جستجو

و من خطبة له ع و هي الخطبة العجيبة تسمى الغراء و فيها نعوت

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 241 ] 82 و من خطبة له ع و تسمى بالغراء و هي من الخطب العجيبة : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ وَ دَنَا بِطَوْلِهِ مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَ فَضْلٍ وَ كَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَ أَزْلٍ أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَ سَوَابِغِ نِعَمِهِ وَ أُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً وَ أَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً وَ أَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَ إِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَ تَقْدِيمِ نُذُرِهِ الحول القوة و الطول الإفضال و المانح المعطي و الأزل بفتح الهمزة الضيق و الحبس و العواطف جمع عاطفة و هي ما يعطفك على الغير و يدنيه من معروفك و السوابغ التوام الكوامل سبغ الظل إذا عم و شمل . و أولا هاهنا منصوب على الظرفية كأنه قال قبل كل شي‏ء و الأول نقيض الآخر أصله أوءل على أفعل مهموز الوسط قلبت الهمزة واوا و أدغم يدل على ذلك قولهم هذا أول منك و الإتيان بحرف الجر دليل على أنه أفعل كقولهم هذا أفضل منك و جمعه على أوائل و أوال أيضا على القلب و قال قوم أصله وول على فوعل فقلبت الواو الأولى همزة و إنما لم يجمع على ووال لاستثقالهم اجتماع الواوين و بينهما ألف الجمع . [ 242 ] و إذا جعلت الأول صفة لم تصرفه تقول لقيته عاما أول لاجتماع وزن الفعل و تقول ما رأيته مذ عام أول كلاهما بغير تنوين فمن رفع جعله صفة لعام كأنه قال أول من عامنا و من نصب جعله كالظرف كأنه قال مذ عام قبل عامنا فإن قلت ابدأ بهذا أول ضممته على الغاية . و الإنهاء الإبلاغ أنهيت إليه الخبر فانتهى أي بلغ و المعنى أن الله تعالى أعذر إلى خلقه و أنذرهم فإعذاره إليهم أن عرفهم بالحجج العقلية و السمعية أنهم إن عصوه استحقوا العقاب فأوضح عذره لهم في عقوبته إياهم على عصيانه و إنذاره لهم تخويفه إياهم من عقابه و قد نظر البحتري إلى معنى قوله ع علا بحوله و دنا بطوله فقال دنوت تواضعا و علوت قدرا فشأناك انخفاض و ارتفاع كذاك الشمس تبعد أن تسامى و يدنو النور منها و الشعاع و في هذا الفصل ضروب من البديع فمنها أن دنا في مقابلة علا لفظا و معنى و كذلك حوله و طوله . فإن قلت لا ريب في تقابل دنا و علا من حيث المعنى و اللفظ و أما حوله و طوله فإنهما يتناسبان لفظا و ليسا متقابلين معنى لأنهما ليسا ضدين كما في العلو و الدنو . قلت بل فيهما معنى التضاد لأن الحول هو القوة و هي مشعرة بالسطوة و القهر و منه منشأ الانتقام و الطول الإفضال و التكرم و هو نقيض الانتقام و البطش . فإن قلت أنت و أصحابك لا تقولون إن الله تعالى قادر بقدرة و هو عندكم قادر [ 243 ] لذاته فكيف تتأولون قوله ع الذي علا بحوله أ ليس في هذا إثبات قدرة له زائدة على ذاته و هذا يخالف مذهبكم . قلت إن أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق قولهم إن لله قوة و قدرة و حولا و حاش لله أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك و لكنهم يطلقونه و يعنون به حقيقته العرفية و هي كون الله تعالى قويا قادرا كما نقول نحن و المخالف إن لله وجودا و بقاء و قدما و لا نعني بذلك أن وجوده أو بقاءه أو قدمه معان زائدة على نفسه لكنا نعني كلنا بإطلاق هذه الألفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو قديما و هذا هو العرف المستعمل في قول الناس لا قوة لي على ذلك و لا قدرة لي على فلان لا يعنون نفي المعنى بل يعنون كون الإنسان قادرا قويا على ذلك . و منها أن مانحا في وزن كاشف و غنيمة بإزاء عظيمة في اللفظ و ضدها في المعنى و كذلك فضل و أزل . و منها أن عواطف بإزاء سوابغ و نعمه بإزاء كرمه . و منها و هو ألطف ما يستعمله أرباب هذا الصناعة أنه جعل قريبا هاديا مع قوله أستهديه لأن الدليل القريب منك أجدر بأن يهديك من البعيد النازح و لم يجعله مع قوله و أستعينه و جعل مع الاستعانة قاهرا قادرا لأن القادر القاهر يليق أن يستعان و يستنجد به و لم يجعله قادرا قاهرا مع التوكل عليه و جعل مع التوكل كافيا ناصرا لأن الكافي الناصر أهل لأن يتوكل عليه . و هذه اللطائف و الدقائق من معجزاته ع التي فات بها البلغاء و أخرس الفصحاء [ 244 ] أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ اَلْأَمْثَالَ وَ وَقَّتَ لَكُمُ اَلآْجَالَ وَ أَلْبَسَكُمُ اَلرِّيَاشَ وَ أَرْفَغَ لَكُمُ اَلْمَعَاشَ وَ أَحَاطَ [ أَحَاطَكُمْ ] بِكُمُ اَلْإِحْصَاءَ وَ أَرْصَدَ لَكُمُ اَلْجَزَاءَ وَ آثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ اَلسَّوَابِغِ وَ اَلرِّفَدِ اَلرَّوَافِغِ وَ أَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ اَلْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً وَ وَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَ دَارِ عِبْرَةٍ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَ مُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا وقت و أقت بمعنى أي جعل الآجال لوقت مقدر . و الرياش و الريش واحد و هو اللباس قال تعالى يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً . و قرئ و رياشا و يقال الرياش الخصب و الغنى و منه ارتاش فلان حسنت حاله و يكون لفظ ألبسكم مجازا إن فسر بذلك . و أرفغ لكم المعاش أي جعله رفيغا أي واسعا مخصبا يقال رفغ بالضم عيشه رفاغة اتسع فهو رافغ و رفيغ و ترفغ الرجل و هو في رفاغية من العيش مخففا مثل رفاهية و ثمانية . و قوله و أحاط بكم الإحصاء يمكن أن ينصب الإحصاء على أنه مصدر فيه اللام و العامل فيه غير لفظه كقوله يعجبه السخون ثم قال حبا و ليس [ 245 ] دخول اللام بمانع من ذلك تقول ضربته الضربة كما تقول ضربته ضربا و يجوز أن ينصب بأنه مفعول به و يكون ذلك على وجهين . أحدهما أن يكون من حاط ثلاثيا تقول حاط فلان كرمه أي جعل عليه حائطا فكأنه جعل الإحصاء و العد كالحائط المدار عليهم لأنهم لا يبعدون منه و لا يخرجون عنه . و الثاني أن يكون من حاط الحمار عانته يحوطها بالواو أي جمعها فأدخل الهمزة كأنه جعل الإحصاء يحوطهم و يجمعهم تقول ضربت زيدا و أضربته أي جعلته ذا ضرب فلذلك كأنه جعل ع الإحصاء ذا تحويط عليهم بالاعتبار الأول أو جعله ذا جمع لهم بالاعتبار الثاني . و يمكن فيه وجه آخر و هو أن يكون الإحصاء مفعولا له و يكون في الكلام محذوف تقديره و أحاط بكم حفظته و ملائكته للإحصاء و دخول اللام في المفعول له كثير كقوله و الهول من تهول الهبور قوله و أرصد يعني أعد و في الحديث إلا أن أرصده لدين علي . و آثركم من الإيثار و أصله أن تقدم غيرك على نفسك في منفعة أنت قادر على الاختصاص بها و هو في هذا الموضع مجاز مستحسن . و الرفد جمع رفدة مثل كسرة و كسر و فدرة و فدر و الرفدة و الرفد واحد و هي العطية و الصلة و رفدت فلانا رفدا بالفتح و المضارع أرفده بكسر الفاء و يجوز أرفدته بالهمزة . و الروافغ الواسعة و الحجج البوالغ الظاهرة المبينة قال سبحانه فَلِلَّهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبالِغَةُ . [ 246 ] و وظف لكم مددا أي قدر و منه وظيفة الطعام . و قرار خبرة بكسر الخاء أي