جستجو

و من خطبة له ع و فيها مباحث لطيفة من العلم الإلهي

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السلام و هى الرابعة و الستون من المختار فى باب الخطب ألحمد للّه الّذي لم تسبق له حال حالا فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا ، و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل و كلّ عزيز غيره ذليل ، و كلّ قويّ غيره ضعيف ، و كلّ مالك غيره مملوك ، و كلّ عالم غيره متعلّم ، و كلّ قادر غيره يقدر و يعجز ، و كلّ سميع غيره يصّم عن لطيف الأصوات ، و يصمّه كبيرها ، و يذهب عنه ما بعد منها ، و كلّ بصير غيره يعمى عن خفىّ الألوان و لطيف الأجسام ، و كلّ ظاهر غيره غير باطن ، و كلّ باطن غيره غير ظاهر ، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، و لا تخوّف من عواقب [ 3 ] زمان ، و لا استعانة على ندّ مثاور ، و لا شريك مكاثر ، و لا ضدّ منافر ، و لكن خلايق مربوبون ، و عباد داخرون ، لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن ، و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن ، لم يؤذه خلق ما ابتدء ، و لا تدبير ما ذرء ، و لا وقف به عجز عمّا خلق ، و لا ولجت عليه شبهة فيما قضا و قدّر ، بل قضاء متقن ، و علم محكم ، و أمر مبرم ، المأمول مع النّقم ، ألمرهوب مع النّعم . اللغة ( صمت ) الاذن صمما من باب تعب بطل سمعها و يسند الفعل إلى الشّخص أيضا فيقال صمّ يصمّ صمما و يتعدّى بالهمزة فيقال أصمّه اللّه و لا يستعمل الثّلاثي متعدّيا و ( النّد ) المثل و ( المثاور ) من الثّوران و هو الوثب و الهيجان يقال ثاوره مثاورة و ثوارا و اثبه و ( المكاثر ) في أكثر النّسخ بالثاء المثلثة و في نسخة الشّارح المعتزلي بالموحّدة و معناهما قريب ، يقال كاثروهم فكثروهم غالبوهم في الكثرة فغلبوهم و يقال كابرته مكابرة غالبته مغالبة و عاندته و ( الدّاخر ) الذّليل و ( اده ) الامر يؤده اثقله و ( ذرء ) خلق و ( المبرم ) كالمحكم لفظا و معنا الاعراب لفظة غير في الموارد الثّمانية إمّا بالرّفع كما في أكثر النّسخ على أنّها صفة لكلّ ، و إمّا بالنّصب كما في بعض النّسخ على الاستثناء أو على أنّها حال ممّا اضيف إليه كلّ ، و العامل معنى الاضافة كما هو مذهب البعض في غير المغضوب حيث قال بكونه حالا من الذين و أنّه عمل فيه معنى الاضافة ، و لكن خلايق اه بتخفيف لكن و الغائه عن العمل و رفع ما بعدها على كونه خبرا لمبتداء محذوف ، قالوا : و حقّ لكن أن تقع بين كلامين متغايرين معنى بالنّفى و الاثبات ، و لا يلزم التغاير اللّفظى [ 4 ] إذ يقال جاء زيد و لكن عمروا لم يجي‏ء ، و قد يقال زيد حاضر و لكن عمروا غايب ، و لا يلزم أيضا أن يكون بينهما تضادّ حقيقي بل التّنافي بوجه ما قال تعالى : إنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ على النّاسِ وَ لكِن أكثر النّاس لا يَشْكُرونَ فانّ عدم الشّكر لا يناسب الافضال ، بل اللاّيق به ان يشكر ، و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام من هذا القبيل ، قوله فيقال : في الموضعين بنصب المضارع و انتصابه بعد فاء السّببيّة مع تقدّم النّفي قاعدة كليّة ، و قضاء متقن خبر لمبتداء و هكذا ما بعده ، و قوله المأمول مع النّقم أيضا خبر أى هو المأمول و المرهوب . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشّريفة مشتملة على نكات لطيفة من العلوم الالهيّة متضمّنة لجملة من الصّفات الكمالية . الاولى ما اشار إليه بقوله ( الحمد للّه الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا ، و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ) و المستفاد منه شيئان الاول أنّه سبحانه متّصف بالأوّلية و الآخرية و الظاهريّة و الباطنية الثانى أنّ اتّصافه تعالى بها ليس على نحو السبق و اللحوق و القبليّة و البعديّة أمّا الأوّل فقد أشير إليه في سورة الحديد قال سبحانه هُو الأَوَّلُ وَ الآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُو بِكُلِّ شيْ‏ءٍ عَليمٌ و اختلف في معنى هذه الصّفات فقال الصّدوق في التّوحيد : هو الأوّل بغير ابتداء ، و الآخر بغير انتهاء ، و الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته و آثار حكمته و بيّنات حجّته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها و إنشاء أيسرها و أحقرها عندهم كما قال عزّ و جلّ : إنَّ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمعُوا لَهُ فليس شي‏ء من خلقه إلاّ و هو شاهد له على وحدانيّته من جميع جهاته و أعرض تبارك و تعالى عن وصف ذاته و هو ظاهر بآياته محتجب بذاته [ 5 ] و معنى ثان أنّه ظاهر غالب قادر على ما يشاء و منه قوله عزّ و جلّ : فأصبحوا ظاهرين ، أى غالبين لهم و الباطن معناه أنّه قد بطن عن الأوهام و هو باطن لا يحيط به محيط لأنّه قدم أي تقدم الفكر فجنّب عنه ، و سبق العلوم فلم يحط به ، وفات الأوهام فلم يكتنهه ، و حارت عنه الأبصار فلم تدركه ، فهو باطن كلّ باطن ، و محتجب كلّ محتجب ، بطن بالذّات و ظهر بالآيات ، فهو الباطن بلا حجاب و الظاهر بلا اقتراب . و معنى ثان أنّه باطن كلّ شي‏ء أى خبير بصير بما يسرّون و ما يعلنون و لكلّ ما ذرء ، و بطانة الرّجل و ليجته من القوم الذين يداخلهم و يداخلونه في دخلة أمره ، و المعنى أنّه عالم بسرايرهم لا أنّه عزّ و جلّ يبطن في شي‏ء يواريه و في مجمع البيان : هو الأوّل أى أوّل الموجودات ، و تحقيقه أنّه سابق لجميع الموجودات بما لا يتناهي من تقدير الأوقات ، لأنّه قديم و ما عداه محدث و القديم يسبق المحدث بما لا يتناهي من الاوقات ، و الآخر بعد فناء كلّ شي‏ء لأنّه يفنى الأجسام كلّها و ما فيها من الأعراض و يبقى وحده . و قيل الأوّل قبل كلّ شي‏ء بلا ابتداء ، و الآخر بعد كلّ شي‏ء بلا انتهاء ، و الظاهر هو العالى الغالب على كلّ شي‏ء ، فكلّ شي‏ء دونه ، و الباطن العالم بما بطن فلا أحد أعلم منه عن ابن عباس و قيل : الظاهر بالأدلّة و الشّواهد ، و الباطن الخبير بكلّ شي‏ء و قيل : معنى الظاهر و الباطن إنّه العالم بما ظهر ، و العالم بما بطن و قيل : الظاهر بأدلته و الباطن من احساس خلقه و قيل الأوّل بلا ابتداء ، و الآخر بلا انتهاء ، و الظاهر بلا اقتراب ، و الباطن بلا احتجاب و قيل الأوّل ببرّه إذ هداك ، و الآخر بعفوه إذ قبل توبتك ، و الظاهر باحسانه و توفيقه إذا أطعته ، و الباطن بستره إذا عصيته عن السدى و قيل الأوّل بالخلق ، و الآخر بالرّزق ، و الظاهر بالاحياء ، و الباطن بالاماتة عن ابن عمر و قيل : هو الذي أوّل الأوّل و أخّر الآخر و أظهر الظاهر و أبطن الباطن عن الضّحاك و قيل الأوّل بالأزليّة ، و الآخر بالأبديّة ، و الظاهر بالأحديّة ، [ 6 ] و الباطن بالصّمديّة عن أبي بكر الوراق و قيل إنّ الواوات مفتّحة و المعنى هو الأوّل و الآخر و الظاهر و الباطن ، لأنّ من كان منّا أولا لا يكون آخرا ، و من كان ظاهرا لا يكون باطنا ، عن عبد العزيز بن يحيى و قيل هو الأوّل القديم ، و الآخر الرّحيم و الظاهر الحكيم ، و الباطن العليم عن يمان و أمّا الثاني فتحقيقه ما ذكره الشّارح البحراني و هو أنّه لمّا ثبت أنّ السّبق و المقارنة و القبلية و البعديّة امور تلحق الزمان لذاته و تلحق الزمانيات به و ثبت أنّه تعالى منزه عن الزّمان إذ كان من لواحق الحركة المتأخّرة عن وجود الجسم المتأخّر عن وجود اللّه سبحانه كما علم ذلك في موضعه ، لا جرم لم تلحق ذاته المقدّسة و مالها من صفات الكمال و نعوت الجلال شي‏ء من لواحق الزّمان ، فلم يجز إذن أن يقال مثلا كونه عالما قبل كونه قادرا أو كونه قادرا قبل كونه مريدا أو كونه حيّا قبل كونه عالما و لا كونه أوّلا للعالم قبل كونه آخرا له قبلية و سبقا زمانيا بقى أن يقال إنّ القبلية و البعديّة قد يطلق بمعان آخر كالقبليّة بالشّرف و الذّات و الفضيلة و العلية ، و قد بيّنا أنّ كلّ ما يلحق ذاته المقدّسة من الصّفات فاعتبارات ذهنيّة تحدّثها العقول عند مقايسته إلى مخلوقاته و شي‏ء من تلك الاعتبارات لا تفاوت أيضا بالقبليّة و البعديّة بأحد المعاني المذكورة بالنّظر إلى ذاته المقدسة فلا يقال مثلا : هو المستحقّ لهذا الاعتبار قبل هذا الاعتبار أو بعده و إلاّ لكان كمال ذاته قابلا للزيادة و النّقصان ، بل استحقاقه بالنّظر إلى ذاته لما يصحّ أن يعتبر لها استحقاق وجه بالنّظر إلى جميعها دائما فلا حال يفرض إلاّ و هو يستحق فيه أن يعتبر له الأوّليّة و الآخريّة معا استحقاقا أوّليّا ذاتيا ، لا على وجه التّرتيب و إن تفاوت الاعتبارات بالنّظر إلى اعتبارنا ، و هذا بخلاف غيره من الامور الزّمانية ، فانّ الجوهر مثلا يصدق عليه كونه أوّلا من العرض و لا يصدق عليه مع ذلك أنّه آخر له حتّى لو فرضنا عدم جميع الاعراض و بقاء الجوهر بعدها لم يكن استحقاقه للاعتبارين معا بل استحقاقه لاعتبار الأوليّة متقدّم . [ 7 ] و قال الصّدر الشّيرازي في شرح الكافي : هو الأوّل و الآخر لأنّه مبدء كلّ شي‏ء و غايته ، و الظاهر و الباطن لأنّ غاية ظهوره منشأ بطونه بل حيثية ظهوره بعينها حيثيّة بطونه ، فهو الظاهر من حيث هو الباطن ، و الباطن من حيث هو الظاهر و الثانية أن ( كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل ) و المراد بذلك أنّه سبحانه مع اتّصافه بالوحدة لا يتّصف بالقلّة كما يتّصف بها غيره من المتّصفين بالوحدة بيان ذلك أنّ الوحدة قد يطلق و يراد بها الوحدة التي هي مبدء الكثرة و هى العادّ و المكيال لها سواء كانت فى المتّصل كالذّراع الواحد و الفرسخ الواحد يعدّان بوحدتيهما الأذرع و الفراسخ الكثيرة ، أو في المنفصل كالعشرة الواحدة و المأة الواحدة يعدّان العشرات الكثيرة و المآت الكثيرة ، و هي أشهر أقسام الوحدة ، و قد يطلق و يراد بها الوحدة النّوعيّة و الوحدة الجنسيّة ، و هى الوحدة المبهمة التي يوصف بها الأنواع و الأجناس و الابهام في الجنس أشدّ و هى غير الوحدة بالنّوع و الوحدة بالجنس لأنّ معروض هاتين الكثير من الأشخاص و الأنواع و معروض الوحدة الجنسية و النوعيّة المعنى الواحد المبهم . إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الوحدة بالمعانى المذكورة لا يجوز اتّصافه تعالى بها اما الاول فلأنّ الوحدة بالمعنى المذكور قليل بالنّسبة إلى الكثرة التي هى عادّ لها و القلة و الكثرة من أوصاف الممكن و اما الاخران فلأنّ الواجب سبحانه لا يكون نوعا و لا جنسا و لا يندرج تحت نوع و لا جنس ، لأنّ ذلك كله من خصايص الامكان ، و لمّا كان أكثر النّاس لا يتصوّر من الوحدة إلاّ المعنى الأوّل بل لا يفهمون من كونه تعالى واحدا إلاّ هذا المعنى لا جرم جعل نفيها عنه مخصوصا بالذّكر دفعا لما يتوهّمون و إبطالا لما يزعمون . روى الصّدوق في التّوحيد باسناده عن شريح بن هانى ، عن أبيه قال : إنّ اعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول إنّ اللّه واحد ؟ فحمل النّاس عليه و قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : دعوه فانّ الذي يريده الاعرابى هو الذي نريده من [ 8 ] القوم ، ثمّ قال : يا أعرابي إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ و جلّ و وجهان يثبتان فيه . فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال ثالث ثلاثة ، و قول القائل هو واحد من النّاس يريد به النّوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لأنّه تشبيه و جلّ ربّنا عن ذلك و تعالى . و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربّنا ، و قول القائل إنّه أحديّ المعنى يعنى به أنّه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم و كذلك ربّنا عزّ و جلّ . ( و ) الثالثة أنّ ( كل عزيز غيره ذليل ) قد يفسّر العزيز الذي هو من أسمائه سبحانه بأنّه الذي لا يعاد له شي‏ء أو الغالب غير المغلوب و قال في التّوحيد العزيز معناه أنّه لا يعجزه شي‏ء و لا يمتنع عليه شي‏ء ، فهو قاهر الأشياء غالب غير مغلوب ، و قد يقال في المثل من عزّبزّ أى من غلب سلب ، و قوله عزّ و جلّ حكاية عن الخصمين و عزّني في الخطاب ، أى غلبنى ، و معنى ثان أنّه الملك و يقال للملك عزيز كما قال اخوة يوسف ليوسف : يا أيّها العزيز ، و المراد يا أيّها الملك . أقول : و الظاهر أنّ المعنى الثّاني أيضا مأخوذ من الأوّل ، و عليه فالعزيز في اللغة هو مطلق الغالب ، فاذا استعمل في اللّه سبحانه ، و وصفناه به يراد به الغالب المطلق أعنى الغالب غير المغلوب ، و إذا وصف به أحد من الخلق فالمراد به الغالب بالنّسبة إلى من دونه و إن كان مغلوبا بالنّسبة إلى من فوقه و ذليلا بالقياس إليه و يوضح ذلك أنّ السّحرة قالوا : بِعِزَّةِ فرْعَوْنَ إنّا لنَحْنُ الْغالِبُونَ فوصفوا فرعون بالعزّة و قد صار مغلوبا لموسى و ذليلا عند إله موسى مقهورا تحت قدرته . [ 9 ] ( و ) الرابعة أنّ ( كلّ قويّ غيره ضعيف ) القوة هي مبدء الأفعال الشّاقة و إذا وصف اللّه بها فتعود إلى تمام القدرة و إذا نسبت إلى غيره فالمراد بها القوة الجسمانية كقوّة البطش المعروف من المخلوقات و لا يصحّ نسبتها بهذا المعنى إليه سبحانه إذ البرهان قائم على أنّ كل قوّة جسمانية متناهية محتملة للزيادة و النّقصان فيحتاج إلى محدّد يحدّدها فيقوي عليها و يقهرها على الحدّ الذي لها ، و تلك القوة الاخرى أيضا إن كانت متناهية كان حكمها كذلك إلى أن ينتهى إلى قوّة غير جسمانيّة و لا متناهية دفعا للتّسلسل أو الدّور ، و أيضا ما يحتمل الزّيادة كالأعداد و الأجسام و المقادير و الحركات و الأزمنة و ما يتعلّق بها كالقوى و الكيفيات فهى ناقصة أبدا غير تامّة ، و كلّ ناقص محتاج إلى إكمال و مكمل فلا يكون قديما واجبا لذاته . و إلى ذلك أشار أبو جعفر الثّاني عليه السّلام في رواية الكافي بقوله : و كذا سمّينا ربّنا قويّا لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ، و لو كانت قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوق لوقع التّشبيه و لاحتمل الزّيادة ، و ما احتمل الزّيادة احتمل النّقصان ، و ما كان ناقصا كان غير قديم ، و ما كان غير قديم كان عاجزا . ( و ) الخامسة أنّ ( كلّ مالك غير مملوك ) إذ كلّ ما سواه مستند إلى وجوده و في تصريف قدرته و مشيّته نافذ فيه أمره ، جار فيه حكمه ، فهو المالك للكلّ بالاستحقاق و على الاطلاق و الكلّ مملوك له و إن صدق عليه في العرف أنّه مالك بالقياس إلى من دونه و ما في يده . ( و ) السادسة أنّ ( كلّ عالم غيره متعلّم ) إذ علمه عين ذاته و علم غيره محتاج إلى التّعلّم من الغير و الاستفادة منه ، ثمّ الغير من الغير إلى أن ينتهى إلى علمه سبحانه . ( و ) السابعة أنّ ( كلّ قادر غيره يقدر و يعجز ) لأنّ قدرته عين ذاته فيستحيل عليه العجز و أمّا قدرة غيره و هي القوّة الجسمانية المنبثّة في الأعضاء المحركة لها نحو الأفاعيل الاختيارية المقابلة للعجز تقابل العدم و الملكة فهى خارجة عن ذات [ 10 ] القادر قابلة للوجود و العدم ، فاذا القادر المطلق هو مستند كلّ مخترع اختراعا ينفرد به و يستغنى فيه عن معاونة الغير و ليس هو إلاّ اللّه سبحانه ، و أمّا غيره من المتصفين بالقدرة فهو و إن كان في الجملة صاحب قدرة إلاّ أنّ قدرتها ناقصة لتنا و لها بعض الممكنات و قصورها عن البعض الآخر ، لأنّه بالذّات مستحقّ بالعجز و عدم القدرة و إنّما استحقاقه لها من وجوده تعالى فهو الفاعل المطلق الذي لا يعجزه شي‏ء عن شي‏ء و لا يستعصى على قدرته شي‏ء فان قلت : فهل يقدر أن يدخل الدّنيا كلها في بيضة لا تصغر الدّنيا و لا يكبر البيضة ؟ قلت : لا ، و لا يلزم منه نقص على عموم القدرة ، بيان ذلك على ما حقّقه بعض علمائنا المحقّقين أنّ معنى كونه قادرا على كلّ شي‏ء أنّ كلّما له مهيّة إمكانية أو شيئيّة تصورية فيصحّ تعلّق القدرة به ، و أمّا الممتنعات فلا مهيّة لها و لا شيئيّة حتّى يصحّ كونها مقدورة له تعالى ، و ليس في نفى مقدوريّته نقص على عموم القدرة بل القدرة عامّة و الفيض شامل و الممتنع لا ذات له و إنّما يخترع العقل في وهمه مفهوما يجعله عنوانا لأمر باطل الذّات كشريك الباري و اللاّ شي‏ء و اجتماع النّقيضين أو يركب بين معاني ممكنة آحادها تركيبا ممتنعا ، فانّ كلاّ من المتناقضين كالحركة و السّكون أمر ممكن خارجا و عقلا ، و كذا معنى التّركيب و الاجتماع أمر ممكن عينا و ذهنا و أمّا اجتماع المتناقضين فلا ذات له لا في الخارج و لا في العقل ، لكن العقل يتصوّر مفهوم اجتماع النّقيضين على وجه التّلفيق و يجعله عنوانا ليحكم على افراده المقدّرة بامتناع الوجود و كون الكبير مع كبره في الصّغير من هذا القبيل . إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ إدخال الدّنيا على كبرها في البيضة مع بقاء البيضة على صغرها أمر محال ، و المحال غير مقدور إذ لا ذات له و لا شيئيّة . و إلى ذلك وقعت الاشارة فيما رواه الصّدوق في كتاب التّوحيد باسناده عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام : هل يقدر ربك أن يدخل الدّنيا في [ 11 ] بيضة من غير أن يصغر الدّنيا أو تكبر البيضة ؟ فقال عليه السّلام : إنّ اللّه تبارك و تعالى لا ينسب إلى العجز و الذي ذكرت لا يكون . فانّ مقصوده عليه السّلام إنّ ما سأله الرّجل أمر ممتنع بالذّات محال و المحال غير مقدور عليه و أنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير . و مثله ما رواه أيضا مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : أيقدر اللّه أن يدخل الأرض في بيضة و لا يصغر الأرض و لا يكبر البيضة ؟ فقال : و يلك إنّ اللّه لا يوصف بالعجز و من أقدر ممّن يلطف الأرض و يعظم البيضة . فانّ هذه الرّواية دالّة على أنّ إدخال الكبير في الصغير غير ممكن إلاّ بأن يصغر الكبير بنحو التكائف و التخلل و نحوهما ، أو يعظم الصّغير ، و أنّ تصغير الأرض إلى حدّ تدخل في بيضة أو تعظيم البيضة إلى حدّ يدخل فيه الأرض غاية القدرة . ( و ) الثامنة أنّ ( كلّ سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات و يصمّه كبيرها و يذهب عنه ما بعد منها ) بيان ذلك أنّ السّمع عبارة عن قوّة مودعة في العصبتين المفروشتين على سطح باطن الصّماخين كجلد الطبل النّافذتين من الدّماغ إليهما بهما يدرك الأصوات ، و الصّوت عبارة عن هيئة في الهواء حاصلة من تموّجه النّاشي من حركة شديدة مسبّبة عن قرع أحد الجسمين في الآخر الذي هو امساس عنيف ، و عن قلع أحدهما عن الآخر الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع و المقلوع للقالع . ففي الأوّل ينفلت الهواء من بين الجسمين بشدّة ، و في الثّاني يلج بينهما بشدّة و يحصل من انفلاته و ولوجه تموّج و حركة على هيئة مستديرة نحو ما يتصوّر عند وقوع الحجر في الماء فاذا انتهى ذلك التموّج إلى الهواء الذي في الأذن يحرّك ذلك الهواء الراكد حركة مخصوصة بهيئة مخصوصة ، فتنفعل العصبة المفروشة على الصماخ عن هذه الحركة و تدركها القوّة السّامعة و يسمّى هذا الادراك سمعا [ 12 ] إذا عرفت ذلك فنقول : إن إدراك هذه القوّة للأصوات مشروط بأن يكون الصّوت قريبا لا بعيدا جدّا ، و أن يكون مع قربه على حدّ الاعتدال أى لا يكون قويا كثيرا و لا ضعيفا كذلك ، لأنّه إذا كان ضعيفا لا يحصل بسببه تموّج الهواء كما أنّه لو كان بعيدا لا يصل الهواء المتموّج إلى الصّماخ ، و عند قربه و قوّته ربّما يحدث الصّمم لشدّة قرعه للصّماخ و تفرّق اتّصال الرّوح الحامل لقوّة السّمع عنه بحيث يبطل استعدادها لتادية القوّة إلى الصّماخ . و إلى الأوّل أشار عليه السّلام بقوله : يصم عن لطيف الأصوات ، تشبيها لعجز السامعة عن إدراك الصّوت بخفائها و ضعفه بالصّمم و الى الثانى بقوله : و يذهب عنه ما بعد منها و إلى الثالث بقوله و يصمّه كبيرها . و لما كان اللّه سبحانه و جلّت عظمته منزّها عن الجسميّة و آلات الجسم و كان سمعه عبارة عن علمه بالمسموعات على ما حقّقناه في شرح الفصل السّادس من فصول الخطبة الاولى لا جرم اختصّ الأوصاف المذكورة أعني العجز عن إدراك الضّعيف و الصّمم بسماع القوى و عدم التّمكن من إدراك البعيد بمن كان له هذه الآلات و استحالت في حقّه سبحانه إذ العلم لا يتفاوت بالنّسبة إلى القريب و البعيد و الضّعيف و الشّديد : له ما في السمواتِ وَ ما فى الأرْضِ وَ ما بَيْنهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى و إن تجهر بالقول فإنَّه يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ . ( و ) التاسعة أنّ ( كلّ بصير غيره يعمي عن خفىّ الألوان و لطيف الأجسام ) . و الظاهر أنّ المراد بالألوان الخفيّة الألوان الغير المدركة بالابصار لانتفاء شرط الادراك و هو الضوء ، و يقابلها الألوان الظاهرة و هي التي يدركها الباصرة ، و على هذا فيكون كلامه عليه السّلام دليلا على بطلان القول بعدم وجود اللّون في الظلم . توضيح ذلك أنّ الشّيخ الرّئيس و أتباعه ذهبوا إلى أنّ الألوان غير موجودة [ 13 ] بالفعل في حال كونها مظلمة معلّلا بأنّا لانراها في الظلمة فهو إمّا لعدمها أو لوجود عايق عن الابصار و الثّاني باطل لأنّ الظلمة عدميّة و الهواء نفسه غير مانع من الرؤية كما إذا كنت في غارة مظلم و فيه هواء كله على تلك الصّفة فاذا صار المرئي مستنيرا رأيته و لا يمنعك الهواء الواقف بينه و بينك . و ردّه المتأخّرون بأنّه لا شك أن اللّون له مهيّة في نفسه و أنّه يصحّ كونه مرئيا فلعل الموقوف على وجود الضوء هو هذا الحكم ، و بالجملة للجسم مراتب ثلاث استعداد أن يكون له لون معيّن ، و وجود ذلك اللون بالفعل ، و كونه بحيث يصحّ أن يرى فلم لا يجوز أن يكون الموقوف على وجود الضوء هذا الحكم الثالث لا أصل اللّون . إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ معنى قوله : هو أنّ كلّ بصير غيره تعالى لا يمكن له إدراك الألوان الخفيّة أى الألوان في حال كونها مظلمة لانتفاء شرط الادراك الذي هو الضّوء كما أنّ الأعمى لا يمكن له إدراكها لانتفاء قوة الابصار له ، فكنّى عن عدم إدراك البصير لها بالعمى لشبهه بالأعمى في مشاركتما في عدم التّمكن من الادراك ، و إن كان عدم التّمكن في حقّ الاوّل من جهة انتفاء الشّرط و في الثّاني من جهة انتفاء الآلة أعنى البصر هذا . و لعلّ المراد من لطيف الأجسام الأجسام الرّقيقة القوام كالبعوضة و الذّرة و نحوهما ، و لما كان بصيرّيته سبحانه عبارة عن علمه بالمبصرات حسبما حقّقنا أيضا في شرح الفضل السّادس من فصول الخطبة الاولى ، اختصّ العجز عن إدراك الألوان الخفيّة و الأجسام اللطيفة بغيره سبحانه و أما هو سبحانه فلا تفاوت في علمه بين الخفيّ و الجليّ و اللّطيف و الكثيف . وَ يَعْلَمُ ما فِى الْبَرِّ وَ الْبَحَرِ وَ ما تَسْقطُ مِنَ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إلاّ في كِتابٍ مُبيِنٍ . هذا و يشهد بما ذكرته في تفسير معنى السّميع و البصير و الجسم اللطيف ما رواه [ 14 ] في الكافي عن محمّد بن أبيعبد اللّه ، رفعه إلى أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الرّب تبارك و تعالى له أسماء و صفات في كتابه إلى أن قال : فقال الرّجل : فكيف سمّينا ربّنا سميعا ؟ فقال : لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع و لم نصفه بالسّمع المعقول في الرّأس ، و كذلك سمّيناه بصيرا لانّه لا يخفى عليه ما يدرك بالابصار من لون أو شخص أو غير ذلك و لم نصفه بصر لحظة العين ، و كذلك سمّيناه لطيفا لعلمه بالشّي‏ء اللطيف مثل البعوضة و أخفى من ذلك و موضع النّشو منها و العقل و الشّهوة للسفاد و الجذب على نسلها و اقام بعضها على بعض و نقلها الطعام و الشّراب إلى أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار . قال بعض شارحي الحديث يعنى أنّه يعلم أعضاء البعوضة كالجناح و الرّجل و العين ، و قواها كالسّمع و البصر ، و أحوالها كالادراك و الارادة و الشّهوة و المحبّة و الشّفقة و الالفة و الغضب و النّفرة و العداوة ، و أفعالها كالحركة و السّكون و السفاد و نقل الطعام و الشّراب إلى الاولاد و غير ذلك من أمورها كموتها و حياتها و نفعها و ضرّها و آجالها و مقادير أعمارها ، و أرزاقها و غيرها من لطايف صنعه و دقايق خلقه ، فهو تعالى لطيف لعلمه بلطايف الامور . ( و ) العاشرة أنّ ( كلّ ظاهر غيره غير باطن و كلّ باطن غيره غير ظاهر ) يعنى أنّ من الممكنات ما هو ظاهر جلىّ لا يتّصف بالبطون و الخفاء كالشّمس و القمر و نحوهما و منها ما هو باطن خفيّ لا يتّصف بالظهور و الجلاء كالهيولي و العدم و ما تحت الثرى ، و أمّا اللّه الحيّ القيّوم العظيم الشّأن فهو متّصف بالظهور و البطون معا ، فهو في كمال ظهوره باطن و في غاية بطونه ظاهر ، بل هو أجلى الأشياء و أظهرها ، و منتهى ظهوره صار سببا لخفائه . و تحقيق ذلك على ما حقّقه صدر المتألهين و أو ضحه بالمثال تقريبا للأفهام و تشحيذا للأذهان هو : إنّا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط كان كونه حيّا عالما قادرا مريدا عندنا من أظهر الأشياء ، و هذه الصّفات أجلى عندنا من ساير صفاته [ 15 ] الظاهرة و الباطنة إذ لا نعرف بعضها كشهوته و غضبه و خلقه و صحته و مرضه ، و نشك في بعضها كمقدار طوله و عرضه و لون بشرته و غير ذلك ، و أمّا حياته و علمه و قدرته و إرادته فانّه جليّ عندنا من غير أن يتعلّق الحسّ الظاهر بها لأنها غير محسوسة بشي‏ء من الحواس الظاهرة و ليس عليها مع هذا الوضوح و الجلاء إلاّ دليل واحد و هو الكتابة أو الخياطة . و أمّا وجود اللّه تبارك و تعالى و قدرته و علمه و إرادته و حياته فيشهد له جميع ما في الكون ، و كلّما نشاهده أو ندركه بالحواسّ الظاهرة و الباطنة من حجر و مدر و نبات و شجر و حيوان و أرض و سماء و كوكب و بحر و برّ و نار و هواء بل أوّل شاهد عليه أنفسنا و أوصافنا و تقلب أحوالنا من الصّغر و الكبر و القوّة و الضّعف و الصّحة و السّقم و الرّضا و الغضب و الفرح و الحزن و الحبّ و البغض و الشّهوة و الكراهة و الاناة و الارادة و الرّغبة و الرّهبة و الرّجاء و اليأس إلى غير هذه . و أظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ، ثمّ أحوالنا و محسوساتنا باحدى الحواسّ ثمّ مدركاتنا بالعقل و البصيرة ، و كلّ واحد من هذه المدركات له دليل واحد و شاهد واحد ، و جميع ما في العالم شواهد ناطقة و أدلّة شاهدة بوجود خالقها و مدّبرها و دالّة على علمه و قدرته و لطفه و حكمته ، فانّه كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا و ليس لها شاهد إلاّ حركة يده فكيف لا يظهر عندنا ما لا يتصوّر شي‏ء داخل نفوسنا و خارجها إلاّ و هو شاهد عليه ، و ما من ذرّة إلاّ تنادى بلسان حالها أنّه ليس وجودها و لا حركتها بذاتها و أنّها تحتاج إلى موجد و محرّك . فاذا علمت هذا فنقول : لما لم يبق في الوجود مدرك و لا محسوس و لا معقول و لا حاضر و لا غايب إلاّ و هو شاهد على وجوده معروف لعظم ظهوره فانبهرت العقول و دهشت عن إدراكه فانّ ما يعجز عنه فهم عقولنا له علتان احداهما خفائه في نفسه كالهيولى و العدم و الزّمان و الحركة و العدد و النّسبة و غيرها و الثانية غاية جلائه و وضوحه و قصور القوّة الادراكيّة كمثال نور الشّمس و بصر الخفّاش ، فانّ بصره [ 16 ] ضعيف يبهره نور الشّمس في النّهار إذا أشرقت و لهذا إذا امتزج الضّوء بالظلام و ضعف ظهوره أبصر بالليل . فكذلك عقول البشر ضعيفة و جمال الحضرة الالهيّة في غاية الاشراق و نهاية الشّمول و الاستغراق حتّى لم يشذّ عن ظهوره ذرّة من السّماوات و الأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بشدّة ظهوره و اختفى عن البصاير باشراق نوره . و أيضا الأشياء قد يستبان بأضدادها و ما عمّ وجوده و شموله حتّى لا ضدّ له كأصل الوجود عسر إدراكه ، فلو لا غروب لنور الشّمس و لا احتجاب له عن بعض مواضع الارض لكنّا ظننّا أن لا هيئة في الاجسام إلاّ سطوحها و ألوانها ، و لكن لما غابت الشّمس و اظلمت بعض المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين ، و عرفنا وجود النّور بعدمه عند الغروب ، و لو لا عدمه ما كنا نطلع عليه إلاّ بعسر شديد هذا . مع أنّ النّور أظهر المحسوسات و اللّه سبحانه أظهر الاشياء و به ظهرت الانوار كلّها ، و لو كان له عدم أو غيبة أو تغيّر لانهدمت الأرض و السّماء و لا نعدمت الأشياء كلّها و بطل الملك و الملكوت ، و لادركت به الفرق بين الحالتين ، و لو كان بعض الأشياء موجودا به و بعضها موجودا بغيره لادركت التّفرقة في الدّلالة ، و لكن وجوده دائم في الأحوال و دلالته عامة على نسق واحد في الأشياء ، فلا جرم أورث شدّة الظهور خفائه . ( و ) الحادية عشر أنّه تعالى ( لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان و لا تخوف من عواقب زمان و لا استعانة ) منه ( على ندّ ) و نظير ( مثاور ) أى مواثب ( و لا شريك ) و مثل ( مكاثر ) أي متعرّض للغلبة ( و لا ضدّ منافر ) أى مسارع إليه بالمعادات ، و المراد بذلك كلّه بيان أنّ اللّه سبحانه ليس لفعله داع و غرض غير ذاته ، و أشار إليه بنفى أقسام الدّواعي و الأغراض و ما يلحقها من العوارض و الحالات . و البرهان على ذلك أنّه تعالى لو فعل لغرض لا يخلو إما أن يكون وجود ذلك الغرض و عدمه بالنّسبة إليه على سواء أولا يكون كذلك ، و الأوّل باطل و إلاّ لكان [ 17 ] حصول الغرض له دون عدمه ترجيحا من غير مرجّح ، و الثّاني أيضا باطل لأنهما إذا لم يستويا في حقه تعالى كان حصول الغرض أولى به من لا حصوله فحينئذ يكون ذاته يستفيد من فعله غرضا معتبرا في كماله و يكون بدونه فاقد كمال و عادم مقصد فيكون ناقصا في ذاته تعالى عن النقصان علوّا كبيرا . كيف و كلّ كمال للمعلول فانّما حصل له من جهة علّة الموجبة فلا يمكن أن يرجع المعطى للكمال إلى أن يستفيد من مستفيده شيئا من الكمال الذي أفاده له ، فقد علم علما كليّا أنّ العلة الفاعلة ليس لها غرض و لا مقصود صحيح في مفعوله ، بل انكان غرض و مقصد للعالي فلا بدّ أن يكون ذلك له فيما هو أعلى و أجلّ منه ، فلا التفات للعالي إلى السّافل بل إلى ما هو أعلى منه و إذ ليس للأوّل تعالى ما هو أعلى منه لأنّه أعلى العوالي و مبدء المبادي فليس لفعله غاية غير ذاته ، و لاله محبّة و ابتهاج بالقصد الأوّل إلاّ لذاته الذي هو منبع كلّ خير و كمال ، و بتوسط ابتهاجه يحبّ و يريد ما يصدر عن ذاته بالقصد الثاني لأنّ كلّ ما يصدر عن المحبوب محبوب بالتبع . فان قيل : ليست أولوية الغرض بالنسبة إلى ذاته تعالى ، بل بالنّسبة إلى مخلوقاته و عباده ، فيكون غرضه تعالى في فعله الاحسان إلى الغير و إيصال المنفعة إليه . قيل : حصول الاحسان إلى الغير أو المنفعة أو أىّ شي‏ء كان و لا حصوله إن كانا بالنّسبة إلى ذاته على سواء عاد حديث الرّجحان بلا مرجّح ، و إن كان أحدهما أولى به عاد حديث الاستكمال بغيره و النّقصان في ذاته و لكن فيه تأمّل تعرف وجهه في شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثّمانين في التنبية الذي في ذيله ، و تمام التّحقيق في كون أفعاله تعالى معلّلة بالاغراض ياتي إن شاء اللّه هناك هذا . و إذا عرفت أنّه سبحانه لا يفعل لغرض ظهر لك أنّ خلقه الخلق لم يكن لتشديد سلطان ، و لا خوف من عواقب زمان ، و لا غير ذلك ممّا ذكره عليه السّلام و ما لم يذكره ، إذ كلّ ذلك اغراض زايدة على ذاته مضافا إلى قيام الدّليل القاطع على نفى هذه الأغراض المخصوصة المذكورة و راء الدّليل العام الذي ذكرنا و هو : أنّ تشديد السّلطان إنما يحتاج إليه ذو النقصان في ملكه و الضّعف في [ 18 ] سلطنته ، و لمّا كان تعالى شأنه هو الغنيّ المطلق في كلّ شي‏ء عن كلّ شي‏ء و كان كلّ ما عداه مقهورا تحت قدرته نافذا فيه حكمه بالايجاد و الابقاء و الافناء ، لم يحتج فى سلطانه إلى أحد من خلقه . و أمّا التّخوف من عواقب الزّمان فلأنّ الضّرر و الانتفاع و ما يلحقهما من الخوف و الرّجاء و غيرهما إنّما هي من لواحق الممكنات القابلة للنقصان و الكمال و ما هو في معرض التّغير و الزّوال في الذّات و الصّفة و الفعل ، و واجب الوجود بحسب جميع الجهات وجوب بلا إمكان و وجود بلا عدم و تمام بلا نقص ، فلا يمكن أن يكون غرضه من الايجاد دفع ذلك الخوف عن نفسه . و أمّا الاستعانة على الضّد و النّد و الشّريك فلأنّ الاستعانة هو طلب العون من الغير و هو من لوازم الضّعف و العجز و هما من تناهي القوّة و القدرة ، و إذ لا ضعف و لا عجز لكماله سبحانه قوة و قدرة فلا يتصور في حقّه الاستعانة : و أيضا لا ضدّ له و لا ندّ و لا شريك حتّى يحتاج في دفعهم إلى الاستعانة ، لأنّ كلّ شي‏ء هو مخلوق له ، و المخلوق لا يكون ضدا لخالقه و لا ندّا و لا شريكا ، بل المخلوقات يكون بعضها بالنّسبة إلى بعض على هذه الصّفات و اللّه سبحانه منزّه عن صفات المخلوقين و خواصّ المحدثين . و إليه أشار بقوله ( و لكن خلايق مربوبون و عباد داخرون ) يعنى و لكنّهم خلايق مربوبون لهم ربّ قاهر و عباد داخرون لهم معبود غالب فهم مقهورون مملوكون محتاجون إلى ربّهم لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرّا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا . و الثانية عشر أنّه تعالى ( لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كاين ، و لم ينأعنها فيقال هو منها باين ) يعنى أنّه سبحانه أقرب إلى الأشياء من كلّ قريب و لكن لا بحلول فيها ، و أبعد منها من كلّ بعيد و لكن لا بمباينة عنها ، و ذلك لأنّه تعالى جعل لكلّ شي‏ء حدا محدودا و ليس له حدّ و نهاية فلا يكون حالاّ في موضع أو محلّ و إلاّ لكان وجوده فيه و اختصاصه به كاختصاص الحال بالمحل و المتمكّن بالمكان ، و ذلك [ 19 ] محال في حقّه إذ هو خالق المحل و المكان فيلزم افتقاره إلى ما يفتقر إليه و هو محال . و أمّا انّه ليس بناء عن الأشياء أى بعيد فلأنّه لو كان بعيدا لزم أن يكون مباينا منها زايلا عنها ، و ذلك أيضا ممتنع . لأنّ قوام الأشياء بوجوده سبحانه و ما يتقوّم به وجود الشي‏ء لا يكون بعيدا عنه ، و قد مضى تحقيق الكلام على ذلك ممّا لا مزيد عليه في شرح الفصل الخامس و السّادس من فصول الخطبة الاولى عند بيان معنى قوله : و من قال فيم فقد ضمنه ، و قوله : مع كلّ شي‏ء لا بمقارنة و غير كلّ شي‏ء لا بمزايلة ، فتذكّر . و الثالثة عشر أنّه ( لم يؤده ) اى لم يثقله و لم يعيه ( خلق ما ابتدء ) و اخترع ( و لا ) يكله ( تدبير ما ذرء ) و برء ( و لا وقف به عجز عمّا خلق ) حتّى اكتفى بما خلق و لم يخلق أزيد من ذلك ( و لا ولجت ) أى دخلت ( عليه شبهة فيما قضا و قدّر بل ) ايجاده ما أوجد باقتضاء تامّ و حكمة بالغة و قضاؤه ( قضاء متقن ) خال عن التزلزل و الاضطراب ( و علم محكم ) برى‏ء من فساد الشكّ و عروض الشبهة و الغلط ( و امر مبرم ) موثق لا يحتمل الزّيادة و النّقصان و المقصود بذلك كلّه تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين و توضيح ذلك محتاج إلى تحقيق الكلام في معنى الجملات الثلاث أمّا الأولى فالمقصود بها أنّه تعالى لا يلحقه في خلقه ثقل و إعياء و تعب و كلل كما قال تعالى : أ وَ لَمْ يَروْا أَنَّ اللَّهَ الَّذي خَلقَ السَّمواتِ وَ الأَرْضَ وَ لَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ على‏ أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتى‏ بَلى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ . و قال : وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظيمُ . و إنّما لم يلحقه الامور المذكورة لأنّ خلقه سبحانه و ايجاده و تدبيره ليس بتوسّط آلة جسمانيّة و لا استعمال رويّة نفسانيّة حتّى يطرئه التّعب و الانفعال و الثّقل و الكلال ، بل فعله الافاضة و صنعه الابداع النّاشي عن محض علمه و إرادته ، و نحن لو كنّا بحيث لو وجد من نفس علمنا و إراد تناشى‏ء لم يلحقنا من وجوده تعب و انفعال [ 20 ] لكنّا نحتاج في أفعالنا إلى حركة و استعمال آلة ، على أنّ علمنا و إرادتنا زايدة على ذواتنا ، فاللّه تعالى أولى بأن لا يلحقه تغيّر من صنعه و إنّما قال : خلق ما ابتدء ليكون سلب الاعياء عنه أبلغ إذ ما ابتدء من الأفعال يكون المشقة فيها أتمّ إذ الأفعال ربّما يكون بسبب اعتياد الفاعل أقلّ اتعابا و إعياء ، و تدبيره تعالى لما ذرء يعود إلى تصريفه لجميع الذّوات و الأفعال و الصّفات تصريفا كلّيا و جزئيّا على وفق حكمته و عنايته من غير مباشرة . و أما الثانية فالمراد بها أنّ وقوفه عمّا خلق و اكتفائه بما أوجد ليس بعجزه عن الزّايد و فتوره بسبب ما خلق من خلق ما سواه ، لأنّ العجز و الفتور من جهة تناهي القوّة الجسمانيّة و انفعالها و تأثرها ممّا يمانعها في التأثير و هو منزّه عن جميع ذلك و أمّا الثّالثة فاشارة إلى كمال علمه و امتناع طريان الشّبهة عليه في مقضياته و مقدراته ، و ذلك لأنّ الشّبهة إنّما تعرض العقل في الامور المعقولة الصّرفة الغير الضّروريّة بصحبة الوهم ، لأنّ الوهم لا يصدق حكم العقل إلاّ في المحسوسات لا في المعقولات فيعارضه و يدخل الشّبهة عليه في المعقولات المحضة و لا يصدقه ، فالعقل حال استفصاله وجه الحقّ فيها يكون معارضا بالأحكام الوهميّة ، فاذا كان المطلوب غامضا فربّما كان في الاحكام الوهميّة ما يشبه بعض أسباب المطلوب فيتصوّر النّفس بصورته و يعتقد لما ليس بمبدء مبدء ، فينتج الباطل فى صورة المطلوب و ليس به . و لمّا كان البارى جلّ شأنه منزّها عن صحبة القوى المتعلّقة بالأبدان التي رئيسها الوهم و كان عامه لذاته لم يجز أن يعرض لقضائه و لا لقدره و صمة شبهة أو يدخل عليه شكّ و ريب ، لكونها من عوارض العقل المقترنة بها ، و لهذا قال : قضاء متقن ، و علم محكم ، و أمر مبرم ، اى ليس في قضائه تزلزل و تلعثم ، و لا في علمه إمكان شبهة و تردّد ، و ليس لأمره رادّ و مانع . الرابعة عشر انه تعالى هو ( المأمول مع النقم المرهوب مع النّعم ) يعنى أنّ العبد لمّا كان حال نزول البليّة و حلول النّقمة يستغفره سبحانه و يدعوه و يأمله و يفزع [ 21 ] إليه لدفع البليّة و رفع الرّزيّة ، كان هو المأمول له مع النّقم كما أنّه حال إفاضة النّعمة و العطيّة يستعدّ بالغفلة للاعراض عن شكرها ، فيكون عند ذلك أهلا لان ينزل عليه بوادر النّقمة من اللّه سبحانه كان هو المرهوب منه مع النّعم فهو المأمول و المرهوب معا ، و ما عداه فحلول نقمته غير مجامع لامل رحمته ، و قيام نعمته معاند لشمول رهبته ، فلا مأمول و لا مرهوب في كلا الحالين سواه ، و لا ملجأ و لا منجأ إلاّ هو ، و إلى هذا المعنى ينظر شعر الشّارح المعتزلي : و حقّ فضلك ما استيأست من نعم تسرى إلىّ و إن حلّت بي النّقم و لا أمنت نكالا منك أرهبه و إن ترادفت الآلاء و النعم الترجمة از جمله خطب آن حضرت است در بيان صفات كمال ، و نعوت جلال الهى ميفرمايد كه : حمد و ثنا خداوند معبود بحقى را سزاست كه پيشى نگرفته است مر او را حالى بر حالى تا اينكه باشد اول پيش از آنكه باشد آخر و باشد ظاهر پيش از آنكه باشد باطن ، هر ناميده شده بوحدت كه غير اوست متّصف است بصفت قلّت ، و هر عزيزى كه غير اوست موصوفست بصفت ذلت ، و هر صاحب قوتى كه غير اوست ضعيف است و حقير ، و هر مالكى كه غير اوست مملوكست و عبد ، و هر عالمي كه غير اوست متعلمست و آموزنده ، و هر قادرى كه غير اوست گاهى قادر ميشود و گاهى عاجز ، و هر صاحب سمعى كه غير اوست عاجز است از ادراك آوازهاى آهسته و كر ميكند او را آوازهاى بزرگ ، و ميرود از او آوازهاى دور ، و هر صاحب بصرى كه غير اوست كور است از رنگهاى خفى و پنهان و از جسمهاى لطيف و رقيق القوام ، و هر ظاهرى كه غير اوست غير باطن است ، و هر باطنى كه غير اوست غير ظاهر است ، بلكه اوست ظاهر و باطن و آشكار و نهان از همه‏گان بى‏نياز و بر همه مشفق از همه عالم نهان و بر همه پيدا نيافريد آنچه كه آفريد آنرا بجهة تقويت سلطنت و نه از براى خوف از عاقبت زمانه و نه بواسطه يارى خواستن بر دفع همتاى بر جهنده و نه بر دفع شريك غلبه كننده و نه [ 22 ] بر دفع ضد مفاخرت نماينده ، و لكن آنچه كه خلق شده‏اند خلقانى هستند پرورش يافتگان ، و بندگانى هستند خوار شدگان ، حلول نكرده است خدا در چيزها تا گفته شود كه حاصل است در آنها ، و دور نشده است از أشيا تا گفته شود كه از آنهاست جدا ، عاجز و سنگين نگردانيد او را آفريدن آنچه كه ابتدا كرده او را در ايجاد و نه تدبير و اصلاح حال آنچه كه آفريده او را ، و باز نداشت او را عجز و ناتوانى از آنچه كه خلق فرمود ، و داخل نشد بر او شبهه در آنچه كه حكم كرده و تقدير نمود بلكه حكم او حكمى است محكم و استوار ، و علم او علمى است بغايت پايدار و امر او امريست مستحكم و باقرار ، اميد گرفته شده است او در حال نقمت و بليّه ، و ترسيده شده است از او در حال نعمة و رفاهيّت