جستجو

و من وصية له ع لعسكره قبل لقاء العدو بصفين

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 104 ] 14 و من وصية له ع لعسكره بصفين قبل لقاء العدو لاَ تُقَاتِلُونَهُمْ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اَللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَ تَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ اَلْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اَللَّهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لاَ تُصِيبُوا مُعْوِراً وَ لاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَ لاَ تَهِيجُوا اَلنِّسَاءَ بِأَذًى وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ اَلْقُوَى وَ اَلْأَنْفُسِ وَ اَلْعُقُولِ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَ إِنْ كَانَ اَلرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ اَلْمَرْأَةَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ اَلْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ نهى أصحابه عن البغي و الابتداء بالحرب و قد روي عنه أنه قال ما نصرت على الأقران الذين قتلتهم إلا لأني ما ابتدأت بالمبارزة و نهى إذا وقعت الهزيمة عن قتل المدبر و الإجهاز على الجريح و هو إتمام قتله . قوله ع و لا تصيبوا معورا هو من يعتصم منك في الحرب بإظهار عورته لتكف عنه و يجوز أن يكون المعور هاهنا المريب الذي يظن أنه من القوم و أنه حضر للحرب و ليس منهم لأنه حضر لأمر آخر . قوله ع و لا تهيجوا النساء بأذى أي لا تحركوهن . [ 105 ] و الفهر الحجر و الهراوة العصا . و عطف و عقبه على الضمير المستكن المرفوع في فيعير و لم يؤكد للفصل بقوله بها كقوله تعالى ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا لما فصل بلا عطف و لم يحتج إلى تأكيد نبذ من الأقوال الحكيمة و مما ورد في الشعر في هذا المعنى قول الشاعر إن من أعظم الكبائر عندي قتل بيضاء حرة عطبول كتب القتل و القتال علينا و على المحصنات جر الذيول و قالت امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي بالبصرة لعلي ع بعد ظفره و قد مر ببابها يا علي يا قاتل الأحبة لا مرحبا بك أيتم الله منك ولدك كما أيتمت بني عبد الله بن خلف فلم يرد عليها و لكنه وقف و أشار إلى ناحية من دارها ففهمت إشارته فسكتت و انصرفت و كانت قد سترت عندها عبد الله بن الزبير و مروان بن الحكم فأشار إلى الموضع الذي كانا فيه أي لو شئت أخرجتهما فلما فهمت انصرفت و كان ع حليما كريما . و كان عمر بن الخطاب إذا بعث أمراء الجيوش يقول بسم الله و على عون الله [ 106 ] و بركته فامضوا بتأييد الله و نصره أوصيكم بتقوى الله و لزوم الحق و الصبر فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين و لا تجبنوا عند اللقاء و لا تمثلوا عند الغارة و لا تسرفوا عند الظهور و لا تقتلوا هرما و لا امرأة و لا وليدا و توقوا أن تطئوا هؤلاء عند التقاء الزحفين و عند حمة النهضات و في شن الغارات و لا تغلوا عند الغنائم و نزهوا الجهاد عن غرض الدنيا و أبشروا بالأرباح في البيع الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم . و استشار قوم أكثم بن صيفي في حرب قوم أرادوهم و سألوه أن يوصيهم فقال أقلوا الخلاف على أمرائكم و اثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين و رب عجلة تهب ريثا . و كان قيس بن عاصم المنقري إذا غزا شهد معه الحرب ثلاثون من ولده يقول لهم إياكم و البغي فإنه ما بغى قوم قط إلا ذلوا قالوا فكان الرجل من ولده يظلم فلا ينتصف مخافة الذل . قال أبو بكر يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة و كانوا اثني عشر ألفا فهزموا يومئذ هزيمة قبيحة و أنزل الله تعالى قوله وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً . و كان يقال لا ظفر مع بغي و لا صحة مع نهم و لا ثناء مع كبر و لا سؤدد مع شح [ 107 ] قصة فيروز بن يزدجرد حين غزا ملك الهياطلة و من الكلمات المستحسنة في سوء عاقبة البغي ما ذكره ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار إن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده نحو بلاد الهياطلة فلما انتهى إليهم اشتد رعب ملكهم أخشنوار منه و حذره فناظر أصحابه و وزراءه في أمره فقال رجل منهم أعطني موثقا من الله و عهدا تطمئن إليه نفسي أن تكفيني الغم بأمر أهلي و ولدي و أن تحسن إليهم و تخلفني فيهم ثم اقطع يدي و رجلي و ألقني في طريق فيروز حتى يمر بي هو و أصحابه و أنا أكفيك أمرهم و أورطهم مورطا تكون فيه هلكتهم فقال له أخشنوار و ما الذي تنتفع به من سلامتنا و صلاح حالنا إذا أنت هلكت و لم تشركنا في ذلك فقال إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغ من الدنيا و أنا موقن أن الموت لا بد منه و إن تأخر أياما قليلة فأحب أن أختم عملي بأفضل ما يختم به الأعمال من النصيحة بسلطاني و النكاية في عدوي فيشرف بذلك عقبي و أصيب سعادة و حظوة فيما أمامي . ففعل أخشنوار به ذلك و حمله فألقاه في الموضع الذي أشار إليه فمر به فيروز في جنوده فسأله عن حاله فأخبره أن أخشنوار فعل به ما يراه و أنه شديد الأسف كيف لا يستطيع أن يكون أمام الجيش في غزو بلاده و تخريب مدينته و لكنه سيدل الملك على طريق هو أقرب من هذا الطريق الذي يريدون سلوكه و أخفى فلا يشعر أخشنوار حتى يهجم عليه فينتقم الله منه بكم و ليس في هذا الطريق من المكروه إلا تغور يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون . [ 108 ] فقبل فيروز قوله بعد أن أشار إليه وزراؤه بالاتهام له و الحذر منه و بغير ذلك فخالفهم و سلك تلك الطريق فانتهوا بعد يومين إلى موضع من المفازة لا صدر لهم عنه و لا ماء معهم و لا بين أيديهم و تبين لهم أنهم قد خدعوا فتفرقوا في تلك المفازة يمينا و شمالا يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم و لم يسلم مع فيروز إلا عدة يسيرة فانتهى إليهم أخشنوار بجيشه فواقعهم في تلك الحال التي هم فيها من القلة و الضر و الجهد فاستمكنوا منهم بعد أن أعظموا الكناية فيهم . و أسر فيروز فرغب أخشنوار أن يمن عليه و على من بقي من أصحابه على أن يجعل له عهد الله و ميثاقه ألا يغزوهم أبدا ما بقي و على أن يحد فيما بينه و بين مملكتهم حدا لا يتجاوزه جنوده فرضي أخشنوار بذلك فخلى سبيله و جعلا بين المملكتين حجرا لا يتجاوزه كل واحد منهما . فمكث فيروز برهة من دهره ثم حمله الأنف على أن يعود لغزو الهياطلة و دعا أصحابه إلى ذلك فنهوه عنه و قالوا إنك قد عاهدته و نحن نتخوف عليك عاقبة البغي و الغدر مع ما في ذلك من العار و سوء القالة . فقال لهم إنما اشترطت له ألا أجوز الحجر الذي جعلناه بيننا و أنا آمر بالحجر فيحمل أمامنا على عجل . فقالوا أيها الملك إن العهود و المواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم لا تحمل على ما يسره المعطي لها و لكن على ما يعلن به المعطى إياها و إنما جعلت عهد الله و ميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على الأمر الذي لم يخطر له ببال فأبى فيروز و مضى في غزوته حتى انتهى إلى الهياطلة و تصاف الفريقان للقتال [ 109 ] فأرسل أخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفيهم فخرج إليه فقال له أخشنوار إني قد ظننت أنه لم يدعك إلى مقامك هذا إلا الأنف مما أصابك و لعمري إن كنا قد احتلنا لك بما رأيت لقد كنت التمست منا أعظم منه و ما ابتدأناك ببغي و لا ظلم و ما أردنا إلا دفعك عن أنفسنا و حريمنا و لقد كنت جديرا أن تكون من سوء مكافاتنا بمننا عليك و على من معك و من نقض العهد و الميثاق الذي أكدته على نفسك أعظم أنفا و أشد امتعاضا مما نالك منا فإنا أطلقناكم و أنتم أسارى و مننا عليكم و أنتم على الهلكة مشرفون و حقنا دماءكم و لنا على سفكها قدرة و إنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب إلينا فيه و المريد لنا عليه ففكر في ذلك و ميز بين هذين الأمرين فانظر أيهما أشد عارا و أقبح سماعا إن طلب رجل أمرا فلم يقدر له و لم ينجح في طلبته و سلك سبيلا فلم يظفر فيه ببغيته و استمكن منه عدوه على حال جهد و ضيعة منه و ممن هم معه . فمن عليهم و أطلقهم على شرط شرطوه و أمر اصطلحوا عليه فاصطبر بمكروه القضاء و استحيا من الغدر و النكث أن يقال نقض العهد و أخفر الميثاق مع أني قد ظننت أنه يزيدك لجاجة ما تثق به من كثرة جنودك و ما ترى من حسن عدتهم و ما أجدني أشك أنهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق و دعوتهم إلى ما يسخط الله و أنهم في حربنا غير مستبصرين و نياتهم على مناصحتك مدخولة . فانظر ما قدر غناء من يقاتل على هذه الحال و ما عسى أن يبلغ نكايته في عدوه إذا كان عارفا بأنه إن ظفر فمع عار و إن قتل فإلى النار و أنا أذكرك الله الذي جعلته [ 110 ] على نفسك كفيلا و أذكرك نعمتي عليك و على من معك بعد يأسكم من الحياة و إشفائكم على الممات و أدعوك إلى ما فيه حظك و رشدك من الوفاء بالعهد و الاقتداء بآبائك و أسلافك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه و كرهوه فأحمدوا عواقبه و حسن عليهم أثره . و مع ذلك فإنك لست على ثقة من الظفر بنا و بلوغ نهمتك فينا و إنما تلتمس أمرا يلتمس منك مثله و تنادي عدوا لعله يمنح النصر عليك فاقبل هذه النصيحة فقد بالغت في الاحتجاج عليك و تقدمت بالإعذار إليك و نحن نستظهر بالله الذي اعتذرنا إليه و وثقنا بما جعلت لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك و ازدهتك عدة أصحابك فدونك هذه النصيحة فبالله ما كان أحد من أصحابك يبالغ لك أكثر منها و لا يزيدك عليها و لا يحرمنك منفعتها مخرجها مني فإنه ليس يزرى بالمنافع و المصالح عند ذوي الآراء صدورها عن الأعداء كما لا تحسن المضار أن تكون على أيدي الأصدقاء . و اعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مخاطبتي إياك ضعف من نفسي و لا من قلة جنودي و لكني أحببت أن ازداد بذلك حجة و استظهارا فأزداد به للنصر و المعونة من الله استيجابا و لا أوثر على العافية و السلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا . فقال فيروز لست ممن يردعه عن الأمر يهم به الوعيد و لا يصده التهدد و الترهيب و لو كنت أرى ما أطلب غدرا مني إذا ما كان أحد أنظر و لا أشد إبقاء مني على نفسي و قد يعلم الله أنى لم أجعل لك العهد و الميثاق إلا بما أضمرت في نفسي فلا يغرنك الحال التي كنت صادفتنا عليها من القلة و الجهد و الضعف . [ 111 ] فقال أخشنوار لا يغرنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك فإن الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر و إعلان آخر إذا ما كان ينبغي لأحد أن يغتر بأمان أو يثق بعهد و إذا ما قبل الناس شيئا مما كانوا يعطون من ذلك و لكنه وضع على العلانية و على نية من تعقد له العهود و الشروط ثم انصرف . فقال فيروز لأصحابه لقد كان أخشنوار حسن المحاورة و ما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في الدواب فإنه لم يزل قوائمه و لم يرفع حوافره عن مواضعها و لا صهل و لا أحدث شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا . و قال أخشنوار لأصحابه لقد وافقت فيروز كما رأيتم و عليه السلاح كله فلم يتحرك و لم ينزع رجله من ركابه و لا حنى ظهره و لا التفت يمينا و لا شمالا و لقد توركت أنا مرارا و تمطيت على فرسي و التفت إلى من خلفي و مددت بصري فيما أمامي و هو منتصب ساكن على حاله و لو لا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني و إنما أراد بما وصفا من ذلك أن ينشر هذان الحديثان في أهل عسكرهما فيشتغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكرا . فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم فيروز و نصبها على رمح ليراها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره و بغيه و يخرجوا من متابعته على هواه فما هو إلا أن راوها حتى انتقض عسكرهم و اختلفوا و ما تلبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا و قتل منهم خلق كثير و هلك فيروز فقال أخشنوار لقد صدق الذي قال لا مرد لما قدر و لا شي‏ء أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى و اللجاج و لا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها و الصبر على مكروهها و لا أسرع عقوبة و أسوأ عاقبة من البغي و الغدر و لا أجلب لعظيم العار و الفضوح من الأنف و إفراط العجب