جستجو

و من خطبة له ع و هو فصل من الخطبة التي أولها الحمد

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى الثامنة و العشرون من المختار في باب الخطب و رواها في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة ، و من إرشاد الدّيلمي بتغيير تطلع عليه . أمّا بعد فإنّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بوداع ، و إنّ الآخره قد أقبلت و أشرفت باطّلاع ، ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق ، و السّبقة الجنّة ، و الغاية النّار ، أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته ؟ ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ؟ ألا و إنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل ، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله و لم يضرّه أجله ، و من قصّر [ 3 ] في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أجله ، ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة ، ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها ، و لا كالنّار نام هاربها ، ألا و أنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل ، و من لا يستقيم به الهدى يجرّ به الضّلال إلى الرّدى ، ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن و دلّلتم على الزاد ، و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل ، فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ما تجهزون « تحرزون خ » به أنفسكم غدا . قال الرضيّ « قد » أقول : لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الرّهد في الدّنيا و يضطرّ إلى عمل الآخرة ، لكان هذا الكلام ، و كفى به قاطعا لعلايق الآمال ، و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار ، و من أعجبه قوله عليه السّلام : ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق و السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، فانّ فيه مع فخامة اللّفظ و عظم قدر المعنى و صادق التمثيل و واقع التّشبيه ، سرّا عجيبا و معنى لطيفا ، و هو قوله عليه السّلام : و السّبقة الجنّة و الغاية النّار ، فخالف بين اللّفظين لاختلاف المعنيين ، و لم يقل : السّبقة النّار كما قال : و السّبقة الجنّة . لأنّ الاستباق إنّما يكون إلى أمر محبوب و غرض مطلوب ، و هذه صفة الجنّة ، و ليس هذا المعنى موجودا في النّار نعوذ باللّه منها فلم يجز أن يقول : و السّبقة النّار ، بل قال : و الغاية النار ، لأنّ الغاية قد ينتهى إليها من لا يسرّه الانتهاء و من يسرّه ذلك ، فصلح أن يعبرّ بها عن الأمرين معا . فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل قال اللّه تعالى : « قل تمتّعوا فانّ مصيركم إلى النّار » و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال : سبقتكم بسكون الباء إلى النّار فتأمّل ذلك ، فباطنه عجيب و غوره بعيد لطيف ، و كذلك أكثر كلامه عليه السّلام . [ 4 ] و قد جاء في رواية اخرى و السّبقة الجنّة بضمّ السّين ، و السبقة عندهم اسم لما يجعل للسّابق إذا سبق من مال أو عرض ، و المعنيان متقاربان لأنّ ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم ، و إنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود . اللغة ( آذنت ) بالمدّ أى أعلمت من الأذان بمعنى الاعلام قال سبحانه : « و أذان من اللّه و رسوله » و ( أشرف ) عليه اطلع من فوق و ( الاطلاع ) هو العلم يقال طلع على الأمر طلوعا علمه كاطلعه على افتعل و ضمّر الخيل تضميرا علفها القوت بعد السّمن كأضمرها و ( المضمار ) الموضع يضمر فيه الخيل ، و غاية الفرس في السّياق و ( السّباق ) هو المسابقة و ( السّبقة ) بالضمّ الخطر يوضع بين أهل السّباق كما ذكره السيّد « ره » و ( البؤس ) الشدّة و ( ظعن ) ظعنا و ظعنا بالسّكون و التّحريك من باب نفع سار و ارتحل و ( تجهزّت ) الأمر كذا تهيّأت له و جهاز الميّت و العروس و المسافر بالكسر و الفتح ما يحتاجون إليه . الاعراب المضمار و السّباق وردا بالرّفع و النّصب أمّا رفع المضمار فعلى كونه خبر انّ و اليوم اسمها ، و أمّا نصبه فعلى كونه اسما و اليوم خبرا . و أورد بأنّه يلزم الاخبار عن الزّمان بالزّمان ، إذا المضمار زمان و اليوم كذلك فلو اخبر عنه باليوم فكان ذلك اخبارا بوقوع الزّمان في الزّمان ، فيكون الزّمان محتاجا إلى زمان آخر و هو محال . و اجيب بمنع استلزام الاخبار بالزمان عن الزّمان كون الزّمان محتاجا إلى زمان آخر إذ ربّما يخبر عن بعض أجزاء الزّمان بالزّمان لافادة الجزئيّة لا بمعنى حصوله فيه و المضمار لمّا كان عبارة عن الزّمان الذي يضمر فيه الخيل ، و هو زمان مخصوص لتقيّده بوصف مخصوص صحّ الاخبار عنه باليوم . و أمّا رفع السّباق فامّا على كونه مبتدء مؤخرا و غدا خبره و اسم انّ ضمير شأن مستتر ، أو علي جعله خبر انّ و يحتاج حينئذ إلى تقدير المضاف أى غدا وقت [ 5 ] السّباق ، و أمّا نصبه فعلى كونه اسم انّ و غدا خبرها ، و هو واضح . المعنى اعلم أنّ المستفاد من شرح البحرانى أنّ هذه الخطبة من فقرات خطبة طويلة خطب بها يوم الفطر و سيجي‏ء أوّلها في الكتاب ، و هي الخطبة الرّابعة و الأربعون المصدّرة بقوله : الحمد للّه غير مقنوط من رحمته ، و نذكر تمامها هناك إنشاء اللّه برواية الصّدوق فانتظر . و إنّما قدّمها الرّضيّ عليها مع كونها بعدها ، لما سبق من اعتذاره في خطبة الكتاب من أنّه لا يراعى التّتالي و النّسق و انّما يراعى النّكت و اللمع ، و كيف كان فمدار ما ذكره هنا على التّزهيد في الدّنيا و التّرغيب في الآخرة فأشار أوّلا إلى عدم جواز الرّكون و الاعتماد على الدّنيا بقوله : ( أمّا بعد فانّ الدّنيا قد أدبرت و آذنت بوداع ) و أشار بادبارها إلى تقضّى أحوالها الحاضرة و شهواتها الموجودة لكلّ أحد أحد شيئا فشيئا كما قال عليه الصّلاة و السّلام في الدّيوان المنسوب إليه : رأيت الدّهر مختلفا يدور فلا حزن يدوم و لا سرور و قد بنت الملوك به قصورا فما بقى الملوك و لا القصور و إنّما اطلق اسم الادبار على هذا التقضّي باعتبار أنّ اللذات الدّنيويّة لما كانت دائما في التّغيّر و التقضّي المقتضى لمفارقة الانسان لها و بعدها عنه ، لاجرم حسن اطلاق إسم الادبار عليه تشبيها لها بالحيوان المدبر ، و لما كانت مفارقة الانسان عنها مستلزمة لأسفه عليها و وجده بها ، أشبه ذلك ما يفعله الانسان في حقّ محبوبه المرتحل عنه في وداعه له من الحزن و الكابة ، فاستعير اسم الوداع له و كنى باعلامها بذلك عن الشّعور الحاصل بمفارقتها من تقضّيها شيئا فشيئا و هو اعلام بلسان الحال . ثمّ نبّه على وجوب الاستعداد للآخرة بدنوّها من الانسان بقوله : ( و انّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطلاع ) و مثله قال لقمان لابنه و هو يعظه : يا بنىّ إنك منذ سقطت إلى الدّنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة ، فدار أنت إليها تسير أقرب إليك [ 6 ] من دار أنت عنها متباعد . و قال الشّارح البحراني : و لمّا كانت الآخرة عبارة عن الدّار الجامعة للأحوال التي يكون الانسان عليها بعد الموت من سعادة و شقاوة و لذّة و ألم ، و كان تقضّي العمر مقرّبا للوصول إلى تلك الدّار و الحصول فيما يشتمل عليه من خير أو شرّ ، حسن إطلاق لفظ الاقبال عليها مجازا ثمّ نزّلها لشرفها على الدّنيا في حال إقبالها منزلة عال عند سافل فأسند إليها لفظ الاشراف ، و لأجل إحصاء الأعمال الدّنيوية فيها منزلة عالم مطلع فاطلق عليها لفظ الاطلاع . أقول : و الى هذا المعنى اشير في الحديث القدسي : يابن آدم الموت يكشف أسرارك و القيامة يتلو أخبارك ، و الكتاب يهتك استارك الحديث . ثمّ نبّه على وجوب التهيّأ بذكر ما يسير إليه و هو الجنّة و ما يصار إليه و هو النّار بقوله : ( ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق ) أراد باليوم مدّة العمر الباقية و أطلق اسم المضمار عليها باعتبار أنّ الانسان في تلك المدّة يستعدّ بالتّقوى و العمل الصالح للسّبقة إلى لقاء اللّه و التّقرّب إلى حضرته كما أنّ الفرس يستعدّ بالتّضمير إلى سبق مثله . و كنى بالغد عمّا بعد الموت و أطلق اسم السباق عليه باعتبار أنّ أفراد النّاس لمّا كانت متفاوتة في حبّ الدّنيا و الاعراض عنها ، و ذلك التّفاوت كان موجبا للقرب و البعد و السّبق و اللحوق في الدار الآخرة ، فكان السّباق هناك . بيان ذلك أنّ من كان أكثر استعدادا و أقطع لعلايق الدّنيا عن قلبه لم يكن له بعد الموت عايق عن الوصول إلى اللّه و مانع عن إدراك رضوان اللّه . و من اشرب قلبه حب الدّنيا و افتتنت بها لا يمكن له الوصول الى درجات السّابقين الأوّلين و النيل الى مراتب المقرّبين ، و من كان أقلّ استعدادا من هؤلاء و أشدّ علاقة للدنيا ، كان من التّالين المقصّرين كما قال عليه السّلام في بعض كلماته السّالفة : ساع سريع نجى و طالب بطى‏ء رجى و مقصّر في النّار هوى و السّبقة الجنّة يستبق اليها السّاع السّريع و الغاية النّار يصير اليها التّالى الوضيع . [ 7 ] ثمّ أمر بالتّوبة قبل الموت و إدراك الفوت بقوله : ( أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته ) إذ بالتّوبة يتخلى النّفس عن الرذايل و تستعدّ للتّحلية بالفضايل ، فلا تنتظروا بالتّوبة غدا فانّ دون غديو ما و ليلة قضاء اللّه فيها يغدو و يروح . و إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فاولئك يتوب اللّه عليهم و كان اللّه عليما حكيما ، و ليست التّوبة للّذين يعملون السّيآت حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّى تبت الآن و لا الّذين يموتون و هم كفّار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما . ( ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ) عملا ينجيه من البأس و العذاب و يفضيه إلى الرّاحة و حسن الثّواب ، و هو الاتيان بالطاعات و الانتهاء عن المنهيّات . ( ألا و إنكم في أيّام أمل من ورائه أجل فمن عمل ) لنفسه ( في ايّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله ) الذي اكتسبه ( و لم يضرّه أجله ) الذي حلّ به ، و يكون حاله بعد موته حال الغايب الذي قدم على وطنه و أهله ( و من قصر في أيام أمله قبل حضور أجله ) و فرط في طاعة ربه و التّزود لآخرته ( فقد خسر عمله ) الذي عمله ( و ضرّه أجله ) الذي حلّه و يكون حاله بعد موته حال الآبق الذي قدم به على مولاه . و قريب من هذا المضمون كلامه عليه السّلام المرويّ في البحار عن كتاب اعلام الدّين قال : النّاس في الدّنيا عامل في الدّنيا للدّنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلفه الفقر و يأمنه على نفسه ، فيفنى عمره في منفعة غيره ، و آخر عمل في الدّنيا لما بعدها ، فجائه له من الدّنيا بغير عمله فأصبح ملكا لا يسال اللّه شيئا فيمنعه . ( ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة ) و هو تنبيه على وجوب التّسوية في العمل بين حال الأمن و الخوف و حالة الرّخاء و الشدّة ، و لا يكون ذلك إلاّ عن نيّة صادقة و عبودّية خالصة و فيه إشعار بالتّوبة على الغفلة عن ذكر اللّه و الاعراض عن عبادته في حال اللذات الحاضرة و الخيرات الواصله و اللجأ إليه و الفزع [ 8 ] منه عند الحوادث الهايلة و المصايب النازلة . قال سبحانه : « و إذا أنعمنا على الانسان أعرض و نأى بجانبه و إذا مسّه الشّر فذو دعاء عريض » ( ألا و انّى لم أر ) نعمة ( كالجنّة نام طالبها و لا ) نقمة ( كالنّار نام هاربها ) و فيه تنبيه للموقنين بالجنّة و النّار على كونهم نائمين في مراقد الطبيعة ليتنبهوا منها و يستعدّوا بالعمل لما ورائهم من النّعم و النّقم . و فيه شميمة التعجب من جمع الموقن بالجنّة و بين عمله بما في الجنّة من تمام النّعمة و بين تقصيره عن طلبها بما يؤدّى إليها من صالح الأعمال و كريم الأفعال و من جمع الموقن بالنّار بين علمه بما فيها من تمام النّقمة و بين الغفلة عن الهرب منها إلى ما يخلص عنها . ( ألا ) و إنّ الحقّ كاسب للمنفعة و الباطل جالب للمضرّة ( و إنّه من لم ينفعه الحقّ ) لاعراضه عنه و عدم سلوكه سبيله ( يضرّه الباطل ) الذي وقع فيه و يستنصر به لا محالة ( و من لا يستقم به الهدى ) و نور العلم و العرفان ( يجرّبه الضّلال ) و ظلمة الجهل ( الى الرّدى ) و الخذلان . يعنى أنّ من لم يكن الهدى دليله القائد له بزمام عقله في سبيل اللّه و يستقم به في سلوك صراطه المستقيم ، فلا بدّ و أن ينحرف به الضّلال عن سواء الصراط إلى أحد جانبي التّفريط و الافراط . ( ألا و إنكم قد امرتم بالظعن ) و الرّحيل و السّلوك إلى اللّه و السّعى الى رضوان اللّه ( و دللتم على الزّاد ) المقوّى على السّير و السّلوك و المهيّي‏ء للوصول الى حظيرة القدس ، و هو التّقوى الذي هو مفتاح السّداد و ذخيرة المعاد كما قال سبحانه و تعالى : « و تزوَّدوا فانّ خير الزّاد التقوى » ( و إنّ أخوف ما أخاف عليكم ) من امور الدّنيا اثنتان ، احداهما ( اتّباع الهوى ) القائد إلى الرّدي ( و ) الثانية ( طول الأمل ) الشّاغل عن الآخرة ( فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ) بالعلم و العمل . أمّا العلم فلأنّ الاستكمال به إنّما يحصل بواسطة هذا البدن إما بوساطة [ 9 ] الحواسّ الظاهرة أو الباطنة و تفطن النفس لمشاركات بين المحسوسات و مبايناتها و ظاهر أنّ هذا من الدّنيا في الدّنيا . و أما العمل فلأنّه عبارة عن حركات و سكنات مستلزمة لهيئآت مخصوصة و هي إنّما تحصل بواسطة هذا البدن أيضا ، و كلّ ذلك من الدّنيا في الدّنيا ، و كيف كان فهما زادان موصلان إلى اللّه سبحانه فليتزوّد منهما ( ما تحرزون به أنفسكم غدا ) و تحفظونها من عذاب النّار و من غضب الجبار . تكملة قد أشرنا إلى أنّ هذه الخطبة مروية في البحار من كتاب مطالب السّؤول و من إرشاد المفيد ، و لمّا كان رواية الارشاد مختلفة لرواية السّيد أحببنا ذكرها . فأقول : قال في الارشاد : من كلام أمير المؤمنين ما اشتهر بين العلماء و حفظه ذووا الفهم و الحكماء : أما بعد فانّ الدّنيا قد ادبرت و آذنت بوداع ، و إنّ الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطلاع ألا و إنّ المضمار اليوم و غدا السّباق ، و السّبقة الجنة و الغاية النار ألا و إنكم في أيّام مهل من ورائه أجل يحثّه عجل فمن أخلص للّه عمله لم يضرّه امله ، و من أبطأ به عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضرّه أمله . ألا فاعملوا في الرّغبة و الرّهبة فان نزلت بكم رغبة فاشكروا للّه و اجمعوا معها رهبة ، و إن نزلت بكم رهبة فاذكرو اللّه و اجمعوا معها رغبة ، فانّ اللّه قد تأذن للمحسنين بالحسنى و لمن شكر بالزّيادة و لا كسب خير من كسبه ليوم تدّخر فيه الذخاير و يجمع فيه الكباير و تبلى فيه السّرائر . و إنّى لم أركالجنّة نام طالبها و لا مثل النّار نام هاربها ، ألا و إنّه من لا ينفعه اليقين لضرّه الشّك ، و من لا ينفعه حاضر لبّه و رأيه فغائله عنه أعجز ، ألا و إنكم قد أمرتم بالظّعن و دللتم على الزّاد و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتباع الهوى و طول الأمل ، لأن اتباع الهوى يضدّ عن الحقّ و طول الأمل ينسى الآخرة . و إنّ الدّنيا قد ترحلت مدبرة و انّ الآخرة قد ترحلت مقبلة و لكلّ واحد منهما بنون [ 10 ] فكونوا ان استطعتم من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا ، فانّ اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل تزهيد و ترغيب في ذكر طايفة من الأحاديث المنبّهة عن نوم الغفلة و المزهّدة عن الدّنيا المرّغبة في الآخرة . مثل ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني عطر اللّه مرقده باسناده عن محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه قال : سئل عليّ بن الحسين عليهما السّلام أىّ الأعمال أفضل عند اللّه عزّ و جلّ قال : ما من عمل بعد معرفة اللّه تعالى و معرفة رسول اللّه أفضل من بغض الدّنيا ، فانّ لذلك شعبا كثيرة و للمعاصى شعب فأوّل ما عصى اللّه عزّ و جلّ به الكبر معصية ابليس لعنه اللّه حين أبى و استكبر و كان من الكافرين . ثمّ الحرص و هى معصية آدم و حوّاء حين قال اللّه لهما : « كلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين » فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذرّيتهما إلى يوم القيامة فلذلك ان أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه . ثمّ الحسد و هي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعّب من ذلك حبّ النساء و حبّ الدنيا « الدينار خ ل » و حبّ الرّياسة و حبّ الرّاحة و حبّ الكلام و حبّ العلوّ و حبّ الثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلّهنّ في حبّ الدّنيا فقالت الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة و الدّنيا دنيا آن : دنيا بلاغ و دنيا ملعونة . و بهذا الاسناد عن المنقرى عن حفص بن غياث عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال في مناجاة موسى عليه السّلام : يا موسى إنّ الدّنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته و جعلتها ملعونة ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي ، يا موسى إنّ عبادى الصّالحين زهد و افي الدّنيا بقدر علمهم و ساير الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم ، و ما من أحد عظّمها [ 11 ] فقرّت عينه فيها و لم يحقّرها احد الاّ انتفع بها . و باسناده عن مهاجر الأسدي عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : مرّ عيسى بن مريم على قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابّها ، فقال : أما انّهم لم يموتوا إلاّ بسخطة و لو ماتوا متفرقين لتدافنوا . فقال الحوارّيون : يا روح اللّه و كلمته ادع اللّه أن يجيبهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنتجنبها فدعى عيسى ربّه ، فنودي من الجوّ : نادهم . فقال عيسى بالليل على شرف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية ، فأجابه منهم مجيب : لبيك يا روح اللّه و كلمته فقال : و يحكم ما كانت أعمالكم ؟ قال : عبادة الطاغوت و حبّ الدّنيا مع خوف قليل و أمل بعيد و غفلة في لهو و لعب . فقال : كيف كان حبّكم للدّنيا ؟ قال : كحبّ الصّبىّ لامّه إذا اقبلت علينا فرحنا و سررنا ، و إذا أدبرت عنّا بكينا و حزنّا قال : كيف كان عبادتكم الطاغوت ؟ قال : الطاعة لأهل المعاصى ، قال : كيف كان عاقبة أمركم ؟ قال : بتنا ليلة في عافية و أصبحنا في الهاوية . قال : و ما الهاوية ؟ قال : سجّين ، قال : و ما سجّين : قال : جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة ، قال ، فما قلتم و ما قيل لكم ؟ قال : قلنا : ردّنا إلى الدّنيا فنزهد فيها قيل : لنا كذبتم قال : ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم ؟ قال : يا روح اللّه و كلمته انّهم ملجمون بلجام من نار بأيدى ملائكة غلاظ شداد ، و إنّى كنت فيهم و لم أكن منهم ، فلما نزل العذاب عمّنى معهم ، فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم لا أدرى اكبكب فيها أم أنجو منها . فالتفت عيسى إلى الحواريّين فقال : يا أولياء اللّه أكل الخبز اليابس بالملح الجريش و النّوم على المزابل خير كثير مع عافية الدّنيا و الآخرة . و عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام : يقول : من تعلّق قلبه بالدّنيا تعلّق بثلاث خصال : همّ لا يفنى و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال . [ 12 ] و عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : إنّ الدّنيا قد ارتحلت مدبرة و إنّ الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، و لكلّ واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدّنيا . ألا و كونوا من الزّاهدين في الدّنيا الرّاغبين في الآخرة ، ألا إنّ الزّاهدين في الدّنيا اتّخذوا الأرض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا ، و قرضوا من الدّنيا تقريضا . ألا و من اشتاق إلى الجنّة سلا من الشّهوات ، و من أشفق من النّار رجع عن المحرّمات ، و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ، ألا إنّ للّه عبادا كمن رأى أهل الجنّة في الجنة مخلّدين ، و كمن رأى أهل النّار في النار معذّبين ، شرورهم مأمونة و قلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة و حوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلة ، فصاروا بعقبى راحة طويلة . أمّا الليل فصافّون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربّهم يسعون في فكاك رقابهم و أمّا النّهار فحكماء علماء بررة أتقياء ، كأنّهم القداح قد بريهم الخوف من العبادة ينظر إليهم النّاظر فيقول : مرضى و ما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النّار و ما فيها . و من عيون أخبار الرّضا عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن ابن المغيرة قال : سمعت الرّضا عليه السّلام يقول انك في دار لها مدّة يقبل فيها عمل العامل الاترى الموت محيط بها يكذب فيها امل الآمل تعجل الذنب بما تشتهى و تأمل التوبة في قابل و الموت يأتى اهله بغتة ما ذاك فعل الحازم العاقل الترجمة از جمله خطب شريفه آن حضرتست كه تزهيد مى‏فرمايد در آن بندكان را [ 13 ] از دنيا و ترغيب مى‏نمايد ايشان را در اخرى و ميفرمايد : پس از حمد خدا و درود بر خاتم انبيا پس بتحقيق كه دنيا رو گردانيده و اعلام كرده بوداع و فراق ، و بدرستيكه آخرت رو آورده و مشرف شده است بظهور و اطلاع ، آگاه باشيد كه امروز كه زمان مدت عمر است وقت كداختن بدنست و رياضات نفسانيه بأعمال صالحه ، و فردا كه روز قيامت است پيشى جستن است و ترقى نمودن در درجات عاليه ، و پيش برد اهل آن سرا بهشت جاويدانست ، و منتهاى كار اين سرا آتش سوزان . پس آيا هيچ توبه كننده نيست از گناهان خود پيش از رسيدن مرگ ؟ و آيا هيچ عمل كننده نيست پيش از روز سختى و شدت ؟ آگاه باشيد بدرستيكه شما هستيد در روزكار اميدوارى كه از عقب اوست مرك و گرفتارى ، پس هر كه عمل كند در روزهاي اميد خود پيش از حضور اجل او پس بتحقيق كه زيان نبخشد او را عمل او و ضرر نرساند او را اجل او . آگاه باشيد پس عمل نمائيد در زمان فراغت و رغبت همچنانكه عمل ميكنيد در زمان خوف و خشيت ، بدانيد و آگاه باشيد بدرستيكه من نديدم نعمتى همچو بهشت كه بخوابد طالب او ، و نه نقمتى مانند آتش سوزنده كه بخوابد گريزنده او ، بدانيد بتحقيق كسيكه سود نرساند او را حق و راستى زيان رساند او را باطل و ناراستى ، و هر كه براه راست نيارد او را هدايت بكشد او را گمراهى بچاه هلاكت . آگاه باشيد بدرستيكه شما امر كرده شده‏ايد برفتن جانب خداوند احديت و دلالت كرده شده‏ايد بر ذخيره و توشه اين طريقت ، و بدرستيكه ترسناك‏ترين چيزيكه مى‏ترسم بر شما متابعت خواهشات نفسانيه است ، و درازى اميد بزخارف دنيويه ، توشه بر داريد در دنيا از دنيا آن مقدارى كه با آن چيزيكه بتوانيد نگه بداريد با آن نفسهاى خود را فردا .