دار بلاء و اختبار تقول خبرت زيدا أخبره خبرة بالضم فيهما و خبرة بالكسر إذا بلوته و اختبرته و منه قولهم صغر الخبر الخبر . و دار عبرة أي دار اعتبار و اتعاظ و الضمير في فيها و عليها ليس واحدا فإنه في فيها يرجع إلى الدار و في عليها يرجع إلى النعم و الرفد و يجوز أن يكون الضمير في عليها عائدا إلى الدار على حذف المضاف أي على سكانها : فَإِنَّ اَلدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَ يُوبِقُ مَخْبَرُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَ ضَوْءٌ آفِلٌ وَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَ سِنَادٌ مَائِلٌ حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَ اِطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَ قَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا [ أَجْلُبِهَا ] وَ أَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَ أَعْلَقَتِ اَلْمَرْءَ أَوْهَاقَ اَلْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ اَلْمَضْجَعِ وَ وَحْشَةِ اَلْمَرْجِعِ وَ مُعَايَنَةِ اَلْمَحَلِّ وَ ثَوَابِ اَلْعَمَلِ . وَ كَذَلِكَ اَلْخَلَفُ بِعَقْبِ اَلسَّلَفِ لاَ تُقْلِعُ اَلْمَنِيَّةُ اِخْتِرَاماً وَ لاَ يَرْعَوِي اَلْبَاقُونَ اِجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً وَ يَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ اَلاِنْتِهَاءِ وَ صَيُّورِ اَلْفَنَاءِ يقال عيش رنق بكسر النون أي كدر و ماء رنق بالتسكين أي كدر و الرنق بفتح النون مصدر قولك رنق الماء بالكسر و رنقته أنا ترنيقا أي كدرته و الرواية [ 247 ] المشهورة في هذا الفصل رنق مشربها بالكسر أقامه مقام قولهم عيش رنق و من رواه رنق مشربها بالسكون و هم الأقلون أجرى اللفظ على حقيقته . و يقال مشرع ردغ ذو طين و وحل روي الردغة بالتحريك و يجوز تسكين الدال و الجمع رداغ و ردغ . و يونق منظرها يعجب الناظر آنقني الشي‏ء أعجبني و يوبق مخبرها يهلك وبق الرجل يبق وبوقا هلك و الموبق مفعل منه كالموعد مفعل من وعد يعد و منه قوله سبحانه وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً و قد جاء وبق يبق بالكسر فيهما و هو نادر كورث يرث و جاء أيضا وبق يوبق وبقا . و الغرور بضم الغين ما يغتر به من متاع الدنيا و الغرور بالفتح الشيطان و الحائل الزائل و الآفل الغائب أفل غاب يأفل و يأفل أفولا . و السناد دعامة يسند بها السقف و ناكرها فاعل من نكرت كذا أي أنكرته . و قمصت بأرجلها قمص الفرس و غيره يقمص و يقمص قمصا و قماصا أي استن و هو أن يرفع يديه و يطرحهما معا و يعجن برجليه و في المثل المضروب لمن ذل بعد عزة ما لعير من قماص . و جمع فقال بأرجلها و إنما للدابة رجلان إما لأن المثنى قد يطلق عليه صيغة الجمع كما في قولهم امرأة ذات أوراك و مآكم و هما وركان و إما لأنه أجرى اليدين و الرجلين مجرى واحد فسماها كلها أرجلا و من رواه بالحاء فهو جمع رحل الناقة . و أقصدت قتلت مكانها من غير تأخير . [ 248 ] و الأوهاق جمع وهق بالتحريك و هو الحبل و قد يسكن مثل نهر و نهر و أعلقت المرء الأوهاق جعلت الأوهاق عالقة به و الضنك الضيق . و المضجع المصدر أو المكان و الفعل ضجع الرجل جنبه بالأرض بالفتح يضجع ضجوعا و ضجعا فهو ضاجع و مثله أضجع . و المرجع مصدر رجع و منه قوله تعالى ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ و هو شاذ لأن المصادر من فعل يفعل بكسر العين إنما يكون بالفتح . قوله و معاينة المحل أي الموضع الذي يحل به المكلف بعد الموت و لا بد لكل مكلف أن يعلم عقيب الموت مصيره أما إلى جنة و أما إلى نار . و قوله ثواب العمل يريد جزاء العمل و مراده الجزاء الأعم الشامل للسعادة و الشقاوة لا الجزاء الأخص الذي هو جزاء الطاعة و سمى الأعم ثوابا على أصل الحقيقة اللغوية لأن الثواب في اللغة الجزاء يقال قد أثاب فلان الشاعر لقصيدة كذا أي جازاه . و قوله و كذلك الخلف بعقب السلف الخلف المتأخرون و السلف المتقدمون و عقب هاهنا بالتسكين و هو بمعنى بعد جئت بعقب فلان أي بعده و أصله جري الفرس بعد جريه يقال لهذا الفرس عقب حسن و قال ابن السكيت يقال جئت في عقب شهر كذا بالضم إذا جئت بعد ما يمضي كله و جئت في عقب بكسر القاف إذا جئت و قد بقيت منه بقية و قد روي يعقب السلف أي يتبع . و قوله لا تقلع المنية أي لا تكف و الاخترام إذهاب الأنفس و استئصالها . [ 249 ] و ارعوى كف عن الأمر و أمسك و أصل فعله الماضي رعى يرعو أي كف عن الأمر و فلان حسن الرعوة و الرعوة و الرعوة و الرعوى و الارعواء و الاجترام افتعال من الجرم و هو الذنب و مثله الجريمة يقال جرم و أجرم بمعنى . قوله يحتذون مثالا أي يقتدون و أصله من حذوت النعل بالنعل حذوا إذا قدرت كل واحدة على صاحبها . قوله و يمضون أرسالا بفتح الهمزة جمع رسل بفتح السين و هو القطيع من الإبل أو الغنم يقال جاءت الخيل أرسالا أي قطيعا قطيعا . و صيور الأمر آخره و ما يئول إليه : حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ اَلْأُمُورُ وَ تَقَضَّتِ اَلدُّهُورُ وَ أَزِفَ اَلنُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ اَلْقُبُورِ وَ أَوْكَارِ اَلطُّيُورِ وَ أَوْجِرَةِ اَلسِّبَاعِ وَ مَطَارِحِ اَلْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلاً صُمُوتاً قِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ اَلْبَصَرُ وَ يُسْمِعُهُمُ اَلدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ اَلاِسْتِكَانَةِ وَ ضَرَعُ اَلاِسْتِسْلاَمِ وَ اَلذِّلَّةِ قَدْ ضَلَّتِ اَلْحِيَلُ وَ اِنْقَطَعَ اَلْأَمَلُ وَ هَوَتِ اَلْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً وَ خَشَعَتِ اَلْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً وَ أَلْجَمَ اَلْعَرَقُ وَ عَظُمَ اَلشَّفَقُ وَ أُرْعِدَتِ اَلْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ اَلدَّاعِي إِلَى فَصْلِ اَلْخِطَابِ وَ مُقَايَضَةِ اَلْجَزَاءِ وَ نَكَالِ اَلْعِقَابِ وَ نَوَالِ اَلثَّوَابَ [ 250 ] تصرمت الأمور تقطعت و مثله تقضت الدهور و أزف قرب و دنا يأزف أزفا و منه قوله تعالى أَزِفَتِ اَلْآزِفَةُ أي القيامة الفاعل آزف . و الضرائح جمع ضريح و هو الشق في وسط القبر و اللحد ما كان في جانب القبر و ضرحت ضرحا إذا حفرت الضريح . و الأوكار جمع وكر يفتح الواو و هو عش الطائر و جمع الكثرة وكور وكر الطائر يكر وكرا أي دخل وكره و الوكن بالفتح مثل الوكر أي العش . و أوجرة السباع جمع وجار بكسر الواو و يجوز فتحها و هو بيت السبع و الضبع و نحوهما . مهطعين مسرعين و الرعيل القطعة من الخيل . قوله ع ينفذهم البصر و يسمعهم الداعي أي هم مع كثرتهم لا يخفى منهم أحد عن إدراك البارئ سبحانه و هم مع هذه الكثرة أيضا لا يبقى منهم أحد إلا إذا دعا داعي الموت سمع دعاءه و نداءه . و اللبوس بفتح اللام ما يلبس قال البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها و إما بوسها و منه قوله تعالى وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعني الدروع . و الاستكانة الخضوع و الضرع الخشوع و الضعف ضرع الرجل يضرع و أضرعه غيره . و كاظمته ساكته كظم يكظم كظوما أي سكت و قوم كظم أي ساكتون . [ 251 ] و مهينمة ذات هينمة و هي الصوت الخفي و ألجم العرق