متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 242 ]
و من خطبة له عليه السّلام
و هى الخامسة و الاربعون من المختار فى باب الخطب الحمد للّه غير مقنوط من رحمته ، و لا مخلوّ من نعمته ، و لا مأيوس من مغفرته ، و لا مستنكف عن عبادته ، الّذي لا تبرح منه رحمة ، و لا تفقد له نعمة ، و الدّنيا دار مني لها الفناء ، و لأهلها منها الجلاء ، و هي حلوة خضرة ، و قد عجّلت للطّالب ، و التبست بقلب النّاظر ، فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد ، و لا تسئلوا فيها فوق الكفاف ، و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ .
اللغة
( القنوط ) الياس و ( الاستنكاف ) الاستكبار و المستنكف على صيغة المفعول و ( مناه ) اللّه أى قدره و ( الجلاء ) بفتح الجيم الخروج من الوطن قال سبحانه :
وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ و ( الخضرة ) بفتح الخاء المعجمة و كسر الضّاد و الخضر ككتف الغصن و الزّرع و البقلة الخضراء و ( الكفاف ) من الرزق كسحاب ما اغنى عن النّاس و ( البلاغ ) كسحاب أيضا الكفاية .
الاعراب
غير مقنوط نصب على الحال ، و لا مخلوّ عطف على مقنوط و نحوه قوله سبحانه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ
[ 243 ]
و ربّما يجيء المعطوف بالنّصب عطفا على موضع غير ، و جملة الذي لا يبرح و صفته و لأهلها إمّا متعلق بمقدّر و هو خبر مقدّم و الجلاء مبتداء مؤخّر و الواو عاطفة للجملة على الجملة فتكون المعطوفة في محلّ الرّفع على كونها صفة لدار كالمعطوف عليها أو لأهلها عطف على لها و الجلاء مرفوع على النيابة عن الفاعل كما أنّ الفناء مرفوع كذلك ، و الباء في قوله بأحسن للمصاحبة و الملابسة ، و في قوله بحضرتكم للظرفيّة و من الزّاد بيان لما
المعنى
اعلم أنّ المستفاد من شرح البحراني هو أنّ هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السّلام خطبها يوم الفطر ، و أنّ بين قوله : و نعمة ، و قوله : و الدّنيا ، فصل طويل ، و المستفاد منه أيضا أنّ الخطبة الثامنة و العشرين أيضا من فصول تلك الخطبة الطويلة إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ ما أتى به السيّد ( ره ) هنا منتظم من فصلين
الفصل الاول مشتمل على حمد اللّه سبحانه و ثنائه
و هو قوله ( الحمد للّه غير مقنوط من رحمته ) أصل الرّحمة رقّة القلب و انعطاف أى نيل روحاني يقتضي التّفضّل و الاحسان ،
و إذا اسندت إلى اللّه سبحانه كان المراد بها غايتها أعنى التفضّل و الاحسان ، لأنّ الرّقة من الكيفيّات المزاجيّة المستحيلة في حقّه سبحانه ، فيكون اطلاقها على التّفضّل إمّا من باب المجاز المرسل من قبيل ذكر السّبب و إرادة المسبّب لكون الرّقة سببا للتّفضّل و إمّا من باب التمثيل بأن شبّه حاله تعالى بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم بحال الملك إذا عطف على رعيّته ورقّ لهم فأصابهم بمعروفه و انعامه ، فاستعير الكلام الموضوع للهيئة الثانية للاولى من غير أن يتمحّل في شيء من مفرداته و كيف كان ففي كلامه عليه السّلام تنبيه على عدم جواز اليأس من رحمة اللّه سبحانه لعمومها و سعتها للخلايق في الدّنيا و الآخرة كما قال سبحانه : و رحمتي وسعت كلّ شيء و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ للّه عزّ و جلّ مأة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض
[ 244 ]
فقسّمها بين خلقه فبها يتعاطفون و يتراحمون ، و أخّر تسعا و تسعين لنفسه يرحم بها يوم القيامة .
و روى إنّ اللّه قابض هذه إلى تلك فيكملها مأة يرحم بها عباده يوم القيامة ( و لا مخلوّ من نعمته ) لأنّ سبوغ نعمته دائم لآثار قدرته التي استلزمت طبايعها الحاجة إليه فوجب لها فيض جوده إذ كلّ ممكن مفتقر إلى كرمه وجوده ( و لا مأيوس من مغفرته ) و ذلك لأنّ عفوه تعالى غالب على عقابه ، و رحمته سابقة على غضبه ، و مغفرته قاهرة لعقوبته كما قال سبحانه :
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ و في الحديث ليغفرنّ اللّه يوم القيامة مغفرة ما خطرت قطّ على قلب أحد حتّى أنّ إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه هذا و نظير كلامه في الفقرات الثلاث المفيدة لاتّصافه سبحانه بالرّحمة و الانعام و المغفرة ما ورد في دعاء الاستقالة عن الذّنوب من الصّحيفة السّجاديّة و هو قوله عليه السّلام :
« أنت الّذي و سعت كلّ شيء رحمة و علما ، و أنت الّذي جعلت لكلّ مخلوق في نعمك سهما ، و أنت الّذي عفوه أعلى من عقابه » ( و لا مستنكف عن عبادته ) إذ هو المستحقّ للعبادة دون ما عداه ، لأنّه جامع الكمال المطلق ليس فيه جهة نقصان إليها يشار ، فيكون سببا للاستنكاف و الاستكبار فالمقصود بقوله : و لا مستنكف عن عبادته ، أنّ عبادته ليست محلاّ لأنّ يستنكف عنها ، لأنّها لا استنكاف عنها و لا استكبار ، ضرورة أنّ المستكبرين و المستنكفين من الجنّة و النّاس من الكافرين و المنافقين فوق حدّ الاحصاء ، و لذلك خصّ سبحانه عدم الاستكبار بأهل التّقرّب و المكانة كما قال :
و لَهُ مَنْ في السّمواتِ وَ الْأَرْضِ و مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ
[ 245 ]
عَنْ عِبادَتِه و لا يَسْتَحْسِرُونَ و قال : إِنَّ الّذينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه و يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ و قال : لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَ لاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرِّبُونَ و مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِه و يَسْتَكْبِرَ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَميعاً فَأَمَّا الَّذينَ آمَنُوا و عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوفّيهِمْ أُجُورَهُمْ و يَزيدَهُمْ مِنْ فَضْلِه و أَمَّا الَّذينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَليماً ( الذي لا تبرح له رحمة و لا تفقد له نعمة ) الاتيان بهذين الوصفين للاشارة إلى وجوب شكره سبحانه بهذين الاعتبارين أيضا فان قلت أليس قوله غير مقنوط من رحمته و لا مخلوّ من نعمته مغنيا عن هذين الوصفين ؟
قلت : لا إذ عدم القنوط من رحمته لا يستلزم دوام الرّحمة فلا يغنى ذكره عنه و هو ظاهر ، و أمّا عدم الخلوّ من النّعمة و إن كان ملازما لعدم فقدانها إلاّ أنّه يمكن أن يكون المراد بالأوّل الخصوص يعنى عدم خلوّ نفسه من نعمته كما أنّ الظاهر في الفقرات الثلاث الباقية أيضا ذلك ، و بالثّاني مشمول نعمته لجميع الخلايق و عدم فقدانها في حقّ أحد و أمّا البرهان على دوام رحمته و كمال نعمته فهو على ما ذكره الفخر الرّازي أنّ الأشياء على أربعة أقسام : الذى يكون نافعا و ضروريّا معا و الذى يكون نافعا و لا يكون ضروريّا و الذى يكون ضروريّا و لا يكون نافعا و الذى لا يكون نافعا و لا يكون ضروريّا أمّا القسم الأوّل و هو الذي يكون نافعا و ضروريّا معا ، فامّا أن يكون
[ 246 ]
كذلك في الدّنيا فقط و هو مثل النّفس ، فانّه لو انقطع منك لحظة واحدة لحصل الموت ، و إمّا أن يكون كذلك في الآخرة و هو معرفة اللّه تعالى فانّها إن زالت عن القلب لحظة واحدة حصل الموت للقلب و استوجب العذاب الأبد و أمّا القسم الثّاني و هو الذي يكون نافعا و لا يكون ضروريّا فهو كالمال في الدّنيا و كساير العلوم و المعارف في الآخرة و أمّا القسم الثّالث و هو الذي يكون ضروريّا و لا يكون نافعا فكالمضّار التي لا بدّ منها في الدّنيا ، كالأمراض و الموت و الفقر و الهرم و لا نظير لهذا القسم في الآخرة ، فانّ ضروريّات الآخرة لا يلزمها شيء من المضّار و أمّا القسم الرّابع و هو الذي لا يكون ضروريّا و لا نافعا فهو كالفقر في الدّنيا و العذاب في الآخرة إذا عرفت ذلك فنقول : قد ذكرنا أنّ النّفس في الدّنيا نافع و ضروريّ ،
فلو انقطع عن الانسان لحظة لمات في الحال ، و كذلك معرفة اللّه تعالى أمر لا بدّ منه في الآخرة فلو زالت عن القلب لحظة لمات القلب لا محالة ، لكنّ الموت الأوّل أسهل من الثّاني لأنّه لم يتألم في الموت الأوّل إلاّ ساعة واحدة ، و أمّا الموت الثّاني فانّه يبقى ألمه أبد الآباد .
و كما أنّ التنفّس له أثر ان : أحدهما إدخال النّسيم الطيب على القلب و ابقاء اعتداله و سلامته ، و الثاني إخراج الهواء الفاسد الحارّ المحترق عن القلب ، كذلك الفكر له أثر ان : أحدهما ايصال نسيم الحجّة و البرهان إلى القلب و ابقاء اعتدال الايمان و المعرفة عليه ، و الثّاني إخراج الهواء الفاسد المتولد من الشّبهات عن القلب ، و ما ذاك إلاّ بان يعرف أنّ هذه المحسوسات متناهية في المقدار منتهية بالأخرة إلى الفناء بعد وجودها ، فمن وقف على هذه الأحوال بقى آمنا من الآفات و اصلا إلى الخيرات و المسرّات و كمال هذين الأمرين ينكشف بعقلك بأن تعرف أن كلّ ما وجدته و وصلت إليه فهو قطرة من بحار رحمة اللّه و ذرّة من أنوار إحسانه فعند هذا ينفتح على قلبك معرفة كون اللّه رحمانا رحيما .
[ 247 ]
فاذا أردت أن تعرف هذا المعنى على التفصيل فاعلم أنك جوهر مركب من نفس و بدن و روح و جسد ، أمّا نفسك فلا شكّ أنّها كانت جاهلة في مبدء الفطر كما قال تعالى :
وَ اللّهُ اخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً و جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ و الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ثمّ تامّل في مراتب القوى الحسّاسة و المحرّكة و المدركة و العاقلة و تأمّل في مراتب المعقولات و في جهاتها و اعلم أنّه لا نهاية لها البتّة و لو أنّ العاقل أخذ في اكتساب العلم بالمعقولات و سرى فيها سيران البرق الخاطف و الرّيح العاصف ، و بقى في ذلك السّير أبد الآبدين و دهر الداهرين لكان الحاصل له من المعارف و العلوم قدرا متناهيا ، و لكانت المعلومات التي ما عرفها و لم يصل إليها أصلا غير متناهية و المتناهي في جنب غير المتناهى قليل في كثير فعند هذا يظهر له أنّ الذي قاله اللّه تعالى في قوله :
و ما أوتيتُمْ إِلاّ قَليلاً حقّ و صدق .
و أمّا بدنك فانّه جوهر مركب من الأخلاط الأربعة ، فتأمّل كيفيّة تركيبها و تشريحها و تأمّل ما في كلّ واحد من الأعضاء و الأجزاء من المنافع العالية و الآثار الشّريفة ، و حينئذ يظهر لك صدق قوله سبحانه و تعالى :
و إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها و حينئذ ينجلى لك أثر من آثار كمال رحمته في خلقك و هدايتك ، فتفهم شيئا قليلا من رحمته الكاملة و نعمته السّابغة الشّاملة .
الفصل الثاني
متضمّن للتّنفير عن الدّنيا و التّنبيه على بعض عيوباتها و هو قوله ( و الدّنيا دار منى لها الفناء و ) قدّر ( لأهلها منها الجلاء ) كما قال سبحانه :
[ 248 ]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و قال : كُلّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ ( و هى حلوة ) في الذّوق ( خضرة ) في النّظر يستلذّ بها الذّائق و النّاظر ( و ) لكنّها ( قد عجّلت للطالب ) فليس لها دوام و ثبات حتّى يتمتّع منها على وجه الكمال ( و التبست بقلب النّاظر ) أى اشتبهت لديه حتّى صار مولعا بحبّها مفتتنا بخضرتها و نضارتها .
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَريهُ مُصْفَرّاً ثمَّ يَكُونُ حُطاماً و في الْآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية أبي هريرة : لا تكونوا ممّن خدعته العاجلة و غرّته الامنيّة ، فاستهوته الخدعة ، فركن إلى دار السوء سريعة الزّوال ، و شيكة الانتقال إنّه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلاّ كاناخة راكب أو صر جالب فعلى ما تعرجون و ماذا تنتظرون ، فكأنكم و اللّه و ما أصبحتم فيه من الدّنيا لم يكن ، و ما يصيرون إليه من الآخرة لم يزل ، فخذوا اهبة لا زوال لنقلة ، و أعدّوا الزّاد لقرب الرّاحلة ، و اعلموا أنّ كلّ امرء على ما قدّم قادم ، و على ما خلف نادم و لما نبّه عليه السّلام على فناء الدّنيا و تعجيل زوالها أردف ذلك بقوله ( فارتحلوا عنها ) يعنى تهيئوا للارتحال و استعدّوا للموت قبل نزول الفوت ( بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد ) و هو التّقوى و الأعمال الصّالحة ( و لا تسألوا فيها فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ ) كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية انس بن مالك : يا معشر المسلمين شمّروا فانّ الأمر جدّ ، و تأهّبوا فانّ الرّحيل قريب ، و تزوّدوا فانّ السّفر بعيد ، و خفّفوا أثقالكم فانّ ورائكم عقبة كؤدا لا يقطعها إلاّ المخفّفون ، أيهّا النّاس إنّ بين يدي السّاعة امورا شدادا ، و هو الاعظاما ، و زمانا صعبا يتملّك فيه الظلمة ، و يتصدّر فيه الفسقة ، و يضام فيه الآمرون بالمعروف ، و يضطهد فيه النّاهون عن المنكر ، فأعدّوا لذلك الايمان و عضّوا عليه بالنّواجذ ، و الجأوا إلى العمل الصّالح و أكرهوا عليه
[ 249 ]
النّفوس تفضوا إلى النّعيم الدّائم
هداية
عقد ثقة الاسلام الكليني عطر اللّه مضجعه في الكافي بابا للكفاف و روى فيه الأخبار الواردة في مدحه و حسنه و لا بأس برواية بعضها تيمّنا و تبرّكا فأقول :
فيه باسناده عن أبي عبيدة الحذّاء قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول قال : رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه عزّ و جلّ : إنّ من أغبط أوليائي عندي رجلا خفيف الحال ذا حظّ من صلاة أحسن عبادة ربّه بالغيب ، و كان غامضا في النّاس ، جعل رزقه كفافا فصبر عليه عجّلت منيّته فقلّ تراثه و قلّت بواكيه .
و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن أسلم و كان عيشه كفافا و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد و من أحبّ محمّدا و آل محمّد العفاف و الكفاف ، و ارزق من أبغض محمّدا و آل محمّد المال و الولد و عن النّوفلي رفعه إلى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما قال : مرّ رسول اللّه براعى إبل فبعث يستسقيه فقال : أمّا ما في ضروعها فصبوح الحيّ و أمّا ما في آنيتها فغبوقهم ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ أكثر ماله و ولده ، ثمّ مرّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له ما في ضروعها و أكفا ما في إنائه في إناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعث إليه بشاة و قال : هذا ما عندنا و إن أحببت أن نزيدك زدناك ، قال : فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللهمّ ارزقه الكفاف ، فقال له بعض أصحابه : يا رسول اللّه دعوت للذي ردّك بدعاء عامّتنا نحبّه ، و دعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ ما قلّ و كفى خير ممّا أكثر و ألهى اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف و عن البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول : يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه و ذلك أقرب له منّي ، و يفرح عبدي المؤمن إن وسّعت عليه و ذلك أبغض له منّي .
[ 250 ]
و في حديث أبي ذرّ المرويّ في البحار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يا باذر إنّي قد دعوت اللّه جلّ ثناؤه أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف ، و أن يعطي من يبغضني كثرة المال و الولد و قد أكثر شعراء العرب و العجم في مدح الكفاف و الاستغناء عن النّاس ، و من جيّد ما قالوه قول أبي العلاء المعرّى :
فان كنت تهوى العيش قانع توسطا فعند التناهي يقصر المتطاول توفى البدور النقص و هى أهلّة و يدركها النّقصان و هى كوامل
و قال سليمان بن مهاجر البجلي :
كسوت جميل الصّبر وجهي فصانه به اللّه عن غشيان كلّ بخيل فلم يتبذلني البخيل و لم اقم على بابه يوما مقام ذليل و انّ قليلا يستر الوجه ان يرى إلى النّاس مبذولا بغير قليل
و قال بعض شعراء الحكماء :
فلا تجزع إذا أعسرت يوما فقد أيسرت في الدّهر الطويل و لا تظنن بربّك ظنّ سوء فإنّ اللّه أولى بالجميل و إنّ العسر يتبعه يسار و قيل اللّه أصدق كلّ قيل و لو أنّ العقول تجرّ رزقا لكان المال عند ذوي العقول
تكملة
قد ذكرنا سابقا أنّ المستفاد من شرح البحراني أنّ هذه الخطبة و الخطبة الثّامنة و العشرين ملتقطتان من خطبة طويلة خطب بها يوم الفطر ، و قد ظفرت بعد ما شرحت الخطبة على تمامها برواية الصّدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه فأحببت ايرادها على ما رواها قدّس سرّه فأقول : قال :
و خطب أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الفطر فقال : الحمد للّه الذي خلق السّموات و الأرض و جعل الظلمات و النّور ثمّ الذين كفروا بربّهم يعدلون ، لا نشرك باللّه شيئا و لا نتّخذ من دونه وليّا ، و الحمد للّه له ما في السّموات و ما في الأرض و له
[ 251 ]
الحمد في الدّنيا و الآخرة و هو الحكيم الخبير ، يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السّماء و ما يعرج فيها و هو الرّحيم الغفور ، كذلك اللّه لا إله إلاّ هو إليه المصير ، و الحمد للّه الذي يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ باذنه إنّ اللّه بالنّاس لرؤف رحيم اللهمّ ارحمنا برحمتك ، و اعممنا بمغفرتك إنّك أنت العليّ الكبير ، و الحمد للّه الذي لا مقنوط من رحمته ، و لا مخلوّ من نعمته ، و لا مؤيس من روحه ، و لا مستنكف عن عبادته ، بكلمته قامت السّماوات السّبع ، و استقرّت الأرض المهاد ، و ثبتت الجبال الرّواسي ، و جرت الرّياح اللواقع ، و سار في جوّ السّماء السّحاب ، و قامت على حدودها البحار ، و هو إله لها و قاهر يذلّ له المتعزّزون ، و يتضأل له المتكبّرون ،
و يدين له طوعا و كرها العالمون .
نحمده كما حمد نفسه و كما هو أهله ، و نستعينه و نستغفره و نستهديه ، و نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له يعلم ما تخفى النّفوس و ما يجنّ البحار و ما توارى منه ظلمة ، و لا يغيب عنه غائبة ، و ما يسقط من ورقة من شجرة ، و لا حبّة في ظلمات الأرض إلاّ يعلمها ، لا إله إلاّ هو ، و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين ، و يعلم ما يعمل العاملون ، و أىّ مجرى يجرون ، و إلى أىّ منقلب ينقلبون و نستهدى اللّه بالهدى و نشهد أنّ محمّدا عبده و نبيّه و رسوله إلى خلقه ، و أمينه على وحيه ، و أنّه قد بلغ رسالات ربّه و جاهد في اللّه الحائدين عنه العادلين به ،
و عبد اللّه حتّى أتاه اليقين صلّى اللّه عليه و آله اوصيكم بتقوى اللّه الذي لا تبرح منه نعمة ، و لا تفقد منه رحمة ، و لا يستغنى العباد عنه ، و لا يجزى انعمه الاعمال ، الذي رغب في التّقوى ، و زهد في الدّنيا و حذر المعاصي و تعزّز بالبقاء ، و ذلّل خلقه بالموت و الفناء ، و الموت غاية المخلوقين ، و سبيل العالمين ، و معقود بنواصي الباقين ، لا يعجزه إباق الهاربين ، و عند حلوله ياس أهل الهوى يهدم كلّ لذّة ، و يزيل كلّ نعمة ، و يقطع كلّ بهجة و الدّنيا دار كتب اللّه لها الفناء ، و لأهلها منها الجلاء ، فأكثرهم ينوى بقائها و يعظم بنائها : و هى حلوة خضرة قد عجلت للطالب ، و التبست بقلب النّاظر و يضنيء ذو الثروة
[ 252 ]
الضّعيف ، و يحتويها الخائف الوجل ، فارتحلوا منها يرحمكم اللّه بأحسن ما بحضرتكم و لا تطلبوا منها أكثر من القليل و لا تسألوا منها فوق الكفاف ، و ارضوا منها باليسير و لا تمدّن أعينكم منها إلى ما متّع المترفون و استهينوا بها و لا توطنوها و أضرّوا بأنفسكم فيها ، و إيّاكم و التنعّم و التلهّى و الفاكهات ، فانّ في ذلك غفلة و اغترارا ألا إنّ الدّنيا قد تنكّرت و ادبرت و أصولت و آذنت بوداع ، ألا و إنّ الآخرة قد رحلت فأقبلت و أشرفت و آذنت باطلاع ، ألا و إنّ المضمار اليوم و السّباق غدا ،
ألا و إنّ السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، أفلا تائب من خطيئته قبل يوم منيته ، ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ، و فقره ، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن يخافه فيرجو ثوابه ألا و إنّ هذا اليوم يوم جعله اللّه لكم عيدا ، و جعلكم له أهلا ، فاذكروا اللّه يذكركم و ادعوه يستجب لكم و أدّوا فطرتكم فانّها سنّة نبيّكم و فريضة واجبة من ربّكم فليؤدّها كلّ امرء منكم عن نفسه و عن عياله كلّهم ذكرهم و انثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرّهم و مملوكهم عن كلّ إنسان منهم صاعا من برّ أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير و أطيعوا اللّه فيما فرض عليكم و أمركم به من إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة و حجّ البيت و صوم شهر رمضان و الأمر بالمعروف ، و النّهى عن المنكر ، و الاحسان إلى نسائكم و ما ملكت أيمانكم و أطيعوا اللّه فيما نهيكم عنه من قذف المحصنة ، و إتيان الفاحشة ، و شرب الخمر و بخس المكيال ، و نقص الميزان ، و شهادة الزّور ، و الفرار عن الزّحف عصمنا اللّه و إيّاكم بالتّقوى ، و جعل الآخرة خيرا لنا و لكم من الاولى ،
إنّ أحسن الحديث و أبلغ موعظة المتّقين كتاب اللّه العزيز أعوذ باللّه العظيم من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، قل هو اللّه أحد اللّه الصّمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد .
الترجمة
از جمله خطبههاى آنحضرت است : حمد و ثنا مر خداى را است در حالتى كه نوميد كرده نشده است از رحمة او ، و خالى كرده نشده است از نعمة او ، و نوميد
[ 253 ]
كرده نشده است از مغفرة او ، و كبر ورزيده نشده است از عبادت او ، چنان خداوندى كه زايل نميشود از او هيچ رحمتى ، و نا ياب نميشود از او هيچ نعمتي ،
و دنيا سرائيست تقدير كرده شده است از براى او فنا ، و از براى اهل او بيرون رفتن از آن با رنج و عنا ، و آن دنيا شيرينست در مذاق و سبز و خرّمست در نظر أهل آفاق و بتحقيق كه شتابانيده شده است از براى جوينده او ، و مشتبه شده است در قلب نظر كننده او ، پس رحلت نمائيد و كوچ كنيد از او به نيكوترين چيزى كه در حضور شماست از توشه كه عبارتست از تقوى و أعمال صالحه ، و سؤال نكنيد در او بالاتر از قدر كفاف در معيشت ، و طلب ننمائيد از او زياده از حدّ كفاية كه اينست شعار صاحبان بصيرت ، و سالكان طريق حقيقت