جستجو

و من كلام له ع لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه و قتل

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 53 ] 67 و من كلام له ع لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه و قتل وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَ لَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَا خَلَّى لَهُمُ اَلْعَرْصَةَ وَ لاَ أَنْهَزَهُمُ اَلْفُرْصَةَ بِلاَ ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَ كَانَ لِي رَبِيباً ذكر محمد بن أبي بكر و ذكر ولده أم محمد بن أبي بكر أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم كانت تحت جعفر بن أبي طالب و هاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة فخلف عليها أبو بكر الصديق فأولدها محمدا ثم مات عنها فخلف عليها علي بن أبي طالب و كان محمد ربيبه و خريجه و جاريا عنده مجرى أولاده رضع الولاء و التشيع مذ زمن الصبا فنشأ عليه فلم يكن يعرف له أبا غير علي و لا يعتقد لأحد فضيلة غيره حتى قال علي ع محمد ابني من صلب أبي بكر و كان يكنى أبا القاسم في قول ابن قتيبة و قال غيره بل كان يكنى أبا عبد الرحمن . [ 54 ] و كان محمد من نساك قريش و كان ممن أعان على عثمان في يوم الدار و اختلف هل باشر قتل عثمان أم لا و من ولد محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه الحجاز و فاضلها و من ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم بن محمد كان من فضلاء قريش و يكنى أبا محمد و من ولد القاسم أيضا أم فروة تزوجها الباقر أبو جعفر محمد بن علي فأولدها الصادق أبا عبد الله جعفر بن محمد ع و إلى أم فروة أشار الرضي أبو الحسن بقوله يفاخرنا قوم بمن لم نلدهم بتيم إذا عد السوابق أو عدي و ينسون من لو قدموه لقدموا عذار جواد في الجياد مقلد فتى هاشم بعد النبي و باعها لمرمي علا أو نيل مجد و سؤدد و لو لا علي ما علوا سرواتها و لا جعجعوا فيها بمرعى و مورد أخذنا عليكم بالنبي و فاطم طلاع المساعي من مقام و مقعد و طلنا بسبطي أحمد و وصيه رقاب الورى من متهمين و منجد و حزنا عتيقا و هو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد فجد نبي ثم جد خليفة فأكرم بجدينا عتيق و أحمد و ما افتخرت بعد النبي بغيره يد صفقت يوم البياع على يد قوله و لو لا علي ما علوا سرواتها البيت ينظر فيه إلى قول المأمون في أبيات يمدح فيها عليا أولها الأم على حبي الوصي أبا الحسن و ذلك عندي من أعاجيب ذا الزمن و البيت المنظور إليه منها قوله [ 55 ] و لولاه ما عدت لهاشم إمرة و كان مدى الأيام يعصى و يمتهن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و نسبه و أما هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب فعمه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة و أبوه عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعية رسول الله ص يوم أحد و كلم شفتيه و شج وجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه و يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم و هو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله عز و جل لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ . و قال حسان بن ثابت في ذلك اليوم إذا الله حيا معشرا بفعالهم و نصرهم الرحمن رب المشارق فهدك ربي يا عتيب بن مالك و لقاك قبل الموت إحدى الصواعق بسطت يمينا للنبي محمد فدميت فاه قطعت بالبوارق فهلا ذكرت الله و المنزل الذي تصير إليه عند إحدى الصعائق فمن عاذري من عبد عذرة بعد ما هوى في دجوجي شديد المضايق [ 56 ] و أورث عارا في الحياة لأهله و في النار يوم البعث أم البوائق و إنما قال عبد عذرة لأن عتبة بن أبي وقاص و إخوته و أقاربه في نسبهم كلام ذكر قوم من أهل النسب أنهم من عذرة و أنهم أدعياء في قريش و لهم خبر معروف و قصة مذكورة في كتب النسب . و تنازع عبد الله بن مسعود و سعد بن أبي وقاص في أيام عثمان في أمر فاختصما فقال سعد لعبد الله اسكت يا عبد هذيل فقال له عبد الله اسكت يا عبد عذرة . و هاشم بن عتبة هو المرقال سمي المرقال لأنه كان يرقل في الحرب إرقالا و هو من شيعه علي و سنفصل مقتله إذا انتهينا إلى فصل من كلامه يتضمن ذكر صفين . فأما قوله لما خلى لهم العرصة فيعني عرصة مصر و قد كان محمد رحمه الله تعالى لما ضاق عليه الأمر ترك لهم مصر و ظن أنه بالفرار ينجو بنفسه فلم ينج و أخذ و قتل . و قوله و لا أنهزهم الفرصة أي و لا جعلهم للفرصة منتهزين و الهمزة للتعدية يقال أنهزت الفرصة إذا أنهزتها غيري . و نحن نذكر في هذا الموضع ابتداء أمر الذين ولاهم علي ع مصر إلى أن ننتهي إلى كيفية ملك معاوية لها و قتل محمد بن أبي بكر و ننقل ذلك من كتاب إبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي و هو كتاب الغارات [ 57 ] ولاية قيس بن سعد على مصر ثم عزله قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان الثقفي قال حدثني علي بن محمد بن أبي سيف عن الكلبي أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس هو الذي حرض المصريين على قتل عثمان و ندبهم إليه و كان حينئذ بمصر فلما ساروا إلى عثمان و حصروه وثب هو بمصر على عامل عثمان عليها و هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي فطرده عنها و صلى بالناس فخرج ابن أبي سرح من مصر و نزل على تخوم أرضها مما يلي فلسطين و انتظر ما يكون من أمر عثمان فطلع عليه راكب فقال له يا عبد الله ما وراءك ما خبر الناس بالمدينة قال قتل المسلمون عثمان فقال ابن أبي سرح إنا لله و إنا إليه راجعون ثم صنعوا ما ذا يا عبد الله قال بايعوا ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب فقال ثانية إنا لله و إنا إليه راجعون فقال الرجل أرى أن ولاية علي عدلت عندك قتل عثمان قال أجل فنظر إليه متأملا له فعرفه فقال أظنك عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير مصر قال أجل قال إن كانت لك في الحياة حاجة فالنجاء النجاء فإن رأي علي فيك و في أصحابك إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد المسلمين و هذا أمير تقدم بعدي عليكم قال و من الأمير قال قيس بن سعد بن عبادة فقال ابن أبي سرح أبعد الله ابن أبي حذيفة فإنه بغى على ابن عمه و سعى عليه و قد كان كفله و رباه و أحسن إليه و أمن جواره فجهز الرجال إليه حتى قتل و وثب على عامله . و خرج ابن أبي سرح حتى قدم على معاوية بدمشق . قال إبراهيم و كان قيس بن سعد بن عبادة من شيعة علي و مناصحيه فلما ولى الخلافة قال له سر إلى مصر فقد وليتكها و اخرج إلى ظاهر المدينة و اجمع ثقاتك و من [ 58 ] أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر و معك جند فإن ذلك أرعب لعدوك و أعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن و اشتد على المريب و ارفق بالعامة و الخاصة فالرفق يمن . فقال قيس رحمك الله يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت فأما الجند فإني أدعه لك فإذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك و إن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كان لك عدة و لكني أسير إلى مصر بنفسي و أهل بيتي و أما ما أوصيتني به من الرفق و الإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك قال فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتى دخل مصر فصعد المنبر و أمر بكتاب معه يقرأ على الناس فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله بحسن صنعه و قدره و تدبيره اختار الإسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله و بعث به أنبياءه إلى عباده فكان مما أكرم الله عز و جل به هذه الأمة و خصهم به من الفضل أن بعث محمدا ص إليهم فعلمهم الكتاب و الحكمة و السنة و الفرائض و أدبهم لكيما يهتدوا و جمعهم لكيلا يتفرقوا و زكاهم لكيما يتطهروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه فعليه صلوات الله و سلامه و رحمته و رضوانه ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين فعملا بالكتاب و السنة و أحييا السيرة و لم يعدوا السنة ثم توفيا رحمهما الله فولي بعدهما وال أحدث أحداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا فغيروا ثم جاءوني فبايعوني و أنا أستهدي الله الهدى و أستعينه على التقوى ألا و إن لكم علينا العمل بكتاب الله و سنة رسوله و القيام بحقه و النصح لكم بالغيب و الله المستعان على ما تصفون و حسبنا الله و نعم الوكيل [ 59 ] و قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فوازروه و أعينوه على الحق و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشدة على مريبكم و الرفق بعوامكم و خواصكم و هو ممن أرضى هديه و أرجو صلاحه و نصحه نسأل الله لنا و لكم عملا زاكيا و ثوابا جزيلا و رحمة واسعة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . و كتبه عبد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست و ثلاثين . قال إبراهيم فلما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال الحمد لله الذي جاء بالحق و أمات الباطل و كبت الظالمين أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم من بعد نبينا محمد ص فقوموا فبايعوا على كتاب الله و سنة رسوله فإن نحن لم نعمل بكتاب الله و سنة رسوله فلا بيعة لنا عليكم . فقام الناس فبايعوا و استقامت مصر و أعمالها لقيس و بعث عليها عماله إلا أن قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان و بها رجل من بني كنانة يقال له يزيد بن الحارث فبعث إلى قيس إنا لا نأتيك فابعث عمالك فالأرض أرضك و لكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس . و وثب محمد بن مسلمة بن مخلد بن صامت الأنصاري فنعى عثمان و دعا إلى الطلب بدمه فأرسل إليه قيس ويحك أ علي تثب و الله ما أحب أن لي ملك الشام و مصر و أني قتلتك فاحقن دمك فأرسل إليه مسلمة إني كاف عنك ما دمت أنت والي مصر . و كان قيس بن سعد ذا رأي و حزم فبعث إلى الذين اعتزلوا أني لا أكرهكم على البيعة و لكني أدعكم و أكف عنكم فهادنهم و هادن مسلمة بن مخلد و جبى الخراج و ليس أحد ينازعه . [ 60 ] قال إبراهيم و خرج علي ع إلى الجمل و قيس على مصر و رجع من البصرة إلى الكوفة و هو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية لقرب مصر و أعمالها من الشام و مخافة أن يقبل علي بأهل العراق و يقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع بينهما . فكتب معاوية إلى قيس و علي يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أثرة رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتمه رجلا أو تعييره واحدا أو في استعماله الفتيان من أهله فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يحل لكم بذلك فقد ركبتم عظيما من الأمر و جئتم شيئا إدا فتب يا قيس إلى ربك إن كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة قبل الموت تغني شيئا و أما صاحبك فقد استيقنا أنه أغرى الناس بقتله و حملهم على قتله حتى قتلوه و أنه لم يسلم من دمه عظم قومك فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل و تابعنا على علي في أمرنا هذا و لك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت و لمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان و سلني عن غير هذا مما تحب فإنك لا تسألني شيئا إلا أتيته و اكتب إلى رأيك فيما كتبت إليك . فلما جاء إليه كتاب معاوية أحب أن يدافعه و لا يبدي له أمره و لا يعجل له حربه فكتب إليه أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت الذي ذكرت من أمر عثمان و ذلك أمر لم أقاربه و ذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان و دسهم إليه حتى قتلوه و هذا أمر لم أطلع عليه و ذكرت لي أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمري إن أولى [ 61 ] الناس كان في أمره عشيرتي و أما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه و ما عرضته علي فقد فهمته و هذا أمر لي نظر فيه و فكر و ليس هذا مما يعجل إلى مثله و أنا كاف عنك و ليس يأتيك من قبلي شي‏ء تكرهه حتى ترى و نرى إن شاء الله تعالى و السلام عليك و رحمة الله و بركاته . قال إبراهيم فلما قرأ معاوية كتابه لم يره إلا مقاربا مباعدا و لم يأمن أن يكون له في ذلك مخادعا مكايدا فكتب إليه أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما و لم أرك تتباعد فأعدك حربا أراك كحبل الجرور و ليس مثلي يصانع بالخداع و لا يخدع بالمكايد و معه عدد الرجال و أعنة الخيل فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك و إن أنت لم تفعل ملأت مصر عليك خيلا و رجلا و السلام . فلما قرأ قيس كتابه و علم أنه لا يقبل منه المدافعة و المطاولة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فالعجب من استسقاطك رأيي و الطمع في أن تسومني لا أبا لغيرك الخروج من طاعة أولى الناس بالأمر و أقولهم بالحق و أهداهم سبيلا و أقربهم من رسول الله وسيلة و تأمرني بالدخول في طاعتك و طاعة أبعد الناس من هذا الأمر و أقولهم بالزور و أضلهم سبيلا و أدناهم من رسول الله وسيلة و لديك قوم ضالون مضلون طواغيت من طواغيت إبليس و أما قولك إنك تملأ علي مصر خيلا و رجلا فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك إنك لذو جد و السلام . فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس و ثقل مكانه عليه و كان أن يكون مكانه غيره أحب إليه لما يعلم من قوته و تأبيه و نجدته و اشتداد أمره على معاوية فأظهر للناس أن [ 62 ] قيسا قد بايعكم فادعوا الله له و قرأ عليهم كتابه الذي لان فيه و قاربه و اختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام . للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد . أما بعد إن قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما و قد نظرت لنفسي و ديني فلم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله سبحانه لذنوبنا و نسأله العصمة لديننا ألا و إني قد ألقيت إليكم بالسلام و أجبتك إلى قتال قتلة إمام الهدى المظلوم فاطلب مني ما أحببت من الأموال و الرجال أعجله إليك إن شاء الله و السلام على الأمير و رحمة الله و بركاته . قال فشاع في الشام كلها أن قيسا صالح معاوية و أتت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك فأعظمه و أكبره و تعجب له و دعا ابنيه حسنا و حسينا و ابنه محمدا و عبد الله بن جعفر فأعلمهم بذلك و قال ما رأيكم فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا عن مصر قال علي و الله إني غير مصدق بهذا على قيس فقال عبد الله اعزله يا أمير المؤمنين فإن كان ما قد قيل حقا فلا يعتزل لك أن عزلته قال و إنهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد فيه أما بعد فإني أخبر يا أمير المؤمنين أكرمك الله و أعزك إن قبلي رجالا معتزلين سألوني أن أكف عنهم و أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فنرى و يرون و قد رأيت أن أكف عنهم و لا أعجل بحربهم و أن أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله أن يقبل بقلوبهم و يفرقهم عن ضلالتهم إن شاء الله و السلام . فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين إنك إن أطعته في تركهم و اعتزالهم استشرى الأمر و تفاقمت الفتنة و قعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها و لكن مره بقتالهم فكتب إليه [ 63 ] أما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و إلا فناجزهم و السلام قال فلما أتى هذا الكتاب قيسا فقرأه لم يتمالك أن كتب إلى علي أما بعد يا أمير المؤمنين تأمرني بقتال قوم كافين عنك و لم يمدوا يدا للفتنة و لا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين و كف عنهم فإن الرأي تركهم و السلام . فلما أتاه هذا الكتاب قال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر إلى مصر يكفك أمرها و اعزل قيسا فو الله لبلغني أن قيسا يقول إن سلطانا لا يتم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء و الله ما أحب أن لي سلطان الشام مع سلطان مصر و أنني قتلت ابن مخلد و كان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمه و كان يحب أن يكون له إمرة و سلطان فاستعمل علي ع محمد بن أبي بكر على مصر لمحبة له و لهوى عبد الله بن جعفر أخيه فيه و كتب معه كتابا إلى أهل مصر فسار حتى قدمها فقال له قيس ما بال أمير المؤمنين ما غيره أ دخل أحد بيني و بينه قال لا و هذا السلطان سلطانك و كان بينهما نسب كان تحت قيس قريبة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر الصديق فكان قيس زوج عمته فقال قيس لا و الله لا أقيم معك ساعة واحدة و غضب حين عزله علي عنها و خرج منها مقبلا إلى المدينة و لم يمض إلى علي بالكوفة . قال إبراهيم و كان قيس مع شجاعته و نجدته جوادا مفضالا فحدثني علي بن محمد بن أبي سيف عن هاشم عن عروة عن أبيه قال لما خرج قيس بن سعد من مصر فمر بأهل بيت من بلقين فنزل بمائهم فنحر له صاحب المنزل جزورا و أتاه بها فلما كان الغد نحر له أخرى ثم حبستهم السماء اليوم الثالث فنحر لهم ثالثة ثم إن السماء أقلعت [ 64 ] فلما أراد قيس أن يرتحل وضع عشرين ثوبا من ثياب مصر و أربعة آلاف درهم عند امرأة الرجل و قال لها إذا جاء صاحبك فادفعي هذه إليه ثم رحل فما أتت عليه إلا ساعة حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس و معه رمح و الثياب و الدراهم بين يديه فقال يا هؤلاء خذوا ثيابكم و دراهمكم فقال قيس انصرف أيها الرجل فإنا لم نكن لنأخذها قال و الله لتأخذنها فقال قيس لله أبوك أ لم تكرمنا و تحسن ضيافتنا فكافأناك فليس بهذا بأس فقال الرجل إنا لا نأخذ لقرى الأضياف ثمنا و الله لا آخذها أبدا فقال قيس أما إذ أبى ألا يأخذها فخذوها فو الله ما فضلني رجل من العرب غيره . قال إبراهيم و قال أبو المنذر مر قيس في طريقه برجل من بلي يقال له الأسود بن فلان فأكرمه فلما أراد قيس أن يرتحل وضع عند امرأته ثيابا و دراهم فلما جاء الرجل دفعته إليه فلحقه فقال ما أنا بائع ضيافتي و الله لتأخذن هذا أو لأنفذن الرمح بين جنبيك فقال قيس ويحكم خذوه . قال إبراهيم ثم أقبل قيس حتى قدم المدينة فجاءه حسان بن ثابت شامتا به و كان عثمانيا فقال له نزعك علي بن أبي طالب و قد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم و لم يحسن لك الشكر فزجره قيس و قال يا أعمى القلب يا أعمى البصر و الله لو لا ألقي بين رهطي و رهطك حربا لضربت عنقك ثم أخرجه من عنده . قال إبراهيم ثم إن قيسا و سهل بن حنيف خرجا حتى قدما على علي الكوفة فخبره قيس الخبر و ما كان بمصر فصدقه و شهد مع علي صفين هو و سهل بن حنيف قال إبراهيم و كان قيس طوالا أطول الناس و أمدهم قامة و كان سناطا أصلع شيخا شجاعا مجربا مناصحا لعلي و لولده و لم يزل على ذلك إلى أن مات . [ 65 ] قال إبراهيم حدثني أبو غسان قال أخبرني علي بن أبي سيف قال كان قيس بن سعد مع أبي بكر و عمر في سفر في حياة رسول الله ص فكان ينفق عليهما و على غيرهما و يفضل فقال له أبو بكر إن هذا لا يقوم به مال أبيك فأمسك يدك فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لأبي بكر أردت أن تبخل ابني إنا لقوم لا نستطيع البخل . قال و كان قيس بن سعد يقول في دعائه اللهم ارزقني حمدا و مجدا و شكرا فإنه لا حمد إلا بفعال و لا مجد إلا بمال اللهم وسع علي فإن القليل لا يسعني و لا أسعه ولاية محمد بن أبي بكر على مصر و أخبار مقتله قال إبراهيم و كان عهد علي إلى محمد بن أبي بكر الذي قرئ بمصر هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى الله في السر و العلانية و خوف الله تعالى في المغيب و المشهد و أمره باللين على المسلم و الغلظ على الفاجر و بالعدل على أهل الذمة و بالإنصاف للمظلوم و بالشدة على الظالم و بالعفو عن الناس و بالإحسان ما استطاع و الله يجزي المحسنين و أمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة فإن لهم في ذلك من العاقبة و عظم المثوبة ما لا يقدر قدره و لا يعرف كنهه و أمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل و لا ينتقص و لا يبتدع ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل و إن تكن لهم حاجة يواس بينهم في مجلسه و وجهه ليكون القريب و البعيد عنده على سواء و أمره أن يحكم بين الناس بالحق و أن يقوم بالقسط و لا يتبع الهوى و لا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه و آثر طاعته على من سواه [ 66 ] و كتبه عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله لغرة شهر رمضان سنة ست و ثلاثين . قال إبراهيم ثم قام محمد بن أبي بكر خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فالحمد لله الذي هدانا و إياكم لما اختلف فيه من الحق و بصرنا و إياكم كثيرا مما عمي عند الجاهلون ألا و إن أمير المؤمنين ولاني أموركم و عهد إلي بما سمعتم و أوصاني بكثير منه مشافهة و لن آلوكم خيرا ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب فإن يكن ما ترون آثاري و أعمالي طاعة لله و تقوى فاحمدوا الله على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي إليه فإن رأيتم من ذلك عملا بغير الحق فارفعوه إلي و عاتبوني عليه فإني بذلك أسعد و أنتم بذلك جديرون وفقنا الله و إياكم لصالح العمل . قال إبراهيم و حدثني يحيى بن صالح عن مالك بن خالد الأسدي عن الحسن بن إبراهيم عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال كتب علي ع إلى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتابا يخاطبهم به و يخاطب محمدا أيضا فيه أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم و علانيته و على أي حال كنتم عليها و ليعلم المرء منكم أن الدنيا دار بلاء و فناء و الآخرة دار جزاء و بقاء فمن استطاع أن يؤثر ما يبقى على ما يفنى فليفعل فإن الآخرة تبقى و الدنيا تفنى رزقنا الله و إياكم بصرا لما بصرنا و فهما لما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا و لا نتعدى إلى ما نهانا و اعلم يا محمد إنك و إن كنت محتاجا إلى نصيبك من الدنيا إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة و الآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة و لتعظم رغبتك في الخير و لتحسن فيه نيتك فإن الله عز و جل يعطي العبد على قدر نيته و إذا أحب الخير و أهله و لم يعمله كان إن شاء الله كمن عمله فإن رسول الله ص قال حين رجع من تبوك إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا هبطتم من واد إلا [ 67 ] كانوا معكم ما حبسهم إلا المرض يقول كانت لهم نية ثم اعلم يا محمد إني قد وليتك أعظم أجنادي أهل مصر و وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك و تحذر فيه على دينك و لو كان ساعة من نهار فإن استطعت ألا تسخط ربك لرضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره و ليس في شي‏ء خلف منه فاشتد على الظالم و لن لأهل الخير و قربهم إليك و اجعلهم بطانتك و إخوانك و السلام قال إبراهيم حدثني يحيى بن صالح عن مالك بن خالد عن الحسن بن إبراهيم عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال كتب علي إلى محمد بن أبي بكر و أهل مصر أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله و العمل بما أنتم عنه مسئولون فأنتم به رهن و إليه صائرون فإن الله عز و جل يقول كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و قال وَ يُحَذِّرُكُمُ اَللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اَللَّهِ اَلْمَصِيرُ و قال فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فاعلموا عباد الله أن الله سائلكم عن الصغير من أعمالكم و الكبير فإن يعذب فنحن الظالمون و إن يغفر و يرحم فهو أرحم الراحمين و اعلموا أن أقرب ما يكون العبد إلى الرحمة و المغفرة حينما يعمل بطاعة الله و مناصحته في التوبة فعليكم بتقوى الله عز و جل فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها خير الدنيا و خير الآخرة يقول الله سبحانه وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ اَلدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ اَلْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ اَلْمُتَّقِينَ و اعلموا عباد الله أن المؤمنين المتقين قد ذهبوا بعاجل الخير و آجله شركوا أهل الدنيا في دنياهم [ 68 ] و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم يقول الله عز و جل قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللَّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ اَلْقِيامَةِ سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت و أكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا من أفضل ما يأكلون و شربوا من أفضل ما يشربون و يلبسون من أفضل ما يلبسون و يسكنون من أفضل ما يسكنون أصابوا لذة أهل الدنيا مع أهل الدنيا مع أنهم غدا من جيران الله عز و جل يتمنون عليه لا يرد لهم دعوة و لا ينقص لهم لذة أما في هذا ما يشتاق إليه من كان له عقل و اعلموا عباد الله أنكم إذا اتقيتم ربكم و حفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد و ذكرتموه بأفضل ما ذكر و شكرتموه بأفضل ما شكر و أخذتم بأفضل الصبر و جاهدتم بأفضل الجهاد و إن كان غيركم أطول صلاة منكم و أكثر صياما إذا كنتم أتقى لله و أنصح لأولياء الله من آل محمد ص و أخشع و احذروا عباد الله الموت و نزوله و خذوله فإنه يدخل بأمر عظيم خير لا يكون معه شر أبدا أو شر لا يكون معه خير أبدا و ليس أحد من الناس يفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير إلى الجنة أم إلى النار أ عدو هو لله أم ولي له فإن كان وليا فتحت له أبواب الجنة و شرع له طريقها و نظر إلى ما أعد الله عز و جل لأوليائه فيها فرغ من كل شغل و وضع عنه كل ثقل و إن كان عدوا فتحت له أبواب النار و سهل له طريقها و نظر إلى ما أعد الله فيها لأهلها و استقبل كل مكروه و فارق كل سرور قال الله تعالى اَلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ اَلْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا اَلسَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى‏ إِنَّ اَللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى اَلْمُتَكَبِّرِينَ و اعلموا عباد الله أن الموت ليس منه فوت فاحذروه و أعدوا له عدته فإنكم [ 69 ] طرداء للموت إن قمتم أخذكم و إن هربتم أدرككم و هو ألزم لكم من ظلكم معقود بنواصيكم و الدنيا تطوى من خلفكم فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات فإنه كفى بالموت واعظا قال رسول الله ص أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات و اعلموا عباد الله أن ما بعد الموت أشد من الموت لمن لم يغفر الله له و يرحمه و احذروا القبر و ضمته و ضيقه و ظلمته فإنه الذي يتكلم كل يوم أنا بيت التراب و أنا بيت الغربة و أنا بيت الدود و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إن المسلم إذا مات قالت له الأرض مرحبا و أهلا قد كنت ممن أحب أن تمشي على ظهري فإذ وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتسع له مد بصره و إذا دفن الكافر قالت له الأرض لا مرحبا و لا أهلا قد كنت ممن أبغض أن تمشي على ظهري فإذ وليتك فستعلم كيف صنعي بك فتنضم عليه حتى تلتقي أضلاعه و اعلموا أن المعيشة الضنك التي قال سبحانه فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً هي عذاب القبر فإنه يسلط على الكافر في قبره حيات عظام تنهش لحمه حتى يبعث لو أن تنينا منها نفخ الأرض ما أنبت الزرع أبدا اعلموا عباد الله أن أنفسكم و أجسادكم الرقيقة الناعمة التي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم و أجسادكم مما لا طاقة لكم به و لا صبر لكم عليه فتعملوا بما أحب الله سبحانه و تتركوا ما كره فافعلوا و لا حول و لا قوة إلا بالله و اعلموا عباد الله أن ما بعد القبر أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير و يسكر فيه [ 70 ] الكبير و تذهل كل مرضعة عما أرضعت و احذروا يوما عبوسا قمطريرا كان شره مستطيرا أما إن شر ذلك اليوم و فزعه استطار حتى فزعت منه الملائكة الذين ليست لهم ذنوب و السبع الشداد و الجبال الأوتاد و الأرضون المهاد و انشقت السماء فهي يومئذ واهية و تغيرت فكانت وردة كالدهان و كانت الجبال سرابا بعد ما كانت صما صلابا يقول الله سبحانه وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اَللَّهُ فكيف بمن يعصيه بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الفرج و البطن إن لم يغفر الله و يرحم و اعلموا عباد الله أن ما بعد ذلك اليوم أشد و أدهى نار قعرها بعيد و حرها شديد و عذابها جديد و مقامعها حديد و شرابها صديد لا يفتر عذابها و لا يموت ساكنها دار ليست لله سبحانه فيها رحمة و لا يسمع فيها دعوة و مع هذا رحمة الله التي وسعت كل شي‏ء لا تعجز عن العباد و جنة عرضها كعرض السماء و الأرض خير لا يكون بعده شر أبدا و شهوة لا تنفد أبدا و لذة لا تفنى أبدا و مجمع لا يتفرق أبدا قوم قد جاوروا الرحمن و قام بين أيديهم الغلمان بصحاف من ذهب فيها الفاكهة و الريحان و إن أهل الجنة يزورون الجبار سبحانه في كل جمعة فيكون أقربهم منه على منابر من نور و الذين يلونهم على منابر من ياقوت و الذين يلونهم على منابر من مسك فبينا هم كذلك ينظرون الله جل جلاله و ينظر الله في وجوههم إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر عليهم من النعمة و اللذة و السرور و البهجة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه و مع هذا ما هو أفضل منه رضوان الله الأكبر أما إنا لو لم نخوف إلا ببعض ما خوفنا به لكنا محقوقين أن يشتد خوفنا مما لا طاقة [ 71 ] لنا به و لا صبر لقوتنا عليه و أن يشتد شوقنا إلى ما لا غنى لنا عنه و لا بد لنا منه فإن استطعتم عباد الله أن يشتد خوفكم من ربكم فافعلوا فإن العبد إنما تكون طاعته على قدر خوفه و إن أحسن الناس لله طاعة أشدهم له خوفا و انظر يا محمد صلاتك كيف تصليها فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تتمها و أن تخففها و أن تصليها لوقتها فإنه ليس من إمام يصلى بقوم فيكون في صلاته و صلاتهم نقص إلا كان إثم ذلك عليه و لا ينقص من صلاتهم شيئا و اعلم أن كل شي‏ء من عملك يتبع صلاتك فمن ضيع الصلاة فهو لغيرها أشد تضييعا و وضوءك من تمام الصلاة فأت به على وجهه فالوضوء نصف الإيمان أسأل الله الذي يرى و لا يرى و هو بالمنظر الأعلى أن يجعلنا و إياك من المتقين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون فإن استطعتم يا أهل مصر أن تصدق أقوالكم أفعالكم و أن يتوافق سركم و علانيتكم و لا تخالف ألسنتكم قلوبكم فافعلوا عصمنا الله و إياكم بالهدى و سلك بنا و بكم المحجة الوسطى و إياكم و دعوة الكذاب ابن هند و تأملوا و اعلموا أنه لا سوى إمام الهدى و إمام الردى و وصي النبي و عدو النبي جعلنا الله و إياكم ممن يحب و يرضى و لقد سمعت رسول الله ص يقول إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيخزيه الله بشركه و لكني أخاف عليهم كل منافق اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون و اعلم يا محمد أن أفضل الفقه الورع في دين الله و العمل بطاعته فعليك بالتقوى في سر أمرك و علانيته أوصيك بسبع هن جوامع الإسلام اخش الله و لا تخش الناس في الله و خير القول ما صدقه العمل و لا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيتناقض [ 72 ] أمرك و تزيغ عن الحق و أحب لعامة رعيتك ما تحبه لنفسك و اكره لهم ما تكره لنفسك و أصلح أحوال رعيتك و خض الغمرات إلى الحق و لا تخف لومة لائم و انصح لمن استشارك و اجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين و بعيدهم جعل الله خلتنا و ودنا خلة المتقين و ود المخلصين و جمع بيننا و بينكم في دار الرضوان إخوانا على سرر متقابلين إن شاء الله . قال إبراهيم بن سعد الثقفي فحدثني عبد الله بن محمد بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سيف عن أصحابه أن عليا لما كتب إلى محمد بن أبي بكر هذا الكتاب كان ينظر فيه و يتأدب بأدبه فلما ظهر عليه عمرو بن العاص و قتله أخذ كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية فكان معاوية ينظر في هذا الكتاب و يتعجب منه فقال الوليد بن عقبة و هو عند معاوية و قد رأى إعجابه به مر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال معاوية مه لا رأي لك فقال الوليد أ فمن الرأي أن يعلم الناس أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها قال معاوية ويحك أ تأمرني أن أحرق علما مثل هذا و الله ما سمعت بعلم هو أجمع منه و لا أحكم فقال الوليد إن كنت تعجب من علمه و قضائه فعلام تقاتله فقال لو لا أن أبا تراب قتل عثمان ثم أفتانا لأخذنا عنه ثم سكت هنيهة ثم نظر إلى جلسائه فقال إنا لا نقول إن هذه من كتب علي بن أبي طالب و لكن نقول هذه من كتب أبي بكر الصديق كانت عند ابنه محمد فنحن ننظر فيها و نأخذ منها . قال فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية حتى ولي عمر بن عبد العزيز فهو الذي أظهر أنها من أحاديث علي بن أبي طالب ع . قلت الأليق أن يكون الكتاب الذي كان معاوية ينظر فيه و يعجب منه [ 73 ] و يفتي به و يقضي بقضاياه و أحكامه هو عهد علي ع إلى الأشتر فإنه نسيج وحده و منه تعلم الناس الآداب و القضايا و الأحكام و السياسة و هذا العهد صار إلى معاوية لما سم الأشتر و مات قبل وصوله إلى مصر فكان ينظر فيه و يعجب منه و حقيق من مثله أن يقتنى في خزائن الملوك . قال إبراهيم فلما بلغ عليا ع أن ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتد عليه حزنا . و حدثني بكر بن بكار عن قيس بن الربيع عن ميسرة بن حبيب عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال صلى بنا علي ع فلما انصرف قال لقد عثرت عثرة لا أعتذر سوف أكيس بعدها و أستمر و أجمع الأمر الشتيت المنتشر فقلنا ما بالك يا أمير المؤمنين فقال إني استعملت محمد بن أبي بكر على مصر فكتب إلى أنه لا علم لي بالسنة فكتبت إليه كتابا فيه أدب و سنة فقتل و أخذ الكتاب قال إبراهيم فحدثني عبد الله محمد عن ابن أبي سيف المدائني قال فلم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم فقال يا هؤلاء أما أن تدخلوا في طاعتنا و أما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه أنا لا نفعل فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه و أخذوا حذرهم ثم كانت وقعة صفين و هم لمحمد هائبون فلما أتاهم خبر معاوية و أهل الشام ثم صار الأمر إلى الحكومة و أن عليا و أهل العراق قد قفلوا عن معاوية و الشام إلى عراقهم اجترءوا على محمد بن أبي بكر و أظهروا المنابذة له فلما رأى محمد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوي و معه يزيد بن الحارث الكناني فقاتلاهم [ 74 ] فقتلوهما ثم بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا و خرج معاوية بن حديج من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان فأجابه القوم و ناس كثير آخرون و فسدت مصر على محمد بن أبي بكر فبلغ عليا توثبهم عليه فقال ما أرى لمصر إلا أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلنا بالأمس يعني قيس بن سعد بن عبادة أو مالك بن الحارث الأشتر و كان علي حين رجع عن صفين رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة و قال لقيس بن سعد أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته فلما أن انقضى أمر الحكومة كتب علي إلى الأشتر و هو يومئذ بنصيبين أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الأثيم و أسد به الثغر المخوف و قد كنت وليت محمد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه خوارج و هو غلام حدث السن ليس بذي تجربة للحروب فاقدم علي لننظر فيما ينبغي و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك و السلام . فأقبل الأشتر إلى علي و استخلف على عمله شبيب بن عامر الأزدي و هو جد الكرماني الذي كان بخراسان صاحب نصر بن سيار فلما دخل الأشتر على علي حدثه حديث مصر و خبره خبر أهلها و قال له ليس لها غيرك فاخرج إليها رحمك الله فإني لا أوصيك اكتفاء برأيك و استعن بالله على ما أهمك و اخلط الشدة باللين و ارفق ما كان الرفق أبلغ و اعتزم على الشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة . فخرج الأشتر من عنده فأتي برحله و أتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية الأشتر مصر فعظم ذلك عليه و قد كان طمع في مصر فعلم أن الأشتر إن قدم عليها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر فبعث إلى رجل من أهل الخراج يثق به و قال له إن الأشتر قد ولي مصر فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت و بقيت فاحتل في هلاكه ما قدرت عليه . [ 75 ] فخرج الأشتر حتى انتهى إلى القلزم حيث تركب السفن من مصر إلى الحجاز فأقام به فقال له ذلك الرجل و كان ذلك المكان مكانه أيها الأمير هذا منزل فيه طعام و علف و أنا رجل من أهل الخراج فأقم و استرح و أتاه بالطعام حتى إذ طعم سقاه شربة عسل قد جعل فيها سما فلما شربها مات . قال إبراهيم و قد كان أمير المؤمنين كتب على يد الأشتر كتابا إلى أهل مصر روى ذلك الشعبي عن صعصعة بن صوحان من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بمصر من المسلمين سلام الله عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر لا نأكل من قدم و لا واه في عزم من أشد عباد الله بأسا و أكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار و أبعد الناس من دنس أو عار و هو مالك بن الحارث الأشتر حسام صارم لا نابي الضريبة و لا كليل الحد حليم في السلم رزين في الحرب ذو رأي أصيل و صبر جميل فاسمعوا له و أطيعوا أمره فإن أمركم بالنفر فانفروا و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم و شدة شكيمه على عدوكم عصمكم الله بالهدى و ثبتكم بالتقوى و وفقنا و إياكم لما يحب و يرضى و السلام عليكم و رحمة الله . قال إبراهيم و روى جابر عن الشعبي قال هلك الأشتر حين أتى عقبة أفيق . قال إبراهيم و حدثنا وطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي عن أبيه عن عاصم [ 76 ] بن كليب عن أبيه أن عليا لما بعث الأشتر إلى مصر واليا عليها و بلغ معاوية خبره بعث رسولا يتبع الأشتر إلى مصر و أمره باغتياله فحمل معه مزودين فيهما شراب و صحب الأشتر فاستسقى الأشتر يوما فسقاه من أحدهما ثم استسقى يوما آخر منه فسقاه من الآخر و فيه سم فشربه فمالت عنقه و طلب الرجل ففاتهم . قال إبراهيم و حدثنا محرز بن هشام عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي أن معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي و بني هاشم حتى اطمأن إليه و استأنس به فقدم الأشتر يوما ثقله أو تقدم ثقله فاستسقى ماء فقال له مولى آل عمر و هل لك في شربة سويق فسقاه شربة سويق فيها سم فمات . و قد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس إليه مولى آل عمر ادعوا على الأشتر فدعوا عليه فلما بلغه موته قال أ لا ترون كيف استجيب لكم . قال إبراهيم قد روي من بعض الوجوه أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد . و الصحيح أنه سقى سما فمات قبل أن يبلغ مصر . قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني أن معاوية أقبل يقول لأهل الشام أيها الناس إن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه فكانوا يدعون عليه في دبر كل صلاة و أقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بهلاك الأشتر فقام معاوية في الناس خطيبا فقال أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان فقطعت إحداهما يوم صفين و هو عمار بن ياسر و قد قطعت الأخرى اليوم و هو مالك الأشتر . [ 77 ] قال إبراهيم فلما بلغ عليا موت الأشتر قال إنا لله و إنا إليه راجعون و الحمد لله رب العالمين اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر ثم قال رحم الله مالكا فلقد وفى بعهده و قضى نحبه و لقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله ص فإنها من أعظم المصيبات . قال إبراهيم و حدثنا محمد بن هشام المرادي عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر و كان الأشتر بالكوفة أسود من الأحنف بالبصرة . قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن ابن أبي سيف المدائني عن جماعة من أشياخ النخع قالوا دخلنا على أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف و يتأسف عليه ثم قال لله در مالك و ما مالك لو كان من جبل لكان فندا و لو كان من حجر لكان صلدا أما و الله ليهدن موتك عالما و ليفرحن عالما على مثل مالك فلتبك البواكي و هل مرجو كمالك و هل موجود كمالك . قال علقمة بن قيس النخعي فما زال علي يتلهف و يتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا و عرف ذلك في وجهه أياما . قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال حدثنا مولى للأشتر قال لما هلك الأشتر أصيب في ثقله رسالة علي إلى أهل مصر من عبد الله أمير المؤمنين إلى النفر من المسلمين الذين غضبوا لله إذ عصي في الأرض و ضرب الجور برواقه على البر و الفاجر فلا حق يستراح إليه و لا منكر يتناهى عنه سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو [ 78 ] أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام في الخوف و لا ينكل من الأعداء حذار الدوائر أشد على الكافرين من حريق النار و هو مالك بن الحارث الأشتر أخو مذحج فاسمعوا له و أطيعوا فإنه سيف من سيوف الله لا نابي الضريبة و لا كليل الحد فإن أمركم أن تقيموا فأقيموا و إن أمركم أن تنفروا فانفروا و إن أمركم أن تحجموا فأحجموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي لنصيحته و شدة شكيمته على عدوه عصمكم الله بالحق و ثبتكم بالتقوى و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن رجاله أن محمد بن أبي بكر لما بلغه أن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر شق عليه فكتب ع إليه عند مهلك الأشتر أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك و لم أفعل ذلك استبطاء لك عن الجهاد و لا استزادة لك مني في الجد و لو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر مئونة عليك و أعجب ولاية إليك ألا إن الرجل الذي وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا و هو على عدونا شديد فرحمة الله عليه فقد استكمل أيامه و لاقى حمامه و نحن عنه راضون فرضي الله عنه و ضاعف له الثواب و أحسن له المآب فاصحر لعدوك و شمر للحرب و ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و أكثر ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه يكفك ما همك و يعنك على ما ولاك أعاننا الله و إياك على ما لا ينال إلا برحمته و السلام . قال فكتب محمد بن أبي بكر إليه جوابه [ 79 ] إلى عبد الله أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر . سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد انتهى إلي كتاب أمير المؤمنين و فهمته و عرفت ما فيه و ليس أحد من الناس أشد على عدو أمير المؤمنين و لا أرأف و أرق لوليه مني و قد خرجت فعسكرت و أمنت الناس إلا من نصب لنا حربا و أظهر لنا خلافا و أنا أتبع أمر أمير المؤمنين و حافظ و لاجئ إليه و قائم به و الله المستعان على كل حال و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته . قال إبراهيم فحدث محمد بن عبد الله بن عثمان عن ابن سيف المدائني عن أبي جهضم الأزدي أن أهل الشام لما انصرفوا عن صفين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان فلما انصرفا و تفرقا و بايع أهل الشام معاوية بالخلافة لم يزدد معاوية إلا قوة و اختلف أهل العراق على علي بن أبي طالب فلم يكن هم معاوية إلا مصر و قد كان لأهلها هائبا لقربهم منه و شدتهم على من كان على رأي عثمان و قد كان علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليا مع أنه كان يرجو أن يكون له فيها معاونة إذا ظهر عليها على حرب علي لوفور خراجها فدعا معاوية من كان معه من قريش و هم عمرو بن العاص السهمي و حبيب بن مسلمة الفهري و بسر بن أبي أرطاة العامري و الضحاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي و دعا من غير قريش نحو شرحبيل بن السمط الحميري و أبي الأعور السلمي و حمزة بن مالك الهمداني فقال أ تدرون لما ذا دعوتكم قالوا لا قال فإني دعوتكم لأمر هو لي مهم و أرجو أن يكون الله عز و جل قد أعان عليه فقال له القوم أو من قال له منهم إن الله لم يطلع على غيبه أحدا و لسنا ندري ما تريد فقال عمرو بن العاص أرى و الله أن أمر هذه البلاد المصرية لكثرة خراجها و عدد أهلها قد أهمك [ 80 ] فدعوتنا تسألنا عن رأينا في ذلك فإن كنت لذلك دعوتنا و له جمعتنا فاعزم و اصرم و نعم الرأي ما رأيت إن في افتتاحها عزك و عز أصحابك و ذل عدوك و كبت أهل الخلاف عليك . قال معاوية أهمك ما أهمك يا ابن العاص و ذلك أن عمرا كان بايع معاوية على قتال علي و أن مصر له طعمه ما بقي فأقبل معاوية على أصحابه و قال إن هذا يعني ابن العاص قد ظن و حقق ظنه قالوا و لكنا لا ندري و لعل أبا عبد الله قد أصاب فقال عمرو و أنا أبو عبد الله إن أفضل الظنون ما شابه اليقين . ثم إن معاوية حمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فقد رأيتم كيف صنع الله لكم في حربكم هذه على عدوكم و لقد جاءوكم و هم لا يشكون أنهم يستأصلون بيضتكم و يجوزون بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا و كفى الله المؤمنين القتال و كفاكم مئونتهم . و حاكمتموهم إلى الله فحكم لكم عليهم ثم جمع كلمتنا و أصلح ذات بيننا و جعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر و يسفك بعضهم دم بعض و الله إني لأرجو أن يتم الله لنا هذا الأمر و قد رأيت أن أحاول حرب مصر فما ذا ترون . فقال عمرو بن العاص قد أخبرتك عما سألت و أشرت عليك بما سمعت . فقال معاوية ما ترون فقالوا نرى ما رأى عمرو بن العاص فقال معاوية إن عمرا قد عزم و صرم بما قال و لم يفسر كيف ينبغي أن نصنع . قال عمرو فإني مشير عليك بما تصنع أرى أن تبعث جيشا كثيفا عليهم رجل صارم تأمنه و تثق به فيأتي مصر فيدخلها فإنه سيأتينا من كان على مثل رأينا من أهلها فنظاهره على من كان من عدونا فإن اجتمع بها جندك و من كان بها من شيعتك على من بها من أهل حربك رجوت الله أن يعز نصرك و يظهر فلجك . [ 81 ] فقال معاوية هل عندك شي‏ء غير هذا نعمله فيما بيننا و بينهم قبل هذا قال ما أعلمه . قال معاوية فإن رأيي غير هذا أرى أن نكاتب من كان بها من شيعتنا و من كان بها من عدونا فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم و نمنيهم قدومنا عليهم و أما من كان بها من عدونا فندعوهم إلى صلحنا و نمنيهم شكرنا و نخوفهم حربنا فإن صلح لنا ما قبلهم من غير حرب و لا قتال فذلك ما أحببنا و إلا فحربهم من وراء ذلك . إنك يا ابن العاص لامرؤ بورك لك في العجلة و بورك لي في التؤدة . قال عمرو فاعمل بما أراك الله فو الله ما أرى أمرك و أمرهم يصير إلا إلى الحرب . قال فكتب معاوية عند ذلك إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا قد خالفا عليا أما بعد فإن الله عز و جل قد ابتعثكما لأمر عظيم أعظم به أجركما و رفع درجتكما و مرتبتكما في المسلمين طلبتما بدم الخليفة المظلوم و غضبتما لله إذ ترك حكم الكتاب و جاهدتما أهل الظلم و العدوان فأبشرا برضوان الله و عاجلا نصرة أولياء الله و المواساة لكما في دار الدنيا و سلطاننا حتى ينتهي ذلك إلى ما يرضيكما و يؤدى به حقكما فالزما أمركما و جاهدا عدوكما و ادعوا المدبرين منكما إلى هداكما فكان الجيش قد أظل عليكما فاندفع كل ما تكرهان و دام كل ما تهويان و السلام عليكما و رحمة الله . و بعث بالكتاب مع مولى له يقال له سبيع فخرج بكتابه حتى قدم به عليهما بمصر [ 82 ] و محمد بن أبي بكر يومئذ أميرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب و هم هائبون الإقدام عليه فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد فقرأه فقال الق به معاوية بن حديج ثم القني به حتى أجيب عني و عنه فانطلق الرسول بكتاب معاوية فأقرأه إياه ثم قال له إن مسلمة قد أمرني أن أرد الكتاب إليه لكي يجيب عنك و عنه قال قل له فليفعل فأتى مسلمة بالكتاب فكتب الجواب عنه و عن معاوية بن حديج أما بعد فإن هذا الأمر الذي قد ندبنا له أنفسنا و ابتغيا الله به على عدونا أمر نرجو به ثواب ربنا و النصر على من خالفنا و تعجيل النقمة على من سعى على إمامنا و طأطأ الركض في مهادنا و نحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي و أنهضنا من كان بها من أهل القسط و العدل و قد ذكرت موازرتك في سلطانك و ذات يدك و بالله إنه لا من أجل مال نهضنا و لا إياه أردنا فإن يجمع الله لنا ما نريد و نطلب أو يرينا ما تمنينا فإن الدنيا و الآخرة لله رب العالمين و قد يثوبهما الله جميعا عالما من خلقه كما قال في كتابه فَآتاهُمُ اَللَّهُ ثَوابَ اَلدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ اَلْآخِرَةِ وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ عجل لنا بخيلك و رجلك فإن عدونا قد كان علينا جريئا و كنا فيهم قليلا و قد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم منابذين فإن يأتنا مدد من قبلك يفتح الله عليك و لا قوة إلا بالله و هو حسبنا و نعم الوكيل . قال فجاء هذا الكتاب معاوية و هو يومئذ بفلسطين فدعا النفر الذين سميناهم من قريش و غيرهم و أقرأهم الكتاب و قال لهم ما ذا ترون قالوا نرى أن تبعث إليهم جيشا من قبلك فأنت مفتتحها إن شاء الله بإذن الله . قال معاوية فتجهز إليها يا أبا عبد الله يعني عمرو بن العاص فبعثه في ستة آلاف [ 83 ] فخرج يسير و خرج معه معاوية يودعه فقال له معاوية عند وداعه إياه أوصيك بتقوى الله يا عمرو و بالرفق فإنه يمن و بالتؤدة فإن العجلة من الشيطان و بأن تقبل من أقبل و تعفو عمن أدبر أنظره فإن تاب و أناب قبلت منه و إن أبى فإن السطوة بعد المعرفة أبلغ في الحجة و أحسن في العاقبة و ادع الناس إلى الصلح و الجماعة فإن أنت ظفرت فليكن أنصارك أبر الناس عندك و كل الناس فأول حسنا . قال فسار عمرو في الجيش حتى دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام و كتب إلى محمد بن أبي بكر أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر و إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين و السلام . قال و بعث عمرو إلى محمد مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه و هو أما بعد فإن غب الظلم و البغي عظيم الوبال و إن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و التبعة الموبقة في الآخرة و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين و ساعدت عليه مع المساعدين و سفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فتأتي بلده فتأمن فيها و جل أهلها أنصاري يرون رأيي و يرفضون قولك و يستصرخونني عليك و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يسفكون دمك و يتقربون إلى الله عز و جل بجهادك و قد أعطوا الله عهدا ليقتلنك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه و أنا أحذرك و أنذرك فإن الله مقيد منك و مقتص لوليه و خليفته بظلمك له و بغيك عليه [ 84 ] و وقيعتك فيه و عداوتك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أوداجه و مع هذا فإني أكره قتلك و لا أحب أن أتولى ذلك منك و لن يسلمك الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح و انج بنفسك و السلام . قال فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى علي ع و كتب إليه أما بعد يا أمير المؤمنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر و اجتمع إليه من أهل البلد من كان يرى رأيهم و هو في جيش جرار و قد رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرجال و السلام عليك و رحمة الله و بركاته . قال فكتب إليه علي أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل في جيش جرار و أن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه و خروج من كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك و ذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل و إن فشلوا حصن قريتك و اضمم إليك شيعتك و أذك الحرس في عسكرك و اندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة و التجربة و البأس و أنا نادب إليك الناس على الصعب و الذلول فاصبر لعدوك و امض على بصيرتك و قاتلهم على نيتك و جاهدهم محتسبا لله سبحانه و إن كانت فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين القليل و يخذل الكثير و قد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية و المتلائمين على الضلالة و المرتشيين على الحكومة و المتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من [ 85 ] قبلهم بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت و السلام قال فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح و تخوفني بالحرب كأنك علي شفيق و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يهلككم الله في الوقعة و أن ينزل بكم الذل و أن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به و إلى الله المصير و إليه ترد الأمور و هو أرحم الراحمين و الله المستعان على ما تصفون . قال و كتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه أما بعد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله إنك لمن المبطلين و زعمت أنك ناصح لي و أقسم أنك عندي ظنين و قد زعمت أن أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فأولئك حزبك و حزب الشيطان الرجيم و حسبنا الله رب العالمين و نعم الوكيل و توكلت على الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم . قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد يا معشر المؤمنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و يغشون الضلالة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله مع [ 86 ] كنانة بن بشر ثم ندب معه نحو ألفي رجل و تخلف محمد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته من كتائب الشام كتيبة إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه و هو يقول وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً . فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهد رحمه الله . قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن محمد بن يوسف أن عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل نحو محمد بن أبي بكر و قد تفرق عنه أصحابه فخرج محمد متمهلا فمضى في طريقه حتى انتهى إلى خربة فآوى إليها و جاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مر بهم أحد ينكرونه قالوا لا قال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج هو هو و رب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط . قال و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال لا و الله لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد فقال معاوية أ قتلتم كنانة بن بشر ابن عمي و أخلي عن محمد . [ 87 ] هيهات أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي اَلزُّبُرِ فقال محمد اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم و الله لأقتلنك يا ابن أبي بكر و أنت ظمآن و يسقيك الله من الحميم و الغسلين فقال له محمد يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك و لا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه و يظمئ أعداءه و هم أنت و قرناؤك و من تولاك و توليته و الله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم فقال له معاوية بن حديج أ تدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار قال إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء الله و ايم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا و سلاما كما جعلها الله على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه و إني لأرجو أن يحرقك الله و إمامك معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى كلما خبت زادها الله عليكم سعيرا فقال له معاوية بن حديج إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان قال محمد و ما أنت و عثمان رجل عمل بالجور و بدل حكم الله و القرآن و قد قال الله عز و جل وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ فَأُولئِكَ هُمُ اَلظَّالِمُونَ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ فنقمنا عليه أشياء عملها فأردنا أن يخلع من الخلافة علنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس . [ 88 ] فغضب معاوية بن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار و أحرقه بالنار . فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج و قبضت عيال محمد أخيها و ولده إليها فكان القاسم بن محمد من عيالها . قال و كان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب علي بن أبي طالب ع . قال إبراهيم و حدثني عمرو بن حماد بن طلحة القناد عن علي بن هاشم عن أبيه عن داود بن أبي عوف قال دخل معاوية بن حديج على الحسن بن علي في مسجد المدينة فقال له الحسن ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أمير المؤمنين عليا ع أما و الله لئن رأيته يوم القيامة و ما أظنك تراه لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن المدائني عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن شداد قال حلفت عائشة لا تأكل شواء أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله و ما عثرت قط إلا قالت تعس معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج . قال إبراهيم و قد روى هاشم أن أسماء بنت عميس لما جاءها نعي محمد ابنها و ما صنع به قامت إلى مسجدها و كظمت غيظها حتى تشخبت دما . قال إبراهيم و روى ابن عائشة التيمي عن رجاله عن كثير النواء أن أبا بكر خرج [ 89 ] في حياة رسول الله ص في غزاة فرأت أسماء بنت عميس و هي تحته كأن أبا بكر مخضب بالحناء رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فقالت إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر إن خضابه الدم و إن ثيابه أكفانه ثم بكت فدخل النبي ص و هي كذلك فقال ما أبكاها فقالوا يا رسول الله ما أبكاها أحد و لكن أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر فأخبر النبي ص فقال ليس كما عبرت عائشة و لكن يرجع أبو بكر صالحا فيلقى أسماء فتحمل منه بغلام فتسميه محمدا يجعله الله غيظا على الكافرين و المنافقين . قال فكان كما أخبر ص . قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان عند قتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر أما بعد فإنا لقينا محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر في جموع من أهل مصر فدعوناهم إلى الكتاب و السنة فعصوا الحق فتهولوا في الضلال فجاهدناهم و استنصرنا الله جل و عز عليهم فضرب الله وجوههم و أدبارهم و منحنا أكتافهم فقتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر و الحمد لله رب العالمين . قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله عن المدائني عن الحارث بن كعب بن عبد الله بن قعين عن حبيب بن عبد الله قال و الله إني لعند علي جالس إذ جاءه عبد الله بن معين و كعب بن عبد الله من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة فقام علي فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى [ 90 ] عليه و ذكر رسول الله ص فصلى عليه ثم قال أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله و عدو من والاه و ولي من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم و الركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم و ضلالتهم منكم على حقكم فكأنكم بهم و قد بدءوكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر عباد الله إن مصر أعظم من الشام و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم و كبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة قال و الجرعة بين الحيرة و الكوفة لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله . قال فلما كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلما كان العشي بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين فقال الحمد لله على ما قضى من أمر و قدر من فعل و ابتلاني بكم أيها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق و الله إن جاءني الموت و ليأتيني لتجدنني لصحبتكم جدا قال أ لا دين يجمعكم أ لا حمية تغضبكم أ لا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أ و ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة و يجيبونه في السنة المرة و المرتين و الثلاث إلى أي وجه شاء ثم أنا أدعوكم و أنتم أولو النهى و بقية الناس تختلفون و تفترقون عني و تعصونني و تخالفون علي [ 91 ] فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال يا أمير المؤمنين اندب الناس معي فإنه لا عطر بعد عروس و إن الأجر لا يأتي إلا بالكرة ثم التفت إلى الناس و قال اتقوا الله و أجيبوا دعوة إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة و خرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي سيروا و الله ما أنتم ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم . فخرج مالك بهم و سار خمس ليال و قدم الحجاج بن غزية الأنصاري على علي و قدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام فأما الفزاري فكان عينا لعلي ع لا ينام و أما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر فحدثه الأنصاري بما عاين و شاهد و أخبره بهلاك محمد و أخبره الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر و حتى أذن معاوية بقتله على المنبر و قال يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر فقال علي أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا . قال فسرح علي عبد الرحمن بن شريح إلى مالك بن كعب فرده من الطريق قال و حزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه و تبين في وجهه و قام في الناس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ألا و إن مصر قد افتتحها الفجرة [ 92 ] أولياء الجور و الظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الإسلام عوجا ألا و إن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة الله عليه و عند الله نحتسبه أما و الله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب سمت المؤمن إني و الله لا ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و إني بمقاساة الحرب لجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا و أناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون إلى أمرا حتى تصير الأمور إلى عواقب المساءة و أنتم القوم لا يدرك بكم الثأر و لا تنقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر و تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد و لا رأي له في الاكتساب للأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال كتب علي إلى عبد الله بن عباس و هو على البصرة من عبد الله علي أمير المؤمنين ع إلى عبد الله بن عباس سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإن مصر قد افتتحت و قد استشهد محمد بن أبي بكر فعند الله عز و جل تحتسبه و قد كنت كتبت إلى الناس و تقدمت إليهم في بدء الأمر و أمرتهم بإغاثته [ 93 ] قبل الوقعة و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا فمنهم الآتي كارها و منهم المتعلل كاذبا و منهم القاعد خاذلا أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا و أن يريحني منهم عاجلا فو الله لو لا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة و توطيني نفسي عند ذلك لأحببت ألا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا عزم الله لنا و لك على تقواه و هداه إنه على كل شي‏ء قدير و السلام عليك و رحمة الله و بركاته . قال فكتب إليه عبد الله بن عباس لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس سلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته . أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر و هلاك محمد بن أبي بكر و إنك سألت الله ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا و أنا أسأل الله أن يعلى كلمتك و أن يغشيك بالملائكة عاجلا و اعلم أن الله صانع لك و معز دعوتك و كابت عدوك و أخبرك يا أمير المؤمنين أن الناس ربما تباطئوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أمير المؤمنين و دارهم و منهم و استعن بالله عليهم كفاك الله الهم و السلام عليك و رحمة الله و بركاته . قال إبراهيم و روي عن المدائني أن عبد الله بن عباس قدم من البصرة على علي فعزاه عن محمد بن أبي بكر . و روى المدائني أن عليا قال رحم الله محمدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر فإنه و الله لو وليها لما خلى لابن العاص و أعوانه العرصة و لا قتل إلا و سيفه في يده بلا ذم لمحمد فلقد أجهد نفسه فقضى ما عليه [ 94 ] قال المدائني و قيل لعلي ع لقد جزعت على محمد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين فقال و ما يمنعني أنه كان لي ربيبا و كان لبني أخا و كنت له والدا أعده ولدا خطبة للإمام علي بعد مقتل محمد بن أبي بكر و روى إبراهيم عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال خطب علي ع بعد فتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر فقال أما بعد فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل و شهيدا على هذه الأمة و أنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين و في شر دار منيخون على حجارة خشن و حيات صم و شوك مبثوث في البلاد تشربون الماء الخبيث و تأكلون الطعام الخبيث تسفكون دماءكم و تقتلون أولادكم و تقطعون أرحامكم و تأكلون أموالكم بينكم بالباطل سبلكم خائفة و الأصنام فيكم منصوبة و لا يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون . فمن الله عز و جل عليكم بمحمد فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم فعلمكم الكتاب و الحكمة و الفرائض و السنن و أمركم بصلة أرحامكم و حقن دمائكم و صلاح ذات البين و أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و أن توفوا بالعهد و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها و أن تعاطفوا و تباروا و تراحموا و نهاكم عن التناهب و التظالم و التحاسد و التباغي و التقاذف و عن شرب الخمر و بخس المكيال و نقص الميزان و تقدم إليكم فيما يتلى عليكم ألا تزنوا و لا تربوا و لا تأكلوا أموال [ 95 ] اليتامى ظلما و أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و لا تعثوا في الأرض مفسدين و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين و كل خير يدني إلى الجنة و يباعد عن النار أمركم به و كل شر يدني إلى النار و يباعد عن الجنة نهاكم عنه فلما استكمل مدته توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيا لها مصيبة خصت الأقربين و عمت المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها و لن يعاينوا بعدها أختها فلما مضى لسبيله ص تنازع المسلمون الأمر بعده فو الله ما كان يلقى في روعي و