صار لجاما و في الحديث إن العرق ليجري منهم حتى إن منهم من يبلغ ركبتيه و منهم من يبلغ صدره و منهم من يبلغ عنقه و منهم من يلجمه و هم أعظمهم مشقة . و قال لي قائل ما أرى لقوله ع المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة كثير فائدة لأن طول العنق جدا ليس مما يرغب في مثله فذكرت له الخبر الوارد في العرق و قلت إذا كان الإنسان شديد طول العنق كان عن إلجام العرق أبعد فظهرت فائدة الخبر . و يروى و أنجم العرق أي كثر و دام . و الشفق و الشفقة بمعنى و هو الاسم من الإشفاق و هو الخوف و الحذر قال الشاعر تهوى حياتي و أهوى موتها شفقا و الموت أكرم نزال على الحرم و أرعدت الأسماع عرتها الرعدة و زبرة الداعي صدته و لا يقال الصوت زبرة إلا إذا خالطه زجر و انتهار زبرته أزبره بالضم . و قوله إلى فصل الخطاب إلى هاهنا يتعلق بالداعي و فصل الخطاب بت الحكومة التي بين الله و بين عباده في الموقف رزقنا الله المسامحة فيها بمنه و إنما خص الأسماع بالرعدة لأنها تحدث من صوت الملك الذي يدعو الناس إلى محاسبته . و المقايضة المعاوضة قايضت زيدا بالمتاع و هما قيضان كما قالوا بيعان . فإن قلت كيف يصح ما ذكره المسلمون من حشر الأجساد و كيف يمكن ما أشار إليه ع من جمع الأجزاء البدنية من أوكار الطيور و أوجرة السباع و معلوم أنه قد يأكل الإنسان سبع و يأكل ذلك السبع إنسان آخر و يأكل هذا الإنسان طائر ثم يأكل الطائر إنسان آخر و المأكول يصير أجزاء من أجزاء بدن الآكل فإذا حشرت [ 252 ] الحيوانات كلها على ما تزعم المعتزلة فتلك الأجزاء المفروضة إما أن تحشر أجزاء من بنية الإنسان أو بنية السبع أو منهما معا فإن كان الأول وجب إلا يحشر السبع و إن كان الثاني وجب ألا يحشر الإنسان و الثالث محال عقلا لأن الجزء الواحد لا يكون في موضعين . قلت إن في بدن كل إنسان و كل حيوان أجزاء أصلية و أجزاء زائدة فالأجزاء الزائدة يمكن أن تصير أجزاء بدن حيوان إذا اغتذى بها و الأجزاء الأصلية لا يمكن ذلك فيها بل يحرسها الله تعالى من الاستحالة و التغيير و إذا كان كذلك أمكن الحشر بأن تعاد الأجزاء الأصلية إلى موضعها الأول و لا فساد في استحالة الأجزاء الزائدة لأنه لا يجب حشرها لأنها ليست أصل بنية المكلف فاندفع الأشكال و أما من يقول بالنفس الناطقة من أهل الملة فلا يلزمه الجواب عن السؤال لأنه يقول إن الأنفس إذا أزف يوم القيامة خلقت لها أبدان غير الأبدان الأولى لأن المكلف المطيع و العاصي المستحق للثواب و العقاب عندهم هو النفس و أما البدن فآلة لها نستعمله استعمال الكاتب للقلم و النجار للفأس : عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اِقْتِدَاراً وَ مَرْبُوبُونَ اِقْتِسَاراً وَ مَقْبُوضُونَ اِحْتِضَاراً وَ مُضَمِّنُونَ مُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً وَ كَائِنُونَ رُفَاتاً وَ مَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً وَ مَدِينُونَ جَزَاءً وَ مُمَيَّزُونَ حِسَاباً قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ اَلْمَخْرَجِ وَ هُدُوا سَبِيلَ اَلْمَنْهَجِ وَ عُمِّرُوا مَهَلَ اَلْمُسْتَعْتَبِ وَ كُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ اَلرِّيَبِ وَ خُلُّوا لِمِضْمَارِ اَلْجِيَادِ [ اَلْخِيَارِ ] وَ رَوِيَّةِ اَلاِرْتِيَادِ وَ أَنَاةِ اَلْمُقْتَبِسِ [ اَلْمُقْتَبِينَ ] اَلْمُرْتَادِ [ اَلْمُتَّقِينَ ] فِي مُدَّةِ اَلْأَجَلِ وَ مُضْطَرَبِ اَلْمَهَلِ [ 253 ] مربوبون مملوكون و الاقتسار الغلبة و القهر . و الاحتضار حضور الملائكة عند الميت و هو حينئذ محتضر و كانت العرب تقول لبن محتضر أي فاسد ذو آفة يعنون أن الجن حضرته يقال اللبن محتضر فغط إناءك . و الأجداث جمع جدث و هو القبر و اجتدث الرجل اتخذ جدثا و يقال جدف بالفاء . و الرفات الحطام تقول منه رفت الشي‏ء فهو مرفوت . و مدينون أي مجزيون و الدين الجزاء و منه مالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ . و مميزون حسابا من قوله تعالى وَ اِمْتازُوا اَلْيَوْمَ أَيُّهَا اَلْمُجْرِمُونَ و من قوله تعالى وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً كما أن قوله و مبعوثون أفرادا مأخوذ من قوله تعالى وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى‏ و أصل التمييز على الفصل و التبيين . قوله قد أمهلوا في طلب المخرج أي انظروا ليفيئوا إلى الطاعة و يخلصوا التوبة لأن إخلاص التوبة هو المخرج الذي من سلكه خرج من ربقة المعصية و مثله قوله و هدوا سبيل المنهج و المنهج الطريق الواضح . و المستعتب المسترضى استعتبت زيدا إذا استرضيته عني فأنا مستعتب له و هو مستعتب و أعتبني أي أرضاني و إنما ضرب المثل بمهل المستعتب لأن من يطلب رضاه في مجرى العادة لا يرهق بالتماس الرضا منه و إنما يمهل ليرضى بقلبه لا بلسانه . و السدف جمع سدفة هي القطعة من الليل المظلم هذا في لغة أهل نجد و أما غيرهم [ 254 ] فيجعل السدفة الضوء و هذا اللفظ من الأضداد و كذلك السدف بفتح السين و الدال . و قد قيل السدفة اختلاط الضوء و الظلمة كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار و السدف الصبح و إقباله و أسدف الليل أظلم و أسدف الصبح أضاء يقال أسدف الباب أي افتحه حتى يضي‏ء البيت و في لغة هوازن أسدفوا أي أسرجوا من السراج و الريب الشبهة جمع ريبة . و المضمار الموضع الذي تضمر فيه الخيل و المضمار أيضا المدة التي تضمر فيها . و التضمير أن تعلف الفرس حتى يسمن ثم ترده إلى قوته الأولى و ذلك في أربعين يوما و قد يطلق التضمير على نقيض ذلك و هو التجويع حتى يهزل و يخف لحمه ضمر الفرس بالفتح يضمر بالضم ضمورا و جاء ضمر الفرس بالضم و أضمرته أنا و ضمرته فاضطمر هو و لؤلؤ مضطمر في وسطه بعض الانضمام رجل لطيف الجسم ضمير البطن و ناقة ضامر و ضامرة أيضا يقول مكنهم الحكيم سبحانه و خلاهم و أعمالهم كما تمكن الخيل التي تستبق في المضمار ليعلم أيها أسبق . و الروية الفكرة و الارتياد الطلب ارتاد فلان الكلأ يرتاده ارتيادا طلبه و مثله راد الكلأ يروده رودا و ريادا و في الحديث إذا بال أحدكم فليرتد لبوله أي فليطلب مكانا لينا أو منحدرا و الرائد الذي يرسله القوم في طلب الكلإ و في المثل الرائد لا يكذب أهله و الأناة التؤدة و الانتظار مثل القناة . و تأنى في الأمر ترفق و استأنى فلان بفلان أي انتظر به و جاء الأناء بالفتح و المد على فعال قال الحطيئة و أكريت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الأناء و المقتبس متعلم العلم هاهنا و لا بد له من أناة و مهل ليبلغ حاجته فضرب مثلا و جاء [ 255 ] في بعض الروايات و مقبوضون اختضارا بالخاء المعجمة و هو موت الشاب غضا أخضر أي مات شابا و كان فتيان يقولون لشيخ أ جززت يا أبا فلان فيقول أي بني و تختضرون أجز الحشيش آن أن يجز و منه قيل للشيخ كاد يموت قد أجز و الرواية الأولى أحسن لأنها أعم . و في رواية لمضمار الخيار أي للمضمار الذي يستبق فيه الأبرار الأتقياء إلى رضوان الله سبحانه : فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً وَ مَوَاعِظَ شَافِيَةً لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً وَ أَسْمَاعاً وَاعِيَةً وَ آرَاءً عَازِمَةً وَ أَلْبَاباً حَازِمَةً فَاتَّقُوا اَللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَ اِقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ وَ وَجِلَ فَعَمِلَ وَ حَاذَرَ فَبَادَرَ وَ أَيْقَنَ فَأَحْسَنَ وَ عُبِّرَ فَاعْتَبَرَ وَ حُذِّرَ فَحَذِرَ وَ زُجِرَ فَازْدَجَرَ وَ أَجَابَ فَأَنَابَ وَ رَاجَعَ [ رَجَعَ ] فَتَابَ وَ اِقْتَدَى فَاحْتَذَى وَ أُرِيَ فَرَأَى فَأَسْرَعَ طَالِباً وَ نَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً وَ أَطَابَ سَرِيرَةً وَ عَمَّرَ مَعَاداً وَ اِسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَ وَجْهِ سَبِيلِهِ وَ حَالِ حَاجَتِهِ وَ مَوْطِنِ فَاقَتِهِ وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ وَ اِحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمُ مِنْ نَفْسِهِ وَ اِسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ وَ اَلْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ صائبة غير عادلة عن الصواب صاب السهم يصوب صوبة أي قصد و لم يجر [ 256 ] و صاب السهم القرطاس يصيبه صبيا لغة في أصابه و في المثل مع الخواطئ سهم صائب . و شافية تبرئ من مرض الجهل و الهوى و القلوب الزاكية الطاهرة و الأسماع الواعية الحافظة و الآراء العازمة ذات العزم و الألباب العقول و الحازمة ذات الحزم و الحزم ضبط الرجل أمره . و خشع الرجل أي خضع و اقترف اكتسب و مثله قرف يقرف بالكسر يقال هو يقرف لعياله أي يكسب . و وجل الرجل خاف وجلا بفتح الجيم و مستقبلة يوجل و يأجل و ييجل و ييجل بكسر الياء المضارعة . و بادر سارع و عبر أي أري العبر مرارا كثيرة لأن التشديد هاهنا دليل التكثير . فاعتبر أي فاتعظ و الزجر النهي و المنع زجر أي منع و ازدجر مطاوع ازدجر اللفظ فيهما واحد تقول ازدجرت زيدا عن كذا فازدجر هو و هذا غريب و إنما جاء مطاوع ازدجر في زجر لأنهما كالشي‏ء الواحد و في بعض الروايات ازدجر فازدجر فلا يحتاج مع هذه الرواية إلى تأويل . و أناب الرجل إلى الله أي أقبل و تاب و اقتدى بزيد فعل مثل فعله و احتذى مثله . قوله ع فأفاد ذخيرة أي فاستفاد و هو من الأضداد أفدت المال زيدا أعطيته إياه و أفدت أنا مالا أي استفدته و اكتسبته . قوله ع فاتقوا الله عباد الله جهة ما خلقكم له نصب جهة بفعل مقدر تقديره و اقصدوا جهة ما خلقكم له يعني العبادة لأنه تعالى قال وَ ما خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ فحذف الفعل و استغنى عنه بقوله فَاتَّقُوا اَللَّهَ لأن التقوى [ 257 ] ملازمة لقصد المكلف العبادة فدلت عليه و استغنى بها عن إظهاره . و الكنه الغاية و النهاية تقول أعرفه كنه المعرفة أي نهايتها . ثم قال ع و استحقوا منه ما أعد لكم أي اجعلوا أنفسكم مستحقين لثوابه الذي أعده لكم إن أطعتم . و الباء في بالتنجز متعلق باستحقوا و يقال فلان يتنجز الحاجة أي يستنجحها و يطلب تعجلها و الناجز العاجل يقال ناجزا بناجز كقولك يدا بيد أي تعجيلا بتعجيل و التنجز من المكلفين بصدق ميعاد القديم سبحانه و هو مواظبتهم على فعل الواجب و تجنب القبيح و و الحذر مجرور بالعطف على التنجز لا على الصدق لأنه لا معنى له : وَ مِنْهَا جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا وَ أَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَ أَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَ مُدَدِ عُمُرِهَا بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَ قُلُوبٍ رَائِدَةٍ [ بَائِدَةٍ ] لِأَرْزَاقِهَا فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَ حَوَاجِزِ [ جَوَائِزِ ] عَافِيَتِهِ وَ قَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ وَ خَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ اَلْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَ مُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ أَرْهَقَتْهُمُ اَلْمَنَايَا دُونَ اَلآْمَالِ وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ اَلآْجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ اَلْأَبْدَانِ وَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ اَلْأَوَانِ [ 258 ] قوله لتعي ما عناها أي لتحفظ و تفهم ما أهمها و منه الأثر المرفوع من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . و لتجلو أي لتكشف . و عن هاهنا زائدة و يجوز أن تكون بمعنى بعد كما قال لقحت حرب وائل عن حيال أي بعد حيال فيكون قد حذف المفعول و حذفه جائز لأنه فضله و يكون التقدير لتجلو الأذى بعد عشاها و العشى مقصور مصدر عشي بكسر الشين يعشى فهو عش إذا أبصر نهارا و لم يبصر ليلا . و الأشلاء جمع شلو و هو العضو . فإن قلت فأي معنى في قوله أعضاء تجمع أعضاء تجمع أعضاءها و كيف يجمع الشي‏ء نفسه قلت أراد ع بالأشلاء هاهنا الأعضاء الظاهرة و بالأعضاء الجوارح الباطنة و لا ريب أن الأعضاء الظاهرة تجمع الأعضاء الباطنة و تضمها و الملاءمة الموافقة و الأحناء الجوانب و الجهات و وجه الموافقة و الملاءمة أن كون اليد في الجانب أولى من كونها في الرأس أو في أسفل القدم لأنها إذا كانت في الجانب كان البطش و تناول ما يراد و دفع ما يؤذى أسهل و كذلك القول في جعل العين في الموضع الذي جعلت به لأنها كديدبان السفينة البحرية و لو جعلت في أم الرأس لم ينتفع بها هذا الحد من الانتفاع الآن و إذا تأملت سائر أدوات الجسد و أعضائه وجدتها كذلك . [ 259 ] ثم قال في تركيب صورها كأنه قال مركبة أو مصورة فأتى بلفظه في كما تقول ركب بسلاحه و في سلاحه أي متسلحا . و قوله بأرفاقها أي بمنافعها جمع رفق بكسر الراء مثل حمل و أحمال و أرفقت فلانا أي نفعته و المرفق من الأمر ما ارتفقت به و انتفعت و يروى بأرماقها و الرمق بقية الروح . و رائدة طالبة و مجللات النعم تجلل الناس أي تعمهم من قولهم سحاب مجلل أي يطبق الأرض و هذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف كقولك أنا في سابغ ظلك و عميم فضلك كأنه قال في نعمه المجللة و كذلك القول في موجبات مننه أي في مننه التي توجب الشكر . و في هاهنا متعلقة بمحذوف و الموضع نصب على الحال . ثم قال و حواجز عافيته الحواجز الموانع أي في عافية تحجز و تمنع عنكم المضار . و يروى و حواجز بليته و قد فسر قوله حواجز عافيته على أن يراد به ما يحجز العافية و يمنعها عن الزوال و العدم . قوله ع من مستمتع خلاقهم الخلاق النصيب قال تعالى وَ ما لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ و قال تعالى فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اِسْتَمْتَعَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ و تقدير الكلام خلف لكم عبرا من القرون السالفة منها تمتعهم بنصيبهم من الدنيا ثم فناؤهم و منها فسحة خناقهم و طول إمهالهم ثم كانت عاقبتهم الهلكة . و أرهقتهم المنايا أدركتهم مسرعة . [ 260 ] و المرهق الذي أدرك ليقتل و شذبهم عنها قطعهم و فرقهم من تشذيب الشجرة و هو تقشيرها . و تخرمت زيدا المنية استأصلته و اقتطعته . ثم قال لم يمهدوا في سلامة الأبدان أي لم يمهدوا لأنفسهم من تمهيد الأمور و هو تسويتها و إصلاحها . و أنف الأوان أوله يقال روضة أنف لم ترع قبل و كأس أنف لم يشرب بها قبل : فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ اَلشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ اَلْهَرَمِ وَ أَهْلُ غَضَارَةِ اَلصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ اَلسَّقَمِ وَ أَهْلُ مُدَّةِ اَلْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ [ أَوْبَةَ ] اَلْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ اَلزِّيَالِ [ اَلزَّوَالِ ] وَ أُزُوفِ اَلاِنْتِقَالِ وَ عَلَزِ اَلْقَلَقِ وَ أَلَمِ اَلْمَضَضِ وَ غُصَصِ اَلْجَرَضِ وَ تَلَفُّتِ اَلاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ اَلْحَفَدَةِ وَ اَلْأَقْرِبَاءِ وَ اَلْأَعِزَّةِ وَ اَلْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ اَلْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ اَلنَّوَاحِبُ وَ قَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ اَلْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَ فِي ضِيقِ اَلْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ اَلْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَ أَبْلَتِ اَلنَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَ عَفَتِ اَلْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَ مَحَا اَلْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَ صَارَتِ اَلْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَ اَلْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَ اَلْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَ لاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا [ 261 ] البضاضة مصدر من بضضت يا رجل بضضت بالفتح و الكسر بضاضة و بضوضة و رجل بض أي ممتلئ البدن رقيق الجلد و امرأة بضة . و حواني الهرم جمع حانية و هي العلة التي تحني شطاط الجسد و تميله عن الاستقامة . و الهرم الكبر و الغضارة طيب العيش و منه المثل أباد الله غضراءهم أي خيرهم و خصبهم . و آونة الفناء جمع أوان و هو الحين كزمان و أزمنة و فلان يصنع ذلك الأمر آونة كقولك تارات أي يصنعه مرارا و يدعه مرارا . و الزيال مصدر زايله مزايلة و زيالا أي فارقه . و الأزوف مصدر أزف أي دنا . و العلز قلق و خفة و هلع يصيب الإنسان و قد علز بالكسر و بات علزا أي وجعا قلقا و المضض الوجع أمضني الجرح و مضني لغتان و قد مضضت يا رجل بالكسر . و الغصص جمع غصة و هي الشجا و الغصص بالفتح مصدر قولك غصصت يا رجل تغص بالطعام فأنت غاص و غصان و أغصصته أنا . و الجريض الريق يغص به جرض بريقه بالفتح يجرض بالكسر مثل كسر يكسر و هو أن يبلع ريقه على هم و حزن بالجهد و الجريض الغصة و في المثل حال [ 262 ] الجريض دون القريض و فلان يجرض بنفسه إذا كان يموت و أجرضه الله بريقه أغصه . و الحفدة الأعوان و الخدم و قيل ولد الولد واحدهم حافد و الباء في بنصرة الحفدة متعلق بالاستعانة يقول إن الميت عند نزول الأمر به يتلفت مستغيثا بنصرة أهله و ولده أي يستنصر يستصرخ بهم . و النواحب جمع ناحبة و هي الرافعة صوتها بالبكاء و يروى النوادب . و الهوام جمع هامة و هي ما يخاف ضرره من الأحناش كالعقارب و العناكب و نحوها و النواهك جمع ناهكة و هي ما ينهك البدن أي يبليه . و عفت درست و يروى بالتشديد و شحبة هالكة و الشحب الهلاك شحب الرجل بالكسر يشحب و جاء شحب بالفتح يشحب بالضم أي هلك و شحبة الله يشحبه يتعدى و لا يتعدى . و نخرة بالية و الأعباء الأثقال واحدها عب‏ء . و قال موقنة بغيب أنبائها لأن الميت يعلم بعد موته ما يصير إليه حاله من جنة أو نار . ثم قال إنها لا تكلف بعد ذلك زيادة في العمل الصالح و لا يطلب منها التوبة من العمل القبيح لأن التكليف قد بطل : أَ وَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ اَلْقَوْمِ وَ اَلآْبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ اَلْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا [ 263 ] سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ اَلْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَ كَأَنَّ اَلرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا القدة بالدال المهملة و بكسر القاف الطريقة و يقال لكل فرقة من الناس إذا كانت ذات هوى على حدة قدة و منه قوله تعالى كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً و من رواه و يركبون قذتهم بالذال المعجمة و ضم القاف أراد الواحدة من قذذ السهم و هي ريشة يقال حذو القذة بالقذة و يكون معنى و تركبون قذتهم تقتفون آثارهم و تشابهون بهم في أفعالهم . ثم قال و تطئون جادتهم و هذه لفظة فصيحة جدا . ثم ذكر قساوة القلوب و ضلالها عن رشدها و قال كأن المعني سواها هذا مثل قول النبي ص كأن الموت فيها على غيرنا كتب و كأن الحق فيها على غيرنا وجب : وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى اَلصِّرَاطِ [ اَلسِّرَاطِ ] وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ وَ أَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ اَلتَّفَكُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ اَلْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ اَلتَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَ أَظْمَأَ اَلرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَ ظَلَفَ اَلزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ [ 264 ] وَ أَوْجَفَ اَلذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَ قَدَّمَ اَلْخَوْفَ لِأَمَانِهِ [ أَبَانَهُ ] وَ تَنَكَّبَ اَلْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ اَلسَّبِيلِ وَ سَلَكَ أَقْصَدَ اَلْمَسَالِكِ إِلَى اَلنَّهْجِ اَلْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ اَلْغُرُورِ وَ لَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ اَلْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ اَلْبُشْرَى وَ رَاحَةِ اَلنُّعْمَى فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَ آمَنِ يَوْمِهِ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ اَلْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَ قَدَّمَ زَادَ [ ذَاتَ ] اَلآْجِلَةِ سَعِيداً وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَ رَغِبَ فِي طَلَبٍ وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَ رَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ وَ رُبَّمَا نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالاً وَ كَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالاً وَ كَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِيراً وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَ خَصِيماً و قال أصحابنا رحمهم الله تعالى الصراط الوارد ذكره في الكتاب العزيز هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة و لأهل النار إلى النار بعد المحاسبة قالوا لأن أهل الجنة ممرهم على باب النار فمن كان من أهل النار عدل به إليها و قذف فيها و من كان من أهل الجنة مر بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة و هو معنى قوله تعالى وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها لأن ورودها هو القرب منها و الدنو إليها و قد دل القرآن على سور مضروب بين مكان النار و بين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ اَلرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ اَلْعَذابُ . [ 265 ] قالوا و لا يصح ما روي في بعض الأخبار أن الصراط أدق من الشعر و أحد من السيف و أن المؤمن يقطعه كمرور البرق الخاطف و الكافر يمشي عليه حبوا و أنه ينتفض بالذين عليه حتى تتزايل مفاصلهم قالوا لأن مثل ذلك لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه و لو أمكن لم يصح التكليف في الآخرة ليؤمر العقلاء بالمرور عليه على وجه التعبد . ثم سأل أصحابنا أنفسهم فقالوا أي فائدة في عمل هذا السور و أي فائدة في كون الطريق الذي هو الصراط منتهيا إلى باب النار منفرجا منها إلى الجنة أ لستم تعللون أفعال البارئ تعالى بالمصالح و الآخرة ليست دار تكليف ليفعل فيها هذه الأفعال للمصالح . و أجابوا بأن شعور المكلفين في الدنيا بهذه الأشياء مصالح لهم و ألطاف في الواجبات العقلية فإذا أعلم المكلفون بها وجب إيقاعها على حسب ما وعدوا و أخبروا به لأن الله صادق لا خلف في إخباره . و عندي أنه لا يمتنع أن يكون الصراط على ما وردت به الأخبار و لا مانع من ذلك قولهم لا يكون طريقا للماشي و لا يتمكن من المشي عليه مسلم و لكن لم لا يجوز أن يكون في جعله على هذا الوجه و الإخبار عن كيفيته هذه مصلحة للمكلفين في الدنيا و ليس عدم تمكن الإنسان من المشي عليه بمانع من إيقاعه على هذا الوجه لأن المراد من هذا و أمثاله هو التخويف و الزجر . و أما قولهم الآخرة ليست دار تكليف فلقائل أن يقول لهم لم قلتم إنه تكليف و لم لا يجوز أن يكون المكلفون مضطرين إلى سلوكه اضطرارا فالمؤمن يخلق الله فيه الثبات و السكينة و الحركة السريعة فينجو و يسلم و الكافر يخلق فيه ضد ذلك فيهوي و يعطب و لا مانع من ذلك . [ 266 ] يقال مكان دحض و دحض بالتحريك أي زلق و أدحضته أنا أزلقته فدحض هو . و الأهاويل الأمور المفزعة و تارات أهواله كقوله دفعات أهواله و إنما جعل أهواله تارات لأن الأمور الهائلة إذا استمرت لم تكن في الإزعاج و الترويع كما تكون إذا طرأت تارة و سكنت تارة . و انصب الخوف بدنه أتعب و النصب التعب و التهجد هنا صلاة الليل و أصله السهر و قد جاء التهجد بمعنى النوم أيضا و هو من الأضداد . الغرار قلة النوم و أصله قلة لبن الناقة و يقال غارت الناقة تغار غرارا قل لبنها . فإن قلت كيف توصف قلة النوم بالسهر و إنما يوصف بالسهر الإنسان نفسه قلت هذا من مجازات كلامهم كقولهم ليل ساهر و ليل نائم . و الهواجر جمع هاجرة و هي نصف النهار عند اشتداد الحر يقال قد هجر النهار و أتينا أهلنا مهجرين أي سائرين في الهاجرة . و ظلف منع و ظلفت نفس فلان بالكسر عن كذا أي كفت . و أوجف أسرع كأنه جعل الذكر لشدة تحريكه اللسان موجفا به كما توجف الناقة براكبها و الوجيف ضرب من السير . ثم قال و قدم الخوف لأمانه اللام هاهنا لام التعليل أي قدم خوفه ليأمن و المخالج الأمور المختلجة أي الجاذبة خلجه و اختلجه أي جذبه . و أقصد المسالك أقومها و طريق قاصد أي مستقيم . و فتله عن كذا أي رده و صرفه و هو قلب لفت . و يروى قد عبر معبر العاجلة حميدا و قدم زاد الآجلة سعيدا . [ 267 ] و أكمش أسرع و مثله انكمش و رجل كمش أي سريع و قد كمش بالضم كماشة فهو كمش و كميش و كمشته تكميشا أعجلته . قوله و رغب في طلب و ذهب عن هرب أي و رغب فيما يطلب مثله و فر عما يهرب من مثله فأقام المصدر مقام ذي المصدر . و نظر قدما أمامه أي و نظر ما بين يديه مقدما لم ينثن و لم يعرج و الدال مضمومة هاهنا . قال الشاعر يذم امرأة تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما كأنها هدم في الجفر منقاض و من رواه بالتسكين جاز أن يعنى به هذا و يكون قد خفف كما قالوا حلم و حلم . و جاز أن يجعله مصدرا من قدم الرجل بالفتح يقدم قدما أي تقدم قال الله تعالى يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ أي يتقدمهم إلى ورودها كأنه قال و نظر بين يديه متقدما لغيره و سابقا إياه إلى ذلك و الباء في بالجنة و بالنار و بالله و بالكتاب زائدة و التقدير كفى الله و كفى الكتاب [ 268 ] أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ اِحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي اَلصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي اَلآْذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ [ اَلنِّيَاتِ ] اَلْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ اَلْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اِسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اِسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اِسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ أعذر بما أنذر ما هاهنا مصدرية أي أعذر بإنذاره و يجوز أن تكون بمعنى الذي . و العدو المذكور الشيطان . و قوله نفذ في الصدور و نفث في الآذان كلام صحيح بديع و في قوله نفذ في الصدور مناسبة لقوله ص الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم و النجي الذي يساره و الجمع الأنجية قال إني إذا ما القوم كانوا أنجيه و قد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى خَلَصُوا نَجِيًّا أي متناجين . القرينة هاهنا الإنسان الذي قارنه الشيطان و لفظه لفظ التأنيث و هو مذكر أراد القرين قال تعالى فَبِئْسَ اَلْقَرِينُ و يجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس و يكون [ 269 ] الضمير عائدا إلى غير مذكور لفظا لما دل المعنى عليه لأن قوله فأضل و أردى و وعد فمنى معناه أضل الإنسان و أردى و وعده فمنى فالمفعول محذوف لفظا و إليه رجع الضمير على هذا الوجه و يقال غلق الرهن إذا لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط فاستحقه المرتهن . و هذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى وَ قالَ اَلشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ اَلْأَمْرُ إِنَّ اَللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ اَلْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ الآية : وَ مِنْهَا فِي صِفَةِ خَلْقِ اَلْإِنْسَانِ أَمْ هَذَا اَلَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ اَلْأَرْحَامِ وَ شُغُفِ اَلْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً [ دِفَاقاً ذِهَاقاً ] وَ عَلَقَةً مِحَاقاً وَ جَنِيناً وَ رَاضِعاً وَ وَلِيداً وَ يَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَ لِسَاناً لاَفِظاً وَ بَصَراً لاَحِظاً لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَ يُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّى إِذَا قَامَ اِعْتِدَالُهُ وَ اِسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَ لاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَ عَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً [ أَسِيراً ] لَمْ يُفِدْ عِوَضاً [ غَرَضاً ] وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ اَلْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ [ غَبْرَةِ ] جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَ بَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ اَلآْلاَمِ وَ طَوَارِقِ اَلْأَوْجَاعِ وَ اَلْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَ وَالِدٍ شَفِيقٍ [ 270 ] وَ دَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَ لاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً وَ اَلْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَ غَمْرَةٍ كَارِثَةٍ وَ أَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَ سَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً [ مُلْبَساً ] وَ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى اَلْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَ نِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ اَلْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ اَلْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا اِنْصَرَفَ اَلْمُشَيِّعُ وَ رَجَعَ اَلْمُتَفَجِّعُ [ مُفِجِّ ] أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ اَلسُّؤَالِ وَ عَثْرَةِ اَلاِمْتِحَانِ وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ اَلْحَمِيمِ وَ تَصْلِيَةُ اَلْجَحِيمِ وَ فَوْرَاتُ اَلسَّعِيرِ وَ سَوْرَاتُ اَلزَّفِيرِ [ اَلسَّعِيرِ ] لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَ لاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَ لاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَ لاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَ لاَ سِنَةٌ مُسْلِيَةٌ بَيْنَ أَطْوَارِ اَلْمَوْتَاتِ وَ عَذَابِ اَلسَّاعَاتِ إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ أم هنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال أعظكم و أذكركم بحال الشيطان و إغوائه أم بحال الإنسان منذ ابتدأ وجوده إلى حين مماته و إما أن تكون منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادلا و تاركا لما وعظهم به بل أتلو عليكم نبأ هذا الإنسان الذي حاله كذا . الشغف بالغين المعجمة جمع شغاف بفتح الشين و أصله غلاف القلب يقال شغفه الحب أي بلغ شغافه و قرئ قَدْ شَغَفَها حُبًّا . و الدهاق المملوءة و يروى دفاقا من دفقت الماء أي صببته . قال و علقة محاقا المحاق ثلاث ليال من آخر الشهر و سميت محاقا لأن القمر يمتحق فيهن أي يخفى و تبطل صورته و إنما جعل العلقة محاقا هاهنا لأنها لم تحصل لها الصورة الإنسانية بعد فكانت ممحوة ممحوة ممحوقة . [ 271 ] و اليافع الغلام المرتفع أيفع و هو يافع و هذا من النوادر و غلام يفع و يفعة و غلمان أيفاع و يفعة أيضا . قوله و خبط سادرا خبط البعير إذا ضرب بيديه إلى الأرض و مشى لا يتوقى شيئا . و السادر المتحير و السادر أيضا الذي لا يهتم و لا يبالي ما صنع و الموضع يحتمل كلا التفسيرين . و الماتح الذي يستقي الماء من البئر و هو على رأسها و المائح الذي نزل البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلاء و سئل بعض أئمة اللغة عن الفرق بين الماتح و المائح فقال اعتبر نقطتي الإعجام فالأعلى للأعلى و الأدنى للأدنى و الغرب الدلو العظيمة و الكدح شدة السعي و الحركة قال تعالى يا أَيُّهَا اَلْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً . قوله و بدوات أي ما يخطر له من آرائه التي تختلف فيها دواعيه فتقدم و تحجم و مات غريرا أي شابا و يمكن أن يراد به أنه غير مجرب للأمور . و الهفوة الزلة هفا يهفو لم يفد عوضا أي لم يكتسب . و غبر جماحة بقاياه قال أبو كبير الهذلي و مبرإ من كل غبر حيضة و فساد مرضعة و داء مغيل و الجماح الشرة و ارتكاب الهوى و سنن مراحه السنن الطريقة و المراح شدة الفرج و النشاط . قوله فظل سادرا السادر هاهنا غير السادر الأول لأنه هاهنا المغمى عليه كأنه [ 272 ] سكران و أصله من سدر البعير من شدة الحر و كثرة الطلاء بالقطران فيكون كالنائم لا يحس و مراده ع هاهنا أنه بدأ به المرض و لادمة للصدر ضاربة له و التدام النساء ضربهن الصدور عند النياحة سكرة ملهثة تجعل الإنسان لاهثا لشدتها لهث يلهث لهثانا و لهاثا و يروى ملهية بالياء أي تلهي الإنسان و تشغله . و الكارثة فاعلة من كرثه الغم يكرثه بالضم أي اشتد عليه و بلغ منه غاية المشقة . الجذبة جذب الملك الروح من الجسد أو جذب الإنسان إذا احتضر ليسجى . و السوقة من سياق الروح عند الموت و المبلس الذي ييئس من رحمة الله و منه سمي إبليس و الإبلاس أيضا الانكسار و الحزن و السلس السهل المقادة و الأعواد خشب الجنازة و رجيع وصب الرجيع المعنى الكال و الوصب الوجع وصب الرجل يوصب فهو واصب و أوصبه الله فهو موصب و الموصب بالتشديد الكثير الأوجاع و النضو الهزيل و حشدة الإخوان جمع حاشد و هو المتأهب المستعد و دار غربته قبره و كذلك منقطع زورته لأن الزيارة تنقطع عنده . و مفرد وحشته نحو ذلك لانفراده بعمله و استيحاش الناس منه حتى إذا انصرف المشيع و هو الخارج مع جنازته أقعد في حفرته هذا تصريح بعذاب القبر و سنذكر ما يصلح ذكره في هذا الموضع . و النجي المناجي و نزول الحميم و تصلية الجحيم من الألفاظ الشريفة القرآنية . ثم نفى ع أن يكون في العذاب فتور يجد الإنسان معه راحة أو سكون يزيح عنه الألم أي يزيله أو أن الإنسان يجد في نفسه قوة تحجز بينه و بين الألم أي تمنع و يموت موتا ناجزا معجلا فيستريح أو ينام فيسلو وقت نومه عما أصابه من الألم في اليقظة كما في دار الدنيا . [ 273 ] ثم قال بين أطوار الموتات و هذا في ظاهره متناقض لأنه نفى الموت مطلقا ثم قال بين أطوار الموتات و الجواب أنه أراد بالموتات الآلام العظيمة فسماها موتات لأن العرب تسمي المشقة العظيمة موتا كما قال إنما الميت ميت الأحياء و يقولون الفقر الموت الأحمر و استعمالهم مثل ذلك كثير جدا . ثم قال إنا بالله عائذون عذت بفلان و استعذت به أي التجأت إليه فصل في ذكر القبر و سؤال منكر و نكير و اعلم أن لقاضي القضاة في كتاب طبقات المعتزلة في باب القبر و سؤال منكر و نكير كلاما أنا أورد هاهنا بعضه قال رحمه الله تعالى إن عذاب القبر إنما أنكره ضرار بن عمرو و لما كان ضرار من أصحاب واصل بن عطاء ظن كثير من الناس أن ذلك مما أنكرته المعتزلة و ليس الأمر كذلك بل المعتزلة رجلان أحدهما يجوز عذاب القبر و لا يقطع به و هم الأقلون و الآخر يقطع على ذلك و هم أكثر أصحابنا لظهور الأخبار الواردة فيه و إنما تنكر المعتزلة قول طائفة من الجهلة إنهم يعذبون و هم موتى لأن العقل يمنع من ذلك و إذا كان الإنسان مع قرب العهد بموته و لما يدفن يعلمون أنه لا يسمع و لا يبصر و لا يدرك و لا يألم و لا يلتذ فكيف يجوز عليه ذلك و هو ميت في قبره و ما روي من أن الموتى يسمعون لا يصح إلا أن يراد به أن الله تعالى أحياهم و قوى حاسة سمعهم فسمعوا و هم أحياء . [ 274 ] قال رحمه الله تعالى و أنكر أيضا مشايخنا أن يكون عذاب القبر دائما في كل حال لأن الأخبار إنما وردت بذلك في الجملة فالذي يقال به هو قدر ما تقتضيه الأخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه و لذلك لسنا نوقت في التعذيب وقتا و إن كان الأقرب في الأخبار أنها الأوقات المقارنة للدفن و إن كان لا نعنيها بأعيانها . هكذا قال قاضي القضاة و الذي أعرفه أنا من مذهب كثير من شيوخنا قبل قاضي القضاة أن الأغلب أن يكون عذاب القبر بين النفختين . ثم إن قاضي القضاة سأل نفسه فقال إذا كانت الآخرة هي وقت المجازاة فكيف يعذب في القبر في أيام الدنيا . و أجاب بأن القليل من العقاب المستحق قد يجوز أن يجعله الله في الدنيا لبعض المصالح كما فعل في تعجيل إقامة الحدود على من يستحقها فلا يمنع منه تعالى أن يفعل ذلك بالإنسان إذا كان من أهل النار . ثم سأل نفسه فقال إذا كان بالموت قد زال عنه التكليف فكيف يقولون يكون ذلك من مصالحه . و أجاب بأنا لم نقل إن ذلك من مصالحه و هو ميت و إنما نقول إنه مصلحة أن نعلم في الدنيا ذلك من حال الموتى لأنه إذا تصور أنه مات عوجل بضرب من العقاب في القبر كان أقرب إلى أن ينصرف عن كثير من المعاصي و قد يجوز أن يكون ذلك لطفا للملائكة الذين يتولون هذا التعذيب . فأما القول في منكر و نكير فإنه سأل نفسه رحمه الله تعالى و قال كيف يجوز أن يسموا بأسماء الذم و عندكم أن الملائكة أفضل من الأنبياء . [ 275 ] و أجاب فقال إن التسمية إذا كانت لقبا لم يقع بها ذم لأن الذم إنما يقع لفائدة الاسم و الألقاب كالإشارات لا فائدة تحتها و لذا يلقب الرجل المسلم بظالم و كلب و نحو ذلك فيجوز أن يكون هذان الاسمان من باب الألقاب و يجوز أن يسميا بذلك من حيث يهجمان على الإنسان عند إكمال الله تعالى عقله على وجه ينكره و يرتاع منه فسميا منكرا و نكيرا . قال و قد روي في المساءلة في القبر أخبار كثيرة و كل ذلك مما لا قبح فيه بل يجوز أن يكون من مصالح المكلفين فلا يصح المنع عنه . و جملة الأمر أن كل ما ثبت من ذلك بالتواتر و الإجماع و ليس بمستحيل في القدرة و لا قبيح في الحكمة يجب القول به و ما عداه مما وردت به آثار و أخبار آحاد يجب أن يجوز و يقال إنه مظنون ليس بمعلوم إذا لم يمنع منه الدليل : عِبَادَ اَللَّهِ أَيْنَ اَلَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَ عُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَ أُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَ سُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِيلاً وَ مُنِحُوا جَمِيلاً وَ حُذِّرُوا أَلِيماً وَ وُعِدُوا جَسِيماً اِحْذَرُوا اَلذُّنُوبَ اَلْمُوَرِّطَةَ وَ اَلْعُيُوبَ اَلْمُسْخِطَةَ أُولِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْعَافِيَةِ وَ اَلْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَ إِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ ذَاتِ اَلطُّوْلِ وَ اَلْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ مُنْعَفِراً مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ اَلآْنَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ اَلْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَ اَلرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ اَلْإِرْشَادِ وَ رَاحَةِ [ 276 ] اَلْأَجْسَادِ وَ بَاحَةِ اَلاِحْتِشَادِ وَ مَهَلِ اَلْبَقِيَّةِ وَ أَنْفِ اَلْمَشِيَّةِ وَ إِنْظَارَ اَلتَّوْبَةِ وَ اِنْفِسَاحِ اَلْحَوْبَةِ قَبْلَ اَلضَّنْكِ وَ اَلْمَضِيقِ وَ اَلرَّوْعِ وَ اَلزُّهُوقِ وَ قَبْلَ قُدُومِ اَلْغَائِبِ اَلْمُنْتَظَرِ وَ أَخْذَةِ اَلْعَزِيزِ اَلْمُقْتَدِرِ قال الرضي رحمه الله و في الخبر أنه ع لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود و بكت العيون و رجفت القلوب و من الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء نعم الرجل ينعم ضد قولك بئس و جاء شاذا نعم ينعم بالكسر و أنظروا أمهلوا و الذنوب المورطة التي تلقي أصحابها في الورطة و هي الهلاك قال رؤبة فأصبحوا في ورطة الأوراط و أصله أرض مطمئنة لا طريق فيها و قد أورطت زيدا و ورطته توريطا فتورط ثم قال ع أولي الأبصار و الأسماع ناداهم نداء ثانيا بعد النداء الذي في أول الفصل و هو قوله عباد الله فقال يا من منحهم الله أبصارا و أسماعا و أعطاهم عافية و متعهم متاعا هل من مناص و هو الملجأ و المفر يقال ناص عن قرنه مناصا أي فر و راوغ قال سبحانه وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ . [ 277 ] و المحار المرجع من حار يحور أي رجع قال تعالى إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ . و يؤفكون يقلبون أفكه يأفكه عن كذا قلبه عنه إلى غيره و مثله يصرفون . و قيد قده مقدار قده يقال قرب منه قيد رمح و قاد رمح و المراد هاهنا هو القبر لأنه بمقدار قامة الإنسان . و المنعفر الذي قد لامس العفر و هو التراب . ثم قال ع الآن و الخناق مهمل تقديره اعملوا الآن و أنتم مخلون متمكنون لم يعقد الحبل في أعناقكم و لم تقبض أرواحكم . و الروح يذكر و يؤنث و الفينة الوقت و يروى و فينة الارتياد و هو الطلب . و أنف المشية أول أوقات الإرادة و الاختيار . قوله و انفساح الحوبة أي سعة وقت الحاجة و الحوبة الحاجة و الأرب قال الفرزدق فهب لي خنيسا و اتخذ فيه منة لحوبة أم ما يسوغ شرابها و الغائب المنتظر هو الموت . قال شيخنا أبو عثمان رحمه الله تعالى حدثني ثمامة قال سمعت جعفر بن يحيى و كان من أبلغ الناس و أفصحهم يقول الكتابة ضم اللفظة إلى أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر و قد تفاخرا أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و أنت تقول البيت و ابن عمه ثم قال و ناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب ع هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار . [ 278 ] قال أبو عثمان و كان جعفر يعجب أيضا بقول علي ع أين من جد و اجتهد و جمع و احتشد و بنى فشيد و فرش فمهد و زخرف فنجد قال أ لا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها قال أبو عثمان فكان جعفر يسميه فصيح قريش . و اعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه ع أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين و الآخرين إلا من كلام الله سبحانه و كلام رسول الله ص و ذلك لأن فضيلة الخطيب و الكاتب في خطابته و كتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ و مركباتها . أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية و لا معقدة و ألفاظه ع كلها كذلك فأما المركبات فحسن المعنى و سرعة وصوله إلى الأفهام و اشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض و تلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة و المطابقة و حسن التقسيم و رد آخر الكلام على صدره و الترصيع و التسهيم و التوشيح و المماثلة و الاستعارة و لطافة استعمال المجاز و الموازنة و التكافؤ و التسميط و المشاكلة . و لا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه و كتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه ع و ليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها و أفكر فيها و أعمل رويته في رصفها و نثرها فلقد أتى بالعجب العجاب و وجب [ 279 ] أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره و لم يعرف من قبله و إن كان اقتضبها ابتداء و فاضت على لسانه مرتجلة و جاش بها طبعه بديهة من غير روية و لا اعتمال فأعجب و أعجب . و على كلا الأمرين فلقد جاء مجليا و الفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره و بحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له جئتك من عند أعيا الناس يا ابن اللخناء أ لعلي تقول هذا و هل سن الفصاحة لقريش غيره . و اعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب و صاحبه منسوب إلى السفه و ليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها