متن
ترجمه آیتی
ترجمه شهیدی
ترجمه معادیخواه
تفسیر منهاج البرائه خویی
تفسیر ابن ابی الحدید
تفسیر ابن میثم
و من كتاب له عليه السّلام الى معاوية و هو المختار الثلاثون من باب المختار من كتبه و رسائله
فاتّق اللّه فيما لديك ، و انظر في حقّه عليك ، و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته فإنّ للطّاعة أعلاما واضحة ، و سبلا نيّرة ، و مهجّة نهجة [ نهجة معا ] ، و غاية مطلّبة يردها الأكياس و يخالفها الأنكاس ، من نكّب عنها جار عن الحقّ ، و خبط في التّيه ، و غيّر اللّه نعمته ، و أحلّ به نقمته ، فنفسك نفسك فقد
[ 376 ]
بيّن اللّه لك سبيلك ، و حيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر ، و محلّة كفر ، و إنّ نفسك قد أوحلتك شرّا ،
و أقحمتك غيّا ، و أوردتك المهالك ، و أو عرت عليك المسالك .
المصدر
هذا الفصل اختاره الشريف الرضي رضوان اللّه عليه على دأبه من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية و هذه صورته الكاملة :
أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي ، و تستقبح مواربتي ، و تزعمني متجبّرا ، و عن حقّ اللّه مقصّرا ، فسبحان اللّه ، كيف تستجيز الغيبة ؟ و تستحسن العضيهة ؟ و إنّي لم اشاغب إلاّ في أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر و لم أتجبّر [ و لم أضجر نسخة ] إلاّ على باغ مارق ، أو ملحد منافق ، و لم آخذ في ذلك إلاّ بقول اللّه سبحانه : « لا تجد قوماً يؤمنون باللَّه و اليوم الاخر يوادّون من حادّ اللَّه و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم » .
و أما التقصير في حقّ اللّه تعالى فمعاذ اللّه و المقصّر في حقّ اللّه جلّ ثناؤه من عطّل الحقوق المؤكّدة ، و ركن إلى الأهواء المبتدعة ، و أخلد إلى الضلالة المحيّرة .
و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان ، و تخالف البرهان ، و تنكث الوثائق الّتي هي للّه عزّ جل طلبة ، و على عباده حجّة ، مع نبذ الإسلام ، و تضييع الأحكام و طمس الأعلام ، و الجرى في الهوى ، و التّهوس في الرّدى .
فاتّق اللّه فيما لديك ، و انظر في حقّه عليك إلى آخر الفصل المختار من النهج ، و إنّ للنّاس جماعة يد اللّه عليها ، و غضب اللّه على من خالفها ، فنفسك نفسك قبل حلول رمسك ، فإنّك إلى اللّه راجع ، و إلى حشره مهطع ، و سيبهظك كربه و يحلّ بك غمّه ، يوم لا يغنى النّادم ندمه ، و لا يقبل من المعتذر عذره ، يوم لا يغنى
[ 377 ]
مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون .
قلت : إنّ كلامه عليه السّلام أما بعد فقد بلغنى كتابك تذكر مشاغبتى ، صريح في أنّ هذا الكتاب جواب عن كتاب كتبه معاوية إليه و لكن لم نظفر عليه مع كثرة الفحص و التتبّع ، و كتاب أمير المؤمنين علي عليه السّلام هذا نقله الشارح المعتزلى و الشارح البحراني في المقام و علم الهدى ابن المولى المحسن الفيض في معادن الحكمة « ص 159 ج 1 » و أحمد زكى صفوت في جمهرة رسائل العرب « ص 433 ج 1 » و لم ينقلوا كتاب معاوية بل الأخيرين نقلا كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام هذا من الأوّلين و أتى به المجلسي في ثامن البحار « ص 540 » ناقلا عن البحراني أيضا .
اللغة
( مشاغبتى ) الشّغب تهييج الشرّ كالتشغيب و شاغبه شارّه ، ( مواربتى ) المواربة :
المداهاة و المخاتلة كما في القاموس ، و في غير واحد من النسخ موازرتى ، ( متجبرا ) بالجيم و الباء الموحدة كما في عدّة نسخ و في نسخ اخرى متحيرا بالحاء المهملة و الياء المثناة من تحت و الأوّل أنسب بما يأتي من قوله عليه السّلام : و لم أتجبّر إلاّ على باغ مارق ، و منه يعلم رجحان أتجبّر على أضجر أيضا .
( العضيهة ) : بالفتح البهيّة و هي الإفك و البهتان كما قاله الجوهرى في الصحاح قال المتوكّل الليثي :
احذر وصال اللئيم إنّ له عضها إذا حبل وصله انقطعا
و البيت من الحماسة ( الحماسة 442 ) قال المرزوقي في شرحه عليها : العضه ذكر القبيح كذبا و زورا ، و يقال عضهته إذا رميته بالزّور ، و أعضه الرجل أتى بالعضيهة و هي الإفك ، و من كلامهم يا للعضيهة و يا للأفيكة .
( ركن ) إليه من بابى علم و نصر أى مال إليه و سكن و وثق به .
( أخلد إلى الضلالة ) قال الجوهرى : أخلدت إلى فلان أى ركنت إليه ، و منه قوله تعالى : و لكنّه أخلد إلى الأرض ، ( الطمس ) ازالة الأثر بالمحو ، قال تعالى :
[ 378 ]
« و إذا النجوم انطمست » « ربّنا اطمس على أموالهم » أى أزل صورتها « و لو نشاء لطمسنا على أعينهم » أى أزلنا ضوأها و صورتها كما يطمس الأثر قاله الراغب في المفردات .
( التهوّس في الردى ) تهوّس : مشى ثقيلا في أرض ليّنة كما عن اللّسان ،
و قال الجوهري في الصّحاح : الهوس السوق اللين ، يقال : هست الإبل فهاست أى ترعى و تسير .
( المحجّة ) الطريق الواضحة ، و ( النهجة ) الطريق الواضحة أيضا و أنهج الطريق أي استبان و صار نهجا واضحا بيّنا ، أى جادّة مستبينة .
( مطلبة ) بتشديد اللاّم المفتوحة ، كما في نسخة الرضي أى مطلوبة ، و في غير واحدة من النسخ مطلوبة ، و قال المجلسي في البحار : النسخ المصحّحة متّفقة على تشديد الطّاء ، فالكلمة على هذا من اطّلب كافتعل ، يقال : اطّلبه أى طلبه قال الجوهري في الصّحاح : طلبت الشيء طلبا و كذلك اطّلبته على افتعلته ،
و قال الشارح البحراني : مطّلبة بتشديد الطاء و فتح اللاّم ، أى مطلوبة جدّا منهم بناء على أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني ، قال الرضي في شرح الشافية :
اعلم أنّ المزيد فيه لغير الإلحاق لا بدّ لزيادته من معنى لأنّها إذا لم يكن لغرض لفظي ، كما كانت في الإلحاق ، و لا لمعنى كانت عبثا . انتهى .
و قرأها الشارح المعتزلي على سكون الطاء و كسر اللاّم ، حيث قال : قوله غاية مطلبة أى مساعفة لطالبها بما يطلبه ، تقول : طلب فلان منّى كذا فأطلبته أى اسعفته به ، ثمّ خطّأ الراوندي بقوله : قال الراوندي : مطلبة بمعنى متطلّبة يقال : طلبت كذا و تطلبته و هذا ليس بشيء يخرج الكلام أن يكون له معنى . انتهى .
قلت : التطلّب طلب الشيء مرّة بعد اخرى مع تكلّف ، و يأبى سياق الكلام عن حمله على هذا المعنى ، و لذا قال الشارح المذكور ردّا على الراوندي :
و هذا ليس بشيء يخرج الكلام عن أن يكون له معنى .
ثمّ إنّ ما اختاره الشارح المعتزلي ليس بسديد أيضا لأنّ قول أمير المؤمنين عليه السّلام : يردها الأكياس و ما بعده يبيّن لنا أنّ الكلمة بمعنى المطلوبة سواء
[ 379 ]
كانت بتشديد اللاّم ، كما في نسخة الرضي ، أو بتشديد الطّاء و فتح اللاّم كما في البحار .
و عاضد ما اختاره الشارح المذكور الفاضل أحمد زكي صفوت في جمهرة رسائل العرب بقوله : و يجوز أن تكون مطلبة بسكون الطاء و كسر اللاّم من أطلبه إذا أعطاه ما طلبه أى تؤتى أصحابها ما يطلبون من ثواب اللّه و رحمته و هذا أحسن . انتهى . و لقد علمت ما فيه .
( الأكياس ) جمع كيّس كجيّد أى العاقل و يجمع على الكيسى أيضا إجراء له مجرى ضده أحمق و حمقى ، قال إبراهيم النّخعي لمنصور بن المعتمر :
سل مسألة الحمقى ، و احفظ حفظ الكيسى كما في البيان و التبيين ( ج 1 ص 299 ) .
( الأنكاس ) جمع النّكس بكسر النّون فالسّكون قال رجل من بنى أسد :
و ما أنا بالنّكس الدّنىّ و لا الّذي إذا صدّعنّي ذو المودّة أحرب
و البيت من أبيات الحماسة ( الحماسة 91 ) و قال المرزوقي في شرحه : النّكس أصله في السهام و نقل إلى الضعيف من الرّجال ، يقال : نكسته نكسا ثمّ يسمّى المنكوس نكسا ، كما يقال : نقضته نقضا ثمّ يسمّى المنقوض نقضا بكسر النون كأنّ السهم انكسر فوقه فنكس فسمّى نكسا ، فيقول : ما أنا بالمستضعف اللئيم و لا الّذي إذا انحرف عنه من يوادّه دعا بالويل و الحرب فقال و احرباه .
و في الحماسة 397 ، قالت امرأة من بني الحارث :
فارس ما غادروه ملحما غير زمّيل و لا نكس و كل
و قال المرزوقى في شرحه : النّكس المقصّر عن غاية النجدة و الكرامة و أصله في السّهام و هو الّذي انكسر فجعل أسفله أعلاه فلا يزال ضعيفا .
و في الحماسة 714 ، قال عمرو بن الإطنابة .
ليسوا بأنكاس و لا ميل إذا ما الحرب شبّت أشعلوا بالشّاعل
و قال المرزوقي في شرحه : الأنكاس جمع النّكس ، و النّكس أصله في السّهام تنكسر فيجعل أسفلها أعلاها فتضعف ، انتهى . قلت : و يقال للأحمق أنكس
[ 380 ]
شبيها بذلك السهم النّكس ، و في المفردات للراغب : النّكس السهم الّذي انكسر فوقه فجعل أعلاه أسفله فيكون رديئا و لردائته يشبّه به الرجل الدّنىّ ، ( نكب عنها ) من باب نصر و فرح أى عدل عنها ، يقال : نكبت الريح إذا مالت عن مهابّ الرّياح ، فالرّيح نكباء .
و الفعل في نسخة الرضى كان بتشديد الكاف و قد اخترناه ، يقال : نكّب عن الطريق بالتشديد إذا عدل و تنحّى ، و نكّب الشيء نحّاه ، لازم متعدّ ، و يقال : نكّبه الطريق ، و نكّب به الطريق ، و نكّب به عن الطريق أى عدّله و نحّاه ، و في المقام بمعناه الأوّل .
( جار عن الحقّ ) من الجور كما مضى في المختار المقدّم قوله عليه السّلام :
و سفه الاراء الجائرة ، قال الجوهرى : الجور الميل عن القصد يقال : جار عن الطريق ، انتهى كلامه .
( خبط ) مشى على غير هدى و استقامة ، و ( التيه ) : الضلال ، ( نقمته ) بفتح النون و كسر القاف كما في نسخة الرضى ، و فيها وجهان آخران بفتح النون و سكون القاف ، و بكسر النون و سكون القاف أيضا و هي اسم من الإنتقام و هي المكافأة بالعقوبة يقال : حلّت به النقمة ، تجمع على نقم و نقم و نقمات .
( تناهت ) أى بلغت ، قال الجوهري : الإنهاء الإبلاغ و أنهيت الخبر فأنتهى و تناهى أى بلغ .
( أجريت ) يقال : أجرى فلان إلى غاية كذا أى قصدها بفعله و أصله من إجراء الخيل للمسابقة ، و المحلة : المنزلة .
( أوحلتك ) بالواو فالحاء المهملة كما في نسخة الرضي رضوان اللّه عليه و في نسخ قد أولجتك ، و في بعضها : قد أوجلتك ، و المختار هو الأوّل ، أى أورطتك في الوحل ، قال الجوهري : الوحل بالتحريك الطين ، و وحل الرجل بالكسر وقع في الوحل ، و أوحله غيره .
( أقحمتك ) أى أدخلتك ، و الإقتحام الدخول في الأمر بشدّة و عنف ،
[ 381 ]
و يقال : أقحم فرسه النهر ، أى أوقعه و أدخله فيه بعنف .
( الغيّ ) : الضلال و الانهماك في الباطل ، و قال الراغب في المفردات : الغيّ جهل من اعتقاد فاسد و ذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا و لا فاسدا ، و قد يكون من اعتقاد شيء فاسد و هذا النحو الثانى يقال له غيّ ، قال تعالى : « ما ضلّ صاحبكم و ما غوى و إخوانهم يمدُّونهم في الغيّ » ، و قوله :
« فسوف يلقون غيّاً » أى عذابا فسمّاه الغيّ لما كان الغيّ هو سببه و ذلك كتسمية الشيء بما هو سببه كقولهم للنبات : ندى .
( اوعرت ) من الوعر اى الصعب وزنا و معنى : يقال : مكان وعر و طريق وعر و مطلب وعر ، و أوعرت عليك المسالك أى اخشنت و صعبت ( رمسك ) الرمس القبر ، قال الفيومىّ في المصباح : رمست الميت رمسا من باب قتل و في لغة من باب ضرب دفنته ، و الرمس : التراب تسمية بالمصدر ثمّ سمّي القبر به و الجمع رموس مثل فلس و فلوس ، قال مسور بن زيادة الحارثى :
أبعد الّذي بالنّعف نعف كويكب رهينة رمس ذى تراب و جندل
و البيت من الحماسة ( 64 ) قال المرزوقي في الشرح : الرمس القبر ، و الأصل في الرمس التغطية يقال : رمسته بالتراب و منه الرياح الروامس ، و قال المتلمّس :
أ لم تر أنّ المرأ رهن منيّة صريع لعافي الطير أو سوف يرمس
و البيت من الحماسة أيضا ( الحماسة 220 ) و قال المرزوقي : و معنى يرمس يدفن و الرمس الدفن و الرياح الروامس منه و توسّعوا في الدّفن فقيل : ارمس هذا الحديث ، كما يقال : ادفن .
( مهطع ) قال ابن الأثير في النهاية : في حديث عليّ عليه السّلام سراعا إلى أمره مهطعين إلى معادة : الإهطاع الاسراع في العدو ، و قال الراغب : هطع الرجل ببصره إذا صوّبه ، و بعير مهطع إذا صوّب عنقه ، قال تعالى : « مهطعين مقنعى رؤوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم مهطعين إلى الداع » انتهى ، و الإهطاع لا يكون إلاّ مع خوف و ذلّ و خشوع يقال : أهطع في السير إذا أسرع و أقبل مسرعا خائفا كهطع كما يستفاد من قوله
[ 382 ]
تعالى : « و لا تحسبنّ اللَّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون انّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعى رؤسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم ( إبراهيم : 44 ) ، و قوله تعالى :
يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ( القمر : 9 ) ، و قوله تعالى : فما للّذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين و عن الشمال عزين . قال أحمد بن يحيى : المهطع الّذي ينظر في ذلّ و خشوع لا يقلع بصره كما في مجمع البيان ، و قال : قال الزجاج : المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله و ذلك من نظر العدو .
و في القاموس هطع كمنع هطعا و هطوعا أسرع مقبلا خائفا أو أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه .
( سيبهظك ) قال الجوهرى في الصحاح : بهظه الحمل يبهظه بهظا أى أثقله و عجز عنه فهو مبهوظ و هذا أمر باهظ أى شاقّ ، قال زياد بن حمل كما في الحماسة أو زياد بن منقذ كما في مادة قزم من صحاح اللّغة في أبيات منها :
و كان عهدى بها و المشي يبهضها من القريب و منها النّوم و السّأم
قال المرزوقي : و معنى يبهضها يثقل عليها و يشقّ .
الاعراب
( معاذ اللّه ) منصوب مفعول مطلق لفعله المحذوف العامل فيه كسبحان اللّه قال الجوهرى في الصحاح : قولهم : معاذ اللّه أى أعوذ باللّه معاذا ، تجعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنّه مصدر و إن كان غير مستعمل مثل سبحان اللّه و يقال أيضا معاذة اللّه و معاذة وجه اللّه و معاذ وجه اللّه و هو مثل المعنى و المعناة و المأتى و المأتاة ، و يقال عوذ باللّه منك أى أعوذ باللّه منك .
( فان للطاعة ) الفاء في مقام التعليل لقوله : لا تعذر بجهالته ، و ضمير يردها و يخالفها و عنها راجع إلى السبل و المهجّة ، و أمكن أن يرجع إلى الطّاعة
[ 383 ]
و الغاية أيضا على توسّع .
( فنفسك نفسك ) منصوب من باب الإغراء و هو أن تحمل المخاطب على فعل شيء محبوب نحو قول الشاعر :
أخاك أخاك إنّ من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح
و الفعل يقدّر في كلّ موضع بحسبه ففى الشعر يقتضى الزم مثلا و في الغزال الغزال يناسب ارم ، و ههنا احفظ و ارحم و انقذ و نحوهما .
قوله : ( و حيث تناهت بك امورك ) أفاد الفاضل الشارح المعتزلي بقوله :
الأولى أن لا يكون هذا معطوفا و لا متّصلا بقوله : فقد بيّن اللّه لك سبيلك ، بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف : حيث أنت ، أى قف حيث أنت فلا يذكرون الفعل ، و مثله قولهم : مكانك ، أى قف مكانك .
المعنى
قوله عليه السّلام : ( فاتّق اللّه فيما لديك ) ما كان لديه هو تولّى امور المسلمين غصبا و طغيانا ، فإنّ ما كان في يده هو حقّ اللّه و حقّ رسوله و حقّ اولي الأمر و حقّه سبحانه مفوّض إلى نبيّه أو وصيّ نبيّه و لا يتولّى ذلك المنصب إلاّ نبيّ أو وصيّ أو شقىّ ، و الشقي من غصب حقّ الإمام الحقّ أى حقّ اللّه و رسوله ،
و لذا أمره الأمير عليه السّلام باتقائه اللّه في ذلك ، و صرّح باسم اللّه سبحانه لأنّه عليه السّلام كأنّما يقول له : اتّق اللّه في تصرّفك حقّه سبحانه عدوانا ، كما نقول نحن لمن خان زيدا مثلا : استح من زيد في خيانتك في عرضه و ماله .
قوله عليه السّلام : ( و انظر في حقّه عليك ) حقّه تعالى عليه أن لا يعصيه فيما أمره ، و ممّا أمره به هو قوله سبحانه : « أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرّسول و اولى الأمر منكم » ( النساء : 60 ) اللهمّ إلاّ أن يقال انّ الاية مصدّرة بقوله :
« يا أيّها الّذين آمنوا » و مذيّلة بقوله سبحانه : « إن كنتم تؤمنون باللَّه و اليوم الاخر » فمعاوية و أترابه خارجة عن الخطاب رأسا .
[ 384 ]
و في رسالة إمامنا سيّد السّاجدين و زين العابدين عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما المعروفة برسالة الحقوق ، قد نقلها كاملة المحدّث الخبير ابن شعبة الحرّاني قدّس سرّه في تحف العقول : اعلم رحمك اللّه أنّ للّه عليك حقوقا محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ،
أو آلة تصرّفت بها ، بعضها أكبر من بعض ، و أكبر حقوق اللّه عليك ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقّه الّذي هو أصل الحقوق و منه تفرّع .
فالويل ثمّ الويل لمن لم يطع اللّه سبحانه في حقّه عليه ، فضلا عن أن يغاصب حقّه .
قوله عليه السّلام : ( و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته ) أمره أن يرجع إلى معرفة ما لا يقبل عذره بجهالته من وجوب طاعة اللّه سبحانه و رسوله و طاعة الإمام الحقّ ، و لمّا أخرجته هوى النفس عن الطاعة إلى العصيان و الطغيان و عن نور المعرفة إلى ظلمة الجهالة و حيرة الضلالة ، أمره بالرجوع إلى معرفة ما أى الحقّ الّذي لا يسمع تجاهله فيه .
قوله عليه السّلام ( فإنّ للطاعة أعلاما واضحة الخ ) الأعلام جمع العلم بفتحتين و هو شيء منصوب في الطريق يهتدى به و غاية الطاعة القرب منه تعالى و الغاية ما إليه الحركة ، و وصف عليه السّلام الأعلام بالواضحة و تالييها بالنيّرة و النهجة لحسم العذر أصلا و سدّ طرق العذر من جميع الجوانب ، فانّ السبل إذا كانت نيّرة و المهجة نهجة و أعلامها واضحة و كانت غايتها مطلّبة ، فمن أين يعتذر المتمرّد عن الطاعة ، و ما مستمسكه في العذر ، و بأيّ باب يدخل لذلك ؟ و قد دريت من بحثنا عن الإمامة في المختار 237 من باب الخطب ( ص 35 إلى ص 175 من ج 16 ) أنّ القرآن و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و آله هم الأئمة الحقّ و الأعلام الواضحة و السّبل النيّرة و المهجة النهجة لا غير ، فراجع إلى ذلك المبحث الشريف حتّى يتبيّن لك بالعيان أنّ الال هم الّذين اختارهم اللّه و اجتباهم و اصطفاهم أعلاما واضحة للطريقة الّتي هي أقوم ، إنّ هذا القرآن يهدى للّتي هي أقوم .
قوله عليه السّلام : ( يردها الأكياس و يخالفها الأنكاس ) قد دريت في اللّغة
[ 385 ]
أنّ الأكياس بمعنى العقلاء ، و إنما يردها الأكياس لأنّ العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ، و أنّ الأنكاس جمع النكس و هو الرجل الدّني المنكوس على ما بيّن في اللّغة مشبعا ، و إنّما يخالفها الأنكاس لأنّهم لدنائة طبعهم ، و قصور همّتهم ألفوا بقاذورات الدّنيا الدّنيّة و أوساخ الامال النفسانيّة الشيطانيّة فهم ناكسوا رؤوسهم إلى اللّذائذ الحيوانيّة الداثرة الفانية أقرب شيء شبها بهم الأنعام السائمة ، و في كتاب العقل و الجهل من الكافي : بإسناده عن محمّد بن عبد الجبّار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت له : ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ، قال : قلت : فالّذي كان في معاوية ؟ فقال :
تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل ، و قد مضى بحثنا عن هذا الحديث و شرحه في المختار السابع باب الكتب و الرسائل فراجع إلى ( ص 225 ج 17 ) .
و قد تقدّم في رسالتنا في لقاء اللّه تعالى أنّ حشر الخلائق حسب أعمالهم ، و أنّ كلّ أحد إلى غاية سعيه و عمله و إلى ما يحبّه و يهواه ، فحيث إنّ الأنكاس أدبروا ههنا عن أمر اللّه تعالى و طاعته و لقائه و أقبلوا إلى الشهوات النفسانية و لم يرفعوا رؤوسهم عن معلفهم و مرعيهم فهم في النشأة الاخرة أيضا ناكسون لأنّ الدّنيا مزرعة الاخرة قال عزّ من قائل : « نحن قدّرنا بينكم الموت و ما نحن بمسبوقين على أن نبدّل أمثالكم و ننشئكم فيما لا تعلمون و لقد علمتم النشأة الاولى فلو لا تذكّرون » ( الواقعة 61 63 ) ، و في الكافي كما في الصافي عن السّجاد عليه السّلام : العجب كلّ العجب لمن أنكر النشأة الاخرى و هو يرى النشأة الاولى .
و قال عزّ من قائل : « و لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون » ( الم السجدة : 13 ) .
و روى ثقة الإسلام الكليني في باب ظلمة قلب المنافق و إن أعطى اللسان و نور قلب المؤمن و إن قصر بلسانه من كتاب الإيمان و الكفر ( ص 309 ج 2 من المعرب ) بإسناده عن المفضل عن سعد عن أبي جعفر عليه السّلام : قال إنّ القلوب أربعة : قلب فيه
[ 386 ]
نفاق و ايمان ، و قلب منكوس ، و قلب مطبوع ، و قلب أزهر أجرد فقلت : ما الأزهر ؟
قال : فيه كهيئة السراج ، فأمّا المطبوع فقلب المنافق ، و أما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه شكر و إن ابتلاه صبر ، و أما المنكوس فقلب المشرك ثمّ قرأ هذه الاية : « أ فمن يمشى مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشى سويّاً على صراط مستقيم » ( الملك : 22 ) فأما القلب الّذي فيه إيمان و نفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك و إن أدركه على إيمانه نجى .
و قال العلم الحجّة المولى صالح المازندراني قدّس سرّه في بيانه : ( ص 130 ج 10 ) القلب المنكوس كالكوز المقلوب إلى أن قال : و قيل : القلب المنكوس القلب الناظر إلى الدّنيا و المتوجّه إليها لأنّ الدّنيا تحت الاخرة و الاخرة فوقها فالناظر إليها منكوس رأسه ، و الاية من باب التمثيل بالأشياء المحسوسة تقريبا للفهم و الإستشهاد باعتبار أنّ المشرك يمشي مكبّا على وجهه لكون قلبه مكبوبا ، مقلوبا و المؤمن يمشى سويّا لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيما عارفا بالحق كما يرشد إليه قوله تعالى : « على صراط مستقيم » .
قوله عليه السّلام : ( من نكّب عنها الخ ) أى من عدل و تتحّى عنها مال عن الوسط و العدل و القصد ، و مشى على غير هداية و استقامة في الضلال .
قوله عليه السّلام : ( و غير اللّه نعمته و أحلّ به نقمته فنفسك نفسك ) إنّما أمره بحفظ نفسه و كرّره تأكيدا و تشديدا لما قال سبحانه : « إنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم » ( الرعد : 12 ) ، و قال تعالى : « فما كان اللَّه ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون » ( التوبة : 71 ) .
في باب محاسبة العمل من كتاب الايمان و الكفر من الكافي ( ص 329 ج 2 من المعرب ) : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لرجل : إنّك قد جعلت طبيب نفسك ، و بيّن لك الداء ، و عرّفت آية الصحة ، و دللت على الدواء ، فانظر كيف قيامك على نفسك .
و في ذلك الباب عنه عليه السّلام أيضا : اقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فإنّ نفسك رهينة بعملك .
[ 387 ]
و فيه عنه عليه السّلام أيضا قال : كتب رجل إلى أبي ذرّ رضي اللّه عنه يا أبا ذر أطرفنى بشيء من العلم ، فكتب إليه : أنّ العلم كثير و لكن إن قدرت أن لا تسيئ إلى من تحبّه فافعل ، قال : فقال له الرجل : و هل رأيت أحدا يسيئ إلى من يحبّه ؟
فقال له : نعم نفسك أحبّ الأنفس إليك فإذا أنت عصيت اللّه فقد أسأت إليها .
قوله عليه السّلام : ( و حيث تناهت بك امورك الخ ) قال بعضهم : حيث عطف على سبيلك ، أى فقد بيّن اللّه لك مآلك و منقلبك ، قال تعالى : « و سيعلم الّذين ظلموا أىَّ منقلب ينقلبون » ، فهو عليه السّلام يحذّره عن عاقبته الوخيمة ، و يخوّفه عن جزاء أعماله الفاضحة ، ثمّ كأنّما قيل : و إلى ما تناهت به اموره و أىّ شيء يترتّب على أفعاله ؟ فأجاب عليه السّلام : فإنّه قد أجري إلى غاية خسر الخ ، فما تناهت به اموره جزاء أعماله السيئة .
هذا غاية ما يمكن أن يقرّر معنى العبارة على قول هذا البعض ، و لكنّ الإنصاف أنّ الصواب هو ما أفاده الفاضل الشارح المعتزلى كما تقدّم في بيان الإعراب ، أى قف حيث أنت لأنك قد أجريت إلى غاية خسر فالفاء في فقد في معرض التعليل للفعل المحذوف أعنى قف ، و الكلام على هذا الوجه خال عن التكلّف دون الأوّل .
و لا يخفى لطافة قوله عليه السّلام : و إنّ نفسك قد أوحلتك شرا ، و قد علمت أنّ معنى أوحلتك أو رطتك في الوحل ، فالويل ثمّ الويل لمن أطاع نفسه و نسى حظّه ، فإنّ النفس لأمّارة بالسوء ينسي مطيعه ذكر اللّه تعالى كما قال تعالى : « استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللَّه » ، و قال تعالى : « و من أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى قال ربّ لم حشرتنى أعمى و قد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى و كذلك نجزي من أسرف و لم يؤمن بآيات ربّه و لعذاب الاخرة أشدّ و أبقى » ( طه : 125 ) .
هذا آخر المجلّد الخامس من تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة و به انتهى المنهاج إلى المجلّد التاسع عشر ، و للّه الحمد على ما أولانا ، و له الشكر بما تفضّل علينا من إفاضة مننه ، و إسبال نعمه علينا ، و كيف أشكره تعالى حقّ شكره و ليس من شكر أشكره به إلاّ و هو نعمة جزيلة أنعم بها عليّ ، اللّهم ارزقنا قلبا
[ 388 ]
ذاكرا و لسانا شاكرا ، اللّهم ثبّت قلوبنا على دينك ، اللّهم ارزقنا نعمة الحضور عندك ، اللّهم يا عاصم قلوب المؤمنين خلّصنا من شرور أنفسنا و وفّقنا بالتنعّم من مأدبتك القرآن الفرقان العظيم ، و باتّباع سنّة نبيك الكريم ، و اطاعتك و اطاعة رسولك و اولى الأمر الّذين هم وسائط فيضك و أبواب رحمتك يا أرحم الراحمين .
و قد حصل الفراغ من تأليف هذا السفر الكريم بيد العبد الراجى لقاء ربّه الرّحيم : نجم الدّين الحسن بن عبد اللّه الطبري الاملي في الامل ، ليلة الأربعاء الثامنة عشر من ربيع المولود من شهور سنة تسع و ثمانين و ثلاثمائة بعد الألف من هجرة خاتم النبيّين صلّى اللّه عليه و على آله الطيبين الطاهرين ، و الحمد للّه ، و آخر دعويهم أن الحمد للّه ربّ العالمين .
الترجمة
اين نامهايست كه أمير عليه السّلام بمعاوية نوشت :
در آنچه كه در دست دارى از خدا بترس ، و حقّ خدا را بر خود بنگر و بشناختن آنچه كه عذرت در ندانستن آن پذيرفته نميشود باز گرد ، زيرا براى بندگى و طاعت نشانها و پرچمهاى روشن ، و راههاى هويدا ، و جادّه آشكار و نتيجه و غايت مطلوبست خردمندان بدان در آيند ، و سفلگان از آن روى گردانند ، هر كه از آنها بازگشت از حقّ برگشت ، و در وادى گمراهى بسر برد ، و خداى نعمتش را بر وى دگرگون كرد ، و او را در عذابش افكند پس خويشتن را درياب و خود را باش كه خدا راه را برايت روشن كرد ، و چون كارها بدست تو افتاد نهايت زيانرا از دست خويش جارى كردى و در وادى كفر درآمدى ، نفست تو را به شرّ كشانيد و از دست وى بگل درماندى و تو را بگمراهى درآورد و به نابوديها رسانيد و راهها را بر تو دشوار كرد . إلى هنا انتهى الجزء التاسع عشر من هذه الطبعة النفيسة القيمة و تمّ تصحيحه و ترتيبه بيد العبد السيد ابراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه فى اليوم السابع من شهر رجب الأصبّ 1389 و يليه انشاء اللّه الجزء العشرون و أوله : المختار الحادى و الثلاثون و الحمد للّه كما هو أهله .
[ 2 ]
ج 20
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم