جستجو

و من خطبة له ع و هي الخطبة العجيبة تسمى الغراء و فيها نعوت

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 342 ] و من خطبة له عليه السلام عجيبة و هى الثانية و الثمانون من المختار فى باب الخطب و شرحها في ضمن فصول و بعض فصولها مروىّ في البحار بتفاوت و اختلاف لما في الكتاب تطلع عليه عند الفراغ من شرح الخطبة في التّكملة الآتية فانتظر . الفصل الاول ألحمد للّه الّذي علا بحوله ، و دنا بطوله ، مانح كلّ غنيمة و فضل و كاشف كلّ عظيمة و أزل ، أحمده على عواطف كرمه ، و سوابغ نعمه ، و أو من به أوّلا باديا ، و استهديه قريبا هاديا ، و استعينه قاهرا قادرا ، و أتوكّل عليه كافيا ناصرا ، و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله ، أرسله لإنفاذ أمره ، و إنهاء عذره ، و تقديم نذره . اللغة ( الحول ) القوّة و ( الطول ) الفضل و السّعة و ( منحه ) أعطاه و ( الأزل ) بفتح الهمزة و سكون الزّاء المعجمة الشّدة و الضّيق و ( عطفته ) عطفا ثنّيته و ( أسبع نعمه ) عليكم أى أتمّه و ( البادى ) الظاهر و منه قوله تعالى : بادى الرّأى ، أى ظاهره يقال بدا يبدو بدوا أى ظهر فهو باد أو من البداية مقابل النّهاية ( و الانهاء ) الابلاغ و ( العذر ) و ( النّذر ) فى قوله تعالى عذرا أو نذرا ، أى حجة و تخويفا أو إعذارا و إنذارا ، أى تخويفا و وعيدا . الاعراب أولا و باديا إما منصوب على الظرفية فتكون متعلقا باو من و عليه فيكون [ 343 ] باديا من البدائة أى او من به ابتداء قبل كلّ شي‏ء أو منصوبان على الحالية من الضّمير في به فيكونان في المعنى و صفين للّه سبحانه ، و هذا هو الأظهر من حيث السياق لأنّ المنصوبات السّتة بعدهما من أوصاف اللّه تعالى إلاّ أنّ الأوّل أقرب من حيث المعنى فافهم و تأمل . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة له عليه السّلام كما ذكره السّيد من الخطب العجيبة مشتملة على نكات بديعة و مطالب أنيقة حسبما تعرف إليها الاشارة ، و هذا الفصل منها مسوغ للثناء على اللّه سبحانه باعتبار نعوت جلاله و صفات كماله . فقوله ( الحمد للّه الّذي علا بحوله ) إشارة إلى علوّه عزّ و جلّ على كلّ شي‏ء لكن لا بالمعنى المتعارف في الخلق من الفوقية الحسيّة و الخيالية بل العلوّ بالغلبة و القهر و الاستعلاء بالقدرة و القوّة ، و قوله ( و دنا بطوله ) إشارة إلى قربه من كلّ شي‏ء لكن لا بالمعنى المتعارف في الأجسام المتقارنة بل القرب بالفضل و السعة و الدنوّ بالاحسان و العطية . و قد قدّمنا الكلام في علوّه سبحانه و دنوّه بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الخامس و السادس من فصول الخطبة الاولى ، و في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين أيضا ، و لئن رجعت إلى ما حقّقناه هناك عرفت أن علوّه سبحانه على الأشياء لا ينافي قربه منها ، و أنّ قربه بها لا ينافي بعده عنها ، فهو تعالى في كمال علوّه على خلقه منهم قريب ، و في منتهى قربه إلى الخلق عنهم بعيد . و هو سبحانه ( مانح كلّ غنيمة و فضل و كاشف كلّ ) داهية ( عظيمة و أزل ) لأنّ كلّ نعمة مبدئها وجوده ، و كلّ عطية منشؤها كرمه وجوده ، فهو منزل النّعم الجسام و منفس الكرب العظام ، و هو الصّارف لطارق البلاء و الدافع للبأساء و الضرّاء و هو مجيب المضطرّ إذا دعاه و كاشف السوء عنه حين ناداه . وَ ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإلَيْهِ تَجْأَروُنَ ، [ 344 ] ثُمَّ إذا كشَفَ الضرَّ عَنْكُمْ إذا فَريقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ 1 . ( أحمده على عواطف كرمه ) و الكريم من أسمائه تعالى و هو الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه ، و يفيض الخير عنه من غير بخل و منع على كلّ قابل بقدر قابليته ، و عواطف كرمه سبحانه عبارة عن فيوضاته العائدة إلى العباد مرّة بعد اخرى و عن خيراته النازلة إليهم تترى فانه تعالى لا يفتقر عن كثرة العطاء و لا تعجز عن الجزاء ، وجوده يعلو كلّ جواد و به جاد كلّ من جاد : وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإن اللَّهَ غَنيٌ حَميدٌ 2 . ( و ) نشكره على ( سوابغ نعمه ) أى نعمه التامة الكاملة و آلآئه الظاهرة و الباطنة كما قال عزّ من قائل : أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّمواتِ وَ ما في الْأَرْضِ وَ أسْبَغَ عَليْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَير عِلْمٍ وَ لا هُدى وَ لا كِتابٍ مُنيرٍ 3 . قال الطبرسي : النعمة الظاهرة ما لا يمكنكم جحده من خلقكم و إحيائكم و إقداركم و خلق الشّهوة فيكم و غيرها من ضروب النعم ، و الباطنة ما لا يعرفها إلاّ من أمعن النظر فيها . و عن ابن عباس الباطنة مصالح الدين و الدنيا مما يعلمه اللّه و غاب عن العباد علمه . ----------- ( 1 ) الآية فى سورة النحل . ----------- ( 2 ) اقتباس من الآية فى سورة لقمان . ----------- ( 3 ) فى سورة لقمان . [ 345 ] و عنه قال سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه فقال : يابن عباس أمّا ما ظهر فالاسلام و سوى اللّه من خلقك و ما أفاض عليك من الرزق ، و أماما بطن فستر مساوي عملك و لم يفضحك به يابن عباس إنّ اللّه تعالى يقول ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن و لم تكن له : صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله ، و جعلت له ثلث ماله يكفر خطاياه ، و الثالثة سترت مساوي عمله فلم افضحه بشي‏ء منه و لو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم . و قيل الظاهرة تخفيف الشرايع و الباطنة الشفاعة و قيل الظاهرة نعم الدنيا و الباطنة نعم الآخرة و قيل الظاهرة ظهور الاسلام و النصر على الأعداء و الباطنة الامداد بالملائكة و قيل الظاهرة نعم الجوارح و الباطنة نعم القلب . و قال الرازي في التفسير الكبير : الظاهرة هي ما في الأعضاء من السّلامة ، و الباطنة ما في القوى فانّ العضو ظاهر و فيه قوّة باطنة ألا ترى أنّ العين و الاذن شحم و غضروف ظاهر و اللسان و الأنف لحم و عظم ظاهر و في كلّ واحد معنى باطن من الابصار و السمع و الذوق و الشمّ و كذلك كلّ عضو و قد تبطل القوّة و يبقى عضو قائما . أقول و الكلّ لا بأس به إذ الجميع من نعم اللّه على عباده ، و في تفسير أهل البيت عليهم السّلام النعمة الظاهرة الرّسالة ، و النعمة الباطنة الولاية ( و أو من به أولا باديا ) أى اصدّق به و أعتقد بالهيته و وحدانيّته أوّلا و ابتداء قبل الاستهداء و الاستعانة منه و مقدما على التوكّل عليه إذ ما لم يؤمن به و لم يصدق لا يمكن الاستهداء و الاستعانة و التوكّل ، لأنّ ذلك كلّه فرع المعرفة و الايمان و هو ظاهر بالعيان ، و على جعل انتصابهما على الحال فالاشارة بهما إلى الجهة التي هي مبدء الايمان إذ باعتبار أوّلية وجب وجوده و باعتبار كونه باديا أظهر الموجودات و ظهر منه الآيات في الأنفس و الآفاق ، فكان ظاهرا باديا في العقل بظهور آثاره و وضوح آياته فباعتبار ظهوره مع أولية يجب الايمان بوجوب وجوده و الاذعان بالهيّته . ( و أستهديه قريبا هاديا ) و الاشارة بهذين الوصفين كما في سابقيهما إذ من لا يتّصف بالهداية كيف يتصوّر الاستهداء منه و من كان بعيدا كيف يطلب منه الارشاد [ 346 ] إلى الرشاد و الدلالة على السداد ( و أستعينه قاهرا قادرا ) و الكلام فيهما كما في سوابقهما إذ العاجز و الضعيف لا يتمكّن من نفسه فكيف يكون معاونا للغير أو يطلب منه الاعانة ( و أتوكّل عليه كافيا ناصرا ) و الكلام فيهما أيضا كما فيما تقدّم إذ التوكّل عبارة عن الوكول و الاعتماد فيما يخاف و يرجى على الغير فلا بدّ من اتصاف المعتمد عليه بالكفاية و النصرة ليكفى المعتمد فيما رجاه و ينصره فيما يخاف . و إليه يرجع ما عن معانى الأخبار مرفوعا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو أنّه جاء جبرئيل إليه فقال له : يا جبرئيل و ما التّوكّل ؟ قال : العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ و لا ينفع و لا يعطي و لا يمنع و استعمال الياس من النّاس ، فاذا كان العبد كذلك لم يعتمد على أحد سوى اللّه و لم يرج و لم يخف سوى اللّه ، و لم يطمع على أحد سوى اللّه و قال سبحانه : وَ مَنْ يَتَوكَّلْ عَلىَ اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً . يعني من يفوّض أمره إليه سبحانه و وثق بحسن تدبيره فهو كافيه يكفيه أمر الدّنيا و الآخرة أنّه يبلغ أمره و ما أراده من قضاياه و تدابيره على ما أراده و لا يقدر أحد على منعه ممّا أراده ، لارادّ لقضائه و لا مبدّل لحكمه ، و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ التّوكل من شئونات الايمان و من فروع المعرفة ، و لذلك وصف سبحانه المؤمنين بذلك حيث قال : إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَ جِلَتْ قُلوُبُهُمْ وَ إذا تُلِيَتْ عَلَيْهمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيْماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكِّلُونَ الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلوة وَ مِمّا رزقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَريم . [ 347 ] ( و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله ) قد تقدّم الكلام في ثواب الشّهادة بالرّسالة في شرح الخطبة الثّانية و مضى تحقيق معنى العبد و الرّسول في شرح الخطبة الحادية و السّبعين فليراجع . ثمّ أشار إلى بعض دواعي الرّسالة بقوله ( أرسله لانفاذ أمره ) يعني أرسله اللّه سبحانه لاجراء أحكامه الشرعيّة و احكام قوانينه العدليّة في الخلق ليقرّوا له بالعبوديّة و ليمحّضوا له بالطاعة ( و انهاء عذره ) أى اعلام معذرته و ابلاغ عذره إلى الخلق في تعذيبهم إن عصوه ، و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الخطبة الثّمانين ( و تقديم نذره ) اى ليقدّم انذار اللّه إلى الخلق و تخويفه لهم من عقابه و ليبلّغهم ذلك قبل يوم لقائه ليكون ذلك جاذ بالهم إلى الطاعة رادعا لهم عن المعصية . الترجمة از جمله خطبه‏هاى عجيبه آن حضرتست : حمد و ثنا مر معبود بحق را سزاست كه بلند است بر همه خلق با قدرة و قوّة ، و نزديك است از همه بافضل و عظمة ، و عطا كننده هر منفعت است و زايل سازنده هر بلاى بزرگ و شدّة . حمد مى‏نمايم او را بر متكرّرات كرم او و بر تمامهاى نعم او ، و ايمان ميآورم باو سبحانه در حالتي كه اوّلست و هويدا ، و طلب هداية مى‏كنم از او در حالتى كه نزديكست و راهنما ، و طلب يارى ميكنم از او در حالتى كه غالب است و قادر ، و توكل ميكنم باو در حالتى كه كفاية كننده است و ناصر ، و گواهى ميدهم باينكه محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنده برگزيده اوست و رسول پسنديده او كه فرستاد او را بجهت اجراء امر شريعت او و اعلام عذر و معذرت او و مقدم داشتن ترسانيدن از عقوبت او پيش از لقاء روز آخرت . الفصل الثانى أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ضرب لكم الأمثال ، و وقّت [ 348 ] لكم الآجال ، و ألبسكم الرّياش ، و أرفغ لكم المعاش ، و أحاط بكم الإحصآء ، و أرصد لكم الجزاء ، و آثركم بالنّعم السّوابغ ، و الرّفد الرّوافع ، و أنذركم بالحجج البوالغ ، فأحصاكم عددا ، و وظّف لكم مددا ، في قرار خبرة ، و دار عبرة ، أنتم مختبرون فيها ، و محاسبون عليها ، فإنّ الدّنيا رنق مشربها ، ردغ مشرعها ، يونق منظرها ، و يوبق مخبرها ، غرور حآئل ، وضوء آفل ، و ظلّ زائل ، و سناد مائل ، حتّى إذا أنس نافرها ، و اطمئنّ ناكرها ، قمصت بأرجلها ، و قنصت بأحبلها ، و أقصدت بأسهمها ، و أعلقت المرء أوهاق المنيّة ، قآئدة له إلى ضنك المضجع ، و وحشة المرجع ، و معاينة المحلّ ، و ثواب العمل ، و كذلك الخلف بعقب السّلف ، لا تقلع المنيّة اختراما ، و لا يرعوي الباقون اجتراما ، يحتذون مثالا ، و يمضون أرسالا ، إلى غاية الإنتهآء ، و صيّور الفنآء . اللغة ( الرّياش ) و الريش واحد قال تعالى : و ريشا و لباس التقوى ، و هو ما ظهر من اللّباس الفاخر ، و في المصباح الرّيش الخير و الرّياش بالكسر المال و الحالة الجميلة . أقول : و منه قولهم ارتاش فلان أى حسنت حاله و ( ارفغ ) بالغين المعجمة من الرّفغ و هو السّعة و الخصب يقال رفغ عيشه بالضمّ رفاغة اتّسع و ( الرّفد ) جمع [ 349 ] رفدة و هي العطية و الصّلة و ( و التّوظيف ) التّعيين و ( القرار ) و القرارة ما قرّ فيه و المطمئنّ من الأرض و ( الخبرة ) بالضمّ و الكسر اسم من الاختبار كالعبرة من الاعتبار يقال اختبرت فلانا و اعتبرته امتحنته ، قال و يكون الاعتبار بمعنى الاتعاظ و منه قوله تعالى « فاعتبروا يا أولي الأبصار » قال الخليل العبرة و الاعتبار بما مضى اى الاتّعاظ و التّذكر و ( رنق ) الماء من باب فرح و نصر رنقا و رنقا و رنوقا كدر فهو رنق و رنق و رنق كعدل و كتف و جبل و مكان ( ردغ ) ككتف كثير الوحل و ( يونق ) مضارع باب الافعال يقال آنقنى الشّي‏ء أعجبنى و المجرّد أنق كفرح يقال انق الشي‏ء انقا أى راق حسنه و أعجب و ( يوبق ) من باب الافعال أيضا و المجرّد و بق من باب وعد و وجل و ورث يقال و بق الرّجل و يبق و يوبق و بوقا هلك و ( المخبر ) كالمنظر مصدر او اسم مكان و ( الغرور ) بالفتح من غرّته الدّنيا غرورا من باب قعد خدعته بزينتها فهى غرور مثل رسول اسم فاعل مبالغة و ( الحائل ) المتغيّر اللّون و ( أفل ) افولا من باب ضرب و نصر و علم غاب و ( السّناد ) و السّند بفتحتين ما استندت إليه من حايط و نحوه . و ( انس ) به انسا من باب علم و في لغة من باب ضرب و الانس بالضمّ اسم منه و استأنست به و تأنّست به إذا سكن القلب و لم ينفر و رجل ( ناكر ) و نكر فاعل من نكر الأمر من باب فرح أى انكره و ( قمص ) الفرس و غيره عند الرّكوب قمصا من باب ضرب و قتل و هو أن يرفع يديه معا و يضعهما معا و ( قنصه ) يقنصه صاده فهو قانص و قنيص و قناص و ( أقصد ) السهم أصاب فقتل مكانه و فلانا طعنه فلم يخطئه و ( الاوهاق ) جمع وهق محرّكة و يسكن و هو الحبل يرمى في عنق الشخص يؤخذ به و يوثق و أصله للدّواب و يقال في طرفه النشوطة ، و هي بالضمّ ربطة دون العقدة إذا مدّت بأحد طرفيها انفتحت . و ( الضنك ) بسكون النون الضّيق و ( ضجع ) ضجعا و ضجوعا من باب منع وضع جنبه بالأرض كاضطجع و المضجع كمقعد موضع الضجع و ( المرجع ) كمنزل مصدر من رجع رجوعا كالمرجعة و هما شاذان لأنّ المصادر من فعل يفعل بالفتح [ 350 ] و كذلك الخلف بعقب السّلف ( العقب ) بكسر القاف و بسكونها للتخفيف يقال جائني عقبه و أصل الكلمة جاء زيد يطأعقب عمرو ، و المعنى كلما رفع عمرو قدما وضع زيد قدمه مكانها ، ثمّ كثر حتّى قيل جاء عقبه ثمّ كثر حتّى استعمل بمعنيين : أحدهما المتابعة و الموالاة فاذا قيل جاء في عقبه فالمعني في اثره قال ابن السّكيت بنو فلان يسقى ابلهم عقب بني فلان أى بعدهم ، و قال ابن فارس فرس ذو عقب أى جرى بعد جرى ، و ذكر تصاريف الكلمة ثمّ قال و الباب كلّه يرجع إلى اصل واحد و هو أن يجى‏ء الشي‏ء بعقب الشي‏ء أى متأخّرا عنه و منه قولهم خلف فلان بعقبى أى أقام بعدي و عقبت زيدا عقبا و عقوبا من باب قتل جئت بعده . و المعنى الثّاني إدراك جزء من المذكور معه يقال جاء في عقب شهر رمضان إذا جاء و قد بقى منه بقيّة و يقال إذا برأ المريض و قد بقى شي‏ء من المرض هو في عقب المرض . إذا عرفت ذلك فمعنى قوله عليه السّلام ( و كذلك الخلف بعقب السّلف ) كذلك جاء الخلف متأخّرا عن السّلف و بعدهم أو جاؤوا و قد بقى منهم بقيّة ، و في بعض النّسخ يعقب السّلف بصيغة المضارع أى يجي‏ء بعد السّلف و يتأخّر عنهم أو مع بقاء بقيّة منهم و ( قلعه ) قلعا من باب منع انتزعه من اصله و الاقلاع عن الأمر الكفّ عنه و ( اخترمته ) المنيّة أخذته و القوم استاصلتهم و اقتطعتهم و ( ارعوى ) عن القبيح ارتدع و ( الاجترام ) اكتساب الجرم و الذنب و ( احتذيت ) به إذا اقتديت به في اموره و اصله من حذوت النّعل بالنّعل قدرتها بها و قطعتها على مثالها و قدرها و ( الأرسال ) جمع رسل بفتحتين مثل سبب و أسباب و هو القطيع من الابل و شبّه به النّاس فقيل جاؤوا أرسالا أى متتابعا و ( صير ) الأمر بالكسر و يفتح مسيره و عاقبته كالصّيّور و الصّيّورة . الاعراب قوله عليه السّلام و أحاط بكم الاحصاء قال الشّارح المعتزلي يمكن أن ينصب الاحصاء على أنّه مصدر فيه اللام و العامل فيه غير لفظه ، و يجوز أن ينصب بأنّه مفعول به و يكون [ 351 ] ذلك على وجهين : أحدهما أن يكون من حاط ثلاثيا تقول حاط فلان كرمه أي جعل عليه حائطا فكأنّه جعل الاحصاء و العدّ كالحائط المدار عليهم لأنّهم لا يعدونه و لا يخرجون عنه الثّاني أن يكون من حاط يحوط بالواو بمعنى جمع فادخل الهمزة كأنّه جعل الاحصاء يحوطهم و يجمعهم تقول ضربت زيدا و اضربته أى جعلته ذا ضرب كأنّه جعل الاحصاء ذا تحويط عليهم بالاعتبار الاولى أو جعله ذا جمع لهم بالاعتبار الثّاني و يمكن فيه وجه آخر و هو أن يكون الاحصاء مفعولا له و يكون في الكلام محذوف تقديره و أحاط بكم حفظته و ملائكته للاحصاء و دخول اللاّم في المفعول له كثير انتهى . و الأظهر هو الانتصاب بالمصدر ، و مثله قوله عليه السّلام و أحصاكم عددا فانّه أيضا مصدر بغير لفظة الفعل على ما ذهب إليه الزّجاج من تجويز كون العدد مصدرا مستدلا بقوله تعالى سنين عددا و على هذا فيكون أصل كلامه أحصاكم و عدّكم عددا على حدّ قوله تعالى : لقد أحصيهم و عدّهم عدّا . و أمّا على مذهب المشهور و هو الحقّ من كون العدد كالعديد اسم مصدر فهو تمييز منقول من المفعول به كقوله تعالى : و فجّرنا الأرض عيونا ، و الأصل أحصا عددكم ، و يمكن أن يكون حالاّ أى أحصاكم معدودا محصورا . و جوّز هذا الوجه مع الوجه الأوّل صاحب الكشّاف في قوله و أحاط بمالديهم و أحصى كلّ شي‏ء عددا حيث قال : عددا حال أى و ضبط كلّ شي‏ء معدودا محصورا أو مصدر في معنى الاحصاء . قوله و أعلقت المرء أوهاق المنيّة بنصب المرء و الأوهاق على المفعوليّة و الفاعل الضمير الرّاجع إلى الدّنيا و الباء في قوله بعقب السّلف بمعنى في كما في قوله بالبكاء الكثير بالاطلال ، و اختراما و اجتراما منصوبان بنزع الخافض أى لا تكف عن اخترام و لا يرتدعون عن اجترام ، و أرسالا منتصب على الحال . [ 352 ] المعنى اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة مسوق للوصيّة بالتّقوى و الخشية من اللّه و متضمّن للتنفّر عن الدّنيا بذكر معائبها و مثالبها فأمر أوّلا بالتّقوى بقوله ( أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الذى ضرب لكم الأمثال ) أى ضربها لكم في القرآن للتذكرة و الموعظة كما قال تعالى : وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فيهذا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اي ليتذكّروا بتلك الأمثال و يتدبّروا فيها فيعتبروا ، و الأمثال التي ضربها لهم فيه كثيرة منها قوله تعالى بعد الآية السّابقة . ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ . فانّه مثل ضربه سبحانه لعبدة الأصنام و للمخلصين بتوحيده ، و يعني بقوله رجلا فيه شركاء أنّه يعبد آلهة مختلفة و أصناما ، و هم متشاجرون متعاسرون هذا يأمره و هذا ينهاه و يريد كلّ واحد منهم أن يفرّده بالخدمة ثمّ يكل كلّ منهم أمره إلى الآخر ويكل الآخر إلى آخر فيبقى هو خاليا من المنافع و هذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء و الأهواء و هو مثل الكافر . و أمّا مثل المؤمن الموحّد فرجل سلم أي خالص يخدم مالكا واحدا لا يشوب بخدمته خدمة غيره و لا يأمل سواه و من كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته لا سيّما إذا كان المخدوم قادرا كريما حكيما . و منها قوله تعالى في سورة يونس : إِنَّما مَثَلُ الْحَيوةِ الدُّنْيا كَمآءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السّماءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَباتُ [ 353 ] الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتّى‏ إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُم قادِروُنَ عَلَيْها أَتيها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فانّ هذا مثل ضربه اللّه للتّزهيد في الدّنيا و التّرغيب في الآخرة فقد قيل إنّ المقصود بهذه الآية تشبيه الحياة الدّنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثمّ الانقطاع و قيل إنّ المشبّه به النّبات على ما وصفه من الاغترار به ثمّ المصير إلى الزّوال و قيل إنّ المقصود تشبيه الحياة الدنيا بحياة مقدّرة على هذه الأوصاف . و على أىّ تقدير فمعنى الآية أنّ مثل الحياة الدّنيا مثل الماء النّازل من السّماء المختلط بسببه نبات الأرض بعضه ببعض حتّى إذا أخذت الأرض حسنها و بهجتها و تزيّنت في نظر أهلها و ظنّ مالكها أنّهم قادرون على الانتفاع بها باقتطاعها و حصادها أتاها أمر اللّه سبحانه أى عذابه و بلاؤه من برد أو برد فصارت محصودة مقلوعة يابسة كأن لم تقم على تلك الصّفة بالأمس . و نحوه في سورة الكهف : وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيوةِ الدُّنْيا كَمآءِ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْروُهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ مُقْتَدِراً . و نحوهما قوله سبحانه في سورة الحديد : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيوة الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ في الْأمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَريهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ في [ 354 ] الْآخِرَةِ عذابٌ شَديدٌ . و منها قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابتٌ وَ فَرْعُها في السَّمآءِ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّروُنَ وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ . فانّه تعالى شبّه الكلمة الطيبة أعنى شهادة أن لا إله الاّ اللّه أو كلّ كلام أمر به اللّه بالشّجرة الطيبة التي أصلها ثابت راسخ في الأرض و أغصانها في السّماء ، و أراد به المبالغة في الارتفاع تخرج هذه الشّجرة ما يؤكل منها في كلّ ستّة أشهر أو في كلّ سنة أو كلّ غدوة و عشيّة . و شبّه الكلمة الخبيثة و هي كلمة الكفر و الشّرك أو كلّ كلام في معصية اللّه بالشّجرة الخبيثة اقتلعت جثّتها من الأرض مالها من ثبات يعنى أنّ الكلمة الطيبة مثل الشّجرة الطيبة ينتفع بها صاحبها عاجلا و آجلا ، و الكلمة الخبيثة كالشّجرة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها و لا يثبت له منها نفع و لا ثمر . و في تفسير أهل البيت عليهم السّلام 1 أنّ الشّجرة الطيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فرعها عليّ عليه السّلام و عنصر الشّجرة فاطمة و ثمرتها أولادها و أغصانها و أوراقها شيعتنا ثمّ قال : إنّ الرّجل من شيعتنا ليموت فيسقط من الشّجرة ورقة و إنّ المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ، و على هذا فالمراد بقوله سبحانه : تؤتى أكلها كلّ حين ما يفتى به الأئمة من آل محمّد شيعتهم في الحلال و الحرام . و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله : كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ، إنّ هذا مثل بني اميّة ، و كيف كان فانّ المقصود من هذه الأمثال المضروبة في القرآن و نحوها ممّا هي فوق حدّ الاحصاء هو تنبيه الخلق و تذكيرهم ----------- ( 1 ) هذه الرواية مروية فى تفسير مجمع البيان عن ابن عقدة عن أبى جعفر ( ع ) منه . [ 355 ] و ايقاظهم من نوم الغفلة و الجهالة و حثّهم و ترغيبهم على ملازمة المعرفة و التقوى و الطاعة . و لذلك قال عليه السّلام اوصيكم بتقوى اللّه الذى ضرب لكم الأمثال ، فانّ في التّعبير بهذه اللفظة إشارة إلى أنّ ضربها للتّقوى مما يجرى أن يتّقيه الخلق ، و كذلك المقصود بالأوصاف التي يذكرها بعد ذلك هو الجذب إليه 1 و الحثّ عليه أعنى قوله ( و وقّت لكم الآجال ) أى عيّنها لكم و كتبها بقلم القضاء في أمّ الكتاب كما قال تعالى : وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذا جاءَ أَجلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ . فمن علم أنّ له أجلا إذا جاء لا يؤخّر و أنّ له إيابا إلى ربّه الذي يؤاخذ بما قدّم و أخّر فأجدر أن يخاف منه و يحذر ( و ألبسكم الرّياش و أرفغ لكم المعاش ) أى أنزل عليكم لباسا يوارى سوآتكم و ريشا و لباس التقوى 2 و أوسع عيشكم و رزقكم من الطيبات لتطيعوه في السر و الاعلان و لا تجاهروه بالكفر و العدوان كمال قال : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ . ( و أحاط بكم الاحصاء و أرصد لكم الجزاء ) يعنى أنّه سبحانه محيط بكم عالم بعدد نفوسكم لا يشذّه منكم أحد ، و هو تعالى أعدّ لكم جزاء أعمالكم من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع 1 يومئذ آمنون ، و من جاء بالسّيئة فكبت وجوههم في النّار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون ( و آثركم بالنّعم السّوابغ و الرفد ----------- ( 1 ) أى التقوى . ----------- ( 2 ) اقتباس من الآية فى سورة الأعراف و هو قوله تعالى يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم و ريشا و لباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه لعلّهم يذّكّرون منه . ----------- ( 3 ) اقتباس من الآية . [ 356 ] الروافع ) أى أنّه تعالى اختاركم بنعمه التامة الكاملة و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة 1 و أعطاكم الصّلات الجليلة الرّفيعة العالية ( و أنذركم بالحجج البوالغ ) ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حىّ عن بيّنة 2 و لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرّسل و كان اللّه عزيزا حكيما 3 ( فأحصاكم عددا و وظّف لكم مددا ) يعنى انّه أحصا عددكم و عيّن مدّة عمركم . و إنّما أعاد عليه السّلام ذكر هذين الوصفين مع اغناء قوله : و وقّت لكم الآجال و أحاط بكم الاحصاء عنه ، للتّاكيد و المبالغة ، لأنّ ذكر توقيت المدد و توظيف الآجال من أشدّ الجواذب إلى التّقوى ، و كذلك المعرفة باحاطة علمه بجزئيات النّفوس و عدم شذوذ شي‏ء منها عنه رادعة لها عن المهالك و المعاطب . فان قيل : أىّ نكتة في الاتيان بالتّمييز أعنى عددا بعد لفظ الاحصاء مع أنّه لا ابهام فيه و لا خفاء بل هو مغن عنه ؟ قلت : السّر في ذلك كما في قوله تعالى : و أحصى كلّ شي‏ء عددا ، و هو بيان أنّ علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه اجماليّ بل على وجه تفصيلى ، فانّ الاحصاء قد يراد به الاحاطة الاجماليّة كما قال تعالى : و إن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها ، أى لا تقدر و اعلى حصرها إجمالا فضلا عن التّفصيل . و ذلك لأنّ أصل الاحصاء أنّ الحاسب إذ بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد كالعشرة و المأة و الألف وضع حصاة ليحفظ بها كميّة ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه و قوله ( في قرار خبرة و دار عبرة ) أراد به أنّه سبحانه عيّن لكم المدد في مقرّ البلاء و الاختيار و دار الاتّعاظ و الاعتبار . و هى الدّار التي ( أنتم مختبرون فيها ) بما أعطاكم اللّه فيها ليميز اللّه الخبيث من الطيّب و المفسد من المصلح حتّى يزيد في إحسان المحسن و يؤاخذ بعصيان المسي‏ء ----------- ( 1 ) اقتباس من الآية . ----------- ( 2 ) اقتباس من الآية . ----------- ( 3 ) اقتباس من الآية في سورة النساء . [ 357 ] ( و محاسبون عليها ) أى على نعيمها كلاّ أو بعضا على ما مضى تحقيقا و تفصيلا في شرح كلامه الثمانين و مضى هناك أيضا توضيح الاتعاظ بالدّنيا و الاعتبار فيها فليراجع ثمّة . ثمّ إنّه عليه السّلام لما وصّى بالتّقوى و أمر بلزومه بذكر بعض الجواذب إليه أكّده و علّله بقوله : ( فانّ الدّنيا رنق مشربها ) و هو كناية من كدر لذّاتها من حيث شوبها بالتّعب و المصائب و الهموم و الأحزان ( ردغ مشرعها ) لأنّ مواردتنا و لها و الشّروع فيها من مزالق الاقدام عن سواء الصّراط إلى طرفي التفريط و الافراط ، و ذلك لكثرة الشبهات و غلبة المشتبهات ( يونق منظرها ) لما في ظاهرها من الحسن و البهجة و الرّدغ و النضرة الموجبة لاعجاب الناظرين إليها و التذاذهم بها ( و يوبق مخبرها ) لما في باطنها من السمّ القاتل الباعث على و بوق المتناولين لها و هلاك المفتتنين بها ، و وقوعهم في الخزي العظيم و العذاب الأليم . و هى ( غرور حائل ) لأنّها تغرّ الخلق و تخدعهم بزخرفها و زبرجها فيتوهّمون دوامها و ثباتها ثمّ تنتقل عنهم و تتغيّر في زمان يسير و مدّة قليلة ( وضوء آفل ) استعار لفظ الضوء لما يظهر منها من الحسن في عيون الغافلين من قولهم على فلان ضوء إذا كان حسن المنظر يعنى إنّها ذو حسن و ضياء إلاّ أنّ حسنها قليل لا يدوم و يغيب فلا يبقى ( و ظلّ زائل ) أى يستريح فيها أهلها و يستظلّون بها إلاّ أنّها في معرض الفناء و الزّوال ( و سناد مائل ) يستند إليها الغافلون و يعتمدون عليها مع أنّها لاثبات لها و لاقرار . ( حتّى إذا أنس نافرها و اطمئنّ ناكرها ) أى إذا استأنس بها من كان باقتضاء عقله نافرا عنها و سكن إليها من كان بمقتضى فطرته منكرا لها ( قمصت بأرجلها ) كالدّابة القامصة الممتنعة عن ركوب الانسان المولّية عنه . و قمصها كناية عن امتناعها على الانسان حين حضور أجله كأنّها تدفعه برجليها مثل الدّابة الموصوفة ، و الاتيان بصيغة الجمع مع أنّ الدّابة لها رجلان من باب التغليب و اعتبار اليدين و إنّما عبّر بالرّجل دون اليد لكون القمص إلى الرّجل أنسب . [ 358 ] ( و قنصت بأحبلها ) كالقناص الذي يقنص الصيد و يصيده بشركه و حبائله و هو كناية عن تمكن العلايق الدّنيويّة و حبائل محبتها و الهيآت الرّديّة المكتسبة عنها في عنقة بحيث لا يتمكّن من الامتناع و التجنّب عنها كالصّيد الواقع في الشّرك ( و أقصدت بأسهمها ) كالرّامي الذي يرمي بسهامه فيصيب الغرض و لا يخطئه و أسهمها كناية عن الأمراض و أسباب الموت . ( و أعلقت المرء أوهاق المنيّة ) أى أعلقته حبالها يعنى ما تجذب بها إلى الموت من ساير أسبابه أيضا ( قائدة ) بتلك الحبال ( له إلى ضنك المضجع ) و ضيق القبر ( و وحشة المرجع ) و هو إشارة إلى ما يجده أهل الدّنيا من الوحشة عند مفارقة الأموال و الأولاد و الأحبّة ( و معاينة المحلّ ) أى مشاهدة الموضع الذي يحلّ به بعد الموت و هو دار الآخرة ( و ثواب العمل ) أى جزائه من خير أو شرّ لا الجزاء بالمعنى الأخصّ الذي هو عوض الطاعة . ( و كذلك الخلف بعقب السلف ) أى هكذا حال الخلف بعد السّلف يفعل الدّنيا بهم مثل ما فعلت بأسلافهم ، و كذلك هم في الدّنيا يعملون مثل ما عمله آبائهم ( فلا نقلع المنية ) منهم ( اختراما و لا يرعوي الباقون اجتراما ) يعنى لا يكفّ المنيّة عن إهلاكهم و استيصال نفوسهم و لا يرتدع الباقون منهم عن جرمهم و جرايرهم بل ( يحتذون مثالا ) و يقتدون بأمثالهم الماضين في الأعمال و الأفعال ( و يمضون ) على ذلك ( أرسالا ) و متتابعا ( إلى غاية الانتهاء و صيور الفناء ) أى الى منتهى ما يسيرون إليه بمطايا الأبدان و عاقبة ما يكون أمرهم عليه من الفناء و العرض على الملك الدّيان أقول : و نرجو من اللّه سبحانه عند ذلك الرّحمة و الغفران بالكرم و الامتنان . الترجمة وصيت ميكنم شما را أي بندگان خدا بتقوى و پرهيزكاري خدا چنان خدائي كه بيان فرمود از براى شما مثل‏ها ، و معين كرد از براى شما أجل‏ها و بپوشانيد شما را لباس‏هاى فاخر و وسعت داد بشما با طعام‏هاى طيّب و طاهر ، و احاطه كرد بشما احاطه كردنى و مهيا نمود از براي شما جزاي عمل‏هاى شما را و برگزيد [ 359 ] شما را بنعمت‏هاى تامه كامله و عطاياى جليله عاليه ، و ترساند شما را با حجت هاى واضحه بالغه و شمرد شما را شمردنى و تعيين نمود از براى شما مدتهاى أعمار در مقرّ امتحان و اختبار و در سراى اعتبار . شما امتحان شدگانيد در دار فانى و حساب كرده شدگانيد در آن بنعمت‏ها و زندگانى ، پس بدرستى دنيا ناصاف است محلّ آبخوردن آن گل آلود است محلّ آب برداشتن آن تعجب مى‏آورد در نظر جاهلان تماشاگاه آن و هلاك مى‏سازد محل آزمايش آن در وقت التذاذ بلذات آن ، و آن فريبنده است تغيير يابنده ، و صاحب حسن است فرو رونده ، و سايه‏اي است زائل شونده و تكيه گاهى است ميل نمايند . تا زمانى كه انس گيرد بأو نفرت كننده از او و خواطر جمعشود بأو انكار كننده او ، بر جهد بپاهاي خود كه بيندازد او را بر زمين مذلت ، و شكار كند او را بدامهاي خود تا گرفتار شود به مشقت و محنت ، و برساند باو تيرهاي مرگ و هلاكت در حالتى كه كشنده باشد او را بضيق و تنگى خوابگاه و وحشت بازگشت و به مشاهده كردن جاى جزا و ثواب كردار . و همچنين است حال پس آيندگان بعد از پيش رفتگان و رحلت نمايندگان نه امساك مى‏كند مرگ از استيصال نمودن ، و نه باز مى‏ايستند باقى ماندگان از جرم و گناه كردن ، بلكه اقتدا مى‏كنند بر مثال گذشتگان و ميگذرند پياپى تا بغايت نهايت كه عبارتست از موت و عاقبت امر كه عبارتست از فنا و فوت . الفصل الثالث حتّى إذا تصرّمت الامور ، و تقضّت الدّهور ، و أزف النّشور ، أخرجهم من ضرائح القبور ، و أوكار الطّيور ، و أوجرة السّباع ، و مطارح المهالك ، سراعا إلى أمره ، مهطعين إلى معاده ، رعيلا صموتا ، [ 360 ] قياما صفوفا ، ينفذهم البصر ، و يسمعهم الدّاعي ، عليهم لبوس الإستكانة ، و ضرع الإستسلام و الذّلّة ، قد ضلّت الحيل ، و انقطع الأمل ، و هوت الأفئدة كاظمة ، و خشعت الأصوات مهينمة ، و ألجم العرق ، و عظم الشّفق ، و أرعدت الأسماع لزبرة الدّاعي إلى فصل الخطاب ، و مقايضة الجزاء و نكال العقاب ، و نوال الثّواب . اللغة ( صرمت ) النّخل قطعته و انصرم اللّيل و تصرّم ذهب و ( قضّ ) الشي‏ء يقضّه قطعه و ( أزف ) شخوص فلان يأزف أزفا من باب تعب قرب و دنا و منه قوله : أزفت الآزفة ، أى قربت القيامة و دنت ، سمّيت بذلك لأنّ كلّ ما هو آت قريب و ( نشر ) الموتى نشورا من باب قعد حيّوا و نشرهم اللّه يتعدّي و لا يتعدّى ، و قد يتعدّي بالهمزة يقال أنشرهم اللّه و قال تعالى : و إذا شاء أنشره ، أى أحياه بعد إماتته . و ( الضّريح ) الشّق في وسط القبر في جانب فعيل بمعنى مفعول و ( اوجرة ) السّباع جمع و جار بالكسر و هو جحرها الذي تأوى إليه و ( هطع ) يهطع من باب منع أسرع مقبلا و أهطع فى عدوه أسرع و منه قوله تعالى : مهطعين إلى الدّاع ، أى مسرعين إليه في خوف . و ( الرّعيل ) القطعة من الخيل و الجماعة من النّاس و ( الصّموت ) جمع صامت كالصّمت و الصّمات مصدر بمعنى السّكوت من صمت يصمت من باب قتل و ( اللّبوس ) بفتح اللاّم ما يلبس قال تعالى : و علّمناه صنعة لبوس ، يعني الدّرع و ( الاستكانه ) الخضوع و ( ضرع ) له يضرع من باب منع ضراعة ذلّ و خضع ، و ضرع ضرعا من باب تعب لغة و ضرع ضرعا و زان شرف ضعف ، و تضرّع إلى اللّه ابتهل و ( كظم ) يكظم كظما من باب ضرب و سكت و رجل كظيم و مكظوم مكروب . [ 361 ] و ( الهينمة ) الصّوت الخفىّ و ( الجم العرق ) بلغ الفم فصار كاللجام و ( الشفق ) الخوف و ( ارعدت الاسماع ) بالبناء على المجهول أخذتها الرّعدة و ( الزّبرة ) من زبره زبرا من باب ضرب زجره و نهره و ( قايضته ) به بالياء المثناة التّحتانيّة عارضته عرضا بعرض و ( نكل ) به تنكيلا صنع به صنعا يحذر غيره ، و النّكال اسم منه أو هو العقوبة و ( النّوال ) العطا . الاعراب سراعا ، منتصب على الحال من مفعول أخرج و كذلك المنصوبات بعده ، و لبوس الاستكانة مرفوع على الابتداء قدّم عليه خبره للتّوسع ، و قوله إلى فصل الخطاب متعلّق بالدّاعي . المعنى اعلم أنّ هذا الفصل من الكلام قد ساقه عليه السّلام لبيان ما يحلّ على النّاس بعد الموت و يلحق بهم من شدايد القيامة و أهوالها و أشار به إلى النّشر و المعاد فقال ( حتّى إذا تصرّمت الامور و تقضت الدّهور ) أى تعطلت امور النّاس بموتهم و انقضت الازمان و تقطعت ( و أزف النّشور ) أى دنى و قرب وقت احيائهم بعد إماتتهم أمر اللّه سبحانه بنفخ الصّور فنشرهم و حشرهم . و ( أخرجهم من ضرايح القبور ) ان كانوا مدفونين فيها ( و أو كار الطيور ) ان كانوا أكيل طير ( و أوجرة السّباع ) إن كانوا فريسة سبع ( و مطارح المهالك ) ان قتلوا في معركة حرب و نحو ذلك و بالجملة ينشرهم اللّه و يأتي بهم جميعا أينما كانوا ( سراعا إلى أمره ) و قضائه غير لابثين ( مهطعين الى معاده ) غير مماكسين كما قال تعالى في سورة ق يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسيرٌ أى يسرعون إلى أمره بلا مكث و تأخير ، و فى سورة القمر : يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعينَ إِلى‏ الدّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا [ 362 ] يَوْمٌ عَسِرٌ . ( رعيلا صموتا قياما صفوفا ) أى جماعة ساكتين قائمين صافين لا يقدرون على الكلام و لا يرخّص لهم في القعود كما قال تعالى في سورة النّبأ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ أي بنو آدم على أحد التّفاسير وَ الْمَلئِكَةُ صَفَّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمنُ وَ قالَ صَواباً و فيها أيضا يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً . روى في المجمع عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه سئل عن هذه الآية فقال : يحشر عشرة أصناف من امّتي أشتاتا قد ميّزهم اللّه من المسلمين و بدّل صورهم فبعضهم على صورة القردة ، و بعضهم على صورة الخنازير ، و بعضهم منكوسون أرجلهم من فوق و وجوههم من تحت ثمّ يسحبون عليها ، و بعضهم عمى يتردّدون ، و بعضهم صمّ بكم لا يعقلون ، و بعضهم يمضغون ألسنتهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذّرهم أهل الجمع ، و بعضهم مقطّعة أيديهم و أرجلهم ، و بعضهم مصلّبون على جذوع من النّار ، و بعضهم أشدّ نتنا من الجيف ، و بعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم . فأمّا الذين على صورة القردة فالقتاة من النّاس ، و أمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت ، و أمّا المنكوسون على رؤوسهم فآكلة الرّبا ، و العمى الجائرون في الحكم ، و الصمّ البكم المعجبون بأعمالهم ، و الذين يمضغون ألسنتهم العلماء و القضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم ، و المقطّعة أيديهم و أرجلهم الذين يؤذون الجيران ، و المصلّبون على جذوع من نار فالسّعاة بالنّاس إلى السلطان ، و الذين أشدّنتنا من الجيف فالذين يتمتّعون بالشّهوات و اللذات و يمنعون حقّ اللّه في أموالهم ، و الذين هم يلبسون الجباب فأهل الفخر و الخيلاء . ( ينفذهم البصر ) بصر الجبّار تعالى أى لا يخفى أحد منهم مع كثرتهم عن ادراكه سبحانه و لا يعزب عن علمه كما قال في سورة الحاقة : يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا يَخْفى‏ مِنْكُمْ [ 363 ] خافِيَةٌ ( و يسمعهم الدّاعي ) يعني أنّهم مع هذه الكثرة أيضا يشملهم و يحيط بهم عموم دعاء الدّاعى إلى فصل الخطاب و يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم نداء المنادي إلى الموقف و الحساب ، و إليه الاشارة بقوله تعالى في سورة ق . يَوْمَ يُنادِى الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَريبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ . قال الطبرسي : و إنّما قال من مكان قريب لأنّه يسمعه الخلايق كلّهم على حدّ واحد فلا يخفى على أحد قريب و لا بعيد فكأنّهم نودوا من مكان يقرب منهم ( عليهم لبوس ) الخضوع و الخشوع و ( الاستكانة و ضرع ) التذلل و ( الاستسلام و الذلة ) من هول هذا اليوم و فزعه كما قال سبحانه في سورة طه : وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً . قال الطبرسي أى خضعت و ذلت خضوع الأسير في يد من قهره و المراد خضع أرباب الوجوه و استسلموا الحكم للحيّ الذي لم يمت و لا يموت ، و إنّما اسند الفعل إلى الوجوه لأنّ أثر الذّلّ يظهر عليها ، و قيل المراد بالوجوه الرّؤساء و القادة و الملوك أى يذلّون و ينسلخون عن ملكهم و عزّهم ، و في سورة المعارج : يَوْمَ يُخْرَجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذي كانُوا يُوعَدوُنَ . أى يخرجون من القبور مسرعين كأنّهم يسعون إلى علم نصب لهم خاضعة أبصارهم لا يستطيعون النّظر من هول ذلك اليوم و تغشيهم المذلّة ( قد ضلّت الحيل ) أى الحيل الدّنيويّة فلا يستطيعون الخلاص ممّا هم فيه بالحيلة و التّدبير كما كانوا يخلصون من بعض آلام الدّنيا بها ( و انقطع الأمل ) أى أملهم في الدّنيا لامتناع عودهم إليها و انقطاع طمعهم عنها ( و هوت الأفئدة كاظمة ) أى خلت من الفرح و السّرور بل و من كلّ شي‏ء حالكونها ساكتة أو مكروبة و محزونة و هو مأخوذ من قوله تعالى [ 364 ] في سورة إبراهيم : مُهْطِعينَ مُقْنِعي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ . قال الطبرسي : مهطعين أى مسرعين و قيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطرفون مقنعي رؤوسهم أى رافعي رؤوسهم إلى السّماء حتّى لا يرى الرّجل مكان قدمه من شدّة رفع الرأس و ذلك من هول يوم القيامة و قال مورج : معناه ناكسي رؤوسهم بلغة قريش لا ير إليهم طرفهم أى لا يرجع إليهم أعينهم و لا يطبقونها و لا يغمضونها و إنّما هو نظر دائم و أفئدتهم هواء أى قلوبهم خالية من كلّ شي‏ء و قيل خالية من كلّ سرور و طمع في الخير لشدّة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السّماء و الأرض و قيل معناه و أفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج و لا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشي‏ء الذاهب في جهات مختلفة المتردّد في الهواء و قيل معناه خالية عن عقولهم ( و خشعت الأصوات مهينمة ) أى حال كونها ذات هينمة و خفاء قال : وَ خَشَعَتِ الْأَصواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً . قال في مجمع البيان : أى خضعت الأصوات بالسّكون لعظمة الرّحمن ، و الهمس هو صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت أقدامهم إلاّ صوتا خفيّا كما يسمع من أخفاف الابل عند سيرها و قيل الهمس إخفاء الكلام و قيل معناه إنّ الأصوات العالية بالأمر و النّهى في الدّنيا ينخفض و يذلّ أصحابها فلا يسمع منهم إلاّ الهمس ( و الجم العرق ) أى بلغ أفواههم ، قال الشّارح المعتزلي : و في الحديث أنّ العرق ليجرى منهم حتّى أنّ منهم من يبلغ ركبتيه ، و منهم من يبلغ صدره ، و منهم من يلجمه و هم أعظمهم مشقّة . أقول : و عن الارشاد عن الصّادق عليه السّلام في حديث إنّ الغنى ليوقف للحساب و يسيل منه العرق حتّى لو شرب منه أربعون بعيرا لصدر ، و يأتي لهذا مزيد تفصيل في شرح المختار المأة و التّاسع و الثمانين إنشاء اللّه ( و عظم الشّفق ) و في بعض الرّوايات أنّ شعر رأس النّاس و بدنهم يبيض من شدّة الخوف و الاشفاق بعد ما [ 365 ] كان أسود 1 ( و ارعدت الاسماع لزبرة الدّاعي إلى فصل الخطاب ) أى أخذتها الرّعدة و الاضطراب من زجر الدّاعي و نهره و هيبة صوته قال الطبرسي في تفسير قوله و اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ مِنْ مَكانٍ قَريبٍ . قيل إنّه يناد المناد من صخرة بيت المقدّس أيتها العظام البالية و الأوصال المنقطعة و اللحوم المتمزّقة قومي لفصل القضاء و ما أعدّ اللّه لكم من الجزاء و قيل إنّ المنادى هو إسرافيل يقول يا معشر الخلائق قوموا للحساب ( و مقايضة الجزاء ) مبادلتها و معاوضتها ( و نكال العقاب ) إن كسبت يداه في الدّنيا سيئة ( و نوال الثّواب ) إن اقترف فيها حسنة . فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ تنبيه و تحقيق اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة كبعض الخطب الآتية نصّ صريح في ثبوت المعاد الجسماني و عليه قد دلّت الآيات القرآنيّة مما ذكرناها و ما لم يذكر ، و السّنن ----------- ( 1 ) روى فى الكافى باسناده عن يزيد الكناسى عن أبى جعفر عليه السلام قال : إنّ فتية من أولاد ملوك بنى اسرائيل كانوا متعبّدين و كانت العبادة فى أولاد ملوك بنى اسرائيل و أنهم خرجوا يسيرون فى البلاد ليعتبروا فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافى ليس منه الاّ رسمه فقالوا لو دعونا اللّه الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسايلنا كيف و جد طعم الموت فدعوا اللّه تعالى قال فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس و اللحية ينفض رأسه من التراب فزعاشا خصا بصره الى السماء ، فقال لهم : ما يوقفكم على قبرى فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت فقال لهم : لقد سكنت فى قبرى تسعة و تسعون سنة ما ذهب عنّى ألم الموت و كربه و لا خرج مرارة طعم الموت من حلقى . فقال « لواظ » له : متّ يوم متّ و أنت على ما نرى أبيض الرأس و اللّحية ؟ قال : لا ، و لكن لما سمعت الصيجة اخرج اجتمعت تربة عظامى الى روحى فبقيت فيه فخرجت فزعا شاخصا بصرى مهطعا إلى صوت الداعى فابيضّ لذلك رأسى و لحيتى ، منه . [ 366 ] النّبوية المتواترة بل هو ضروري الدين و عليه إتفاق المسلمين و مع ذلك كلّه لايعباء بخلاف الحكماء و منعهم منه بناء على امتناع اعادة المعدوم من حيث امتناع عود أسبابه بعينها من الوقت و الدّورة الفلكية المعيّنة و غيرهما و ربّما قال بعض الحكماء أى حكماء الاسلام بجواز عود المثل و ربّما قلّد بعضهم ظاهر الشّريعة في أمر المعاد الجسماني ، و إثبات السّعادة و الشقاوة البدنيّة مع الرّوحانيّة . قال الصّدر الشّيرازى في شرح الهداية للميبدي : و اعلم أنّه قد زعمت الفلاسفة الطبيعيّون و اوساخ الدّهرية الذين لا اعتداد بأقوالهم و آرائهم في الملّة و لا في الفلسفة انكار المعاد مطلقا للانسان زعما منهم أنّه متكوّن من مزج و امتزاج لهذا الهيكل المحسوس بما له من القوى و الأعراض و ذلك يفنى بالموت و لا يبقى فيه إلاّ الموادّ العنصرية و لا اعادة للمعدوم فمهما فسد لا يرجى له عايدة فحكموا بأنّه إذا مات مات و نيل سعادته أو شقاوته قد فات كما حكى اللّه عنهم في كتابه المجيد : ما هِيَ إِلاّ حيوتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيى مثل العشب و المرعى فيصير غثاء أهوى فلهذا السّبب أنكروا النبّوة المنذرة بالبعث و فوايدها و أصرّوا صريحا على منع نشر موايدها ، و في هذا تكذيب العقل على ما يراه المحقّقون من أهل الفلسفة و الشّرع على ما قرّره المحقّقون من أهل الملّة . و اتّفق المحقّقون من الفلاسفة و الملّيين على ثبوت المعاد و حقيّته لكنّهم اختلفوا في كيفيّته . فذهب جمهور المسلمين على أنّه جسمانيّ فقط ، لأنّ الرّوح عندهم جسم سار في البدن سريان الزّيت في الزّيتون و ماء الورد في الورد و النّار في الفحم . و ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنّه روحانيّ فقط ، لأنّ البدن ينعدم بصوره و أعراضه فلا يعاد و النّفس جوهر مجرّد باق لا سبيل إليه للفساد . و ما تزيّن به كثير من علماء الاسلام كأصحابنا الاماميّة و الشّيخ الغزالي [ 367 ] و الكعبي و الحلبي و الرّاغب الاصفهاني هو القول بالمعادين : الرّوحاني و الجسماني جميعا ذهابا إلى أن النّفس جوهر مجرّد يعود إلى البدن ، و هذا رأى كثير من الصّوفيّة و الكراميّة و به يقول جمهور النّصارى و التّناسخيّة . قال الامام الرّازي إلاّ أنّ الفرق أنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح و ردّها إلى البدن لا في هذا العالم بل في الآخرة ، و التّناسخيّة بقدمها و ردّها إليه في هذا العالم و ينكرون الآخرة و الجنّة و النّار . أقول : و ممّن قال بالمعادين الشّيخ الرّئيس أبو عليّ بن سينا قال في محكىّ كلامه من الشفا : يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشّرع و لا سبيل إلى إثباته إلاّ من طريق الشّريعة و تصديق خبر النبوّة و هو الذي للبدن عند البعث و خيرات البدن و شروره معلومة لا تحتاج أن تعلم ، و قد بسطت الشّريعة الحقة التي أتانا بها سيّدنا و مولينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله حال السّعادة و الشّقاوة اللتين بحسب البدن . و منه ما هو مدرك بالعقل و القياس البرهاني و قد صدّقه النبوّة و هو السّعادة و الشّقاوة البالغتان الثابتتان بالمقائيس اللتان للأنفس و إن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصوّرها الآن ، لما نوضح من العلل و الحكماء الالهيّون رغبتهم في اصابة هذه السّعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السّعادة البدنيّة بل كأنّهم لا يلتفتون إلى تلك و ان اعطوها و لا يستعظمونها في جنب هذه السّعادة التي هى مقاربة الحقّ الأوّل انتهى كلامه . و قال المحقّق الشّيرازي أيضا في شرح الهداية : اعلم أنّ إعادة النّفس إلى بدن مثل بدنها الذي كان لها فى الدّنيا مخلوق من سنخ هذا البدن بعد مفارقتها عنه في القيامة كما نطقت به الشّريعة من نصوص التّنزيل و روايات كثيرة متظافرة لأصحاب العصمة و الهداية غير قابلة للتّأويل كقوله تعالى : قالَ مَنْ يُحْيِى الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ قُلْ يُحْييهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ [ 368 ] مَرَّةٍ و هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَليمٍ فَإذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلوُنَ أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى‏ قادِرينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أمر ممكن غير مستحيل فوجب التّصديق بها لكونها من ضروريّات الدّين و إنكاره كفر مبين و لا استبعاد أيضا فيها بل الاستبعاد و التّعجب من تعلّق النّفس إليه في أوّل الأمر أظهر من تعجّب عوده إليه إلى أن قال : و لا يضرّنا أيضا كون البدن المعاد غير البدن الأوّل بحسب الشّخص لاستحالة كون المعدوم بعينه معادا و ما شهد من النّصوص من كون أهل الجنّة صردا مردا ، و كون ضرس الكافر مثل جبل أحد ، و كذا ما روى من قوله يحشر بعض النّاس يوم القيامة على صورة يحسن عندها القردة و الخنازير ، يعضد ذلك ، و كذا قوله : كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها . فان قيل فعلى هذا يكون المثاب و المعاقب باللذاة و الآلام الجسمانيّة غير من صدرت منه الطاعات و الخيرات و ارتكب المعاصى و الشّرور . قلنا : العبرة في ذلك الجوهر المدرك و هو النّفس و لو بواسطة الآلات و هي باقية بعينها و كذا المادّة و السنخ كالأجزاء الأصليّة في البدن أو غيرها و لهذا يقال للشّخص مع انتقاله من الصّبا إلى الشّيخوخيّة و التّجدّدات و الاستحالات الواقعة فيما بين أنّه هو بعينه و إن تبدّلت الصّور و الهيئآت و كثير من الأعضاء و الآلات و لا يقال لمن جنى في الشّباب و عوقب في المشيب أنّه عقاب بغير الجاني انتهى . و أنت إذا أحطت خبرا بالأقوال في المسألة فلا بأس بالاشارة إلى بعض شبه المنكرين مع إبطال شبههم حسبما اشير إليه في الكتاب العزيز قال سبحانه : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذا هُوَ خَصيمٌ مُبينٌ ، وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيي الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ ، قُلْ [ 369 ] يُحْييهَا الَّذي أَنْشأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكلِّ خَلْقٍ عَليمٍ الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإذا أنْتُمْ مِنهُ تُوقِدُونَ . روى أنّ امية بن خلف أو العاص بن وائل السّهمى أو أبي بن خلف و هو المرويّ عن الصّادق عليه السّلام أيضا جاء بعظم بال متفتّت و قال : يا محمّد أ تزعم أنّ اللّه يبعث هذا ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : نعم و يدخلك جهنّم فنزلت الآية ، و هو المراد بالانسان في الآية و إن كان الحكم جاريا في حقّ كل من ينكر البعث و الحشر إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب على ما تقرّر في الاصول فالمعنى : أو لم يعلم الانسان أنا خلقناه من نطفة ، ثمّ نقلناه من النّطفة إلى العلقة ، و من العلقة إلى المضغة ، و من المضغة إلى العظام ، و كسونا العظام لحما ، ثمّ أنشأناه خلقا آخر كامل العقل و الفهم ، فاذا كمل عقله و فهمه صار متكلّما مخاصما ، فمن قدر على مثل هذا فكيف لا يقدر على الاعادة و الاحياء مع أنّها أسهل من الانشاء و الابتداء ؟ ثمّ أكّد سبحانه الانكار عليه فقال : و ضرب لنا مثلا ، أى ضرب المثل في إنكار البعث بالعظم البالي وفتّه بيده ، و نسي خلقه ، أى ترك النّظر في خلق نفسه مع أنّه من أدلّ الدلائل على جواز البعث و إمكانه ، لما ذكرناه من أنّه مخلوق من نطفة متشابهة الأجزاء مع كونه مختلف الأعضاء إذ لو كان خلقه من أشياء مختلفة الصّور لأمكن أن يقال العظم خلق من جنس صلب و اللحم من جنس رخو و كذلك الحال في كلّ عضو ، و لما كان خلقه من متشابهة الأجزاء مع اختلاف صوره كان ذلك دليلا على كمال الاختيار و القدرة . مضافا إلى القوّة العاقلة و الفاهمة و الناطقة التي أعطاها اللّه له و أبدعها فيه فقدر معها على المخاصمة و الاحتجاج مع أنّ تلك القوّة لم تكن في النطفة أصلا و لم تكن من مقتضياتها و دلالة ذلك على الاختيار و الاقتدار أقوى . ثمّ إنّ المنكرين للبعث منهم من لم يذكر فيه دليلا و لا شبهة و إنّما اكتفى [ 370 ] بمجرّد الاستبعاد و ادّعى الضرورة و البداهة في استحالة المعاد و هم الأكثرون و يدلّ عليه ما حكاه تعالى عنهم في غير موضع كما قال : و قالوا ءئذا ظللنا في الأرض ء إنّا لفى خلق جديد ، ءإذا متنا و كنا ترابا و عظاما ء إنّا لمبعثون ، ءإنّك لمن المصدّقين ءإذا متنا و كنّا ترابا و عظاما ءإنّا لمدينون إلى غير ذلك . و مثلها ما حكاه هنا بقوله : قال من يحيى العظام و هى رميم ، على طريق الاستبعاد ، و هو المراد بالمثل الذي ضربه الانسان المذكور و لما كان استبعاده من جهة التفتّت و التفرق اختار العظم للذكر لبعده عن الحياة لعدم الاحساس فيه و وصفه بما يقوى جانب الاستبعاد من البلا و التفتّت و قال : هى رميم ، و قد دفع اللّه سبحانه بقوله : و نسى خلقه ، إذ لو كان تدبّر في خلقه و عرف قدرة خالقه و اختياره و علمه لما استبعد ذلك . و منهم من ذكر شبهة و إن كان مرجعها بالأخرة إلى الاستبعاد أيضا و هى على وجهين : أحدهما أنّه بعد العدم لا يبقى شي‏ء فكيف يصحّ على المعدوم الحكم بالوجود و دفعها بقوله . قل يحيها الّذي أنشأها أوّل مرّة ، يعنى كما خلق الانسان و لم يكن شيئا مذكورا كذلك يعيده و إن لم يبق شيئا مذكورا . و ثانيهما أنّ من تفرّق أجزاؤه في مشارق الأرض و مغاربها و صار بعضه في أبدان السباع ، و بعضه في جدران الرّباع و بعضه في ضرايح القبور و بعضه في أو كار الطيور كيف يجمع . و أبعد من ذلك أنّه قد يأكل الانسان سبع و يأكل السّبع طاير و يأكل الطاير إنسان آخر ، و من المعلوم أنّ أجزاء المأكول يصير جزء بدن الآكل فاذا حشر الانسان و الحيوان على ما هو المذهب الحقّ فتلك الأجزاء المفروضة إمّا أن تعاد في بدن الآكل أو في بدن المأكول أو هما معا ، فان اعيدت في بدن الآكل لزم أن لا يعاد المأكول ، و إن اعيد المأكول لزم أن لا يعاد الآكل و إن كان الثالث لزم المحال ، لأنّ الجزء الواحد لا يكون في موضعين . فقال تعالى في إبطال هذه الشّبهة : و هو بكلّ خلق عليم ، و توضيحه أنّ في [ 371 ] بدن الآكل أجزاء أصليّة و أجزاء فضليّة ، و في المأكول كذلك ، فاذا أكل الانسان سبع صار الأصلى من أجزاء المأكول فضليا من أجزاء الآكل و الأجزاء الأصليّة للآكل هي ما كان له قبل الاكل ، و اللّه بكلّ خلق عليم ، يعلم الأصلى من الفضلى فيجمع الأجزاء الاصليّة للآكل و ينفخ فيها روحه ، و يجمع الأجزاء الاصليّة للمأكول فينفخ فيها روحه ، و كذلك يجمع الأجزاء المتفرقة من البقاع و الأصقاع بحكمته الشّاملة و قدرته الكاملة . ثمّ بالغ سبحانه في إبطال إنكارهم بقوله : الذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارا فاذا أنتم منه توفدون ، و وجه المبالغة هو أنّ الانسان مشتمل على جسم يحسّ به و حياة سارية فيه و هي كحرارة جارية فيه ، فان استبعدتم وجود حرارة و حياة فيه فلا تستبعدوه فانّ النار في الشّجر الأخضر الذي يقطر منه الماء أعجب و أغرب و أنتم تشهدونه حيث إنّكم منه توقدون . و إذا حقّقت ما ذكرناه و وضح لك صحّة المعاد الجسماني وضوح الشّمس في رابعة النّهار : ظهر لك فساد ما ربّما قيل أو يقال : من أنّ الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر و أظهر من الآيات المفيدة للتّجسّم و التّشبه و الجبر و القدر و نحو ذلك و قد وجب تأويلها قطعا و صرفها عن ظواهرها . قلنا دلّ هذه الآيات أيضا إلى بيان المعاد الرّوحاني و أحوال سعادة النّفس و شقاوتها بعد مفارقة الأبدان و الأجسام على وجه يفهمه العوام ، فانّ الأنبياء مبعوثون إلى كافّة الخلق للارشاد بقدر الاستعداد إلى سبيل الحقّ و تكميل النفوس بحسب القوّة النظرية و العملية و تبقية النظام المفضى إلى صلاح الكلّ . و ذلك بالتّرغيب و التّرهيب بالوعد و الوعيد و البشارة بما يعتقدونه لذّة و كمالا و الانذار عمّا تعدونه ألما و نقصانا و أكثرهم عوام تقصر عقولهم لا يفهمون عالم الأشباح و المحسوسات عن ذات المبدء الأوّل و الشّريعة تحاكيها بمثالاتها المأخوذة من المبادى الجسمانية و تحاكى الأفعال الالهية بأفعال المباد المدنيّة من الملوك و السلاطين القهارين و هكذا . [ 372 ] فوجب أن يخاطبهم الأنبياء في باب المعاد بما هو مثال للمعاد الحقيقي ترغيبا و ترهيبا للعوام و تتميما للنظام و لهذا قيل إنّ الكلام مثل و أشباح للفلسفة . وجه ظهور الفساد أنّ الذّهاب إلى المجاز إنّما هو عند تعذّر إرادة الحقيقة و المصير إلى التأويل عند عدم إمكان الظاهر كما في آيات الجبر و القدر و التجسّم ، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل إذ لا تعذّر ههنا سيّما على قول من يقول بكون البدن المعاد مثل الأوّل لا عينه . و حمل كلام الشريعة و نصوص الكتاب على الأمثال و الأشباح و الاشارة إلى معاد النفس و الرّعاية لمصلحة العامّة التوجب « توجب ظ » نسبة المتصدّعين للشرع إلى الكذب فيما يتعلّق بالتبليغ و القصد إلى تضليل أكثر الخلائق و التعصّب طول العمر لترويج الباطل و إخفاء الحقّ لأنهم لا يفهمون من الكلام إلاّ ظاهره الّذي لا حقيقة له على ما زعمه هذا القائل ، و ما هذه إلاّ فرية بيّنة و بهتان عظيم . و بذلك كلّه ظهر أنّ ما حكاه في شرح البحراني من تأويل بعض الفضلاء كلام الامام عليه السّلام في هذا الفصل على ما يناسب مذهب القائلين بالمعاد الروحاني مما لا طائل تحته بل تطويل الكتاب بمثل تلك التأويلات الباردة الفاسدة موجب لتفويت الوقت و تضييع القوّة القدسيّة . عصمنا اللّه سبحانه من هفوات الجنان ، و عثرات اللسان بحق محمّد و آله البررة الكرام عليه و عليهم السّلام إلى يوم البعث و القيام . هداية و ارشاد في الاشارة إلى معنى الحشر على ما حقّقه صدر المتألّهين في كتابه المسمّى بمفاتح الغيب و ايراد بعض الأخبار الواردة في ذلك و ما يناسب ذلك . فاعلم أنّ الزّمان علّة التّغير و التعاقب و الاحتجاب بوجه ، و المكان علّة التفرّق و التكثّر و الاغتياب بوجه ، فهما سببان لاختفاء الموجودات و احتجاب بعضها عن بعض ، فاذا ارتفعا في القيامة ارتفع الحجب بين الخلائق فيجتمع الخلائق كلّهم و الأوّلون و الآخرون قل إنّ الأوّلين و الآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم فهي يوم الجمع [ 373 ] ذلك يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن . و بوجه آخر ، ذلك يوم الفصل لأنّ الدّنيا دار مغالطة و اشتباه يتشابك فيها الحقّ و الباطل و يتعانق فيها الوجود و العدم و الخير و الشرّ و النور و الظلمة و في الآخرة يتقابل المتخاصمان و يتفرّق المتخالفان ، و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون . و فيها يتميّز التشابهان ، ليميز الخبيث من الطيّب ، و ينفصل الخصمان ، ليحقّ الحقّ و يبطل الباطل ، ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حىّ عن بيّنة . و لا منافاة بين هذا الفصل و ذلك الجمع بل هذا يوجب ذلك ، هذا يوم الفصل جمعناكم و الأوّلين ، و الحشر أيضا بمعنى الجمع ، و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا إذا عرفت ذلك فأقول قال سبحانه : وَ نُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّمواتِ وَ مَنْ في الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخْرى‏ فَإذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ ، وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَجي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ، وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ . قال الطبرسيّ في تفسير الصور : و هو قرن ينفخ فيه إسرافيل و وجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها اللّه ليعلم بها العقلا آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل و النزول و لا يتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة ، و قوله : فصعق من في السموات و من في الأرض ، أى يموت من شدّة تلك الصّيحة التي تخرج من الصّور جميع من السموات و الأرض يقال : صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة . و اختلف في المستثنى بقول إلاّ من شاء اللّه ، و في المجمع روى مرفوعا هم جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و في رواية أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سأل جبرئيل [ 374 ] عن هذه الآية من ذا الذي لم يشاء اللّه أن يصعقهم ؟ قال : هم الشهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش . و قوله : ثمّ نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون ، أراد النفخة الثانية و يسمّى النفخة الاولى بنفخة الصعق ، و الثانية بنفخة البعث أى ثمّ نفخ فيه نفخة اخرى فاذا هم قائمون من قبورهم يقلّبون أبصارهم في الجوانب ، و قال الطبرسي أى ينتظرون ما يفعل بهم و ما يؤمرون به . و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي باسناده عن ثوير بن أبي فاخته عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال : سئل عن النفختين كم بينهما ؟ قال : ما شاء اللّه ، فقيل له فأخبرني يا بن رسول اللّه كيف ينفخ فيه ؟ فقال : أما النّفخة الاولى فانّ اللّه يأمر اسرافيل فيهبط إلى الأرض و معه الصّور و للصّور رأس واحد و طرفان و بين رأس كلّ طرف منهما إلى الآخر ما بين السماء و الأرض ، فاذا رأت الملائكة إسرافيل و قد هبط إلى الدّنيا و معه الصور قالوا : قد أذن اللّه في موت أهل الأرض و في موت أهل السّماء . قال : فهبط إسرافيل بحظيرة القدس و هو مستقبل الكعبة فاذا رأوه أهل الأرض قالوا : قد أذن اللّه عزّ و جلّ في موت أهل الأرض ، فينفخ فيه نفخة فيخرج الصّوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق و مات ، و يخرج الصّوت من الطرف الذي يلي السّماوات ، فلا يبقى في السّماوات ذو روح إلاّ صعق و مات إلاّ إسرافيل . قال : فيقول اللّه لاسرافيل : يا إسرافيل مت ، فيموت إسرافيل فيمكثون في ذلك ما شاء اللّه ، ثمّ يأمر السّماوات فتمور و يأمر الجبال فتسير و هو قوله : يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَ تَسيرُ الْجِبالُ سَيْراً . يعني يبسط و يبدّل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال و لا نبات كما دحاها أوّل مرّة و يعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة [ 375 ] مستقلاّ بعظمته و قدرته . قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت من قبله جوهرى ( جهورى خ ل ) يسمع أقطار السّماوات و الأرضين : لمن الملك اليوم ؟ فلا يجبه مجيب ، فعند ذلك يقول الجبّار عزّ و جلّ مجيبا لنفسه : للّه الواحد القهّار ، و أنا قهرت الخلائق كلّهم و أمّتهم إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي و لا وزير و أنا خلقت خلقي بيدى و أنا أمّتهم بمشيّتي و أنا أحياهم بقدرتي . قال : فينفخ الجبّار نفخة اخرى في الصّور فيخرج الصّوت من أحد الطرفين الذي يلى السّماء فلا يبقى في السّموات أحد إلاّ حىّ و قام كما كان ، و يعود حملة العرش ، و يحضر الجنّة و النّار و يحشر الخلائق للحساب . قال الرّاوى : فرأيت عليّ بن الحسين يبكى عند ذلك بكاء شديدا . فان قلت إذا فنت الأجساد و انعدمت الأجسام فما الفائدة في خطاب لمن الملك ؟ قلنا : ما يصدر عن الحكيم العليم لا بدّ و أن يكون متضمّنا للحكمة و المصلحة و إن كانت مختفية عندنا ، و يمكن أن يكون فيه اللطف بالنّسبة إلى المكلّفين من حيث إنّ المخبر الصّادق إذا أخبرهم بوقوع ذلك الخطاب يوجب ذلك حقارة الدّنيا في نظرهم و عدم اغترارهم بملكها و سلطنتها و يوجب زيادة علمهم بقدرة اللّه و عزّته و بتفرّده في تدبير العالم ، تعالى علوا كبيرا هذا . و روى عليّ بن إبراهيم أيضا عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : و أتى جبرئيل رسول اللّه و أخذ بيده و أخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال : قم باذن اللّه فخرج منه رجل أبيض الرّأس و اللحية يمسح التّراب عن وجهه و هو يقول : الحمد للّه و اللّه أكبر ، فقال جبرئيل : عد باذن اللّه تعالى ، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال : قم باذن اللّه ، فخرج منه رجل مسوّد الوجه و هو يقول : يا حسرتاه يا ثبوراه ، ثمّ قال له جبرئيل : عد إلى ما كنت فيه باذن اللّه تعالى ، فقال : يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة ، فالمؤمنون يقولون هذا القول و هؤلاء يقولون ما ترى . [ 376 ] و في الأنوار النّعمانية للسيد الجزائري قال روى شيخنا الكلينيّ قدّس اللّه روحه و تغمّده اللّه برحمته في الصحيح عن يعقوب الأحمر قال : دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام نعزّيه باسماعيل فترحّم عليه ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى نعى إلى نبيّه نفسه فقال : إنك ميّت و إنّهم ميّتون ، و كلّ نفس ذائقة الموت ثمّ أنشأ عليه السّلام يحدّث فقال : إنه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلاّ ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل . قال : فيجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه تعالى فيقول له ، من بقى ؟ و هو أعلم ، فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل فيقال له قل لجبرئيل و ميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا ربّ رسوليك و أمينيك ، فيقول تعالى : إنّى قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت . ثمّ يجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيقول له : من بقى ؟ و هو أعلم ، فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت و حملة العرش ، فيقول : قل لحملة العرش فليموتوا ، ثمّ يجي‏ء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول له من بقى ؟ و هو أعلم ، فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، فيقول له : مت يا ملك الموت ، فيموت . ثمّ يأخذ الأرض بيمينه و السّماوات بشماله فيقول : أين الذين كانوا يدعون معى شريكا ؟ أين الذين يجعلون معى الها آخر ؟ و في الأنوار أيضا إنّ النّفخة الأولى هي اللّتى للهلاك تأتي النّاس بغتة و هم فى أسواقهم و طلب معايشهم فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم و أكبادهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة ، فيبقى الجبّار جلّ جلاله فيأمر عاصفة فتقلع الجبال من أماكنها و تلقاها في البحار و تفور مياه البحار و كلّما في الأرض و تسطح الأرض كلّها للحساب فلا يبقى جبل و لا شجر و لا بحر و لا وهدة و لا تلعة فتكون أرضا بيضاء حتّى أنّه روى لو وضعت بيضة في المشرق رايت في المغرب ، فيبقى سبحانه على هذا الحال مقدار أربعين سنة . فاذا أراد أن يبعث الخلق قال مولينا الصّادق عليه السّلام أمطر السّماء على الأرض [ 377 ] أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال و نبتت اللحوم و يأمر اللّه تعالى ريحا حتّى تجمع التّراب الذي كان لحما و اختلط بعضه ببعض و تفرّق في البرارى و البحار و في بطون السّباع فتجمعه تلك الريح في القبر . فعند ذلك يجي‏ء إسرافيل و صوره معه و يأمره بالنفخة الثانية ، و ينفخ فيه النفخة الثّانية فاذا نفخ تركّبت اللّحوم و الأعضاء و أعيدت الأرواح إلى أبدانها و انشقّت القبور فخرج النّاس خائفين من تلك الصّيحة ينفضون التّراب عن رؤوسهم ، فيجي‏ء إلى كلّ واحد ملكان عند خروجه من القبر يقبض كلّ واحد منهما عضدا منه فيقولان له : أجب ربّ العزّة ، فيتحيّر من لقائهما و يأخذه الخوف و الفزع حتّى أنّه في تلك الساعة يبيض شعر رأسه و بدنه بعد ما كان أسود . و عند ذلك يكثر في الأرض الزلزال حتّى يخرج ما فيها من الأثقال و يشيب كلّ الأطفال و تضع كلّ ذات حمل حملها و ترى النّاس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد . و في روضة الكافي باسناده عن ثوير بن أبي فاختة قال : سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يحدّث في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال : حدّثنى أبي أنّه سمع أباه عليّ بن أبيطالب عليه السّلام يحدّث النّاس . قال إذا كان يوم القيامة بعث اللّه تبارك و تعالى النّاس من حفرهم عزلاّ مهلاجردا في صعيد واحد يسوقهم النّور و يجمعهم الظلمة حتّى يقفوا على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضا و يزدحمون دونها فيمنعون من المضي فيشتدّ أنفاسهم و يكثر عرقهم و يضيق بهم أمورهم ، و يشتدّ ضجيجهم و يرتفع أصواتهم . قال عليه السّلام و هو أوّل هول من أهوال القيامة قال : فتشرف الجبّار تبارك و تعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر الخلائق انصتوا و استمعوا مناد الجبّار ، قال : فيسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم . قال : فتتكسر أصواتهم عند ذلك و يخشع أبصارهم و يضطرب فرايصهم و تفزع [ 378 ] قلوبهم و يرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصّوت مهطعين إلى الداعى قال : فعند ذلك يقول الكافر : هذا يوم عسر . قال : فيشرف الجبّار عزّ ذكره عليهم فيقول : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا الحكم العدل الذي لا يجور اليوم أحكم بينكم بعدلى و قسطي لا يظلم اليوم عندى أحد ، اليوم آخذ للضعيف من القويّ بحقّه و لصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات و السّيئآت و اثيب على الهبات و لا يجوز هذه العقبة عندى ظالم و لا أحد عنده مظلمة إلاّ مظلمة يهبها لصاحبها و اثيبه عليها و آخذ له بها عند الحساب فتلازموا أيّها الخلايق و اطلبوا بمظالمكم عند من ظلمكم بها في الدّنيا ، و أنا شاهد لكم عليهم و كفى لي شهيدا . قال : فيتعارفون و يتلازمون فلا يبقى لأحد له عند أحد مظلمة أو حقّ إلاّ لزمه بها . قال : فيمكثون ما شاء اللّه فيشتدّ حالهم و يكثر عرقهم و يشتدّ غمّهم و يرتفع أصواتهم بضجيج شديد فيتمنّون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها . قال : و يطلع اللّه عزّ و جلّ على جهدهم فينادى مناد من عند اللّه تبارك يسمع آخرهم كما يسمع أولهم : يا معشر الخلايق انصتو الداعى اللّه تبارك و تعالى و اسمعوا إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول : أنا الوهّاب إن أحببتم أن تواهبوا فواهبوا و إن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم . قال : فيفرحون بذلك لشدّة جهدهم و ضيق مسلكهم و تزاحمهم . قال عليه السّلام فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلّصوا مما هم فيه و يبقى بعضهم فيقول : يا ربّ مظالمنا أعظم من أن نهبها . قال عليه السّلام فينادى مناد من تلقاء العرش أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس قال : فيأمر اللّه عزّ و جلّ أن يطلع من الفردوس قصر من فضّة بما فيه من الآنية و الخدم قال : فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصايف و الخدم . قال فينادي مناد من عند اللّه تبارك و تعالى : يا معشر الخلايق ارفعوا رؤوسكم فانظروا إلى هذا القصر ، قال : فيرفعون رؤوسهم فكلّهم يتمنّاه ، قال : فينادى مناد [ 379 ] من عند اللّه يا معشر الخلايق هذا لكلّ من عفى عن مؤمن ، قال : فيعفون كلّهم إلاّ القليل . قال : فيقول اللّه عزّ و جلّ لا يجوز إلى جنّتي اليوم ظالم و لا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ، و لا أحد من المسلمين عنده مظلمة حتّى يأخذها منه عند الحساب أيّها الخلايق استعدّوا للحساب . قال : ثمّ يخلّى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يلوذ بعضهم بعضا حتّى ينتهوا إلى العرصة و الجبار تبارك و تعالى على العرش قد نشرت الدواوين و نصبت الموازين احضر النبيّون و الشهداء و هم الأئمة يشهد كلّ إمام على أهل عالمه بأنّهم قد قام فيهم بأمر اللّه عزّ و جلّ و دعاهم إلى سبيل اللّه . قال : فقال له رجل من قريش : يابن رسول اللّه إذا كان للرّجل المؤمن عند الرّجل الكافر مظلمة أىّ شي‏ء يأخذ من الكافر و هو من أهل النّار ؟ قال : فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام : تطرح من المسلم من سيئآته بقدر ما له على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة . قال : فقال له القرشيّ فاذا كانت المظلمة لمسلم عند مسلم كيف يؤخذ مظلمته من المسلم ؟ قال : يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حقّ المظلوم فيزاد على حسنات المظلوم . قال : فقال له القرشيّ : فان لم يكن للظالم حسنات ، قال : للمظلوم سيئآت يؤخذ من سيئآت المظلوم فيزاد على سيئآت الظالم . الترجمة تا آنكه چون بريده شود كارها و بسر آيد روزگارها و نزديك شود زنده شدن مردها ، خارج مينمايد ايشانرا خداى تبارك و تعالى از ميانهاى قبرها و از آشيان‏هاى مرغ‏ها و ماواهاى درندها و محل افتادن و هلاكشدن آنها ، در حالتيكه شتابان باشند بسوى أمر پروردگار سرعت كننده باشند بمعاد آفريدگار جمع شوندگان ساكت شدگان ايستادگان صف كشيدگان . [ 380 ] نافذ مى‏شود در ايشان نظر ربّ الارباب ميشنواند ايشانرا خواننده بسوى فصل خطاب ، بر ايشانست لباس خضوع و فروتنى و زارى تسليم و خوارى بتحقيق كه كم شده باشد در آنروز حيل‏ها و بريده شود آرزوها . و خالى مى‏شود قلبها از فرح و سرور در حالتي كه ساكت باشند و ترسان باشد صوتها در حالتي كه نهان باشند و رسيده شود عرق بدهان و بزرگ شود ترس از گناهان و مضطرب مى‏باشد گوشها بجهت زجر و هيبت صوت ندا كننده بسوى حكم و خطاب فاصل در ميان حق و باطل و به عوض دادن جزا بآنچه كرده‏اند از خير و شر در دنيا ، و گرفتار شدن حذرناك عذاب و عقاب و عطا كردن أصناف ثواب . الفصل الرابع عباد مخلوقون اقتدارا ، و مربوبون اقتسارا ، و مقبوضون احتضارا ، و مضمّنون أجداثا ، و كائنون رفاتا ، و مبعوثون أفرادا ، و مدينون جزآء ، و مميّزون حسابا ، قد أمهلوا في طلب المخرج ، و هدوا سبيل المنهج ، و عمّروا مهل المستعتب ، و كشفت عنهم سدّف الرّيب ، و خلّوا لمضمار الجياد ، و رويّة الإرتياد ، و أناة المقتبس المرتاد ، في مدّة الأجل ، و مضطرب المهل ، فيالها أمثالا صآئبة ، و مواعظ شافية ، لو صادفت قلوبا زاكية ، و أسماعا واعية ، و آرآء عازمة ، و ألبابا حازمة ، فاتّقوا اللّه تقيّة من سمع فخشع ، و اقترب فاعترف ، و وجل فعمل ، و حاذر فبادر ، و أيقن فأحسن ، و عبّر [ 381 ] فاعتبر ، و حذّر فازدجر ، و أجاب فأناب ، و راجع فتاب ، و اقتدى فاحتذى ، و أري فرأى ، فأسرع طالبا ، و نجا هاربا ، فأفاد ذخيرة ، و أطاب سريرة ، و عمر معادا ، و استظهر زادا ، ليوم رحيله ، و وجه سبيله ، و حال حاجته ، و موطن فاقته ، و قدّم أمامه لدار مقامه ، فاتّقوا اللّه عباد اللّه جهة ما خلقكم له ، و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه ، و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتّنجّز لصدق ميعاده ، و الحذر من هول معاده . اللغة ( قسره ) على الأمر قسرا من باب ضرب قهره و اقتسره كذلك و ( حضره ) الموت و احتضره اشرف عليه فهو في النّزع و هو محضور و محتضر بالفتح . قال الطريحي : و في الحديث ذكر الاحتضار و هو السوق سمّي به قيل لحضور الموت و الملائكة الموكلين به و إخوانه و أهله عنده ، و فلان محتضر أى قريب من الموت و منه إذا احتضر الانسان وجه يعنى جهة القبلة و ( الاجداث ) جمع الجدث كأسباب و سبب و هو القبر و هذه لغة أهل تهامة و أمّا أهل نجد فيقولون جدف بالفاء و ( الرفات ) كالفتات بالضّم لفظا و معنا و هو ما تناشر من كلّ شي‏ء و ( المنهج ) كالنهج و المنهاج الطريق الواضح و ( العتبى ) بالضّم الرّضا و استعتبه أعطاه العتبى كأعتبه و طلب إليه العتبى من الأضداد . قال الفيومي عتب عليه عتبا من بابي ضرب و قتل لامه في تسخط و أعتبني الهمزة للسبب أى أزال الشكوى و العتاب و استعتب طلب الاعتاب و العتبى اسم من الاعتاب و ( السّدف ) جمع سدفة ، كغرفة و غرف و هي الظلمة و ( ضمر ) الفرس ضمورا من [ 382 ] باب قعد و ضمر ضمرا من باب قرب قلّ لحمه و هزل ، و ضمرته و أضمرته أعددته للسباق و هو أن تعلفه قوتا بعد السّمن أى يعلف حتّى يسمن ثمّ يرد إلى قوته الأوّل ليخفّ لحمه و ذلك في أربعين يوما ، و المضمار الموضع الذي تضمر فيه الخيل . و ( الرّوية ) الفكر و التّدبر و هي كلمة جرت على ألسنتهم بغير همز تخفيفا و هي من روأت في الأمر بالهمز أى نظرت فيه و ( الارتياد ) الطلب و ( تأنّى ) في الأمر تمكث و لم يعجل و الاناة و زان حصاة اسم منه و ( المقتبس ) كالقابس هو طالب العلم و النار و ( صاب ) السّهم الغرض صوبا من باب قال و صابه يصيبه من باب باع كأصابه وصل الغرض و ما أخطاه ، و في المثل و في الخواطي سهم صائب و ( حزم ) فلان رأيه حزما أتقنه و ( التقية ) كالتّقوى اسم من اتقيت اللّه اتقاء و ( اقترف ) لأهله اقترافا اكتسب من مال حلال أو حرام و ( حذر ) الشّي‏ء و حاذره خافه . و يحتمل أن يراد من حاذر كثرة الخوف بناء على أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى و ( عبر ) أى أرى العبر كثيرا بناء على أنّ التّشديد دليل المبالغة و ( زجره ) زجرا منعه و نهاه كازدجر فانزجر و ازدجر فازدجر يستعمل مطاوع ازدجر و هو غريب و ( أفاد ) المال استفاده و أعطاه و هو من الأضداد و ( استظهرت ) به استعنت و ( المقام ) بضمّ الميم مصدر كالاقامة يقال قام بالمكان اقامة و مقاما و ( كنه ) الشّي‏ء حقيقته و غايته و نهايته يقال عرفته كنه المعرفة . و ( نجز ) الوعد نجزا من باب قتل تعجل و النّجز مثل قفل اسم منه و يعدّى بالهمزة و الحرف فيقال أنجزته و نجزت به إذا أعجلته و استنجز حاجته و تنجّزها طلب قضاءها ممّن وعده إيّاها . الاعراب عباد خبر مبتداء محذوف ، و اقتدارا و اقتسارا منصوبان على التّميز ، و احتضارا منصوب على الحال المؤكدة من قبيل قوله ولّى مدبرا فيؤل بالمشتقّ أى مقبوضون محتضرين ، مثل قولهم اجتهد وحدك أى منفردا ، و أجداثا مفعول فيه و هو و إن لم يكن من ظروف المكان المبهمة أعنى الجهات السّت و ما أشبهها من عند ولدي [ 383 ] و نحوهما إلا أنّه قد انتصب بفي مقدّرة لما في الكلام من معنى الاستقرار كما قال الرّضىّ . و أما انتصاب نحو قعدت مقعده و جلست مكانه و نمت مبيته فلكونه متضمّنا لمصدر معناه الاستقرار في ظرف فمضمونه مشعر بكونه ظرفا لحدث بمعنى الاستقرار كما أنّ نفسه ظرف لمضمونه بخلاف نحو المضرب و المقتل فلا جرم لم ينصبه على الظرفية إلاّ ما فيه معنى الاستقرار اه ، و إفرادا منصوب على الحال كانتصاب فردا في قوله تعالى : وَ كُلُّهُمْ آتيهِ يَوْمَ الْقِيمَةِ فَرْداً . و جزاء مصدر على غير لفظ فعله و حسابا منصوب بنزع الخافض و ما قاله البحرانى من انه مصدر منصوب بغير فعله ليس بشي‏ء و في طلب المخرج في للظرفيّة المجازية كما في قولهم في نفس المؤمنة مأة من الابل أى في قتلها ، فالسّبب الذى هو القتل متضمّن للدّية تضمّن الظرف للمظروف ، و هذه هي التي يقال إنّها للسّببية . و مهل المستعتب بحذف الموصوف مفعول مطلق مجازي من غير المصادر أى امهلوا و عمروا مثل مهل المستعتب ، و ما توهّمه الشّارح البحراني من أنّه مصدر فاسد ، و قوله في مدّة الأجل متعلق بقوله خلوا ، و قوله فيالها أمثالا صائبة منادي تفخيم و تعجّب ، و انتصاب أمثالا على التميز من الضمير المبهم . قال الرّضيّ في باب التميز من شرح الكافية : و قد يكون الاسم في نفسه تاما لا لشي‏ء آخر أعنى لا يجوز إضافته فينصب عنه التميز و ذلك في شيئين : أحدهما الضمير و هو الأكثر و ذلك في الأغلب فيما فيه معنى المبالغة و التفخيم كمواضع التعجّب نحو يا له رجلا و يالها قصّة و يا لك ليلا إلى آخر ما قال ، و ذخيرة و سريرة منصوبان على المفعول به . و قوله : جهة ما خلقكم اه قال الشّارح المعتزلي نصب جهة بفعل مقدّر تقديره و اقصدوا جهة ما خلقكم له يعنى العبادة فحذف الفعل و استغنى عنه بقوله [ 384 ] فاتّقوا اللّه لأنّ التّقوى ملازمة لقصد المكلّف العبادة فدلّت عليه و استغنى بها عن إظهاره . قيل و يجوز انتصابها على الظرفية أى اجعلوا تقواكم فى تلك الجهة أى نظرا إلى تلك الجهة لا للرّياء و السمعة ، و الحذر بالجرّ عطف على التّنجّز . المعنى اعلم أنّ هذا الفصل مسوق لشرح حال النّاس و الكشف عن أوصافهم و التّنبيه على ما خلقوا لأجله و ما يصير أمرهم إليه و استدرج ذلك بمواعظ شافية و نصايح وافية ، و المقصود بذلك كلّه تنبّههم عن نوم الغفلة و الجهالة و افاقتهم من سكر الحيرة و الضّلالة . فقوله ( عباد مخلوقون اقتدارا ) يعني أنّ النّاس الذين شرحنا حالهم و ذكرنا كيفيّة حشرهم و معادهم هم عباد خلقهم اللّه سبحانه من قدرته التّامّة الكاملة و حكمته الجامعة البالغة و ليس خلقهم لذواتهم و من اتّصف بذلك لا يجوز له العصيان لخالقه و بارئه . ( و مربوبون اقتسارا ) أى مملوكون من قهر و غلبة و ربّاهم اللّه سبحانه من صغرهم إلى كبرهم لا عن اختيار منهم حتّى يكون لهم الخيرة في معصية ربّهم و مالكهم ( و مقبوضون احتضارا ) أى مقبوضون بالموت محتضرين إلى حضرة ذي العزّة فيجازيهم بالحسنة و السّيئة ( و مضمّنون أجداثا ) أى في قبور هي دار الوحدة و الوحشة ( و كائنون رفاتا ) و عظاما فتاتا أى أجزاء شتاتا ( و مبعوثون افرادا ) أى وحدانا لا مال لهم و لا ولد كما فسّر بذلك قوله تعالى : وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُم وَراءَ ظُهُورَكمْ وَ ما نَرى‏ مَعَكُمْ شُفَعائَكُمُ الَّذينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . [ 385 ] قال في مجمع البيان : أى جئتمونا وحدانا لا مال لكم و لا خول و لا ولد و لا حشم و قيل واحدا واحدا عليحده و قيل كلّ واحد منكم منفردا من شريكه في الغيّ و شفيقه كما خلقناكم أوّل مرّة أى خلقناكم في بطون امّهاتكم لا ناصرلكم و لا معين و قيل معناه ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال : تحشرون حفاتا عراتا عزلا ، و العزل هم الغلف . و روى إنّ عايشة قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سمعت ذلك : و اسوأتاه ينظر بعضهم إلى سوءة بعض من الرّجال و النّساء قال : صلّى اللّه عليه و آله : لكلّ امرء منهم يومئذ شأن يغنيه و يشغل بعضهم عن بعض . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ، معناه تركتم ما ملّكناكم في الدّنيا ممّا كنتم تتباهون به من الأموال خلف ظهوركم ، و المراد تركتم الأموال في الدّنيا و حملتم من الذّنوب الأحمال و استمتع غيركم بما خلفتم و حوسبتم عليه فيالها حسرة ( و مدينون جزاء ) أى مجزيّون بأعمالهم جزاء إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا . مَنْ جآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ . ( و مميزون حسابا ) أى في حساب يعني بتميّز المؤمن من المجرم و التقيّ من الشّقيّ و الجيّد من الرّديّ في يوم الحساب و مقام المحاسبة كما قال سبحانه : وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ . أي اعتزلوا من أهل الجنّة و كونوا فرقة على حدة . نقل أنّه إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادون يا ربّنا حاسبنا و لو إلى النار فيبعث اللّه رياحا فتضرب بينهم و ينادى مناد : و امتازوا اليوم أيّها المجرمون ، فتميّز بينهم فصار المجرمون إلى النار و من كان فى قلبه ايمان صار إلى الجنّة . [ 386 ] ( قد امهلوا في طلب المخرج ) يعنى أنّ اللّه سبحانه أمهلهم في دار الدّنيا لطلب نجاتهم و خلاصهم من الظلمات إلى النور و خروجهم من الضلالة إلى السداد و من الغواية إلى الرشاد ( و هدوا سبيل المنهج ) أى هداهم اللّه تعالى بما جعل لهم من العقول و بعث إليهم من الأنبياء و الرّسل إلى المنهج القويم و الصّراط المستقيم الموصل لسالكه إلى حظيرة القدس و جنّة الفردوس . ( و عمرو امهل المستعتب ) يعني أعطاهم اللّه العمرو أمهلهم في الدّنيا مثل مهل من يطلب رضائه و اعتابه أى إزالة اللّوم و الشكوى عنه و لما كان من يطلب إزالة اللّوم عنه و يقصد رجوعه عن غيّه بمهل طويلا و يداري شبّه عليه السّلام مهلة اللّه لخلقه مدّة أعمارهم ليرجعوا إلى طاعته و يعملوا صالحا بذلك فافهم جيّدا . ( و كشفت عنهم سدف الرّيب ) أى ازيلت عنهم ظلمات الشّكوكات و الشّبهات بما منحهم اللّه من العقول مؤيدا بالرّسل ( و خلّو المضمار الجياد ) أى خلاهم اللّه و تركهم في الدّنيا ليضمروا أنفسهم و يستعدّوا السّباق في الآخرة كما يترك الجياد من الخيل في المضمار و تضمر ليحصل لها الاستعداد للمسابقة و يحاز بها قصب السّبق و يؤخذ بها السّبق . و في الاتيان بلفظة الجياد تنبيه على أن يكونوا من جياد مضمارهم و قد مرّ توضيح تشبيه الدّنيا بالمضمار في شرح الخطبة السابعة و العشرين فليراجع ( و ) كذلك خلّوا ل ( روية الارتياد و أناة المقتبس المرتاد ) أى للتّفكر في طلب الحق و ليتأنوا أناة المتعلّم للعلوم الحقّة المحتاج في تعلّمه إلى التأنّي و المهلة الطالب للأنوار الالهيّة ليهتدى بها في ظلمات الجهل و الغفلة ( في مدّة الأجل ) الذي عيّنه سبحانه لهم ( و مضطرب المهل ) الذي قدّر في حقّهم . ثمّ نبّه عليه السّلام على كمال كلامه و فضل موعظته و عرّض على عدم القلوب الحاملة لها بقوله ( فيالها أمثالا صائبة و مواعظ شافية ) أى أمثالا مطابقة لممثلاتها متّصفة بالصّواب خالية عن الخطاء و مواعظ شافية لأمراض الجهل مبرئة عن آلام الهوى ( لو صادفت ) تلك الأمثال و المواعظ ( قلوبا ) طاهرة ( زاكية و أسماعا ) حافظة [ 387 ] ( واعية ) أى قلوبا مستعدّة لقبول الهداية و أسماعا قابلة لحفظ النّصيحة ( و آراء عازمة ) قاصدة على الرّشد و السّداد ( و ألبابا حازمة ) متقنة لما فيه الصّلاح و الرّشاد . و عن معاني الأخبار : الحزم أن تنتظر فرصتك و تعاجل ما أمكنك . و في الحديث : الحزم بضاعة و التّواني اضاعة و فيه : الظفر بالحزم و الحفر « الحزم ظ » باجالة الرّأى و الرأى بتحصين الأسرار . قال بعض شرّاح الحديث أشار إلى أسباب الظفر القريب و المتوسّط و البعيد فالحزم أن تقدم العمل للحوادث الممكنة قبل وقوعها بما هو أبعد عن الغرور و أقرب إلى السّلامة ، و هو السبب الأقرب للظفر بالمطالب و المتوسط هو إجالة الرّأى و إعماله في تحصيل الوجه الأحزم و هو سبب أقرب للحزم ، و الأبعد هو اسرار ما يطلب و هو سبب أقرب للرّأى الصّالح إذ قلّ ما يتمّ رأى و يظفر بمطلوب مع ظهور إرادته ، هذا . و في رواية الحزم في القلب و الرّحمة و الغلظ في الكبد ، و الحياء في الرّية . ثمّ إنّه عليه السّلام بعد التّنبيه على فضل موعظته و الاشارة إلى أسباب قبول الموعظة حثّ على التّقوى أيضا و رغّب فيها لكونها الغرض الأصلي من هذه الخطبة فقال . ( فاتّقوا اللّه ) تقيّة مثل ( تقيّة من سمع ) نداء اللّه ( فخشع ) قلبه للّه ( و اقترف ) الاثم و الشّقاء ( فاعترف ) بالتّقصير و الخطاء ( و وجل ) العقبى ( فعمل ) الحسنى ( و حاذر ) العقوبة ( فبادر ) المثوبة ( و أيقن ) أجله ( فأحسن ) عمله ( و عبّر ) بما فيه اتّعاظ و اعتبار ( فاعتبر ) و حصل له انابة و انزجار ( و حذر ) بالسّخط و النّكال ( فازدجر ) و انزجر عن سوء الأعمال ( و أجاب ) دعوة الدّاع إذا دعاه ( فأناب ) إلى ربّه حين ناداه ( و راجع ) عقله و تفكر ( فتاب ) عمّا فرط و قصر ( و اقتدى ) بالأنبياء و المرسلين ( فاحتذى ) حذ و عباد اللّه المتّقين ( وارى ) الآيات في الآفاق و الأنفس ( فرأى ) الحقيقة بعيان الحس . ( فأسرع ) إلى الخير ( طالبا ) راغبا ( و نجى ) من الشرّ ( هاربا ) راهبا [ 388 ] ( فافاد ذخيرة ) لسلوك سبيل الرّحمن ( و أطاب سريرة ) من الرّجس و دنس الشّيطان ( و عمر معادا ) بصالح الأعمال ( و استظهر زادا ) من التّقى و مكارم الخصال ( ليوم رحيله ) من الدّنيا ( و وجه سبيله ) إلى العقبى ( و حال حاجته ) في الحشر و المعاد ( و مواطن فاقته ) يوم التّاد ( و قدم ) التّقوى ( أمامه ) ليكون عدّة ( لدار ) مقيله و ( مقامه فاتّقوا اللّه ) سبحانه يا ( عباد اللّه ) و اقصدوا ( جهة ما خلقكم له ) من تحصيل العرفان و اليقين و تكميل الاخلاص في الدّين كما قال عزّ من قائل وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاّ ليَعْبُدوُنَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَه الدِّينَ . ( و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه ) بقوله : فَلْيَحْذرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذابٌ أليمٌ و قوله : كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقين ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ . ( و استحقّوا منه ) تعالى ( ما أعدّ ) ه ( لكم ) و هيأه في حقّكم و يشير به بقوله لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصيرٌ بِالْعِبادِ . و استحقاق ذلك إمّا ( بالتّنجزّ لصدق ميعاده ) أي بطلب انجاز وعده الصّادق و التماس وفائه بالجزاء اللائق ، و ذلك الطلب إنّما هو بعد الاقبال بالطاعات و الاجتهاد في إتيان الصّالحات ( و ) إمّا با ( الحذر من هول معاده ) و هو إنّما يكون بالارتداع من الخطيئآت و الازدجار عن السّيئآت ، وفّقنا اللّه سبحانه للاقبال و الابتهال و للانتهار و الانزجار و أنّى لنا بذلك مع ما نحن عليه من الاغترار بالدّنيا و لذّاتها و الافتتان [ 389 ] بشهواتها . كانّا نرى أن لا نشور و أنّنا سدى مالنا بعد الفنآء بصائر ألا لا و لكنّا نغرّ نفوسنا و تشغلنا اللذّات عمّا نحاذر و كيف يلذّ العيش من هو موقن بموقف عدل حين تبلى السرائر الترجمة ايشان بندگانند مخلوق شده از روى قدرت فاعل مختار ، و مملوك از روى قهر و جبر بى‏اختيار ، و قبض كرده شده در حالتى كه محتضرند و مرتحل بدار قرار ، و نهاده شده‏اند در درون قبور و گرديده‏اند اجزاء متفرّقه چون هباء منثور ، و مبعوث شده‏اند در حالتى كه منفردند از أهل و مال ، و جزا داده شده‏اند جزا دادنى بحسب اعمال ، و تميز داده شده‏اند در مقام حساب ربّ الأرباب . بتحقيق كه مهلت داده شده‏اند در دنيا بجهة طلب خروج از ظلمت جهالت و راه نموده شده‏اند براه راست رشادت و معمّر شده‏اند و مهلت داده شده همچو مهلت كسى كه طلب كننده باشد رضا و ازاله ملامت حضرت عزّت را از خود بتوبه و انابت و زايل گردانيده شده است از ايشان ظلمات شك و گمان با بيّنه و برهان ، و واگذاشته شده‏اند در دنيا از براى رياضت دادن نفس أمّاره بواسطه حمل كردن بأسباب تقوى و أثقال طاعت چون رياضت دادن و لاغر نمودن اسبهاى خوب از براى سبقت در ميدان مسابقت . و همچنين واگذاشته شده‏اند از براى تفكّر در طلب حق و از براى تأنّى كردن همچو تأنّي كردن طالب نور الهى بتحصيل سعادت و جوينده آن بكسب كمالات در مدت اجلى كه معين شده است بر ايشان و محل اضطراب مهلتى كه مقدر شده است در حقّ ايشان ، پس أيقوم تعجب نمائيد از اين پندها از حيثيت مثلهاى موصوفه بدرستى و صواب و نصيحتهاى شفا دهنده بأمراض ناداني و جهالت اگر برسد بقلوب متّصفه بجودت و ذكاوت ، و بگوشهاى حفظ كننده نصيحت ، و برأيهاى صاحب عزم و علوّ همت ، و بعقلهاى صاحب حزم و بلند مرتبت . [ 390 ] پس بپرهيزيد از خدا همچو پرهيز نمودن كسى كه شنيد امر خدا را پس فروتنى نمود بخدا و كسب گناه كرد پس اعتراف بتقصير نمود و ترسيد از آخرت پس عمل شايسته نمود و حذر نمود از عقوبت پس بشتافت بسوى طاعت ، و يقين كرد بأجل پس نيكو كرد عمل را و عبرت داده شد پس قبول عبرت نمود و ترسانيده شد از عذاب و سخط پس منزجر شد از معصيت و إجابت نمود دعوت را پس رجوع نمود بزبان معذرت ، و مراجعه نمود به عقل خود پس توبه كرد از خطيئت و اقتدا نمود بأنبياء و مرسلين پس تابع شد بسلف صالحين . و نموده شد به وى آيات قدرت پس معرفت رساند بحقيقت پس سرعت كرد بسوى خير در حالتيكه طالب و راغب بود و نجات يافت از شر در حالتيكه گريزان و هارب بود ، پس كسب نمود ذخيره را از براى سلوك سبيل رحمان ، و پاكيزه نمود باطن خود را از رجس و شرك شيطان ، و معمور نمود معاد خود را بصالح اعمال ، و پشت قوى كرد بتوشه برداشتن از تقوى و محاسن خصال از براى رحلت خود در دنيا و جهت راه خود به عقبى و براى حال احتياج خود و موضع درويشى خود و فرستاد پيش از خود توشه طاعت از براى سراى اقامت . پس بپرهيزيد از خدا اى بندگان خدا ، و قصد نمائيد جهت آنچه را كه خلق نمود شما را از براى آن كه عبارت است از تحصيل معرفت و عبادت با اخلاص نيّت ، و بترسيد از خدا بنهايت آنچه ترسانيد شما را از نفس خود و استحقاق پيدا كنيد از او آنچيزيرا كه مهيا كرده است از براى شما با طلب وفا نمودن مر وعده صادق او را و با حذر نمودن از هول معاد او . و معلوم است كه اين طلب وفا و اين حذر متصوّر نمى‏شود مگر با اقبال بطاعات ، و با ارتداع از سيئات ، اللهمّ وفّقنا بحقّ محمّد سيد السادات . الفصل الخامس جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها ، و أبصارا لتجلو عن عشاها ، و أشلآء [ 391 ] جامعة لأعضائها ، ملائمة لأحنآئها ، في تركيب صورها ، و مدد عمرها ، بأبدان قائمة بأرفاقها ، و قلوب رائدة لأرزاقها ، في مجلّلات نعمه ، و موجبات مننه ، و حواجز عافيته ، و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم ، و خلّف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم ، و مستفسح خناقهم ، أرهقتهم المنايا دون الآمال ، و شذّبهم عنها تخرّم الآجال ، لم يمهّدوا في سلامة الأبدان ، و لم يعتبروا في أنف الأوان ، فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ، و أهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ، و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء مع قرب الزّيال ، و أزوف الإنتقال ، و علز القلق ، و ألم المضض ، و غصص الجرض ، و تلفّت الإستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء ، و الأعزّة و القرناء ، فهل دفعت الأقارب ؟ أو نفعت النّواحب ؟ و قد غودر في محلّة الأموات رهينا ، و في ضيق المضجع وحيدا ، قد هتكت الهوامّ جلدته ، و أبلت النّواهك جدّته ، و عفت العواصف آثاره ، و محى الحدثان معالمه ، و صارت الأجساد شحبة بعد بضّتها ، و العظام نخرة بعد قوّتها ، و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها ، موقنة بغيب أنبائها ، لا تستزاد من صالح عملها ، و لا تستعتب من سيّى‏ء زللها ، أ و لستم أبناء القوم [ 392 ] و الآباء ؟ و إخوانهم و الأقرباء ؟ تحتذون أمثلتهم ، و تركبون قدّتهم و تطاون جادّتهم ، فالقلوب قاسية عن حظّها ، لاهية عن رشدها ، سالكة في غير مضمارها ، كأنّ المعنيّ سواها ، و كأنّ الرّشد في إحراز دنياها . اللغة ( عنيته ) عنيا من باب رمى قصدته و عناه الأمر أهمّه و ( عشى ) عشا من باب تعب ضعف بصره و أبصر نهارا و لم يبصر ليلا فهو أعشا و المرئة عشواء و ( الأشلاء ) جمع الشّلو مثل أحمال و حمل و هو العضو و قال في القاموس الشّلو بالكسر العضو و الجسد من كلّ شي‏ء . و ( الحنو ) بالفتح و الكسر كلّ ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحجاج و اللّحى و الضلع و من غيره كالقف و الحقف و كلّ عود معوج في القتب و الرحل و السّرج و الحنو أيضا الجانب و عن النهاية ملائمة لا حنائها إى معاطفها و ( الرّفق ) النّفع يقال ارتفقت به اى انتفعت و قال في القاموس : الرّفق بالكسر ما استعين به ، و يروى بارماقها بدل بارفاقها و هو جمع الرمق بقيّة الرّوح . و ( مجلّلات النعم ) ما تعم الخلق من جلل الشي‏ء تجليلا أي عم ، و منه السحاب المجلّل و هو الذي يجلّل الأرض بماء المطر أي يعمه و في حديث الكافي و العيون الامام كالشّمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم و ( المستمتع ) اسم مكان من استمتعت بكذا انتفعت به و ( الخلاق ) بالفتح النّصيب و ( المستفسح ) محلّ الفسحة و هى السّعة ( و الخناق ) ككتاب الحبل الذي يخنق به يقال خنقة يخنقه خنيقا ككتف إذا عصر حلقه حتّى يموت فهو خانق و خناق ، و ربّما يطلق الخناق على الحلق يقال اخذه بخناقه و مخنقه أى بحلقه . و ( أرهقت ) الشّي‏ء أدركته و أرهقت الرّجل أمرا يتعدّى إلى مفعولين أعجلته و كلفته حمله و ( الأنف ) بضّمتين أوّل الأمر و ( بضض ) الرّجل بالفتح و الكسر بضاضة [ 393 ] و بضوضة فهو بضّ أى رخص الجسد رقيق الجلد ممتلى و ( الحوانى ) جمع الحانية و هي العلة التي تحنى شطاط 1 الجسد و تمنعه عن الاستقامة و ( الهرم ) محركة أقصى الكبر و ( الغضارة ) طيب العيش و السّعة و النّعمة و ( الاونة ) جمع أوان كأزمنة و زمان و ( العلز ) بالتّحريك خفّة و هلع يصيب المريض و الأسير و المحتضر و رجل علزأى هلع لا ينام و ( المضض ) محرّكة وجع المصيبة ( جرض ) بريقه ابتلعه بالجهد على همّ و حزن و أجرضه اللّه بريقه أغصّه و ( التّلفت ) و الالتفات بمعنى و هو الانصراف يقال التفت إلىّ التفاتا انصرف بوجهه نحوى و التّلفت أكثر منه و ( الحفدة ) الأعوان و الخدم ، و قيل أولاد الأولاد . و النساء ( النّواحب ) اللاّتى يرفعن أصواتهنّ بالبكاء من النّحب و هو شدّة البكاء و يروى النّوادب بدلها و ( غادره ) مغادرة تركه و بقاه و ( هتك ) السّتر و غيره جذبه فقطعه من موضعه و ( الهامة ) من الحيوان ماله سمّ يقتل كالحيّات و الجمع الهوام كدابّة و دواب و ربّما يطلق على ما لا يقتل كالحشرات و ( نهكته ) الحمى نهكا من باب ضرب هزلته و جهدته و أضنته 2 و نهكه السّلطان بالغ في عقوبته و النّاهك و النهيك المبالغ في الأشياء و ( الجدة ) بكسر الجيم مصدر يقال جديجد من باب ضرب يضرب جدة إذا صار جديدا و هو ضدّ البلى و ( عفت ) بالتّخفيف و يروى بالتّشديد و ( شحب ) لونه من باب جمع و نصر و كرم شحوبا و شحوبة تغير من هزال أوجوع أو سفر و ( تستعتب ) بالبناء على المفعول و ( القدّة ) بكسر القاف و الدّال المهملة الطريقة و ( المعني ) بالتّشديد و المعنى و المعناه و المعنية بمعنى واحد . الاعراب لفظة عن في قوله لتجلو عن عشاها إمّا زايدة أو بمعنى بعد كما جوزه الشّارح المعتزلي مستشهدا بقول الشّاعر لعجب حرب وائل عن حيال اى بعد حيال فيكون قد حذف المفعول و التّقدير لتجلو الاذى بعد عشاها ، و الأظهر ما قاله الشارح ----------- ( 1 ) الشطاط كسحاب و كتاب القامة و حسن القوام . ----------- ( 2 ) ضن ضنا من باب رضى مرض مرضا محامرا كلّما ظن ببرئه نكس . [ 394 ] البحراني من أنّ عن ليست بزايدة لأنّ الجلاء يستدعى مجلوا و المجلوّ عنه فذكر المجلوّ و أقامه مقام المجلوّ عنه فكانّه عليه السّلام قال لتجلو عن قواها عشاها ، و في تركيب صورها متعلّق بملائمة ، و قوله : بأبدان متعلّق بجعل و الباء للمصاحبة ، و الباء في بأرفاقها للصّلة و على رواية بأرماقها إمّا للسّببيّة أو للاستعانة . و قوله في مجلّلات نعمه متعلّق بمقدّر حال من فاعل جعل أو من ضمير الخطاب في لكم أى جعل لكم الأسماع حالكونكم في مجلّلات نعمه ، و من مستمتع خلاقهم بيان للعبر ، و دون في قوله دون الآمال بمعنى عند ، و جملة لم يمهدوا في محلّ النّصب على الحال من مفعول أرهقتهم . فهل ينتظراه استفهام انكاريّ توبيخيّ من قبيل قوله سبحانه : أتعبدون ما تنحتون ، و كلمة إلاّ في المواقع الثّلاثة أعنى قوله : إلاّ حوانى الهرم ، و إلاّ نوازل السّقم ، و إلاّ آونة الفناء إن كانت للاستثناء فيتوجه عليه أنّ الاستثناء المفرّغ غير جايز في الكلام الموجب ، و إن كانت بمعنى غير كما يظهر من شرح البحراني ففيه أنّ إلاّ بمعنى غير لا يجوز حذف موصوفها كما يجوز حذف موصوف غير يقال جائنى غير زيد و لا يصحّ أن يقال جائني إلاّ زيد كما صرّح به ابن هشام و غيره ، و بذلك فرّقوا بين إلاّ و كلمة غير . و يمكن توجيهه بأن يقال إنّ إلاّ للاستثناء و إنّ جواز التّفريغ هنا لاستقامة المعنى و حصول الفايدة كما جوّزوه في قولهم قرأت إلاّ يوم كذا معلّلين بأنّه لا يبعد أن يقرء في جميع الأيام إلاّ اليوم المعيّن ، فعلى هذا التّوجيه يكون المراد بالكلام أنّه ينتظر هؤلاء جميع اللذايذ الدّنيويّة و الشّهوات النّفسانية إلاّ حوانى الهرم و نوازل السّقم فافهم . و الباء في قوله بنصرة الحفدة ، متعلّق بالاستغاثة ، و قوله فهل دفعت الأقارب استفهام انكاري إبطالي على حدّ قوله أفأصفيكم ربّكم بالبنين ، و قوله و قدغودر في محلّ النصب على الحال و العامل نفعت ، و كذلك رهينا و وحيدا منتصبان على الحال و العامل غودر ، و هكذا جملة قد هتكت و أبلت و عفت و محى اه ، و قوله : و صارت عطف [ 395 ] على غودر ، و جملة لاتستزاد و لا تستعتب في محلّ النّصب أيضا على الحالية ، و قوله أولستم استفهام تقريريّ . المعنى اعلم أنّ صدر هذا الفصل تذكير لعباد اللّه بضروب نعم اللّه سبحانه و منّته عليهم و تنبيه على الغاية من تلك النّعم ، و ذيله مسوغ لبيان حال السّلف ليعتبر به الخلف فقوله عليه السّلام ( جعل لكم أسماعا لتعى ما عناها و أبصارا لتجلو عن عشاها ) إشارة إلى النّعمتين العظيمتين اللتين أعطاهما اللّه سبحانه لخلقه مع الاشارة إلى ما هو الغرض منهما . فالمقصود أنّه سبحانه خلق لانتفاعكم قوّة سامعة لتحفظ ما أهمّها و قوّة باصرة لتجلو العشا عن الابصار ، فعلى هذا يكون قوله و أبصارا اه من باب الاستخدام حيث اريد بالابصار القوّة و بضمير عشاها الراجع إليه العضو المحسوس المخلوق من الشّحم المركب من السّواد و البياض ، فبتلك القوة حصل له الادراك و الابصار بعد ما لم يكن في نفسه مبصرا مدركا فكانت جلاء عن عشاها . و يوضح ذلك ما رواه في البحار من المناقب لابن شهر آشوب مما أجاب الرّضا عليه السّلام بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي و عمران الصّابي عن مسائلهما قال عمران : العين نور مركبة أم الرّوح تبصر الأشياء من منظرها ؟ قال عليه السّلام : العين شحمة و هو البياض و السّواد و النّظر للرّوح دليله إنك تنظر فيه و ترى صورتك في وسطه و الانسان لا يرى صورته إلاّ في ماء أو مرآة و ما اشبه ذلك . قال ضباع إذا عميت العين كيف صارت الرّوح قائمة و النظر ذاهب ؟ قال عليه السّلام كالشّمس طالعة يغشاها الظلام ، قالا : أين تذهب الرّوح ؟ قال عليه السّلام ، أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدّت الكوة ، قالا : أوضح لنا ذلك ، قال عليه السّلام الرّوح مسكنها في الدّماغ و شعاعها منبثّ في الجسد بمنزلة الشمس دارتها 1 في السّمآء ----------- ( 1 ) قال فى القاموس الدار المحلّ يجمع البناء و العرصة كالدارة و فى المصباح الدارة دارة القمر و غيره سمّيت بذلك لاستدارتها منه . [ 396 ] و شعاعها منبسط على الأرض فاذا غابت الدّارة فلا شمس و إذا قطعت الرّاس 1 فلا روح . فانّ غرض السّائل أنّ المدرك هو العضو أمّ الرّوح تبصر الأشياء و هذا منظره ، فاختار عليه السّلام الثاني و علله بأنّ العضو مثل ساير الأجسام الصقيلة يري فيها الوجه كالماء و المرآة فكما أنّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين و غيرها من المشاعر هذا . و قد اشير إلى منافع السمع و البصر و بعض حكمهما في حديث المفضل المعروف عن الصادق عليه السّلام حيث قال : انظر يا مفضّل إلى هذه الحواس الخمس التي خصّ بها الانسان في خلقه و شرف بها على غيره كيف جعلت العينان في الرّأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهنّ كاليدين و الرّجلين فتعرضها الآفات و يصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعلّلها و يؤثّر فيها و ينقص منها ، و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلّبها و اطلاعها نحو الأشياء . فلمّا لم يكن لها في شي‏ء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ و هو بمنزلة الصّومعة لها ، فجعل الحواسّ خمسا تلقى خمسا لكيلا يفوتها شي‏ء من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان و لم يكن بصر يدركها لم يكن فيها منفعة . و خلق السّمع ليدرك الأصوات فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها لم يكن فيها ارب و كذلك ساير الحواسّ . ثمّ يرجع هذا متكافئا فلو كان بصر و لم يكن الألوان لما كان للبصر معنى ، و لو كان سمع و لم يكن أصوات لم يكن للسّمع موضع فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا فجعل لكلّ حاسة محسوسا يعمل فيه و لكلّ محسوس حاسّة تدركه . ----------- ( 1 ) الرأس مذكر و تأنيث الفعل كانه لاشتماله على الاعضاء الكثيرة ان لم يكن من تحريف النساخ ، بحار . [ 397 ] و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواس و المحسوسات لا يتمّ الحواسّ إلاّ بها كمثل الضياء و الهواء فانّه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون ، و لو لم يكن هواء يؤدّي الصّوت إلى السّمع لم يكن يدرك الصوت فهل يخفى على من صحّ نظره و اعمل فكره انّ مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقى بعضا و تهيئة أشياء اخر بها يتمّ الحواسّ لا يكون إلاّ بعمد و تقدير من لطيف خبير ؟ فكّر يا مفضل فيمن عدم البصر من النّاس و ما يناله من الخلل في اموره فانّه لا يعرف موضع قدمه و لا يبصر ما بين يديه فلا يفرق بين الألوان و بين المنظر الحسن و القبيح فلا يرى حفرة إن هجم عليها و لا عدوّا إن هوى إليه بسيف ، و لا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصّناعات مثل الكتابة و التّجارة و الصّياغة حتّى أنّه لو لا نفاد ذهنه لكان كالحجر الملقى . و كذلك من عدم السّمع يختلّ في امور كثيرة فانّه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذّة الأصوات و اللحون الشّجية المطربة ، و تعظم المؤنة على النّاس في محاورته حتّى تبرّموا به و لا يسمع شيئا من اخبار النّاس و أحاديثهم حتّى يكون كالغايب و هو شاهد و كالميّت و هو حىّ . و قوله ( و أشلاء جامعة لاعضائها ) الظاهر أنّ المراد بالشّلو هنا العضو و ليس كناية عن الجسد كما زعمه البحراني إذا لأبدان مذكورة بعد ذلك فيلزم التكرار مع أنّ ارادة الجسد على تقدير صحّتها لا حاجة فيها إلى الكناية لما قد عرفت من اشتراكه لغة بين الجسد و العضو . فان قلت : إرادة العضو ينافيها قوله عليه السّلام جامعة لأعضائها ، إذ الشي‏ء لا يجمع نفسه . قلت : يمكن توجيهه بما وجّهه الشّارح المعتزلي من جعل المراد بالأشلاء الأعضاء الظاهرة و بالأعضاء الأعضاء الباطنة و لا ريب أنّ الأعضاء الظاهرة تجمع الأعضاء الباطنة ( ملائمة لأحنائها فى تركيب صورها و مدد عمرها ) أي جعل الأعضاء مناسبة [ 398 ] موافقة للجهات و الجوانب التي جعلت فيها ملائمة لها في صورها التركيبيّة . مثلا جعل اليدين في اليمين و اليسار أنسب من كونهما في الرّأس ، و كون العينين في الرّأس أولى من كونهما في الظهر أو البطن و كذلك كون ثقب الأنف في أسفله أنسب و أحسن من كونه في أعلاه ، و كون المثانة و المعدة في أسافل البدن أليق و هكذا و قد مرّ حكمة بعض ذلك في رواية المفضّل و ستعرف البعض في التّبصرة الآتية مضافا إلى الحسن و البهجة و الالتيام و المناسبة المقرّرة في هذه الصّور المجعولة ألا ترى أنّ من لم يكن له حاجب فوق عينه أو سقطت الأشفار من طرف عينه كيف يكون قبيح الصّورة كريه المنظر ، و هكذا ساير الأعضاء ، هذا كلّه لو كان الحنوفي كلامه بمعنى الجانب و الجهة ، و لو جعلناه بمعنى العضو المعوج فيكون المراد أنّه تعالى جعل الأعضاء المستقيمة من البدن ملائمة للأعضاء المعوّجة في صورها المركبة فلا يناسب المستقيمة موضع المعوّجة و لا المعوّجة موضع المستقيمة و لا يصادم حسن الاستقامة للاعوجاج و لا الاعوجاج للاستقامة ، إذ كلّ منهما في موقعهما حسن و أحسن فتبارك اللّه أحسن الخالقين . و أمّا قوله عليه السّلام : و مدد عمرها ، فالظاهر أنّه أراد به أنّ اللّه جعل مدد عمر كلّ من الأعضاء ملائمة للآخر مقارنة له بحيث لا يفنى بعض الأعضاء قبل فناء الآخر فيكون الكلام محمولا على الغالب فافهم . و قوله عليه السّلام ( بأبدان قائمة بأرفاقها و قلوب رائدة لأرزاقها ) أى قائمة بمصالحها و منافعها أو أنّ قوامها باستعانة أرواحها على الرّواية الاخرى السّالفة في بيان اللغة و قلوب طالبة لأرزاقها جالبة لها إليها . و الضمير في أرزاقها يحتمل رجوعه إلى الأبدان و رجوعه إلى نفس القلوب ، و على الأوّل فالمراد بالرّزق الرّزق الجسماني ، و على الثّاني فالمراد به الرزق الرّوحاني أعنى العلوم الحقّة و المعارف الشرعية و العقايد الالهيّة الموجبة للسّعادة في الدّارين ، و المحصلة للعزّة في النّشأتين ، فانّ القلب هو الطالب الجالب لتلك الأرزاق إلى نفسها كما أنّه هو الطالب الجالب للأرزاق إلى البدن و لو بتوسط الآلات البدنيّة . [ 399 ] إذ هو العالم باللّه ، و هو المتقرّب إلى اللّه ، و هو المحصّل لرضوان اللّه ، و هو السّاعي إلى اللّه ، و هو المكاشف بما عند اللّه ، و هو في الحقيقة سلطان مملكة البدن يستخدم الآلات و الجوارح يأمرها و ينهيها و يستعملها استعمال المالك لعبده و السّلطان لرعيّته ، و تحقيق ذلك موقوف على شرح حال القلب و معرفة عجائب صفاته . فأقول : إنّ القلب كما حقّقه الغزالي يطلق على معنيين : أحدهما اللحم الصّنوبري الشّكل المودع فى الجانب الأيسر من الصّدر ، و هو لحم مخصوص و في باطنه تجويف و في ذلك التجويف دم أسود هو منبع الرّوح و معدنه ، و هو بهذا المعنى موجود للانسان و الحيوان و الحىّ و الميّت ، و مرئي بحسّ العيان و يدركه الحيوان بحاسّة البصر كما يدركه الانسان و لا يتعلّق به غرضنا في المقام . الثّاني هو جوهرة لطيفة ربّانيّة نورانيّة روحانيّة لها تعلّق بالقلب الجسماني الذي ذكرناه و هي حقيقة الانسان و بها تمامه و كماله و هو المدرك العالم العارف و هو المخاطب و المطالب ، و له جنود و أعوان و أنصار فمن تلك الجنود ما يرى بالأبصار كالأعضاء الظاهرة من اليد و الرّجل و العين و الاذن و اللسان و نحوها ، و ما لا يرى بالابصار كالحواس الباطنة و الشّهوة و الغضب و نحوها ، فجميعها خادمة للقلب منقادة لحكمه مسخّرة له و قد خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا و لا عليه تمرّدا . فاذا أمر العين بالانفتاح انفتحت و بالانطباق انطبقت و الرّجل بالحركة تحرّكت و بالسّكون امتثلت و اللسان بالكلام تكلّم و بالسّكوت أمسك ، و كذا ساير الأعضاء . و إنّما افتقر إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب و الزّاد لسفره الذي يجب له سلوكه و لأجل مسيره خلق ، و هو السّفر إلى اللّه و قطع المنازل إلى لقائه و مركبه البدن و زاده المعرفة و الأسباب التي توصله إلى الزّاد و تمكّنه من التّزوّد هو العمل الصالح . [ 400 ] فليس يمكن العبد أن يصل إلى اللّه ما لم يسكن البدن و لم يجاوز الدّنيا ، فانّ المنزل الأدنى لا بدّ من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى ، فالدّنيا مزرعة الآخرة و هي منزل من منازل الهدى و إنّما سمّيت الدّنيا لكونها أدنى المنزلتين فاضطرّ إلى أن يتزوّد من هذا العالم . فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهّد البدن و حفظه و إنّما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء و يطلب له ما يناسبه من الرّزق و أن يدفع عنه ما ينافيه و يضارّه من أسباب الهلاك ، فافتقر لأجل جلب الغذا إلى جندين باطن و هو الشّهوة ، و ظاهر و هو الأعضاء الجالبة للغذا من اليد و نحوها . فخلق في القلب من الشّهوات ما كان محتاجا إليه و خلقت الأعضاء لكونها آلة للشّهوة و افتقر لأجل دفع المضارّ و المهلكات أيضا إلى جندين : باطن و هو الغضب الذي به يدفع المهلكات و ينتقم من الأعداء و ظاهر و هو الجوارح التي بها يعمل بمقتضى الغضب من اليد و الرّجل و نحوهما . ثمّ المحتاج إلى الغذا ما لم يعرف الغذا لم يحصل له شهوة الغذاء فافتقر للمعرفة إلى جندين ، باطن و هو إدراك السّمع و البصر و الشّم و اللمس و الذّوق ، و ظاهر و هو العين و الاذن و الأنف و غيرها . فجملة جنود القلب منحصرة في ثلاثة أصناف : صنف باعث و مستحثّ إمّا إلى جلب النّافع الموافق كالشهوة ، و إمّا إلى دفع الضار المنافي كالغضب ، و قد يعبّر عن هذا الباعث بالارادة ، و الصّنف الثّاني هو المحرّك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد و يعبّر عنه بالقدرة و هى مبثوثة في ساير الأعضاء لا سيّما العضلات منها و الأوتار ، و الصّنف الثّالث هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس و هي قوّة البصر و السّمع و الشمّ و الذّوق و اللمس المبثوثة في الأعضاء المعيّنة و قوّة التخيل و التّحفظ و التفكر و نحوها المودعة في تجاويف الدّماغ . و هذه كلّها ممّا قد أنعم اللّه بها على ساير أصناف الحيوان سوى الآدمي إذ [ 401 ] للحيوان أيضا الشّهوة و الغضب و الحواس الظاهرة و الباطنة فكلاهما شريكان فيها و إنّما اختصّ الانسان بما لأجله عظم شرفه و علا قدره و استأهل القرب . و هو راجع إلى علم و إرادة أمّا العلم فهو العلم بالامور الدّنيويّة و الاخرويّة و الحقائق العقلية و هذه امور وراء المحسوسات و لا يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكليّة الضّروريّة من خواص العقل إذ يحكم الانسان بأنّ الشّخص الواحد لا يتصوّر أن يكون في مكانين في حالة واحدة ، و هذا حكم منه على كلّ شخص و معلوم أنّه لم يدرك بالحسّ إلاّ بعض الأشخاص فحكمه على الجميع زايد على ما أدركه الحسّ ، و إذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضّرورى فهو في ساير النّظريّات أظهر . و أمّا الارادة فانّه إذا أدرك بالعقل عاقبة الأمر وجهة المصلحة فيه انبعث من ذاته شوق إلى جهة المصلحة و إلى تعاطي أسبابها و الارادة لها ، و ذلك غير إرادة الشّهوة و إرادة الحيوانات ، بل ربّما يكون على ضدّ الشّهوة . ألا ترى أنّ الشّهوة تنفر عن الفصد و الحجامة ، و العقل يريدها و يطلبها و يبذل لها المال ، و الشّهوة تميل حين المرض إلى لذايذ الأطعمة و العقل يردعها عنها ، و لو خلق اللّه العقل العارف بعواقب الامور و لم يخلق هذا الباعث المحرّك للأعضاء على العمل بمقتضى حكم العقل لكان حكم العقل ضايعا على التّحقيق . فاذا اختصّ قلب الانسان بعلم و ارادة يمتاز بهما من ساير الحيوان ، و من هذه الجملة ظهر أن خاصيّة الانسان العلم و الحكمة ، و للعلم مراتب و درجات لا تحصى من حيث كثرة المعلومات و قلّتها و شرف المعلوم و خسّته ، و من حيث إنّ حصوله قد يكون بالهام ربّانيّ على سبيل المكاشفة كما للأنبياء و الأولياء و قد يكون بطريق الكسب و الاستدلال ، و في الكسب أيضا قد يكون سريع الحصول و قد يكون بطي‏ء الحصول . و في هذا المقام تتباين منازل العلماء و الحكماء و الأولياء و الأنبياء ، فدرجات الترقي غير محصورة إذ معلومات اللّه سبحانه غير متناهية و مراقي هذه الدّرجات [ 402 ] هي منازل السّايرين إلى اللّه و لا حصر لتلك المنازل و إنّما يعرف كلّ سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه و يعرف ما خلفه من المنازل . و أمّا ما بين يديه فلا يحيط به علما كما لا يعرف الجنين حال الطفل ، و لا الطفل حال المميّز و لا المميّز حال المراهق ، و لا المراهق حال العاقل و ما اكتسبه من العلوم النّظرية ، فكذا لا يعرف العاقل ما افتتح اللّه على أوليائه و أنبيائه من مزايا لطفه و رحمته « ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها » و هذه الرّحمة مبذولة بحكم الجود و الكرم من اللّه سبحانه غير مضنون بها على أحد و لكن إنّما تظهر في القلوب المتعرضة لنفحات الرّحمة كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ لرّبكم في أيّام دهركم لنفحات ألا فتعرّضوها ، و التعرّض لها إنّما هو بتطهير القلب و تزكيته من الكدر و الخبث الحاصلين من الأخلاق المذمومة . فظهر بذلك معنى تمام الانسان و كماله و خاصّته التي بها امتاز عن ساير أفراد الحيوان و تحقّق أنّ البدن مركب للقلب ، و القلب محلّ للعلم ، و العلم هو مقصود الانسان و أنّ العلم و المعرفة هو الذي خلق الانسان لأجله كما قال : وَ ما خَلقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ . أى ليعرفون كما ظهر لك معنى رزق البدن و زاد القلب ، و اتّضح أنّ القلب هو الطالب الجالب للرّزق و الزاد لاصلاح المعاش و المعاد . و قوله عليه السّلام ( في مجلّلات نعمه و موجبات مننه ) العطف بمنزلة التّفسير يعنى أنكم متنعّمون بنعمه العامة الشّاملة و آلائه التّامة الكاملة الموجبة لمنّته سبحانه عليكم فالمراد بمجلّلات النّعم ما أنعم بها على جميع الموجودات و المخلوقات بمقتضى رحمته الرّحمانيّة كما قال سبحانه : أعطى كلَّ شي‏ء خلقه ثمَّ هدى . و بموجبات المنن أنّ تلك النّعم موجبة لمنة اللّه سبحانه عليهم فلا بدّ أن يقوم العبد بلوازم الشّكر و الامتنان ، و لا يقابل بالطغيان و الكفران ، و أعظم ما منّ اللّه به على عباده أن هداهم للاسلام و الايمان و أرشدهم إلى سلوك سبيل الجنان و بعث فيهم [ 403 ] رسولا يدلّهم على الهدى و ينجيهم من الرّدى كما قال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلىَ الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ . و قوله ( و حواجز عافيته ) قال الشّارح المعتزلي : أى في عافية تحجز و تمنع عنكم المضار . أقول : و هو مبنىّ على كون الاضافة من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف ، و الأظهر الأقوى أنّ الاضافة لاميّة ، و المراد الموانع التي تمنع العافية عن الزّوال و العدم ، و تكون عائقة عن طريان المضارّ و الآلام و عروض الأوجاع و الأسقام على الأبدان و الأجسام ، و على أىّ تقدير فالمراد بها نعمة الصّحة و السّلامة التي هى من أعظم نعم اللّه سبحانه ، بل هى رأس كلّ نعمة و بها يدرك كلّ لذّة و بهجة . ثمّ قال ( و قدّر لكم أعمارا سترها عنكم ) و هذا أيضا من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على خلقه إذ في إظهار مدّة العمر عليهم مفاسد لا تحصى كما أنّ في إخفائها منافع جاوزت حدّ الاستقصاء كما أشار إليها سادس الأئمة و صادق الامّة أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليهما و على آبائهما و أولادهما الطّبين الطاهرين حيث قال في حديث المفضّل : تامّل الآن يا مفضّل ما ستر عن الانسان علمه من مدّة حياته ، فانّه لو عرف مقدار عمره و كان قصيرا لم يتهنّأ بالعيش مع ترقّب الموت و توقّعه لوقت قد أعرفه ، بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء ، فقد استشعر الفقر و الوجل من فناء ماله و خوف الفقر على أنّ الذي يدخل على الانسان من فناء العمر أعظم ممّا يدخل عليه من فناء المال لأنّ من يقلّ ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك و من أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس . و إن كان طويل العمر ثمّ عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك في اللذات و المعاصي و عمل علي أنّه يبلغ من ذلك شهوته ثمّ يتوب في آخر عمره و هذا مذهب لا يرضاه [ 404 ] اللّه من عباده و لا يقبله ألا ترى لو أنّ عبدا لك عمل على أنّه يسخطك سنة و يرضيك يوما أو شهرا لم تقبل ذلك منه و لم يحلّ عندك محلّ العبد الصالح دون أن يضمر طاعتك و نصحك في كلّ الامور في كلّ الأوقات على تصرّف الحالات . فان قلت : أو ليس قد يقيم الانسان على المعصية حينا ثمّ يتوب قبل توبته ؟ قلنا : إنّ ذلك شي‏ء يكون من الانسان لغلبة الشّهوات له و تركه و تركه مخالفتها من غير أن يقدّره في نفسه و يبنى عليه أمره فيصفح اللّه عنه و يتفضّل عليه بالمغفرة . فأمّا من قدّر أمره على أن يعصى ما بداله ثمّ يتوب آخر ذلك فانّما يحاول خديعا من لا يخادع 1 أن يتسلّف التلذّذ في العاجل و يعد و يمنّى نفسه التّوبة في الآجل و لأنّه لا يفى بما يعد من ذلك ، فانّ النزوع من الترفّه و التلذّذ و معاناة 2 التّوبة و لا سيما عند الكبر و ضعف البدن أمر صعب و لا يؤمن على الانسان مع مدافعة التوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدّنيا غير تائب كما قد يكون على الواحد دين و قد يقدر على قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتّى يحلّ الأجل و قد نفد المال فيبقى الدّين قائما عليه . فكان خير الأشياء للانسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقّب الموت فيترك المعاصي و يؤثر العمل الصّالح . فان قلت : و ما هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته و صار يترقّب الموت في كلّ ساعة يقارف الفواحش و ينتهك المحارم . قلنا : إنّ وجه التّدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فيه ، فان كان الانسان مع ذلك لا يرعوي و لا ينصرف عن المساوى فانّما ذلك من مرحه و من قساوة لا من خطاء في التدبير كما أنّ الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فان كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما أمره و لا ينتهى عمّا ينهاه عنه و لم ينتفع بصفته لم يكن ----------- ( 1 ) اى اللّه سبحانه م . ----------- ( 2 ) اى مشقتها . [ 405 ] الاسائة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه . و لئن كان الانسان مع ترقبه الموت كلّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي فانّه لو وثق بطول البقاء كان أحرى أن يخرج إلى الكباير الفظيعة فترقّب الموت على كلّ حال خير له من الثقة بالبقاء . و إن كان صنف من النّاس ينهون عنه و لا يتّعظون به فقد يتّعظ به صنف آخر منهم و ينزعون عن المعاصي و يؤثرون العمل الصالح و يجودون بالأموال و العقايل النفيسة و الصّدقة على الفقرآء و المساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة ليضيع أولئك حظّهم . و بالجملة فقد وضح ، و اتضح كلّ الوضوح أنّ سترمدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم و أعظم ما منّ اللّه سبحانه به عليهم . و مثله نعمة اخرى هي أيضا من أسبغ الآلاء و أسنى النّعماء من حيث كونها موجبة للتّجافي عن دار الغرور جاذبة إلى دار السّرور باعثة على السّعادة الأبديّة موقعة في العناية السّرمديّة ( و ) هى أنّه سبحانه ( خلف لكم عبرا ) تعتبرون بها و أبقى آثارا تتذكّرون منها ( من آثار الماضين قبلكم ) من الأهلين و الأقربين و الأولين و الآخرين و ممّن كان أطول منكم أعمارا و أشدّ بطشا و أعمر ديارا ( من مستمتع خلاقهم و مستفسح خناقهم ) أى الدّنيا التي كانت محلّ استمتاعهم بخلاقهم و انتفاعهم بحظوظهم و انصبائهم و محلّ الفسحة لأعناقهم من ضيق حبائل الموت و دار امهالهم من انشاب مخالب الفناء و الفوت . فأنتم فيها كالذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوة و أكثر أموالا و أولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم و خضتم كالذي خاضوا 1 أولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا و الآخرة و أولئك هم الخاسرون 2 ( أرهقتهم المنايا دون الآمال و شذّبهم عنها تخرّم الآجال ) اى اخترمتهم أيدي المنون 3 من قرون بعد ----------- ( 1 ) اى كالخوض الذى خاضوه . ----------- ( 2 ) اقتباس من الآية فى سورة التوبة . ----------- ( 3 ) المنون المنية لانها تقطع المدد قال الفراء المنون مؤنثة و تكون واحدا و جمعا . [ 406 ] قرون فحالت بينهم و بين الآمال و فرّقتهم من الأولاد و الأموال : تخرّمهم ريب المنون 1 فلم تكن لتنفعهم جنّاتهم و الحدائق 2 و لا حملتهم حين ولّوا بجمعهم نجائبهم و الصّافنات السّوابق و زاحوا 3 عن الأموال صفرا و خلّفوا ذخايرهم بالرّغم منهم و فارقوا ( لم يمهّدوا في سلامة الأبدان و لم يعتبروا في انف الأوان ) أى لم يهيئوا في حال الصّحة و السّلامة ليوم المعاد و لم يعتبروا في أوّل الأزمنة بالعبر النّافعة بل الكلّ مال عنها و حاد ، فالشّباب للهرم و الصّحة للسّقم و الوجود للعدم بذلك جرى في اللوح القلم . ( فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ، و أهل غضارة الصّحة إلاّ نوازل السّقم ، و أهل مدّة البقآء إلاّ آونة الفنآء ) و العدم استفهام على سبيل الانكار و التّوبيخ عما ينتظر الشّبان النّاعمة الجسد الرّقيقة الجلد غير حوانى الهرم التي تحنى ظهورهم و عما ينتظر أهل النعمة و الصّحة غير نوازل السّقم التي تنزل عليهم و عمّا ينتظر المعمرون بطول أعمارهم غير الفناء و العدم الذى يفنيهم . و إنّما و بخّهم على ذلك لأنّ من كان مصير أمره إلى الهرم و السّقم و الفناء و الزّوال ينبغي أن يأخذ العدة و الذّخيرة لنفسه و ينتظر ما يصير أمره إليه و يراقبه و لا يشتغل بغيره . فهؤلاء لما قصروا هممهم في غير ذلك و أوقعوا أنفسهم في مطارح المهالك ----------- ( 1 ) ريب المنون حدثاته . ----------- ( 2 ) اعلم أنّ هذا البيت و ساير الأبيات التى أنشدناها فى شرح هذا الفصل و هكذا بعض الفقرات التى أوردناها مأخوذة من مناجاة الامام زين العابدين علىّ بن الحسين ( ع ) و ندبته التى رواها أبو عيينة الزهرى ، و انما اقتبسناكل ذلك من كلامه لانّ كلام المعصوم يصدق بعضه بعضا ، و اللّه الهادى الى سواء السبيل منه . ----------- ( 3 ) أى زالوا . [ 407 ] و بّخهم عليه السّلام بذلك و أكّد بقوله ( مع قرب الزيال ) و ازوفه ( و ازوف الانتقال ) و قربه ( و علزا لقلق ) و هلعه ( و ألم المضض ) و وجعه ( و غصص الجرض ) و شجاه ( و تلفت الاستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء و الأعزّة و القرناء ) أراد أنّهم في حال سكرات الموت يلتفتون إلى أهلهم و أولادهم و يقلّبون وجوههم ذات اليمين و ذات الشّمال إلى أحبّتهم و عوّادهم يستغيثونهم و يستنصرونهم فلا يقدرون على النصرة و الاغاثة و يستعينونهم و يستنجدونهم فلا يستطيعون الانجاد و الاعانة : أحاطت به آفاته و همومه و أبلس 1 لما أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارج و ليس له مما يحاذر ناصر و قد حشات خوف المنية نفسه تردّدها دون اللّهاة الحناجر ( فهل دفعت الأقارب أو نفعت النّواحب ) أو انتفع بسلطانه أو ذبّ الموت عنه جنوده و أعوانه . فما صرفت كفّ المنيّة إذ أتت مبادرة تهوى إليه الذّخاير 2 و لا دفعت عنه الحصون التي بنا و حفّ بها أنهارها و الدّساكر 3 و لا قارعت عنه المنيّة خيله و لا طمعت في الذّب عنه العساكر ( و قد غودر في محلّة الأموات رهينا و في ضيق المضجع وحيدا ) و التحق بمن مضى من أسلافه و من وارته الأرض من الافه . و أضحوا رميما في التراب و أقفرت 4 مجالس منهم عطلت و مقاصر 5 ----------- ( 1 ) و الابلاس اليأس من رحمة اللّه و منه سمى ابليس و الابلاس ايضا الانكسار و الحزن و المعاذر جمع المعذرة و جشأت نفسه انهضت و جاشت النفس ارتفعت من حزن أو فزع و اللهات الهنة المطبقة فى أعلى سقف الفم و الحنجرة الحلقوم منه م . ----------- ( 2 ) فاعل صرفت ----------- ( 3 ) الدسكرة القرية و الصومعة و الارض المستوية و بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب و الملاهى و الجمع دساكر ق ----------- ( 4 ) اى خلت ----------- ( 5 ) لعلّه جمع المقصورة هى الدار الواسعة [ 408 ] و حلّوا بدار لا تزاور بينهم و أنّى لسكّان القبور التّزاور فما أن ترى إلاّ جثى 1 قد ثووا بها 2 مسنّمة 3 تسفى عليه الأعاصر 4 ( قد هتكت الهوام جلدته و ابلت النّواهك جدته ) أى قطع هو ام الأرض جلده و صار طعمة للعقارب و الحيّات و الحشرات الموذيات و اخلقت مبالعات الدّهر التي أجهدته و أضننته و هزلته جدته و نضرة شبابه ، فصار خلقا باليا بعد ما كان جديد اغضيضا طريّا بمصائب الدّهر و نوائبه و أوصابه و أتعابه ( و عفت ) الرّياح ( العواصف آثاره و محى ) النوائب و ( الحدثان معالمه ) فلم يبق في وجه الارض منه خبر و لا عن قبره عين و لا أثر ، حيث فقدته العيون و توالت عليه السّنون ( و صارت الأجساد شحبة ) متغيّرة هزلة ( بعد بضّتها ) و نعومتها و امتلائها ( و العظام نخرة ) بالية متفتتة ( بعد قوّتها ) و شدّتها ( و الأرواح مرتهنة ) مقبوضة ( بثقل أعمالها ) و أحمالها كما قال تعالى : كُلُّ امْرِءٍ بِما كَسَبَ رَهينٍ . أى محبوس بعمله حتّى يعامل بما يستحقّه و يجازي بما عمله إن عمل طاعة اثيب و إن عمل معصية عوقب ، و في سورة المدّثر كُلُّ نَفْسٍ بِما كسَبَتْ رَهينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ الْيَمينِ قال الطبرسيّ : أى مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية ، فالرّهن أخذ الشي‏ء بأمر على أن لا يرد إلاّ بالخروج منه فكذلك هؤلاء الضّلال قد اخذوا برهن لافكاك له ، و الكسب هو كلّ ما يجتلب به نفع أو يدفع به ----------- ( 1 ) جمع جثوة اى تربة مجموعة ، لغة ----------- ( 2 ) أى أقاموا ----------- ( 3 ) أى مرتفعة و منه قبر مسنّم ----------- ( 4 ) هى ريح تثير الغبار يرتفع الى السماء كأنه عمود . [ 409 ] ضرر و يدخل فيه الفعل و الا يفعل . ثمّ استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال : إلاّ أصحاب اليمين ، و هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم قال الباقر عليه السّلام : نحن و شيعتنا أصحاب اليمين ، و قوله ( موقنة بغيب أنبائها ) أى متيقّنة بالأخبار الغيبية التي أخبر بها الرّسل و أنبأبها الكتب من أخبار القيامة من البرزخ و البعث و الحساب و الكتاب و الجنّة و النّار و ساير ما كانت غايبة عنه مختفية له حتّى رآها بحسّ العين فحصل له اليقين بعد ما كانت منها في ريب و ظنّ ، كما قال تعالى : وَ إذا قيلَ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ وَ السّاعَةُ لا رَيْبَ فِيْها قُلْتُمْ ما نَدْري مَا السّاعَةُ إنْ نَظُنُّ إلاّ ظَنَّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنينَ . و قال سبحانه حكاية عن الكفّار و المجرمين : قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصلّينَ وَ لَمْ نَك نُطْعِمُ الْمِسْكينَ وَ كُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضينَ وَ كنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدّينِ حَتّى‏ أَتينَا الْيَقينُ . أى كنّا نكذّب يوم الجزاء حتّى جائنا العلم اليقين بأن عاينّاه ، و قال سبحانه في حقّ المتّقين : ألَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقيمُونَ الصَّلوةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، وَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . قال الطبرسي و إنّما خصّهم بالأيقان بالآخرة و إن كان الايمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها و جحدهم ايّاها في نحو ما حكى عنهم في قوله وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حيوتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيى . [ 410 ] فكان في تخصيصهم بذلك مدح عظيم ( لا تستزاد من صالح عملها و لا تستعتب من سيّى‏ء زللها ) أى لا يطلب منها زيادة في العمل الصّالح و لا يطلب منها التّوبة من العمل القبيح كما كان يطلب ذلك منها في الدّنيا و ذلك لأنّ التّكليف و العمل إنّما هو في الدّنيا و الآخرة دار الجزاء لا تكليف فيها كما قال تعالى في سورة الجاثية : فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ . أى لا يخرجون من النّار و لا يطلب منهم الاعتاب و الاعتذار لما قلناه من أنّ التكليف قد زال ، و في سورة الرّوم : فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذين ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ . و كما أنّهم لا يطلب منهم التّوبة و المعذرة فكذلك لا ينفعهم الاعتذار و الانابة كما قال سبحانه : فَإنْ يَصْبِروُا فَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَ إنْ يَسْتَعْتَبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبينَ . أى إن يطلبوا إزالة اللوم و العقوبة و يسألوا رضا اللّه عنهم فليس لهم طريق إلى الاعتاب و لا لهم نجاة من العقاب . بلى أوردته 1 بعد عزّ و منعة موارد سوء ما لهنّ مصادر فلمّا رأى أن لا نجاة و أنّه هو الموت لا ينجيه منه الموازر 2 تندّم لو يغنيه طول ندامة عليه و أبكته الذّنوب الكبائر وَ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْملُ صالِحاً فيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِم بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . ( أ و لستم أبناء القوم ) الذين و صفنا حالهم و شرحنا مالهم ( و الآباء و إخوانهم و الأقرباء ) و أمثالهم . ----------- ( 1 ) أى أوردته الدّنيا ----------- ( 2 ) الموازر : الناصر [ 411 ] فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال 1 دواثر 2 خلت دورهم منهم و أقوت عراصهم و ساقتهم نحو المنايا المقادر و خلّوا عن الدّنيا و ما جمعوا لها و ضمّنهم تحت التراب الحفاير 3 فلكم اليوم بالقوم اعتبار ، و سوف تحلّون مثلهم دار البوار ، فالبدار البدار و الحذار الحذار من الدّنيا و مكايدها و ما نصبت لكم من مصايدها ، و تجلّى لكم من زينتها و استشرف لكم من فتنتها و في دون ما عاينت من فجعاتها إلى رفضها داع و بالزّهد آمر فجدّ و لا تغفل فعيشك زائل و أنت إلى دار المنيّة صائر فهل يحرص عليها لبيب ، أو يسرّ بلذّتها أريب ، و هو على ثقة من فنائها و غير طامع في بقائها ، أم كيف تنام عين من يخشى البيات أو تسكن نفس من يتوقّع الممات أم كيف ( تحتذون أمثلتهم و تركبون قدتهم و تطأون جادّتهم ) تفعلون مثل أفعالهم و تقتفون آثارهم و تسلكون مسالكهم و تقولون : « إنّا وجدنا آبائنا على أمّة و إنّا على آثارهم مقتدون » ( فالقلوب قاسية عن حظّها ) جافية عن إدراك نصيبها الذي ينبغي لها إدراكه ( لاهية عن رشدها ) غافلة عن طلب هدايتها ( سالكة في غير مضمارها ) الذي يلزم عليها سلوكه . يعني أنّ اللاّزم على القلوب تحصيل المعارف اليقينيّة و العقائد الحقّة و التفكّر في آثار الجبروت و القدرة و الاتّعاظ بالحكم و الموعظة الحسنة فهى لقسوتها و جفاوتها بكثرة الذّنوب التي اقترفتها لم يبق لها قابليّة و استعداد لادراك حظّها و نصيبها الذي ذكرناه و غفلت عن الاهتداء بالأنوار الالهية و سلكت في غير جادّة الشريعة ( كأنّ المعنيّ ) و المقصود بالأحكام الشّرعيّة و التّكاليف الالهيّة ( سواها و كأنّ الرّشد ) الّذى امرت به ( في إحراز دنياها ) . ----------- ( 1 ) جمع بالية ----------- ( 2 ) من الدثور و هو الدروس ----------- ( 3 ) لعلّه جمع الحفر و هو القبر [ 412 ] فيا عاقلا راحلا و لبيبا جاهلا و متيقظا غافلا ما هذه الحيرة و السبيل واضح و المشير ناصح ، و الصّواب لائح ، عقلت فاغفلت و أعرفت فأنكرت ، و علمت فامهلت « فاهملت ظ » هذا هو الدّاء الذي عزّ دواؤه ، و المرض الذي لا يرجى شفاؤه ، إلى كم ذا التشاغل بالتّجاير و الأرباح إلى كم ذا التّهوّر بالسّرور و الأفراح ، و حتّام التّغرير بالسّلامة في مراكب النّياح ، كيف تتهنّأ بحياتك و هي مطيّتك إلى مماتك أم كيف تسيغ طعامك و أنت منتظر حمامك 1 و لم تتزوّد للرّحيل و قد دنا و أنت على حال و شيكا مسافر 2 تخرّب ما يبقى و تعمر فانيا و لا ذاك موفور و لا ذاك عامر و هل لك إن وافاك حتفك بغتة و لم تكتسب خير لدى اللّه عاذر أ ترضى بأن تفنى الحياة و تنقضي و دينك منقوص و مالك وافر فيا ويح نفسى كم أسوّف توبتي و عمرى فان و الرّدى 3 لي ناظر و كلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قاهر مليك عزيز لا يردّ قضاؤه عليم حكيم نافذ الأمر قادر عنى كلّ ذى عزّ بعزّة وجهه فكلّ عزيز للمهيمن 4 صاغر لقد خشعت و استسلمت و تضاءلت لعزّة ذى العرش الملوك الجبابر فبك إلهنا نستجير يا عليم يا خبير ، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك ، و من نرجو بغفران ذنوبنا سواك ، و أنت المتفضّل المنّان القائم الدّيان العائد علينا بالاحسان بعد الاسائة منّا و العصيان ، يا ذا العزّة و السّلطان و القوّة و البرهان أجرنا من عذابك الأليم و اجعلنا من سكان دار النعيم يا أرحم الراحمين . ----------- ( 1 ) الحمام : الموت ----------- ( 2 ) الوشيك : السريع ----------- ( 3 ) الردى : الهلاك ----------- ( 4 ) المهيمن : القائم على خلقه بأعمالهم و آجالهم و أرزاقهم أو الشاهد و الرقيب و الحافظ و الصاغر الذليل و تضائلت أى صارت ضئيلا أى حقيرا ذليلا ، منه [ 413 ] تبصرة لما كان صدر هذا الفصل متضمّنا للاشارة إلى بعض الحكم و المصالح فيما جعله اللّه سبحانه للانسان من الأعضاء و الجوارح و كان توضيح ذلك موقوفا على التشريح أحببت أن اورد هنا شطرا يسيرا من ذلك مما صدر عن مصدر الولاية إذ تشريح جميع الأعضاء على ما حقّقه الحكماء و الأطبّاء مما يوجب الطول و يخرج عن الغرض و فيما نورده هداية للمسترشد و كفاية للطالب . فأقول : روى في البحار من العلل و الخصال عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن ابن عليّ العدوي عن عباد بن صهيب بن عباد بن صهيب عن أبيه عن جدّه عن الرّبيع صاحب المنصور قال : حضر أبو عبد اللّه عليه السّلام مجلس المنصور يوما و عنده رجل من الهند يقرء كتب الطب فجعل أبو عبد اللّه عليه السّلام ينصت لقرائته ، فلما فرغ الهندي قال له يا أبا عبد اللّه أتريد ممّا معى شيئا ؟ قال عليه السّلام : لا ، فانّ معي ما هو خير ممّا معك قال : و ما هو ؟ قال عليه السّلام : اداوى الحارّ بالبارد و البارد بالحارّ و الرّطب باليابس و اليابس بالرّطب ، و اورد الأمر كلّه إلى اللّه عزّ و جلّ و أستعمل ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : و اعلم أنّ المعدة 1 بيت الداء و الحمية هى الدواء و اعود البدن ما اعتاد ، فقال الهندي : و هل الطبّ إلاّ هذا . فقال الصّادق عليه السّلام : أفتراني من كتب الطبّ أخذت ؟ قال : نعم قال عليه السّلام : لا و اللّه ما أخذت إلاّ عن اللّه سبحانه فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟ قال الهندي : لا بل أنا ، قال الصّادق عليه السّلام : فأسألك شيئا ؟ قال : سل ، قال الصّادق عليه السّلام : أخبرني يا هندي لم كان في الرّأس شئون 2 قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم جعل الشّعر عليه من فوق ؟ قال : لا أعلم . ----------- ( 1 ) المعدة بالكسر و الفتح موضع الطعام . ----------- ( 2 ) الشأن واحد الشئون و هى مواصل قبائل الرأس و ملتقاها و منها يخرج الدموع ، صحاح [ 414 ] قال عليه السّلام : فلم خلت الجبهة من الشّعر ؟ قال : لا أعلم قال عليه السّلام : فلم كان لها التّخطيط و أسارير ؟ 1 قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم كان الحاجبان من فوق العينين ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم جعل العينان كاللوزتين ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم جعل الأنف بينهما ؟ قال : لا أعلم . قال عليه السّلام : فلم كان ثقب الأنف في أسفله ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم جعلت الشّفة و الشّارب من فوق الفم ، قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم أحدّ السن 2 و عرض الضرس و الناب ؟ قال : لا أعلم قال عليه السّلام : فلم جعلت اللحية للرّجال ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم خلت الكفان من الشّعر ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم خلا الظفر و الشعر من الحياة ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم كان القلب كحبّ الصنوبر ؟ قال : لا أعلم . قال عليه السّلام : فلم كانت الرّية قطعتين و جعل حركتها في موضعها ؟ قال : لا أعلم قال عليه السّلام : فلم كانت الكبد حدباء 3 قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم كانت الكلية كحبّ اللّوبيا ؟ قال : لا أعلم ، قال عليه السّلام : فلم جعل طىّ الركبة إلى خلف ؟ قال : لا أعلم ، قال : فلم انحضرت 4 القدم ؟ قال : لا أعلم ، فقال الصّادق عليه السّلام : لكنّي أعلم ، قال : فأجب . فقال الصّادق عليه السّلام : كان في الرّأس شئون لأن المجوّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع فاذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد ، و جعل الشعر من فوقه ليوصل بوصوله 5 الادهان إلى الدماغ و يخرج بأطرافه البخار منه و يرد الحرّ و البرد ----------- ( 1 ) الاسارير خطوط الجبهة جمع الاسرار و هى جمع السرير صحاح . ----------- ( 2 ) المفهوم من الاخبار اختصاص السن بالمقاديم الحداد و الضرس بالمآخير العراض و المفهوم من كلام أهل اللغة ترادفهما . ----------- ( 3 ) حدب الانسان من باب تعب إذا خرج ظهره و ارتفع عن الاستواء فالرجل أحدب و المرئة حدباء فيومى ----------- ( 4 ) رجل محضر القدمين اذا كانت قدمه تمسّ الأرض من مقدمها و عقبها و تحوى أخمصها مع دقة فيه صحاح . ----------- ( 5 ) اى بسبب وصول الشعر الى الدماغ تصل اليه الادهان او هو جمع الوصل الى مثابته و اصوله و لا يبعد ان يكون فى الاصل باصوله فصحف بقرينة مقابلة أطرافه ، بحار . [ 415 ] الواردين عليه و خلت الجبهة من الشّعر لأنها مصبّ النور إلى العينين و جعل فيها التخطيط و الأسارير ليحبس العرق الوارد من الرّأس عن العين قدر ما يميطه 1 الانسان من نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياء . و جعل الحاجبان من فوق العينين ليوردا من النّور عليهما قدر الكفاية ألا ترى يا هندي إنّ من غلبه النّور جعل يده بين عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه ، و جعل الأنف فيما بينهما ليقسم النّور قسمين إلى كلّ عين سواء و كانت العين كاللّوزة ليجرى فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء ، و لو كانت مرّبعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل و ما وصل إليها دواء و لا خرج منها داء . و جعل ثقب الانف في أسفله لينزل منه الأوداء المنحدرة من الدّماغ و يصعد فيها الأراييح 2 إلى المشام و لو كان في أعلاه لما ينزل داء و لا وجد رائحة ، و جعل الشّارب و الشّفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدّماغ عن الفم لئلاّ يتنغّص على الانسان طعامه و شرابه فيميطه 3 عن نفسه و جعلت اللّحية للرّجل ليستغنى بها عن الكشف 4 في المنظر 5 و يعلم بها الذكر و الأنثى . و جعل السنّ حادا لأنّ به يقع العضّ و جعل الضرس عريضا لأنّ به يقع الطحن و المضغ و كان الناب 6 طويلا ليشدّ الأضراس و الأسنان كالاسطوانة ، في البناء ، و خلا الكفّان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس فلو كان بهما شعر مادرى ----------- ( 1 ) اى يزيله و ينحيّه ----------- ( 2 ) جمع أرياح و هو جمع الريح . ----------- ( 3 ) اى يحتاج الى ازالة ما ينزل من الدماغ عند الاكل و الشرب عن نفسه م ----------- ( 4 ) عن كشف العورة ----------- ( 5 ) متعلّق بقوله يستغنى . ----------- ( 6 ) لعلّ وجه كونه سندا من بين ساير الاسنان أنه لطوله يمنع وقوع الاسنان بعضها على بعض في بعض الاحوال كما أنّ الاسطوانة يمنع السقف من السقوط ، بجار [ 416 ] الانسان ما يقابله 1 و يلمسه ، و خلا الشعر و الظفر من الحياة لأنّ طولهما سمج يقبح و قصهما حسن فلو كان فيهما حياة لآلم الانسان لقصّهما . و كان القلب كحبّ الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه رقيقا ليدخل في الرّية فيتروح عنه ببردها لئلا يشيط 2 الدماغ بحرّه ، و جعلت الرّية قطعتين ليدخل مصاعظها 3 فتروح عنه بحركتها ، و كانت الكبد حدباء ليثقل المعدة و تقع جميعه عليها فتعصرها فيخرج ما فيها من البخار . و جعلت الكلية كحبّ اللوبيان لأنّ عليها مصبّ المنى نقطة 4 بعد نقطة فلو كانت مرّبعة أو مدوّرة لاحتبست النقطة الاولى الثانية فلا يلتذّ بخروجها الحىّ إذ المني ينزل من فقار الظهر الى الكلية فهى كالدّودة تنقبض و تنبسط ترميه أوّلا فأوّلا إلى المثانة كالبندقة من القوس . و جعل طىّ الرّكبة إلى خلف لأنّ الانسان يمشى إلى ما بين يديه 5 فتعدل الحركات و لولا ذلك لسقط في المشي ، و جعلت القدم متحضرة لأنّ الشّي‏ء إذا وقع على الأرض جميعه نقل 6 ثقل حجر الرّحى و إذا كان على حرفه دفعه الصّبى ----------- ( 1 ) كأنه كان يعامله فصحف مع أنّ اكثر ما يلمس يكون مقابلا بحار ----------- ( 2 ) أى يحترق منه ----------- ( 3 ) أى بين قطعتى الرية ----------- ( 4 ) استعيرت النقطة هنا للشى‏ء القليل و القطرة بحار ----------- ( 5 ) أى يميل فى المشى الى قدامه و لو كان طى الركبة من القدام لانتهى ايضا من هذا الجانب فيسقط بحار ----------- ( 6 ) و ذلك لامتناع الخلاء لانه اذا لم يكن بين السطحين هواء أصلا لم يمكن رفع احدهما عن الآخر فيرتفعان معا . و لو كان بينهما هواء قليل يرتفع لكن بعسر لتوقفه على تخلل هذا الهواء و دخول الهواء من خارج أيضا فحضر القدم يوجب وجود هواء كثير تحت القدم فاذا رفع القدم يدخل تحت ما لصق بالارض من قدام القدم و عقبه الهواء من الأطراف بسرعة و بسهولة فلا يعسر رفعه ، بحار [ 417 ] و إذا وقع على وجهه صعب ثقله على الرجل . فقال الهندى : من أين لك هذا العلم ؟ فقال عليه السّلام : أخذته عن آبائي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عن ربّ العالمين جلّ جلاله الذي خلق الأجساد و الأرواح ، فقال الهندي : صدقت و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و أنّك أعلم من أهل زمانك . الترجمة گردانيد حق سبحانه و تعالى از براى شما گوشها را تا اينكه حفظ نمايند و نگه بدارند آنچه كه مهمّ باشد ايشانرا و ضرورى ، و آفريد چشمها را تا اينكه روشنى بخشند از شب كورى ، و خلق فرمود اعضاء ظاهره كه جمع كننده اعضاى باطنه بودند در حالتى كه مناسب و موافق بودند با اطراف و جوانب متناهيه خود در تركيب صورتهاى آنها و مدتهاى عمرهاى آنها با بدنهائيكه قائمند بمنافع خود و با قلبهائيكه طالبند مررزقهاى خود را در حالتيكه شما در توى نعمت‏هاى كامله مى باشيد و أسباب منتهاى شامله و موانع صحّت بدن از أمراض و محن . و مقدّر فرمود از براى شما عمرها كه پوشانيد آنها را از شما و باقى گذاشت از براى شما عبرتها از آثار گذشتگان پيش از شما از محل لذت يافتن ايشان با نصيب خودشان و از مكان گشاده بودن ريسمان مرك از گردن ايشان . شتاب نمود ايشانرا مرگها بى‏رسيدن بآرزوها ، و متفرق ساخت ايشانرا از آرزوها بريده شدن أجلها در حالتيكه مهيا نساختند از عمل‏هاى شايسته در سلامتى بدنها ، و عبرت نگرفتند از عبرت‏هاى نافعه در اول زمانها . پس آيا انتظار ميكشند أهل قوت و امتلاء جوانى مگر قد خم كنندهاى پيرى و ناتوانى را ، و أهل خوشى صحت و تن درستى مگر نازل شوندهاى بيمارى را ، و أهل مدت بقا مگر زمانهاى فنا و نابودى را با وجود نزديكى مفارقت و قرب [ 418 ] انتقال بسوى آخرت و با وجود جزع اضطراب و درد مصيبت و بسيار بگلو ماندن آب دهان از اندوه و محنت و با وجود اين طرف و آنطرف نگريستن براى فرياد رس خواستن بيارى دادن اعوان و خويشان و اولاد و عزيزان . پس آيا دفع نمود مرگ را از او خويشان ، يا نفع بخشيد گريه گريه كنندگان و حال آنكه ترك كرده شد در محله مردگان محبوس گناه و در تنگى خوابگاه بى يار و همراه بتحقيق كه پاره نمود حشرات الأرض پوست تن او را و كهنه نمود لاغر كنندگان تازگى بدن او را ، و مندرس نمود بادهاى سخت جهنده اثرهاى او را و محو نمود حوادث روزگار علامتهاى او را ، و بگرديد بدنها متغيّر و لاغر بعد از تازگى و قوّت ، و استخوانها پوسيده و متفرّق بعد از توانائى و شدّت . و روحها گرد كرده شد ببار گران گناهان در حالتيكه يقين كننده باشند باخبار غايبه از ايشان ، طلب نميشود از آنها زياده كردن از اعمال صالحه ، و طلب نميشود از ايشان راضى كردن حق از اعمال باطله ، آيا نيستيد شما پسران قوم خود و پدران ايشان ، و برادران قوم خود و خويشان ايشان ، اندازه ميگيريد در كارها بر مثلهاى آنها ، و سوار مى‏شويد بر طريقه ايشان در اقوال و افعال ، و سلوك ميكنيد در راههاى ايشان بهمه حال . پس قلبها سختند از قبول بهره سودمند خود ، غافلند از طلب هدايت خود سالكند در غير ميدان با منفعت خود ، گويا كه مخاطب و مقصود بأوامر و نواهى غير از آن دلهاست ، و گويا كه رشادت و مصلحت آنها در حفظ متاع دنياست . هذا آخر الجزء الخامس من هذه الطبعة الجديدة الثمينة القيمة ، تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه بيد العبد « السيد ابراهيم الميانجى » عفى عنه و عن والديه و وقع الفراغ فى العشر الاول من شهر رجب الاصب 1379 و يليه ان شاء الله الجزء السادس و اوله : « الفصل السادس » من المختار الثاني و الثمانين ، و الحمد للّه رب العالمين [ 2 ] ج 6 بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الفصل السادس و اعلموا أنّ مجازكم على الصّراط و مزالق دحضه ، و أهاويل زلله ، و تارات أهواله ، فاتّقوا اللّه تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر قلبه 1 و أنصب الخوف بدنه ، و أسهر التهجّد غرار نومه ، و أظماء الرّجاء هواجر يومه ، و ظلف الزّهد شهواته ، و أوجف الذّكر بلسانه ، و قدّم الخوف لأمانه ، و تنكّب المخالج عن وضح السّبيل ، و سلك أقصد المسالك إلى النّهج المطلوب ، و لم تفتله فاتلات الغرور ، و لم تعم عليه مشتبهات الأمور ، ظافرا بفرحة البشرى ، و راحة النّعمى ، في أنعم ----------- ( 1 ) بين هذه القرائن العشر السجع المتوازى . [ 3 ] نومه ، و آمن يومه ، قد عبر معبر العاجلة حميدا ، و قدّم زاد « قدم خ » الآجلة سعيدا ، و بادر من وجل ، و أكمش في مهل ، و رغب في طلب ، و ذهب عن هرب ، و راقب في يومه غده ، و نظر قدما أمامه ، فكفى بالجنّة ثوابا و نوالا 1 ، و كفى بالنّار عقابا و وبالا ، و كفى باللّه منتقما و نصيرا ، و كفى بالكتاب حجيجا و خصيما ، أوصيكم بتقوى اللّه الّذي أعذر بما أنذر ، و احتج بما نهج ، و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا ، و نفث في الآذان نجيّا ، فأضلّ و أردى ، و وعد فمنّى ، و زيّن سيّئات الجرائم ، و هوّن موبقات العظائم ، حتّى إذا استدرج قرينته ، و استغلق رهينته ، أنكر ما زيّن ، و استعظم ما هوّن ، و حذّر ما آمن « أمّن خ » . اللغة ( المزالق ) جمع المزلق و هو الموضع الذي يزلق فيه القدم و لا تثبت و مكان ( دحض ) و يحرّك زلق و ( التّارات ) جمع تارة و هي المرّة و الحين و ( النّصب ) التّعب و ( هجد و تهجّد ) نام و هجد و تهجّد سهروا استيقظ فهو من الأضداد و ( الغرار ) بكسر الغين المعجمة القليل من النّوم و ( الظماء ) العطش و ( الهواجر ) جمع الهاجرة و هو نصف النّهار عند اشتداد الحرّ يقال أتينا أهلنا مهجرين أى سايرين في الهاجرة و ( ظلف ) نفسه عنه يظلفها من باب ضرب منعها من أن تفعله أو تأتيه أو كفّها عنه و ( أوجف ) في سيره أسرع و الوجيف ضرب من سير الابل و الخيل . ( و قدّم الخوف لأمانه ) هكذا في نسختين للمعتزلي و البحراني و في بعض النّسخ لابانه بالباء الموحّدة المشدّدة بعد الهمزة المكسورة و بعد الباء بالنّون ----------- ( 1 ) بين هاتين القرينتين حسن المقابلة . [ 4 ] قال في القاموس ابّان الشي‏ء بالكسر حينه أو أوّله و الأوّل أظهر و أوفق و ( نكب ) عنه من باب نصر و فرح نكيا و نكبا و نكوبا عدل كنكب و تنكّب و نكبه تنكيبا لازم متعدّ و طريق منكوب على غير قصد . و ( المخالج ) المشاغل من خلج يخلج اى شغل و جذب و ( الوضح ) محجّة الطريق و ( فتله ) يفتله من باب ضرب لواه و فتل وجهه عنهم صرف و ( النّعمى ) و النّعيم الخفض و الدّعة و المال كالنّعمة ، و أنعم اللّه صباحك من النّعومة جعله ذار فاهيّة و ( أكمش ) أسرع و ( القدم ) بالضمّ و بضمّتين و القدمة كالقدم محرّكة السّابقة في الأمر و ( نفث ) ينفث من باب نصر و ضرب من النّفث و هو كالنّفخ و منه . النّفّاثات في العقد و نفث الشّيطان في قلبه ألقاه و ( استدرجه ) خدعه و أدناه و قرين الشّيطان و ( قرينته ) التّابع لرأيه . قال الشّارح المعتزلي : القرينة ههنا الانسان الذي قارنه الشّيطان و لفظه لفظ التّأنيث و هو مذكّر أراد القرين و ( غلق ) الرّهن من باب فرح اذا استحقّه المرتهن و ذلك إذا لم يفتكك في الوقت المشروط . الأعراب شهواته منصوب بنزع الخافض ، و أوجف الذّكر في كثير من النّسخ بنصب الذّكر فيكون الباء في قوله بلسانه للاستعانة و في بعض النّسخ بالرّفع فيكون الباء زائدة كان المعنى حرك الذّكر لسانه مسرعا ، و قدم الخوف لأمانه اللاّم للتّليل ، و عن وضح السّبيل متعلّق بالمخالج ، و حميدا و سعيدا حالان من فاعل عبر و زاد ، قوله : و بادر من وجل ، كلمة تعليليّة كما في قوله ممّا خطيئاتهم اغرقوا ، و الباء في قوله بالجنّة و بالنّار و باللّه و بالكتاب زائدة ، و ثوابا و نوالا و عقابا و وبالا منصوبات على التميز ، و منتقما و نصيرا و حجيجا و خصيما منصوبات على الحال . المعنى اعلم أنّ هذا الفصل متضمّن للانذار بالصّراط و التّحذير من أهواله و الأمر [ 5 ] بالتّقوى تأكيدا لأوامره السّابقة فأنذر أوّلا بالصّراط حيث قال ( و اعلموا أنّ مجازكم على الصّراط ) الذي هو جسر جهنّم و عليه ممرّ جميع الخلائق حسبما تعرفه تفصيلا ( و مزالق دحضه و أهاويل زلله ) لكونه أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف كما يأتي في الأخبار الآتية . و في النّبوي قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ثلاث مواطن لا يذكر أحد أحدا : عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل ، و عند تطاير الصّحف حتّى يعلم أيقع كتابه في يمينه أم شماله أم من وراء ظهره ، و عند الصّراط إذا وضع بين ظهر جهنّم حتّى يجوز . قال الشّارح المعتزلى ( و تارات أهواله ) هو كقولك دفعات أهواله و إنّما جعل أهواله تارات لأنّ الأمور الهائلة إذا استمرّت لم يكن في الازعاج و التّرويع كما يكون إذا طرئت تارة و سكنت تارة . ثمّ أمر عليه السّلام بملازمة التّقوى و تحصيله في أقصى مراتب كماله مثل تقوى من كمل في مقام العبوديّة و استجمع صفات الايمان فقال عليه السّلام ( فاتّقوا اللّه عباد اللّه تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر ) في اللّه و في صنعه ( قلبه ) من التّوجّه و الالتفات إلى الدّنيا و أباطيلها ( و أنصب الخوف ) من اللّه و من عذابه ( بدنه ) حتّى صار ناحل الجسم من ذكر النّار و أهاويلها ( و اسهر التّهجّد ) و عبادة اللّيل ( غرار نومه ) فلم تترك له نوما حتّى كان قائم اللّيل ( و أظمأ الرّجاء ) رجاء ما أعدّ لأولياء اللّه ( هواجر يومه ) فأكثر صوما حتّى كان صائم النّهار . و نسبة السّهر إلى الغرار و الظّماء إلى الهواجر من باب التّوسّع و المجاز على حدّ قولهم : قام ليله و صام نهاره ، فاقيم الظرف مقام المظروف أي أسهره التّهجّد من غرار نومه و أظمأه الرّجاء في هواجر يومه . روى في الوسائل عن سهل بن سعد قال : جاء جبرئيل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال : يا محمّد عش ما شئت فانّك ميّت ، و احبب ما شئت فانّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فانّك تجزى به ، و اعلم أنّ شرف الرّجل قيامه باللّيل ، و عزّه استغناؤه عن النّاس . و فيه أيضا عن المفيد في المقنعة قال : روى أنّ صلاة اللّيل تدرّ الرّزق [ 6 ] و تحسّن الوجه و ترضى الرّبّ و تنفي السّيئات . قال : و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قام العبد من لذيذ مضجعه و النّعاس في عينيه ليرضى ربّه بصلاة ليله باهى اللّه به الملائكة و قال تعالى : اشهدوا أنّي قد غفرت له قال : و قال : كذب من زعم أنّه يصلّي باللّيل و يجوع بالنّهار . و قال صلّى اللّه عليه و آله : إنّ البيوت التي تصلّى فيها باللّيل و بتلاوة القرآن تضي‏ء لأهل السّماء كما تضي‏ء نجوم السّماء لأهل الأرض . و فيه أيضا عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال : المال و البنون زينة الحياة الدّنيا ، و ثمان ركعات في آخر اللّيل و الوتر زينة الآخرة ، و يأتى أخبار اخر في هذا المعنى إنشاء اللّه في شرح المختار المأة و الثاني و الثمانين ( و ظلف الزّهد ) في الدّنيا ( شهواته ) و كفّه منها ( و أوجف ) إلى ( الذّكر بلسانه ) و لم يبطى فيه أو أسرع الذّكر لسانه فلم يسكت عنه قال تعالى : وَ اذْكُرْ رَبَّكَ تَضَرُّعاً وَ خيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوَّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلينَ » . ( و قدّم الخوف ) من اللّه ( لأمانه ) أي ليأمن به من عذابه الأليم ( و نكب المخالج عن وضح السّبيل ) أي نحاه الشّواغل و الصّوارف عن صراطه المستقيم ( و سلك أقصد المسالك ) و أعدلها ( إلى النّهج المطلوب ) الذي هو منهج الشّرع القويم ( و لم تفتله فاتلات الغرور ) من الاتيان بالطاعات ( و لم تعم عليه مشتبهات الأمور ) فيقتحم في الهلكات ( ظافرا بفرحة البشرى و راحة النّعمى ) اى مستبشرا بخطاب بشريكم اليوم جنّات تجرى من تحتها الأنهار ، و مستريحا بسعة العيشة و لذّة النّعمة في دار القرار ( في أنعم نومه و آمن يومه ) أى في أطيب راحته و آمن أوقاته و اطلاق اسم النّوم على الرّاحة من باب اطلاق اسم الملزوم على اللاّزم و إلى الأمن و الاستراحة أشير في الآية قال سبحانه : [ 7 ] « إِنَّ الْمُتَّقينَ في جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ أُدْخُلوُها بِسَلامٍ آمِنينَ وَ نَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ لا يَمَسّهُمْ فيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجينَ » أى يقال لهم ادخلوا الجنّات بسلامة من الآفات و برائة من المكاره و المضرّات آمنين من الاخراج منها ساكني النّفس إلى انتفاء الضرر فيها ( قد عبر معبر العاجلة حميدا و قدّم زاد الآجلة سعيدا ) أي جاز مجاز الدّنيا العاجلة حميدا في فعاله ، و قدم الزاد الآخرة سعيدا في أحواله . و المقصود بذلك أنّه زهد في الدّنيا فترك العيش العاجل و رغب في الآخرة فنال الثواب الآجل ( و بادر من وجل و اكمش في مهل ) يعني عليه السّلام بادر إلى الطاعات من أجل الخوف من العقوبة و أسرع إلى العبادات في أيّام الرّفق و المهلة ( و رغب في طلب و ذهب عن هرب ) أى كان طلبه للحقّ وسعيه إليه عن شوق و رغبة ، و ذهابه عن الباطل و بعده عنه عن خوف و رهبة . قال المحقّق الطوسيّ في محكيّ كلامه عن أوصاف الأشراف في تفسير الرّهبة : هو تألّم النّفس من العقاب بسبب ارتكاب المنهيّات و التّقصير في الطاعات كما في أكثر الخلق ، و قد يحصل بمعرفة عظمة الحقّ و مشاهدة هيبته كما في الأنبياء و الأولياء . و فرّق بعض العارفين بين الخوف و الرّهبة فقال : الخوف هو توقّع الوعيد و هو سوط اللّه يقوّم به الشّاردين عن بابه و يسير بهم على صراطه حتّى يستقيم به أمر من كان مغلوبا على رشده ، و من علامته قصر الأمل و طول البكاء ، و الرّهبة هى انصباب إلى وجهة الهرب بل هى الهرب رهب و هرب مثل جبذ و جذب ، فصاحبها يهرب أبدا لتوقّع العقوبة و من علاماتها حركة القلب إلى الانقباض من داخل و هربه و انزعاجه عن انبساطه حتّى أنّه يكاد أن يبلغ الرّهابة في الباطن مع [ 8 ] ظهور الكمد 1 و الكابة على الظاهر انتهى . و الرّهابة كسحابة عظم في الصّدر مشرف على البطن ( و راقب في يومه غده و نظر قدما أمامه ) أى لا حظ في دنياه آخرته فادّخر لها و نظر في سابقة أمره إلى ما بين يديه و لم يلتفت إلى غيره . ثمّ قال عليه السّلام ( فكفى بالجنّة ثوابا و نوالا ) و هو ترغيب إلى السّعى إليها ( و كفى بالنّار عقابا و وبالا ) و هو تنبيه على وجوب الهرب منها ( و كفى باللّه منتقما و نصيرا ) و هو إشارة إلى لزوم قصر الخشية و الاستعانة عليه سبحانه ( و كفى بالكتاب حجيجا و خصيما ) أي كفى كتاب اللّه محاجّا و مخاصما ، و هو إشارة إلى وجوب تعليم القرآن و تعلّمه و إكرامه و حرمة إضاعته و إهانته . قال الشّارح البحراني و نسب الاحتجاج و الخصام إلى الكتاب مجازا . أقول : بل هو حقيقة إذ المستفاد من الأخبار أنّه يؤتى به يوم القيامة في صورة إنسان فيكون بنفسه حجيجا خصيما . فقد روى في الوسائل عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ معنعنا عن سعد الخفاف عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال : يا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق « إلى أن قال » حتّى ينتهى إلى ربّ العزّة فيناديه تبارك و تعالى يا حجّتي في الأرض و كلامي الصّادق النّاطق ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفّع كيف رأيت عبادي ؟ فيقول : يا ربّ منهم من صاننى و حافظ عليّ ، و منهم من ضيّعني و استخفّ بي و كذب بي و أنا حجّتك على جميع خلقك ، فيقول اللّه عزّ و جلّ : و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لاثيبنّ اليوم عليك أحسن الثّواب ، و لأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب الحديث . و باسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : يجي‏ء القرآن يوم القيامة في أحسن منظور إليه صورة « إلى أن قال » حتّى ينتهى إلى ربّ العزّة فيقول : يا رب فلان بن فلان أظمأت هو اجره و أسهرت ليله في دار الدّنيا ، و فلان بن فلان لم ----------- ( 1 ) الكمد تغير اللون و ذهاب صفاته و الحزن الشديد . [ 9 ] اظم هو اجره و لم اسهر ليله ، فيقول تبارك و تعالى : ادخلهم الجنّة على منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن : اقرء و ارقه ، قال عليه السّلام : فيقرء و يرقا حتّى بلغ كلّ رجل منهم منزلته التي هي له فينزلها . و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناه كفاية في المقام و الزّيادة على ذلك تطلب في شرح المأة و الخامسة و السبعين ، و نروى تمام رواية الخفاف السّالفة هناك إنشاء اللّه من أصل كتاب الكلينيّ ثمّ عاد عليه السّلام إلى الحثّ على التّقوى أيضا بقوله ( أوصيكم بتقوى اللّه الذى أعذر بما أنذر ) أى أزال العذر عنه بما أنذركم به من العقوبات ( و احتجّ بما نهج ) أى أقام الحجّة عليكم بما أوضحه لكم من الأدلّة و الآيات ( و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا و نفث في الآذان نجيّا ) أراد به تحذير اللّه سبحانه و تعالى في غير واحدة من آيات كتابه الكريم من عداوة الشيطان اللّعين كما قال في سورة البقرة وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدوٌ مُبينٌ و في سورة يوسف : إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌ مُبينٌ و في سورة يس : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُبينٌ إلى غير ذلك و توصيفه بالنّفوذ في الصّدور و النّفث في الاذان إشارة إلى أنّه ليس مثل ساير الأعداء يرى بالأبصار و يدرك بالعيان ، بل هو عدوّ ينفذ في القلوب و يجري من ابن آدم مجرى الدّم في العروق ، و يلقى في الآذان زخرف القول و غروره ، و يمكن أن يراد بالعدوّ الأعمّ من شيطان الجنّ و الانس فيكون الوصف بالنّفوذ بالنظر إلى شيطان الجنّ ، و الوصف بالنّفث بالنظر إلى شيطان الانس كما قال سبحانه مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ قال المفسّر أى من شرّ ذي الوسواس الذي وسوس في الصّدور ، ثمّ فسّره بقوله [ 10 ] من الجنّة و النّاس كما يقال نعوذ باللّه من شرّ كلّ مارد من الجنّ و الانس ، و على هذا فيكون وسواس الجنّة هو وسواس الشّيطان ، و وسواس الانس إغواء من يغويه من النّاس ، فشيطان الجنّ يوسوس و شيطان الانس يأتي علانية و يرى أنه ينصح و قصده الشرّ و يموّه و يلقى في سمعه زخرف القول الذي يستحسن ظاهره و يقبح باطنه . ( فأضل و أردى و وعد فمنى ) أى أضلّ بنفوذه في الصدور و وسوسته في القلوب عن طريق الهداية و أوقع في أودية الهلاكة أعني هلاكة الآخرة الموجبة لاستحقاق النار و لغضب الجبار و وعدهم بالمواعيد الكاذبة و منّا هم الأمانى الباطلة كما قال سبحانه : « وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَليّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبيناً يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً أولئِكَ مَأْويهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحيصاً » . أي يمنّيهم الأهواء الباطلة و يلقيها في قلب الانسان فيمنّيه طول البقاء و أنّه ينال من الدّنيا مقصوده و يستولى على أعدائه و يوقع في نفسه أنّ الدّنيا دول فربّما تيسّرت لي كما تيسّرت لغيري ، و يشوّش بذلك فكره في استخراج الحيل الدّقيقة و الوسائل اللّطيفة في تحصيل مطالبه الشّهويّة و الغضبيّة ، فيصدّه عن الطاعة و يوقعه في المعصية و تسويف التّوبة . و هذه الأماني إنّما تنشأ من الثّقة بقوله و الوثوق بوعده ، و وعده تارة يكون بالقاء الخواطر الفاسدة و اخرى بألسنة أوليائه من شياطين الانس ، فربّما يعد بالمغفرة مع الكبيرة كما قال تعالى : يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا ، و ربّما يعد أنّه لا قيامة و لا حساب و لا ثواب و لا عقاب و يقول للإنسان اجتهد في استيفاء اللّذات العاجلة و اغتنم الحياة الزّائلة . ( و زيّن سيئات الجرائم و هوّن موبقات العظائم ) أي زيّن في نظر الانسان [ 11 ] قبايح المعاصي و هوّن مهلكات الكبائر و منشأ تزيينه للسّيئات كتهوينه الموبقات أيضا مواعيده الكاذبة و أمانيه الباطلة فما لم يثق بقوله و لا يطمئنّ بوعده لا يهوّن الانسان ما هوّن ، و لا يميل إلى ما زيّن . توضيح ذلك و تحقيقه أنّ مقصود الشّيطان هو التّرغيب في الاعتقاد الباطل و العمل الباطل و التنفير عن اعتقاد الحقّ و عمل الحقّ ، و معلوم أنّ التّرغيب في الشي‏ء لا يمكن إلاّ بان يقرّر عنده أنّه لا مضرّة في فعله ، و مع ذلك فانّه يفيد المنافع العظيمة و التّنفير عن الشي‏ء لا يمكن إلاّ بأن يقرّر عنده أنّه لا فائدة في فعله و مع ذلك فيفيد المضارّ العظيمة . إذا ثبت هذا فنقول إنّ الشّيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بدّ و أن يقرّر أوّلا أنّه لا مضرّة في فعله البتّة ، و ذلك لا يمكن إلاّ إذا قال لا معاد و لا جنّة و لا نار و لا حياة بعد هذه الحياة ، فهذا الطريق يقرّر عنده أنّه لا مضرّة البتّة في فعل هذه المعاصي و إذا فرغ من هذا المقام قرّر عنده و زيّن في نظره أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللّذة و السّرور و لا حياة للانسان إلاّ في هذه الدّنيا فتفويتها غبن و حسرة . و أمّا طريق التّنفير عن الطاعات فهو أن يقرّر أوّلا عنده أنّه لا فايدة فيها من وجهين الاول أنّه لا جنّة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب و الثانى أنّ هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد و لا للمعبود فكانت عبثا محضا ، و إذا فرغ من هذا المقام قال : إنّها توجب التّعب و المحنة و ذلك أعظم المضارّ فهذه مجامع تلبيس إبليس و توضيح و عده و أمانيه و تزيينه و تهوينه . ( حتّى إذا استدرج قرينته و استغلق رهينته ) أي إذا خدع قرينه و تابعه بتزيين الباطل في نظره و تنفيره عن الحقّ و أوقعه في الغلق بالذّنوب التي اكتسبها كالرّهن المغلق في مقابل المال ( أنكر ما زيّن و استعظم ما هوّن و حذّر ما آمن ) كما قال سبحانه في سورة الأنفال : « وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ [ 12 ] النّاس وَ إِنّي جار لَكُمْ فَلَمّا تَرائَتِ الْفِئتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنّي بَريُ‏ء مِنْكُمْ إِنّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنّي أَخاف اللَّهَ وَ اللَّهُ شَديدُ الْعِقابِ » قال الطبرسي : أى اذكر اذ زيّن الشّيطان للمشركين أعمالهم أي أحسنها في نفوسهم و ذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و قال : لا يغلبكم أحد من النّاس لكثرة عددكم و قوّتكم و إنّى مع ذلك جار لكم أي ناصر لكم و دافع عنكم السّوء ، و إنّي عاقد لكم عقد الامان من عدوّكم ، فلمّا التقت الفرقتان نكص على عقبيه ، أي رجع القهقرى منهرما ورائه ، و قال : إنّي بري‏ء منكم ، أي رجعت عمّا ضمنت لكم من الأمان و السّلامة لأنى أرى من الملائكة الذين جاؤوا لنصر المسلمين ما لا ترون ، و كان إبليس يعرف الملائكة و هم كانوا يعرفونه ، إنّي أخاف اللّه ، أي أخاف عذاب اللّه على أيدى من أراهم ، و اللّه شديد العقاب ، لا يطاق عقابه و في سورة الحشر : « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرُ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنّي بَريُ‏ء مِنْكَ إِنّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فيها وَ ذلِكَ جَزآءُ الظّالِمينَ » . أي مثل المنافقين في إغراء اليهود أي بني النّضير للقتال كمثل الشّيطان في إغرائه للانسان ، فانّه أبدا يدعو الانسان إلى الكفر ثمّ يتبرّء منه وقت الحاجة مخافة أن يشاركه في العذاب و يقول : إنّي أخاف اللّه رب العالمين ، و لا ينفعه ذلك كما قال : فكان عاقبتهما أي الدّاعى و المدعوّ من الشّيطان و من أغواه ، أنّهما معذّبان في النّار . قال ابن عبّاس : إنّ المراد بالانسان في هذه الآية هو عابد بني إسرائيل قال : إنه كان في بنى اسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد اللّه زمانا من الدّهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم و يعوّذهم فيبرؤون على يده ، و أنّه أتي بامرأة في شرف قد جنّت و كان لها اخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت ، فلمّا [ 13 ] استبان حملها قتلها و دفنها ، فلمّا فعل ذلك ذهب الشّيطان حتّى لقى أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الرّاهب و أنّه دفنها في مكان كذا . ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول و اللّه لقد أتانى آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم فصار الملك و النّاس ، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالّذي فعل فأمر الملك به فصلب ، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال : أنا الّذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول اخلّصك ممّا أنت فيه ؟ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة ، فقال : كيف أسجد لك و أنا على هذه الحالة ؟ فقال : اكتفي منك بالايماء ، فأومى له بالسّجود فكفر باللّه و قتل الرّجل ، فهو قوله : كمثل الشّيطان إذ قال للانسان اكفر . اللّهم إنّا نعوذ بك من خداع إبليس و من شرور الأنفس و من سوء الخاتمة . تنبيهات ثلاثة متضمنة لتحقيق بعض ما تضمنه هذا الفصل الاول فى تحقيق الصراط و بيانه فأقول : إنّ الصّراط ممّا يجب الايمان به و هو من جملة ضروريّات الدّين و هو جسر جهنّم . قال الصدوق ( ره ) في محكىّ كلامه عن اعتقاداته : اعتقادنا في الصّراط أنه حقّ و أنه جسر جهنّم و أنّ عليه ممرّ جميع الخلق قال اللّه تعالى : « وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ و ارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً » قال ( ره ) : و الصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه فمن عرفهم في الدّنيا و أطاعهم [ 14 ] أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم قال ( ره ) و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعليّ عليه السّلام : يا عليّ إذ كان يوم القيامة أقعد أنا و أنت و جبرئيل على الصراط و لا يجوز على الصراط أحد إلاّ من كان معه برائة بولايتك و قال المفيد « ره » : الصراط بمعنى الطريق و لذلك يقال على ولاية أمير المؤمنين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام : الصراط ، لكونها طريق النجاة . أقول : الصراط بهذين المعنيين مما اشير إليه في غير واحد من الأخبار ، ففي الصافي و البحار من معاني الأخبار و تفسير الامام عليه السّلام في تفسير قوله : « إِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ » . عن الصّادق عليه السّلام يعني أرشدنا للزوم الطريق المؤدِّي إلى محبّتك و المبلّغ إلى جنّتك و المانع من أن نتّبع أهوائنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك . و عنه أيضا هي الطريق إلى معرفة اللّه و هما صراطان صراط في الدّنيا و صراط في الآخرة ، فأمّا الصراط في الدّنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدّنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصّراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، و من لم يعرفه في الدّنيا زلّت قدمه عن الصّراط في الآخرة فتردى في نار جهنّم ، و في رواية نحن الصّراط المستقيم . و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي عن حفص بن غياث قال : وصف أبو عبد اللّه عليه السّلام الصّراط فقال : ألف سنة صعود و ألف سنة هبوط و ألف سنة حذال . و فيه عن سعد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سألته عن الصّراط فقال : هو أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف ، فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق ، و منهم من يمرّ عليه مثل الفرس ، و منهم من يمرّ عليه ماشيا ، و منهم من يمرّ عليه حبوا 1 ، و منهم من يمرّ عليه متعلّقا فتأخذ النّار بعضه و تترك بعضه . و فيه قال : حدّثني أبي عن عمر بن عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لمّا نزلت هذه الآية : ----------- ( 1 ) حبا الصبى يحبو إذا مشى على أربع ، منه . [ 15 ] « و جي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّم يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ » . سئل عن رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم : أخبرني الرّوح الأمين أنّ اللّه لا إله غيره إذا برز الخلائق و جمع الأوّلين و الآخرين أتى بجهنّم تقاد بألف زمام أخذ بكلّ زمام مأة ألف ملك تقودها من الغلاظ الشّداد لها هدّة و غضب و زفير و شهيق و أنّها لتزفر الزّفرة فلو لا أنّ اللّه أخّرهم للحساب لأهلكت الجميع ، ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البرّ و الفاجر ما خلق اللّه عبدا من عباد اللّه ملكا و لا نبيّا إلاّ ينادي ربّ نفسي نفسي و أنت يا نبي اللّه تنادي أمّتي أمّتي ، ثمّ يوضع عليها الصراط أدقّ من حدّ السّيف عليها ثلاث قناطر فأمّا واحدة فعليها الأمانة و الرّحم ، و الثّانية فعليها الصّلاة ، و الثالثة فعليها ربّ العالمين‏لا إله غيره فيكلّفون بالعمرّ عليها فيحبسهم الرّحم و الأمانة فان نجوا منها حبستهم الصّلاة فان نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين 1 و هو قوله : « إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » . و النّاس على الصراط فمتعلّق بيد و تزلّ قدم و تستمسك بالقدم و الملائكة حولها ينادون حولها يا حليم اعف و اصفح و عد بفضلك و سلّم سلّم و النّاس يتهافتون في النّار كالفراش فيها فاذا نجى ناج برحمة اللّه مرّ بها فقال : الحمد للّه و بنعمته تتمّ الصّالحات و تزكو الحسنات و الحمد للّه الّذي نجاني منك بعد اياس بمنّه و فضله إنّ ----------- ( 1 ) يعنى عدالة ربّ العالمين قال المحدّث المجلسى فى كتاب حق اليقين بعد رواية هذا الحديث : يمكن أن يكون الامانة في الاموال و العدل فى المظالم الآخر ، أو يكون الامانة فى حق اللّه و العدل فى حق الناس ، و لا يبعد أن يكون المراد بالرّحم رحم آل محمد و بالامانة عدم الخيانة في عهدهم و بيعتهم ، و لذلك قدّمت على الصلاة ، ثمّ قال : و لم يذكر عقبة الولاية فى هذه الرواية و هى من أعظم العقبات و يمكن أن يقال انّ هذه العقبات بالنسبة الى المؤمنين و أما المشركون و المنافقون فيكون جهنم في أول الصراط أو يدخلونها قبل الصراط ، انتهى كلامه رفع مقامه . [ 16 ] ربّنا لغفور شكور . و في غاية المرام للسيّد هاشم البحراني من طريق العامة عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعر النّيران السّبع و أمر رضوان أن يزخرف الجنان الثّمان و يقول : يا ميكائيل مدّ الصّراط على متن جهنّم و يقول : يا جبرائيل انصب ميزان العدل تحت العرش و ينادى يا محمّد : قرّب امّتك للحساب . ثمّ يأمر اللّه تعالى أن يعقد على الصّراط سبع قناطر طول كلّ قنطرة سبع عشر ألف فرسخ ، و على كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام فيسألون هذه الامّة نسائهم و رجالهم على القنطرة الأولى عن ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و حبّ أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف و من لم يحبّ أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله سقط على أمّ رأسه على قعر جهنّم و لو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا . و على القنطرة الثّانية فيسألون عن الصّلاة ، و على الثّالثة يسألون عن الزكاة ، و على الرّابعة عن الصيام ، و على الخامسة عن الحجّ ، و على السّادسة عن الجهاد ، و على السّابعة عن العدل فمن أتى بشي‏ء من ذلك جاز على الصّراط كالبرق الخاطف و من لم يأت عذّب و ذلك قوله تعالى « وقفوهم انّهم مسئولون » يعنى معاشر الملائكة قفوهم يعنى العباد على القنطرة الأولى انّهم مسئولون عن ولاية عليّ عليه السّلام و حبّ أهل البيت عليهم السّلام . و في البحار من تفسير الامام عليه السّلام المفسر باسناده إلى أبي محمّد العسكري عليه السّلام في قوله : « إِهْدِنا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ » . قال : أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا ، و الصّراط المستقيم هو صراطان : صراط في الدّنيا ، و صراط في الآخرة فأمّا الصّراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ و ارتفع عن التقصير و استقام فلم يعدل [ 17 ] إلى شي‏ء من الباطل و أمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنّة إلى النّار و لا إلى غير النّار سوى الجنّة . الثانى فى تحقيق الذكر و المستفاد من قوله عليه السّلام : و اوجف الذكر بلسانه الحث و الترغيب عليه فأقول إنّ ذكر اللّه عزّ و جلّ على أقسام الاول أن يذكره تعالى عند إرادة المعصية الّتي يريد ارتكابها فيتركها له الثانى ذكره عند الطاعة فيسهل عليه مشقّة العبادة الثالث ذكره عند الرّفاهية و النّعمة فيذكره و يؤدّي شكره الرابع ذكره عند الابتلاء و المحنة فيتضرّع له لصرف البلاء و الصّبر عليه الخامس ذكره بالقلب بأن يتفكّر في صفاته الجلالية و نعوته الجماليّة و غيرها من العلوم و معارف الحقّة السادس الذكر باللّسان بأن يسبّح له و يقدّسه و يمجّده و يشتغل بذكر فضائل أهل البيت و تعليم القرآن و تدريس العلوم الشّرعيّة و أنحائها . و كلّ ذلك ممّا ورد الحثّ عليه في الأخبار و الآيات قال سبحانه : « في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فيها بالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالُ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةُ وَ لا بَيْعُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلوةِ وَ إِيتاءِ الزَّكوةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ » . و قال أيضا : « فَاذْكُرُوني أَذْكُركُمْ وَ اشْكُرُوا لي وَ لا تَكْفُروُنِ » و قال : « وَ اذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَولِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافلينَ » . [ 18 ] قال الطبرسيّ ( ره ) هو عام في الأذكار و قرائة القرآن و الدّعاء و التّسبيح و التهليل و تضرّعا و خيفة أي متضرّعا و خايفا ، و دون الجهر من القول ، أى و متكلّما كلاما دون الجهر ، لأنّ الاخفاء أدخل في الاخلاص و أبعد من الرّيا و أقرب إلى القبول و في الكافي و عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : مكتوب في التّوراة الّتي لم تغير أن موسى سأل ربّه فقال : يا ربّ أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ؟ فأوحى اللّه إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى : فمن في سترك يوم لا ستر إلاّ سترك ؟ فقال تعالى : الّذين يذكروني فأذكرهم و يتحابّون لي فاحبّهم فاولئك الّذين إذا أردت أن اصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم . و في عدّة الدّاعي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما جلس قوم يذكرون اللّه إلاّ قعد معهم عدّة من الملائكة . و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكرو اللّه و لم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة ، ثمّ قال : قال أبو جعفر عليه السّلام إنّ ذكرنا من ذكر اللّه و ذكر عدوّنا من ذكر الشّيطان . و روى الحسن بن الحسن الدّيلمي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّ الملائكة يمرّون على حلق الذّكر فيقومون على رؤوسهم و يبكون لبكائهم و يؤمّنون لدعائهم ، فاذا صعدوا إلى السّماء يقول اللّه تعالى : يا ملائكتي أين كنتم ؟ و هو أعلم ، فيقولون : يا ربّنا إنّا حضرنا مجلسا من مجالس الذكر فرأينا أقواما يسبّحونك و يمجّدونك و يقدّسونك و يخافون نارك ، فيقول اللّه سبحانه : يا ملائكتي أذودها عنهم و اشهدكم أنّي قد غفرت لهم و أمنتهم ممّا يخافون ، فيقولون : ربّنا إنّ فيهم فلانا و إنّه لم يذكرك فيقول تعالى : قد غفرت له بمجالسته لهم ، الحديث . و عنه أيضا من ذكر اللّه في السّوق مخلصا عند غفلة النّاس و شغلهم كتب اللّه له ألف حسنة و يغفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر . و في عدّة الدّاعي عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ موسى عليه السّلام انطلق ينظر إلى اعمال [ 19 ] العبّاد فأتى رجلا من أعبد النّاس فلمّا أمسى حرّك الرّجل شجرة إلى جنبه فاذا فيه رمّانتان قال فقال : يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه ما أجد في هذه الشّجرة إلاّ رمّانة واحدة و لو لا أنّك عبد صالح ما وجدت رمّانتين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران . قال : فلمّا أصبح قال تعلم أحدا أعبد منك ؟ قال : نعم فلان الفلاني ، قال : فانطلق إليه فاذا هو أعبد منه كثيرا فلمّا أمسى أوتي برغيفين و ماء فقال : يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه و ما اوتى إلاّ برغيف واحد و لو لا أنّك عبد صالح ما اوتيت برغيفين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران . ثمّ قال موسى : هل تعلم أحدا أعبد منك ؟ قال : نعم فلان الحداد في مدينة كذا و كذا ، قال : فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة بل إنّما هو ذاكر للّه تعالى و إذا دخل وقت الصّلاة قام فصلّى فلمّا أمسى نظر إلى غلّته فوجدها قد اضعفت قال يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه غلّتي قرب بعضها من بعض و اللّيلة قد اضعفت فمن أنت ؟ قال : أنا رجل أسكن في أرض موسى بن عمران . قال : فأخذ ثلث غلّته فتصدّق بها ، و ثلثا أعطى مولى له ، و ثلثا اشترى له طعاما فأكل هو و موسى ، قال : فتبسّم موسى عليه السّلام فقال : من أىّ شي‏ء تبسّمت ؟ قال : دلّني نبيّ بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق فدلّني على فلان فوجدته أعبد منه فدلّني فلان عليك و زعم أنّك أعبد منه و لست أراك شبه القوم . قال : أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكر اللّه تعالى أ و ليس تراني اصلّى الصّلاة لوقتها و إن أقبلت إلى الصّلاة أضررت بغلّة مولاى و أضررت بعمل النّاس أتريد أن تأتى بلادك ؟ قال : نعم . قال فمرّت به سحابة فقال الحدّاد : يا سحابة تعالى ، قال : فجائت ، قال : اين تريدين ؟ فقالت : اريد كذا و كذا ، قال : انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال : يا سحابة تعالى فجائت فقال : اين تريدين ؟ فقالت اريد ارض كذا و كذا ، قال : انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال : يا سحابة تعالى فجائته فقال اين تريدين ؟ قالت أريد أرض موسى بن [ 20 ] عمران قال : تعالى و احملي هذا حمل دقيق وضعيه في أرض موسى بن عمران وضعا دقيقا . قال فلمّا بلغ موسى عليه السّلام بلاده قال : يا ربّ بما بلّغت هذا ما أرى ؟ قال تعالى : إنّ عبدي هذا يصبر على بلائي و يرضى بقضائي ، و يشكر على نعمائي . و في البحار من تفسير الامام عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : الا فاذكروا يا امّة محمّد محمّدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم لينصرنّ اللّه بهم ملائكتكم على الشّياطين الّذين يقصدونكم ، فانّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته و ملك عن يساره يكتب سيئاته ، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه . فاذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه و قال : لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم و صلّى اللّه على محمّد و آله حبس الشّيطانان ثمّ صارا إلى إبليس فشكواه و قالا له : قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة و لا يزال يمدّهما حتّى يمدّهما بألف مارد فيأتونه فكلّما راموه ذكر اللّه و صلّى على محمّد و آله الطّيّبين لم يجدوا عليه طريقا و لا منفذا . قالوا لابليس ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه فتغويه فيقصده إبليس بجنوده ، فيقول اللّه تبارك و تعالى للملائكة : هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا ، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه ، فيقاتلوه بازاء كلّ شيطان رجيم منهم مأة ألف ملك و هم على افراس من نار بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار و قسىّ و نشاشيب 1 و سكاكين و أسلحتهم من نار . فلا يزالون يجرحونهم و يقتلونهم بها و يأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول : يا ربّ وعدك وعدك قد أجّلتني إلى يوم الوقت المعلوم ، فيقول اللّه تبارك و تعالى للملائكة : وعدته أن لا اميته و لم أعده أن لا اسلّط عليه السّلاح و العذاب و الآلام اشتقوا منه ضربا بأسلحتكم فانّي لا اميته فيسخنونه بالجراحات ثمّ يدعونه ، فلا يزال سخين العين 2 على نفسه و أولاده المقتولين ----------- ( 1 ) جمع النشائب بالضم و التشديد و هو النبل ----------- ( 2 ) اى باكى العين . [ 21 ] المقتّلين 1 و لا يندمل شي‏ء من جراحاته ، إلاّ بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فان بقى هذا المؤمن على طاعة اللّه و ذكره و الصّلاة على محمّد و آله بقى إبليس على تلك الجراحات ، فان زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة اللّه عزّ و جلّ و معاصيه اندملت جراحات إبليس ثمّ قوى على ذلك العبد حتّى يلجمه و يسرج على ظهره و يركبه ثمّ ينزل عنه و يركب ظهره شيطانا من شياطينه و يقول لأصحابه أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذلّ و انقاد لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه و ألم جراحاته فداوموا على طاعة اللّه و ذكره و الصّلاة على محمّد و آله ، و إن زلتم عن ذلك كنتم اسراء إبليس فيركب أقفيتكم 2 بعض مردته هذا ، و اللّه المستعان و به الاعتصام في النّجاة من مكايد الشّيطان . الثالث فى تحقيق معنى الرجاء و الخوف على فى ما شرح البحرانى اخذا من احياء العلوم لابى حامد الغزالى بتغيير و تصرف يسير فاعلم أنّ الرّجاء من جملة مقامات السالكين و حالات الطالبين ، و هو ارتياح النّفس لانتظار ما هو محبوب عندها فهو حالة لها تصدر عن علم و تقتضي عملا بيان ذلك أنّ ما يتصوّره النّفس من محبوب أو مكروه فامّا أن يكون موجودا في الماضي أو في الحال أو يوجد في الاستقبال ، و الأوّل يسمّى ذكرا و تذكيرا ، و الثّاني يسمّى وجدا لأنّها حالة تجدها من نفسك ، و الثّالث و هو أن يغلب على ظنّك وجود شي‏ء في الاستقبال لنفسك به تعلق يسمّى ذلك انتظارا ----------- ( 1 ) المقتلين من باب الافعال اى المعرضين للقتل أو التفعيل لبيان كثرة مقتولهم قال الجوهرى اقتلت فلانا عرضته للقتل و قتلوا تقتيلا شد للكثرة ( بحار ) ----------- ( 2 ) جمع قفا ( منه ) . [ 22 ] و توقّعا ، فان كان مكروها حدث منه في القلب تألم يسمّى خوفا و اشتفاقا ، و إن كان محبوبا حصل من انتظاره و تعلّق القلب به لذّة للنفس و ارتياح باخطار وجوده بالبال يسمّى ذلك الاتياح رجاء . و لكن ذلك المحبوب المتوقّع لا بدّ و أن يكون له سبب ، فان كان توقّعه لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم الرجاء عليه صادق ، و إن كان انتظاره مع العلم بانتفاء أسبابه فاطلاق اسم الغرور و الحمق عليه أصدق من اسم الرجاء ، و إن كانت الأسباب غير معلومة الوجود و لا معلومة العدم فاسم التمنّى أصدق على انتظاره . إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أرباب القلوب و العرفان قد علموا أنّ الدّنيا مزرعة الآخرة ، فالقلب كالأرض و البذر هو الايمان و المعارف الألهيّة و تأثر القلب بالمواعظ و النّصايح و الأتيان بالطّاعات جار مجرى تقليب الأرض و اصلاحها و مجرى سياق الماء إليها و اعدادها للزراعة . و القلب المستغرق بحبّ الدّنيا و الميل إليها كالأرض الصلبة أو السبخة التي لا تقبل الزّرع و الانبات و لا ينمو فيها البذر لصلب الأرض أو لمخالطة الأجزاء الملحية ، و يوم القيامة يوم الحصاد و لا حصاد إلاّ من زرع ، و لا زرع إلاّ من بذر و كما لا ينفع الزّرع في أرض صلبه سبخة كذلك لا ينفع إيمان مع حبّ القلب و قساوته و سوء الأخلاق . فينبغي أن يقاس رجاء العبد لمغفرة اللَّه و رضوانه برجاء صاحب الزّرع و كما أنّ من طلب أرضا طيّبة و قلّبها و القى فيها بذراً جيّدا غير متعفّن و لا مسوس ثمّ أمدّه بالماء العذب و ساير ما يحتاج إليه في أوقاته ، ثمّ طهّره عن مخالطة ما يمنع نباته من الشّوك و الحشيش و نحوهما ، ثمّ جلس منتظراً من فضل اللَّه رفع الصواعق و الآفات المفسدة إلى أن يتمّ الزّرع و يبلغ غايته كان ذلك رجاء في موضعه و استحقّ اسم الرجاء إذا كان في مظنّة أن يفوز بمقصده من ذلك الزّرع . و من بذر في أرض كذلك إلاّ أنّه بذر في اخريات النّاس و لم يبادر إليه في [ 23 ] أوّل الأوقات أو قصر في بعض أسبابه مع حصول غالب الأسباب ، ثمّ أخذ ينتظر ثمرة ذلك الزّرع و يرجو اللّه سبحانه في سلامة له فهو من جملة الرّاجين أيضا . و من لم يحصل بذرا أو بذر في أرض سبخة أو صلبة غير قابلة للانبات ، ثمّ أخذ ينتظر الحصاد فذلك الانتظار حمق فكان اسم الرجاء إنّما يصدق على انتظار ما حصل جميع أسبابه أو غالبها الداخلة تحت اختيار العبد و لم يبق إلاّ ما لا يدخل تحت اختياره و هو فضل اللّه تعالى بصرف المضّار و المفسدات . كذلك حال العبد إن بذر المعارف الالهية في قلبه في وقته و هو انف البلوغ و مبدء التكليف و دام على سقيه بماء الطاعات و اجتهد في تطهير نفسه عن شوك الأخلاق الردية التي تمنع نماء العلم و زيادة الايمان و انتظر من فضل اللّه أن يثبته على ذلك إلى زمان وصوله و حصاد عمله فذلك الانتظار هو الرجاء الحقيقي المحمود و هو درجة السّابقين . و إن ألقى بذر الايمان في نفسه لكنه قصر في بعض الأسباب إما بتأخير في البذر أو تسامح في السقي في الجملة ثمّ أخذ ينتظر وقت الحصاد و يتوقع من فضل اللّه تعالى أن يبارك له و يعتمد عليه على أنه الرّزاق ذو القوة المتين فيصدق عليه أنه راج أيضا لحصول اكثر الأسباب . و أما من لم يزرع من قواعد الايمان في قلبه شيئا أو زرع و لم يسقه بماء الطاعة أو لم يطهر نفسه من رزايل الأخلاق و اشتغل بالسّيئآت أو انهمك في الشهوات ثمّ انتظر المغفرة و الفضل من اللّه فانتظاره حمق و غرور . قال سبحانه : « خلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا » و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : الأحمق من اتبع نفسه هواها و تمنّى على اللّه الجنّة ، قال الشّاعر : إذا انت لم تزرع و عاينت حاصدا ندمت على التفريط في زمن البذر فأعظم الحمق و الاغترار التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة [ 24 ] و توقع القرب من اللّه تعالى بغير طاعة ، و انتظار زرع الجنّة ببذر النّار و طلب دار المطيعين بالمعاصي و انتظار الجزاء بغير عمل و التمنّى على اللّه مع الافراط و التجرّي . ترجو النّجاة و لم تسلك مسالكها إنّ السّفينة لا تجري على اليبس الترجمة و بدانيد اى مردمان كه عبور شما بر صراط است و بر محلّهاى لغزش اوست و خوفهاى لغزيدن اوست و هولهاى مكرر اوست ، پس بپرهيزيد از خدا همچو پرهيز نمودن شخصى كه مشغول نمايد تفكر در معارف حقه قلب او را ، و بر تعب اندازد ترس خدا بدن او را ، و بيدار گردانيده باشد عبادت شب خواب اندك او را ، و تشنه ساخته باشد رجاء بخدا روزهاى گرم او را . مانع شده باشد زهد از شهوت آن و سرعت نمايد ذكر بزبان آن ، و مقدم بدارد خوف را بجهة امن از عقوبت ، و كناره‏جوئى كند از چيزهائى كه شاغلست از راه روشن هدايت ، و سلوك نمايد در أعدل راهها بسوى منهج مطلوب كه عبارتست از ثواب و جزاء مرغوب ، و صارف نشود صوارف نخوت و غرور ، و پوشيده نشود بر او مشتبهات امور در حالتى كه فايز است بشادى بشارت و راحت نعمت در آسوده ترين خواب و ايمن‏ترين وقت . بتحقيق كه گذشته باشد از گذرگاه دنيا در حالتى كه پسنديده است و مقدم داشته باشد توشه آخرت را در حالتى كه سعيد است ، و شتافته است بعمل خير از ترس خداوندگار ، و سرعت نموده است بكردار خوب در مهلت روزگار ، و رغبت نموده در طلب خشنودى و رضاى پروردگار ، و در رفته از باطل بجهة خوف از كردگار ، و ملاحظه كرده در دنياى خود آخرت خود را ، و نظر كرده در اول امر خود پيش روى خود را . پس كفايت است بهشت از حيثيت عطا و ثواب ، و كافيست جهنم از حيثيت عذاب و وبال ، و كافيست خداوند در حالتى كه انتقام كشنده است و يارى كننده ، و كافيست كتاب خدا در حالتى كه حجت آرنده است و خصومت كننده . [ 25 ] وصيت ميكنم شما را بپرهيزكارى خدا ، آن خدائى كه عذر را زايل نمود از خود با آنچه كه ترسانيد خلايق را بآن از انواع عقوبات ، و اقامه حجت نمود بر ايشان با آنچه كه روشن نمود از براهين و بينات ، و ترسانيده شما را از دشمنى كه نفوذ كرد و روان شد در سينه‏ها در حالتى كه پنهانست از نظر ، و ديد در گوشها در حالتى كه نجوى كننده است بسر ، پس گمراه كرد تابع خود را و بهلاكت انداخت و وعده كرد مطيع خود را . پس آرزومند نمود و زينت داد بديهاى جرمها را در نظر او ، و آسان كرد مهلكات معصيتها را در نزد او تا آنكه چون خدعه نمود قرين و همنشين خود را و بغلق انداخت و فرو بست رهين خود را انكار كرد آن چيزيرا كه زينت داده بود در نظر او ، و بزرگ شمرد آن چيز را كه آسان كرده بود در نزد او ، و ترسانيد از آن چيزى كه ايمن كرده بود او را از آن . و مقصود از همه اين تحذير است از مكايد شيطان لعين و از تدليسات آن عدوّ مبين كه انسانرا بارتكاب معاصى جرى ميكند و بعد از ارتكاب از او تبرّى مينمايد . بيت غافل مشو كه مركب مردان راه را در سنگلاخ وسوسه پى‏ها بريده‏اند الفصل السابع منها فى صفة خلق الانسان أم هذا الّذي أنشأءه في ظلمات الأرحام و شغف الأستار نطفة دهاقا ، و علقة محاقا ، و جنينا و راضعا ، و وليدا و يافعا ، ثمّ منحه قلبا حافظا ، و لسانا لافظا ، و بصرا لاحظا ، ليفهم معتبرا ، و يقصر مزدجرا حتّى إذا قام اعتداله ، و استوى مثاله ، نفر مستكبرا ، و خبط سادرا ماتحا في غرب هواه ، كادحا سعيا لدنياه ، في لذّات طربه ، و بدوات أربه ، لا يحتسب رزيّة ، و لا يخشع تقيّة ، فمات في فتنته غريرا ، و عاش [ 26 ] فى هفوته يسيرا ، لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا ، دهمته فجعات المنيّة في غبَّر جماحه ، و سنن مراحه ، فظلّ سادرا ، و بات ساهرا ، في غمرات الآلام ، و طوارق الأوجاع و الأسقام ، بين أخ شقيق ، و والد شفيق ، و داعية بالويل جزعا ، و لا دمة للصّدر قلقا ، و المرء في سكرة ملهثة ، و غمرة كارثة ، و أنّة موجعة ، و جذبة مكربة ، و سوقة متعبة ، ثمّ أدرج في أكفانه مبلسا ، و جذب منقادا سلسا ، ثمّ ألقي على الأعواد رجيع و صب ، و نضو سقم ، تحمله حفدة الولدان ، و حشدة الإخوان ، إلى دار غربته ، و منقطع زورته ، حتّى إذا انصرف المشيِّع ، و رجع المتفجّع ، أقعد في حفرته نجيّا لبهتة السّؤال ، و عثرة الإمتحان ، و أعظم ما هنا لك بليَّة نزل الحميم ، و تصلية الجحيم ، و فورات السّعير ، و سورات الزّفير ، لا فترة مريحة ، و لا دعة مزيحة ، و لا قوّة حاجزة ، و لا موتة ناجزة ، و لا سنة مسلية ، بين أطوار الموتات ، و عذاب السّاعات ، إنّا باللّه عائذون . اللغة ( الشّغف ) بضمتين جمع شغاف كسحاب و هو غلاف القلب و ( الدّهاق ) بالدال المهملة من دهق الماء أفرغه إفراغا شديدا ، و في بعض النّسخ دفاقا من دفق الماء دفقا من باب قتل انصب لشدّة و يقال أيضا دفقت الماء أي صببته يتعدّى فهو دافق و مدفوق ، و أنكر الأصمعي استعماله لازما قال : و أمّا قوله تعالى من ماء دافق فهو على اسلوب أهل الحجاز و هو أنّهم يحوّلون المفعول فاعلا إذا كان في موضع نعت و المعنى من ماء مدفوق ، و قال ابن القوطبة ما يوافقه سرّ كاتم أى [ 27 ] مكتوم و عارف اى معروف و عاصم اى معصوم . و ( المحاق ) بضم الميم و الكسر لغة قال الفيومي : محقه محقا من باب نفع نقصه و أذهب منه بركة ، و قيل هو ذهاب الشي‏ء كلّه حتى لا يرى له أثر منه و يمحق اللّه الربا و انمحق الهلال الثلاث ليال في آخر الشّهر لا يكاد يرى لخفائه و الاسم المحاق بالضم و الكسر لغة . و في القاموس المحاق مثلّثة آخر الشهر أو ثلاث ليال من آخره أو أن يستتر القمر فلا يرى غدوة و لا عشية سمّى به لأنه طلع مع الشّمس فمحقته . و غلام ( يافع ) و يفع و يفعة مرتفع و ( السادر ) المتحير و الذى لا يهتمّ و لا يبالي ما صنع و ( الماتح ) الذي يستسق الماء من البئر و هو على رأسها و المايح الذي نزل البئر إذا قلّ ماؤها فيملاء الدلاء فالفرق بين المعنيين كالفرق بين النقطتين و ( الغرب ) الدلو العظيم و ( كدح ) في العمل من باب منع سعى و ( بدا ) بدوا و بدوّا و بداء و بدوءً و بداوة ظهر ، و بداوة الشّي‏ء أول ما يبدو منه ، و بادى الرأى ظاهره ، و بداله في الأمر بدوا و بداءة نشأله فيه رأى و هو ذو بدوات . قال الفيومى و ( الارب ) بفتحتين و الاربة بالكسر و المأربة بفتح الراء و ضمّها الحاجة ، و الجمع المآرب ، و الارب في الأصل مصدر من باب تعب يقال ارب الرّجل إلى الشي‏ء إذا احتاج إليه فهو ارب على فاعل و ( دهمه ) الشي‏ء من باب سمع و منع غشيه و ( غبّر ) الشي‏ء بضم الغين و تشديد الباء بقاياه جمع غابر كركّع و راكع و ( جمح ) الفرس جمحا و جماحا بالكسر اغترّ فارسه و غلبه و جمح الرّجل ركب هواه و ( سنن ) الطريق مثلّثة و بضمّتين نهجه و جهته و ( مرح ) مرحا من باب فرح نشط و تبختر و المراح ككتاب اسم منه . و ( غمرة ) الشي‏ء شدّته و مزدحمه و الجمع غمرات و غمار و ( لهث ) لهثا من باب سمع و لهاثا بالضمّ أخرج لسانه عطشا و تعبا أو اعياء ، و في بعض النسخ و سكرة ملهية بالباء أى مشغلة و ( كرثه ) الغمّ يكرثه من باب نصر اشدّ عليه و بلغ المشقّة و هو كريث الأمر إذا ضعف و جبن و ( أنّ ) المريض انا إذا تأوّه [ 28 ] و ( ابلس ) يئس و تحيّر و منه سمّى إبليس و ناقة ( رجع ) سفر و رجيع سفر قد رجع فيه مرارا و ( الوصب ) محرّكة المرض و الوجع . و ( النضو ) بالكسر المهزول من الابل و غيره و ( السّقم ) كالجبل المرض و ( الحشدة ) جمع حاشد من حشدت القوم من باب قتل و ضرب و حشد القوم يعدي و لا يعدى إذا دعوا فأجابوا مسرعين أو اجتمعو الأمر واحد و حفّوا فى التعاون و ( البهت ) بالفتح الأخذ بغتة و التحيّر و الانقطاع و ( النزل ) بضمتين طعام النزيل الذى يهيؤ له قال سبحانه : هذا نزلهم يوم الدّين . و ( الحميم ) الماء الحارّ و ( تصلية ) النار تسخينها و ( السورة ) الحدّة و الشدّة و ( زفر ) النّار تسمع لتوقّدها صوت و ( الدّعة ) السعة في العيش و السكون و ( الازاحة ) الازالة . الاعراب اختلف الشراح في كلمة أم في قوله أم هذا الذي أنشأه ، ففي شرح المعتزلي أم ههنا إمّا استفهامية على حقيقتها كأنه قال : أعظكم و اذكركم بحال الشيطان و اغوائه أم بحال الانسان منذ ابتداء وجوده إلى حين مماته ، و إمّا أن يكون منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادلا و تاركا لما و عظهم به بل أتلو عليهم نبأ هذا الانسان الذي حاله كذا و كذا . و في شرح البحراني أم للاستفهام و هو استفهام في معرض التقريع للانسان و أمره باعتبار حال نفسه و دلالة خلقته على جزئيات نعم اللّه عليه مع كفرانه لها و كان أم معادلة لهمزة الاستفهام قبلها ، و التقدير أليس فيما أظهره اللّه لكم من عجايب مصنوعاته عبرة أم هذا الانسان و تقلّبه فى أطوار خلقته و حالته الى يوم نشوره . أقول : لا يخفى ما فى ما ذكره من الاغلاق و الابهام بل عدم خلوّه من الفساد ، إذ لم يفهم من كلامه أنّ أم متصلة أم منفصلة ، فانّ قوله : أم للاستفهام مع قوله : و كان أم معادلة لهمزة الاستفهام يفيد كون أم متصلة إلاّ أنه ينافيه قوله هو استفهام في معرض التّقريع لأنّ أم المتّصلة لا بدّ أن تقع بعد همزة التسوية نحو قوله تعالى : [ 29 ] « سَوآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ » أو بعد همزة الاستفهام الّتي يطلب بها و بأم التعيين مثل أزيد عندك أم عمرو ، و لا بدّ أن يكون الاستفهام على حقيقة لتكون معادلة لها في افادة الاستفهام كمعادلتها لهمزة التسوية في إفادة التّسوية و لذلك أيضا سمّيت متّصلة لاتصالها بالهمزة حتّى صارتا في إفادة الاستفهام بمنزلة كلمة واحدة ، ألا ترى أنهما جميعا بمعنى أى و ينافيه أيضا قوله و التقدير أليس فيما أظهره آه بظهوره في كون الاستفهام للانكار التوبيخي و إن جعل أم منفصلة فلا يحتاج إلى المعادل الذي ذكره ، فالأولى ما ذكره الشارح المعتزلي و إن كان هو أيضا لا يخلو عن شي‏ء . و التحقيق عندي هو أنّ أم يجوز جعلها متّصلة مسبوقة بهمزة الاستفهام أى ء أذكركم و أعظكم بما ذكرته و شرحته لكم أم اذكركم بهذا الذي حاله كذا و كذا ، و يجوز جعلها منفصلة مسبوقة بالهمزة للاستفهام الانكاري الابطالي ، و التقدير أليس فيما ذكرته تذكرة للمتذكر و تبصرة للمتبصر ، بل في هذا الانسان الذي حاله فلان فيكون من قبيل قوله سبحانه : « أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها » و هذا كلّه مبنىّ على عدم كون الخطبة ملتقطة و أن لا يكون قبل قوله عليه السّلام أم هذا آه ، حذف و إسقاط من السيّد ، و إلاّ فمعرفة حال أم موقوفة على الاطلاع و العثور بتمام الخطبة ، هذا و المنصوبات الاثنان و العشرون أعني نطفة و علقة و جنينا و راضعا و وليدا و يافعا و معتبرا و مزدجرا و مستكبرا و سادرا و ماتحا و كادحا و لا يحسب و لا يخشع و غريرا و ميلسا و منقادا و سلسا و رجيع و صب و نضوسقم و نجيّا ، كلّها أحوال ، و العامل في كلّ حال ما قبله من الأفعال . و سعيا مصدر بغير لفظ عامله من قبيل أفنضرب عنكم الذكر صفحا ، و في لذّات طربه متعلّق بقوله كادحا ، و يحتمل الحاليّة ، و تقيّة مفعول لأجله ، و يسيرا [ 30 ] صفة للظرف المحذوف بقرينة المقام اى زمانا يسيرا ، و جزعا و قلقا منصوبان على المفعول له . المعنى اعلم أنّه لما وعظ المخاطبين بالحكم و المواعظ الحسنة عقّب ذلك و أكّده بذكر حال الانسان و ما أنعم اللّه به عليه من النعم الظاهرة و الباطنة بعد أن لم يكن شيئا مذكورا حتّى أنّه إذا كبر و بلغ أشدّه نفر و استكبر و لم يأت ما امر و لم ينته عما ازدجر ثمّ أدركه الموت في حال عتوّه و غروره فصار في محلّة الأموات رهين أعماله مأخوذا بأفعاله مبتلا بشدايد البرزخ و أهواله كما قال عليه السّلام : ( أم هذا الذي أنشأه ) اللّه سبحانه بقدرته الكاملة و حكمته التامة الجامعة ( في ظلمات الأرحام و شغف الاستار ) العطف كالتفسير ، و المراد بالظلمات هى ما اشيرت إليها في قوله سبحانه « « يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلث » » و هى إمّا ظلمة البطن و الرحم و المشيمة أو الصلب و الرحم و البطن و الأوّل رواه الطبرسيّ عن أبي جعفر عليه السّلام ( نطفة دهاقا ) أى مفرغة إفراغا شديدا ( و علقة محاقا ) أى ناقصة لم تتصوّر بعد بصورة الانسانية في الاتيان بهذه الأوصاف تحقيرا للإنسان كما أومى إليه بالاشارة ( و جنينا و راضعا و وليدا و يافعا ) و هذه الأوصاف الأربعة كسابقيها مسوقة على الترتب الطبيعي المشار إليه بقوله سبحانه : « ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً » فانّه سبحانه قد خلق الانسان أولا عناصر ثمّ مركبات يغذي الانسان ثمّ أخلاطا ثمّ نطفة ثمّ علقه ثمّ مضغة ثمّ عظاما و لحوما كما قال « و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين » . ثمّ إنّه ما دام في الرّحم يسمّى جنينا كما قال : « « و إذ أنتم أجنّة في بطون [ 31 ] امّهاتكم » » و بعد ولادته يكون راضعا يرضع امّه اى يمتصّ ثديها ، ثمّ يكون وليدا أى فطيما فاذا ارتفع قيل يافع . قال في سرّ الأدب في ترتيب أحوال الانسان : هو مادام في الرحم جنين فاذا ولد فوليد : ثمّ مادام يرضع فرضيع ، ثمّ إذا قطع منه اللّبن فهو فطيم ، ثمّ إذ ادبّ و نمى فهو دارج ، فاذا بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسي ، فاذا سقطت رواضعه فهو مشغور ، فاذا نبتت أسنانه بعد السّقوط فهو مثغر 1 ، فاذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو مترعرع و ناشى ، فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع و مراهق ، فاذا احتلم و اجتمعت قوّته فهو حرّ ، و اسمه في جميع هذه الأحول غلام فاذا اخضّر شاربه قيل قد بقل وجهه ، فاذا صارفتاة فهو فتى و شارح ، فاذا اجتمعت لحيته و بلغ غاية شبابه فهو مجتمع ، ثمّ مادام بين الثلاثين و الأربعين فهو شابّ ، ثمّ هو كهل إلى أن يستوفى الستين و قيل إذا جاوز أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين ، فاذا جاوزها فهو شيخ . إذا عرفت ذلك فلنعد إلى شرح قوله عليه السّلام ( ثمّ منحه قلبا حافظا و لسانا لافظا و بصرا لاحظا ) أى أعطاه عقلا و نطقا و نظرا و منحه ذلك و منّ عليه بذلك ( ليفهم معتبرا و يقصر مزدجرا ) أى ليعتبر بحال الماضين و ما نزل بساحة العاصين و ينتهى عما يفضيه إلى أليم النّكال و شديد الوبال ، و ليفهم دلايل الصنع و القدرة و يستدلّ بشواهد الربوبية على وجوب الطاعة و الانتهاء عن المعصية فينزجر عن الخلاف و العصيان و يتخلّص عن الخيبة و الخسران . ( حتّى إذا قام اعتداله ) بالتناسب و الاستقامة و التوسّط بين الحالين في كم أو كيف أى تمّ خلقته و صورته و تناسب أعضاؤه و خلت عن الزّيادة و النّقصان و كمل قواه المحتاج إليها ( و استوى مثاله ) أى اعتدل مقداره و صفته و يقال استوى الرجل إذا بلغ أشدّه أى قوّته و هو ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين ( نفر ) و فرّعن امتثال ----------- ( 1 ) قال المطرزى : ثغر الصبى فهو مثغور سقطت رواضعه ، و اذا نبت بعدا لسقوط فهو مثغر بالتاء ، و الثاء ، و قد اثغر على افتعل ، منه . [ 32 ] الأحكام الشّرعيّة و التّكاليف الالهيّة ( مستكبرا ) و متعنّتا ( و خبط ) أى سلك و سار على غير هداية ( سادرا ) لا يبالى ما صنع ( ما تحافي غرب هواه ) شبّه الهوا بالغرب لأنّ ذي الغرب إنما يستسقى بغرب الماء ليروى غلله و كذلك صاحب الهوى يجلب بهواه ما تشتهيه نفسه و تلتذّ به و تروى به غليل صدره و ذكر المتح ترشيح للتشبيه . و أمّا ما قاله البحراني من أنّه استعار الغرب لهواه الذي يملاء به صحايف أعماله من المآثم كما يملاء ذو الغرب غربه من الماء و رشح تلك الاستعارة بذكر المتح فليس بشي‏ء ، أمّا أوّلا فلأنّ طرفي التشبيه مذكور في كلامه عليه السّلام فكيف يكون استعارة بل هو تشبيه بليغ ، و أمّا ثانيا فلأنّ الهوى الذي يكون سببا لملاه صحايف الأعمال لا ربط له بالغرب الذي يملاء فيه الماء إذ المملوّ بالماء هو الغرب و المملو بالمآثم هو الصحايف لا الهوا نفسه ، و كذلك لا مناسبة بين الاثم و الماء و الوجه ما ذكرناه فافهم جيّبدا . و قوله ( كادحا سعيا لدنياه ) أى كان سعيه و همّته من جميع جهاته مقصورة في دنياه غير مراقب بوجه لآخرته ( في لذّات طربه و بدوات اربه ) أى حاجته التي تبدوله و تظهر و تختلف فيها آرائه و دواعيه ( لا يحتسب رزيّة و لا يخشع تقيّة ) يعني لم يكن يظنّ أن ينزل عليه مصيبة و لم يكن يخشع و يخاف من اللّه لأجل تقيّة و ذلك من فرط اغتراره بالدّنيا و شدّة تماديه في الشّهوات . ( فمات في فتنته ) أى في ضلالته ( غريرا ) و مغرورا ( و عاش في هفوته ) و زلّته زمانا ( يسيرا ) قليلا ( لم يفد عوضا و لم يقض مفترضا ) أى لم يستفد و لم يكتسب من الكمالات و الخيرات عوضا ممّا أنعم اللّه سبحانه به عليه ، و لم يأت شيئا من الطاعات و التكاليف التي فرض اللّه تعالى عليه . ( دهمته فجعات المنيّة في غبّر جماحه و سنن مراحه ) يعني فاجأته دواهى الموت في بقايار كوبه هواه و في طرق نشاطه ( فظلّ سادرا ) متحيّرا ( و بات ساهرا في غمرات الآلام ) [ 33 ] و شدايدها ( و طوارق الأوجاع و الأسقام ) و نوازلها ( بين أخ شقيق ) عطوف ( و والد شفيق ) رؤوف و شقّ الشّي‏ء و شقيقه هو نصفه . و توصيف الأخ بالشّقيق لكونه كالشقّ منه و بمنزلة جزء بدنه و قلبه ( و داعية بالويل جزعا ) من النّساء و الاماء ( و لا دمة للصدر قلقا ) من البنات و الأمُّهات و هذا كلّه تشريح لحال أهل الميّت فانّه ، إذا يئس عنه الطّبيب و ابلى الحبيب فهنا لك خفّ عنه عوّاده و أسلمه أهله و أولاده ، فشقّت جيوبها نساؤه ، و لطمت صدورها اماؤه ، و اعول لفقده جيرانه ، و توجّع لرزيّته إخوانه ، و غضّوا بأيديهم عينيه ، و مدّوا عند خروج نفسه يديه و رجليه . فكم موجع يبكي عليه تفجّعا و مستنجدا صبرا و ما هو صابر و مسترجع داع له اللّه مخلصا يعدّ و منه خير ما هو ذاكر و كم شامت مستبشر بوفاته و عما قليل كالّذي صار صائر هذا حالهم ، و أمّا حال الميّت فقد أشار إليه بقوله ( و المرء في سكرة ملهثة ) يلوك لسانه و يخرجه تعبا و عطشا ( و غمرة كارثة ) أى شدّة بلغ الغاية من المشقّة . روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ الميت إذا حضره الموت أو ثقه ملك الموت و لو لا ذلك استقرّ 1 ( و أنّه موجعة ) أي تأوّه موجب لوجع الحاضرين و السّامعين ( و جذبة مكربة و سوقة متعبة ) و المراد بهما جذب الملائكة للرّوح و سوقهم له إلى خارج البدن كما قال تعالى : « وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلئِكَةُ باسِطُوا أَيْديهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيرَ الْحَقَّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِه‏ تَسْتَكْبِروُنَ » . ----------- ( 1 ) هكذا في النسخة ، و فى الوافى نقلا عن الكافى : ما استقرّ و هو الصحيح « المصحح » . [ 34 ] قال الطّبرسي : أي في شدايد الموت عند النّزع و الملائكة الذين يقبضون الأرواح باسطو أيديهم لقبض أرواحهم يقولون أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت ازهاقا لهم و تغليظا عليهم و إن كان إخراجها من فعل غيرهم . و قال الشّارح البحراني : اعلم أنّ تلك الجذبة يعود إلى ما يجده الميّت حال النّزع و هو عبارة عن ألم ينزل بنفس الرّوح يستغرق جميع أجزائه المنتشرة في أعماق البدن و ليس هو كساير ما يجده الرّوح المحتصّ ببعض الأعضاء كعضو شاكته شوكة و نحوها ، لاختصاص ذلك بموضع واحد فألم النّزع يهجم على نفس الرّوح و يستغرق جميع أجزائه و هو المجذوب من كلّ عرق و عصب و جزء من الأجزاء و من أصل كلّ شعرة و بشرة لا تسألنّ عن بدن يجذب منه كلّ عرق من عروقه ، و قد يتمثّل ذلك بشجرة شوك كانت داخل البدن ثمّ جذبت منه فهي الجذبة المكربة ، و لمّا كان موت كلّ عضو عقيب الأمراض التي ربّما طالت تدريجا فتلك هى السّوقة المتغبة ( ثمّ ادرج في أكفافه مبلسا ) أي آيسا أو حزينا ( و جذب ) من وطنه إلى الخارج ( منقادا سلسا ) اي سهلا ليّنا ( ثمّ القي على الأعواد ) أي الأسرّة حالكونه ( رجيع و صب و نضوسقم ) يعني أنّه من جهة ابتلائه بتارات الأمراض و تردّده في أطوار الأتعاب و الأوصاب صار كالإبل الرّجيع الذي يردّد في الأسفار مرّة بعد اخرى و لأجل نحول جسمه من الأسقام كان الجمل النّضو الذي يهزل من كثرة الأحمال و الأثقال ( تحمله حفدة الولدان و حشدة الاخوان ) يعني أنّه بعد الفراغ من تغسيله و تكفينه و حمله على سريره أقبلوا على جهازه و شمّروا لابرازه و حمله أعوانه و ولدانه و أحبّاؤه و إخوانه . فظلّ أحبّ القوم كان لقربه يحثّ على تجهيزه و يبادر و شمّر من قد أحضروه لغسله و وجّه لما فاظللقبر حافر و كفّن في ثوبين فاجتمعت له مشيّعة إخوانه و العشاير ----------- ( 1 ) فاظ الرجل اى مات ، م . [ 35 ] ثمّ اخرج من بين صحبته 1 ( إلى دار غربته و ) من محلّ عزته إلى ( منقطع زورته ) و من سعة قصره إلى ضيق قبره فحثّوا بأيديهم التراب و أكثروا التلدّد و الانتحاب ، و وقفوا ساعة عليه و قد يئسوا من النّظر إليه ، ثمّ رجعوا عنه معولين ، و ولّوا مدبرين ( حتّى إذا انصرف المشيّع و رجع المتفجّع ) انتبه من نومته و أفاق من غشيته و ( اقعد في حفرته نجيّا لبهتة السّؤال ) و دهشته ( و عثرة الامتحان ) و زلّته . و لعلّ المراد به أنّه يقعد في قبره مناجيا للمنكروا لنكير أي مخاطبا و مجاوبا لهما سرّا لعدم قدرته على الاعلان من أجل الدّهشة و الحيرة العارضة له من سؤالهما و العثرة التي ظهرت منه بسبب اختيارهما ، أو المراد أنّه يناجي ربّه في تلك الحال من هول الامتحان و السؤال و يقول ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحا ( و أعظم ما هنا لك بليّة ) و ابتلاء ( نزل الحميم و تصلية الجحيم ) كما قال تعالى : « وَ إِنَّ لِلطّاغينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ هذا فلْيَذُوقُوهُ حَميمٌ وَ غَسّاقُ « و في سورة النَّبَأ « لا يَذُوقُونَ فيها بَرْدا وَ لا شَراباً إِلاّ حَميماً وَ غسّاقاً » قال بعض المفسّرين : إنّ الغسّاق عين في جهنّم يسيل إليها سمّ كلّ ذات حمة من حيّة و عقرب ، و قيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه من الحميم ، و قيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع و يسقونه ، و قيل إنّ الحميم الماء الحارّ الذي انتهت حرارته و الغسّاق الماء البارد الذي انتهت برودته فهذا يحرق ببرده و ذاك يحرق بحرّه . و قال الطّريحي : الحميم الماء الحارّ الشّديد الحرارة يسقى منه أهل النار أو يصبّ على أبدانهم ، و عن ابن عبّاس لو سقطت منه نقطة على جبال الدّنيا ----------- ( 1 ) جمع صاحب و الملازم للانسان و المصاحب من أولاده و أقربائه و غيرهم . [ 36 ] لأذابتها ، و كيف كان فقوله عليه السّلام مأخوذ من الآية الشّريفة في سورة الواقعة قال سبحانه : « وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكذِّبينَ الضّالِّينَ فَنُزُلُ مِنْ حَميمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحيمٍ » و أمّا قوله ( و فورات السّعير ) فأراد به شدّة غليان نار الجحيم و لهبها ، و كذلك أراد بقوله ( و سورات الزّفير ) شدّة صوت توقد النّار ( لا فترة مريحة ) لهم من العذاب ( و لا دعة مزيحة ) عنهم العقاب كما قال سبحانه : « إِنَّ الْمجْرمينَ في عَذابٍ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفْتَرُّ عَنْهُمْ وَ هُمْ فيهِ مُبْلِسُونَ » ( و لا قوّة حاجزة ) تمنعه عن النّكال ( و لا موتة ناجزة ) أي عاجلة تريحة من ألم الوبال إذ الموت ربّما يكون نعمة و يعده الانسان راحة كما قال مجنون العامري و نعم ما قال : فلا ملك الموت المريح يريحني ( و لا سنة مسلية ) لهمّه و نومة منسية لغمّه و في الحديث إنّ اللّه ألقى على عباده السّلوة بعد المصيبة لو لا ذلك لانقطع النّسل ( بين أطوار الموتات و عذاب السّاعات ) أراد بالموتات الآلام الشّديدة و المشاق العظيمة مجازا فلاينا في قوله عليه الصّلاة و السّلام : و لا موتة ناجزة ، فانّ المراد به الحقيقة ( إنا باللّه عائذون ) أي ملتجئون من شرّ المآل و سوء الحال ، . و قد راعى في أكثر فقرات هذا الفصل السّجع المتوازي ، هذا و ينبغي تذييل المقام بامور مهمة الاول فى تحقيق بدو خلق الانسان فاقول : قال سبحانه في سورة المؤمنين : « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ [ 37 ] مِنْ طينٍ ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الْخالِقينَ » و هذه الآية الشّريفة أجمع الآيات لأدوار الخلقة و أشملها لمراتب الفطرة ، و هذه المراتب على ما اشيرت إليها فيها سبع . المرتبة الأولى ما أشار إليه بقوله : « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طينٍ » أي من خلاصة من طين و هو مبدء نشو الآدمي لتولد النّطفة منها ، و ذلك لأنّ النّطفة إنّما تتولّد من فضل الهضم الرّابع ، و هو إنّما يتولّد من الأغذية ، و هي إمّا حيوانية و إمّا نباتية ، و الحيوانية تنتهي إلى النباتية و النّبات إنّما يتولّد من صفو الأرض و الماء ، فالانسان بالحقيقة يكون متولّدا من سلالة من طين . المرتبة الثّانية أنّ السّلالة بعد ما تواردت عليها أدوار الفطرة تكون نطفة في أصلاب الآباء فتقذف بالجماع إلى أرحام النّساء التي هي قرار مكين لها و إليه أشار سبحانه بقوله : « خُلِقَ مِن مآءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ » المرتبة الثّالثة أنّ النّطفة بعد ما استقرّت في الرّحم أربعين يوما تصير علقة و هي الدّم الجامد . المرتبة الرّابعة أنّ العلقة بعد ما مكثت في الرّحم أربعين يوما أيضا تصير مضغة أي قطعة لحم حمراء كأنّها مقدار ما يمضغ . المرتبة الخامسة أنّ المضغة تمكث فيه أربعين ثالثة و يجعلها اللّه صلبا فتكون عظاما . [ 38 ] المرتبة السّادسة ما أشار إليه بقوله : فكسونا العظام لحما أى ممّا بقى من المضغة أو ممّا أنبته عليها ممّا يصل إليها و إنّما جعل اللحم كسوة لستره العظم كما يستر اللّباس البدن . المرتبة السّابعة ما أشار إليه بقوله : ثمّ أنشأناه خلقا آخر أى خلقا متباينا للخلق الأوّل باضافة الرّوح إليه مباينا ما أبعدها ، و ذلك بعد تمام ثلاثة أربعين أي كمال أربعة أشهر فكان حيوانا بعد ما كان جمادا ، و حيّا بعد ما كان ميتا ، و ناطقا و كان أبكم ، و سميعا و كان أصم ، و بصيرا و كان أعمى ، و أودع باطنه و ظاهره بل كلّ عضو من أعضائه عجايب صنعته و بدايع حكمته التي لا يحيط بها وصف الواصفين و لا شرح الشّارحين ، فتبارك اللّه أحسن الخالقين هذا . و روى الصّدوق ( ره ) في الفقيه عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن إسماعيل بن مهران ، عن مرازم ، عن جابر بن يزيد ، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إذا وقع الولد في جوف أمّه صار وجهه قبل ظهر أمّه إن كان ذكرا و إن كان انثى صار وجهها قبل بطن أمّها و يداه على و جنتيه و ذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم ، فهو كالمصرور منوط بعماء من سرّته إلى سرّة امّه ، فبتلك السرّة يغتذي من طعام امّه و شرابها إلى الوقت المقدّر لولادته ، فيبعث اللّه عزّ و جلّ ملكا إليه فيكتب على جبهته : شقيّ أو سعيد ، مؤمن أو كافر غنيّ أو فقير ، و يكتب أجله و رزقه و سقمه و صحّته . فاذا انقطع الرّزق المقدّر له من سرّة امّه زجره الملك زجرة فانقلب فزعا من الزّجرة و صار رأسه قبل الفرج ، فاذا وقع إلى الأرض وقع إلى هول عظيم و عذاب أليم إن أصابته ريح أو مشقّة أو مسّته يد وجد لذلك من الألم ما يجد المسلوخ عنه جلده . يجوع فلا يقدر على الاستطعام ، و يعطش فلا يقدر على الاستسقاء ، و يتوجّع فلا يقدر على الاستغاثة ، فيوكّل اللّه تبارك و تعالى برحمته و الشّفقة عليه و المحبّة له أمّه فتقيه الحرّ و البرد بنفسها ، و تكاد تفديه بروحها ، و تصير من التّعطف عليه [ 39 ] بحال لا تبالي أن تجوع إذا شبع و تعطش إذا روى ، و تعرى إذا كسى . و جعل اللّه تعالى ذكره رزقه في ثدي أمّه في إحداهما شرابه و في الاخرى طعامه ، حتّى إذا رضع أتاه اللّه عزّ و جلّ في كلّ يوم بما قدر له فيه من رزق ، فاذا أدرك فهمّه الأهل و المال و الشّره و الحرص ، ثمّ هو مع ذلك معرض الآفات و العاهات و البليّات من كلّ وجه ، و الملائكة ترشده و تهديه ، و الشّياطين تضلّه و تغويه ، فهو هالك إلاّ أن ينجيه اللّه عزّ و جلّ ، و قد ذكر اللّه تعالى ذكره نسبة الانسان في محكم كتابه فقال عزّ و جلّ : « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرار مَكينٍ ، ثُمّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ تُبْعَثُونَ » قال جابر بن عبد اللّه الأنصارى : فقلت : يا رسول اللّه هذه حالنا فكيف حالك و حال الأوصياء بعدك في الولادة ؟ فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مليّا ثمّ قال : يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلاّ ذو حظ عظيم ، إنّ الأنبياء و الأوصياء مخلوقون من نور عظمة اللّه عزّ و جلّ ثنآؤه يودع اللّه أنوارهم أصلابا طيّبة و أرحاما طاهرة يحفظها بملائكته و يربّيها بحكمته و يغذوها بعلمه ، فأمرهم يجلّ عن أن يوصف ، و أحوالهم تدّق عن أن تعلم ، لأنّهم نجوم اللّه في أرضه ، و أعلامه في بريّته ، و خلفاؤه على عباده ، و أنواره في بلاده ، و حججه على خلقه ، يا جابر هذا من مكنون العلم و مخزونه فاكتمه إلاّ من أهله . و في توحيد المفضّل عن الصّادق عليه السّلام قال . و سنبتدء يا مفضّل بذكر خلق الانسان فاعتبر به ، فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرّحم و هو محجوب في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن ، و ظلمة الرّحم ، و ظلمة المشيمة ، حيث لا حيلة عنده [ 40 ] في طلب غذاء و لا دفع أذى و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرّة ، فإنّه يجرى إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذ و الماء النّبات فلا يزال ذلك غذاه . حتّى إذا كمل خلقه و استحكم بدنه و قوى اديمه على مباشرة الهواء و بصره على ملاقات الضّياء هاج الطّلق بأمّه فازعجه أشدّ إزعاج و أعنفه حتّى يولد ، فاذا ولد صرف ذلك الدّم الّذي كان يغذوه من دم امّه إلى ثدييها ، فانقلب الطّعم و اللّون إلى ضرب آخر من الغذاء ، و هو أشدّ موافقة للمولود من الدّم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمط و حرّك شفتيه طلبا للرّضاع فهو يحدى ثدى أمّه كالاداوتين المعلّقتين لحاجته ، فلا يزال يغتذي باللّبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء ليّن الأعضاء . حتّى إذا تحرّك و احتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتدّ و يستوي بدنه و طلعت له الطّواحين « من الاسنان خ » و الأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه و يسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتّى يدرك ، فاذا أدرك و كان ذكرا طلع الشّعر في وجهه فكان ذلك علامة الذّكر و عزّ الرّجل الذي يخرج به عن حدّ الصّبا و شبه النّساء و إن كانت انثى يبقى وجهها نقيّا من الشّعر لتبقى لها البهجة و النّضارة التي تحرّك الرّجال لما فيه دوام النّسل و بقاؤه ، الحديث . الثانى في تحقيق السؤال في القبر و ذكر شبهة المنكرين له و دفعها اعلم أنّ كلام الامام عليه السّلام في هذا الفصل صريح في ثبوت السؤال في القبر و هو حقّ يجب الايمان و الاذعان به ، و عليه قد انعقد إجماع المسلمين بل هو من ضروريات الدّين ، و منكره كافر خالد في الجحيم لا يفترّ عنه العذاب الأليم ، و لم يخالف فيه إلاّ بعض من انتسب إلى الاسلام كضرار بن عمر و طايفة من المعتزلة و جمع من الملاحدة مموّهين على العوام الّذين يصغون إلى كلّ ناعق بأنّ الميّت بعد وضعه في قبره إن حشى فمه بالجصّ و نحوه و دفن ثمّ يؤتى إليه في اليوم الآخر [ 41 ] و ينبش قبره فانّك تراه على حاله لم يتغيّر فلو كان في القبر سؤال و حساب لتغيّرت حالته و لا نفتح فمه و سقط الجصّ ، و أيضا فانا لا نسمع عذابه في القبر مع شدّته و صعوبته . و فساد ذلك الكلام غنيّ عن البيان ، لأنّ هذه العين و الأذن لا تصلحان لمشاهدة الأمور الملكوتيّة و سماعها ، و كلّ ما يتعلّق بالآخرة فهو من عالم الملكوت . ألا ترى أنّ الصّحابة كانوا يجلسون عند النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين نزول جبرئيل عليه و هو يراه و يتكلّم معه في حضورهم و النّاس لا يرونه و لا يسمعون كلامه ؟ و كذلك ملكا القبر لا يمكن للنّاس أن يدركوا سؤالهما و جواب الميّت لهما بهذه الحواسّ ، و كذلك الحيّات و العقارب في القبر ليس من جنس الحيّات و العقارب في هذا العالم حتّى تدرك بالحسّ . و يوضح ذلك أنّ النّائم بحضور الجالسين قد يشاهد في نومه الحيّات و العقارب و ساير المولمات و الموذيات تؤلمه و تؤذيه و تلدغه فيتألم و يتأذي بحيث يرشح جبينه و يعرق و يبكي في نومه من شدّة الألم و الأذى و مع ذلك كلّه فلا يرى الحاضرون ممّا يرى و يسمع شيئا . و بالجملة فلا يعتدّ بهذه التّرّهات و التمويهات ، و المنكر قد وجد جزاء إنكاره و هو الآن في قبره مقرّ بما أنكر مذعن بما كفر مدرك لما أنكره بالسّمع و البصر ، و الحمد للّه الذي منّ علينا بالايمان بالغيب ، و خلّص قلوبنا من الشّك و الرّيب . قال الصّادق عليه السّلام في رواية الصّدوق : ليس من شيعتنا من أنكر ثلاثة : المعراج ، و سؤال القبر ، و الشفاعة . و في كتاب السّماء و العالم للمحدّث المجلسي عن الكافي عن بعض أصحابه عن عليّ بن العبّاس عن الحسن بن عبد الرّحمن عن أبي الحسن الأوّل قال : إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق و إنّما حدثت ، فقلت : و ما العلّة في ذلك ؟ [ 42 ] فقال عليه السّلام : إنّ اللّه عزّ ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة اللّه و طاعته سبحانه فقالوا : إن فعلنا ذلك فمالنا فو اللّه ما أنت باكثرنا مالا و لا بأعزّنا عشيرة قال لهم : إنّكم إن أطعتموني أدخلكم اللّه الجنّة ، و إن عصيتموني أدخلكم اللّه النّار ، فقالوا : و ما الجنّة و ما النّار ؟ فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متم ، فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا فازدادوا له تكذيبا و به استخفافا ، فأحدث اللّه عزّ و جلّ فيهم الأحلام فأتوا فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك ، فقال لهم : إنّ اللّه سبحانه أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متّم و إن بليت أبدانكم تصيرا لأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان ، هذا . و بقى الكلام في عموم سؤال القبر قال العلاّمة المجلسي ( ره ) المشهور بين متكلّمي الاماميّة عدم عمومه و اختصاصه بمحض المؤمن و محض الكافر و أنّه ليس على المستضعفين و لا على الصّبيان و المجانين سؤال ، و حكى عن الشّهيد ( ره ) انّه قال : إنّ السؤال حقّ اجماعا إلاّ في من يلقّن حجّته . أقول : و يدلّ على ذلك و على اختصاصه بالمؤمن و الكافر المحض الأخبار المتظافرة في الكافي و غيره و سيجي‏ء بعضها في ضمن الأخبار الآتية . الثالث في حالات الميت حين اشرف على الموت و حين ازهاق روحه و عند الغسل و التكفين و حمله على سريره و اذا وضع فى قبره و كيفية السؤال فى القبر و ضغطة القبر و بعض عقوباته فى البرزخ و مثوباته و نحن نشرح كلّ ذلك بما وصل إلينا في ذلك الباب من الأخبار المرويّة عن أئمّتنا الأطياب الأطهار سلام اللّه عليهم ما تعاقب اللّيل و النّهار ، فأقول : أما حالة الاحتضار و أعني بها حالة إشراف الميّت على الموت فهي حالة يلهو المرء فيها بكليّته [ 43 ] عن الدّنيا و يكون توجّهه إلى الآخرة ، و يحضر حينئذ عنده رسول اللّه و الأئمة سلام اللّه عليهم و الملائكة الموكّلون بقبض روحه كما يحضر عنده أهله و عياله و أحبّاؤه و أقرباؤه فتارة يكون مخاطبته مع الأوّلين و أخرى مع الآخرين . روى عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله : « يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ في الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ في الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ » باسناده عن سويد بن الغفلة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدّنيا و أوّل يوم من الآخرة مثّل له أهله و ماله و ولده و عمله ، فينظر إلى ماله فيقول : و اللّه إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا فماذا عندك ؟ فيقول : خذ منّي كفنك ، ثم يلتفت إلى ولده فيقول : و اللّه إنّي كنت لكم لمحبّا و إنى كنت عليكم لمحاميا فماذا عندكم ؟ فيقولون : نؤدّيك إلى حفرتك و نواريك فيها ، ثمّ يلتفت إلى عمله فيقول : و اللّه إنّى كنت من الزّاهدين فيك و إنّك كنت علىّ ثقيلا فماذا عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك و يوم حشرك حتّى اعرض أنا و أنت على ربّك . فان كان للّه وليّا أتاه أطيب النّاس ريحا و أحسنهم منظرا و أزينهم رياشا فيقول : ابشر بروح من اللّه و ريحان و جنّة النّعيم قد قدمت خير مقدم فيقول : من أنت ؟ قال : أنا عملك الصّالح ارتحل من الدّنيا إلى الجنّة و أنّه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يعجّله . فاذا ادخل قبره أتاه ملكان و هما فتّان القبر يجرّان أشعارهما و يبحثان الأرض بأنيابهما و أصواتهما كالرّعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له : من ربّك ، و من نبيّك و ما دينك ؟ فيقول : اللّه ربّى و محمّد نبيّي و الاسلام ديني فيقولان له : ثبّتك اللّه بما تحبّ و ترضى و هو قول اللّه : « يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ » الآية [ 44 ] فيفسحان له في قبره مدّ بصره و يفتحان له بابا إلى الجنّة و يقولان له : نم قرير العين نوم الشّابّ النّاعم ، و هو قوله : « أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَ أَحْسَنُ مَقِيْلاً » و إذا كان لربّه عدوّا فانّه يأتيه أقبح من خلق اللّه رياشا و أنتنه ريحا فيقول : من أنت ؟ فيقول : عملك فيقول : ابشر بنزل من حميم و تصلية جحيم ، و انّه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يحبسه . فاذا ادخل قبره أتياه ممتحنا القبر فألقيا أكفانه ثمّ قالا له : من ربّك ، و من نبيّك ، و ما دينك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان : لا دريت و لا هديت ، فيضربانه بمرزبة ضربة ما خلق اللّه دابّة إلاّ و تذعر لها ما خلا الثّقلين ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النّار ، ثمّ يقولان له : نم بشرّ حال . فهو من الضيق مثل ما فيه القنا 1 من الزّج حتّى أنّ دماغه يخرج من ما بين ظفره و لحمه ، و يسلّط اللّه عليه حيّات الأرض و عقاربها و هوامّها فتنهشه حتّى يبعث اللّه من قبره . و أنّه ليتمنّى قيام السّاعة ممّا هو فيه من الشّر . و رواه في الكافي عن عليّ بن إبراهيم مسندا عن سويد بن غفلة عنه عليه السّلام مثله . و في الكافي عن أبي اليقظان عمّار الأسدي عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ، و لكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعثه اللّه عزّ و جلّ إليه ريحين : ريحا يقال لها المنسية و ريحا يقال المسخية ، فأمّا المنسية فانّها تنسيه أهله و ماله ، و أمّا المسخية فانّها تسخي نفسه عن الدّنيا حتّى يختار ما عند اللّه . و عن أبي خديجة عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : ما من أحد يحضره الموت إلاّ وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشكّكه في دينه حتّى يخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فاذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله ----------- ( 1 ) القنا جمع قناة و هو الرمح و الزج بالضمّ حديدة في أسفل الرمح منه . [ 45 ] إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه حتّى يموت . و في رواية أخرى قال صلّى اللّه عليه و آله : فلقّنه كلمات الفرج و الشّهادتين و يسمّى له الاقرار بالأئمة عليهم السّلام واحدا بعد واحد حتّى يتقطع عنه الكلام . و عن سدير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : جعلت فداك يابن رسول اللّه هل يكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال عليه السّلام : لا و اللّه إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت : يا وليّ اللّه لا تجزع فو الّذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله لأنا أبرّ بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر قال : و يمثّل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريّتهم عليهم السّلام فيقال له : هذا رسول اللَّه و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام رفقاؤك ، قال : فيفتح عينيه فينادى روحه مناد من قبل ربّ العزّة فيقول : « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ » إِلى محمّد و أهل بيته « إِرْجِعي إِلى‏ رَبَّكِ راضِيَةً » بالولاية « مَرْضِيَّةً » بالثّواب « فَادْخُلي في عِبادي » يعني محمّداً و أهل بيته « وَ ادْخُلي جَنَّتي » فما شي‏ء أحبّ إليه من استلال روحه . و عن عليّ بن عقبة عن أبيه قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : يا عقبة لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه ، و ما بين أحدكم و بين أن يرى ما يقرّبه عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه ، ثمّ أهوى بيده إلى الوريد ، ثمّ اتّكى . و كان معي المعلّى فغمزني أن أسأله فقلت : يابن رسول اللّه فاذا بلغت نفسه هذه أيّ شي‏ء يرى ؟ فقلت له بضعة عشر مرّة : أيّ شي‏ء يرى ، فقال في كلّها : يرى ، لا يزيد عليها ، ثمّ جلس في آخرها فقال : يا عقبة ، فقلت : لبيّك و سعديك ، فقال : أبيت إلاّ أن تعلم ؟ فقلت : نعم يابن رسول اللّه إنّما ديني مع دينك فاذا ذهب ديني [ 46 ] كان ذلك كيف لي بك يا بن رسول اللّه كلّ ساعة و بكيت ، فرقّ لي فقال : يراهما و اللّه ، فقلت : بأبي و أمّي من هما ؟ قال : ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلمّ و علي عليه السّلام يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما قلت : فاذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدّنيا ؟ فقال : لا ، يمضى أمامه اذا نظر اليهما مضى أمامه فقلت له : يقولان شيئا ؟ قال : نعم يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند رأسه و عليّ عليه السّلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول : يا وليّ اللّه ابشر أنا رسول اللّه إنّي « أناخ » خير لك ممّا تركت من الدّنيا . ثمّ ينهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقوم عليّ عليه السّلام حتّى يكبّ عليه فيقول : يا وليّ اللّه ابشر أنا عليّ بن أبيطالب الذي كنت تحبّ أنا لأنفعنك ، ثمّ قال عليه السّلام : إنّ هذا في كتاب اللّه عزّ و جل ، فقلت : أين جعلني اللّه فداك هذا من كتاب اللّه ؟ قال : في يونس قول اللّه عزّ و جلّ ههنا : « الَّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى في الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ في الْآخِرَةِ لا تَبْديلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيْمِ » و عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا حيل بينه و بين الكلام أتاه رسول اللّه و من شاء اللّه فجلس رسول اللّه عن يمينه و الآخر عن يساره فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : أمّا ما كنت ترجو فهو ذا أمامك ، و أمّا ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه . ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيقول هذا منزلك من الجنّة فان شئت رددناك إلى الدّنيا و لك فيها ذهب و فضّة ، فيقول : لا حاجة لي في الدّنيا فعند ذلك يبيض لونه و يرشح جبينه و تقلص شفتاه و تنتشر منخراه و تدمع عينه اليسرى فأىّ هذه العلامات رأيت فاكتف بها ، فاذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه و هي في الجسد فتختار الآخرة الحديث . أقول : و الأخبار في رؤية النّبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليه و عليهم كثيرة كادت [ 47 ] تبلغ حدّ التواتر ، و يأتي بعضها بعد ذلك ، و بتلك الأخبار يطيب نفوسنا و يسكن قلوبنا إلى الموت ، و بها أيضا يعلم أنّ كراهة المؤمن للموت على ما في الحديث القدسي من قول اللّه سبحانه : ما تردّدت في شي‏ء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مسائته إنّما هي قبل الاستبشار برؤيتهم عليهم السّلام ، و أمّا بعد معاينتهم فليس شي‏ء أحبّ إليه من الموت كما عرفت في الرّوايات . و يدلّ عليه صريحا ما في الكافي عن عبد الصّمد بن بشير عن بعض أصحابه عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قلت : أصلحك اللَّه من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ؟ و من أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه قال عليه السّلام : نعم ، قلت : فو اللّه إنّا لنكره الموت ، فقال عليه السّلام : ليس ذلك حيث تذهب إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شي‏ء أحبّ إليه من أن يتقدّم و اللّه تعالى يحبّ لقاءه و هو يحبّ لقاء اللّه حينئذ و إذا رأى ما يكره فليس شي‏ء أبغض إليه من لقاء اللّه و اللّه يبغض لقاءه . و فيه عن يحيى بن سابور قال : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول : في الميّت تدمع عيناه عند الموت فقال عليه السّلام : ذلك عند معاينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيرى ما يسرّه ، ثمّ قال عليه السّلام : أما ترى الرّجل يرى ما يسرّه و ما يحبّ فتدمع عينه لذلك و يضحك . و أما صفة ملك الموت و كيفية قبض الروح فروى السيّد السّند السيّد نعمة اللّه الجزائري أنّ الخليل عليه السّلام قال لملك الموت يوما : يا ملك الموت احبّ أن أراك على الصّورة التّي تقبض فيها روح المؤمن ، فقال : يا إبراهيم اعرض عنّي بوجهك حتّى أتصوّر على تلك الصّورة ، فلمّا رآه إبراهيم عليه السّلام رأى صورة شابّ حسن الوجه أبيض اللون تعلوه الأنوار في أحسن ما يتخيّل من الهيئة فقال : يا إبراهيم في هذه الصّورة اقبض روح المؤمن فقال عليه السّلام : يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلاّ لقائك لكفاه راحة . ثمّ قال عليه السّلام : اريد أن أراك على الصّفة التي تقبض فيها روح الكافر ، فقال : [ 48 ] يا إبراهيم لا تقدر ، فقال : أحبّ ذلك ، فقال : أعرض بوجهك فأعرض بوجهه ثمّ قال : انظر فنظر إليه فاذا هو أسود كاللّيل المظلم و قامته كالنّخل الطّويل و النار و الدّخان يخرجان من منخريه و فمه إلى عنان السّماء . فلمّا نظر إليه غشي على إبراهيم عليه السّلام فرجع ملك الموت إلى حالته فلمّا أفاق الخليل عليه السّلام قال : يا ملك الموت لو لم يكن للكافر هول من الموت إلاّ رؤيتك لكفاه عن ساير الأهوال . فاذا أتى إلى المؤمن سلّ روحه سلاّ رقيقا لطيفا حتّى أنّه يحصل له الرّاحة من ذلك السّلّ لما يشاهده من مكانه في الجنّة و إن كان كافرا أتى إليه بحديدة محميّة بنار جهنّم فأدخلها في حلقومه و جذب روحه بها يخيل إليه أنّ أطباق السّماوات و الأرض قد وقعت عليه و طبقته حتّى يخرج زبدة على فمه كالبعير . أقول : و يدلّ عليه ما في الكافي عن ابن الفضيل عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : إنّ آية المؤمن إذا حضره الموت بياض وجهه أشدّ من بياض لونه و يرشح جبينه و يسيل من عينيه كهيئة الدّموع فيكون ذلك خروج نفسه ، و إنّ الكافر يخرج نفسه سلاّ من شدقه 1 كزبد البعير أو كما يخرج نفس البعير . و فيه باسناده عن عمّار بن مروان قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : منكم و اللّه يقبل ، و لكم و اللّه يغفر إنّه ليس بين أحدكم و بين أن يغتبط و يرى السّرور و قرّة العين إلاّ أن تبلغ نفسه ههنا و أومى بيده إلى حلقه . ثمّ قال عليه السّلام : إنّه إذا كان ذلك و احتضر حضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام و جبرئيل و ملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السّلام فيقول : يا رسول اللّه إنّ هذا كان يحبّنا أهل البيت فأحبّه ، و يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يا جبرئيل إنّ هذا يحبّ اللّه و رسوله و أهل بيت رسوله فأحبّه ، و يقول جبرئيل عليه السّلام : يا ملك الموت إنَّ هذا ----------- ( 1 ) جانب الفم ، منه [ 49 ] يحبّ اللّه و رسوله و أهل بيت رسوله فأحبّه و ارفق به . فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد اللّه أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براتك تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا ؟ قال : فيوفّقه اللّه عزّ و جلّ فيقول : نعم ، فيقول : و ما ذاك ؟ فيقول : ولاية عليّ بن أبيطالب عليه السّلام فيقول : صدقت أمّا الذي كنت تحذره فقد آمنك اللّه منه ، و أمّا الذي كنت ترجوه فقد أدركته ابشر بالسّلف الصّالح مرافقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة عليهم السّلام . ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا ، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة و حنوطه من الجنّة بمسك أذفر فيكفن بذلك الكفن و يحنط بذلك الحنوط ، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة . فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنّة يدخل عليه من روحها و ريحانها ، ثمّ يفتح له عن أمامه مسيرة شهر و عن يمينه و عن يساره ، ثمّ يقال له : نم نومة العروس على فراشها ابشر بروح و ريحان و جنّة نعيم و ربّ غير غضبان . ثمّ يزور آل محمّد سلام اللّه عليهم في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ، و يشرب معهم من شرابهم ، و يتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا فاذا قام قائمنا بعثهم اللّه تعالى فأقبلوا معه يلبّون زمرا زمرا و عند ذلك يرتاب المبطلون و يضمحلّ المحلّون و قليل ما يكونون هلكت المحاضرون و نجا المقرّون . « بون خ » من أجل ذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أنت أخي و ميعاد ما بيني و بينك وادي السّلام . قال عليه السّلام و إذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السّلام و جبرئيل و ملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السّلام فيقول : يا رسول اللّه إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه و يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : يا جبرئيل إنّ هذا كان يبغض اللّه و رسوله و أهل بيت رسوله فأبغضه ، فيقول جبرئيل عليه السّلام : يا ملك الموت إنّ هذا كان يبغض اللّه و رسوله و أهل بيت رسوله فأبغضه و اعنف عليه . فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد اللّه أخذت فكاك رهانك و أمان براتك [ 50 ] تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا ؟ فيقول : لا ، فيقول : ابشر يا عدوّ اللّه بسخط اللّه عزّ و جلّ و عذابه و النّار ، أمّا الذي كنت تحذر فقد نزل بك . ثمّ يسلّ نفسه سلا عنيفا ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمأة شيطان كلّهم يبزق في وجهه و يتأذى بروحه فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النّار فيدخل عليه من فيحها و لهبها . و عن الهيثم بن واقد عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من أصحابه و هو يجود بنفسه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم : يا ملك الموت أرفق بصاحبي فانّه مؤمن ، فقال : ابشر يا محمّد فانّي بكلّ مؤمن رفيق . و اعلم يا محمّد أنّي اقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول ما هذا الجزع فو اللّه ما تعجلناه قبل أجله و ما كان لنا في قبضه من ذنب فان تحتسبوه و تصبروا توجروا ، و إن تجزعوا تأثموا و توزروا ، و اعلموا أنّ لنافيكم عودة ثمّ عودة فالحذر ثم الحذر إنّه ليس في شرقها و لا في غربها أهل بيت مدر و لا وبر إلاّ و أنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات و لأنا أعلم بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم و لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتّى يأمرني ربّي بها . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصّلاة فان كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و نحىّ عنه ملك الموت إبليس . و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ الميّت إذا حضره الموت أو ثقه ملك الموت و لو لا ذلك ما استقرّ . و أما التغسيل و التكفين فقد ورد في الرّوايات أن الرّوح بعد خروجه من الجسد يكون مطلاّ على الجسد و أنّه ليرى ما يفعل به . و في رواية اصبغ بن نباتة أنّه يناشد الغاسل و يقول له عند تغسيله : باللّه عليك يا عبد اللّه رفقا بالبدن الضّعيف فو اللّه ما خرجت من عرق إلاّ انقطع ، و لا من عضو إلاّ انصدع ، فو اللّه لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميّتا أبدا . [ 51 ] و في جامع الأخبار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : فو الذي نفس محمّد بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهبوا عن ميّتهم و لبكوا على نفوسهم حتّى إذا حمل الميّت على نعشه رفرف روحه فوق النّعش و هو ينادي : يا أهلى و يا ولدي لا تلعبن بكم الدّنيا كما لعبت بي ، الحديث هذا . و في الوسائل في عدّة روايات الأمر باجادة الأكفان و المغالات في أثمانها معلّلا بأنّ الموتى يبعثون بها و بأنّهم يتباهون بأكفانهم . و فيه أنّ موسى بن جعفر عليهما السّلام كفن في حبرة استعملت له بمبلغ خمسمأة دينار عليها القرآن كلّه . و فيه عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال : سمعته يقول : إنّي كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما و قميص من قمصه و عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و في برد اشتريته بأربعين دينارا ، و لو كان اليوم ساوى أربعمأة دينار . و أما حالته اذا حمل على سريره فهو أنّه إن كان مؤمنا خرج روحه يمشى بين يدي القوم قدما و تلقاه أرواح المؤمنين و يبشّرونه بما أعدّ اللّه له جلّ ثناؤه من النّعيم . و إن كان عدوّا اللّه سبحانه فهو كما ورد في رواية الكلينيّ عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إذا حمل عدوّ اللّه إلى قبره نادى حملته ألا تسمعون يا اخوتاه إنّي أشكو إليكم ما وقع فيه أخوكم الشّقيّ إنّ عدوّ اللّه خدعني فأوردني ثمّ لم يصدرني و أقسم لي أنّه ناصح لي فغشّني و أشكو إليكم دنيا غرّتني حتّى إذا اطمأننت إليها صرعتني ، و أشكو إليكم أخلاّء الهوى منّوني ثمّ تبرّؤوا منّي و خذلوني ، و أشكو إليكم أولادا حميت عنهم و آثرتهم على نفسي فأكلوا مالي و أسلموني . و أشكو إليكم مالا ضيّعت فيه حقّ اللّه سبحانه فكان و باله علىّ و كان نفعه لغيري ، و أشكو إليكم دارا أنفقت عليها حربيتي 1 و صار سكّانها غيري ----------- ( 1 ) حربية الرجل ما يعيش به ، ص [ 52 ] أشكو إليكم طول الثواء في قبري ينادي أنا بيت الدّود و أنا بيت الظلمة و الوحشة و الضّيق . يا اخوتاه فاحبسوني ما استطعتم و احذروا مثل ما لقيت فانّي قد بشّرت بالنّار و بالذّل و الصّغار و غضب العزيز الجبّار ، و احسرتاه على ما فرّطت في جنب اللّه و يا طول عولناه فمالي من شفيع يطاع و لا صديق يرحمني فلو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين . و في رواية إنّ أبي جعفر عليه السّلام كان يبكي إذا ذكر هذا الحديث . ثمّ إنّه إذا أتيت بالميّت إلى شفير قبره فأمهله ساعة فانّه يأخذ اهبته للسّؤال كما وردت رواية أبي الحسن موسى عليه السّلام . و إذا حضر المؤمنون للصّلاة عليه و شهدوا له بالخير و الصّلاح فقد ورد في الخبر انّ اللّه سبحانه يجيز شهادتهم و يكتبه عنده من الأخيار و إن كان في علمه عزّ و جلّ من الأشرار . قال الصّادق عليه السّلام : إذا حضر الميت أربعون رجلا فقالوا : اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا ، قال اللّه تعالى : قد قبلت شهادتكم له و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون . قال السيّد الجزايري في الأنوار النّعمانيّة روى الشّيخ الكلينيّ قدّس اللّه روحه باسناده إلى الامام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام قال : كان في بني إسرائيل عابد فأوحى اللّه تعالى إلى داود على نبيّنا و عليه السّلام إنّه مرائي قال : ثمّ إنّه مات فلم يشهد جنازته داود ، فقام أربعون من بني إسرائيل فقالوا : اللهمّ إنا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلم به منّا فاغفر له « قال فلمّا غسل أتى إليه أربعون غير الأربعين و قالوا : اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا فأنت أعلم به منّا فاغفر له خ ل » قال عليه السّلام فأوحى اللّه إلى داود : ما منعك أن تصلّي قال داود : للذي أخبرتني به ، قال : فأوحى اللّه إليه انّه قد شهد له قومه فأجزت شهادتهم و غفرت له و عملت ما لم تعلموا . [ 53 ] و اما حاله بعد وضعه فى قبره ففي الحديث إنّ الرّوح يدخل إلى حقويه و يسمع لفظ أيدى القوم من تراب قبره فعند ذلك ينظر يمينا و شمالا فلا يرى إلاّ ظلمات ثلاث : ظلمة الأرض ، و ظلمة العمل ، و ظلمة الوحشة فيالها من داهية عظيمة و رزيّة جسيمة ، و أوّل ملك يدخل عليه يسمّى رومان فتان القبور ، و في رواية اصبغ بن نباته يسمّي منبّه . قال السيّد الجزائري رحمه اللّه : روى عبد اللّه بن سلام أنّه قال : سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن أوّل ملك يدخل في القبر على الميّت قبل منكر و نكير ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ملك يتلألأ وجهه كالشّمس اسمه رمان‏يدخل على الميّت ثمّ يقول له : اكتب ما عملت من حسنة و من سيّئة ، فيقول : بأيّ شي‏ء أكتب ؟ أين قلمي و دواتي و مدادي ؟ فيقول له : ريقك مدادك و قلمك اصبعك ، فيقول : على أىّ شي‏ء أكتب و ليس معى صحيفة ؟ قال : صحيفتك كفنك فاكتبه فيكتب ما عمله في الدّنيا خيرا . فاذا بلغ سيئآته يستحي منه فيقول له الملك : يا خاطى ما تستحى من خالقك حين عملتها في الدّنيا و تستحى الآن ، فيرفع الملك العمود ليضربه فيقول العبد : ارفع عني حتّى أكتبها ، فيكتب فيها جميع حسناته و سيئاته ثمّ يأمره أن يطوى و يختم فيقول له : بأيّ شي‏ء اختمه و ليس معى خاتم ؟ فيقول له : اختمه بظفرك و علّقه في عنقك إلى يوم القيامة كما قال تعالى : وَ كُلُّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طآئِرَهُ في عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ كتاباً يَلْقيهُ مَنْشُوراً و في رواية اخرى أنّه يأتي إلى الميّت فيسمه فان عرف منه خيرا أخبر منكرا و نكيرا حتّى يرفقا به وقت السؤال ، و إن عرف منه شرّا أخبرهما حتّى يشدّدا عليه الحال و العذاب . و أما السؤال عنه فقد علمت سابقا أنّه من ضروريّات الدّين و عليه اتّفاق المسلمين و في ----------- ( 1 ) رومان في دعاء الصحيفة السجادية بالواو قال السيد عليخان فى شرحه هو من الروم بمعنى الطلب ، و في هذه الرواية و بعض الروايات الاخر رمان بدون الواو فافهم ، منه . [ 54 ] الأخبار الكثيرة أنّ للّه سبحانه ملكين يسمّى أحدهما منكرا و الآخر نكيرا و كلّ تعالى السؤال إليهما . و في بعض الرّوايات أنّهما بالنّسبة إلى المؤمن مبشّر و بشير ، و بالنّسبة إلى الكافر منكر و نكير ، لأنّهما يأتيان إلى المؤمن بصورة حسنة و يبشّرانه بالثواب و النّعيم ، و يأتيان إلى الكافر و المخالف بصورة نكرة مهيبة و يوعدانه بالعذاب و الجحيم . روى في الكافي باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ المؤمن إذا اخرج من بيته شيّعته الملائكة إلى قبره و يزدحمون عليه حتّى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الأرض مرحبا بك و أهلا أما و اللّه لقد كنت احبّ أن يمشى علىّ مثلك لترينّ ما أصنع بك فيوسع له مدّ بصره و يدخل عليه ملكا القبر و هما قعيدا القبر منكر و نكير فيلقيان فيه الرّوح إلى حقويه فيقعدانه و يسألانه فيقولان له : من ربّك ؟ فيقول : اللّه تعالى ، فيقولان : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقولان : و من نبيّك ؟ فيقول : محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيقولان : و من امامك ؟ فيقول : فلان ، قال : فينادى مناد من السّماء صدق عبدي افرشوا له في قبره من الجنّة و افتحوا له في قبره بابا إلى الجنّة و البسوه من ثياب الجنّة حتّى يأتينا و ما عندنا خير له ، ثمّ يقال له : نم نومة عروس نم نومة لا حلم فيها . قال عليه السّلام : و إن كان كافرا خرجت الملائكة شيّعته إلى قبره تلعنونه حتّى إذا انتهى به إلى قبره قالت له الأرض : لا مرحبا بك و لا أهلا أما و اللّه لقد كنت أبغض أن يمشي علىّ مثلك لا جرم لتريّن ما أصنع بك اليوم ، فتضيق عليه حتّى تلتقى جوانحه . قال عليه السّلام : ثمّ يدخل عليه ملكا القبر و هما قعيدا القبر منكر و نكير . قال أبو بصير : جعلت فداك يدخلان على المؤمن و الكافر في صورة واحدة ؟ فقال عليه السّلام : لا . [ 55 ] قال فيقعدانه فيلقيان فيه الرّوح إلى حقويه فيقولان له : من ربّك ؟ فيتلجلج 1 و يقول : قد سمعت النّاس يقولون ، فيقولان له . لا دريت ، و يقولان له : ما دينك ؟ فيتلجلج فيقولان له : لادريت ، و يقولان له من نبيّك ؟ فيقول : قد سمعت النّاس يقولون فيقولان له : لادريت و يسأل عن إمام زمانه . قال عليه السّلام و ينادي مناد من السّماء كذب عبدي افرشوا له في قبره من النّار و افتحوا له بابا إلى النّار حتّى يأتينا و ما عندنا شرّ له فيضر بانه بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلاّ و يتطاير منها قبره نارا لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما . و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : و يسلّط اللّه عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا و الشّيطان يغمّه غمّا ، قال و يسمع عذابه من خلق اللّه إلاّ الجنّ و الانس ، و قال عليه السّلام إنّه ليسمع خفق نعالهم و نفض أيديهم و هو قول اللّه عزّ و جلّ : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقوْلِ الثّابِتِ في الْحَيوةِ الدُّنْيا وَ في الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشآءِ . و عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال : يقال للمؤمن في قبره : من ربّك ؟ قال : فيقول : اللّه ، فيقال له : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقال : من نبيّك ؟ فيقول : محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، فيقال : من امامك ؟ فيقول : فلان فيقال : كيف علمت بذلك ؟ فيقول : أمر هداني اللّه له و ثبّتني عليه ، فيقال له : نم نومة لا حلم فيها نومة العروس ، ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيدخل إليه من روحها و ريحانها ليقول : يا ربّ عجّل قيام السّاعة لعليّ أرجع إلى أهلي و مالي . و يقال للكافر : من ربّك ؟ فيقول : اللّه ، فيقال : من نبيّك ؟ فيقول : محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيقال : ما دينك ؟ فيقول : الاسلام ، فيقال : من أين علمت ذلك ؟ فيقول : سمعت النّاس يقولون فقلته ، فيضربانه بمرزبة لو اجتمع عليه الثّقلان الانس و الجنّ لم ----------- ( 1 ) اى يتردد . [ 56 ] يطيقوها . قال عليه السّلام فيذوب كما يذوب الرّصاص ، ثمّ يعيدان فيه الرّوح فيوضع قلبه بين لوحين من نار فيقول . يا ربّ أخّر قيام السّاعة و عن جابر قال قال أبو جعفر عليه السّلام : قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إنّي كنت أنظر إلى الابل و الغنم و أنا أرعاها و ليس من نبيّ إلاّ و قد رعى الغنم ، و كنت أنظر إليها قبل النبوّة و هي متمكّنة في « ممتلية من خ » المكينة ما حولها شي‏ء يهيّجها حتّى تذعر فتطير فأقول ما هذا و أعجب ، حتّى حدّثني جبرئيل عليه السّلام أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللّه شيئا إلاّ سمعها و يذعر لها إلاّ الثّقلين فقلنا : ذلك لضربة الكافر ، فنعوذ باللّه من عذاب القبر . و عن بشير الدّهان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : يجى‏ء الملكان منكر و نكير إلى الميّت حين يدفن أصواتهما كالرّعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف ، يخطان الأرض بأنيابهما و يطآن في شعورهما فيسألان الميّت من ربّك و ما دينك ؟ قال عليه السّلام : فاذا كان مؤمنا قال : اللّه ربّي ، و ديني الاسلام ، فيقولان له : ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم ؟ فيقول : أعن محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم تسألاني ؟ فيقولان : تشهد أنّه رسول اللّه ؟ فيقول : أشهد أنّه رسول اللّه ، فيقولان له : نم نومة لا حلم فيها و يفسح له في قبره تسعة أذرع و يفتح له باب إلى الجنّة و يرى مقعده فيها و إذا كان الرّجل كافرا دخلا عليه و أقيم الشّيطان بين يديه عيناه من نحاس فيقولان له : من ربّك و ما دينك ؟ و ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج من بين ظهرانيكم ؟ فيقول : لا أدري فيخلّيان بينه و بين الشّيطان ، فيسلّط عليه في قبره تسعة و تسعين تنينا لو أن تنينا واحدا منها نفخت في الأرض ما أنبتت شجرا ابدا ، و يفتح له بابا إلى النّار و يرى مقعده فيها . و عن محمّد بن أحمد الخراساني عن أبيه رفعه قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يسأل الميّت في قبره عن خمس ، عن صلاته و زكاته و حجّه و صيامه و ولايته إيّانا أهل البيت [ 57 ] فتقول الولاية من جانب القبر للأربع : ما دخل فيكنّ من نقص فعلىّ تمامه . و في الوسائل عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السّلام ما على أحدكم إذا دفن ميّته و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره ثمّ يقول : يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و أنّ عليّا أمير المؤمنين إمامك ، و فلان و فلان حتّى يأتي آخرهم ، فانّه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه : قد كفينا الوصول إليه و مسألتنا إيّاه فانّه قد لقّن حجّته فينصرفان عنه و لا يدخلان إليه . و فيه عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : ينبغي أن يتخلّف عند قبر الميّت أولى النّاس به بعد انصراف عنه و يقبض على التّراب بكفّيه و يلقّنه برفيع صوته ، فاذا فعل ذلك كفى الميّت المسألة في قبره . و في الكافي باسناده عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : لا يسأل في القبر إلاّ من محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا و الآخرون يلهون عنه . و نحوه أخبار أخر فيه عنه عليه السّلام ، و ظاهر الكلينيّ كالصّدوق هو الأخذ بظواهر هذه الأخبار لروايتهما لها من غير تمرّض لتأويلها ، و قد حكى ذلك عن الشّيخ البهائي ( ره ) . و قال الشّهيد ( ره ) في محكيّ كلامه : إنّ هذا الخبر محمول على سؤال خاصّ ليوافق الأخبار العامّة في سؤال القبر و قال السيّد الجزايري رحمه اللّه و يمكن أن يراد بالملهوّ عنهم الذين وردت الأخبار في شأنهم أنّهم يكلّفون يوم القيامة بأن تؤجّج لهم نار فيؤمروا بالدّخول فيها مثل البله و المجانين و من كان في فطرات « فترات ظ » الأنبياء و الشّيخ الفاني و العجوز الفانية و نحوهم ، و هؤلاء لم يمحضوا الايمان و هو ظاهر ، و لم يمحضوا الكفر أيضا لقصورهم عن ورود الموردين فيبقون على حالتهم في قبورهم حتّى يمنحهم اللّه سبحانه في القيامة قوّة إدراك التّكاليف و العقل القابل له . [ 58 ] و أما ضغطة القبر و ضمته ففي الكافي باسناده عن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : ما من موضع قبر إلاّ و هو ينطق كلّ يوم ثلاث مرّات : أنا بيت التّراب أنا بيت البلاء أنا بيت الدّود ، قال عليه السّلام فاذا دخله عبد مؤمن قال : مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد كنت احبّك و أنت تمشى على ظهري فكيف إذا دخلت بطني فسترى ذلك . قال عليه السّلام : فيفسح له مدّ البصر و يفتح له باب يرى مقعده من الجنّة ، قال عليه السّلام : و يخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئا قطّ أحسن منه فيقول : يا عبد اللّه ما رأيت شيئا قطّ أحسن منك فيقول : أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه و عملك الصالح الذي كنت تعمله . قال عليه السّلام : ثمّ تؤخذ روحه فتوضع في الجنّة حيث رأى منزله ، ثمّ يقال له : نم قرير العين فلا تزال نفحة من الجنّة تصيب جسده و يجد لذّتها و طيبها حتّى يبعث . قال عليه السّلام : و إذا دخل الكافر قبره قالت : لا مرحبا بك و لا أهلا أما و اللّه لقد كنت ابغضك و أنت تمشى على ظهري فكيف إذا دخلت بطني سترى ذلك . قال : فتضمّ عليه فتجعله رميما و يعاد كما كان و يفتح له باب إلى النّار فيرى مقعده من النّار ، ثمّ قال : ثمّ انّه يخرج منه رجل أقبح من رأى قطّ قال : فيقول يا عبد اللّه من أنت ما رأيت شيئا أقبح منك ، قال : فيقول : أنا عملك السيّى‏ء الذي كنت تعمله و رأيك الخبيث . قال ثمّ تؤخذ روحه فتوضع حيث رأى مقعده من النّار ، ثمّ لم تزل نفحة من النّار تصيب جسده فيجد ألمها و حرّها في جسده إلى يوم يبعث ، و يسلّط اللّه على روحه تسعة و تسعين تنّينا تنهشه ليس فيها تنّين ينفخ على ظهر الأرض فتنبت شيئا . و هذه الضّغطة هى التي ضمنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لفاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام . و قد روى أنّه لمّا حفر لها قبر اضطجع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقيل له صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذلك فقال : إنّي ذكرت ضغطة القبر عندها يوما و ذكرت شدّتها فقالت : و اضعفاه [ 59 ] ليس لي طاقة عليها فقلت لها : إنّي أضمن لك على اللّه فاضطجعت في قبرها لذلك . و في الكافي عن أبي بصير قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السّلام : أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟ قال : فقال عليه السّلام : نعوذ باللّه منها ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ، إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على قبرها فرفع رأسه إلى السّماء فدمعت عيناه و قال للنّاس : ذكرت هذه و ما لقيت فرققت لها و استوهبتها من ضمّة القبر ، قال : فقال : اللّهمّ هب لي رقيّة من ضمّة القبر فوهبها اللّه له . قال عليه السّلام و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خرج في جنازة سعد و قد شيّعه سبعون ألف ملك فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأسه إلى السّماء ثمّ قال : مثل سعد يضمّ ؟ قال : قلت جعلت فداك : إنا نحدّث أنّه كان يستخفّ بالبول ، فقال عليه السّلام : معاذ اللّه إنّما كان من زعارة 1 في خلقه على أهله قال : فقالت أمّ سعد هنيئا لك يا سعد ، قال : فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : يا امّ سعد لا تحتمي على اللّه . و عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : يسأل و هو مضغوط . قال المحدّث المجلسي « ره » في حقّ اليقين : يفهم من الأحاديث المعتبرة أنّ ضغطة القبر للبدن الأصلي و أنّها تابعة للسؤال ، فمن لا سؤال عنه لا ضغطة له و فيه عن الصّدوق عن الصّادق عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ ضغطة القبر للمؤمن كفّارة عمّا صدر عنه من تضييع نعم اللّه سبحانه . و في الكافي عن يونس قال : سألته عن المصلوب يعذّب عذاب القبر ؟ قال : فقال : نعم إنّ اللّه عزّ و جلّ يأمر الهواء أن يضغطه . و في رواية اخرى سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر ، فقال عليه السّلام : إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فيوحي اللّه عزّ و جلّ إلى الهواء فيضغطه ضغطة هو أشدّ من ضغطة القبر . و فيه في رواية أبي بصير التي تقدّم صدرها في ذكر حالة الاحتضار عن أبي ----------- ( 1 ) زعارة بد خوى شدن ، كنز . [ 60 ] عبد اللَّه عليه السّلام ، فاذا ادرج في أكفانه و وضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما و تلقاه أرواح المؤمن و يبشّرونه بما أعدّ اللَّه له جلّ ثناؤه من النّعيم ، فاذا وضع في قبره ردّ إليه الرّوح إلى و ركيه ثمّ يسأل عمّا يعلم فاذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، فيدخل عليه من نورها و بردها و طيب ريحها . قال : قلت جعلت فداك فأين ضغطة القبر ؟ فقال عليه السّلام : هيهات ما على المؤمنين منها شي‏ء و اللَّه إنّ هذه الأرض لتفتخر على هذه فيقول : وطى‏ء على ظهري مؤمن و لم يطاء على ظهرك مؤمن ، و اللَّه لقد كنت احبّك و أنت تمشي على ظهري فأما إذا وليتك فستعلم ماذا أصنع بك فتفسح له مدّ بصره ، هذا . و في الحقّ اليقين بعد ايراده الأخبار الواردة في الضغطة ممّا قدّمنا روايتها و ما لم يتقدّم قال : و الجمع بين هذه الأخبار في غاية الاشكال إذ لو حملنا المؤمن فيها على المؤمن الكامل فأيّ كامل أكمل من فاطمة بنت أسد و رقيّة ابنة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و سعد بن معاذ . اللّهمّ إلاّ أن يحمل ما في فاطمة و رقيّة على الاحتياط و الاطمينان و حصول الاضطجاع و الدّعاء أو يقال المراد بالمؤمن المعصوم و من يتلو مرتبة العصمة كسلمان و أبي ذر و نظرائهما ، و يمكن حمل أخبار عدم الضغطة للمؤمن على عدم الضّغطة الشّديدة أو حمل أخبار عدم الضّغطة له على ما تكون على وجه الغضب ، و ما تدلّ عليها على ما تكون على وجه اللطف و ليكون قابلا لدخول الجنّة كما أنّ ابتلاءه بمحن الدّنيا و بلاياها كان لذلك . و يمكن أن يقال : إنّها كانت في صدر الاسلام عامّة للمؤمن و غيره ، ثمّ اختصّت بغيرهم بشفاعة الرّسول و الأئمة صلوات اللَّه و سلامه عليه و عليهم هذا . و بقي الكلام فيما يوجب ارتفاع الضّغطة و الأمن من بعض عقوبات البرزخ و هي امور كثيرة . [ 61 ] منها رشّ الماء على القبر فقد روي في الكافي عن أبيعبد اللَّه عليه السّلام أنّه قال : يتجافي عنه العذاب ما دام النّدى في التّراب . و منها الجريدتان ففى الوسائل عن الصّدوق باسناده إلى زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : أرأيت الميّت إذا مات لم تجعل معه الجريدتان ؟ فقال عليه السّلام يتجافي عنه العذاب أو الحساب ما دام العود رطبا إنّما العذاب و الحساب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر و يرجع القوم و إنّما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إنشاء اللَّه . و منها الوفاة ليلة الجمعة أو يومها ففي الأنوار للسيّد الجزائري رحمه اللَّه قد ورد في الأخبار المعتبرة ، أنّ من مات من المؤمنين ليلة الجمعة أو يومها أمن من ضغطة القبر ، قال « ره » و ربّما ورد أنّ بعض أعمال البرّ و الأدعية المأثورة تدفعها أيضا ، و هو ليس ببعيد فانّ رحمة اللَّه قريب من المحسنين . و منها الدّفن في وادي السّلام فقد روى في الأنوار أيضا من كتاب إرشاد القلوب في فضل المشهد الشّريف الغروي و ما لتربته و الدّفن فيها من المزيّة و الشّرف . روي عن أبيعبد اللَّه عليه السّلام أنّه قال : الغري قطعة من الجبل الذي كلّم اللَّه موسى عليه تكليما ، و قدّس عليه تقديسا و اتّخذ عليه إبراهيم خليلا ، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله حبيبا و جعله للنّبيّين مسكنا . و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام نظر إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك و أطيب قعرك ، اللّهمّ اجعل قبري بها . قال : و من خواصّ تربته اسقاط عذاب القبر و ترك محاسبة منكر و نكير من المدفون هناك كما وردت به الأخبار الصّحيحة عن أهل البيت عليهم السّلام . أقول : و نظير ما رواه عن أمير المؤمنين عليه السّلام ما رواه في الكافي عن حبّة العرني قال : خرجت مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الظهر فوقف بوادي السّلام كأنّه مخاطب [ 62 ] لأقوام ، فقمت بقيامه حتّى أعييت ، ثمّ جلست حتّى مللت ، ثمّ قمت حتّى نالني مثل ما نالني أوّلا ، ثمّ جلست حتّى مللت . ثمّ قمت و جمعت ردائي فقلت يا أمير المؤمنين إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ، ثمّ طرحت الرّداء ليجلس عليه . فقال لي : يا حبة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته قال : قلت : يا أمير المؤمنين و إنّهم كذلك ؟ قال : نعم ، و لو كشف لرأيتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون ، فقلت : أجساد أم أرواح ؟ فقال لي : أرواح و ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاّ قيل : ألحقي بوادي السّلام و إنّها لبقعة من جنّة عدن . و المستفاد من هذه الرّواية و كثير من الأخبار المعتبرة أنّها جنّة الدّنيا و أنّ أرواح المؤمنين فيها كما أنّ أرواح الكفّار في بئر البرهوت . فقد روي في الكافي عن أحمد بن عمر رفعه عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قلت له : إنّ أخي ببغداد و أخاف أن يموت بها ، فقال عليه السّلام : ما يبالي حيث ما مات أما أنّه لا يبقى في شرق الأرض و غربها إلاّ حشر اللَّه روحه إلى وادي السّلام ، قال : قلت له : و أين وادي السّلام ؟ قال عليه السّلام : ظهر الكوفة أما أنّي كأنّي بهم حلق حلق قعود يتحدّثون . و عن محمّد بن أحمد باسناد له قال قال أمير المؤمنين عليه السّلام : شرّ بئر في النّار البرهوت الّذي فيه أرواح الكفّار . و عن السّكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت ، و هو واد بحضر موت ترد عليه هام الكفّار . و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و لا حاجة إلى ذكرها نعم في المقام خبر يستلذّ النّفس و يسرّ القلب به و هو ما رواه في الأنوار عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي و كان رجلا صالحا متعبّدا . قال : كنت في جامع الكوفة ذات ليلة مطيرة فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم و ذكر بعضهم أنّ معهم جنازة فأدخلوها و جعلوها على الصّفة التي تجاه باب [ 63 ] مسلم بن عقيل ، ثمّ إنّ أحدهم نعس فنام فرأى في منامه قائلا يقول لآخر : ما تبصره حتّى نبصر هل لنا معه حساب أم لا ، فكشف عن وجه الميّت و قال لصاحبه بل لنا معه حساب و ينبغي أن نأخذه معجّلا قبل أن يتعدّي الرّصافة فما يبقى لنا معه طريق . فانتبه و حكى لهم المنام و قال : خذوه عجلا فأخذوه و مضوا به في الحال إلى المشهد الشّريف صلوات اللَّه و سلامه على مشرّفها . أقول : رزقنا اللَّه سبحانه و إخواني المؤمنين مجاورة حضرت مولاي و مولى العالمين عليه الصّلاة و السّلام حيّا و ميّتا ، و أنا أوصي خليفتي و وليّ أمري بعدي أن يدفنني في ذلك المقام الشّريف . و أقول له : إذا متّ فادفنّي إلى جنب حيدر أبي شبر أكرم به و شبير فلست أخاف النّار عند جواره و لا أتّقى من منكر و نكير فعار على حامي الحمى و هو في الحمي إذا ضلّ فى البيدا عقال بعير ثم أقول : ولايتي لأمير النّحل تكفيني عند الممات و تغسيلي و تكفيني و طينتي عجنت من قبل تكويني بحبّ حيدر كيف النّار تكويني ثم اناجى ربى و أقول : وفدت على الكريم بغير زاد من الحسنات و القلب السليم فحمل الزّاد أقبح كلّ شي‏ء إذا كان الوفود على الكريم الترجمة و بعض ديگر از اين خطبه شريفه در صفت خلقت انسانست كه ميفرمايد : آيا ياد آوري نمايم شما را باين انساني كه ايجاد فرمود او را صانع حكيم در ظلمتهاى رحمها و در غلافهاى پرده‏ها در حالتى كه نطفه بود ريخته شده و علقه ناقص گشته و بچه پنهان در شكم زنان و طفل شيرخواره و از شير بازگرفته و بسنّ احتلام رسيده . [ 64 ] پس از آن عطا فرمود او را قلب حفظ كننده ، و زبان گوينده ، و ديده نگرنده تا فهم كند در حالتى كه عبرت گيرنده باشد و باز ايستد از معصيت در حالتى كه نفس خود را زجر كننده شود ، تا اينكه قايم شد حدّ اعتدال او ، و راست شد پيكر و مثال او ، رميد و نفرت نمود از حق در حالتى كه گردن‏كش بود ، و خبط كرد در حالتى كه بى‏باك بود . آب كشنده بود در دلو بزرگ هوس و هواى خود ، رنج كشنده بود و سعى كننده از براى دنياى خود در لذّتهاى شاديش و در حاجتهاى خطور كننده قلب خويش در حالتى كه گمان نمى‏نمود مصيبتى كه برسد باو ، و نمى‏ترسيد از محذورى كه وارد شود باو پس مرد در ضلالت خود در حالتى كه غافل بود از غضب مالك الملك ، و زندگانى كرد در لغزيدن خود در زمان اندك . كسب ننمود عوض نعمتها را در دنيا ، و بجا نياورد فرايض لازمه برخود را ، هجوم آور شد بر او اندوههاى مرك در بقاياى سوارى او بر هواى خود ، و در راههاى سرور و شادى خود ، پس متحيّر گشت و شب را بر بيدارى بروز آورد در شدّتهاى دردها و نازل شده‏هاى المها و بيماريها در ميان برادر كه شقّه‏ايست از جان و پدر مهربان و مادر و اويلا گوينده از روى جزع و خواهر بسينه زننده از روى اضطراب و فزع و حال آنكه آن مرد در سكرات موتست مشتمله بر تعب و شدت ، و در غمرات مرگست متّصفه با نهايت مشقّت ، و در نالهاى درد آورنده ، و در كشش روح اندوه آورنده ، و راندن رنجاننده . پس پيچيده شد در كفنهاى خود در حالتى كه مأيوس بود و حزين ، و كشيده شد در حالتى كه اطاعت كننده بود آسان و ليّن ، پس انداخته شد در چوبهاى نعش مثل شتر مردّد در اسفار ، و همچو شتر لاغر از كثرت بار ، در حالتى كه بردارند او را فرزندان يارى دهنده ، و برادران جمع شونده بسوى قبر كه سراى غربت اوست و جاى بريدن زيارت از اوست . « ج 4 » [ 65 ] تا آنكه چون رجوع كند تشييع كننده و بر ميگردد اندوه خورنده نشانده ميشود در قبر در حالتى كه راز گوينده باشد از جهة بهت و حيرتى كه حاصل ميشود او را از سؤال ، و بجهة لغزش در امتحانى كه او راست در عقايد و اعمال ، و بزرگترين چيزى كه آنجاست از حيثيت بلا پيشكش آب گرم و جوشانست ، و در آوردن اوست در آتش سوزان ، و جوششهاى آتش سرخ شده ، و شدّتهاى صداى نار موقده . نيست آنجا سستى كه راحت كننده از عذاب باشد ، و نه آرميدنى كه زايل كننده عقاب باشد ، و نه مرك حاضر كه باعث استراحت او شود ، و نه خواب اندك كه سبب فراموشى زحمت او گردد ، بلكه هميشه در ميان أنواع مرگها باشد ، و در ميان عذابهاى ساعت بساعت ، بدرستى كه پناه ميبريم بخدا از اين عذاب و عنا . الفصل الثامن عباد اللَّه ، أين الّذين عمّروا فنعموا ، و علّموا ففهموا ، و أنظروا فلهوا ، و سلّموا فنسوا ، أمهلوا طويلا ، و منحوا جميلا ، و حذّروا أليما ، و وعدوا جسيما ، أحذروا الذّنوب المورطة ، و العيوب المسخطة ، أولي الأبصار و الأسماع ، و العافية و المتاع ، هل من مناص أو خلاص ، أو معاذ أو ملاذ ، أو فرار أو محار ، أم لا فأنّى تؤفكون ، أم أين تصرفون ، أم بماذا تغترّون ، و إنّما حظّ أحدكم من الأرض ، ذات الطّول و العرض ، قيد قدّه ، منعفرا على خدّه ، الان عباد اللَّه و الخناق مهمل ، و الرّوح مرسل ، في فينة الإرشاد ، و راحة الأجساد ، و باحة [ 66 ] الإحتشاد ، و مهل البقيّة ، و أنف المشيّة ، و إنظار التّوبة ، و انفساح الحوبة ، قبل الضّنك و المضيق ، و الرّوع و الزّهوق ، و قبل قدوم الغآئب المنتظر ، و أخذة العزيز المقتدر . قال السّيّد ( ره ) و في الخبر أنّه عليه السّلام لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود و بكت العيون و رجفت القلوب ، و من النّاس من يسمّى هذه الخطبة الغرّاء . اللغة ( احذروا ) أمر من حذر بالكسر من باب علم و ( الورطة ) الهلكة و أرض مطمئنّة لا طريق فيها و أورطه ألقاه فيها و ( المناص ) الملجأ و ( المحار ) المرجع من حار يحور أي رجع قال تعالى : إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ و ( أفك ) من باب ضرب و علم أفكا بالفتح و الكسر و التّحريك كذب و افكه عنه يأفكه صرفه و قلبه أو قلب رأيه و ( القيد ) كالقاد المقدار و ( المعفر ) محرّكة التّراب و عفره في التّراب يعفره من باب ضرب و عفّره فانعفر و تعفّر مرّغه فيه أودسّه و ( الخناق ) ككتاب حبل يخنق به و يقال أخذ بخناقه أى بحلقه لأنّه موضع الخناق فالطلق عليه مجازا و ( فينة ) السّاعة و الحين يقال لقيتة الفينة بعد الفينة و قد يحذف اللاّم و يقال لقيته فينة بعد فينة . و في بعض النّسخ الارتياد بدل ( الارشاد ) و هو الطّلب و ( الباحة ) السّاحة و الفضاء و ( الاحتشاد ) الاجتماع و ( انف ) الشي‏ء بضمّتين أوّله و ( الانفساح ) من الفسحة و هو السّعة و ( الحوبة ) الحالة و الحاجة و ( و الضّنك ) و الضّيق بمعنى واحد و ( المضيق ) ما ضاق من المكان و المراد هنا القبر و ( الرّوع ) الفزع و ( زهق ) نفسه من باب منع و سمع زهوقا خرجت و زهق الشي‏ء بطل و هلك . و « اقشعرّ جلده » أخذته قشعريرة أي رعدة و « رجفت القلوب » اضطربت [ 67 ] و « الخطبة الغرّاء » بالغين المعجمة أي المتّصفة بالغرّة قال في القاموس : و الغرّة من المتاع خياره و من القوم شريفهم و من الرّجل وجهه و كلّ ما بدالك من ضوء أو صبح فقد بدت غرّته . الاعراب قوله عباد اللَّه منصوب على النّداء بحذف حرفه ، و كذلك قوله عليه السّلام : اولى الأبصار ، و قوله : هل من مناص استفهام على سبيل الانكار و الابطال ، و أم في قوله أم لا منقطعة بمعنى بل فهى مثل أم في قوله : هَلْ يَسْتَوِي الْأعْمى وَ الْبَصيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ » و الشّاهد في الثّانية فانّه سبحانه بعد إبطال استواء الأعمى و البصير و الظلمات و النّور أضرب عن ذلك و أخبر عن حالهم بأنّهم جعلوا للَّه شركاء ، و كذلك الامام عليه السّلام بعد إنكار المناص و الخلاص و إبطاله أضرب عن ذلك و أخبر بأنّه ليس هناك مناص و لا خلاص . و قوله : فأنّى تؤفكون ، أنّى بمعنى كيف أو بمعنى أين و من مقدّرة قبلها أى من أين تؤفكون ، صرّح به نجم الأئمة الرّضى في مبحث الظروف من شرح الكافية ، و ذا في قوله أم بماذا تغترون إمّا زايدة و هو الأظهر أو بمعنى الذي كما في ماذا لقيت ، و منعفرا حال من الضّمير في قدّه . و قوله : الآن من ظروف الزّمان مبنىّ على الفتح و اختلفوا في علّة البناء و الأظهر ما قاله أبو عليّ من أنّه متضمّن لمعنى ال الحضوري لأنّ معناه الزّمن الحاضر ، و اللاّم فيه زايدة لازمة و ليست للتّعريف كما توهّم السّيرافي و ابن عصفور إذ لا تعرف انّ التي للتّعريف تكون لازمة و هذه لازمة لأنّ الآن لم يسمع مجرّدا عنها ، و كيف فهو مفعول فيه و العامل محذوف ، و التّقدير اعملوا و اغتنموا الفرصة الآن . [ 68 ] و جملة و الخناق مهمل ، في محلّ الانتصاب على الحال من عباد اللَّه و العامل النّداء المحذوف لكونه في معنى الفعل ، و اللام في الخناق عوض عن المضاف إليه أى خناقكم على حدّ و علّم آدم الأسمآء ، أي أسماء المسمّيات ، و كذا في الرّوح و قوله في فينة الارشاد ، متعلّق بقوله مرسل و في للظرفية المجازيّة ، و قيل الضنك ظرف للفعل المحذوف الذي جعلناه العامل في الآن . المعنى اعلم أنّ هذا الفصل متضمّن للتذكير بحال السّلف و للأمر بالكفّ عن المعاصي و للحثّ على التّدارك للذنوب قبل الموت بتحصيل التوبة و الانابة و هو قوله : ( عباد اللَّه أين الذين عمّروا فنعموا ) أى أعطاهم اللَّه العمر فصاروا ناعمين أى صاحبى سعة في العيش و الغذاء ( و علّموا ففهموا ) أى علّمهم الأحكام ففهموا الحلال و الحرام ( و أنظروا ) في مدّة الأجل ( فلهوا ) بطول الأمل ( و سلّموا ) في العاجلة ( فنسوا ) العاجلة ( أمهلوا ) زمانا ( طويلا ) و أمدا بعيدا ( و منحوا ) عطاء ( جميلا ) و عيشا رغيدا ( و حذروا عذابا أليما ) و جحيما ( و وعدوا ) ثوابا ( جسيما ) و عظيما ( احذروا الذنوب المورطة ) أي المعاصي الموقعة في ورطة الهلاكة و العقاب ( و العيوب المسخطة ) أي المساوي الموجبة لغضب ربّ الأرباب . ( أولي الأبصار و الأسماع و العافية و المتاع ) و إنّما خصّ هؤلاء بالنّداء و خصّصهم بالخطاب لأنهم القابلون للاتعاظ و الاذكار و اللائقون للانتهار و الانزجار بما أعطاهم اللَّه من الأبصار و البصاير منحهم من الأسماع و الضماير و بذل لهم من الصّحّة و السّلامة في الأجساد و منّ به عليهم من المتاع و الأموال و الأولاد الموجبة للاعراض عن العقبا و الرّغبة إلى الدّنيا و الباعثة على ترك سبيل الرّحمن و سلوك سبيل الشّيطان و الداعية إلى ترك الطّاعات و الاقتحام في الهلكات . ثمّ استفهم على سبيل التكذيب و الانكار بقوله : ( هل من مناص ) من العذاب ( أو خلاص ) من العقاب ( أو معاذ ) من الوبال ( أو ملاذ ) من النكال ( أو فرار ) من الحميم ( أو محار ) من الجحيم ( أم لا و ليس فانّى تؤفكون ) و تنقلبون ( أم أين [ 69 ] تصرفون ) و تلفتون ( أم بماذا تغترّون ) و تفتنون ( و انّما حظّ أحدكم من الأرض ) الغبراء ( ذات الطول و العرض ) و الارجاء ( قيد قدّه ) و قامته ( منعفرا على خدّه ) و وجنته . اعملوا ( الآن ) و اغتنموا الفرصة فيهذا الزّمان يا ( عباد اللَّه و الخناق مهمل و الرّوح مرسل ) أي أعناق نفوسكم مهملة من الأخذ بخناق الموت و أرواحكم متروكة من الجذب بحبال الفناء و الفوت ( في فينة الارشاد ) و الهداية إلى الجنان ( و راحة الاجساد ) و استراحة الأبدان ( و باحة الاحتشاد ) أي ساحة اجتماع الأشباه و الاقران ( و مهل البقية و انف المشيّة ) أي مهملة بقيّة الحياة و أوّل أزمنة الارادات . و أشار بذلك إلى أنّ اللاّزم على الانسان أن يجعل أوّل زمان إرادته و ميل خاطره إلى اكتساب الفضائل و اجتناب الرّذايل و يكون همّته يومئذ مصروفة في اتيان الطاعات و اقتناء الحسنات ليكون ما يرد على لوح نفسه من الكمالات و اردا على لوح صاف من الكدورات سالم عن رين الشّبهات إذ لو انعكس الأمر و جعل أوايل ميوله و إرادته منصرفة إلى اتيان المعاصي و الخطيئات تسوّد وجه نفسه بسوء الملكات فلم يكد يقبل بعد ذلك الاستضائة بنور الحقّ و الاهتداء إلى الخيرات . ( و انظار التّوبة و انفساح الحوبة ) أراد به إمهال اللَّه لهم لأجل تحصيل التوبة و إعطائه لهم اتساع الحالة و وسعة المجال لاكتساب الحسنات الأعمال ( قبل الضّنك و المضيق ) أي قبل ضيق الزّمان و مضيق المكان ( و الرّوع و الزّهوق ) أى الفزع و خروج الرّوح من الأبدان ( و قبل قدوم ) الموت الذي هو ( الغائب المنتظر و أخذة ) الذي هو ( العزيز ) الغالب ( المقتدر ) فانّه إذا قدم الموت بطل التكليف و استحال تدارك الذنوب و لا ينفع النّدامة . و لذلك قال أبو جعفر عليه السّلام : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : الموت الموت ألا و لا بدّ من الموت ، جاء الموت بما فيه جاء بالرّوح و الرّاحة و الكرّة المباركة إلى جنّة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم ، و جاء الموت بما فيه [ 70 ] بالشّقوة و النّدامة و الكرّة الخاسرة إلى نار حامية لأهل دار الغرور الذين كان لها سعيهم و فيها رغبتهم . ثمّ قال : و قال إذا استحقّت ولاية اللّه و السّعادة جاء الأجل بين العينين و ذهب الأمل وراء الظهر ، و إذا استحقت ولاية الشّيطان جاء الأمل بين العينين و ذهب الأجل وراء الظهر . قال عليه السّلام : و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أيّ المؤمنين أكيس ؟ فقال : أكثرهم ذكرا للموت و أشدّهم له استعدادا . قال السّيد ( ره ) و في الخبر أنّه لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعرّت لها الجلود و ارعدت و بكت العيون و اسكبت 1 و رجفت القلوب و اضطربت و من النّاس من يسمّى هذه الخطبة الغرّاء . أقول : و هى حقيقة بهذه التسمية لكونها من خيار خطبه و شرايفها و وجوهها لما تضمّنه معناها من الحكمة و الموعظة الحسنة و هى كافية في الهداية و الارشاد للطّالب الرّاغب إلى الثّواب و وافية في مقام التحذير و الانذار للهارب الرّاهب من العقاب . و لما اشتملت عليه الفاظها من انواع المحسّنات البيانيّة و البديعيّة من الانسجاء و الترصيع و التنجيس و السّجع و المقابلة و الموازنة و المجاز و الاستعارة و الكناية و غيرها . و ناهيك حسنا قوله عليه السّلام في هذا الفصل : هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار ، و قوله فى الفصل الرّابع ، فاتقوا اللّه تقيّة من سمع فخشع و اقترف فاعترف و وجل فعمل إلى آخر ما قاله . فانّك إذا لا حظت كلّ لفظة منها وجدتها آخذة برقبة قرينتها ، جاذبة لها إليها دالّة عليها بذاتها و محسّنات كلامه غنيّة عن الاظهار غير محتاجة إلى التّذكار إذ تكلّف الاستدلال على أنّ الشّمس مضيئة يتعب و صاحبه ينسب إلى ----------- ( 1 ) اى اسكبت الدموع [ 71 ] السّفه و ليس جاحدا لأمور المعلومة بالضّرورة بأشدّ سفها ممّن رام الاستدلال عليها تكملة اعلم أنّ بعض فصول هذه الخطبة مرويّ في البحار من كتاب عيون الحكمة و المواعظ لعليّ بن محمّد الواسطي باختلاف يسير لما هنا ، و هو من الفصل الخامس إلى آخرها و لا حاجة لنا إلى ايراده نعم روى كلام آخر له عليه السّلام فيه من الكتاب الذي اشرنا إليه بعض فصول هذه الخطبة مدرّج فيه و أحببت ايراده لاقتضاء المقام ذلك . قال ( ره ) و من كلام له عليه السّلام إنّكم مخلوقون اقتدارا ، و مربوبون ايتسارا إلى آخر ما يأتي إنشاء اللّه في تكملة الشّرح الخطبة المأتين و الرّابعة و العشرين الترجمة أى بندگان خدا كجايند آنكسانيكه معمّر شدند پس منعم شدند بناز و نعمت ، و تعليم شدند پس فهميدند بذكاء و فطنت ، و مهلت داده شدند پس غفلت ورزيدند از طاعات ، و سالم گردانيده شدند پس فراموشي اختيار كردند بر تذكيرات حذر نمائيد از ذنوبى كه مياندازد بورطه هلاكت ، و از عيوبى كه باعث ميشود بخشم حضرت عزّت . اى صاحبان ديده‏هاى بينا و گوشهاى شنوا و خداوندان سلامتى و متاع دنيا آيا هيچ پناه‏گاهى هست از عذاب ، يا خلاصي هست از عقاب ، يا هيچ ملجائى هست از شدّت ، يا ملاذي هست از عقوبت ، يا هيچ گريزى هست از آتش جحيم ، يا مرجعى هست از عذاب أليم ، يا اينكه چاره و علاج نيست و مفرّ و مناص نه ؟ پس چگونه گردانيده ميشويد از فرمان خدا ، يا كجا صرف كرده ميشويد يا بچه چيز مغرور ميباشيد و جز اين نيست كه نصيب هر يكى از شما از زميني كه صاحب طولست و عرض مقدار قامت اوست در حالتى كه خاك آلوده باشد بر رخسار خود . عمل بكنيد و فرصت غنيمت شماريد الآن اى بندگان خدا و حال آنكه [ 72 ] آنچيزى كه بآن أخذ كرده ميشود گردنهاى نفوس شما كه مرگست واگذاشته شده است ، و روحهاى شما ترك كرده شده است در ساعت رشادت يعني كسب كردن چيزهائيكه باعث رشد است و در راحت بدنها و در مهلت بقيه حياة و در اوّل ازمنه ارادات و در مهلت دادن بجهت تحصيل توبه و در وسعت و فراخي حالت پيش از زمان كوتاه و مكان تنك ، و قبل از ترس و رفتن جان از بدن و پيش از آمدن غايب انتظار كشيده شده كه عبارتست از موت ، و پيش از اخذ نمودن خداى غالب صاحب قدرت او را در سلسله عقوبت . قال الشارح عفى اللّه عنه : و ليكن هذا آخر ما أردنا ايراده في هذا المجلّد و هو المجلّد الثّانى 1 من مجلّدات منهاج البراعة في شرح النّهج ، و يتلوه إنشاء اللّه المجلّد الثّالث إن ساعدنا الوقت و المجال بتوفيق اللّه الملك المتعال ، و هذه هي النسخة الأصل التي كتبتها بيميني و أرجو من اللّه سبحانه أن يثبتها في صحايف أعمالي و يرجّح بها ميزان حسناتي و أن يؤتيها بيميني كما أمليتها بيميني إنّه على كلّ شي‏ء قدير و بالاجابة جدير ، و كان الفراغ منه في فجر العشرين من شهر ربيع الآخر 1303 . بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدى لو لا أن هدانا اللّه ، و الصّلاة و السّلام على عبده و رسوله محمّد حبيب اللّه ، و على آله الذين فضّلهم على العالمين و جعلهم أفضل عبدا اللّه و اختصّهم بالامامة و الولاية فصاروا أئمة الدّين و أولياء اللّه ، و أهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا ، و لعنة اللّه على أعدائهم الذين جعل مأواهم جهنّم لهم فيها زفير و شهيق و سائت مقاما و مصيرا . و بعد فهذا هو المجلّد الثالث من مجلّدات منهاج البراعة املاء راجي عفو ربّه الغنيّ « حبيب الله بن محمد بن هاشم الهاشمى العلوى الموسوى » أعطاه اللّه كتابه ----------- ( 1 ) هذا على حسب تجزأة المصنف ( قده ) كما في الطبعة الأولى . [ 73 ] بيمناه ، و جعل عقباه خيرا من اولاه ، و المرجوّ منه سبحانه أنّ يمنّ عليّ بإتمامه بقرب محمّد و آله . فأقول : قال السّيّد ( ره ) :