متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
[ 48 ]
و من خطبة له عليه السلام
و هى الثانية و الثلاثون من المختار في باب الخطب و رواها المحدّث العلامة المجلسي ( ره ) في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة ، قال قال عليه السّلام يوما في مسجد الكوفة و عنده وجوه النّاس :
أيّها النّاس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود ، و زمن شديد ( كنود خ ) ،
يعدّ فيه المحسن مسيئا ، و يزداد الظّالم فيه عتوّا ، لا ننتفع بما علمنا ،
و لا نسئل عمّا جهلنا ، و لا نتخوّف قارعة حتّى تحلّ بنا ، فالنّاس على أربعة أصناف :
منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلاّ مهانة نفسه ، و كلالة حدّه ،
او نضيض و فره .
و منهم المصلت بسيفه ، و المعلن بشرّه ، و المجلب بخيله و رجله ،
قد أشرط نفسه و أوبق دينه ، لحطام ينتهزه ، أو مقنب يقوده ، أو منبر يفرعه ، و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا ، و ممّا لك عند اللّه عوضا .
و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا ، قد طامن بشخصه ، و قارب من خطوه ، و شمّر من ثوبه ،
و زخرف من نفسه للأمانة ، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية .
[ 49 ]
و منهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه ، و انقطاع سببه فقصّرته الحال على حاله ، فتحلّى باسم القناعة ، و تزيّن بلباس أهل الزّهادة ، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى .
و بقى رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع ، و أراق دموعهم خوف المحشر ، فهم بين شريد نادّ ، و خائف مقموع ، و ساكت مكعوم ،
وداع مخلص ، و ثكلان موجع ، قد أخملتهم التّقيّة ، و شملتهم الذّلّة ، فهم في بحر أجاج ، أفواهم ضامزة ، و قلوبهم قرحة ، قد و عظوا حتّى ملّوا ، و قهروا حتّى ذلّوا ، و قتلوا حتّى قلّوا ، فلتكن الدّنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ ، و قراضة الجلم ، و اتّعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم ، و ارفضوها ذميمة ،
فإنّها قد رفضت من كان أشعف بها منكم . قال السّيد ( ره ) أقول هذه الخطبة ربّما نسبها من لا علم لها إلى معاوية و هي من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام الذى لا شك فيه ، و أين الذّهب من الرّغام و العذب من الاجاج ، و قد دلّ على ذلك الدّليل الخرّيت و نقده النّاقد البصير : عمرو بن بحر الجاحظ ، فانّه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان و التّبيين ، و ذكر من نسبها إلى معاوية ، ثمّ قال : هي بكلام عليّ عليه السّلام أشبه و بمذهبه في تصنيف النّاس و في الاخبار عمّا هم عليه من القهر و الاذلال و من التقية و الخوف أليق ، قال : و متى وجدنا معاوية في حال من الأحوال سلك في كلامه مسلك الزّهاد و مذاهب العبّاد .
[ 50 ]
اللغة
( عنود ) على وزن صبور من عند القصد عنودا من باب قعد مال ، و في بعض النسخ بدل الشديد ( الكنود ) و هو ككفور لفظا و معنى قال سبحانه : « انّ الانسان لرّبه لكنود » قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تفسيره : الكنود الذى يأكل وحده و يمنع رفده و يضرب عبده ( و العتوّ ) مصدر من عتا الرّجل يعتو من باب قعد إذا استكبر و تجاوز عن الحدّ ( و القارعة ) الدّاهية و ( مهانة ) النّفس بالفتح ذلّها و ( كلّ ) السّيف كلاّ و كلالة لم يقطع و ( نضيض و فره ) اى قلّة ماله من نضّ الماء نضّا و نضيضا سال قليلا قليلا و خرج رشحا .
و ( المصلت ) من أصلت سيفه إذا جرّده عن غمده و ( المجلب ) اسم فاعل من أجلب عليهم اى أعال عليهم و ( الرّجل ) جمع راجل كالركب و راكب قال سبحانه :
« و اجلب عليهم بخيلك و رجلك » و ( اشرط ) نفسه أعدّها للفساد في الارض و ( حطام ) الدنيا متاعها و أصله ما تكسر من اليبس و ( الانتهاز ) بالزاء المعجمه الاغتنام و ( المقنب ) بالكسر ما بين الثلاثين و الأربعين من الخيل و ( يفرعه ) يعلوه و ( طامن ) ظهره حناه و خفضه و ( شمر ) ثوبه قصّره و رفعه و ( زخرف ) نفسه زيّنها و ( ضئولة ) النّفس بفتح الضّاد حقارتها و ( المراح ) بضمّ الميم حيث تاوى الماشية بالليل و المناخ و المأوى مثله .
و في بعض النسخ بفتح الميم و هو الموضع الذي يروح منه القوم أو يرجعون اليه يقال ما ترك فلان من ابيه مغدى و لا مراحا و مغداة و لا مراحة و ( الشريد ) من شرد البعير اذا نفر و ( الناد ) المنفرد و ( المقموع ) المغلوب و ( كعم ) البعير من باب منع فهو مكعوم و كعيم شدّ فاه لئلا يأكل أو يقضّ ، و منه الكعام ، و هو ما يجعل في فم البعير عند الهياج .
و ( الضامزة ) بالزاء المعجمة الساكنة و ( القرظ ) محرّكة ورق السّلم يدبغ به و ( الجلم ) بالتحريك أيضا المقصّ يجزّبه أو بارا لابل ، و قراضته ما يقع من قرضه و قطعه و ( الرّغام ) تراب لين او رمل مختلط بتراب و ( الخريت ) بالكسر و تشديد الرّاء الدّليل الحاذق و ( صنّف ) النّاس تصنيفا جعلهم صنفا صنفا .
[ 51 ]
الاعراب
نسبة العنود و الكنود إلى الدّهر من باب التّوسع ، و اضافة النّضيض إلى الموفر من باب اضافة الصّفة إلى الموصوف ، و الباء في بسيفه و بشره و بخيله زايدة ،
و لبئس المتجر بئس فعل ذمّ و المتجر فاعله ، و ان ترى الدّنيا مؤل بالمصدر مخصوص بالذمّ و هو في محلّ الرّفع على كونه مبتداء و بئس فاعله خبر اله أو على أنه خبر حذف مبتداؤه ، و قوله بعمل الدنيا الباء للآلة ، و من في قوله من شخصه للزّيادة كالثلاث بعدها ، لأنّ الافعال الأربعة متعدّية بنفسها .
المعنى
اعلم أنّ الزّمان لما كان من الاسباب المعدّة لحصول ما يحصل في عالم الكون و الفساد من الشّرور و الخيرات صحّ بذلك توصيف بعض الازمنة بالخير فيقال : زمان خير و زمان عدل لكثرة ما يكون فيه بشهادة الاستقراء من الخير و انتظام حال الخلق و مواظبتهم على القوانين الشّرعية و السّنن النبوية ، و توصيف بعضها بالشرّ فيقال زمان جائر و زمان صعب شديد لكثرة ما يقع فيه من الشرور و المفاسد و عدم انتظام أمر الخلق فيه من حيث المعاش أو المعاد ، إذا عرفت ذلك فأقول : قوله عليه السّلام : ( أيّها النّاس انا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن شديد ) ذمّ لزمانه عليه السّلام بالجور و العدوان و الشّدة و الكفران من حيث غلبة الضّلال و دولة الجهّال و اضمحلال الحق و استيلاء الباطل و رجوع أغلب النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أعقابهم القهقرى و ارتدادهم عن الامام الحق و اقتدائهم بالامام الباطل ،
و عدم تمكنه عليه السّلام من اقامة المعروف و إزاحة المنكر و من ذلك نشأ الشّرور و المفاسد التي عدوها و هي امور .
الاول انّه ( يعدّ فيه المحسن مسيئا ) و ذلك لغلبة الاساءة من حيث كثرة المسيئين و قلّة الاحسان لقلّة المحسنين ، فيعدّ المسيء إحسان المحسن إساءة كما أنّه يعدّ إساءة نفسه إحسانا ، لكون السّنة في نظره بدعة و البدعة سنّة ، أو أنّه يحمل احسان المحسن على الاسائة كحمله عبادته على الرّياء و السّمعة ، و انفاقه
[ 52 ]
على الخوف او الرّغبة في المجازاة و نحو ذلك من الامور الناشئة من سوء الظنّ من أجل تنزيله حال الغير منزلة نفسه .
( و ) الثانى انّه ( يزداد الظالم فيه عتوا ) و ذلك لقيام المقتضى لظلمه و عدم رادع له عن ذلك فيزداد فيه شيئا فشيئا و حينا فحينا .
بيان ذلك أنّ المقتضى لظلم الظالم هو نفسه الأمارة بالسّوء ، فلو كانت في زمان العدل تكون مقهورة تحت حكم الحاكم العادل غير متمكّنة من القيام و الاقدام على الظلم و الجور ، و لما لم يتمكّن عليه السّلام في زمانه من قمع الباطل حقّ التّمكن ،
لا جرم ازداد الظالم فيه على ظلمه و بلغ الغاية في استكباره و عتوّه باقتضاء دواعي نفسه .
و الثالث انّه ( لا ننتفع بما علمنا ) و الاتيان بصيغة المتكلّم من قبيل ايّاك أعنى و اسمعي يا جارة ، و المقصود به توبيخ العالمين لتقصيرهم عن القيام بوظايف العلم إذ الانتفاع بالعلم إنّما يكون إذا وافقه العمل ، لأنّ العلم و العمل كالرّوح و الجسد يتصاحبان و يتكاملان معا و كلّ مرتبة من العلم يقتضي عملا معينا بحسبه و كلّ عمل يتهيؤبه لضرب من العلم .
و إلى ذلك أشار في رواية الكافي عن اسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ، و من عمل علم ، و العلم يهتف بالعمل فان أجابه و الاّ ارتحل عنه :
فان المراد بهتفه للعمل هو اقتضاؤه العمل و استدعاؤه له و من ارتحاله عدم الانتفاع به أو زواله بالمرّة .
و فيه عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه قال : جاء رجل إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فسأله عن مسائل فأجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام :
مكتوب في الانجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون و لما تعملوا بما علمتم ، فانّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفرا ، و لم يزدد من اللّه إلاّ بعدا .
( و ) الرابع انّه ( لا نسأل عمّا جهلنا ) و هو توبيخ للجاهلين المقصّرين في
[ 53 ]
طلب العلم و سؤال العلماء لعدم معرفتهم فضل العلم و عدم رغبتهم في العمل و لذلك قال الصادق عليه السّلام لحمران بن أعين في شيء سأله إنّما هلك النّاس لأنّهم لا يسألون رواه في الكافي .
و فيه أيضا عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : افّ لرجل لا يفرغ نفسه في كلّ جمعة لأمر دينه فيتعاهده و يسأل عن دينه .
و عن الحسين بن محمّد عن عليّ بن محمّد بن سعد رفعه عن أبى حمزة عن عليّ ابن الحسين عليهما السّلام قال : لو يعلم النّاس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللّجج إنّ اللّه تعالى أوحى إلى دانيال انّ أمقت عبيدى إلىّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم التّارك للاقتداء بهم ، و انّ أحبّ عبيدي إلىّ التّقىّ الطالب للثواب الجزيل اللاّزم للعلماء التّابع للحكماء القايل عن الحكماء .
( و ) الخامس انّه ( لا نتخوف قارعة ) و داهية ( حتّى تحلّ بنا ) و هو توبيخ للغافلين و المشغولين بلذايذ الدّنيا الحاضرة الغير الملتفتين إلى البليات و الدّواهي النّازلة .
ثمّ إنّه عليه السّلام بعد شكايته من زمانه قسّم أهل الزّمان إلى أقسام خمسة ، و وجه القسمة أنّ النّاس إمّا مريدون للآخرة و هم الذين أفردهم بالذّكر في مقابل الأقسام الاربعة و أشار إليهم بقوله و بقى رجال غضّ أبصارهم ( الخ ) و إمّا مريدون للدنيا و هؤلاء إمّا قادرون عليها بالسّلطنة و الاستيلاء ، و إمّا عاجزون عنها ، و هؤلاء إمّا غير محتالين للدّنيا ، أو محتالون لها ، و المحتالون إمّا مقصودهم من الاحتيال هو خصوص ملك الدّنيا و مالها ، أو الأعمّ من ذلك فهذه أقسام خمسة أربعة منهم أهل الدّنيا و واحد أهل الآخرة .
و أشار إلى الأوّلين بقوله ( فالنّاس على أربعة أصناف ) الأول ( منهم ) العاجز عن الدّنيا غير المحتال لها و هو ( من لا يمنعه ) من العلوّ و ( الفساد في الأرض إلاّ مهانة نفسه ) و حقارتها ( و كلالة حدّ ) سيف ( ه ) و وقوعه عن القطع و عدم الحقيقة
[ 54 ]
للمنظور إليه ( و نضيض و فره ) اى قلّة ماله ، و هذه كلّها إشارة إلى عدم تمكن هذا الرّجل من الوصول إلى مطلوبه و عدم قدرته على تحصيل مقصوده لانقطاع الاسباب دونه مضافا إلى ضعف نفسه .
( و ) الثّاني ( منهم ) القادر على الدّنيا بالسّلطنة و الاستيلاء و هو ( المصلت بسيفه ) الشّاهر له ( و المعلن بشره و المجلب بخيله و رجله ) و هو كناية عن جمعه أسباب الظلم و الغلبة و الاستعلاء ( قد اشرط نفسه ) و اهلها للفساد في الأرض ( و اوبق دينه لحطام ينتهزه ) و يغتنمه ، و تشبيه مال الدّنيا بالحطام لكونه قليل النّفع بالنّسبة إلى الأعمال الصالحة الباقي نفعها في الآخرة ، كما أنّ اليبس من النّبات قليل المنفعة بالقياس إلى ما تبقى خضرته ( او مقنب ) اى خيل ( يقوده او منبر يفرعه ) و يعلوه .
و هذه الأوصاف المذكورة لهذا القسم مطابق المصداق مع خلفاء بني اميّة و بني العباس لعنهم اللّه و أشار إلى خسران هؤلاء في أفعالهم بقوله : ( و ليئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا و ممّا لك عند اللّه عوضا ) كما قال تعالى :
« مَنْ كانَ يُريدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فيها ما نَشآءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْليها مَذْمُوماً مَدْحُوراً ، وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَاُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً » .
( و ) الثّالث ( منهم ) العاجز عن الوصول إلى الدّنيا المحتال لها بالسّمعة و الرّياء و يرائي بالزّيّ و الهيئة و هو ( من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة ) لكون همّه فيها ( و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا ) لعدم رغبته إليها أصلا ، و المراد بعمل الدّنيا ما يفعله المكلف فيها أو ما يصير بانضمام القربة و التّوصل إلى الطاعة طاعة ( قد طامن من شخصه ) اظهارا للتّواضع ( و قارب من خطوه ) اظهارا للوقار ( و شمّر من ثوبه ) اظهارا للطهارة و التنزه من النّجاسة ( و زخرف من نفسه ) اي زيّنها للنّاس بزينة الصّلحاء و الاتقياء .
[ 55 ]
و مقصوده من ذلك كلّه أن يفتتن به النّاس و يرغب إليه قلوبهم و يعظم قدره عندهم و يروه أهلا ( للأمانة ) و يسكنوا إليه في أماناتهم و يثقوا به في اموراتهم ،
فويل لهذا الرّجل تحبّب إلى العباد بالتّبغض إلى اللّه و تزيّن لهم بالشّين عند اللّه و تحمّد إليهم بالتذمّم عند اللّه ( و اتّخذ ستر اللّه ) الذي حمى به أهل التّقوى أن يردوا موارد الهلكة ( ذريعة إلى المعصية ) و وسيلة إلى ما اتيه من الدّنيا الفانية .
قال في البحار : قال الكيدرى : في كتاب المضاف و المنسوب ستر اللّه الاسلام و الشيب و الكعبة و ضماير صدور الناس يعنى جعل ظاهر الاسلام و ما يجنّه صدره بحيث لا يطلع عليه مخلوق وسيلة و طريقا إلى معصية اللّه .
و أقول : يحتمل أن يكون المراد أنّه اتخذ ستر اللّه على عيوبه حيث لم يفضحه و لم يطلع الناس على بواطنه ذريعة إلى أن يخدع النّاس .
( و ) الرّابع ( منهم ) العاجز المحتال الذي رغبته في الملك و المال و هو ( من أقعده ) في بيته ( عن طلب الملك ضئولة نفسه ) و حقارتها ( و انقطاع سببه ) من عدم البضاعة و نحوها من الاسباب المحصلة لمطلوبه ، ( ف ) لأجل ذلك ( قصرته الحال على حاله ) اى وقفت به حال القدر على حاله التي لم يبلغ معها ما أراد و قصرته عليها ،
( ف ) لذلك عدل إلى الحيلة الجاذبة لرغبات الخلق إليه ( قتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة ) و قام بالطاعات و واظب على العبادات ( و ) الحال انّه ( ليس من ذلك ) اى من القناعة و الزهد ( في مراح و لا مغدى ) .
يعنى إنّه ليس منهما في شيء و إنّما اتّصافه بهما ظاهريّ و صوريّ لا حقيقيّ و واقعيّ ، و يحتمل أن يكون الاشارة بذلك إلى أهل الزّهادة و يكون المعنى أنّه ليس يومه كيومهم في الصّوم و غيره ، و لا ليله كليلهم في العبادات هذا .
و لما فرغ من أصناف أهل الدّنيا الأربعة و أوصافها أشار إلى أهل الآخرة المقابل لهم بقوله : ( و بقى رجال ) و ميّزهم بأوصاف مخصوصة بهم متميّزين بها عن غيرهم و هى انّه ( قد غض أبصارهم ذكر المرجع ) عن النظر إلى محارم اللّه أو عن الالتفات إلى مطلق ما سوى اللّه .
و ذلك لانّ القلب إذا كان مشغولا بذكر اللّه مستغرقا في شهود جمال الحقّ
[ 56 ]
و ملاحظة جلاله عارفا بأنّ المسير و المنقلب إليه سبحانه ، يكون الحسّ تابعاله لا محالة لكونه رئيس الأعضاء و الحواسّ ، فلا يكون له حينئذ التفات إلى الغير و توجه من طريقه إلى أمر آخر ( و أراق دموعهم خوف المحشر ) و هول المطلع فانّ بين الجنّة و النّار عقبة لا يجوزها إلاّ البكاؤون من خشية اللّه كما رواه في عدّة الدّاعي و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاث عيون : عين غضّت عن محارم اللّه ، و عين سهرت في طاعة اللّه ، و عين بكت في جوف الليل من خشية اللّه .
و عنه عليه السّلام ما من شيء إلاّ و له كيل أو وزن إلاّ الدّموع فانّ القطرة يطفي بحارا من النّار ، فاذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق 1 قتر و لا ذلّة ، فاذا فاضت حرّمه اللّه على النّار و لو أنّ باكيابكى في امّة لرحموا .
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أحبّ اللّه عبدا نصب في قلبه نائحة من الحزن فانّ اللّه يحبّ كلّ قلب حزين و أنّه لا يدخل النّار من بكى من خشية اللّه تعالى حتّى يعود اللّبن إلى الضّرع ، و أنّه لا يجتمع غبار في سبيل اللّه و دخان جهنّم في منخري مؤمن أبدا و إذا أبغض اللّه عبدا جعل قلبه مزارا « مزمارا » من الضّحك و إنّ الضّحك يميت القلب و اللّه لا يحبّ الفرحين .
و كيف كان ( فهم بين شريد نادّ ) أى نافر عن الخلق و منفرد عنهم و متوّحش منهم إمّا لكثرة أذى الظالمين في الأوطان ، لانكاره المنكر أو لقلّة صبره على مشاهدة المنكرات ( و خائف مقموع و ساكت مكعوم ) كان التّقية سدّت فاه من الكلام ( وداع مخلص ) للّه في دعائه ( و ثكلان موجع ) إمّا لمصابه في الدّين أو من كثرة أذى الظالمين .
و في البحار و لعلّ المعنى أنّ بعضهم ترك الأوطان أو مجامع النّاس لما ذكر ، و بعضهم لم يترك ذلك و ينكر منكرا ، ثمّ يخاف ممّا يجرى عليه بعد ذلك و منهم من هو بينهم و لا ينهاهم تقيّة و معرض عنهم و مشتغل بالدّعاء ، و منهم من هو
----------- ( 1 ) رهقه بالكسر اى غشيه .
[ 57 ]
بينهم بالضّرورة و يرى أعمالهم و لا يؤثر نهيه فيهم فهو كالثّكلان الموجع ( قد أخملتهم التّقيه ) من الظالمين ( و شملتهم الذّلة ) بسبب التّقية منهم ( فهم في بحر اجاج ) .
يعنى أنّ حالهم في الدّنيا كحال العطشان في البحر الاجاج يريد عدم انتفاعهم بها و عدم استمتاعهم فيها كما لا يستغنى ذو العطاش بالماء المالح ( أفواههم ضامزة ) اى ساكتة و ساكنة من الكلام ( و قلوبهم قرحة ) من خشية الرّب تعالى أو لكثرة مشاهدة المنكرات مع عدم التمكن من دفعها و رفعها ( قد وعظوا حتّى ملّوا ) من الوعظ لعدم التفات الخلق اليهم و عدم تأثير موعظتهم فيهم .
( و قهروا حتّى ذلّوا ) بين النّاس ( و قتلوا حتّى قلّوا ) نسبة القتل إلى الجميع مع بقاء البعض من باب اسناد حكم البعض إلى الكلّ ، و هو شايع يقال : بنو فلان قتلوا فلانا ، و إنّما قتله بعضهم و إذا كان حال كرام النّاس الزّاهدين في الدّنيا ذلك ( فلتكن ) لكم بهم أسوة حسنة و لتكن ( الدّنيا ) الدّنية ( في أعينكم اصغر ) و احقر ( من حثالة القرظ و قراضة الجلم ) و هو أمر للسّامعين باستصغار الدّنيا و استحقارها إلى حدّ لا يكون في نظرهم أحقر منها ، و الغرض من ذلك تركهم لها و اعراضهم عنها .
قيل : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّ على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال صلّى اللّه عليه و آله اترون هذه هينة على أهلها فو اللّه الدّنيا أهون على اللّه من هذه على أهلها ، ثمّ قال :
الدّنيا دار من لا دار له ، و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا عقل له ، و شهواتها يطلب من لا فهم له ، و عليها يعادى من لا علم له ، و عليها يحسد من لا فقه له ، و لها يسعى من لا يقين له .
( و اتّعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم ) و هو أمر بالاتّعاظ بالامم السّالفة و تنبيه على أنّهم مفارقون للدّنيا لا محالة و كاينون عبرة لغيرهم ، كما أنّ السّابقين عليهم صاروا عبرة لهم ( و ارفضوها ذميمة ) أى فارقوا عنها و اتركوها حالكونها مذمومة عند العقلا و أولى البصيرة .
و ذلك لزوال نعيمها و فناء سرورها و نفاد صحبتها و انقطاع لذّتها ( فانّها )
[ 58 ]
لو دام سرورها و بهجتها لأحد لدامت في حقّ أحبّ الخلق إليها مع أنّها لم تدم في حقّهم بل ( قد رفضت من كان أشعف بها منكم ) و تركت من كان أشدّ حرصا إليها ، و إذا كان طباعها رفض كلّ محبّ فالأولى للعاقل رفضه لها قبل رفضها له .
روى انّ عيسى عليه السّلام كوشف بالدّنيا فرآها في صورة عجوزة هتماء عليها من كلّ زينة فقال لها كم تزوّجت ؟ قال : لا احصيهم ، قال : فكلّهم مات عنك أو طلّقوك ؟
قال : بل كلّهم قتلت قال عيسى عليه السّلام : بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين ، كيف أهلكتهم واحدا واحدا و لا يكونون منك على حذر ،
و لنعم ما قيل :
يا طالب الدّنيا يغرّك وجهها و لتندمنّ إذا رأيت قفاها
الترجمة
از جمله خطب آن حضرتست كه شكايت ميكند در آن از اهل زمان خود و ميفرمايد :
اى مردمان بدرستيكه ما صباح كردهايم در روزگار بسيار ستيزه كننده و ستمكار و در زمان بسيار ناسپاس در نعمت آفريدكار كه شمرده ميشود در او نيكو كار بد كردار و زياده مىكند در آن ستمكار سركشى و افتخار را و منتفع نميشويم به آنچه دانستهايم ، و سؤال نميكنيم از آنچه ندانستهايم و نميترسيم از بلاهاى خطرناك كه كوبنده دلهاست تا اينكه نازل شود آن بلاها بما .
پس مردمان دنيا چهار صنفند : يكى از ايشان كسى است كه باز نميدارد او را از فتنه و فساد مگر رذالت و خارى نفس او و كند بودن تيزى شمشير او و كمى مال و ثروت او .
دوّمى از ايشان كسيست كه كشنده است شمشير خود را و آشكار كننده است شرّ خود را و كشنده است سواره و پياده خود را ، يعنى اسباب سلطنت و ظلم در حق او مهياست بتحقيق اينمرد مهيا نموده از براى شرارت نفس خود را و تباه ساخته دين خود را از براى متاع دنيا كه غنيمت ميشمارد آنرا يا از براى سوارانى كه
[ 59 ]
بكشد ايشانرا يا از براى منبرى كه بالا ميرود بر او و هر آينه بد تجارتيست آن كه به بينى دنيا را از براى نفس خودت ثمن و بها و از آنچه مرتو راست در نزد خدايتعالى از نعم آن سرا عوض و سزا .
و سيّمى از ايشان كسى است كه طلب كند دنيا را بعمل آخرت و طلب نمى كند آخرت را بعمل دنيا ، بتحقيق كه اين شخص پست كرد تن خود را بجهت اظهار تواضع ، و نزديك نهاد كام خود را بجهت اظهار وقار و برچيد دامن جامه خود را بجهت اظهار احتياط از نجاست ، و زينت داد نفس خود را براى امانت و ديانت ، و فرا گرفته طريقه خدا را وسيله رفتن بسوى معصيت .
و چهارمى از ايشان كسى است كه نشانده او را از طلب ملك و مال حقارت نفس او و بريده شدن علاج او ، پس كوتاه ساخته او را حال تنكى او بر حالتى كه اراده نموده از رفعت و مرتبت پس آراسته است خود را باسم قناعت و پيراسته بلباس اهل زهد و طاعت ، و حال آنكه نيست از اهل قناعت و زهد نه در محل شب و نه در محل روز يعنى در هيچ وقت در سلك زاهدان حقيقى نيست بلكه زهد و قناعت او صورى و ظاهريست .
و باقيماند مردمانى كه اهل آخرت هستند كه پوشانيد چشمهاى ايشانرا از محارم يا از مطلق ما سوى اللّه ياد كردن بازگشت او نزد خداوند سبحانه و ريخت اشگهاى ايشان را ترس روز محشر پس آنها ميان رميده هستند و مطرود شده و ترسنده و مقهور گرديده و خاموش شونده و ممنوع از كلام و دعا كننده با اخلاص و فرياد كننده و رنجور شده .
بتحقيق كه افكنده است ايشان را بگوشه خمول تقيه و پرهيزكارى و شامل شده ايشان را ذلت و خارى ، دهنهاى ايشان خاموش است از سخن ، و قلبهاى ايشان مجروحست از خشية خداوند ذو المنن ، بتحقيق كه موعظه فرمودند تا اينكه ملول شدند ، و مقهور گشتند تا اينكه ذليل گرديدند ، و كشته شدند تا اينكه اندك ماندند .
[ 60 ]
چون حال روزگار غدار در حق اين طايفه عاليمقدار بر اين منوالست ، پس بايد كه باشد دنياى فانى در نظر شما خارتر از دردى برك سلم كه بآن دباغى مىكنند و از ريزهاى پشم بزكه از مقراض مىافتد ، و نصيحت بپذيريد با كسانى كه بودند پيش از شما پيش از آنكه پند گيرند با شما آنكسانيكه مىآيند بعد از شما و بگذاريد و ترك نمائيد متاع دنيا را در حالتى كه مذموم است و معيوب نزد اهل دانش و بينش ، پس بتحقيق كه ترك كرده است دنيا كسى را كه حريصتر بود و مايلتر بآن از شما .