لا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد عن أهل بيته و لا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه فأمسكت يدي و رأيت أني أحق بمقام محمد ص في الناس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين الله و ملة محمد ص فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما و هدما يكون المصاب بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب و كما يتقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت كلمة الله هي العليا و لو كره الكافرون فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر و سدد و قارب و اقتصد و صحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا و ما طمعت أن لو حدث به حادث و أنا حي أن يرد إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه يأس من لا يرجوه و لو لا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا و أطعنا و ناصحنا [ 96 ] و تولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر فقلت في نفسي لن يعدلها عني ليس يدافعها عني فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد منهم أشد كراهة لولايتي عليهم كانوا يسمعون عند وفاة رسول الله ص لجاج أبي بكر و أقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين بدين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا بها من قبلي ثم قالوا هلم فبايع و إلا جاهدناك فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا فقال قائلهم يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص فقلت أنتم أحرص مني و أبعد أينا أحرص أنا الذي طلبت ميراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه فبهتوا و الله لا يهدي القوم الظالمين اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أضاعوا إياي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا حنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا ناصر و لا ساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية و أغضيت على القذى و تجرعت ريقي على الشجا و صبرت من كظم الغيظ علي أمر من العلقم و آلم للقلب من حز الشفار حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم و أمسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها و ازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم أو أنكم قاتلي فقلتم بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضى إلا بك بايعنا [ 97 ] لا نفترق و لا تختلف كلمتنا فبايعتكم و دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته و من أبى لم أكرهه و تركته فبايعني فيمن بايعني طلحة و الزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة فقدما على عاملي و خزان بيت مالي و على أهل مصري الذين كلهم على بيعتي و في طاعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة صبرا و منهم طائفة غضبوا لله و لي فشهروا سيوفهم و ضربوا بها حتى لقوا الله عز و جل صادقين فو الله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم و قد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب أحزاب و أهل طمع جفاة طغاة يجتمعون من كل أوب من كان ينبغي أن يؤدب و أن يولى عليه و يؤخذ على يده ليسوا من الأنصار و لا المهاجرين و لا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة و الجماعة فأبوا إلا شقاقا و فراقا و نهضوا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل و يشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين و لا قرآن و أنهم رفعوها مكيدة و خديعة و وهنا و ضعفا فامضوا على حقكم و قتالكم فأبيتم علي و قلتم اقبل منهم فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من [ 98 ] الحق و إن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم فقبلت منهم و كففت عنهم إذ ونيتم و أبيتم فكان الصلح بينكم و بينهم على رجلين يحييان ما أحيا القرآن و يميتان ما أمات القرآن فاختلف رأيهما و تفرق حكمهما و نبذا ما في القرآن و خالفا ما في الكتاب فجنبهما الله السداد و دلاهما في الضلالة فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بيننا و بينكم قالوا كلنا قتلهم و كلنا استحل دماءهم و شدت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم كلت سيوفنا و نفدت نبالنا و نصلت أسنة رماحنا و عاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا و فارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدونا فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة و أن تلزموا معسكركم و أن تضموا قواصيكم و أن توطنوا على الجهاد أنفسكم و لا تكثروا زيارة أبنائكم و نسائكم فإن أهل الحرب المصابروها و أهل التشمير فيها الذين لا ينقادون من سهر ليلهم و لا ظمإ نهارهم و لا خمص بطونهم و لا نصب أبدانهم فنزلت طائفة منكم معي معذرة و دخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من بقي منكم صبر و ثبت و لا من دخل المصر عاد و رجع فنظرت إلى معسكري و ليس فيه خمسون رجلا فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر على أن تخرجوا معي إلى يومنا هذا فما تنتظرون أ ما ترون أطرافكم قد انتقصت و إلى مصر قد فتحت و إلى شيعتي بها قد قتلت و إلى مسالحكم تعرى و إلى بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد كثير [ 99 ] و شوكة و بأس شديد فما بالكم لله أنتم من أين تؤتون و ما لكم تؤفكون و أنى تسحرون و لو أنكم عزمتم و أجمعتم لم تراموا إلا أن القوم تراجعوا و تناشبوا و تناصحوا و أنتم قد ونيتم و تغاششتم و افترقتم ما إن أنتم إن ألممتم عندي على هذا بسعداء فانتهوا بأجمعكم و أجمعوا على حقكم و تجردوا لحرب عدوكم و قد أبدت الرغوة عن الصريح و بين الصبح لذي عينين إنما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء و أولي الجفاء و من أسلم كرها و كان لرسول الله ص أنف الإسلام كله حربا أعداء الله و السنة و القرآن و أهل البدع و الأحداث و من كان بوائقه تتقى و كان عن الإسلام منحرفا أكلة الرشا و عبدة الدنيا لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه و شرط له أن يؤتيه ما هي أعظم مما في يده من سلطانه ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا و خزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين و إن فيهم من قد شرب فيكم الخمر و جلد الحد يعرف بالفساد في الدين و الفعل السيئ و إن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له رضيخه فهؤلاء قادة القوم و من تركت ذكر مساوئه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شر و يود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر و الفساد و الفجور و التسلط بجبرية و اتبعوا الهوى و حكموا بغير الحق و لأنتم على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا فيكم العلماء و الفقهاء و النجباء و الحكماء و حملة الكتاب و المتهجدون بالأسحار و عمار المساجد بتلاوة القرآن أ فلا تسخطون و تهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم و الأشرار الأراذل منكم [ 100 ] فاسمعوا قولي و أطيعوا أمري فو الله لئن أطعتموني لا تغوون و إن عصيتموني لا ترشدون خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها فقد شبت نارها و علا سنانها و تجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله و يطفئوا نور الله ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع و المكر و الجفاء بأولى في الجد في غيهم و ضلالتهم من أهل البر و الزهادة و الإخبات في حقهم و طاعة ربهم إني و الله لو لقيتهم فردا و هم ملأ الأرض ما باليت و لا استوحشت و إني من ضلالتهم التي هم فيها و الهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة و بينة و يقين و بصيرة و إني إلى لقاء ربي لمشتاق و لحسن ثوابه لمنتظر و لكن أسفا يعتريني و حزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فيتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و الفاسقين حزبا و ايم الله لو لا ذلك لما أكثرت تأنيبكم و تحريضكم و لتركتكم إذ ونيتم و أبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاؤهم فو الله إني لعلى الحق و إني للشهادة لمحب فانفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون و لا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف و تبوءوا بالذل و يكن نصيبكم الخسران إن أخا الحرب اليقظان و من ضعف أودى و من ترك الجهاد كان كالمغبون المهين اللهم اجمعنا و إياهم على الهدى و زهدنا و إياهم في الدنيا و اجعل الآخرة خيرا لنا و لهم من الأولى خبر مقتل محمد بن أبي حذيفة قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن المدائني أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر فبعث به [ 101 ] إلى معاوية بن أبي سفيان و هو يومئذ بفلسطين فحبسه معاوية في سجن له فمكث فيه غير كثير ثم هرب و كان ابن خال معاوية فأرى معاوية الناس أنه كره انفلاته من السجن و كان يحب أن ينجو فقال لأهل الشام من يطلبه فقال رجل من خثعم يقال له عبيد الله بن عمرو بن ظلام و كان شجاعا و كان عثمانيا أنا أطلبه فخرج في خيل فلحقه بحوارين . و قد دخل بغار هناك فجاءت حمر فدخلته فلما رأت الرجل في الغار فزعت و نفرت فقال حمارون كانوا قريبا من الغار إن لهذه الحمر لشأنا ما نفرها من هذا الغار إلا أمر فذهبوا ينظرون فإذا هم به فخرجوا به فوافاهم عبد الله بن عمرو بن ظلام فسألهم و وصفه لهم فقالوا ها هو هذا فجاء حتى استخرجه و كره أن يصير به إلى معاوية فيخلي سبيله فضرب عنقه رحمه الله تعالى