إنه أخلص للّه فاستخلصه اللّه و اختاره و اختصّه من بين أبناء جنسه بالرّضا عنه و إفاضة الكمالات عليه و إدنائه إلى مقام القدس . و الثّامن و العشرون أنّه إذا اتّصف بالاخلاص و الاستخلاص ( ف ) صار ( هو من معادن دينه و أوتاد أرضه ) شبّهه عليه السّلام من حيث كونه محلاّ للدّين و مستقرّا له بالمعدن الّذى يستقرّ فيه الجوهر فكما أنّ المعدن يستخرج منه الجوهر و ينتزع منه ، فكذلك الدّين الّذي هو جوهر عقلائي يستفاد من ذلك الموصوف و يكتسب منه ، و أمّا معنى كونه من أوتاد أرضه فهو أنّك قد عرفت في شرح الفصل الثالث من فصول الخطبة الأولى أنّه سبحانه و تدّ بالصّخور و الجبال ميدان أرضه و اضطرابه و أنت إذا أخذت بين مجامع هذا الكلام و ما تقدّم ظهر لك أنّه عليه السّلام جعل الموصوف بمنزلة جبل يكون وتداً للأرض مانعا لها عن الاضطراب ، و هو إمّا جار على الحقيقة إن أراد بالموصوف نفسه الشّريف و من هو بمنزلته من أولاده المعصومين الّذين لولاهم لماجت الأرض بأهلها و ساخت ، و إمّا على المجاز بأن يكون المراد به العموم فانّ الرّجل الموصوف لما كان سببا لانتظام أمر الدّنيا و عدم اضطراب أحوال أهلها كان كالوتد للأرض فافهم . و التّاسع و العشرون أنه ( قد ألزم نفسه العدل فكان أوّل عدله نفى الهوى عن نفسه ) لما كان العدالة ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال الفاضلة خلقا لا تخلّقا و اصولها عبارة عن الحكمة و العفّة و الشجاعة ، و ساير الفضايل فروعا لها و كان العارف قد أرضى نفسه بالعبادة و غيرها حتّى حصل على هذه الفضايل الخلقيّة لا جرم كان بسعيه في حصولها قد ألزم نفسه العدل . قال الشّارح البحراني : و لما كان العدل في القوّة الشّهوية الّذي هو أن يصير عفيفا لا خامد الشهوة و لا فاجرا أصعب 1 من العدل على ساير القوى لكثرة ----------- ( 1 ) خبر كان . [ 177 ] موارد الشّهوة و ميلها بالانسان إلى طرف الافراط ، و لذلك قال أكثر المناهي الواردة في الشريعة هى موارد الشهوة لا جرم 1 كان مقتضي المدح أن يبدء بذكر نفى الهوى عن نفسه ، و لأنّ السّالك أوّل ما يبدء في تكميل القوّة العمليّة باصلاح القوّة الشهويّة فيقف عند حدود اللّه و لا يتجاوزها في مأكول أو منكوح أو كسب و نحوه . و الثّلاثون أنّه ( يصف الحقّ و يعمل به ) أى يطابق فعله قوله و يوافق قوله عمله فانّ من يأمر و لا يأتمر و ينهى و لا يزدجر لا يؤثّر وعظه و لا يثمر إرشاده فانّ الموعظة إذا صدرت عن اللّسان لا يتجاوز الآذان و إذا خرجت من القلب وقع في القلب ، و قد ذمّ اللّه أقواما خالفت أفعالهم أقوالهم بقوله : يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلوُنَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ . ( و ) الحادى و الثلاثون أنّه ( لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها و لا مظنّة إلاّ قصدها ) يعني أنّ همّته مقصورة على سلوك مسالك الخير و قصد مظانّ البرّ ليفوز غايته و يدرك نهايته . و الثّانى و الثّلاثون أنّه ( قد أمكن الكتاب ) أى كتاب اللّه ( من زمامه ) أدّى زمام نفسه إلى الكتاب و فوّضه إليه و مكّنه منه و هو كناية عن كونه منقادا له مطيعا لما اشتمل عليه من الأوامر و النواهى ( فهو قائده و امامه ) يقوده إلى اللّه و يأمّه في سلوك سبيل رضوان اللّه ( يحلّ حيث حلّ ثقله و ينزل حيث كان منزله ) قال الشارح البحراني : استعار عليه السّلام و صفى الحلول و النّزول الّذين هما من صفات المسافر و كنّى بحلوله حيث حلّ عن لزوم أثره و العمل بمقتضاه و متابعته له في طريق سفره إلى اللّه بحيث لا ينفكّ عنه وجودا و عدما . أقول : هذا إن كان المراد بالموصوف نفسه الشّريف و من حذا حذوه ، ----------- ( 1 ) جواب لما . [ 178 ] و أمّا إن اريد به مطلق العارف فالمراد بمحلّ القرآن و منزله هو بيت الرّسالة و الامامة أعني مهبط الوحى و معدن الذكر ، فيكون المقصود بحلول الموصوف و نزوله فيه كالقرآن كونه مقتديا بالرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة مقتبسا لهداهم آخذا بولايتهم صلوات اللّه و تحيّاته عليه و عليهم أجمعين . الترجمة از جمله خطب شريفه آن امام زمان و مقتداى عالميان است در وصف حال متّقين فرموده كه : اى بندگان خدا بدرستى از محبوبترين بندگان خدا است بسوى او بنده كه اعانت فرمود و غالب نمود خداى تعالى او را بر نفس خود پس شعار خود گردانيد حزن را ، و سرپوش خود نمود ترس را ، پس روشن شد چراغ هدايت در قلب او ، و مهيا نمود مهماني را براى روزيكه فرود آيد باو پس نزديك گردانيد بر نفس خود دور را كه عبارتست از موت و احوال آخرت ، و آسان نمود كار سخت را كه عبارتست از كلفت و مشاقّ عبادت ، نگاه كرد بديده عبرت بملك و ملكوت ، پس شد صاحب معرفت و بصيرت ، و ذكر كرد خداوند را پس بسيار نمود از ذكر ربّ العزّت ، و سيراب شد از آب خوش شيرين كه آسان گردانيده شد از براى او موارد آن پس آشاميد آبرا أول بار و سبقت نمود بر سايرين و محتاج نشد بآشاميدن دوّيمين و سلوك كرد راه راست محفوظ از تفريط و افراط را . بتحقيق كه بر كند از خود پيراهنهاى شهوتها را ، و خالى شد از همه همّها و غمّها مگر همّ واحدى كه منفرد شده است باو كه عبارتست از همّ وصول بقرب حق ، پس بيرون آمد از صفت كورى و از مشاركت أهل هوا و غفلت ، و گرديد از كليدهاى درهاى هدايت و از آلتهاى بستن درهاى هلاكت . بتحقيق كه ديد راه صواب خود را و سلوك نمود در راه راست خود و شناخت نشان هدايت خود را از دلايل واضحات ، و بريد از خود آنچه فرو رفته بود در آن از شهوات ، و چنگ زد از بندها بمحكم‏ترين آنها و از ريسمانها باستوارترين آنها [ 179 ] پس او از يقين بر مثال نور آفتابست در تابندگى و درخشندگى ، پس نصب كرد نفس خود را از براى خداوند در بلندترين كارها كه عبارت باشد از بازگردانيدن جواب هر وارد كننده سؤال بر او و از ردّ نمودن هر فرع از فروع علوم بسوى اصل خود چراغ تاريكيها است ، كشف كننده امرهاى مشتبه است ، راهنماى بيابانها است سخن ميگويد پس ميفهماند ، و ساكت ميشود پس بسلامت ميماند . بتحقيق كه خالص نمود عبادترا از براى خدا پس خالص نمود خداوند او را از براى خود و برگزيد او را با بناى جنس بافاضه فيوضات و كمالات ، پس او از معدنهاى دين خدا است و از ميخهاى زمين حقتعالى است . بتحقيق كه لازم گردانيده بر نفس خود عدلرا پس هست اوّل عدالت او دور نمودن هوا و هوس از نفس خود ، تعريف ميكند حق را و عمل ميكند بآن ، ترك نمينمايد عمل خير را هيچ غايتى مگر اينكه قصد ميكند آن را ، و نميگذارد مظنه خيرى مگر اينكه آهنگ مينمايد آن را . بتحقيق كه متمكّن ساخت كتاب اللّه المجيد را از مهار خود ، و جلو خود را بدست او واگذار نمود ، پس كتاب عزيز قائد و پيشواى او است ، حلول ميكند هر جا كه حلول ميكند بار نفيس كتاب ، و نزول مينمايد هر مكانى كه منزل نموده در آن كتاب ، و اللّه أعلم بالصّواب . الفصل الثانى و آخر قد تسمّى عالما و ليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، و أضاليل من ضلاّل ، و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور ، و قول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، و عطف الحقّ على أهوائه ، يؤمّن النّاس من العظائم ، و يهوّن كبير الجرائم ، يقول أقف عند الشّبهات [ 180 ] و فيها وقع ، و يقول أعتزل البدع و بينها اضطجع ، فالصّورة صورة إنسان ، و القلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ، و لا باب العمى فيصدّ عنه ، و ذلك ميّت الأحياء . اللغة ( قد تسمّى ) تسمّى بفتح التّاء المثناة الفوقانيّة قال في القاموس تسمّى بكذا و بالقوم و إليهم انتسب ، و في بعض النسخ يسمّى بصيغة المضارع المجهول من باب فعل و هو الأظهر ( الجهائل ) جمع الجهالة كالعلائق و العلاقة و ( الأضاليل ) من الضّلال جمع لا واحد له من لفظه و ( ضلاّل ) بضم الضّاد جمع ضالّ كجاهل و جهّال و عامر و عمّار و ( الأشراك ) جمع الشّرك محرّكة و هو ما يصطاد به و ( الزّور ) الكذب و مزخرف الكلام قال تعالى : و اجتنبوا قول الزّور و ( ضجعت ) ضجوعا من باب نفع وضعت جنبي بالأرض و اضطجعت مثله . الاعراب قوله : و آخر بالرّفع صفة لمحذوف معطوف على محلّ اسم انّ السّابق في أوّل الفصل السّابق ، قوله : و ليس به ، من زيادة الباء في الخبر و اسم ليس ضمير مستتر ، و اللاّم في الصورة و القلب إمّا عوض عن الضمير المضاف إليه كما هو مذهب الكوفيّين و بعض البصريّين أى صورته صورة إنسان و قلبه قلب حيوان و عليه خرج الكوفيّون قوله سبحانه : فإنّ الجنّة هي المأوى ، و المانعون يقولون في مثل ذلك إنّ اللاّم للعهد و الضمير محذوف أى الصورة له أو منه و قالوا في الآية : هي المأوى له . المعنى اعلم أنّه لما شرح حال أحبّ العباد إلى اللّه سبحانه في الفصل السّابق أردف ذلك بشرح حال المبغوضين عنده تعالى فقال ( و آخر قد تسمّى عالما و ليس به ) أى و عبد آخر قد انتسب إلى أهل العلم و نسب نفسه إليهم و ليس هو بذلك أو سمّاه [ 181 ] العوام عالما ( فاقتبس جهائل من جهّال و أضاليل من ضلاّل ) أى تعلّم جهالات مركّبة و عقايد باطلة من أهل الجهالة و اكتسب الآراء الموجبة للانحراف عن قصد السّبيل عن أهل الضّلالة فحذا حذوهم و سلك سبيلهم و صار جاهلا ضالاّ مثلهم ( و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور و قول زور ) يعني أنه يغرّ الخلق بأقواله الباطلة و أفعاله المزخرفة و يجذبهم بها إليه و يوقعهم في شركه و حبالته كما يغرّ الصيّاد الصّيد يخدعه حتّى يوقعه في شركه الّذي نصبه له ( قد حمل الكتاب على آرائه ) أراد عليه السّلام أنه حمل كتاب اللّه على مقتضى رأيه و هواه ، و ذلك لجهله بفحواه و معناه و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النّار ، و كفى بكلامه عليه السّلام شاهدا أنّ كلاّ من الفرق المختلفة كالمشّبهة و المجسّمة و الكراميّة و الأشعريّة و المعتزلة و غيرها على كثرتها قد تعلّق في إثبات مذهبه بالقرآن ، فكلّ يأوّله على رأيه و يخرجه على معتقده مع أنّ قول الكلّ باطل و تأويل الجميع فاسد . وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِه‏ كُلُّ مِنْ عِنْدِ رَبَّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْباب . و قوله عليه السّلام ( و عطف الحقّ على أهوائه ) عطف تفسير و توضيح إذ الكتاب حقّ و ما فيه حقّ و من حمله على رأيه فقد عطف الحقّ على هواه و جعل هواه حقّا بتأويل ما . وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوائَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فيهِنَّ ( يؤمّن الناس من العظائم و يهوّن ) في نظرهم ( كبير الجرائم ) بذكر الآيات الدّالة على الوعد و الأحاديث المحصّلة للطمع و الرّجا كقوله تعالى : قُلْ يا عِبادِيَ الّذينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً [ 182 ] و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة ، و نحو ذلك و إنّما يهوّنها في نظرهم و يؤمّنهم منها استجلا بالقلوبهم و طلبا للوقع عند الجهّال من الأمرا و أرباب المناصب و نحوهم من المنهمكين في الشّهوات و الباغين للّذّات و المقتحمين في الشبهات و المحرّمات الذين لا يبالون في شي‏ء منها طمعا في أنه سبحانه قابل التّوبات و غافر الخطيئآت و ما حيّ السّيئآت . و هذا من تسويلات الشّيطان اللّعين و تدليسات ذلك الفاسق المتوسّم بسمة العالم إذ الخوف توأم الرجاءِ و الوعد ردف الوعيد ، و هو تعالى قهّار كما أنّه غفّار ، فاللاّزم للعالم أن يلاحظ المقام و ينظر مواقع الكلام فيورد أدلّة الرّجاء في مجالس الخائفين ، و آيات الخوف في مجالس الآمنين كيلا ييأس الخائف من روح اللّه و لا يأمن الآمن من غضب اللّه . ( يقول أقف عند الشّبهات ) توقّيا و تورّعا ( و فيها وقع ) لجهله بها و غفلته عنها و الوقوف عندها فرع العلم ( و يقول أعتزل البدع ) المخالفة للقوانين الشرعية ( و بينها اضطجع ) لجهله بها أيضا ( فالصّورة صورة إنسان ) تامّ الأعضاء و الأركان بهيّ الهيئة عذب اللسان ( و القلب قلب حيوان ) له اذنان محجوب عن إدراك حقايق العرفان . و كاين ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التّكلّم لسان الفتى نصف و نصف فؤاده فلم يبق إلاّ صورة اللّحم و الدّم ( لا يعرف باب الهدى فيتّبعه و لا باب العمى فيصدّ عنه ) يعني أنه بسبب جهله المركب لا يعرف قانون الهداية إلى الرّشاد فيلزمه ، و لا واجه الدّخول في الباطل فيتركه ، و ذلك لأنّ الجاهل المركّب لمّا ألحد عن سبيل اللّه و اعتقد بخلاف الواقع امتنع مع ذلك أن يعرف باب الهدى و مبدء الدّخول إليه فلا يمكن له اتّباعه ، و لمّا اعتقد أنّ ما جزم به من الباطل هو الحقّ امتنع معه أن يعرف مبدء دخوله في الجهل و هو باب العمى فامتنع منه أن يصدّ عنه . ( فذلك ميّت الأحياء ) يعني أنّه ميّت في سلك الأحياء ، و إنّما كان ميّتا [ 183 ] إذ المقصود بالحياة في الحقيقة هو استكمال النّفس و اكتساب الفضايل الّتى هي سبب السّعادة الأبدية و العناية السّرمديّة ، و لما كان الجاهل بمعزل عن ذلك فكان بمنزلة الميّت بل ميّتا في الحقيقة قال الشّاعر : ليس من مات فاستراح بميّت إنّما الميت ميّت الأحياء تنبيه هذا الفصل من كلام الامام عليه آلاف التحية و السّلام كاف في ذمّ العلماء السوء و القدح عليهم و الطّعن فيهم ، و أعنى بالعلماء السوء المتّصفين بالأوصاف المذكورة في هذا الفصل ، و هم العلماء الآخذون بالبدع و الآراء ، و العاملون بالمقائيس و الأهواء ، كعلماء العامّة و قضاتها الّذين لم يأخذوا العلم من ينابيعه ، و لم يتعلّموا القرآن من أهله و استغنوا عن عترة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و آله و حيث ضاق بهم المجال في الوصول إلى حقيقة الحال اضطرّوا إلى الأخذ بالرّأى و القياس ففسّروا القرآن بآرائهم ، و عطفوا الحقّ على أهوائهم ، و عملوا في مسائل الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام بأقيستهم ، فأبدعوا في الدّين ، و غيّروا شرع سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه و آله أجمعين هذا . و مثلهم في استحقاق الذّم و الطّعن العلماء السوء منّا ، و هم الذين تعلّموا العلم من أهله ، و أخذوه من أحاديث الأئمة ، و رجعوا في تفسير القرآن إلى تفسير خير الامة إلاّ أنّهم لم يعملوا بعلمهم ، و وصفوا الحقّ فخالف فعلهم قولهم ، و هم علماء الدّنيا الذين قصدهم من العلم التّنعم بالدّنيا و التوصّل إلى الجاه و المنزلة عند أهلها . و الآيات و الأخبار في ذمّ هؤلاء و تشديد الأمر عليهم فوق حدّ الاحصاء و متجاوزة مرتبة الاستقصاء ، و ينبغي أن نورد هنا شطرا منها ممّا يناسب المقام . فأقول : روى ثقة الاسلام الكلينيّ في الكافي عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : قال رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله سلّم : منهومان لا يشبعان : طالب [ 184 ] دنيا ، و طالب علم ، فمن اقتصر من الدّنيا على ما أحلّ اللّه له سلم ، و من تناولها من غير حلّها هلك إلاّ أن يتوب أو يراجع ، و من أخذ العلم من أهله و عمل بعلمه نجا ، و من أراد الدّنيا فهي حظّها . و عن أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ، و من أراد به خير الآخرة أعطاه اللّه خير الدّنيا و الآخرة . و عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إذا رأيتم العالم محبّا لدنياه فاتّهموه على دينكم ، فانّ كلّ محبّ شي‏ء يحوط ما أحبّ و قال عليه السّلام : أوحى اللّه إلى داود عليه السّلام لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدّنيا فيصدّك عن طريق محبّتي ، فانّ أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين إلىّ ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم . و عن ربعي بن عبد اللّه عمّن حدّثه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يمارى به السّفهاء أو يصرف به وجوه النّاس إليه فليتبوّء مقعده من النّار ، إنّ الرّياسة لا تصلح إلاّ لأهلها . و عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال : يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد . و عن حفص أيضا قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : قال عيسى بن مريم عليه السّلام : ويل للعلماء السوء كيف تلظّى عليهم النّار . و عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالى : فَكُبْكِبُوا فيها هُمْ وَ الْغاوُنَ . قال : هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره . و عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال في كلام له : العلماء رجلان : رجل عالم أخذ بعلمه فهذا ناج ، و عالم [ 185 ] تارك لعلمه فهذا هالك ، و إنّ أهل النّار ليتأذّون من ريح العالم التّارك لعلمه ، و إنّ أشدّ أهل النّار ندامة و حسرة رجل دعا عبدا إلى اللّه فاستجاب له و قبل منه فأطاع اللّه فأدخله اللّه الجنة فأدخل الداعى النّار بترك علمه و اتّباعه الهوى و طول الأمل ، أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة و عن عبد اللّه بن القاسم الجعفرى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصّفا . أقول : و نعم ما قيل في هذا المعنى : يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما إذ عبت منهم امورا أنت تأتيها أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا فالموبقات لعمرى أنت جائيها تعيب دنيا و ناسا راغبين لها و أنت أكثر منهم رغبة فيها و فيه عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه قال : جاء رجل إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فسأله عن مسائل فأجاب ثمّ عاد ليسأل عن مثلها فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام : مكتوب في الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لمّا تعملوا بما علمتم فانّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفرا و لم يزدد من اللّه إلاّ بعدا . و عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت له : بم يعرف النّاجي ؟ قال عليه السّلام : من كان فعله لقوله موافقا فاثبت له الشهادة ، و من لم يكن فعله لقوله موافقا فانّما ذلك مستودع . أقول : قال الشاعر : لاتنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم هذا و الأخبار العامية فى ذلك الباب كثيرة جدّا و قد أكثر أبو حامد الغزالي في احياء العلوم من روايتها . ففيه قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه اللّه بعلمه . و عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال : لا يكون المرء عالما حتّى يكون بعلمه عاملا ، و قال : صلّى اللّه عليه و آله العلم علمان علم على اللّسان فذلك حجّة اللّه على خلقه و علم في القلب فذلك العلم النّافع [ 186 ] و قال عليه السّلام إنّ العالم ليعذّب عذابا يطيف به أهل النّار استعظاما لشدّة عذابه و قال اسامة بن زيد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يقول يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النّار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى فيطيف به أهل النّار فيقولون مالك ؟ فيقول : كنت آمر بالخير و لا آتيه ، و أنهى عن الشّر و آتيه . و روى معاذ بن جبل موقوفا و مرفوعا في رواية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : من فتنة العالم أن يكون الكلام أحبّ إليه من الاستماع ، و في الكلام تنميق و زيادة و لا يؤمن على صاحبه الخطاء ، و في الصّمت سلامة و علم . و من العلماء من يخزن علمه فلا يحبّ أن يوجد عند غيره فذلك في الدّرك الأول من النّار ، و من العلماء من يكون في علمه بمنزلة السّلطان إن ردّ عليه شي‏ء من علمه أو تهوّن بشي‏ء من حقّه غضب ، فذلك في الدّرك الثانى من النار ، و من العلماء من يجعل علمه و غرايب حديثه لأهل الشرف و اليسار و لا يرى أهل الحاجة له أهلا فذلك في الدّرك الثالث من النّار ، و من العلماء من ينصب نفسه للفتيا فيفتى بالخطاء و اللّه تعالى يبغض المتكلّفين ، فذلك في الدّرك الرّابع من النّار ، و من العلماء من يتكلّم بكلام اليهود و النّصارى ليعزّز به علمه ، فذلك في الدّرك الخامس من النّار ، و من العلماء من يتّخذ علمه مروّة و نيلا و ذكرا في النّاس ، فذلك في الدّرك السادس من النّار ، و من العلماء من يستفزّه الزّهو و العجب فان وعظ أنف ، فذلك في الدّرك السّابع من النار ، إلى غير هذه مما رواه فيه ، و هى كافية في الدّلالة على عظم وزر العالم في معاصيه و كون عذابه أشدّ و حسرته أدوم . و سرّ ذلك أمران : الاول أنّ العالم إذا عصى يزلّ بعصيانه خلق كثير كما قيل : إذا فسد العالم فسد العالم ، فمن تناول شيئا من المحرّمات و قال للنّاس لا تتناولوه سخر به النّاس و استهزؤوه و زاد حرصهم على ما نهوا عنه ، فيقولون لو لا أنّه أطيب شي‏ء و ألذّه لما كان يستأثر به نفسه و يقدم عليه فيقتدي به الخلق في سوء عمله و يتّبعونه فيلحق به مثل وزرهم ، مضافا إلى وزر نفسه كما قال : من سنّ سنّة سيّئة كان له مثل وزر من عمل بها . و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قصم ظهرى رجلان : عالم متهتّك ، و جاهل متنسّك [ 187 ] فالجاهل يغرّ النّاس بتنسّكه و العالم يغرّهم بتهتّكه . و الثانى أنّ عصيان العالم مع اتّصافه بصفة العلم كاشف عن منتهى خبث طينته و سوء سريرته و غاية جرئته على مولاه ، و ذلك بخلاف الجاهل فانه إمّا جاهل ساذج فلا تكليف في حقّه إذ الجهل مانع من أن يتوجّه إليه حكم أو خطاب ، فليس في حقّه أمر و لا نهى فلا ثواب و لا عقاب ، و إمّا جاهل في الجملة فليس له معرفة مثل المعرفة الّتي للعالم و لذلك جعل اللّه سبحانه ثواب المطيعات من نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و العاصيات منهنّ ضعف ما لغيرهنّ ، لكونهنّ عارفات عالمات بادراكهنّ حضور النّبي صلّى اللّه عليه و آله و صحبته كما قال عزّ من قائل : يا نِساءَ النَّبيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَينِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيراً ، وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِه‏ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَينِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَريماً و قال سبحانه : إِنَّ الْمُنافِقينَ في الدْرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ . لأنّهم جحدوا بعد العلم و جعل اليهود شرّا من النّصارى مع أنّهم ما جعلو اللّه تعالى ولدا و لا قالوا : إنّه سبحانه ثالث ثلاثة إلاّ أنّهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال اللّه : يعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْنائَهُمْ و قال : فَلَمّا جائَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرينَ و في سورة الجمعة : مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْريةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلوُها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمينَ . إذا ظهر لك أيّها العالم ذلك فلا يغرّنّك الشّيطان و لا يصدّنّك عن سبيل ربّك و لا ينبغي لك أن تعرّض نفسك للهوان و لغضب الرّحمن ، و لا يجوز لك أن تؤثر [ 188 ] دنياك على آخرتك و لا أن تتّبع هوى نفسك أو تأمر النّاس بالبرّ و تنسى نفسك 1 ، أو تقول ما لا تفعل ، فقد كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون 2 فالويل كلّ الويل لمن اتّبع هواه و باع آخرته بدنياه . عجبت لمبتاع الضّلالة بالهدى و من يشترى دنياه بالدّين أعجب و أعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهو من ذين أعجب الترجمة و شخصى ديگرى هست كه نسبت داده شده بأهل علم و حال آنكه عالم نيست پس كسب نمود جهالتها را از جهال روزگار و ضلالتها را از گمراهان نابكار ، و نصب نمود از جهة فريفتن مردم دامهاى حيلها را از ريسمانهاى فريب و از گفتار دروغ ، بتحقيق كه حمل كرده كتاب مجيد را بر رأيهاى باطل خود ، و ميل داده حق را بر آرزوهاى عاطل خود ، أيمن ميگرداند مردم را از گناهان عظيم و آسان ميگرداند جرمهاى بزرك را . ميگويد كه وقوف ميكنم و باز مى‏ايستم از شبهه‏ها و حال آنكه در آنها افتاده ، و مى‏گويد كه اعتزال ميكنم و كناره‏جوئى مينمايم از بدعتها و حال آنكه در ميان آنها خواب كرده ، پس صورت آن مثل صورت انسان است و قلب آن مثل قلب حيوان ، پس نميشناسد باب هدايت را تا پيروى كند آن را ، و نه باب ضلالت را پس باز ايستد از آن ، پس اين شخص كذائي مرده زنده است چه متّصف است بجهل ابدى كه موت است در صورة حياة . الفصل الثالث فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ، و أَنّى‏ تُؤفَكُونَ ، وَ الْأَعْلامُ قائِمَةٌ ، وَ الْآياتُ ----------- ( 1 ) قال تعالى أتأمرون الناس بالبرّ و تنسون أنفسكم منه ----------- ( 2 ) اقتباس من الآية . [ 189 ] واضحة ، و المنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ، بل كيف تعمهون ، و بينكم عترة نبيّكم ، و هم أزمّة الحقّ ، و أعلام الدّين ، و ألسنة الصّدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، و ردوهم ورود اليهم العطاش ، أيّها النّاس خذوها عن خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّه يموت من مات منّا و ليس بميّت ، و يبلى من بلى منّا و ليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، و أعذروا من لا حجّة لكم عليه ، و أنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثّقل الأكبر ، و أترك فيكم الثّقل الأصغر ، و ركزت فيكم راية الإيمان ، و وقّفتكم على حدود الحلال و الحرام ، و ألبستكم العافية من عدلي ، و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي ، و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرّأي فيما لا يدرك قعره البصر ، و لا يتغلغل إليه الفكر . اللغة ( أفك ) افكا كذب و افكه عنه صرفه و قلبه أو قلب رأيه و ( المنار ) العلم المنصوب في الطريق ليهتدى به الضّال و الموضع المرتفع الذي يوقد في أعلاه النّار و ( تاه ) تيها و تيهانا ضلّ و تحيّروتاه في الأرض ذهب متحيّرا و منه قوله تعالى : يَتيهُونَ في الْأَرْضِ . أى يحارون و يضلّون و ( عمه ) في طغيانه عمها من باب تعب إذا تردّد متحيّرا قال سبحانه : [ 190 ] في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ . و رجل عمه و عامه أى متحيّر حاير عن الطريق و ( ورد ) البعير و غيره الماء وردا و ورودا بلغه و وافاه من غير دخول و قد يحصل دخول فيه و ( الهيم ) بالكسر الابل العطاش و ( بلى ) الثوب يبلى من باب رضى بلىّ بالكسر و القصر و بلاء بالضمّ و المدّ و ( الثقل الأكبر ) في بعض نسخ الكتاب بكسر الثّاء و سكون القاف و ( الثقل الأصغر ) بالتحريك قال بعض شراح الحديث في شرح قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي : إنه من الثقيل سمّيا بذلك لكون العمل بهما ثقيلا و الأكثر على أنّه من الثّقل محرّكة قال في القاموس و الثقل محرّكة متاع المسافر و حشمه و كلّ شي‏ء نفيس مصون ، و منه الحديث إنّي تارك فيكم الثّقلين آه و ( ركزت الرمح ) و نحوه ركزا من باب قتل أثبته بالأرض فارتكز و ( فرشت ) البساط و غيره فرشا من باب قتل و ضرب بسطته و ( تغلغل ) تغلغلا أسرع . الاعراب أين اسم استفهام سؤال عن المكان ، و أنّى تؤفكون بمعنى كيف كما فسّر به قوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى‏ شِئْتُمْ . و المقصود بالاستفهام التوبيخ ، و الواو في قوله عليه السّلام : و الأعلام قائمة للحال ، و كذلك في قوله و بينكم ، و الفاء في قوله فأنزلوهم فصيحة ، و الضمير في قوله خذوها راجع إلى ما يفهم من المقام من الفايدة و الرّواية و نحوهما على حدّ قوله : تورات بالحجاب و قوله ألم أعمل إمّا استفهام تقريرىّ لما بعد النّفى أو إنكار إبطالىّ و هو الأظهر ، و جملة أنه يموت آه بدل من مفعول خذوها ، فانّ المشهور جواز إبدال الظاهر من الضمير إذا كان غايبا . المعنى اعلم أنّه عليه السّلام لما شرح في الفصلين السّابقين حال المتّقين و الفاسقين [ 191 ] و ذكر في بيان صفات الفسّاق انهم أخذ و الجهالة و الضّلالة من الجهّال و الضّلال عقّب ذلك بالأمر بملازمة أئمّة الدّين و أعلام اليقين لكونهم القادة الهداة أدّلاء على طريق النّجاة و كون لزومهم باعثا على التّقوى و محصّلا للقربى و وبّخ المخاطبين أوّلا بصدّهم عن الحقّ و ميلهم إلى الباطل و عدولهم عن أئمة الأنام عليهم الصّلاة و السّلام بقوله : ( فأين تذهبون ) أى أىّ طريق تسلكون أبين من طريق الحقّ و هذه الجملة مأخوذة من قوله سبحانه في سورة التكوير : وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ، وَ لَقَدْ رآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبينِ ، وَ ما هُوَ عَلىَ الْغَيْبِ بِضَنينٍ ، وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجيمٍ ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ، إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمينَ ، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقيمَ . روى عليّ بن إبراهيم في تفسير هذه الآية عن جعفر بن محمّد عليه السّلام قال : حدّثنا عبد اللّه بن موسى عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت : قوله : وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ قال : يعني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما هو بمجنون في نصبه أمير المؤمنين عليه السّلام علما للنّاس قلت قوله : وَ ما هُوَ عَلىَ الْغَيْبِ بِضَنينٍ قال ما هو تبارك و تعالى على نبيّه بغيبه بضنين عليه قلت : وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجيمٍ قال : كهنة الّذين كانوا في قريش فنسب كلامهم إلى كلام الشّيطان الّذين كانوا معهم يتكلّمون على ألسنتهم فقال : و ما هو بقول شيطان رجيم مثل أولئك قلت . فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرُ لِلْعالَمينَ [ 192 ] قال عليه السّلام أين تذهبون في عليّ يعني ولايته أين تفرّون منها إن هو إلاّ ذكر للعالمين أخذ اللّه ميثاقه على ولايته قلت قوله : لِمَنْ شآءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقيمَ . قال في طاعة عليّ و الأئمة عليه السّلام من بعده ( و أنّى تؤفكون ) أى تصرفون عن عبادة اللّه إلى عبادة غيره و تقلبون عن طريق الهدى إلى سمت الضلالة و الرّدى كما قال تعالى في سورة الأنعام : إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبَّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيَّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ » و في سورة الملآئكة : يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ و في سورة المؤمن : ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدوُنَ . قال الطبرسيّ في تفسير هذه الآية أى الّذى أظهر هذه الدّلالات و أنعم بهذه النّعم هو اللّه خالقكم و مالككم خالق كلّ شي‏ء من السّماوات و الأرض و ما بينهما لا يستحقّ العبادة سواه فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره مع وضوح الدّلالة على توحيده هذا . و لا يخفى عليك أنّ ما ذكرته في شرح هذه الفقرة إنّما هو أخذا بظاهر كلامه عليه السّلام و لكنّ الأظهر بمقتضى السّياق أنّه عليه السّلام أراد بها توبيخ المخاطبين على العدول عنه فيكون معنى قوله : أنّى تؤفكون أنّى تقلبون عنّي و عن ولايتي و ملازمتي . [ 193 ] و مثل ذلك قوله عليه السّلام ( و الأعلام قائمة و الآيات واضحة و المنار منصوبة ) فانه يجوز أن يراد به أعلام القدرة و آيات المقدرة و آثار التوحيد و منار التفريد و أدلّة الوجود من المهاد الموضوع و السّماء المرفوع و اختلاف اللّيل و النّهار و الفلك الجاري في البحر الزخّار و المطر النّازل من السحاب الذي أحيى به الأرض بعد موتها و بثّ فيها من الدّواب إلى غير هذه من دلايل التوحيد و الجلال و علائم الكمال و الجمال . إلاّ أنّ الأظهر أنّ المراد بها هو أعلام الدّين و آيات اليقين و منار الهدى و أئمة الورى ، و يشهد بذلك ما ورد في حديث وصفهم عليه السّلام : جعلتهم أعلاما لعبادك و منارا في بلادك أى هداة يهتدى بهم . و يدلّ عليه الأخبار الواردة في أنّهم عليه السّلام آيات اللّه و بيّناته ، مثل ما في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم مسندا عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ : الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمُّ وَ بُكْمٌ في الظُّلُماتِ مَنْ يَشَاء اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يجْعَلْهُ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ . قال أبو جعفر عليه السّلام : نزلت في الذين كذّبوا في أوصيائهم صمّ و بكم كما قال اللّه في الظّلمات من كان من ولد إبليس فانّه لا يصدق بالأوصياء و لا يؤمن بهم أبدا ، و هم الذين أضلّهم اللّه و من كان من ولد آدم عليه السّلام آمن بالأوصياء و هم على صراط مستقيم قال : و سمعته يقول : كذبوا بآياتنا كلّها في بطن القرآن ان كذّبوا بالأوصياء كلّهم ، و منه في قوله : وَ الَّذينَ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ . قال : أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة صلوات اللّه عليهم ، و الدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام : ما للّه آية أكبر منّى . و منه باسناده عن داود بن كثير الرّقي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه : [ 194 ] وَ ما تُغْني الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ . قال عليه السّلام : الآيات الأئمة و النّذر الأنبياء عليه السّلام . و منه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعينَ قال تخضع رقابهم يعني بني أميّة ، و هي الصّيحة من السّماء باسم صاحب الأمر عليه السّلام إلى غير ذلك مما ورد عنهم عليهم السّلام في تفسير الآيات القرآنيّة مما لا نطيل بروايتها ، فقد ظهر بذلك كلّه أنهم المراد بالآيات الواضحة فيكون إطلاقها عليهم باعتبار أنهم علامات جليلة واضحة لعظمة اللّه و قدرته و علمه و لطفه و رحمته . فما آية للّه أكبر منهم فهم آية من دونهم كلّ آية سرى سرّهم في الكائنات جميعها فمن سرّهم لم يخل مثقال ذرّة هذا و قوله ( فأين يتاه بكم بل كيف تعمهون ) تأكيد لقوله فأين تذهبون و أنّى تؤفكون ، فانّه لمّا سألهم عن إفكهم و ذهابهم و وبّخهم عليه أكّده بذلك مشيرا به إلى أنّ الافك و الذّهاب موجب لتيههم و تحيّرهم و عمههم و ضلالتهم . و أكّد الجملة الحالية السّابقة أعني قوله : و الأعلام قائمة الخ بقوله ( و بينكم عترة نبيّكم ) مشيرا به إلى أنّهم المراد بالأعلام و الآيات ، و المراد بعترة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأئمة عليهم السّلام . و يدلّ عليه ما في البحار من العيون و معاني الأخبار عن الهمداني عن عليّ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم عن الصّادق عن آبائه عليهم السّلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّى مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي من العترة ؟ فقال : أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين عليهم السّلام تاسعهم مهديهم و قائمهم لا يفارقون كتاب اللّه و لا يفارقهم حتّى يردوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حوضه . [ 195 ] و سيأتي في شرح الخطبة الثّالثة و التسعين مزيد تحقيق في معنى العترة إنشاء اللّه ( و هم أزمّة الحقّ و ألسنة الصدق ) يعني أنّهم عليهم السّلام القائدون يقودون الخلق إلى الحقّ كما تقاد النّاقة بالزمام إلى الطريق ، و هم تراجمة الوحي كما أنّ اللّسان ترجمان النفس و يدلّ على الأوّل وصفهم في فقرات الزيارة الجامعة بقوله : و قادة الأمم ، يعني أنهم عليهم السّلام قادة الأمم إلى معرفة اللّه و دينه يقودونهم بدعائهم و تعريفهم و أمرهم و ترغيبهم إلى المعرفة و الدّين ، فمن أجاب قادوه إلى الجنة و من أناب ساقوه إلى النّار كما قال عليه السّلام : أنا قسيم الجنّة و النّار ، و هو نعمة اللّه على الأبرار و نقمته على الفجّار . و يدلّ على الثاني وصفهم عليهم السّلام في فقرات الزيارة المذكورة بقوله : و تراجمة لوحيه ، يعني أنّهم المؤدّون من الحقّ إلى الخلق فلا يخفى ما بين القرينتين في كلامه عليه السّلام من الحسن و اللّطف حيث إنّ محصّل معناهما أنهم عليهم السّلام دلائل للخلق على الحقّ و وسايط للحقّ إلى الخلق هذا . و يجوز أن يكون المراد بقوله : و هم أزمّة الحقّ أنّ زمام الحقّ بيدهم عليهم السّلام فيكون مساقه مساق قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الحقّ مع عليّ و هو مع الحقّ أينما دار . و من طرق الخاصة متواترا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم : الحقّ مع الأئمة الاثنى عشر ، و في فقرات الزيارة الجامعة : و الحقّ معكم و فيكم و منكم و إليكم و أنتم أهله و معدنه . و أن يكون المراد بقوله عليه السّلام و ألسنة الصدق أنهم لا يقولون إلاّ صدقا و حقّا فيكون تصديقا لدعاء إبراهيم حيث إنّه دعا ربّه بما حكاه اللّه عنه بقوله في سورة الشعراء : وَ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في الْآخِرينَ . أى اجعل صادقا من ذرّيتي يجد أصل ديني و يدعو النّاس إلى ما كنت أدعوهم إليه ، فاستجاب اللّه دعوته و اصطفى من ذريّته محمّدا و آله صلوات اللّه و سلامه عليه [ 196 ] و عليهم و جعلهم لسان صدق له . و يؤيّد ذلك ما في تفسير القمّي عند قوله : وَ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ . قال : هو أمير المؤمنين عليه السّلام و في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كونُوا مَعَ الصّادِقينَ قال الطّبرسيّ أى اتّقوا معاصي اللّه و اجتنبوا و كونو مع الصّادقين الذين يصدقون في أخبارهم و لا يكذبون ، و معناه كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله و أفعاله و صاحبوهم و رافقوهم و قد وصف اللّه الصّادقين في سورة البقرة بقوله : وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله : أُولئكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ أُلئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ . فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء ، و قيل : المراد بالصّادقين هم الّذين ذكرهم اللّه في كتابه و هو قوله : رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ . يعني حمزة بن عبد المطلب و جعفر بن أبي طالب . وَ منْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يعني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . و روى الكلينيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : كونوا مع الصّادقين مع عليّ عليه السّلام و أصحابه . و روى جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله و كونوا مع الصّادقين ، قال : مع آل محمّد سلام اللّه عليهم . ثمّ إنّه عليه السّلام بعد توصيف العترة الطّاهرة بأنّهم أزمّة الحقّ و ألسنة الصدق أمر بتعظيمهم و إجلالهم بقوله ( فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ) قال الشّارح المعتزلي في شرحه إنّه عليه السّلام أمر المكلّفين أن يحروا العترة في إجلالها و إعظامها [ 197 ] و الانقياد و الطّاعة لأوامرها مجرى القرآن . و قال الشّارح البحراني : اعلم أنّ للقرآن منازل : الاولى القلب و هو فيه بمنزلتين : إحداهما منزلة الاكرام و التّعظيم ، و الثانية منزلة التصوّر فقط ، الثالثة منزلته في الوجود اللّساني بالتلاوة ، الرابعة منزلته في الدفاتر و الكتب ، و أحسن منازله هي الأولى فالمراد إذن الوصية باكرامهم و محبّتهم و تعظيمهم كما يكرم القرآن بالمحبّة و التّعظيم . أقول : فعلى ما ذكراه يكون معنى كلامه عليه السّلام أنزلوهم بأحسن المنازل التي كانت للقرآن ، و الأظهر عندي أنّ معناه أنزلوهم بأحسن المنازل التي أثبتها القرآن لهم ، فانّ المنازل الثابتة لهم عليهم السّلام بالآيات القرآنيّة متفاوتة مختلفة في العلوّ و الرفعة فأمر عليه السّلام بانزالهم بأحسن المنازل و أسنى المراتب ، و هو بأن يستمسكوا بأظهر الآيات دلالة على رفعة شأنهم و علوّ مقامهم مثل قوله سبحانه : إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ هُمْ راكِعُونَ الدّال على خلافتهم و ولايتهم ( ع ) و قوله : إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرَّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً الدّال على عصمتهم و طهارتهم و قوله : قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ في الْقرْبى‏ الدّال على ملازمتهم و مودّتهم روى الطّبرسيّ في مجمع البيان في تفسير الآية الأخيرة من كتاب شواهد التنزيل مرفوعا إلى أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه خلق الأنبياء من أشجار شتّى و خلقت أنا و عليّ من شجرة واحدة فأنا أصلها و عليّ فرعها [ 198 ] و الحسن و الحسين ثمارها و شيعتنا أوراقها ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، و من زاغ هوى ، و لو أنّ عبدا عبد اللّه بين الصّفا و المروة ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ ألف عام حتّى يصير كالشنّ البالي ثمّ لم يدرك محبّتنا أكبّه اللّه على منخريه في النّار ثمّ تلا : قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُربى‏ . قال الطبرسيّ و روى زاذان عن عليّ عليه السّلام قال : فينا في ال حم آية لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن ثمّ قرء هذه الآية و إلى هذا أشار الكميت في قوله : وجدنا لكم في آل حم آية . تأوّلها منّا تقىّ و معرب و في البحار ذكر أبو حمزة الثّمالي في تفسيره حدّثنى عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين قدم المدينة و استحكم الاسلام قالت الأنصار فيما بينهم : نأتي رسول اللَّه فنقول له إنه تعروك امور فهذه أموالنا فاحكم فيها غير حرج و لا محظور عليك ، فأتوه في ذلك فنزل : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى‏ فقرأها عليهم فقال تودّون قرابتي من بعدي ، فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله ، فقال المنافقون : إنّ هذا الشي‏ء افتراه في مجلسه أراد بذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده فنزلت : أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى‏ عَلىَ اللَّهِ كَذِباً . فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا و اشتدّ عليهم فأنزل اللّه : ( وَ هُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه ) الآية . فأرسل في أثرهم فبشّرهم و قال : و يستجيب اللّه الّذين آمنوا و هم الّذين سلّموا لقوله ثمّ قال سبحانه : [ 199 ] وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً . أى من فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسنا بأن نوجب له الثواب . و ذكر أبو حمزة الثمالي عن السّدى أنّه قال : اقتراف الحسنة المودّة لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صحّ عن الحسن بن عليّ عليه السّلام أنّه خطب النّاس فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودّتهم على كلّ مسلم فقال : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّة في الْقُربى‏ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسْناً ) . فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت . و روى اسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال : إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء انتهى كلامه رفع مقامه . و قال الفخر الرّازي في التفسير الكبير نقل صاحب الكشاف عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات تائبا ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الايمان ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر و نكير ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما يزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرّحمة ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة و الجماعة . ألا و من مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة اللّه ، ألا و من مات على بغض آل محمّد مات كافرا ، ألا و من مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رايحة الجنّة ، قال : هذا هو الذي رواه صاحب الكشّاف . [ 200 ] و أنا أقول : آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم هم الذين يؤول أمرهم إليه فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل و لا شكّ أنّ فاطمة و عليّا و الحسن و الحسين كان التعلّق بينهم و بين رسول اللَّه أشدّ التّعلّقات ، و هذا كالمعلوم بالنّقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل ، و أيضا اختلف النّاس في الآل فقيل هم الأقارب ، و قيل هم امّته فان حملناه على القرابة فهم الآل و إن حملناه على الامّة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل ، فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل و أمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه . قال : و روى صاحب الكشاف أنّه لمّا نزلت هذه الآية قيل يا رسول اللَّه من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم ؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم عليّ و فاطمة و ابناهما ، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و إذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التّعظيم و يدلّ عليه وجوه : الأوّل قوله تعالى « إلاّ المودّة في القربى » و الثّاني لا شكّ أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يحبّ فاطمة عليها السلام قال صلّى اللَّه عليه و آله : فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ، و ثبت بالنّقل المتواتر من محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أنّه كان يحبّ عليّا و الحسن و الحسين ، و إذا ثبت ذلك وجب على كلّ الامّة مثله لقوله : ( وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) و لقوله : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِه‏ ) و لقوله : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) و لقوله سبحانه : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . الثّالث أنّ الدعاء للآل منصب عظيم و لذلك جعل هذا الدّعاء خاتمة التشهّد في الصّلاة و هو قوله : اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد و ارحم محمّدا و آل محمّد ، و هذا التّعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل فكلّ ذلك يدلّ على أن حبّ آل محمّد واجب ، و قال الشّافعي : [ 201 ] يا راكبا قف بالمحصّب من منى و اهتف بساكن خيفها و النّاهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كما نظم الفرات الفائض إن كان رفضا حبّ آل محمّد فليشهد الثّقلان أنّي رافضي انتهى كلام الرازي خذله اللَّه اقول : و لا يكاد ينقضى عجبى من هذا النّاصب أنّه مع نقله تلك الأخبار المستفيضة المتفق عليها بين الفريقين و اقراره بهذه الفضايل للآل كيف يتعصّب في حقّ أئمته و يرضى بخلافتهم و يذعن بامامتهم مع أنّ دلالة هذه الأخبار على كفرهم و شقاوتهم غير خفيّة إذ بغضهم لأهل بيت الرّسول في حياته و بعد وفاته ظاهر ، و أذاهم لبضعته في إحراق بابها و إسقاط جنينها و غصب فدك منها واضح ، و تسليطهم بني اميّة و بني أبي معيط على رقاب أهل البيت و ما جرى من الظلم و الجور بسبب ذلك عليهم عليهم السّلام غني عن البيان ، و إنما أنطق اللَّه لسانه على الحقّ إتماما للحجّة و إكمالا للبيّنة لئلا يقول يوم القيامة : ( إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلينَ » « وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِىَ لَهُ » « وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ . ثمّ إنّ الشّارح المعتزلى قال في شرح هذه الفقرة أعني قوله عليه السّلام : فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن بعد كلامه الذي قدّمنا ذكره : فان قلت : فهذا القول منه عليه السّلام يشعر بأنّ العترة معصومة فما قول أصحابكم في ذلك ؟ قلت : نصّ أبو محمّد بن مثنويه في كتاب الكفاية على أنّ عليّا عليه السّلام معصوم و إن لم يكن واجب العصمة و لا العصمة شرط في الامامة لكن أدلّة النّصوص قد دلّت على عصمته و القطع على باطنه و نفسه و إنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصّحابة ، و الفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم و بين قولنا زيد واجب العصمة ، لأنّه امام و من شرط الامام أن يكون معصوما فالاعتبار الأوّل مذهبنا و الاعتبار الثّاني [ 202 ] مذهب الاماميّة انتهى كلامه هبط مقامه . و فيه أنّك قد عرفت في مقدّمات شرح الخطبة الشقشقيّة بما لا مزيد عليه و في غيرها أيضا أنّ العصمة شرط في الامامة ، و محصّل ما قلناه هناك : أنّ غير المعصوم لا يؤمن منه الخطأ و الضّلال فكيف يأمنه النّاس في ضلالته و خطائه ، و إن شئت زيادة الاستبصار فارجع ثمّة . و أمّا قوله عليه السّلام ( و ردوهم ورود اليهم العطاش ) فأشار به إلى اقتباس العلوم و اكتساب الأنوار منهم ، فانهم ( ع ) لما كانوا ينابيع العلوم و كان علمهم بمنزلة العذب الفرات و كان الخلق محتاجين إليهم في ذلك حسن منه عليه السّلام أن يأمرهم بورودهم و يشبّه ورودهم بورود الابل الظّمآن على الماء و هو نظير قوله سبحانه . ( فَاسْئَلوُا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) . قال الحارث سألت أمير المؤمنين عليه السّلام عن هذه الآية قال : و اللَّه إنّا لنحن أهل الذّكر نحن أهل العلم نحن معدن التأويل و التنزيل . ثمّ إنّه عليه السّلام لما ذكر فضايل الآل و مناقبهم عقّب ذلك و أكّده بذكر منقبة أخرى و فضيلة عظمى رواها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقال ( أيّها الناس خذوها عن خاتم النّبييّن ) و سيّد المرسلين ( صلّى اللَّه عليه و آله ) أجمعين ( أنّه يموت من مات منّا و ليس بميّت و يبلى من بلى منّا و ليس ببال ) اعلم أنّ هذا الحديث من مشكلات الأحاديث و متشابهاتها و قد اختلف في توجيهه أنظار الشّراح و تأوّله كلّ بما يقتضيه سليقته و مذاقه ، و أعظمهم خبطا و أشدّهم و هما الشارح البحراني مع فضله و ذكائه و براعته في علم الحكمة حسبما تطلع عليه و لا غرو فيه فانّ الحكمة بعيدة عن مذاق الأخبار و حاجبة من اقتباس الأنوار و الأسرار المودعة في كنوز أحاديث الأئمة الأطهار . و أنا أتمسّك في شرح المقام بحبل العناية الأزليّة و أستمدّ من الحضرة الالهيّة و أستمسك بذيل أهل بيت العصمة و الطّهارة ، و أبيّن أوّلا جهة الاشكال و هو [ 203 ] أنّ كلامه عليه السّلام بظاهره متناقض حيث إنّه نفى الموت و البلا عنهم بعد إثباتها عليهم و الايجاب يناقض السلب و السّلب للايجاب ، و أيضا أنهم عليهم الصّلاة و السّلام هل يحكم بموتهم و بلاهم في الواقع و نفس الأمر على ما هو مقتضى الشطر الايجابيّ من القضيّتين أولا يحكم بشي‏ء منهما في حقّهم على ما يقتضيه الجزء السّلبيّ منهما ، فأقول و باللّه التوفيق : إنّ حلّ الاشكال في المقام موقوف على تحقيق الكلام في كلّ من القضيّتين و به يرتفع التناقض من البين . فأمّا القضيّة الأولى فمحصّل القول فيها أنّ النّبيّ و الأئمة صلوات اللَّه و سلامه عليه و عليهم إلاّ الحجّة المنتظر عجّل اللَّه فرجه قد انتقلوا من دار الدّنيا إلى دار الآخرة و خرجت أرواحهم من أبدانهم و جرى الموت عليهم حقيقة كما هو نصّ الجزء الايجابي من هذه القضيّة ، و نفى الموت عنهم إنما هو من مفتريات عبد اللَّه ابن سبا و من حذا حذوه من الغلاة مخالف لاجماع الامة و لنصّ الكتاب و السنّة و قد قال سبحانه : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) و قال : وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ . و أمّا سلب الموت عنهم عليهم السّلام في الجزء الثّاني من القضيّة فهو محمول على حياتهم بأجسادهم المثالية كما هو مذهب جمع من أصحابنا على ما حكى عنهم الطّبرسيّ في مجمع البيان في تفسير قوله : ( وَ لا تقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيل اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا يَشُعُرُونَ . و إليه ذهب المحدّث المجلسيّ في كتاب حقّ اليقين و نسبه فيه على ما ببالي إلى المفيد ( ره ) . و قال في البحار في المجلّد الرابع عشر منه : و نحن لا ننكر الأجساد المثالية [ 204 ] و تعلّق الأرواح بها بعد الموت بل نثبتها لدلالة الأحاديث المعتبرة عليها ، بل لا يبعد عندى وجودها قبل الموت أيضا فتتعلّق بها الأرواح في حال النوم و شبهه من الأحوال لضعف تعلّقها بالأجساد الأصلية فيسير بها في عوالم الملك و الملكوت و لا أستبعد في الأرواح القويّة تعلّقها بالأجساد المثالية الكثيرة ، و تصرّفها في جميعها في حاله فلا يستبعد حضورهم عليهم السّلام في آن واحد عند جمع كثير من المحتضرين و غيرهم . و قال ( ره ) في المجلّد التاسع منه بعد نقله رواية البرسى في مشارق الأنوار استقبال أمير المؤمنين و حضوره جنازة نفسه في ظهر الكوفة عند تشييع الحسنين عليهما السّلام لها : و لا أردّ هذه الرّواية لورود الأخبار الكثيرة الدالّة على ظهورهم عليهم السّلام بعد موتهم في أجسادهم المثالية كما نقلنا عنه في شرح الكلام التاسع و الستّين ، و لا بعد في ذلك أى في ثبوت الأجساد المثالية لهم ، فقد ثبت ذلك في حقّ المؤمنين الّذينهم من فاضل طينتهم و أشعّة أنوارهم فكيف و هو عليه السّلام أمير المؤمنين و هو و أولاده المعصومون سادات أهل الايمان و اليقين بهم سعد من سعدو بولايتهم فاز من فاز و كلّ الكمالات فيهم و منهم و بهم و إليهم . روى الكلينيّ في الكافي باسناده عن القاسم بن محمّد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام فقال : ما يقول النّاس في أرواح المؤمنين ؟ فقلت : يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش ، فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام : سبحان اللَّه المؤمن أكرم على اللَّه من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، يا يونس إذا كان ذلك أتاه محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الملائكة المقرّبون عليهم السّلام فاذا قبضه اللَّه عزّ و جلّ صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدّنيا فيأكلون و يشربون ، فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا . و رواه في مجمع البيان عن تهذيب الأحكام للشيخ عن القاسم بن محمّد نحوه . و في الكافي باسناده عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : إنّا نتحدّث عن أرواح [ 205 ] المؤمنين أنّها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنّة و تأوى إلى قناديل تحت العرش فقال عليه السّلام : لا إذن ما هى في حواصل طير ، قلت : فأين هي ؟ فقال عليه السّلام في روضة كهيئة الأجساد في الجنة . و في مجمع البيان و الصافي من التهذيب عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن أرواح المؤمنين ، فقال : في الجنّة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان . و كيف كان فلا غبار على ذلك ، و إطباق المشايخ على القدح في يونس بن ظبيان و نسبتهم له إلى الغلوّ و الكذب مع مدح بعضهم له و تلقّى جمع منهم روايته هذه بالقبول و بنائهم على مضمونها مع اعتضادها بالرّوايات الاخر لا يقدح في روايته هذه و العمل عليها ، هذا هو الذي يقتضيه النظر الجليل في توجيه سلب الموت عنهم ( ع ) . و أمّا الذي يقتضيه النظر الدقيق فهو أن يقال بحياتهم بعد موتهم بأجسادهم الأصلية التي كانت في الدّنيا ، و لا غرو فيه بعد دلالة الأخبار المعتبرة عليه . مثل ما في الوسائل في باب كراهة الاشراف على قبر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من فوق عن الكلينيّ عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد البرقي عن جعفر بن المثنى الخطيب قال : كنت بالمدينة و سقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط ، و الفعلة يصعدون و ينزلون و نحن جماعة ، فقلت لأصحابنا : من منكم له موعد يدخل على أبي عبد اللَّه عليه السّلام الليلة ؟ فقال مهران بن أبي نصر : أنا ، و قال إسماعيل بن عمّار الصّيرفي : أنا فقلنا : سلاه عن الصّعود لنشرف على قبر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، فلما كان من الغد لقيناهما فاجتمعنا جميعا ، فقال اسماعيل : قد سألناه لكم عمّا ذكرتم فقال : ما أحبّ لأحد منهم أن يعلوه فوقه و لا آمنه أن يرى منه شيئا يذهب منه بصره أو يراه قائما يصلّي أو يراه مع بعض أزواجه . و في البحار من المناقب لابن شهر آشوب عن عبد اللَّه بن سليمان و زياد بن المنذر و الحسن العباس بن حريش كلّهم عن أبي جعفر عليه السّلام و أبان بن تغلب و معاوية ابن عمّار و أبو سعيد المكاري كلّهم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لقى الأوّل فاحتجّ عليه ثمّ قال : أترضى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بيني و بينك ؟ فقال : [ 206 ] و كيف بذلك ؟ فأخذ بيده فأتى به مسجد قبا فاذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فيه فقضى له على الأوّل . و فيه من إرشاد القلوب عن الصّادق عليه السّلام في حديث طويل ذكر فيه احتجاج أمير المؤمنين عليه السّلام على أبي بكر بحديث الغدير و غيره فقال أبو بكر : لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمرا لو يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم شاهدا فأسمعه منه ، فقال أمير المؤمنين : اللَّه و رسوله عليك من الشّاهدين يا أبا بكر إذا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حيّا و يقول لك إنّك ظالم لي في أخذ حقّي الّذي جعله اللَّه لي و لرسوله دونك و دون المسلمين أ تسلّم هذا الأمر إلىّ و تخلع نفسك منه ؟ فقال أبو بكر : يا أبا الحسن و هذا يكون أرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حيّا بعد موته يقول لي ذلك . فقال أمير المؤمنين : نعم يا أبا بكر ، قال : فأرنى ذلك إن كان حقّا ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : اللَّه و رسوله عليك من الشّاهدين إنّك تفى بما قلت ؟ قال أبو بكر : نعم فضرب أمير المؤمنين عليه السّلام على يده و قال : تسعى معي نحو مسجد قبا فلمّا ورداه تقدّم أمير المؤمنين عليه السّلام فدخل المسجد و أبو بكر من ورائه فاذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في قبلة المسجد ، فلمّا رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشيّ عليه فناداه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : ارفع رأسك أيّها الضّليل المفتون ، فرفع أبو بكر رأسه و قال : لبّيك يا رسول اللَّه أحياة بعد الموت يا رسول اللَّه ؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : ويلك يا أبا بكر ( إِنَّ الَّذي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ ) الحديث و نحوها أخبار اخر . و أنت بعد ذلك لو سنحت بخاطرك سوانح الشبهات و خالجتك الشّكوك و احتملت تأويل هذه الأخبار بالأجساد المثالية و أردت أن يطمئن قلبك بجواز الحياة على الأجساد الأصلية فراجع إلى ما رواه في البحار من المناقب عن أبان بن تغلب و الحسين بن معاوية و سليمان الجعفري و إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر كلّهم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام [ 207 ] قال : لمّا حضر رسول اللَّه المماة دخل عليه عليّ عليه السّلام فأدخل رأسه معه ثمّ قال : يا علي إذا أنا متّ فغسّلني و كفنّي ثمّ اقعدني و سائلني و اكتب و من تهذيب الأحكام فخذ بمجامع كفني ثمّ اسألني عما شئت فو اللَّه لا تسألني عن شي‏ء إلاّ أجبتك . و رواه فيه من البصاير و الكافي و الخرايج عن البزنطي عن فضيل عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام مثله ، و فيه و في رواية أبي عوانه باسناده قال عليّ عليه السّلام ففعلت فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة . و في البحار أيضا من الخرايج عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال : قال عليّ بن أبيطالب عليه السّلام : أمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا توفّى أن استسقي سبع قرب من بئر غرس فأغسله بها ، فاذا غسلته و فرغت من غسله أخرجت من في البيت قال : فاذا اخرجتهم فضع فاك على فيّ ثمّ سلني عمّا هو كائن إلى أن تقوم الساعة من أمر الفتن ، قال عليّ عليه السّلام : ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون إلى أن تقوم الساعة ، و ما من فئة تكون إلاّ و أنا أعرف أهل ضلالها من أهل حقّها . و من الخرايج أيضا عن حفص بن البخترى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لأمير المؤمنين : إذا أنا متّ فغسّلني و كفّنّى و ما املي عليك فاكتب قلت : ففعل ؟ قال : نعم . و يزيد توضيحا لذلك الأخبار الواردة في كتب المقاتل من أنّ الرّأس الأطيب الأطهر الأنور للسيّد الشّهداء روحي و جسمى له الفداء كان ينظر و يتحرّك و يتكلّم بعد قتله عليه السّلام فيكبّر تارة و يحوقل أخرى و يقرء من القرآن آية الكهف و غيرها على السّنان و يخبر عن ما سنح بخاطر ابن وكيدة بالكوفة ، إلى غير هذه ممّا شوهدت منه من المعجزات و الكرامات ، أفيمكن لك أن تقول إنّ ذلك لم يكن رأسه الأصلي و إنّما كان رأسه المثالي ؟ فاذا جاز الحياة على الرأس الذي هو جزء من البدن الشريف سلام اللَّه عليه فكيف بالبدن تمامه . و قد روى غير واحد من أرباب المقاتل المعتبرة جلوس الجسد المذبوح عند وداع أهل بيته عليه السّلام له و معانقته لبنته الصغيرة و وصيّته إليها بأن يقول لشيعته : [ 208 ] شعتي ما إن شربتم ماء عذب فاذكرونى . أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني إلى آخر الأبيات الّتي خرجت من الحلقوم الشّريف لعن اللَّه قاتليه و ظالميه أبد الآبدين و دهر الداهرين . فحاصل الكلام و فذلكة المرام أنّي لا أمنع من تصرّفات أرواحهم الكلّيّة في أجسادهم الأصليّة كتصرّفها فى الأجساد المثاليّة على ما عليه أساطين العلماء باقدار من اللَّه سبحانه و إفاضة منه الحياة عليهم بعد موتهم إظهارا لشرفهم و رفعتهم و كرامتهم و إتماما للحجّة في بعض المقامات ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) . و لا أرى مانعا من ذلك إلاّ ما في المجلس التّاسع عشر من كتاب أسرار الشّهادات من أنّ القول بتعلّق الأرواح بالأجساد الدّنيويّة الأصليّة قبل قيام الساعة أو قبل الرّجعة ممّا قام الاجماع على بطلانه و لكنّك خبير بما فيه إذ المسألة غير معنونة في كلام الأصحاب فكيف يمكن دعوى الاجماع و بعد الغضّ عن ذلك غايته أنّه إجماع منقول بخبر الواحد و هو على القول بحجّيته لا يكافؤ الأخبار المستفيضة الدّالّة على خلافه . و يؤيّد ما ذكرته و يقرّبه ما في مجمع البيان في تفسير الآية السّابقة أعنى قوله : ( وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ ) فانّه بعد ما اشكل في حياة الشهداء بقوله : فان قيل : فنحن نرى جثّة الشهداء مطروحة على الأرض لا تنصرف و لا يرى فيه شي‏ء من علامات الأحياء ، قال ( ره ) ما نصّ عبارته : فالجواب أمّا على مذهب من يقول من أصحابنا أنّ الانسان هو النّفس إنّ اللَّه يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدّنيا يتنعّمون فيها دون أجسامهم التي في القبور فانّ النّعيم و العذاب إنما يحصل عنده إلى النّفس التي هي الانسان المكلّف [ 209 ] عنده دون الجثة إلى أن قال : فأمّا على مذهب من قال من أصحابنا إنّ الانسان هذه الجمل المشاهدة و إنّ الرّوح هو النّفس المتردّد في مخارق الحيوان و هو أجزاء الجوّ فالقول أنه يلطف أجزاء من الانسان لا يمكن أن يكون الحىّ حيّا بأقلّ مما يوصل إليها النّعيم و إن لم تكن تلك الجملة بكمالها ، لأنّه لا يعتبر الأطراف و أجزاء السّمن في كون الحىّ حيّا ، فانّ الحىّ لا يخرج بمفارقتها من كونه حيّا . و ربّما قيل : بأنّ الجثّة يجوز ان يكون مطروحة في الصورة و لا يكون ميتة فتصل إليها اللّذات كما أنّ النّائم حىّ و تصل إليه اللّذات مع أنه لا يحسّ و لا يشعر بشي‏ء من ذلك ، فيرى في النوم ما يجد به السّرور و الالتذاذ حتّى يودّ أن يطول نومه فلا ينتبه . و قد جاء في الحديث أنّه يفسح له مدّ بصره و يقال له نم نومة العروس ، و قريب منه ما في التّفسير الكبير للفخر الرّازي حيث قال : فان قيل : نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور فكيف يصحّ ما ذهبتم إليه ؟ قلنا : أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة و لا امتناع في أن يعيد اللَّه الحياة إلى كلّ واحد من تلك الذّرات و الأجزاء الصّغيرة من غير حاجة إلى التركيب و التأليف ، و أمّا عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد اللَّه إلى الأجزاء التي لا بدّ منها في ماهية الحىّ و لا يعتبر بالأطراف و يحتمل أيضا ان يحييهم إذا لم يشاهدوا . و بالجملة فقد تقرّر ممّا ذكرنا جواز الحياة على الأبدان الأصلية في الجملة و ارتفع بعد ذلك في نظرك بما نسبه الطبرسيّ إلى جمع من أصحابنا و الفخر الرّازي إلى المعتزلة مع أنه لا يعبؤ باستبعاد العقول بعد دلالة نصّ الآية و قيام الأخبار المستفيضة عليه هذا . و أمّا القضية الثانية أعنى قوله : و يبلى من بلى منّا و ليس ببال ، فقد ظهر تحقيق الكلام فيها مما سبق إذ بعد القول بحياة الأبدان على الوجه الذي قلناه [ 210 ] لا يتصوّر البلى لمنافاتها له ، نعم لا ينافيها على الوجه الذي اختاره الأشاعرة و الوجه الذي ذهب إليه المعتزلة و جمع من أصحابنا على ما عرفت في نقل كلامهم . و يدلّ على ذلك أى على عدم البلى ظواهر الأخبار السّابقة مضافة إلى ما في الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحكم عن زياد بن أبي الجلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : ما من نبيّ و لا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام حتّى ترفع روحه و عظمه إلى السّماء و إنما يؤتى مواضع آثارهم و يبلغونهم من بعيد السّلام و يسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب . و في الوسائل عن الشيخ باسناده عن محمّد بن سنان عن المفضل بن عمر قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له : إنّي اشتاق إلى الغرّى فقال : ما شوقك إليه ؟ فقلت : له إنّي أحبّ أن أزور أمير المؤمنين عليه السّلام ، فقال عليه السّلام : هل تعرف فضل زيارته ؟ قلت : لا إلاّ أن تعرّفني ، فقال عليه السّلام : إذا زرت أمير المؤمنين عليه السّلام فاعلم أنّك زائر عظام آدم و بدن نوح و جسم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الحديث . و ما في شرح المعتزلي عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ الأرض لم تسلّط عليّ و أنها لا تأكل لي لحما و لا تشرب لي دما . و في الفقيه عن الصّادق عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم عظامنا على الأرض و حرّم لحومنا على الدّود أن يطعم منها شيئا . و قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم حياتي خير لكم و مماتي خير لكم ، قالوا : يا رسول اللّه و كيف ذلك ؟ قال عليه السّلام : أما حياتي فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول : و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم ، و أمّا مفارقتي إيّاكم فانّ أعمالكم تعرض علىّ كلّ يوم فما كان من حسن استزدت اللّه لكم و ما كان من قبيح استغفرت اللّه لكم ، قالوا : و قد رحمت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعنون صرت رميما فقال عليه السّلام : كلاّ إنّ اللّه تبارك و تعالى حرّم لحومنا على الأرض أن يطعم منها شيئا ، هذا . و مقتضى الجمع بين هذه الأخبار و الأخبار الدالّة على نقل عظام آدم عليه السّلام [ 211 ] إلى الغريّ و عظام يوسف إلى الأرض المقدّسة هو اختصاص حكم عدم البلى بهذه الشجرة المباركة أعني خاتم النبيّين و أوصيائه المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين . فان قلت : فاذا قلت بعدم البلى على ما يقتضيه قوله عليه السّلام ليس ببال فكيف التوفيق بينه و بين قوله و يبلى من بلى منّا المقتضي لثبوت البلى ؟ قلت : ذلك محمول على زعم أغلب الخلق فانّ اسراء عالم الحواسّ من الناس لمّا زعموا أنّ الموت ملازم للبلى و قاسوا أولياء اللّه و عباده المصطفين بساير الخلق و لم يعرفوا أنّهم لا يقاس بهم أحد فأثبتوا البلى في حقّهم و لذلك عقّب عليه السّلام الايجاب بالسّلب كما أنّ اللّه سبحانه ردّ حسبان الخلق و زعمهم لكون القتل مستلزما للموت في سورة البقرة بقوله : ( وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ ) و في سورة آل عمران بقوله : ( لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) فان قوله : ( وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ ) . في الآية الاولى دليل على أنهم لم يكن لهم شعور بحياتهم فاذا لم يكن لهم شعور بذلك فلا يكون لهم شعور بعدم البلى البتة من حيث الملازمة بينه و بين الموت في نظرهم كملازمة الموت للقتل عندهم ، هذا . و أما حمل البلى على بلى الأكفان فبعيد ، و أبعد منه حمله على بلى الأبدان و حمل عدم البلى على عدمه للأرواح كما يظهر من شرح البحراني حيث قال في شرح هاتين الفقرتين ما نصّ عبارته : و إشارة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بهذه الكلمة تقرير لقوله تعالى : ( وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ ) الآية . لما اتفقت عليه كلمة العلماء و نطقت به البراهين العقلية أنّ أولياء اللّه لا [ 212 ] يموتون و لا يبلون و إن بليت أجسادهم . قال بعض الخائضين فيما لا يعنيه : قوله : و يبلى من بلى منّا ، نصّ جلّى على أنّ أجساد الأولياء تبلى ، و ذلك يخالف ما يعتقده النّاس من أنّ أجسادهم باقية إلى يوم القيامة . قلت : الاعتقاد المذكور لبعض الناس إنّما نشأ من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قتلى بدر : زمّلوهم بكلومهم و دمائهم فانهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما ، و قوله تعالى : و لا تحسبنّ الّذين قتلوا ، الآية و ليس و لا واحد منهما بدال على أن الأجساد لا تموت و لا تبلى . أمّا الخبر فليس مقتضاه أنها تبقى صحيحة تشخب دما إلى يوم القيامة ، بل ذلك ممّا يشهد ببطلانه الحسّ ، بل يحمل على أنّها كما تعاد يوم القيامة تعاد مجروحة تشخب جراحها دما كهيئتها يوم موتها . و أمّا الآية فالذي أجمع عليه علماء المفسّرين أنّ الحياة المذكورة فيها هي حياة النّفوس ، و هو ظاهر في سبب نزولها عن ابن عباس ( رض ) قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لما اصيبت إخوانكم باحد جعل اللّه أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنّة و تأكل من ثمارها و تأوى إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش ، فلمّا وجد و اطيب مأكلهم و مشربهم و مقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنّا أنّا في الجنّة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد و لا يتكلّموا عند الحرب ؟ فقال اللّه عزّ و جلّ : أنا ابلّغهم عنكم فنزلت : و لا تحسبنّ الّذين قتلوا ، الآية . فاذن لا منافاة بين كلامه عليه السّلام و ما ورد في القرآن و الخبر ، و مقصوده عليه السّلام بهذه الكلمة تقرير فضيلتهم و أنّهم أولياء باقون عند ربّهم في ظلّ كرامته انتهى كلامه . و قد تحصّل منه أنه ( ره ) يحمل الموت و البلى في كلامه عليه السّلام على بلى الأجساد و موتها و يحمل عدم الموت و البلى فيه على حياة النفوس و الأرواح و بقائها و أنت [ 213 ] خبير بما فيه . أمّا أوّلا فلأنّ القول ببلى أجساد الأئمة و موتها خلاف ما هو المستفاد من الأخبار المستفيضة السّابقة . و ثانيا أنّ الامام عليه السّلام إنّما أتى بالحديث النّبويّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إظهارا للرفعة و الكرامة و مقصوده عليه السّلام به المفاخرة و بيان فضيلة و منقبة مختصّة بهم عليه السّلام ، و من المعلوم أنّ بقاء الأرواح مع بلى الأجساد ليس فضيلة مخصوصة بأهل بيت الرسالة بل هي جارية في حقّ ساير النّاس من المؤمنين و الكفّار ، و قد مرّ في شرح الخطبة الثّانية و الثمانين أنّ أرواح المؤمنين في وادي السّلام و أرواح الكفّار في البرهوت ، فأىّ معنى لحمل عدم البلى فيه علي عدم بلى الأرواح ، مع أنّ استعمال لفظ البلى و عدم البلى إنّما هو مصطلح فى الأجساد و الأجسام دون الأنفس و الأرواح و هو واضح لا يخفى ، بل الأرواح لا يتصوّر في حقّها البلى فلا معنى لنفى البلى عنها إلاّ على وجه السالبة بانتفاء الموضوع و ثالثا قوله ره : قلت : الاعتقاد المذكور إنّما نشأ من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آه فيه أنّ سند الاعتقاد المذكور ليس منحصرا فيما ذكره بل قد دلّ عليه ما قدّمناه من الأدلّة . و رابعا أنّ دعوى اتّفاق المفسّرين على كون الحياة المذكورة في الآية هي حياة النفوس ممنوعة ، لما عرفت سابقا اختلاف المفسّرين فيها ، فمنهم من يحملها على الحياة بالأجساد المثالية ، و منهم من يحملها على الحياة بالأبدان الأصليّة ، و منهم من يحملها على حياة النفوس فكيف يمكن مع هذا الخلاف دعوى الاتفاق ، و ما أبعد ما بين هذه الدّعوى و بين إنكار البعض حديث الأرواح مستدّلا بكون الروح عرضا لا يتنعّم ، فانّ دعوى الشارح للاتفاق واقع في طرف الافراط كما أنّ انكار هذا البعض في جانب التفريط من حيث أنّ الروح جسم لطيف هوائيّ حسّاسة فعّالة و ليس عرضا كما توهّمه فيجوز أن يتنعّم و يلتذّ . [ 214 ] و خامسا أنّ الحديث الذي نقله عن ابن عباس في مقام الاستظهار به قد عرفت ردّ الصادق عليه السّلام له في روايتي يونس بن ظبيان و أبي بصير المتقدّمتين ، و اللّه العالم بحقايق الامور ، و المحصّل لما في الصدور و انّما أطنبت الكلام في المقام لكونه من مزالق الأقدام محتاجا إلى كشف الحجاب عن المرام و قد وضح لك فيه ما اقتضت الأدلّة من الكتاب و السّنة و من اللّه سبحانه أسأل العصمة و السداد من الخطاء في القول و الاعتقاد بمحمد و آله الأطهار الأمجاد . ثمّ إنّه عليه السّلام لمّا ذكر مناقب آل العباء و من خصّه اللّه بالولاية و الولاء و أكّده بحديث سلب الموت و البلى و كان ذلك بعيدا عن مذاق العوام و أمرا عجيبا عند العقول و الأوهام و مظنة للردّ و الانكار لا جرم أردفه بقوله ( و لا تقولوا بما لا تعرفون فانّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ) و هو نهى لهم عن القول في حقّ العترة بما لا يعرفون و عن التسرّع إلى ردّ ما يستعجبون معلّلا بأنّ أكثر الحقّ فيما ينكرون و المقصود به أنّ صاحب الولاية لا يقاس بالنّاس إذ شئونات الولاية المطلقة بعيدة عن الوهم و القياس و إدراكات الخلق أغلبها مقصورة على عالم الحواس ، و الجاهل ربما ينكر بداء جهالته الحقّ إذا خالف طبعه أو عجز عن إدراكه فهمه أو سبق إليه اعتقاده ضدّه بشبهة أو تقليد أو بما انقدح في وهمه من شكّ و ترديد ، فلا يجوز الخوض في اللّجاج و العناد بمجرّد الاستغراب و الاستبعاد . و قوله : ( و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و أنا هو ) ، إمّا من الاعذار بمعنى الانصاف من أعذر الرّجل إذا أنصف ، أو من الاعذار بمعنى إثبات العذر و هو الانسب الأظهر ، فالمقصود به على ذلك أنّه عليه السّلام كان مأمورا من اللّه سبحانه و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالابلاغ و التذكير و الانذار و التحذير ، و قد بلّغ و ذكّر و أنذر و حذّر ، فكان له الحجّة على المخاطبين و ثبت له العذر في مقام السئوال كما أنّ للّه و كذلك لرسوله الحجّة على جميع الخلايق حيث احتجّ بما نهج و أعذر بما أنذر ، و هذا بخلاف ما لو فرّط عليه السّلام و قصّر في الابلاغ و التذكار فيكون حينئذ لهم الحجّة عليه و يثبت لهم العذر فيما يلحقهم من العذاب بأن يقولوا : [ 215 ] ( رَبَّنا إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلينَ ) و به جاهلين ، فلا يجوز لك أن تؤاخذنا بما لم نعلم و تعذّبنا بما لم نفهم ، فطلب عليه السّلام منهم أن يثبتوا له العذر فيما يلحقهم من العذاب و نكال العقاب لا لأنفسهم حيث أوضح لهم المحجّة البيضاء و دلّهم على الطريقة الوسطى و هداهم إلى الشريعة الغرّاء . كما أفصح عليه السّلام عن ذلك بقوله ( ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثقل الأصغر ) و هو استفهام تقريرىّ يقول عليه السّلام إنّي قد عملت فيكم بكتاب اللّه و بما فيه من الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام ، و تركت فيكم عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حفظت وصيّته بالاعزاز و الاكرام ، و عبّر عنهما بالثقلين تبعا للحديث النبوىّ صلّى اللّه عليه و آله المعروف بين الفريقين . و إنما سمّيا بذلك إمّا لعظم خطرهما و جلالة قدرهما من الثقل و هو المتاع النفيس ، و إمّا لكون العمل بهما ثقيلا 1 و إمّا لأجل أنّ الثقل متاع المسافر و حشمه فكانّه عليه السّلام لما شارف الانتقال إلى جوار ربّه تعالى جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل و جعل الكتاب و العترة كمتاعه و حشمه ، لأنّهما أخصّ الأشياء به ، قاله الشارح المعتزلي . و الأظهر ما قلناه إذ متاع المسافر و حشمه يكونان معه و لا يخلفان بعده ، هذا . و أمّا تسمية القرآن بالأكبر و العترة بالأصغر مع كون العترة أفضل من القرآن عندنا و كونهم قيّمين له فقد قال الشارح البحراني : أشار بكونه أكبر إلى أنّه الأصل المتّبع المقتدى به . أقول : و ليس بشي‏ء إذ العترة أيضا أصل متّبع مقتدى ، و يحتمل أن يكون و صفه به من جهة أنّه لما كان معجزا للرسالة و سندا لها و الولاية و أساسا للدّين و سنادا للشرع المبين و لولاه لم يثبت رسالة و لا شريعة و لا ولاية و لا دين و لا ايمان ----------- ( 1 ) اى كان من الثقيل [ 216 ] لا جرم وصفه به . و يمكن استظهار ذلك ممّا رواه أبو سعيد الخدرى قال : قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّي تارك فيكم الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، و عترتى أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض . و أظهر منه ما في رواية أبي جعفر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يا أيّها النّاس إنّي تارك فيكم الثقلين : الثقل الأكبر و الثقل الأصغر إن تمسكتم بهما لن تضلّوا و لن تبدّلوا ، فانّى سألت اللّه اللّطيف الخبير لا يفترقان حتّى يردا علىّ الحوض فاعطيت ، فقيل : فما الثقل الأكبر و ما الثقل الأصغر ؟ فقال : الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّ و جلّ سبب طرفه بيد اللّه عزّ و جلّ و طرف بأيديكم و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي . و يمكن أن يقال : إنّ كتاب اللّه لما كان حجّة على عموم الخلق من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليه السّلام و امّتهم ، و حجّية العترة كانت مخصوصة بالامّة فقط جعله أكبر لذلك هذا . و في قوله عليه السّلام ألم أعمل فيكم آه تعريض و إشعار بعدم عمل غيره به و هو كذلك . و يوضحه ما في غاية المرام من تفسير عليّ بن إبراهيم قال حدّثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن ميثم عن مالك بن ضمره عن أبي ذر ( ره ) قال : لما نزلت هذه الآية : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترد علىّ امتي يوم القيامة على خمس رايات : فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي : فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفناه و نبذناه وراء ظهورنا ، و أمّا الأصغر فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه فأقول : ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم . [ 217 ] ثمّ ترد علىّ راية مع فرعون هذه الامّة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفناه و مزّقناه و خالفناه ، و أمّا الأصغر فعاديناه و قاتلناه ، فأقول : ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم . ثمّ ترد علىّ راية هي مع سامريّ هذه الأمّة فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فعصيناه و تركناه ، و أما الأصغر فخذلناه و ضيّعناه فأقول : ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسودّة وجوهكم . ثمّ ترد علىّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج و آخرهم و أسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فمزّقناه و برئنا منه و أمّا الأصغر فقاتلناه و قتلناه فأقول : ردّوا إلى النّار ظمأ مظمئين مسوّدة وجوهكم . ثمّ ترد علىّ راية مع إمام المتّقين و سيّد المسلمين و قائد الغرّ المحجّلين و وصيّ رسول ربّ العالمين فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدى ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فاتّبعناه و أطعناه ، و أمّا الأصغر فأحببناه و واليناه و زرناه و نصرناه حتّى اهريقت فيهم دمائنا ، فأقول : ردّوا إلى الجنّة رواء مرويّين مبيضّة وجوهكم ثمّ تلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَ أَمَّا الَّذينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فيها خالِدُونَ ) . و قد أخذ السيّد إسماعيل الحميريّ مضمون هذا الحديث في أبيات من قصيدته المعروفة و هي هذه الأبيات : و النّاس يوم الحشر راياتهم خمس فمنها هالك أربع فراية العجل و فرعونها و سامريّ الأمّة المشنع و راية يقدمها أبكم عبد لئيم لكّع أكوع [ 218 ] و راية يقدمها نعثل لا برّد اللّه له مضجع و راية يقدمها حبتر للزّور و البهتان قد أبدع و راية يقدمها حيدر و وجهه كالشمس اذ تطلع مولى له الجنّة معمورة و النّار من إجلاله يفزغ إمام صدق و له شيعة يرووا من الحوض و لم يمنعوا بذاك جاء الوحى من ربّنا يا شيعة الحقّ فلا تجزعوا ثمّ قال عليه السّلام ( و ركزت فيكم راية الايمان ) شبّه عليه السّلام الايمان بالراية لأنه يهتدى به إلى سلوك سبيل الحقّ كما يهتدى بالراية أمام الجيش و نحوها ، و ذكر الركز ترشيح للتشبيه و المقصود أني أثبت فيكم الايمان ( و وقّفتكم على حدود الحلال و الحرام ) أى جعلتكم واقفين عليهما مطلعين على جماتهما ( و ألبستكم العافية من عدلي ) أراد بالعافية السلامة من الظلم و من أذى الظالمين و استعار لفظ اللّباس لها ( و فرشتكم المعروف من قولي و فعلى ) المعروف اسم لكلّ ما عرف من طاعة اللّه و التّقرب إليه و الاحسان إلى النّاس و كلّ ما يندب إليه الشرع من المحسّنات و المقبّحات ، و إن شئت قلت : المعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع و العقل يقول عليه السّلام : بسطت لكم بساط المعروف بالأقوال و الأفعال ( و أريتكم كرايم الأخلاق من نفسي ) أى أوضحتها لكم و شاهدتموها مني متكرّرة . و قد سئل الصّادق عليه السّلام عن مكارم الأخلاق فقال عليه السّلام العفو عمّن ظلمك ، وصلة من قطعك ، و إعطاء من حرمك ، و قول الحقّ و لو على نفسك . و في حديث آخر في الكافي عن الصّادق عليه السّلام قال إنّ اللّه عزّ و جلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فان كانت فيكم فاحمدوا اللّه و اعلموا أنّ ذلك من خير و إلاّ تكن فيكم فاسألوا اللّه و ارغبوا إليه فيها فذكرها عشرة : اليقين و القناعة ، و الصبر ، و الشكر ، و الحلم ، و حسن الخلق ، و السخاء ، و الغيرة ، و الشجاعة ، و المروة و فى الدّيوان المنسوب إليه عليه السّلام إنّ المكارم أخلاق مطهّرة فالدّين أوّلها و العقل ثانيها [ 219 ] و العلم ثالثها و الحلم رابعها و الجود خامسها و الفضل سادسها و البرّ سابعها و الصّبر ثامنها و الشكر تاسعها و اللين باقيها و النفس تعلم أنّي لا أصادقها و لست أرشد إلاّ حين أعصيها و كيف كان فكونه عليه السّلام مبدء مكارم الأخلاق و منشأ محاسن الآداب مما لا ريب فيه بل ذلك غنيّ عن البيان ، و لا بأس بالاشارة إلى بعض ما ورد في حسن خلقه و بشره و حلمه و عفوه و إشفاقه و عطفه صلوات اللّه عليه تيّمنا و توضيحا . ففى البحار من مناقب ابن شهر آشوب عن مختار التّمار عن أبي مطر البصري أنّ أمير المؤمنين مرّ بأصحاب التّمر فاذا هو بجارية تبكي فقال : يا جارية ما يبكيك ؟ فقالت : بعثنى مولاى بدرهم فابتعت من هذا تمرا فأتيتهم به فلم يرضوه فلمّا أتيته به أبى أن يقبله ، قال عليه السّلام : يا عبد اللّه انّها خادم ليس لها أمر فاردد إليها درهمها و خذ التمر ، فقام إليه الرّجل فلكزه فقال النّاس هذا أمير المؤمنين عليه السّلام فربا الرّجل و اصفرّ و أخذ التمر و ردّ إليها درهمها ، ثمّ قال يا أمير المؤمنين ارض عني فقال : ما أرضانى عنك أن أصلحت أمرك . و في فضايل أحمد إذا وفيت النّاس حقوقهم‏و دعا غلاما له مرارا فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال عليه السّلام : ما حملك على ترك إجابتي ؟ قال : كسلت اجابتك و أمنت عقوبتك ، فقال عليه السّلام الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه امض فأنت حرّ لوجه اللّه . و جائه أبو هريرة و كان تكلّم فيه و أسمعه في اليوم الماضي و سأله حوائجه فقضيها فعاتبه أصحابه على ذلك فقال عليه السّلام : إنّي لأستحيى أن يغلب جهله علمي و ذنبه عفوى و مسألته جودي . و لما ادرك عمرو بن عبدود لم يضربه فوقعوا في عليّ فردّ عنه حذيفة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : مه يا حذيفة فانّ عليّا سيذكر سبب وقفته ثمّ إنّه ضربه فلما جاء سأله النّبيّ عن ذلك فقال عليه السّلام : قد كان شتم بي و تفل في وجهي فخشيت أن أضربه بحظّ نفسي فتركته حتّى سكن ما بي ثمّ قتلته في اللّه . 1 كذا في الاصل و لعل قوله : اذا وفيت الناس حقوقهم ، من تتمة الخبر السابق « المصحح » [ 220 ] و كان عليه السّلام بشره دايم و ثغره باسم غيث لمن رغب و غياث لمن ذهب مآل الآمل و ثمال الأرامل يتعطف على رعيته و يتصرّف على مشيته و يكفّه بحجّته و تكفيه بمهجته . و نظر إلى امرئه على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها و سألها عن حالها فقالت بعث عليّ بن أبي طالب زوجى إلى بعض الثغور فقتل و ترك علىّ صبيانا يتامى و ليس عندي شي‏ء فقد ألجأتني الضّرورة إلى خدمة النّاس ، فانصرف عليه السّلام و بات ليلته قلقا فلما اصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال عليه السّلام : من يحمل و زرى عنّي يوم القيامة فأتى و قرع الباب فقالت من هذا ؟ قال : أنا ذلك العبد الذى حمل معك القربة فافتحي فانّ معي شيئا للصّبيان فقالت : رضى اللَّه عنك و حكم بينى و بين عليّ بن أبيطالب ، فدخل و قال : إنّي أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين و بين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا فقالت أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر و لكن شأنك و الصّبيان فعلّلهم حتّى أفرغ من الخبز . قال : فعمدت إلى الدّقيق فعجنه و عمد عليّ عليه السّلام إلى اللّحم فطبخه و جعل يلقم الصبيان من اللّحم و التمر و غيره ، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له : يا بنيّ اجعل عليّ بن أبي طالب في حلّ ممّا أمر في أمرك فلما اختمر العجين قالت : يا عبد اللََّّه اسجر التنّور ، فبادر عليه السّلام بسجره فلما أشعله و لقح في وجهه يقول : ذق يا علىّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل و اليتامى ، فرأته امرأة تعرفه عليه السّلام ، فقالت : ويحك هذا أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال : فبادرت المرئة و هي تقول و احيائي منك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السّلام بل و احيائي منك يا أمة اللَّه فيما قصرت في أمرك . ثمّ إنّه عليه السّلام بعد ما أشار إلى جملة من فضايله و مناقبه أردفه بقوله : ( فلا تستعملوا الرّأى فيما لا يدرك قعره البصر و لا يتغلغل ) اى لا يسرع و لا يدخل ( إليه الفكر ) و المقصود بذلك النهى عن استعمال الرأى فيما ذكره عليه السّلام من خصايص العترة الطّاهرة و عجايب ما خصّهم اللَّه به من الأنوار الباهرة . [ 221 ] يقول عليه السّلام إنّ أمرنا صعب لا يهتدى إليه العقول و الأنظار ، و لا تدرك قعره الأبصار ، و لا تغلغل فيه الأفكار ، فلا يجوز المبادرة إلى ردّ ما تأبى عنه العقول و الأفهام في حقّهم عليهم السّلام ، فانّ حديثهم صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان . تنبيه لما كان هذا الفصل من كلامه عليه السّلام مسوقا لاظهار مناقب الآل و مشتملا على فضايل العترة الطّاهرين سلام اللَّه عليهم أجمعين أحببت أن أوردهنا شطرا من كراماتهم و معجزاتهم و عجائب شؤوناتهم المرويّة بالأسانيد الغريبة . فمنها ما في المجلّد التاسع من البحار وجادة في بعض الكتب قال : حدّثنا محمّد بن زكريا العلا قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصّفار المعروف بابن المعافا عن وكيع عن زاذان عن سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه قال : كنا مع مولانا أمير المؤمنين فقلت يا أمير المؤمنين أحبّ أن أرى من معجزاتك شيئا ، قال صلوات اللَّه عليه : أفعل إن شاء اللَّه عزّ و جلّ ، ثمّ قام و دخل منزله و خرج إلىّ و تحته فرس أدهم و عليه قباء أبيض و قلنسوة بيضاء ، ثمّ نادى يا قنبر اخرج إلىّ ذلك الفرس فأخرج فرس آخر أدهم فقال عليه السّلام اركب يا با عبد اللَّه . قال سلمان : فركبته فاذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه قال : فصاح به الامام صلوات اللَّه عليه فتعلّق في الهواء و كنت أسمع خفيف أجنحة الملائكة و تسبيحها تحت العرش ، ثمّ خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط 1 الأمواج فنظر إليه الامام شزرا فسكن البحر من غليانه فقلت له : يا مولاى سكن البحر من غليانه من نظرك إليه ، فقال صلوات اللَّه عليه : يا سلمان خشى أن آمر فيه بأمر . ثمّ قبض على يدي و سار على وجه الماء و الفرسان تتبعان لا يقودهما أحد ، فو اللَّه ما ابتلّت أقدامنا و لا حوافر الخيل . ----------- ( 1 ) الغطمطة اضطراب موج البحر [ 222 ] قال سلمان : فعبرنا ذلك البحر فدفعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار و الأثمار و الأطيار و الأنهار ، و إذا شجرة عظيمة بلا صدع و لا زهر فهزّها صلوات اللَّه عليه بقضيب كان في يده فانشقّت و خرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا و عرضها أربعون ذراعا و خلفها قلوص فقال صلوات اللَّه عليه : ادن منها و اشرب من لبنها . قال سلمان : فدنوت منها و شربت حتى رويت و كان لبنها أعذب من الشهد و ألين من الزّبد و قد اكتفيت قال صلوات اللَّه عليه : هذا حسن يا سلمان ، فقلت : مولاى حسن فقال : صلوات اللَّه عليه تريد أن اريك ما هو أحسن منه ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين . قال سلمان : فنادى مولاى أمير المؤمنين اخرجي يا حسناء قال : فخرجت ناقة طولها عشرون و مائة ذراع و عرضها ستّون ذراعا و رأسها من الياقوت الأحمر و صدرها من العنبر الأشهب و قوائمها من الزبرجد الأخضر و زمامها من الياقوت الأصفر و جنبها الأيمن من الذّهب و جنبها الأيسر من الفضّة و عرفها من اللّؤلؤ الرطب فقال صلوات اللَّه عليه يا سلمان اشرب من لبنها . قال سلمان : فالتقمت الضّرع فاذا هي تحلب عسلا صافيا مخلصا ، فقلت يا سيّدي هذه لمن ؟ قال عليه السّلام : لك و لك و لساير الشيعة من أوليائي ، ثمّ قال ارجعي إلى الصّخرة و رجعت من الوقت و ساربي في تلك الجزيرة حتّى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رايحة المسك فاذا بطاير في صورة النسر العظيم . قال سلمان رضي اللَّه عنه : فوثب ذلك الطّاير فسلّم عليه صلوات اللَّه عليه و رجع إلى موضعه فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة ؟ فقال عليه السّلام : هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من موالىّ إلى يوم القيامة فقلت : ما هذا الطّاير ؟ قال صلوات اللَّه عليه : ملك موكّل بها إلى يوم القيامة فقلت : وحده يا سيّدي ، فقال عليه السّلام : يجتاز به الخضر عليه السّلام في كلّ يوم مرّة . ثمّ قبض عليه السّلام على يدي و سار إلى بحرثان فعبرنا و إذا جزيرة عظيمة فيها [ 223 ] قصر لبنة من ذهب و لبنة من فضة بيضاء شرفها من عقيق أصفر و على كلّ ركن من القصر سبعون صفا من الملائكة فأتوا و سلّموا ، ثمّ اذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم . قال سلمان رحمه اللَّه تعالى : ثمّ دخل أمير المؤمنين عليه السّلام القصر فاذا أشجار و أثمار و أنهار و أطيار و ألوان النبات فجعل الامام عليه السّلام يمشى فيه حتّى وصل إلى آخره فوقف عليه السّلام على بركة كانت في البستان ثمّ صعد إلى قصر فاذا كرسيّ من الذّهب الأحمر فجلس عليه صلوات اللَّه عليه و أشرفنا على القصر فاذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الرّاسيات ، فنظر صلوات اللَّه عليه شزرا فسكن من غليانه حتّى كان كالمذنب . فقلت : يا سيّدي سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه فقال عليه السّلام خشى أن آمر فيه بأمر أ تدرى يا سلمان أىّ بحر هذا ؟ فقلت : لا يا سيّدي ، فقال : هذا الذي غرق فيه فرعون و ملائه المذنبة حملها جناح جبرئيل عليه السّلام ثمّ زجّها في هذا البحر فهو يهوى لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة . فقلت يا أمير المؤمنين هل سرنا فرسخين ؟ فقال عليه السّلام : يا سلمان سرت خمسين ألف فرسخ و درت حول الدّنيا عشر مرّات . فقلت : يا سيّدي و كيف هذا ؟ قال عليه السّلام إذا كان ذو القرنين طاف شرقها و غربها و بلغ إلى سدّ يأجوج و مأجوج فأنا يتعذر علىّ و أنا أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين ، يا سلمان أما قرأت قول اللَّه عزّ و جلّ حيث يقول : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِه‏ أَحَداً إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ ) فقلت : بلى يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام : أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره اللَّه عزّ و جلّ على غيبه أنا العالم الرّبانيّ أنا الذي هوّن اللَّه له الشّدايد فطوى له البعيد . قال سلمان رضي اللَّه عنه : فسمعت صائحا يصيح في السّماء أسمع الصوت و لا أرى الشخص و هو يقول : صدقت صدقت أنت الصّادق المصدّق صلوات اللَّه عليك . [ 224 ] قال : ثمّ نهض صلوات اللَّه عليه فركب الفرس و ركبت معه و صاح بهما فطارا في الهواء ثمّ خطونا على باب الكوفة هذا كلّه و قد مضى من اللّيل ثلاث ساعات . فقال صلوات اللَّه عليه لى : يا سلمان الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا و أنكر ولايتنا أيّما أفضل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أم سليمان عليه السّلام ؟ قلت : بل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ قال عليه السّلام : فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة و عنده علم من الكتاب و لا أفعل أنا ذلك و عندى مأة كتاب و أربعة و عشرون كتابا أنزل اللَّه تعالى على شيث بن آدم عليه السّلام خمسين صحيفة ، و على إدريس النّبي عليه السّلام ثلاثين صحيفة ، و على إبراهيم عليه السّلام عشرين صحيفة ، و التوراة ، و الانجيل ، و الزّبور و الفرقان . فقلت : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا يكون الامام صلوات اللَّه عليه ، فقال عليه السّلام إنّ الشّاك في أمورنا و علومنا كالممترى في معرفتنا و حقوقنا ، قد فرض اللَّه عزّ و جلّ في كتابه في غير موضع ، و بيّن فيه ما وجب العمل به ، و هو غير مكشوف . و منها ما فيه أيضا من الكتاب المذكور قال : روى الاصبغ بن نباته قال : كنت يوما مع مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام إذ دخل عليه نفر من أصحابه منهم أبو موسى الأشعري و عبد اللَّه بن مسعود و أنس بن مالك و أبو هريرة و المغيرة بن شعبة و حذيفة ابن اليمان و غيرهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أرنا شيئا من معجزاتك الّتي خصّك اللَّه بها . فقال عليه السّلام : ما أنتم و ذلك و ما سؤالكم عمّا لا ترضون به ؟ و اللَّه تعالى يقول و عزّتي و جلالى و ارتفاع مكاني إنّي لا اعذّب أحدا من خلقي إلاّ بحجّة و برهان و علم و بيان ، لأنّ رحمتي سبقت غضبى و كتبت الرّحمة علىّ فأنا الرّاحم الرّحيم و الودود العليّ ، و أنا المنّان العظيم ، و أنا العزيز الكريم ، فاذا أرسلت رسولا أعطيته برهانا و أنزلت عليه كتابا فمن آمن بي و برسولي فأولئك هم المفلحون الفائزون [ 225 ] و من كفر بى و برسولي فاولئك هم الحاسرون الّذين استحقّوا عذابي فقالوا : يا أمير المؤمنين نحن آمنّا باللّه و برسوله و توكّلنا عليه . فقال عليّ عليه السّلام اللّهم اشهد على ما يقولون و أنا العليم الخبير بما يفعلون ، ثمّ قال : قوموا على اسم اللَّه و بركاته ، قال : فقمنا معه حتّى أتى بالجبانة و لم يكن في ذلك الموضع ماء قال : فنظرنا فاذا روضة خضراء ذات ماء ، و إذا في الروضة غدران و في الغدران حيتان ، فقلنا و اللَّه إنّها لدلالة الامامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين و إلاّ قد أدركنا بعض ما أردنا . فقال عليه السّلام : حسبى اللَّه و نعم الوكيل ثمّ أشار عليه السّلام بيده العليا نحو الجبّانة فاذا قصور كثيرة مكلّلة بالدّرّ و الياقوت و الجواهر و أبوابها من الزّبرجد الأخضر و إذا في القصور حور و غلمان و أنهار و أشجار و طيور و نبات كثير ، فبقينا متحيّرين متعجّبين و إذا وصايف و جوارى و ولدان و غلمان كاللّؤلؤ المكنون فقالوا : يا أمير المؤمنين لقد اشتدّ شوقنا إليك و إلى شيعتك و أوليائك ، فأومأ إليهم بالسّكون . ثمّ ركض الأرض برجله عليه السّلام فانفلقت الأرض من منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله . ثمّ قال عليه السّلام : غمّضوا أعينكم فغمضنا أعيننا فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتّسبيح و التّهليل و التحميد و التعظيم و التقديس ، ثمّ قاموا بين يديه قالوا : مرنا بأمرك يا أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين صلوات اللَّه عليك . فقال عليه السّلام يا ملائكة ربّي ائتوني بابليس الأبالسة و فرعون الفراعنة قال : فو اللَّه ما كان بأسرع من طرفة عين حتّى أحضروه عنده فقال عليه السّلام : ارفعوا أعينكم ، قال : فرفعنا أعيننا و نحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة ، فقلنا : يا أمير المؤمنين اللَّه اللَّه في أبصارنا فما ننظر شيئا البتة و سمعنا صلصلة السّلاسل و اصطكاك الاغلال و هبّت ريح عظيمة فقالت الملائكة يا خليفة اللَّه زد الملعون لعنة و ضاعف عليه العذاب فقلنا يا أمير المؤمنين اللَّه اللَّه في أبصارنا و مسامعنا فو اللَّه ما نقدر على احتمال هذا السّر و القدر قال : فلمّا [ 226 ] جرّه بين يديه قام و قال واويلاه من ظلم آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و اويلاه من اجترائى عليهم ثمّ قال : يا سيّدي ارحمني فانّي لا أحتمل هذا العذاب فقال عليه السّلام : لا رحمك اللَّه و لا غفر لك أيّها الرّجس النّجس الخبيث المخبث الشّيطان . ثمّ التفت عليه السّلام إلينا و قال : تعرفون هذا باسمه و حسبه ؟ قلنا : نعم يا أمير المؤمنين فقال : سلوه حتّى يخبركم من هو ، فقالوا : من أنت ؟ فقال : أنا إبليس الأبالسة و فرعون هذه الأمة ، أنا الّذي جحدت سيّدي و مولاى أمير المؤمنين و خليفة ربّ العالمين و أنكرت آياته و معجزاته . ثمّ قال أمير المؤمنين : غمّضوا أعينكم فغمضنا ، فتكلّم عليه السّلام بكلام أخفى فاذا نحن في الموضع الذي كنا فيه لا قصور و لا ماء و لا غدران و لا أشجار . قال الاصبغ بن نباتة رضي اللَّه عنه : و الّذى أكرمني بما رأيت من تلك الدلايل و المعجزات ما تفرّق القوم حتّى ارتابوا و شكّوا و قال بعضهم : سحر و كهانة و افك فقال أمير المؤمنين : إنّ بني إسرائيل لم يعاقبوا و لم يمسخوا إلاّ بعد ما سألوا الآيات و الدّلالات فقد حلّت عقوبة اللَّه بهم و الآن حلّت لعنته فيكم و عقوبته عليكم ، قال الأصبغ بن نباتة رضى اللَّه عنه : إنّي أيقنت أنّ العقوبة حلّت بتكذيبهم الدّلالات و المعجزات . و منها ما في المجلد السّابع من البحار من كتاب الاختصاص عن ابن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن حفص الأبيض التّمار قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام أيّام قتل المعلّى بن خنيس و صلبه ( ره ) فقال عليه السّلام : يا حفص إنّي أمرت لمعلّى بن خنيس بأمر فخالفني فابتلى بالحديد : إنّى نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت مالك يا معلّى كأنّك ذكرت أهلك و مالك و عيالك ؟ فقال : أجل فقلت : ادن منّي فدنى منّى فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ؟ فقال : أراني في بيتي هذا زوجتي و هؤلاء ولدي فتركته حتّى تملاء منهم و استترت منه حتّى نال ما ينال الرّجل من أهله . [ 227 ] ثمّ قلت له : ادن مني ، فمسحت وجهه فقلت أين تراك ؟ فقال : أراني معك بالمدينة و هذا بيتك فقلت له : يا معلّى إنّ لنا حديثا من حفظه علينا حفظه اللَّه عليه دينه و دنياه ، يا معلّى لا تكونوا اسراء في أيدى النّاس بحديثنا إن شاؤوا منّوا عليكم و إن شاؤوا قتلوكم ، يا معلّى إنّ من كتم الصّعب من حديثنا جعله اللَّه نورا بين عينيه و رزقه اللَّه العزّة في النّاس ، و من أذاع الصّعب من حديثنا لم يمت حتّى يعضّه السّلاح أو يموت بخيل ، يا معلّى فأنت مقتول فاستعدّ . و منها ما فيه من الخرايج قال : روى أبو القاسم بن قولويه عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن إدريس عن محمّد بن حسان عن عليّ بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلا محبوسا أتى من ناحية الشام مكبولا و قالوا : إنّه تنبّأ ، فأتيت الباب و داريت البوّابين حتّى وصلت إليه فاذا رجل له فهم و عقل فقلت له : ما قصّتك ؟ قال : إنّي كنت بالشّام أعبد اللَّه في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السّلام ، فبينما أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللَّه إذ نظرت شخصا بين يدى فنظرت إليه ، فقال لي : قم ، فقمت معه فمشى بي قليلا فاذا أنا في مسجد الكوفة قال : أتعرف هذا المسجد ؟ قلت : نعم هذا مسجد الكوفة فصلّى و صلّيت معه ثمّ خرج و خرجت معه فمشى بي قليلا و إذا نحن بمسجد الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، فسلّم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و سلّمت و صلّى و صلّيت معه ، ثمّ خرج و خرجت معه فمشى بي قليلا و إذا نحن بمكّة و طاف بالبيت فطفت معه فخرج و مشى بي قليلا فاذا أنا في موضعي الذي كنت أعبد اللَّه فيه بالشّام و غاب الشخص عن عينى فتعجّبت ممّا رأيت . فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به و دعاني فأجبته و فعل كما فعل في العام الأوّل فلمّا أراد مفارقتى بالشام قلت : سألتك بالّذي أقدرك على ما رأيت من أنت ؟ قال : أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر ، فحدّثت من كان يصير إلىّ بخبره [ 228 ] فرقى ذلك إلى محمّد بن عبد الملك الزّيات فبعث إلىّ فاجلدني و كبّلني في الحديد و حملني إلى العراق و حبست كما ترى و ادّعى علىّ المحال فقلت : أرفع عنك القصة إليه ؟ قال : ارفع فكتبت عنه قصّته شرحت امره فيها و دفعتها إلى الزّيات فوقّع في ظهرها : قل للّذي أخرجك من الشّام في ليلة إلى الكوفة إلى المدينة إلى مكة أن يخرجك من حبسى . قال عليّ بن خالد : فغمّني ذلك من أمره و رققت له و انصرفت محزونا فلمّا أصبحت باكرت الحبس لاعلمه بالحال و آمره بالصّبر و العزاء فوجدت الجند و الحراس و صاحب السجن و خلقا كثيرا من النّاس يهرعون ، فسألت عنهم و عن الحال فقيل إنّ المحمول من الشام المتنبّى فقد البارحة من الحبس فلا يدرى خسف به الأرض أو اختطفته الطير و كان هذا المرسل أعنى عليّ بن خالد زيديّا فقال بالامامة ، و حسن اعتقاده . و منها حديث البساط المعروف و رويته من نسخة قديمة عندي قال الرّاوي : خبر من خزانة مولانا مفترض الطاعة على الخلق أجمعين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . حدّثنا أبو عبد اللَّه بن زكريّا عن ابن جوهر بن الأسود عن محمّد بن سابغ يرفعه إلى سلمان الفارسي ( رض ) أنّه قال : كنا جلوسا عند مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم أنا و ولديه الحسن و الحسين عليهما السّلام و محمّد بن حنفية و محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر و مقداد بن أسود الكندي فاذا التفت إليه الحسن عليه السّلام و قال : يا أمير المؤمنين إنّ سليمان بن داود قال : فهب لي من لدنك ملكا لا ينبغي لأحد من النّاس و أعطاه اللَّه تعالى ذلك ، فهل ملكت شيئا من ملك سليمان ؟ فقال له أمير المؤمنين : و الّذي فلق الحبّة و برء النّسمة لقد ملك أبوك ملكا لا يملك أحد قبله و لا بعده ، فقال الحسن عليه السّلام : إنّا نحبّ أن ننظر مما ملّكه اللَّه إيّاك من الملكوت ليزداد النّاس إيمانهم . [ 229 ] فقال عليه السّلام : نعم و كرامة و قام و صلّى ركعتين ثمّ ذهب إلى صحن داره و نحن نراه ، فمدّيده نحو المغرب حتّى بان لنا من كفّه سحابة و هو يمدّها حتّى أوقفها على الدّار ، و إلى جانب تلك السحابة سحابة أخرى ، ثمّ أشار إلى ريح و قال اهبطى الينا أيّتها الرّيح فو اللَّه العظيم لقد رأينا السّحاب و الرّيح قد هبطا يقولان : نشهد أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و نشهد أنّك وصيّ رسول كريم محمّد رسول اللَّه و أنت وليّه ، من شكّ فيك فقد هلك و من تمسّك بك فقد سلك سبيل النّجاة . ثمّ تطاطات السّحابتان حتّى صارتا كأنهما بساطان و رايحتهما كالمسك الأذفر فقال لنا أمير المؤمنين عليه السّلام : اجلسوا على الغمام فجلسنا و أخذنا مواضعنا . ثمّ قال سلمان : إنّ أمير المؤمنين قال : أيّتها الرّيح ارفعينا ، فرفعتنا رفعا رفيعا فاذا نحن و أمير المؤمنين في تلك على كرسيّ من نور و عليه ثوبان أصفران و على رأسه تاج من ياقوتة صفراء و في رجليه شراك من ياقوت يتلألؤ و في يده خاتم من درّة بيضاء يكاد نور وجهه يذهب الأبصار . فقال له : يا أبتاه إنّ سليمان بن داود كان يطاع بخاتمه و أمير المؤمنين عليه السّلام بما ذا يطاع ؟ فقال عليه السّلام يا ولدى أنا وجه اللَّه ، و عين اللَّه ، و لسان اللَّه ، و أنا وليّ اللَّه ، و أنا نور اللَّه ، و أنا كنز اللَّه في الأرض ، و أنا القدرة المقدّرة ، و أنا الجنّة و النّار ، و أنا سيّد الفريقين . يا ولدى أتحبّ أن اريك خاتم سليمان بن داود ؟ قال : نعم ، فأدخل يده تحت ثيابه و استخرج خاتما عليه فصّ من ياقوت مكتوب عليها أربعة أسطر ، و قال : هذا و اللَّه خاتم سليمان بن داود . قال سلمان : فبقينا متعجّبا من ذلك فقال عليه السّلام من أيّ تعجبون و ما هذا العجب إنّي لأريناكم اليوم ما لم يره أحد قبلي إلى بعدي . فقال الحسن عليه السّلام : يا أمير المؤمنين إنّا نحبّ أن ترينا يأجوج و مأجوج و السّد فقال عليه السّلام : للرّيح سيرى ، فقال سلمان : فو اللَّه لمّا سمعت الريح قوله دخلت تلك [ 230 ] السّحاب و رفعنا إلى الهواء حتّى أتينا إلى جبل شامخ في الهواء و عليه شجرة جافة و تساقط أوراقها فقلنا : ما بال هذه الشجرة قد جفّت و ماتت ، قال : سلوها فانها تخبركم فقال الحسن عليه السّلام : ما بالك أيّتها الشجرة قد حلّ بك ما نراه منك ؟ فما أجابت ، فقال لها أمير المؤمنين : بحقّي عليك أيّتها الشجرة أجبهم . قال سلمان : فو اللَّه لقد سمعناها و هى تقول لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول اللَّه و خليفته من بعده حقّا ، فقال للحسن : يا با محمّد إنّ أباك أمير المؤمنين يجيئني في كلّ ليلة و يسبّح عندى للّه عزّ و جلّ و يستظلّ بي فاذا فرغ من تسبيحه جائته غمامة بيضاء تفوح منها مسك و عليها كرسيّ فيجلس عليها ثمّ يسير به فلا أراه إلى وقته ذلك ، و كان يتعاهدني كلّ ليلة و كنت أعيش من رائحته فقطعني منذ أربعين ليلة لم أعرف له خبرا و الذي تراه منّي ممّا أنكرته من فقده و الغمّ و الحزن فاسأله يا سيدى حتّى يتعاهدني بجلوسه عندي فقد عشت من رايحته في هذا الوقت و بنظرى إليه ، قال : فبقينا متعجّبا من ذلك فقام عليه السّلام و مسح يده المباركة عليها قال سلمان : و اللَّه الذي نفسى بيده لقد سمعت لها أنينا و أنا أراه و هي تخضر حتّى أنبتت ورقا و أثمرت بقدرة اللَّه عزّ و جلّ و ببركاته عليه السّلام ، فأكلنا فكانت أحلى من السّكر ، فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا عجب فقال عليه السّلام الّذي ترون بعدها أعجب ثمّ عاد عليه السّلام إلى موضعه و قال للرّيح : سيرى بنا ، فدخلت الريح تحت السّحابة و رفعنا حتى رأينا الدّنيا بمثل دور الرأس و رأينا في الهواء ملكا رأسه تحت الشمس و رجلاه في قعر البحور و يده في المغرب و الأخرى في المشرق فلما خبرنا به قال : لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و أنّك وصيّه حقّا لا شكّ فيك و من شكّ فيك فهو كافر . فقلنا : يا أمير المؤمنين من هذا الملك و ما بال يده في المغرب و أخرى في المشرق ؟ فقال عليه السّلام أنا أقمته باذن اللَّه ههنا و وكلته بظلمات الليل و ضوء النّهار و لا يزال كذلك إلى يوم القيامة و إنّى أدبّر أمر الدّنيا و أصنع ما أريد باذن اللَّه و أمره و اعمال الخلايق إلىّ و أنا أدفعها إلى اللَّه عزّ و جل . [ 231 ] ثمّ سار بنا حتى وقفنا على يأجوج و مأجوج فقال عليه السّلام للريح اهبطي تحت هذا الجبل و أشار بيده إلى جبل شامخ إلى قرب السّد ارتفاعه مدّ البصر و إذا به سواد كانه قطعة ليلة يفور منه دخان فقال عليه السّلام : يا با محمّد أنا صاحب هذا السّد على هؤلاء العبد . فقال سلمان : فرأيتهم ثلاثة أصناف : صنف طوله مأة و عشرون ذراعا من عرض ستّين ذراعا ، و الصّنف الثاني طوله مأة و سبعون ذراعا من عرض ثمانين ذراعا ، و الصّنف الثالث أحدهم يفرش اذنه تحته و الأخرى فوقه . ثمّ قال للريح : سيرى بنا إلى قاف فسارت بنا إلى جبل من ياقوته خضراء و هو محيط بالدّنيا و عليه ملك في صورة بني آدم و هذا الموكل بقاف فلما نزل الملك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال تريد أن تسألني أن آذن لك فقد أذنت فأسرع الملك و قال : بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ثمّ طار . قال سلمان و طفنا في ذلك حتى انتهينا إلى شجرة جافة من الشجرة الأولى فقلنا : يا أمير المؤمنين ما بال هذه الشّجرة قد ماتت ؟ فقال سلوها قال الحسن عليه السّلام : و قمت و دنوت أنا و أبي عليه السّلام و قلت لها اقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين أن تخبرينا ما بالك و أنت في هذا المكان قال سلمان : فكلّمت بلسان طلق و هي تقول : يا با محمّد إنّي كنت أفتخر على الأشجار فصارت الأشجار تفتخر علىّ و ذلك أنّ أباك كان يجيئني في كلّ ليلة عند الثلث الأوّل من اللّيل يستظلّ بي ساعة ثمّ يأتيه فرس أدهم فيركبه و يمضي فلا أراه إلى وقته و كنت أعيش من رايحته و أفتخر به فقطعني منذ أربعين ليلة فغمّني ذلك فصرت كما ترى . فقلنا : يا أمير المؤمنين اسأل اللَّه في ردّها كما كانت فمسح يده المباركة ثمّ قال : يا شاه شاهان فسمعنا لها أنينا و هي تقول أشهد أنّك أمين هذه الأمّة و وصيّ رسول اللَّه من تمسّك بك فقد نجا و من خالفك فقد غوى ، ثمّ اخضرّت و اورقت فجلسنا تحتها و هي خضرة نضرة . فقلنا اين ذهب هذا الملك الموكّل بقاف ؟ قال عليه السّلام : إلى زيارة الملك الموكل [ 232 ] على ظلمات اللّيل و ضوء النّهار فقلنا يا أمير المؤمنين ما يزالون عن مواضعهم إلاّ باذنك ؟ فقال عليه السّلام : و الذي رفع السّماء بغير عمد ما أظنّ أحدا يزول عن موضعه بغير إذني إلاّ احترق . فقلنا : يا أمير المؤمنين كنت معنا جالسا في منزلك فأىّ وقت كنت في قاف ؟ فقال عليه السّلام لنا : غمّضوا أعينكم فغمضناها ثمّ قال عليه السّلام : افتحوها ، ففتحناها فاذا نحن قد بلغنا مكّة ، فقال عليه السّلام : لقد بلغنا و لم يشعر أحد فكذلك كنت بقاف و لم يشعر أحد منكم . فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا العجب من وصيّ رسول اللَّه فقال : و اللَّه إنّي أملك من الملكوت ما لو عاينتموه لقلتم أنت أنت أنت ، و أنا أنا و أنا عبد اللَّه مخلوق من الخلايق آكل و أشرب . ثمّ أتينا إلى روضة نضرة كأنّها من رياض الجنّة فاذا نحن بشاب يصلّي بين قبرين ، فقلنا يا أمير المؤمنين من هذا الشّاب ؟ فقال أخي صالح و هذان قبر أبويه يعبد اللَّه بينهما ، فلمّا نظر إلينا صالح أتى إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يبكي ، فلمّا فرغ من بكائه فقلنا ممّا تبكي ؟ فقال : إنّ أمير المؤمنين كان يمرّ بي كلّ يوم عند الصّبح و كنت آنس به و أزداد في العبادة فقطعني منذ أربعين يوما فأهمّنى ذلك و لم أملك من شدّة شوقي إليه و أصابني ما تراه ، فقلنا : يا أمير المؤمنين هذا هو العجب من كلّ ما رأينا أنت معنا في كلّ يوم و تأتي إلى هذا الفتى . فقال عليه السّلام : أتحبّون أن ارينكم سليمان بن داود ؟ فقلنا : نعم ، فقام عليه السّلام و قمنا معه فمشينا حتى دخلنا إلى بستان لم نر قطّ مثله و فيه من جميع الفاكهة و الأنهار تجرى و الأطيار تتغنّي ، فلما نظرت الأطيار إلى أمير المؤمنين عليه السّلام جعلت تظلّ على رأسه . فاذا نحن بسرير عليه شابّ ملقى على ظهره و ليس في يده خاتم و عند رأسه ثعبان و عند رجليه ثعبان فلمّا نظرا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام انكبّا على قدميه يمرغان وجوههما على التراب ثمّ صارا كالتّراب فقلنا : [ 233 ] يا أمير المؤمنين هذا هو سليمان ؟ قال : نعم و هذا خاتمه ثمّ اخرج من يده الخاتم و جعله في يد سليمان ثمّ قال : قم يا سليمان باذن من يحيى العظام و هي رميم و هو اللَّه الذى لا إله إلاّ هو الحىّ القيّوم القهّار ربّ السّماوات و الأرضين ربّي و ربّ آبائنا الأوّلين . قال سلمان : فسمعنا سليمان يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه و لو كره المشركون ، و أشهد أنّك وصيّ رسول اللَّه الأمين الهادي ، و إنّي سألت ربّي عزّ و جلّ أن أكون من شيعتك و لو لا ذلك ما ملكت شيئا . قال سلمان : فلما سمعت ذلك و ثبت و قبّلت أقدام أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ نام سليمان و قمنا ندور في قاف فسألته ما وراء قاف ؟ فقال عليه السّلام وراءه أربعين دنيا كلّ دنيا مثل الدّنيا التي جئنا أربعين مرّة ، فقلت له : يا أمير المؤمنين كيف علمك بذلك ؟ قال عليه السّلام : كعلمى بهذه الدّنيا و من فيها و بطرف السّماوات و الأرضين . يا سلمان كتبت على اللّيل فأظلم ، و على النهار فأضاء ، أنا المحنة الواقعة على الأعداء الطامّة الكبرى ، أسماؤنا كتبت على العرش حتّى استند ، و على السّماوات فقامت ، و كتبت على الأرض فسكنت ، و على الرّياح فذرت ، و على البرق فلمع ، و على النّور فسطع ، و على الرّعد فخشع ، و أسماؤنا مكتوبة على جبهة اسرافيل الّذي جناحه في المشرق و المغرب و هو يقول : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة و الرّوح . ثمّ قال عليه السّلام لمّا اغمضوا أعينكم فغمضنا ثمّ قال عليه السّلام : افتحوها ففتحنا فاذا نحن بمدينة لم نر أكبر منها و إذا الأسواق بايرة و أهلها قوم لم نر أطول منهم خلقا كلّ واحد كالنخلة ، فقلنا من هؤلاء القوم فما رأينا أعظم منهم خلقا ؟ قال عليه السّلام : هؤلاء قوم عاد و هم كفّار لا يؤمنون بيوم الميعاد و بمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، فأحببت أن ارينكم إيّاهم في هذا الموضع و لقد مضيت بقدرة اللَّه تعالى ، و اقتلعت مدينتهم و هي مداين الشّرق و أتيتكم بها و أنتم لا تشعرون ، و أحببت أن أقاتل بين يديكم . [ 234 ] ثمّ دنا منهم فدعاهم إلى الايمان فأبوا فحمل عليه السّلام عليهم و حملوا عليه و نحن نراهم و لا يرونا فتباعد عنهم و دنا منا فمسح يده عليه السّلام على أبداننا و قلوبنا و قال : ثبتوا على الايمان ثمّ مشى إليهم و دعاهم ثانية إلى الايمان و نحن نراهم فأبوا ثمّ زعق زعقة . قال سلمان : فو الّذي نفسي بيده لقد ظننت أنّ الأرض قد انقلبت و الجبال قد تدكدكت و رأيتهم صرعى كأعجاز نخل خاوية قال : لا اضعف ايمانكم . قال لنا أتحبّون أن ارينكم ما هو أعجب من هذا فقلنا : يا أمير المؤمنين مالنا قوّة و الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدى لو لا أن هدانا اللَّه ، فعلى من لا يؤمن بك لعنة اللَّه و لعنة الملائكة و النّاس أجمعين . ثمّ صاح عليه السّلام بالغمامة فاذا هي قد أقبلت فقال اجلسوا على السحابة فجلسنا و جلس هو على الأخرى ثمّ تكلّم بما لم نفهمه فما استتمّ كلامه حتّى طارت بنا في الهواء ، ثمّ رفعتنا حتى رأينا الدّنيا مثل دور الدراهم ثمّ حططنا دار أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في أقلّ من طرفة عين و أنزلنا و المؤذّن يؤذّن للظّهر و كنا مضينا عند طلوع الشمس ، فقلنا هذا هو العجب كنّا في قاف و قطعنا و رجعنا في خمس ساعات ، فقال أمير المؤمنين لو أردت أطوف بكم الدّنيا و جميع السماوات و الأرض في أقلّ من مدّ البصر لفعلت بقدرة اللَّه تعالى و جلاله و بركة رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أنا وصيّة و لكنّ أكثر النّاس لا يعلمون . فقال سلمان : قلنا : لعن اللَّه من جحدك و غصب حقّك و ضاعف عليهم العذاب الأليم و جعلنا ممّن لا يفارق منك ساعة في الدّنيا و الآخرة بمحمّد و آله عليهم السّلام . أقول : و رواه المحدّث العلاّمة المجلسي طاب ثراه في المجلّد السابع من البحار من كتاب المحتضر للشيخ حسن بن سليمان من كتاب منهج التحقيق إلى سوء الطريق لبعض علماء الامامية باسناده عن سلمان الفارسي نحو ما رويناه و قال بعد ما أورده : [ 235 ] أقول : هذا خبر غريب لم نره في الاصول التي عندنا و لا نردّها و نردّ علمها إليهم عليهم السّلام ، و منها ما في المجلّد الثّامن من البحار من كتاب المحتضر عن بعض العلماء في كتابه عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال : إنّ أمير المؤمنين كان يخرج في كلّ جمعة ظاهر المدينة و لا يعلم أحد أين يمضى ، قال فبقى على ذلك برهة من الزّمان ، فلما كان في بعض الليالي قال عمر بن الخطاب : لا بدّ من أن أخرج و ابصر أين يمضى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . قال : فقعد له عند باب المدينة حتى خرج و مضى على عادته فتبعه عمر و كان كلّما وضع عليّ عليه السّلام قدمه في موضع وضع عمر رجله مكانها ، فما كان إلاّ قليلا حتى وصل إلى بلدة عظيمة ذات نخل و شجر و مياه غزيرة ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام دخل إلى حديقة بها ماء جار فتوضّأ و وقف بين النخل يصلّى إلى أن مضى من اللّيل أكثره . و أمّا عمر فانّه نام فلما قضى أمير المؤمنين عليه السّلام وطره من الصّلاة عاد و رجع إلى المدينة حتى وقف خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و صلّى معه الفجر فانتبه عمر فلم يجد أمير المؤمنين في موضعه فلما أصبح رأى موضعا لا يعرفه و قوما لا يعرفهم و لا يعرفونه فوقف على رجل منهم . فقال له الرجل : من أنت و من أين أنت ؟ فقال عمر : من يثرب مدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فقال له الرّجل : يا شيخ تأمل أمرك و ابصر ما تقول فقال : هذا الذي أقوله لك قال الرّجل : متى خرجت من المدينة ؟ قال : البارحة قال له : اسكت لا يسمع الناس منك فتقتل أو يقولون هذا مجنون ، فقال : الّذي أقول حقّ . فقال له الرّجل : حدّثني كيف حالك و مجيئك إلى ههنا ؟ فقال عمر : كان عليّ بن أبي طالب في كلّ ليلة جمعة يخرج من المدينة و لا نعلم أين يمضى فلمّا كان في هذه اللّيلة تبعته و قلت اريد أن أبصر أين يمضى فوصلنا إلى ههنا فوقف [ 236 ] يصلي و نمت و لا أدرى ما صنع . فقال له الرّجل : ادخل هذه المدينة و أبصر الناس و اقطع أيامك إلى ليلة الجمعة فما لك أن يحملك إلى الموضع الّذي جئت منه إلاّ الرّجل الذي جاء بك ، فبيننا و بين المدينة أزيد من مسيرة سنتين فاذا رأينا من يرى المدينة و رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم تتبرّك به و نزوره و في بعض الاحيان نرى من أتى بك فتقول أنت قد جئتك في بعض ليلة من المدينة . فدخل عمر إلى المدينة فرأى النّاس كلّهم يلعنون ظالمي أهل بيت محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و يسمّونهم بأسمائهم واحدا واحدا و كلّ صاحب صناعة يقول ذلك و هو على صناعته ، فلما سمع عمر ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت و طالت عليه الأيّام . حتّى جاء ليلة الجمعة فمضى إلى ذلك المكان فوصل أمير المؤمنين عليه السّلام إليه على عادته فكان عمر يترقّبه حتى مضى معظم اللّيل و فرغ من صلاته و همّ بالرّجوع فتبعه عمر حتّى و صلا الفجر المدينة ، فدخل أمير المؤمنين عليه السّلام المسجد و صلّى خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و صلّى عمر أيضا ثمّ التفت النّبيّ إلى عمر فقال : يا عمر أين كنت اسبوعا لا نراك عندنا فقال عمر : يا رسول اللَّه كان من شأني كذا و كذا و قصّ عليه ما جرى له فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لا تنس ما شاهدت بنظرك فلمّا سأله من سأله عن ذلك فقال نفذ فيّ سحر بني هاشم . قال المجلسى ( ره ) أقول : هذا حديث غريب لم أره إلاّ في الكتاب المذكور ، هذا . و غرايب شؤوناتهم عليهم السّلام متجاوزة عن حدّ الاحصاء و لو أردت ذكر يسير من كثير لصار كتابا كبير الحجم و فيما أوردته كفاية للمستبصر و هداية للمهتدي ، و اللَّه العالم الخبير بمقامات حججه و أوليائه الكرام عليهم الصّلاة و السّلام . الترجمة پس كدام راه ميرويد اى مردمان گمراه ، و كجا بازگردانيده ميشويد اى خلق تباه ، و حال آنكه علامات هدايت برپا است ، و آيات قدرت روشن و هويداست و مغارهاى بلند پايه بجهت هدايت مركوز و منصوبست ، پس كجا حيران گردانيده ميشويد در تباهى ، بلكه چگونه متردّد ميباشيد در گمراهى و حال آنكه در ميان [ 237 ] شما است اهل بيت پيغمبر شما و ايشان زمامهاى حق‏اند و زبانهاى صدق ، پس نازل نمائيد ايشانرا در نيكوترين منزلهاى قرآن ، و وارد شويد بايشان مثل وارد شدن شتران عطشان بآب فرات و روان . اى مردمان اخذ نمائيد اين روايت را از حضرت خاتم الأنبياء عليه التحية و الثّناء ، بدرستيكه ميميرد كسى كه مرد از ما و حال آنكه مرده نيست بحقيقت و مى‏پوسد آنكه پوسيده از ما و حال آنكه پوسيده نيست در واقع ، پس قائل نشويد بچيزى كه معرفت نداريد بآن زيرا كه أكثر حق در آنچيزيست كه شما انكار مينمائيد آنرا و معذور داريد شخصى را كه حجت نيست شما را بر او و منم آنشخص . آيا عمل نكردم در ميان شما ببار گران بزرگتر كه عبارت است از قرآن ، و آيا نگذاشتم در ميان شما بار گران كوچكتر كه عبارتست از عترت سيّد البشر ، و مركوز ساختم در ميان شما رايت ايمان و اسلام را ، و واقف گردانيدم شما را بحدود حلال و حرام ، و پوشانيدم بشما لباس عافيت را از عدل و انصاف خود ، و گسترانيدم از براى شما بساط امر معروفرا از گفتار و كردار خود ، و بنمودم بشما خلقهاى پسنديده از نفس خود ، پس استعمال نكنيد رأى‏هاى خود را در آنچه كه درك نمينمايد نهايت آنرا بصر ، و سرعت نميتواند كند بسوى آن فكرهاى ارباب فكر و نظر ، و آن عبارتست از مقامات نورانيّه ائمه أنام عليهم الصلاة و السّلام . الفصل الرابع منها حتّى يظنّ الظّانّ إنّ الدّنيا معقولة على بني أميّة ، تمنحهم درّها ، و توردهم صفوها ، و لا يرفع عن هذه الامّة سوطها و لا سيفها ، و كذب الظّانّ لذلك ، بل هي مجّة من لذيذ العيش يتطعّمونها برهة ، ثمّ يلفظونها جملة . [ 238 ] اللغة ( عقلت ) البعير عقلا من باب ضرب حبسته بعقال و ( منح ) زيد عمرا يمنح من باب منع أعطاه و منه المنحة بالكسر و هي الشاة أو النّاقة المعادة للبنها و ( الدّر ) في الأصل اللّبن ثمّ استعمل في كلّ خير و نفع و منه قولهم : للّه درّه و ( مجّ ) الشّراب من فيه محبّا قذفه و رماه و انمجّت نقطة من القلم ترششت ، و المجّة في النسخ بفتح الميم و الأنسب أن يكون بالضّم و هو على ما في القاموس نقط العسل على الحجارة و ( البرهة ) مدّة من الزّمان لها طول . الاعراب حتّى لانتهاء الغاية و قد حذف المغيّا و ترك ذكره في الكتاب ، و الواو في قوله : و كذب الظّان حالية ، و جملة يتطعّمونها في محلّ الرفع صفة لمجّة . المعنى اعلم أنّ المستفاد من شرح المعتزلي أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويله حذف السيّد منها كثيرا و لم أعثر بعد على تمامها ، و هذا الفصل من جملة أخباره الغيبيّة مسوق لبيان حال بني أميّة لعنهم اللَّه و ابتلاء الخلق بهم ، و لعلّ ما قبل هذا الفصل انّه : يليكم ولاة سوء يتمادون في الطّغيان و الغفلة ، و يكون النّاس بهم في طول عناء و شدّة ( حتّى يظنّ الظانّ أنّ الدّنيا معقولة على بني أميّة ) أى محبوسة في أيديهم لا تتجاوز عنهم إلى غيرهم كالناقة المحبوسة بالعقال ( تمنحهم درّها و توردهم صفوها ) أى تعطيهم منفعتها و تبذلهم صافي فوايدها كما أنّ المنحة تعطي لبنها لحالبها و تبذله له ( و لا يرفع عن هذه الامة سوطها و لا سيفها ) أى لا يرفع عن الامّة عذاب الدّنيا بهم و تجوّز بلفظ السوط و السّيف عن القتل و الاستيصال و العذاب لكونهما آلتين لهما ( و كذب الظّانّ لذلك ) في ظنّه و زعمه ( بل هي مجّة من [ 239 ] لذيذ العيش ) اى حقيرة قليلة كالريقة التي تمجّ من الفم ( يتطعّمونها برهة ) من الزمان و يلتذّون بها مدّة ملكهم و امارتهم ( ثمّ يلفظونها جملة ) أى يرمونها بكلّيتها و هو كناية عن زوالها عنهم بالمرّة . أقول : و قد كان الأمر على ما أخبر به الامام عليه السّلام فانّ بني اميّة قد تسلّطوا على العباد ، و تملّكوا البلاد ، و نهبوا الأموال ، و قتلوا الرّجال ، و أراقوا دماء الشّيعة بكلّ بلدة ، و قطعوا الأيدي و الأرجل على الظّنة ، و لم يخرج عليهم خارج إلاّ و ظفروا عليه و قهروه ، و لم يقم لازالة ملكهم قائم إلاّ و غلبوا عليه و قتلوه ، حتّى ظنّ الناس أنّ الدّنيا معقولة عليهم ، و سلطنتها دائمة في حقّهم ، فأذن اللَّه في هلاكهم و أراد زوال ملكهم فاختلفت كلمتهم و تضعضع أمرهم فزالت دولتهم : كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ و قد كانت مدّة ملك السّلطنة ألف شهر على ما أخبر اللَّه به نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله . كما قال الصّادق عليه السّلام في رواية الكافي : أري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في منامه أنّ بني أميّة يصعدون على منبره من بعده و يضلّون النّاس عن الصراط القهقري فأصبح كئيبا حزينا قال عليه السّلام : فهبط عليه جبرئيل فقال : يا رسول اللَّه ما لي أراك كئيبا حزينا قال : يا جبرئيل إنّي رأيت بني أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري يضلّون الناس عن الصّراط القهقرى ، فقال : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا إني ما اطلعت فعرج إلى السّماء فلم يلبث أن نزل عليه بآى من القرآن يونسه بها : قالَ أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنينَ ثُمَّ جائَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ و أنزل عليه : إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . [ 240 ] ملك بني اميّة و بمعناه أخبار اخر . الترجمة اين فصل متضمن اخبار از ابتلاء اهل روزگار به بني اميّة كجرفتار و زوال ملك از آن طايفه بدكردار است ميفرمايد : تا اينكه گمان‏ميكند گمان كننده اينكه دنيا محبوس است و مربوط به بني أميه در حالتى كه نشان ميدهد بايشان منفعت خود را ، و وارد ميكند ايشانرا بآب صافي خود ، و رفع نميشود از اين امت تازيانه دنيا و نه شمشير آن و حال آنكه دروغ گفت گمان برنده آن يعنى ظن او بدوام دولت بني أميّة فاسد است بلكه آن دولت ايشان چيز قليل و حقيرى است از لذت زندگانى بمنزله آبى كه از دهن مياندازند ، ملتذ ميشوند با آن زمانى پس بيندازند آنرا بالمرّه چون انداختن لقمه از دهان ، و اين كنايه است از زوال ملك ايشان بالكلّية .