جستجو

و من كلام له ع لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه و قتل

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من كلام له عليه السلام و هو السابع و الستون من المختار فى باب الخطب لما قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملك عليه و قتل رحمة اللّه عليه و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة ، و لو ولّيته إيّاها لما خلّى لهم العرصة ، و لا أنهزهم الفرصة ، بلا ذمّ لمحمّد ، فلقد كان إليّ حبيبا [ 103 ] و لي ربيبا . اللغة ( العرصة ) كلّ بقعة من الدّور واسعة ليس فيها بناء و المراد هنا عرصة مصر و ( نهزت الفرصة ) و انتهزتها اغتنمتها ، و انهزت الفرصة بهمزة التّعدية اى انهزتها غيري و ( الربيب ) ابن امرءة الرّجل من غيره . الاعراب قوله بلا ذمّ ، كلمة لا نافية معترضة بين الخافض و المخفوض ، و قال الكوفيّون إنّها اسم بمعنى غير و الجار داخل عليها نفسها و ما بعدها مجرور باضافتها إليه ، و غيرهم يراها حرفا و يسمّيها زائدة و ان كانت مفيدة معنى كما يسمّون كان في نحو زيد كان فاضلا زايدا فهى زايدة لفظا من حيث فصول عمل ما قبلها الى ما بعدها غيرة زايدة معنى لافادتها النّفي . المعنى اعلم انّه ( لما قلّد محمّد بن أبي بكر مصر ) قبل وقعة صفّين أى جعله و اليها كانّ ولايتها قلادة في عنقه لكونه مسؤولا عن خيرها و شرّها و انصرف النّاس من صفّين لم يزدد معاوية إلاّ قوّة فبعث جيشا كثيفا إلى مصر فقاتلوا محمّدا ( فملك ) مصر ( عليه ) اى اخذه معاوية منه قهرا و استولى عليه ( و قتل ) محمّد قتله معاوية بن حديج الكندي حسبما تعرفه فلمّا جائه صلّى اللّه عليه و آله نعى محمّد قال ( و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة ) ابن أبي وقاص ( و لو وليّته ايّاها لما خلالهم العرصة و لا انهزهم الفرصة ) كما انهزها محمّد إيّاهم و خلاها لهم و فرّ منها ظانّا أنّه بالفرار ينجو بنفسه فلم ينج و اخذ و قتل ( بلا ذمّ لمحمّد ) اى لست في كلامى ذلك ذامّا له لكون ذلك التخلية منه للعدوّ من العجز لا من التقصير و التّواني ( ف ) انّه ( لقد كان إلىّ حبيبا و ) كان ( لى ربيبا ) تنبيهان الاول في ترجمة محمّد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة أمّا محمّد فهو جليل القدر عظيم المنزلة من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام [ 104 ] قال ابن طاووس : ولد في حجة الوداع قتل بمصر سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة . و عن رجال الكشّي عن الصّادق عليه السّلام محمّد بن أبى بكر أتته النجابة من قبل امّه أسماء بنت عميس ، و عنه أيضا مسندا عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّا على البرائة من أبيه ، و في شرح المعتزلي امّ محمّد أسماء بنت عميس بن النّعمان ابن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم كانت تحت جعفر بن أبيطالب و هاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد اللّه بن جعفر الجواد ، ثمّ قتل عنها يوم موتة فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمّدا ، ثمّ مات عنها فخلف عليها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و كان محمّد ربيبته و خريجه و جاريا عنده مجرى اولاده و رضع الولا و التشيّع من زمن الصّبا فنشأ عليه فلم يكن يعرف أبا غير عليّ عليه السّلام و لا يعتقد لأحد فضيلة غيره حتّى قال عليّ : محمّد ابني من صلب أبي بكر ، و كان يكنّي أبا القاسم في قول ابن قتيبة ، و قال غيره بل يكنّى أبا عبد الرّحمن . و كان محمّد من نسّاك قريش و كان ممّن أعان يوم الدّار ، و اختلف هل باشر قتل عثمان أولا ، و من ولد محمّد القاسم بن محمّد فقيه الحجاز و فاضلها ، و من ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم كان من فضلاء قريش يكنّى ابا محمّد ، و من ولد القاسم أيضا ام فروة تزوّجها الباقر أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام انتهى . أقول : و قد تقدّم في شرح الخطبة الشّقشقيّة أنّ الصادق عليه السّلام تولد من أمّ فروة . و في مجالس المؤمنين انّ أهل السّنّة يسمّون معاوية بسبب اخته امّ حبيبة خال المؤمنين و لا يسمّون محمّدا بذلك مع أنّ عايشة اخته و هي أمّ المؤمنين عندهم و ذلك لنصب معاوية و عداوته لأمير المؤمنين عليه السّلام و كون محمّد رضي اللّه عنه من خواصّ أصحابه و خلّص تلامذته ، و من شعره رضي اللّه عنه : يا أبانا قد وجدنا ما صلح خاب من أنت أبوه و افتضح إنّما أخرجنا منك الذي أخرج الدّرّ من المآء الملح أنسيت العهد في خمّ و ما قاله المبعوث فيه و شرح [ 105 ] فيك وصّى أحمد في يومها أم لمن أبواب خير قد فتح أم بارث قد تقمّصت بها بعد ما يحتجّ عجلك و كشح و سئلك المصطفى عمّا جرى من قضاياكم و من تلك القبح ثمّ عن فاطمة و ارثها من روى فيه و من فيه فضح ما ترى عذرك في الحشر غدا يا لك الويل إذ الحقّ اتّضح فعليك الخزى من ربّ السماء كلّما ناح حمام و صدح يا بني الزّهراء أنتم عدّتى و بكم في الحشر ميزاني رجح و إذا صحّ ولائي بكم لا ابالي أىّ كلب قد نبح و أما هاشم فهو ابن عتبة بن أبي وقّاص و سمى المرقال لأنه كان يرقل في الحرب ، و عن الاستيعاب أنه كان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نزل الكوفة و كان من الفضلاء الخيار ، و كان من الأبطال ، وفقئت عينه يوم البرموك ؟ و كان خيرا فاضلا شهد مع عليّ عليه السّلام الجمل ، و شهد صفين و أبلا بلاء حسنا و بيده كانت راية علىّ على الرّجالة يوم صفين ، و يومئذ قتل و كانت صفين سنة سبع و ثلاثين . أقول : و قد تقدّم كيفية قتاله و شجاعته و شهادته رضى اللّه عنه في شرح الخطبة الخامسة و الستين . الثانى في الاشارة إلى بعض الفتن الحادثة بمصر ، و شهادة محمّد بن أبي بكر رضي اللّه عنه فأقول : في شرح المعتزلي و البحار جميعا من كتاب الغارات لابراهيم بن محمّد الثقفي قال إبراهيم : باسناده عن الكلبي أنّ محمّد بن حذيفة هو الذي حرّض المصرّيين على قتل عثمان و ندبهم إليه ، و كان حينئذ بمصر ، فلمّا ساروا إلى عثمان و حصروه و ثب هو بمصر على عامل عثمان عليها ، و هو عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فطرده عنها و صلّى بالناس ، فخرج ابن أبي سرح من مصر و نزل على تخوم أرض مصر مما يلى فلسطين ، و انتظر ما يكون من أمر عثمان ، فلما بلغ إليه خبر قتله و بيعة الناس لأمير المؤمنين عليه السّلام لحق بمعاوية . [ 106 ] قال : فلمّا ولى عليّ عليه السّلام الخلافة و كان قيس بن سعد بن عبادة من شيعته و مناصحيه قال له : سر إلى مصر فقد وليتكها و اخرج إلى ظاهر المدينة و اجمع ثقاتك و من أحببت أن يصحبك حتّى تاتي مصر و معك جند ، فانّ ذلك ارعب لعدوّك و أعزّ لوليّك ، فاذا قدمتها إنشاء اللّه فأحسن إلى المحسن و اشدد على المريب ، و ارفق بالعامّة و الخاصّة فالرّفق يمن . فقال قيس : يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت ، فأمّا الجند فانّى ادعه لك فاذا احتجت إليهم كانوا قريبا منك ، و إن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدّة و لكني أسير إلى مصر بنفسي و أهل بيتي ، و أمّا ما أوصيتني به من الرّفق و الاحسان فاللّه هو المستعان على ذلك . قال : فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتّى دخل مصر و صعد المنبر و أمر بكتاب معه يقرء على النّاس فيه : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي من المسلمين ، سلام عليكم فانّى أحمد اللّه إليكم الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد فانّ اللّه بحسن صنعه و قدره و تدبيره اختار الاسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله ، و بعث أنبيائه إلى عباده ، فكان ممّا أكرم اللّه عزّ و جلّ به هذه الامة و خصّهم به من الفضل أن بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله إليهم فعلّمهم الكتاب و الحكمة و السّنّة و الفرايض ، و أدّبهم لكيما يهتدوا و أجمعهم لكيلا يتفرّقوا ، و زكّاهم لكيما يتطهّروا فلمّا قضى من ذلك ما عليه قبضه اللّه إليه ، فعليه صلوات اللّه و سلامه و رحمته و رضوانه . ثمّ إنّ المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين 1 أحييا السّيرة و لم يعدوا لسنّة ، ثمّ توفيا فولى بعدهما من أحدث أحداثا فوجدت الامّة عليه مقالا فقالوا ثمّ نقموا عليه فغيّروا ثمّ جاؤوني فبايعوني و أنا أستهدى اللّه للهدى و أستعينه على التقوى ، ألا و انّ لكم علينا العمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و القيام بحقّه و النصح لكم بالغيب و اللّه المستعان و حسبنا اللّه و نعم الوكيل . و قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فواز روه و أعينوه على الحقّ ، و قد أمرته بالاحسان إلى محسنكم و الشّدة على مريبكم و الرّفق بعوامكم و خواصكم ----------- ( 1 ) أى ظاهرا عند الناس و يحتمل أن يكون من الحاق المخالفين . [ 107 ] و هو ممّن ارضى هديه و أرجو صلاحه و نصحه ، نسأل اللّه لنا و لكم عملا زاكيا و ثوابا جزيلا و رحمة اللّه و بركاته ، و كتب عبيد اللّه بن أبى رافع في صفر سنة ست و ثلاثين . قال : فلمّا فرغ من قرائة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال : الحمد للّه الذى جاء بالحقّ و أمات الباطل و كبت الظالمين أيّها النّاس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا فقوموا فبايعوا على كتاب اللّه و سنّة نبيّه فان نحن لم نعمل فيكم بكتاب اللّه و سنّة رسول اللّه فلا بيعة لنا عليكم . فقام النّاس فبايعوه و استقامت مصر و أعمالها لقيس و بعث عليها عماله إلاّ أنّ قرية فيها قد أعظم أهلها قتل عثمان و بها رجل من بنى كنانة يقال له يزيد بن الحرث فبعث إلى قيس إنّا لا نأتيك فابعث عمّا لك فالأرض أرضك و لكن اقرّنا على حالنا حتّى ننظر إلى ما يصير أمر النّاس و وثب مسلمة بن مخلد الأنصارى و دعا إلى الطلب بدم عثمان ، فأرسل إليه قيس و يحك أعلى تثبّ و اللّه ما أحبّ انّ لى ملك الشّام و مصر و انّى قتلتك فاحقن دمك ، فأرسل إليه مسلمة إنّى كاف عنك مادمت والى مصر . و كان قيس ذا رأى و حزم فبعث إلى الذين اعتزلوا أنّى لا اكرهكم على البيعة و لكنّى أدعكم و اكفّ عنكم ، فهادنهم و هادن مسلمة بن مخلد و جي‏ء الخراج و ليس احد ينازعه . قال إبراهيم : و خرج عليّ إلى الجمل و قيس على مصر و رجع إلى الكوفة من البصرة و هو بمكانه و كان أثقل خلق اللّه على معاوية لقرب مصر و أعمالها من الشّام فكتب معاوية إلى قيس و عليّ عليه السّلام يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين . من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فانّى أحمد إليك اللّه الذى لا إله إلاّ هو أمّا بعد إن كنتم نقمتم على عثمان في اثرة « عثرة » رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو في شتمة أو تمييزه أحدا أو في استعماله الفتيان من أهله فانّكم قد [ 108 ] علمتم إن كنتم تعلمون أنّ دمه لا يحلّ لكم بذلك ، فقد ركبتم عظيما من الأمر و جئتم شيئا إدا ، فتب يا قيس إلى ربك ان كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة قبل الموت تغنى شيئا . و أمّا صاحبك فقد استيقنّا أنّه أغرى النّاس به و حملهم على قتله حتّى قتلوه و أنّه لم يسلم من دمه عظم قومك ، فان استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمان فافعل و بايعنا على عليّ في أمرنا هذا و لك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت و لمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز مادام لي سلطان ، و سلني عن غير هذا مما تحبّ فانك لا تسألنى شيئا إلاّ اتيته و اكتب الىّ رأيك فيما كتبت اليك . فلمّا جاء إليه كتاب معاوية أحبّ أن يدفعه و لا يبدى له أمره و لا يعجل له حربه فكتب إليه : أمّا بعد فقد وصل إلىّ كتابك و فهمت الّذى ذكرت من أمر عثمان و ذلك أمر لم اقاربه و ذكرت أنّ صاحبى هو الذي أغرى النّاس بعثمان و دسّهم إليه حتّى قتلوه ، و هذا أمر لم اطلع عليه ، و ذكرت لى أنّ عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمرى إنّ أولى النّاس كان في أمره عشيرتى . و أما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه و ما عرضته علىّ فقد فهمته و هذا أمر لي فيه نظر و فكر و ليس رأس هذا ممّا يعجل إلى مثله و أنا كاف عنك و ليس يأتيك من قبلي شي‏ء تكرهه حتّى ترى و نرى إنشاء اللّه و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته . قال إبراهيم : فلما قرء معاوية الكتاب لم يره إلاّ مقاربا مباعدا و لم يأمن أن يكون مخادعا مكائدا فكتب إليه : أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما ، و لم أرك تتباعد فأعدك حربا أراك كالجمل الجرور 1 « كخيل الحرون خ » و ليس مثلى يصانع بالخداع و لا يخدع بالمكايد و معه عدد الرّجل و أعنّه الخيل ، فان قبلت الذى عرضت عليك فلك ما أعطيتك و ان أنت لم تفعل ملئت مصر عليك خيلا و رجلا و السّلام . ----------- ( 1 ) جمل جرور يمنع القياد ، و بئر بعيدة ، ق . [ 109 ] فلما قرء قيس كتابه و علم انّه لا يقبل منه المدافعة و المطاولة أظهر له ما في نفسه ، فكتب إليه من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبى سفيان . أما بعد فالعجب من استسقاطك رأيى و الطمع فيما تسومني 1 لا أبا لغيرك من الخروج من طاعة أولى النّاس بالأمر و أقولهم بالحقّ و أهداهم سبيلا و أقربهم من رسول اللّه وسيلة أتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد النّاس من هذا الأمر و أقولهم بالزور و أضلّهم سبيلا و اناهم من رسول اللّه وسيلة و لديك قوم ضالّون مضلّون طواغيت إبليس ، و أمّا قولك إنّك تملاء علىّ مصر خيلا ، و رجلا فلئن لم أشغلك من ذلك حتّى يكون منك انك ذو جدّ و السّلام . فلما أتى معاوية كتاب قيس آيس و ثقل مكانه عليه و كان يحبّ أن يكون مكانه غيره أعجب لما يعلم من قوّته و بأسه و نجدته ، فاشتدّ أمره على معاوية فأظهر للنّاس أنّ قيسا قد بايعكم فادعوا اللّه له و قرء عليهم كتابه الذى لان فيه و قاربه و اختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرئه على النّاس للأمير معاوية بن أبيسفيان من قيس ابن سعد : أما بعد إنّ قتل عثمان حدث في الاسلام عظيما و قد نظرت لنفسي و ديني فلم أريسعنى و دينى مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما ، فنستغفر اللّه سبحانه لذنوبنا و نسأله العصمة لديننا ألا و إنّى قد القيت إليك بالسّلم و أجبتك إلى قتال قتلة امام الهدى المظلوم فاطلب منّي ما احببت من الامور و الرّجال اعجله إليك إنشاء اللّه ، و السّلام على الامير و رحمة و بركاته . قال فشاع في الشام كلّها أنّ قيسا صالح معاوية و أتت عيون عليّ بن أبيطالب إليه بذلك ، فأعظمه و أكبره و تعجّب له و دعا ابنيه حسنا و حسينا و ابنه محمّدا و عبد اللّه بن جعفر فأعلمهم بذلك و قال : ما رأيكم ؟ فقال عبد اللّه بن جعفر : يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا عن مصر ، قال عليّ عليه السّلام و اللّه إنّي غير مصدّق بهذا على قيس ، فقال عبد اللّه : اعزله يا أمير المؤمنين فان كان ما قد قيل حقّا لا يعتزل ----------- ( 1 ) سام فلانا الامر كلفه اياه و اكثر ما يستعمل فى العذاب و الشرّ ، ق . [ 110 ] لك إن عزلته . قال : و إنّهم لكذلك إذ جائهم كتاب من قيس بن سعد فيه . أما بعد فانّى أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك اللّه و أعزّك ، إنّ قبلى رجالا معتزلين سألونى أن أكفّ عنهم و أدعهم على حالهم حتّى يستقيم أمر النّاس و نرى و يرون ، و قدر أيت أن أكفّ عنهم و لا اعجل بحربهم و ان اتالفهم بين ذلك لعل اللّه أن يقبل بقلوبهم و يفرّقهم عن ضلالتهم إنشاء اللّه و السّلام . فقال عبد اللّه بن جعفر : يا أمير المؤمنين إنّك إن أطعته في تركهم و اعتزالهم استسرى الأمر و تفاقمت الفتنة و قعد عن بيعتك كثير ممّن تريده على الدّخول فيها و لكن مره بقتالهم ، فكتب إليه : أمّا بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلاّ فناجزهم و السّلام . فلما اتى هذا الكتاب قيسا فقرءه لم يتمالك ان كتب إلى عليّ عليه السّلام . أمّا بعد يا أمير المؤمنين تأمرنى بقتل قوم كافين عنك لم يمدّ و ايدا للفتنة و لا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين و كفّ عنهم فانّ الرّأى تركهم و السّلام . فلما أتاه الكتاب قال عبد اللّه بن جعفر : يا أمير المؤمنين ابعث محمّد بن أبي بكر إلى مصر يكفيك و اعزل قيسا فو اللّه ليبلغني أنّ قيسا يقول انّ سلطانا لا يتمّ إلاّ بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء و اللّه ما احبّ أنّ لي سلطان الشّام مع سلطان مصر و انّنى قتلت ابن مخلد . و كان عبد اللّه بن جعفر أخا محمّد بن أبي بكر لامّه و كان يحبّ أن يكون له امرة و سلطان فاستعمل عليّ محمّد بن أبي بكر مصر لمحبّته له و لهوى عبد اللّه بن جعفر أخيه فيه و كتب معه كتابا إلى أهل مصر فسار حتّى قدمها فقال له قيس : ما بال أمير المؤمنين ما غيره أدخل أحد بينى و بينه ؟ قال : لا و هذا السلطان سلطانك و كان بينهما نسب و كان تحت قيس قريبة بنت أبي قحافة اخت أبي بكر فكان قيس زوج عمّته ، فقال قيس : لا و اللّه لا اقيم معك ساعة واحدة فغضب و خرج من مصر [ 111 ] مقبلا إلى المدينة و لم يمض إلى عليّ بالكوفة . فلما قدم المدينة جاء حسان بن ثابت شامتا به و كان عثمانيا فقال له : نزعك عليّ بن أبي طالب و قد قتلت عثمان فبقي عليك الاثم و لم يحسن عليك الشكر ، فزجره قيس و قال : يا أعمى البصر و اللّه لو لا أن القى بيني و بين رهطك حربا لضربت عنقك ثمّ أخرجه من عنده . ثمّ إنّ قيسا و سهل بن حنيف خرجا حتّى قدما على عليّ عليه السّلام الكوفة فخبره قيس الخبر و ما كان بمصر ، فصدقه و شهد مع عليّ بصفين هو و سهل بن حنيف و كان قيس طوالا أطول النّاس و أمدّهم قامة و كان سبطا أصلع شجاعا مجربا مناصحا لعليّ عليه السّلام و لولده و لم يزل على ذلك إلى أن مات . و عن هشام بن عروة قال : كان قيس على مقدّمة عليّ بصفين معه خمسه آلاف قد حلقوا رؤوسهم . و في البحار وجدت في بعض الكتب أنّ عزل قيس من مصر ممّا غلب أمير المؤمنين أصحابه و اضطرّوه إلى ذلك و لم يكن هذا رأيه كالتّحكيم و لعلّه أظهر و أصوب . قال إبراهيم و كان عهد عليّ عليه السّلام إلى محمد بن أبي بكر : هذا ما عهد عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولاه مصر ، أمره بتقوى اللّه في السرّ و العلانية و خوف اللّه في المغيب و المشهد ، و أمره باللين على المسلم و الغلظة على الفاجر ، و بالعدل على أهل الذمة و بالانصاف للمظلوم و ما يشده على الظالم ، و بالعفو على النّاس و بالاحسان ما استطاع و اللّه يجزى المحسنين و يعذّب المجرمين ، و امره ان يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة فانّ لهم في ذلك من العافية و عظم المثوبة ما لا يقدر قدره و لا يعرف كنهه . و أمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينتقص و لا يبتدع ثمّ يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل ، و ان تكن لهم حاجة يواسي بينهم في مجلسه ، و وجهه ليكون القريب و البعيد عنده على سواء ، و أمره أن يحكم بين النّاس بالحقّ و أن يقوم بالقسطاس و لا يتبع الهوى و لا يخاف في اللّه لومة [ 112 ] لائم فانّ اللّه مع من اتّقاه و آثر طاعته على من سواه ، و كتب عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه بغرّة شهر رمضان سنة ستّ و ثلاثين . قال إبراهيم : ثمّ قام محمّد بن أبي بكر خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال : أمّا بعد فالحمد للّه الذي هدانا و إيّاكم لما اختلف فيه من الحقّ ، و بصّرنا و إيّاكم كثيرا ممّا عمى عنه الجاهلون ألا و إنّ أمير المؤمنين ، و لانّي اموركم و عهد إليّ بما سمعتم و أوصاني بكثير منه مشافهة و لن الوكم جهدا ما استطعت ، و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت ، و إليه انيب ، فان يكن ما ترون من آثارى و أعمالي طاعة للّه و تقوى فاحمدوا اللّه على ما كان من ذلك فانّه هو الهادى إليه ، و إن رأيتم من ذلك عملا بغير الحقّ فارفعوه إلىّ فانّي بذلك أسعد و أنتم بذلك جديرون ، وفقنا اللّه و إيّاكم لصالح العمل . أقول : و لأمير المؤمنين عليه السّلام كتاب آخر مبسوط إلى محمّد و أهل مصر و رواه إبراهيم نرويه إنشاء اللّه في باب الكتب إن ساعدنا التّوفيق و المجال . ثمّ قال إبراهيم : فلم يلبث محمّد بن أبي بكر شهرا كاملا حتّى بعث إلى أولئك المعتزلون الذين كان قيس بن سعد مواد عالهم ، فقال : يا هؤلاء إمّا أن تدخلوا في طاعتنا و إمّا ان تخرجوا من بلادنا ، فبعثوا إليه إنّا لا نفعل فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير أمر النّاس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه و أخذوا حذرهم ، ثمّ كانت وقعة صفين و هم لمحمّد هايبون فلمّا أتاهم خبر معاوية و أهل الشّام ثمّ صار الأمر إلى الحكومة و أنّ عليّا و أهل العراق قد غفلوا عن معاوية و الشّام إلى عراقهم ، اجتروا على محمّد و أظهروا المنابذة له ، فلما رأى محمّد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوى و معه يزيد بن الحرث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما . [ 113 ] ثمّ بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا ، و خرج معاوية بن حديج 1 من السّكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان ، فأجابه القوم و ناس كثير آخرون و فسدت مصر على محمّد بن أبي بكر ، فبلغ عليا توثّبهم عليه ، فقال : مالي أرى لمصر إلاّ و أحد الرّجلين صاحبنا الذى عزلناه بالأمس يعني قيس بن سعد أو مالك بن الحرث الأشتر و كان عليّ حين رجع عن صفين ردّ الاشتر إلى عمله بالجزيرة و قال لقيس بن سعد : أقم أنت معي على شرطتى حتّى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثمّ اخرج إلى اذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته . فلمّا انقضى أمر الحكومة كتب إلى الأشتر و هو يومئذ بنصيبين و طلبه إليه و بعثه إلى مصر و مات قبل الوصول إليه بتفصيل تطلع عليه في باب الكتب أيضا إنشاء اللّه قال ابراهيم : فحدث محمّد بن عبد اللّه عن أبي سيف المدايني عن أبي جهضم الأزدي أنّ أهل الشّام لمّا انصرفوا عن صفّين و أتى بمعاوية خبر الحكمين و بايعه أهل الشّام بالخلافة لم يزدوا إلاّ قوّة و لم يكن لهم همّ إلاّ مصر فدعا عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و الضّحاك بن قيس و عبد الرّحمن بن خالد و شرجيل بن السّمط و أبا الأعور السّلمي و حمزة بن مالك فاستشارهم في ذلك . قال عمرو بن العاص : نعم الرّأى رأيت في افتتاحها عزّك و عزّ أصحابك و ذلّ عدوّك ، و قال آخرون نرى ما رأى عمرو ، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الانصارى و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا قد خالفا عليّا فدعا هما إلى الطلب بدم عثمان ، فأجابا و كتبا إليه : عجّل الينا بخيلك و رجلك فانّا ننصرك و يفتح اللّه عليك . فبعث معاوية عمر بن العاص في ستّة آلاف فسار عمرو في الجيش حتّى دنى من مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة فأقام ، و كتب إلى محمّد بن أبي بكر . أمّا بعد فتنحّ عنّي يابن أبي بكر فانّي لا احبّ أن يصيبك منّي ظفر و أنّ ----------- ( 1 ) قال الدميرى فى حياة الحيوان معاوية بن حديج بحاء مهملة مضمومة و دال مهملة مفتوحة و بالجيم فى آخره كذا ضبطه ابن السمعانى فى الانساب و ابن عبد البر و قتيبة و غيرهم ، منه [ 114 ] النّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطنان ، فاخرج منها فانّي لك من النّاصحين و السّلام قال : و بعث عمرو إلى محمّد مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه و هو أمّا بعد فانّ غب الظلم و البغى عظيم الوبال و انّ سفك الدّم الحرام لا يسلم صاحبه من النّقمة في الدّنيا و التّبعة الموبقة في الآخرة ، و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوء له عينا و لا أشدّ عليه خلافا منك ، سعيت عليه في السّاعين و ساعدت عليه في المساعدين و سفكت دمه مع السّافكين ، ثمّ تظنّ انّي نائم عنك فتأتى بلدة فتأمن فيها و جلّ أهلها أنصارى يرون رأيي و يرفعون قولك و يرقبون عليك و قد بعثت اليك قوما حناقا عليك يسفكون دمك و يتقرّبون إلى اللّه عزّ و جلّ بجهادك و قد اعطوا اللّه عهدا ليقتلنّك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه ، و أنا احذّرك و انظرك فانّ اللّه مقيد منك و مقتص لوليّه و خليفته بظلمك به و بغيك عليه و وقيعتك فيه و عداوتك يوم الدّار عليه ، تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أو داجه ، و مع هذا فانّى أكره قتلك و لا احبّ أن أتولّى ذلك منك و لن يسلمك اللّه من النّقمة اين كنت أبدا فتنحّ و انج بنفسك و السّلام . قال : فطوى محمّد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما إلى عليّ عليه السّلام و كتب إليه : أمّا بعد يا أمير المؤمنين فانّ العاصى ابن العاص قد نزل أدنى مصر و اجتمع إليه من أهل البلد كلّ من كان يرى رأيهم و هو في جيش جرّار و قد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل فان كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرّجال ، و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته . فكتب عليه السّلام اليه : فقد أتاني رسولك بكتاب تذكر أنّ ابن العاص قد نزل أدنى مصر في جيش جرّار و أنّ من كان على مثل رأيه قد خرج إليه و خروج من كان على رأيه خير من اقامته عندك ، و ذكرت أنّك قد رأيت ممّن قبلك فشلا فلا تفشل و ان فشلوا ، حصّن قريتك و اضمم إليك شيعتك ، و أوّل الحرس في عسكرك و اندب الى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنّصيحة و التّجربة و البأس ، فانا نادب اليك الناس [ 115 ] على الصعب و الذّلول فاصبر لعدوّك و امض بصيرتك و قاتلهم على نيتّك و جاهدهم محتسبا منه سبحانه ، و إن كان فئتك أقلّ الفئتين فان اللّه تعالى يعين القليل و يخذل الكثير . و قد قرئت كتاب الفاجرين المتحابّين ( المتحامين خ ل ) على المعصية و المتلائمين على الضلالة و المرتشين في الحكومة و المنكرين على أهل الدّين الذين استمتعوا بخلافهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم ، فلا يضرّنك ارعادهما و ابراقهما ، واجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله ، فانّك تجد مقالا ما شئت و السّلام . قال : فكتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحى عنك كأنك لي ناصح و تخوّفني بالحرب كأنّك علىّ شفيق ، و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يخذلكم اللّه في الواقعة و أن ينزل بكم الذلّ و أن تولّوا الدّبر ، فان يكن لكم الأمر في الدّنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به و إلى اللّه المصير ، و إليه تردّ الامور ، و هو أرحم الرّاحمين ، و اللّه المستعان على ما تصفون . و كتب إلى عمرو بن العاص : أمّا بعد فقد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت و زعمت أنّك لا تحبّ أن يصيبني منك الظفر ، فاشهد باللّه أنّك لمن المبطلين ، و زعمت أنّك لي ناصح و اقسم أنّك عندى ظنين ، و زعمت أنّ أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فاولئك حزبك و حزب الشّيطان الرّجيم ، و حسبنا اللّه ربّ العالمين ، و توكلت على اللّه العزيز الرّحيم ، ربّ العرش العظيم . قال إبراهيم : فحدّثنا محمّد بن عبد اللّه عن المدايني قال : فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمّد بن أبي بكر في النّاس فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد يا معاشر المسلمين فانّ القوم الذين كان ينتهكون الحرمة و يغشون أرض الضّلالة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود ، فمن أراد الجنّة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في اللّه ، انتدبوا رحمكم اللّه [ 116 ] مع كنانة بن بشر . ثمّ ندب معه ألفى رجل ، و تخلّف محمّد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمّد فلمّا دنى عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة ، فلم تأته كتيبة من كتائب أهل الشّام إلاّ شدّ عليها بمن معه فيضربها حتّى يلحقها بعمرو ، ففعل ذلك مرارا ، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدّهم ، فلمّا رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه و ضاربهم بسيفه حتّى استشهد . قال : فلمّا قتل كنانة أقبل ابن العاص نحو محمّد و قد تفرّق عنه أصحابه ، فخرج محمّد فمضى في طريق حتّى انتهى إلى خربة فآوى اليها ، و جاء عمر و بن العاص حتّى دخل الفسطاط و خرج ابن حديج في طلب محمّد حتّى انتهى إلى علوج 1 على قارعة الطريق فسألهم هل مرّ بكم أحد تنكرونه ؟ قالوا : لا قال أحدهم : إنّي دخلت تلك الخربة فاذا أنا برجل جالس ، قال ابن حديج : هو هو و ربّ الكعبة . فانطلقوا يركضون حتّى دخلوا على محمّد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا ، فاقبلوا به نحو الفسطاط فوثب أخوه عبد الرّحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال : لا و اللّه لا يقتل أخى صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه ، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتنى بمحمّد ، فقال معاوية : أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمّي و اخلّى عن محمّد ، هيهات هيهات أ كفّاركم خير من اولئكم أم لكم براءة في الزّبر . فقال محمّد : اسقوني قطرة من ماء ، فقال له ابن حديج لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرة أبدا ، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما فسقاه اللّه من الرّحيق المختوم 2 و اللّه لأقتلنّك يابن أبي بكر و أنت ظمآن و يسقيك اللّه من الحميم و الغسلين . ----------- ( 1 ) العلج بالكسر الرجل من كفار العجم و الجمع علوج ، ق . ----------- ( 2 ) غير خفىّ على أهل البصيرة أن القضية بالعكس فان الاول شارب من الحميم و الغسلين و الثانى من الرحيق المختوم ، منه . [ 117 ] فقال محمّد : يا بن اليهودية النسّاجة ليس ذلك اليوم إليك و لا إلى عثمان و إنّما ذلك إلى اللّه يسقى أولياءه و يظما أعداءه و هم أنت و قرنائك و من تولاّك و تولّيته ، و اللّه لو كان سيفى بيدي ما بلغتم مني ما بلغتم ، فقال له معاوية بن حديج : أتدرى ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثمّ احرقه عليك بالنّار . قال : ان فعلتم ذلك بي فطال ما فعلتم ذاك بأولياء اللّه و أيم اللّه إنّي لأرجو أن يجعل اللّه هذه النّار التي تخوّفني بها بردا و سلاما كما جعلها اللّه على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و على أوليائه و إنّي لأرجو أن يحرقك اللّه و إمامك معاوية و هذا ، و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كلما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا . فقال معاوية بن حديج إنّي لأقتلك ظمآنا إنما أقتلك بعثمان بن عفّان ، قال محمّد : و ما أنت و عثمان رجل عمل بالجور و بدّل حكم اللّه و القرآن و قد قال اللّه عزّ و جلّ : وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَاُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ، وَ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ . فنقمنا عليه أشياء عملها فأردناه أن يختلع من عملنا فلم يفعل فقتله من قتله من النّاس ، فغضب معاوية بن حديج فضرب عنقه ثمّ القاه في جوف حمار و أحرقه بالنّار . فلمّا بلغ ذلك عايشة جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كلّ صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج ، و قبضت عيال محمّد أخيها و ولده إليها فكان القاسم بن محمّد في عيالها ، و حلفت عايشة أن لا تأكل شوى أبدا بعد قتل محمّد ، فلم تأكل شوى حتى لحقت باللّه ، و ما عثرت قطّ إلاّ قالت تعس 1 معاوية بن ابى سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج . قال إبراهيم : و حدّثني محمّد بن عبد اللّه عن المدائني عن الحرث بن كعب عن حبيب بن عبد اللّه ، قال و اللّه إنّي لعند عليّ اذ جائه عبد اللّه بن معين من قبل محمّد بن ----------- ( 1 ) التعس الهلاك و العثار و السقوط و الشرّ و البعد و الانحطاط . [ 118 ] أبي بكر يستصرخه قبل الوقعة ، فقام عليّ عليه السّلام فنادى في النّاس الصّلاة جامعة فاجتمع النّاس فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكر رسول اللّه ثمّ قال عليه السّلام : أمّا بعد فهذا صريخ محمّد بن أبي بكر و اخوانكم من أهل مصر قد سار اليهم ابن النّابغة عدوّ اللّه و عدوّ من والاه و ولاّ من عاد اللّه ، فلا يكونن أهل الضّلال إلى باطلهم و الرّكون إلى سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعا على باطلهم منكم على حقّكم ، و قد بدؤوكم و اخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النّصر ، عباد اللّه إن مصر أعظم من الشّام خيرا و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فانّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم و كبت لعدوّكم اخرجوا إلى الجزعة « و الجزعة بين الحيرة و الكوفة » لنتوا في هناك كلّنا غدا إنشاء اللّه . قال فلمّا كان الغد خرج يمشى فأقام حتّى انتصب النّهار فلم يوافه مأة رجل فرجع فلما كان العشاء بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين فقال عليه السّلام : الحمد للّه على ما قضى من أمر و قدّر من فعل و ابتلاني بكم أيّها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها ، و لا تجيب إذا دعوتها ، لا أبا لغيركم ماذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقّكم ، الموت خير من الذّلّ في هذه الدّنيا لغير الحقّ ، و اللّه إن جائني الموت و ليأتينّي فليفرقنّ بيني و بينكم لتجدنّني لصحبتكم جدّ . قال : ألا دين يجمعكم ألاحمية تغيظكم ألا تسمعون بعدوّكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الظعام الظلمة فيتّبعونه على غير عطاء و معونة و يجيبونه في السنّة المرّة و المرّتين و الثلاث إلى أىّ وجه شاء ثمّ أنا أدعوكم و أنتم اولوا النّهى و بقيّة النّاس تختلفون و تفرّقون منّي و تعصونني و تخالفون عليّ . فقام إليه مالك بن كعب الارحبى فقال : يا أمير المؤمنين اندب النّاس معي فانّه لا عطر بعد عروس ، و إنّ الأجر لا يأتي إلاّ بالكره ، ثمّ التفت إلى النّاس ، و قال : اتقوا اللّه و أجيبوا دعوة إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوّكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين . [ 119 ] فأمر عليّ عليه السّلام سعدا مولاه أن ينادى ألاسيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا ، فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر ظاهر الكوفة و خرج معه عليّ عليه السّلام فنظر فاذا جميع النّاس نحو من ألفين فقال عليّ عليه السّلام سيروا و اللّه أنتم ما اخالكم تدركون القوم حتى ينقضى أمركم ، فخرج مالك بهم و سار خمس ليال . و قدم الحجاج بن عرية الأنصاري على عليّ عليه السّلام و قدم عليه عبد الرّحمن بن المسيّب الفرازي من الشّام ، فأمّا الفرازي فكان عينا لعليّ لا ينام و أما الأنصارى فكان مع محمّد بن أبي بكر ، فحدّثه الأنصارى بما عاين و شاهد و أخبره بهلاك محمّد و أخبره الفرازى انّه لم يخرج من الشّام حتّى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص فيتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمّد بن أبي بكر و حتّى اذن معاوية بقتله على المنبر و قال : يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل ما رأيته بالشّام حين أتاهم قتل ابن أبي بكر ، فقال عليّ عليه السّلام أما إنّ حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا . قال و حزن عليّ عليه السّلام على محمّد حتّى رؤى ذلك فيه و تبيّن في وجهه و قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال : الا و انّ المصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور و الظلم الذين صدّوا عن سبيل اللّه و بغوا الاسلام عوجا ، ألا و إنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمة اللّه عليه و عند اللّه نحتسبه ، أما و اللّه لقد كان ما عملت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحبّ سمت المؤمن ، إنّى و اللّه ما ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و إنّي لمقاساة الحرب مجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرّاى المصيب فاستصرخكم و اناديكم مستغيثا فلا تسمعون قولا و لا تطيعون لي أمرا حتّى تصير الامور إلى عواقب المسائة و أنتم القوم لا يدرك بكم الثّار و لا ينقص بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث اخوانكم منذ بضع و خمسين ليلا فجر جرتم علىّ جرجرة الجمل الأشر و تثاقلتم إلى الارض تثاقل من لا نيّة له في الجهاد و لا راى في الاكتساب للأجر ، ثمّ خرج إلىّ منكم [ 120 ] جنيد متدائب ضعيف كانما تساقون إلى الموت و هم ينظرون فافّ لكم ، ثمّ نزل فدخل رحله . قال المدايني : إنّ عليّا عليه السّلام قال : رحم اللّه محمّدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن اولي المر قال هاشم بن عتبة مصرا فانّه و اللّه لو وليها ما خلى لابن العاص و اعوانه العرصة و لا قتل إلاّ و سيفه في يده بلا ذمّ لمحمد فلقد أحمد نفسه و قضا ما عليه . قال المدايني و قيل لعليّ عليه السّلام لقد جزعت يا امير المؤمنين على محمّد بن أبي بكر فقال : و ما يمنعني إنّه كان لي ربيبا و كان لي أخا و كنت له والدا أعده ولدا . الترجمة از جمله كلام آن امام انام است در وقتى كه ايالت مصر را بمحمد بن أبي بكر تفويض فرمود : پس مملوك شد مصر و مقتول گرديد محمّد يعني محمّد را بامر معاويّه ملعون شهيد كردند و بمصر مستولي شدند و بتحقيق كه ميخواستم هاشم بن عتبه را والي مصر نمايم و اگر او را والي مصر كرده بودم هر آينه خالى نميكرد از براى دشمنان عرصه مصر را و نمى‏داد بايشان فرصت را در حالتي كه مذمت نمى‏كنم محمّد را ، پس بتحقيق كه بود محمّد بسوى من دوست مخلص و بود مرا پسر زن از جهت اينكه مادر او اسماء بنت عميس زوجه جعفر بن ابي طالب بود ، و بعد از او ابو بكر او را تزويج نمود و محمّد از او متولد شد و بعد از وفات ابي بكر امير المؤمنين عليه السّلام آنرا بنكاح خود در آورد .