جستجو

و من كتاب له ع إلى معاوية

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من كتاب له عليه السّلام الى معاوية و هو الكتاب التاسع من باب المختار من كتبه عليه السّلام و رسائله فأراد قومنا قتل نبيّنا ، و اجتياح أصلنا و همّوا بنا الهموم ، و فعلوا بنا الأفاعيل ، و منعونا العذب ، و أحلسونا الخوف ، و اضطرّونا إلى جبل و عر ، و أوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم اللَّه لنا على الذّبّ عن حوزته ، و الرّمي من وراء حرمته ، مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، و كافرنا يحامي عن الأصل ، و من أسلم من قريش خلو ممّا ----------- ( 1 ) بنا بر نسخه مخزيه : و يا گردن نهادنى كه خوارش گرداند و رسوايش سازد . [ 325 ] نحن فيه بحلف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان أمن . و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا احمرّ الباس ، و أحجم النّاس ، قدّم أهل بيته ، فوقى بهم أصحابه حرّ السّيوف و الأسنّة ، فقتل عبيدة ابن الحارث يوم بدر ، و قتل حمزة يوم أحد ، و قتل جعفر يوم موته ، و أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذي أرادوا من الشّهادة ، و لكنّ آجالهم عجّلت ، و منيّته أجّلت ( أخّرت خ ل ) . فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، و لم تكن له كسابقتي الّتي لا يدلي أحد بمثلها إلاّ أن يدّعي مدّع مالا أعرفه و لا أظنّ اللَّه يعرفه ، و الحمد للَّه على كلّ حال . و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك ، فإنّي نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك ، و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك ، لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، لا يكلّفونك طلبهم في برّ و لا بحر ، و لا جبل و لا سهل ، إلاّ أنّه طلب يسوءك وجدانه ، و زور لا يسرّك لقيانه ، و السّلام لأهله . [ 326 ] « سند الكتاب و نقله على صورته الكاملة و ذكر ما » « وقع من الخلط و الشتات فيه » ما أتى به السيّد رضوان اللَّه عليه من كتابه عليه السّلام هذا فملتقط من كتاب طويل هو من محاسن كتابه عليه السّلام بلا كلام كما سيتلى عليك و الرّضيّ ره أسقط كثيرا من هذا الكتاب و أتى بشر ذمة قليلة منه ، و هذه عادته رضوان اللَّه عليه ، لأنّ غرضه التقاط الفصيح و البليغ من كلامه عليه السّلام . كتبه عليه السّلام إلى معاوية جواب كتابه إليه ، و دفع معاوية كتابه إلى أبي مسلم الخولاني فقدم به على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة و الكتابان مذكوران في كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي المتوفّى في سنّي المائة الثانية من الهجرة ( ص 47 ، الطبع الناصري 1301 ه ) و نقل عنه المجلسي رحمه اللَّه في المجلّد الثامن من البحار ( ص 547 الطبع الكمباني ) و الرّضيّ توفّي سنة 406 من الهجرة . و نحن نورد ما أتى به نصر في كتاب صفين : نصر : عن عمر بن سعد ، عن أبي روق أنّ أبا مسلّم الخولاني قام إلى معاوية في اناس من قراء أهل الشام فقالوا يا معاوية على ما تقاتل عليّا و ليس لك مثل صحبته و لا قرابته و لا سابقته ؟ . قال لهم : ما اقاتل عليّا و أنا أدّعي أنّ لي في الاسلام مثل صحبته و لا هجرته و لا قرابته و لا سابقته ، و لكن خبّروني عنكم ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوما ؟ قالوا : بلى . قال : فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به و لا قتال بيننا و بينه . قالوا : فاكتب كتابا يأتيه بعضنا . فكتب إلى عليّ هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني ، فقدم به على عليّ . ثمّ قام أبو مسلم خطيبا ، فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعدك فانك قد قمت بأمر و تولّيته و اللَّه ما احبّ أنّه لغيرك إن أعطيت الحقّ من نفسك ، إنّ عثمان قتل مسلما محرما مظلوما ، فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا ، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة ، و ألسنتنا لك شاهدة ، و كنت ذا عذر و حجّة . [ 327 ] فقال له عليّ : اغد عليّ غدا فخذ جواب كتابك . فانصرف ثمّ رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه ، فوجد النّاس قد بلغهم الّذي جاء فيه ، فلبست الشيعة أسلحتها ، ثمّ غدوا فملؤوا المسجد و أخذوا ينادون : كلّنا قتل ابن عفّان ، و أذن لأبي مسلم فدخل على عليّ أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتاب معاوية . فقال له أبو مسلم : قد رأيت قوما مالك معهم أمر ، قال : و ما ذاك ؟ . قال : بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجّوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان . فقال عليّ عليه السّلام و اللَّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك ، فخرج بالكتاب و هو يقول : الآن طاب الضراب . « كتاب معاوية الى أمير المؤمنين على عليه السّلام » قال نصر بالسند المقدم : و كان كتاب معاوية إلى عليّ عليه السّلام : بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبيطالب سلام عليك فإنّي أحمد إليك اللَّه الّذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد فإنّ اللَّه اصطفى محمّدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه ، و الرسول إلى خلقه ، و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده اللَّه بهم ، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام . فكان أفضلهم في إسلامه و أنصحهم للّه و لرسوله الخليفة من بعده و خليفة خليفته و الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلّهم حسدت ، و على كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك في نظرك الشزر و في قولك الهجر و في تنفسك الصعداء ، و في إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كلّ منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتّى تبايع و أنت كاره . ثمّ لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان و كان أحقّهم أن لا تفعل ذلك به في قرابته و صهره ، فقطعت رحمه ، و قبّحت محاسنه ، و ألّبت الناس عليه ، و بطنت و ظهرت حتّى ضربت إليه آباط الإبل ، و قيدت إليه الخيل العراب [ 328 ] و حمل عليه السلاح في حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، فقتل معك في المحلّة و أنت تسمع في داره الهائعة لا تردع الظنّ و التهمة عن نفسك فيه بقول و لا فعل . فاقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه النّاس عنه ما عدل بك من قبلنا من النّاس أحد ، و لمحى ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان و البغي عليه . و اخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيواءك قتلة عثمان ، فهم عضدك و أنصارك و يدك و بطانتك ، و قد ذكر لي أنّك تنصّل من دمه ، فان كنت صادقا فأمكنّا من قتلته نقتلهم به و نحن أسرع إليك ، و إلاّ فانّه ليس لك و لا لأصحابك إلاّ السيف . و الّذي لا إله إلاّ هو لنطلبنّ قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البرّ و البحر حتّى يقتلهم اللَّه أو لتلحقنّ أرواحنا باللّه ، و السّلام . « جواب أمير المؤمنين عليه السّلام الى معاوية » قال نصر : فكتب إليه عليّ عليه السّلام : بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ أخا خولان قدم عليّ بكتاب منك تذكر فيه محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و ما أنعم اللَّه عليه به من الهدى و الوحي ، فالحمد للّه الّذي صدّقه الوعد ، و تمّم له النصر و مكّن له في البلاد ، و أظهره على أهل العدى و الشنآن من قومه الّذين و ثبوا به ( و ثبوا عليه خ ل ) و شنفوا له ، و أظهروا له التكذيب ، و بارزوه بالعداوة ، و ظاهروا على إخراجه و على إخراج أصحابه ، و ألّبوا عليه العرب و جامعوهم على حربه ، و جهدوا في أمره كلّ الجهد ، و قلّبوا له الامور حتّى ظهر أمر اللَّه و هم كارهون ، و كان أشدّ النّاس عليه إلبة اسرته و الأدنى فالأدنى من قومه إلاّ من عصمه اللَّه منهم . يا ابن هند فلقد خبّأ لنا الدّهر منك عجبا ، و لقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء اللَّه تعالى في نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و فينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى [ 329 ] هجر ، أو كداعي مسدّده إلى النضال ، و ذكرت أنّ اللَّه اجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده اللَّه بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام ، فكان أفضلهم زعمت ( كما زعمت خ ل ) في الإسلام و أنصحهم للّه و رسوله الخليفة و خليفة الخليفة ، و لعمري إنّ مكانهما من الإسلام لعظيم ، و إنّ المصاب بهما لجرح في الاسلام شديد ، رحمهما اللَّه و جزاهما بأحسن الجزاء . 1 و ذكرت أنّ عثمان كان في الفضل ثالثا ، فان يكن عثمان محسنا فسيجزيه اللَّه بإحسانه ، و إن يكن مسيئا فسيلقى ربّا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره . و لعمر اللَّه 2 إنّي لأرجوا إذا أعطى اللَّه النّاس على قدر فضائلهم في الاسلام و نصيحتهم للّه و لرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . إنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله لمّا دعا إلى الايمان باللّه و التوحيد كنّا أهل البيت أوّل من آمن به و صدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرّمة و ما يعبد اللَّه في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا و اجتياح أصلنا ، و همّوا بنا الهموم ، و فعلوا بنا الأفاعيل . فمنعونا الميرة ، و أمسكوا عنّا العذب ، و أحلسونا الخوف ، و جعلوا علينا الأرصاد و العيون ، و اضطرّونا إلى جبل و عر ، و أوقدوا لنا نار الحرب ، و كتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ، و لا يشاربونا ، و لا يناكحونا ، و لا يبايعونا ، و لا نأمن فيهم حتّى ندفع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيقتلونه و يمثّلوا به ، فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم . فعزم اللَّه لنا على منعه و الذّبّ عن حوزته ، و الرّمي من وراء حرمته ، ----------- ( 1 ) فى البحار : و أنصحهم للّه و لرسوله الخليفة الصديق ، و خليفة الخليفة الفاروق و لعمرى ذكرت أمرا ان تم اعتزلك كله و ان نقص لم يلحقك ثلمة ، و ما انت و الصديق فالصديق من صدق بحقنا و أبطل باطل عدونا ، و ما انت و الفاروق فالفاروق من فرق بيننا و بين أعدائنا و ذكرت أن عثمان كان فى الفضل الخ ، منه . ----------- ( 2 ) فى البحار : و لعمرى انى لارجو . منه [ 330 ] و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف و اللّيل و النهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب و كافرنا يحامي به عن الأصل . فأمّا من أسلم من قريش بعد فانّهم ممّا نحن فيه أخلياء فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه ، فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة و أمن ، فكان ذلك ما شاء اللَّه أن يكون . ثمّ أمر اللَّه رسوله بالهجرة ، و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمرّ البأس و دعيت نزال ، أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى أصحابه بهم حرّ الأسنّة و السيّوف . فقتل عبيدة يوم بدر ، و حمزة يوم احد ، و جعفر و زيد يوم موتة ، و أراد للّه من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذي أرادوا من الشهادة مع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله غير مرّة إلاّ أنّ آجالهم عجّلت ، و منيّته اخّرت ، و اللَّه وليّ الإحسان إليهم ، و المنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات . فما سمعت بأحد و لا رأيت فيهم من هو أنصح للّه في طاعة رسوله ، و لا أطوع لرسوله في طاعة ربّه ، و لا أصبر على اللأواء و الضرّاء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من هؤلاء النفر الّذين سمّيت لك ، و في المهاجرين خير كثير نعرفه جزاهم اللَّه بأحسن أعمالهم . و ذكرت ( فذكرت خ ل ) حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم بغيي عليهم ، فأمّا البغي فمعاذ اللَّه أن يكون . و أمّا الإبطاء عنهم و الكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى النّاس ، لأنّ اللَّه جلّ ذكره لمّا قبض نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله قالت قريش : منّا أمير و قالت الأنصار : منّا أمير ، فقالت قريش : منّا محمّد رسول اللَّه فنحن أحقّ بذلك الأمر ، فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية و السلطان فاذا استحقّوها بمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله دون الأنصار فإنّ أولى النّاس بمحمّد صلّى اللَّه عليه و آله أحقّ بها منهم و إلاّ فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقّي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوز اللَّه عنهم . [ 331 ] و أمّا ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه ، فانّ عثمان عمل ما بلغك ، فصنع النّاس ما قد رأيت ، و قد علمت أنّي كنت في عزلة عنه إلاّ أن تتجنّى فتجنّ ما بدالك . و أمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإنّي نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينيه ، فلم أرد فعهم إليك و لا إلى غيرك ، و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك و لا يكلّفونك أن تطلبهم في برّ و لا بحر و لا جبل و لا سهل و قد كان أبوك أتاني حين ولّى النّاس أبا بكر فقال : أنت أحقّ بعد محمّد صلّى اللَّه عليه و آله بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ، ابسط يدك ابايعك فلم أفعل . و أنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك و أراده حتّى كنت أنا الّذي أبيت لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام ، فأبوك كان أعرف بحقّي منك فإن تعرف من حقّي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، و إن لم تفعل ، فسيغني ( فسيغنيني ظ ) اللَّه عنك و السّلام . انتهى كتابه الشريف برمّته على ما أتى به نصر في صفين و إذا قايست بينه و بين ما نقله الرّضيّ رضوان اللَّه عليه في النهج يظهر لك أنّه ره أسقط كثيرا من فصول الكتاب و نقل في النهج طائفة منه . ثمّ يوجد بعض فقرات هذا الكتاب في الكتاب الثامن و العشرين من هذا الباب أوّله قوله : و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية جوابا و هو من محاسن الكتاب ، أمّا بعد فقد أناني كتابك تذكر فيه اصطفاء الخ . اللغة ( الاجتياح ) اجوف واويّ يقال : جاحه من باب قال و اجتاحه بمعنى أي أهلكه و استأصله . و الجوح : الاستيصال و الاهلاك . ( الهمّ ) بالفتح : واحد الهموم أي القصد ، أو ما تجيل لفعله و إيقاعه فكرك و الهم أيضا مصدر هممت بالشي‏ء من باب نصر إذا نويته و عزمت عليه و قصدته . ( الفعل ) بالكسر اسم الحدث جمعه فعال مثل قدح و قداح و يجمع على الأفعال أيضا ، و يجمع الأفعال على الأفاعيل . و قيل : الأفاعيل جمع أفعولة و هي [ 332 ] الفعل الذّمّي و يقال لمن أثر آثارا منكرة : فعل الأفاعيل . ( العذب ) بفتح أوّله و سكون ثانيه : قال الراغب : ماء عذب : طيّب بارد قال تعالى : « هذا عذب فرات سائغ شرابه الفاطر 12 » . عذب الماء عذوبة من باب شرف : ساغ مشربه فهو عذوب و استعذبته رأيته عذبا و جمعه عذاب مثل سهم و سهام . و العذب أيضا : المستساغ من الطّعام . و الطيّب من العيش . ( أحلسونا الخوف ) قال المرزوقي في شرح الحماسة : الحلس واحد من أحلاس البيت . قال : قال الخليل : و هو ما يبسط تحت حرّ المتاع من مسح و جوالق و نحوهما . و في الصحاح عن الأصمعي : الحلس للبعير و هو كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، و أحلاس البيوت ما يبسط تحت حرّ الثياب . و في الحديث : كن حلس بيتك ، أي لا تبرح ، و قولهم : نحن أحلاس الخيل أي نقتنيها و نلزم ظهورها ، و أحلست البعير أي ألبسته الحلس ، و أحلست فلانا يمينا إذا أمررتها عليه . و أحلست السماء أي مطرت مطرا دقيقا دائما . و في النهاية الأثيرية : و في حديث الفتن عدّ منها فتنة الأحلاس ، الأحلاس جمع حلس و هو الكساء الّذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، شبّهها به للزومها و دوامها و منه حديث أبي موسى قالوا : يا رسول اللَّه فما تأمرنا ؟ قال : كونوا أحلاس بيوتكم أي ألزموها . و منه حديث أبي بكر : كن حلس بيتك حتّى يأتيك يد خاطئة أو منيّة قاضية . فتحصّل ممّا قدّمنا في الحلس أنّ المراد من قوله عليه السّلام « أحلسونا الخوف » أنّهم جعلوا الخوف لهم كالحلس أي جعلوه ملازما لهم من حيث إنّ الحلس ملازم ظهر البغير ، و أحلاس البيوت ملازمة لها . أو أنّهم ألبسوهم الخوف و هذا كالأوّل يفيد أنّهم ألزموهم الخوف . ( وعر ) بفتح أوّله و سكون ثانيه : المكان الصلب الغليظ ضدّ السهل ، يقال و عر و طريق و عر و مطلب و عر و يقال بالفارسية : دشوار و سخت . قالت كنزة [ 333 ] ( الحماسة 241 ) : لهفي على القوم الّذين تجمّعوا بذي السّيد لم يلقوا عليّا و لا عمرا فان يك ظنّي صادقا و هو صادقي بشمله يحبسهم بها محبسا وعرا و الوعر أيضا : المكان المخيف الوحش . و الجبل الوعر : الصعب المرتقى . ( الذبّ ) : الدّفع و المنع . ( حوزته ) في الصحاح : الحوزة : الناحية و حوزة الملك بيضته . ( الحرمة ) كلقمة : ما لا يحلّ انتهاكه . ( يبغي ) أي يطلب . و منه قوله صلّى اللَّه عليه و آله : ألا إنّ اللَّه يحبّ بغاة العلم ( ج 1 من الوافي ص 36 ) أي طلاّبه جمع باغ كهداة و هاد . ( أحجم النّاس ) أي نكصوا و تأخّروا هيبة و كفّوا عن الحرب قال الجوهريّ : حجمته عن الشي‏ء أحجمه بالضمّ أي كففته عنه ، يقال : حجمته عن الشي‏ء فأحجم أي كففته فكفّ ، و هو من النوادر مثل كببته فأكبّ . ( لم يسع ) من السعي . ( لا يدلى ) واويّ من دل و ، يقال : أدلى برحمه أي توسّل بقرابته ، و أدلى بحجّته أي أحضرها و احتجّ بها . و أدلى إلى الحاكم بمال أي دفعه إليه ليجعله وسيلة إلى قضاء حاجته منه و في القرآن الكريم : « و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و ندلوا بها إلى الحكّام » ( البقرة 189 ) و الأصل في ذلك من دلوت الدلو و أدليتها ثمّ استعير للتوصّل إلى الشي‏ء . و في الشفاعة يقال : دلوت بفلان أي استشفعت به و لا يقال حينئذ أدليت به . قال عصام بن عبيد اللَّه كما في الحماسة ( الحماسة 402 ) و على ما في البيان و التبيين ( ص 316 ج 2 ) قال همّام الرّفاشي : فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت بباب قصرك أدلوها بأقوام قال المرزوقيّ في معناه : إذا اتّفق ما لا بدّ لي منك و من معونتك من حاجة أو عارض سبب فانّي معتمد على غيري في التنجّز و الاستعساف ، و معنى « أدلوها » من قولك دلوت الدلو إذا أخرجتها من البئر ، أي أتسبّب بغيري و أصون من التبذّل عرضي . ( لعمري ) العمر بالفتح : الحياة و الدّين ، قال في أقرب الموارد : و منه [ 334 ] لعمري في القسم أي لديني . ( لم تنزع عن غيّك ) النزع عن الشي‏ء : الكفّ عنه . ( الغيّ ) : الضلال ( الشقاق ) الخلاف . التكليف : الأمر بما يشقّ عليك من الكلفة بمعنى المشقّة . ( زور ) بالفتح جاء مصدرا و غير مصدر و على الثاني يستوي فيه المفرد و المثّنى و الجمع و المذكّر و المؤنّث . يقال : رجل زور و قوم زور و نساء زور . قال الجوهريّ الزّور ، الزائرون يقال : رجل زائر و قوم زور و زوار مثل سافر و سفر و سفار ، و نسوة زور أيضا . زاره زورا من باب قال : أتاه بقصد الإلتقاء به . قال زياد بن حمل كما في كتاب الحماسة لأبي تمام الطائي ( الحماسة 577 ) أو زياد بن منقذ كما قاله الجوهريّ في مادّة قزم من الصحاح : زارت رويقة شعثا بعد ما هجعوا لدى نواحل في أرساغها الخدم و قمت للزّور مرتاعا و أرّقني فقلت أهي سرت أم عادني حلم و الأصل في ذلك زرت فلانا أى تلقّيته بزوري أو قصدت زوره نحو و جهته و الزّور أعلى الصدر . ( لقيان ) بضمّ اللاّم و كسرها مصدر من لقيت فلانا من باب علم أي صادقته و رأيته . الاعراب الضميران في حوزته و حرمته يرجعان إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كما يدلّ عليه سياق الكلام ، و قوله عليه السّلام بعد ذلك « و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف و اللّيل و النهار » على ما مرّ في ذكر سند الكتاب . « و من أسلم » الواو للحال فالجملة حاليّة ، أصحابه مفعول لفعل وقى و حرّ السيوف مفعول ثان له . قوله عليه السّلام « أراد من » من فاعل أراد ، و مثل الّذى مفعوله و الضمير في منيّته راجع إلى من ، و في أرادوا و آجالهم إلى عبيدة و من بعده ، و كلمة من في [ 335 ] من الشهادة بيانيّة تبيّن المثل . و العمر بالفتح و الضمّ و إن كانا مصدرين بمعنى إلاّ أنّ المفتوح منهما يستعمل في القسم ، فاذا أدخلت عليه اللام رفعته بالإبتداء و اللاّم لتوكيد الابتداء و الخبر محذوف و التقدير لعمري قسمي أو ما أقسم به ، فان لم تأت باللام نصبته نصب المصادر و فتحة الفاء في « لتعرفنّهم » ليست علامة النصب ، بل هي لمكان النون المشدّدة المؤكّدة ، لأنّ آخر الفعل المخاطب المذكّر إذا كان مؤكّدا بنوني التأكيد يفتح لئلاّ يلتبس بالجمع المذكّر و المفرد المؤنّث إذا كانا مؤكّدين بهما . و اختلف في هذه الفتحة فقال ابن السّراج و المبرّد و الفارسي : بناء للتركيب و قال سيبويه و السيرافي و الزّجاج : عارضة للساكنين و هما آخر الفعل و النون الأولى ، و محلّ يطلبونك النصب مفعولا ثانيا لتعرفنّهم بمعنى لتعلمنّهم . « طلبهم » منصوب ، أي لا يكلّفونك في طلبك إيّاهم في برّ و لا بحر الخ . « لقيانه » الضمير فيه راجع إلى الزور فان كان الزور مصدرا كما هو الظاهر من سياق الكلام حيث جعل قبال الطلب فالأمر ظاهر ، و إن كان اسم جمع بمعنى الزائرين فإفراد الضمير باعتبار إفراد لفظ الزور ، و هذا لا يخلو من تكلّف . المعنى قد أشار عليه السّلام في هذا الكتاب المستطاب إلى طائفة من فضائله و حماية أهل بيت النبيّ من المسلم و الكافر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عن الأعداء ، و إلى نبذة ممّا دار بين المسلمين و المشركين و غيرها ممّا سنتلوها عليك . و قد أجاب عليه السّلام عن كلّ فصل من كتاب معاوية بفصل و ذلك لما يلي : قوله عليه السّلام : ( بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من عليّ أمير المؤمنين إلى قوله إلاّ من عصمه اللَّه منهم ) قد أشار في هذا الفصل بعد حمد اللَّه و ثنائه إلى ما فعل أهل العدى و الشنآن من قومه صلّى اللَّه عليه و آله به حيث كذّبوه و بارزوه بالعداوة و شنفوا له أي أبغضوه حتّى ظاهروا على إخراجه من مكّة و حرّضوا العرب على حربه صلّى اللَّه عليه و آله ، و لم يقصّروا في شي‏ء كان يؤذيه من قول أو فعل إلاّ فعلوه ، و كانت عداوتهم به صلّى اللَّه عليه و آله و اغرة في [ 336 ] صدورهم حتّى أجمعوا في قتله ، و لكنّ اللَّه تعالى صدّقه الوعد ، و تمّم له النصر و مكّن له في البلاد ، و أظهره عليهم ، قال : عزّ من قائل « كتب اللَّه لأغلبنّ أنا و رسلي إنّ اللَّه قويّ عزيز » ( المجادلة 22 ) . ثمّ ذكر أنّ اسرته أي أهله كانوا أشدّ النّاس به صلّى اللَّه عليه و آله إلبة و عداوة ، و فيه تعريض بما فعل أبو سفيان و شيعته به صلّى اللَّه عليه و آله من أنحاء الايذاء و أنواع المعاداة ، و كان أبو سفيان يحثّ النّاس و يحرّضهم على قتاله و قتله . ثمّ استثنى عليه السّلام من الاسرة من عصمهم اللَّه ، أي حفظهم و وقاهم من إيذائه صلّى اللَّه عليه و آله ، بل وفّقهم اللَّه بنصره و عزم لهم على منعه و الذّبّ عن حوزته و المراد من قوله عليه السّلام : « إلاّ من عصمهم اللَّه منهم » هو من عصمهم اللَّه بالاسلام منهم و كانوا يومئذ قليلين ، كما في السيرة الهشاميّة ( ص 264 ج 1 طبع مصر 1375 ه ) قال ابن اسحاق : فلمّا بادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قومه بالاسلام و صدع به كما أمره اللَّه لم يبعد منه قومه ، و لم يردّوا عليه فيما بلغني حتّى ذكر آلهتهم و عابها فلمّا فعل ذلك أعظموه و ناكروه و أجمعوا على خلافه و عداوته إلاّ من عصم اللَّه تعالى منهم بالإسلام و هم قليل مستخفون . أو أراد بمن عصمهم اللَّه نفسه و أباه أبا طالب و العباس و حمزة ممّن حدب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قام دونه و وقاه عن أذى النّاس و حماه و إن لم يكن بعضهم أسلم بعد كما سيتّضح لك بعيد هذا . قوله عليه السّلام : ( يا ابن هند فلقد إلى قوله : أن يغفره ) أجاب عليه السّلام بهذا الفصل عمّا كتب إليه معاوية من : « أنّ اللَّه تعالى اجتبى له صلّى اللَّه عليه و آله من المسلمين أعوانا أيّده اللَّه بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام » . غرضه أنّ هذا الأمر كان له عليه السّلام أوضح و أبين ، و أنّه عليه السّلام كان أعلم به من غيره ، لأنّه عليه السّلام كان صاحب لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في كلّ زحف و كان أوّل من آمن به ، و أوّل من صلّى معه ، و ما رأى أحد من المسلمين مثل عنائه في الحروب و لم يشركه أحد في حماية الدين و الذبّ عن حوزته و في خذلان أهل الكفر و العدوان [ 337 ] و إرغام شيعة الشيطان . و العجب من معاوية يخبره عليه السّلام بذلك و لم يكن له سعي في الدّين و لذا قال له الأمير عليه السّلام تهكّما به : يا ابن هند فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا . قوله عليه السّلام : « كجالب التمر إلى هجر » مثل يضرب به لمن يجي‏ء بالعلم إلى من هو أعلم منه ، و يأتي بشي‏ء إلى من كان أصل ذلك الشي‏ء عنده ، كما يقال بالفارسيّة : لقمان را حكمت آموخت ، قطره بدريا فرستاد ، زيره بكرمان برد خرما بعربستان فرستاد ، و لا ريب أنّ هذا العمل خطاء و عامله مخطى‏ء . قال الميدانيّ في فصل الكاف المفتوحة من الباب الثاني و العشرين من مجمع الأمثال في بيان مثل « كمستبضع التمر إلى هجر » : قال أبو عبيدة : هذا من الأمثال المبتذلة و من قديمها و ذلك أنّ هجر معدن التمر و المستبضع إليه مخطى‏ء ، و يقال أيضا : كمستبضع التمر إلى خيبر . قال النابغة الجعدي : و إنّ امرءا أهدى إليك قصيدة كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا و هجر محرّكة اسم بلد معروف باليمن . و قال آخر : أهدى كمستبضع تمرا إلى هجر أو حامل و شي‏ء أبراد إلى يمن و قوله عليه السّلام : « أو كداعي مسدّده إلى النضّال » مثل كالأوّل ، أي كمن يدعو من يعلّمه الرّمي إلى المناضلة أي المراماة . و الغرض أنّ إخبار معاوية أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام بأنّ اللَّه اجتبى للرسول أعوانا من المسلمين أيّده اللَّه بهم ، كمن جلب التمر إلى هجر أو كمن دعى مسدّده إلى النضال ، لأنّه عليه السّلام كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ظهيرا في كلّ شدّة و عناء من ابتداء دعوته صلّى اللَّه عليه و آله إلى الاسلام إلى لقائه الملك العلاّم . و لذا قال عليه السّلام : يا ابن هند فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا ، و لقد قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء اللَّه تعالى في نبيّه محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و فينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر الخ ، و لا يخفى لطف كلامه عليه السّلام . قوله عليه السّلام : « و لعمر اللَّه إنّى لأرجو إلى قوله : نصيبنا في ذلك الأوفر » [ 338 ] معنى لعمر اللَّه ، أحلف ببقاء اللَّه و دوامه ، و الغرض من هذا الفصل جواب عمّا قال معاوية « من أنّ اللَّه اجتبى للرسول صلّى اللَّه عليه و آله أعوانا إلى قوله : على قدر فضائلهم في الاسلام » . و لمّا كان أمير المؤمنين عليه السّلام عونا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في الشدائد ، و لم يبلغ إلى رتبة حمايته عن الدّين و لا إلى قدر فضيلته في الاسلام وزنة نصيحته للّه و لرسوله أحد ، و لا اخال إنسانا ينكرها ، قال عليه السّلام : إنّي لأرجوا إذا أعطى اللَّه الناس على قدر فضائلهم في الاسلام و نصيحتهم للّه و رسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر . قال المسعوديّ في مروج الذّهب ( ص 49 ج 2 طبع مصر 1246 ه ) : و الأشياء الّتي استحقّ بها أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الفضل هي السبق إلى الإيمان ، و الهجرة ، و النصرة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و القربى منه ، و القناعة ، و بذل النفس له و العلم بالكتاب و التنزيل ، و الجهاد في سبيل اللَّه ، و الورع ، و الزهد ، و القضاء و الحكم ، و العفّة ، و العلم ، و كلّ ذلك لعليّ عليه السّلام منه النصيب الأوفر و الحظّ الأكبر مضافا إلى ما ينفرد به من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حين آخى بين أصحابه : أنت أخي ، و هو صلّى اللَّه عليه و آله لا ضدّ له و لا ندّ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه ، ثمّ دعاه صلّى اللَّه عليه و آله و قد قدّم إليه أنس الطائر : اللّهمّ ادخل إليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فدخل عليه عليّ عليه السّلام إلى آخر الحديث ، فهذا و غيره من فضائله . قوله عليه السّلام : « إنّ محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله لما دعى الى الإيمان باللّه و التوحيد كنّا أهل البيت أوّل من آمن به و صدّق بما جاء به » توافرت الأخبار من الفريقين أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام كان أوّل ذكر أسلم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أوّل من كان صلّى معه صلّى اللَّه عليه و آله . هذا لو سلّمنا أنّه عليه السّلام لم يكن أوّل من أسلم معه فقد قال أبو جعفر الطبريّ في التاريخ ( ص 56 ج 2 ) : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا وكيع عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي حمزة مولى الأنصار ، عن زيد بن أرقم قال : [ 339 ] أوّل من أسلم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عليّ بن أبيطالب عليه السّلام . و بهذا الاسناد عن زيد بن أرقم يقول : أوّل رجل صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عليّ عليه السّلام . و في السيرة الهشاميّة ( ص 245 ج 1 ) : قال ابن اسحاق : ثمّ كان أوّل ذكر من النّاس آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و صلّى معه و صدّق بما جاءه من اللَّه تعالى : عليّ بن أبيطالب بن عبد المطلب بن هاشم رضوان اللَّه و سلامه عليه ، و هو يومئذ ابن عشر سنين . و في السيرة الحلبيّة ( ص 303 ج 1 ) : في المرفوع عن سلمان أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : أوّل هذه الامّة ورودا عليّ الحوض أوّلها اسلاما عليّ بن أبيطالب عليه السّلام . و قال أبو جعفر الطبري في التاريخ : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا إبراهيم ابن المختار عن شعبة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس قال : أوّل من صلّى عليّ . و قال أيضا : حدّثنا زكريا بن يحيى الضرير قال : حدّثنا عبد الحميد بن بحر قال : أخبرنا شريك عن عبد اللَّه بن محمّد بن عقيل ، عن جابر قال : بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الاثنين و صلّى عليّ يوم الثلاثاء . و قال اليعقوبي في التاريخ : ( ص 17 ج 2 ) : كان أوّل من أسلم خديجة بنت خويلد من النساء ، و عليّ بن أبيطالب من الرّجال . و قال أبو جعفر الطبري ( ص 56 ج 2 ) : حدّثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدّثنا عبيد اللَّه بن موسى قال : أخبرنا العلاء عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد اللَّه قال : سمعت عليا عليه السّلام يقول : أنا عبد اللَّه ، و أخو رسوله ، و أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر ، صلّيت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قبل الناس بسبع سنين . و قال : حدّثني محمّد بن عبيد المحاربي قال : حدّثنا سعيد بن خثيم عن أسد بن عبدة البجلي ، عن يحيى بن عفيف ، عن عفيف قال : جئت في الجاهليّة إلى مكّة فنزلت على العبّاس بن عبد المطلب قال : فلمّا طلعت الشمس و حلقت في السّماء و أنا أنظر إلى الكعبة أقبل شابّ فرمى ببصره إلى السماء ، ثمّ استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتّى جاء غلام فقام عن يمينه ، قال : فلم يلبث حتّى جاءت امرأة فقامت [ 340 ] خلفهما ، فركع الشابّ فركع الغلام و المرأة ، فرفع الشابّ فرفع الغلام و المرأة فخرّ الشابّ ساجدا فسجدا معه . فقلت : يا عباس أمر عظيم فقال : أمر عظيم ، أتدري من هذا ؟ فقلت : لا . قال : هذا محمّد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب ، ابن أخي ، أتدري من هذا معه ؟ قلت : لا . قال : هذا عليّ بن أبيطالب بن عبد المطلب ، ابن أخي . أتدري من هذه المرأة الّتي خلفهما ؟ قلت : لا . قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي و هذا حدّثني إنّ ربّك ربّ السّماء أمرهم بهذا الّذي تراهم عليه و أيم اللَّه ما أعلم على ظهر الأرض كلّها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة . أقول : و قد رواه ابن الأثير في اسد الغابة في ترجمة عفيف هذا و هو عفيف الكندي . بيان : قوله : استقبل الكعبة ، و اعلم أنّ الكعبة زادها اللَّه شرفا لم تكن عندئذ قبلة ، و أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله صلّى إلى بيت المقدس بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة بمكّة و تسعة عشر شهرا بالمدينة ، ثمّ صرفه اللَّه تعالى عن البيت المقدس إلى الكعبة . و في السيرة الهشاميّة ( ص 606 ج 1 طبع مصر 1375 ه ) . قال ابن اسحاق : و يقال : صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة . و في إزاحة العلّة في معرفة القبلة لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمّي : قال معاوية بن عمّار : قلت لأبيعبد اللَّه عليه السّلام : متى صرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى الكعبة ؟ قال : بعد رجوعه من بدر و كان يصلّي بالمدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثمّ أعيد إلى الكعبة . و في القانون المسعودي للعلامة أبي الريحان البيروني ( ص 256 ج 1 طبع حيدر آباد الدكن ) : صرف القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة لصلاة العصر كان في اليوم السادس عشر من شعبان . و قول عفيف بأنّه صلّى اللَّه عليه و آله قام للصلاة مستقبل الكعبة يوافق ما روي أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله طول مقامه بمكّة كان يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس إذا أمكن كما [ 341 ] رواه الشيخ الجليل في الاحتجاج باسناده إلى أبي محمّد العسكري عليه السّلام . و في السيرة النبويّة لابن هشام : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بمكّة و قبلته إلي الشام فكان إذا صلّى بين الركن اليماني و الحجر الأسود ، و جعل الكعبة بينه و بين الشام ( ص 298 ج 1 طبع مصر 1375 ه ) . و لنا رسالة مفردة في الوقت و القبلة أتينا فيها بجميع ما يجب أن يعلم فيهما من طرق معرفة خط الزوال تنتهي إلى ثلاثين طريقا ، و طرق تحصيل سمت القبلة و بيان أخبارهما و غيرها ببراهين هندسيّة و أدلّة فقهيّة ما إخال بغاة العلم يستغنون عنها أو يبغون لها بدلا . و قال أبو جعفر الطبريّ : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة عن ابن اسحاق قال : كان أوّل ذكر آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عليّ بن أبيطالب و هو يومئذ ابن عشر سنين و كان ممّا أنعم اللَّه به على عليّ بن أبيطالب عليه السّلام أنّه كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قبل الإسلام . و قد تظافرت الأخبار بأنّه عليه السّلام قد ربّي في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قبل الاسلام ففي السيرتين و تاريخ الطبري و غير واحد من الكتب المدوّنة في ذلك من الفريقين و قد أتى أبو جعفر الطبريّ بما أتى به ابن هشام في السيرة من غير تغيير . قال الطبريّ : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثني محمّد بن إسحاق قال . فحدّثني عبد اللَّه بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال : كان من نعمة اللَّه على عليّ بن أبيطالب و ما صنع اللَّه له و أراده به من الخير أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذاعيال كثير فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله للعبّاس عمّه و كان من أيسر بني هاشم : يا عباس إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال و قد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنحفّف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا و تأخذ من بنيه رجلا فنكفهما عنه . قال العباس : نعم فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب فقالا : إنّا نريد أن نخفّف [ 342 ] عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه . فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ماشئتما ، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عليّا فضمّه إليه ، و أخذ العباس جعفرا فضمّه إليه ، فلم يزل عليّ بن أبيطالب مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حتّى بعثه اللَّه نبيّا فاتبعه عليّ فآمن به و صدّقه ، و لم يزل جعفر عند العباس حتّى أسلم و استغنى عنه . و قال : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : فحدّثني محمّد بن إسحاق قال : و ذكر بعض أهل العلم أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا حضرت الصّلاة خرج إلى شعاب مكّة و خرج معه عليّ بن أبيطالب مستخفيا من عمّه أبيطالب و جميع أعمامه و سائر قومه ، فيصلّيان الصلوات فيها ، فاذا أمسيا رجعا ، فمكثا كذلك ما شاء اللَّه أن يمكثا . ثمّ إنّ أبا طالب عثر عليهما يوما و هما يصلّيان ، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : يا ابن أخي ما هذا الدّين الّذي أراك تدين به ؟ قال : أي عمّ هذا دين اللَّه و دين ملائكته و دين رسله و دين أبينا إبراهيم ، أو كما قال صلّى اللَّه عليه و آله بعثني اللَّه به رسولا إلى العباد و أنت يا عمّ أحقّ من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحقّ من أجابني إليه و أعانني عليه ، أو كما قال ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي إنّى لا أستطيع أن افارق ديني و دين آبائي و ما كانوا عليه ، و لكن و اللَّه لا يخلص إليك بشي‏ء تكرهه ما حييت انتهى ما رواه أبو جعفر عن ابن اسحاق و في السيرة الهشاميّة أتى بمثل ما أتى به الطبريّ إلاّ أنّ فيه « ما بقيت » مكان « ما حييت » يعني أنّ أبا طالب قال له صلّى اللَّه عليه و آله و لكن لا يوصل إليك مكروه مادام لي الحياة و البقاء ، أي أدفع عنك شرّ النّاس و أذاهم ، و سنشير إلى إسلام أبيطالب إنشاء اللَّه تعالى . و في السيرة و تاريخ الطبري : ذكروا أنّ أبا طالب قال لعليّ عليه السّلام : أي بنيّ ما هذا الدّين الّذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبت ، آمنت باللّه و برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و صدّقته بما جاء به ، و صلّيت معه للّه و اتّبعته ، قالا : فزعموا أنّه قال له : أما إنّه لم يدعك إلاّ إلى خير فالزمه . [ 343 ] في الإرشاد للمفيد قدّس سرّه : فأمّا مناقب أمير المؤمنين علي عليه السّلام الغنيّة لشهرتها و تواتر النقل بها و إجماع العلماء عليها عن إيراد أسانيد الأخبار فهي كثيرة يطول بشرحها الكتاب ، و في رسمنا منها طرفا كفاية عن ايراد جميعها في الغرض الّذي وضعنا له هذا الكتاب إن شاء اللَّه تعالى . فمن ذلك أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله جمع خاصّة أهله و عشيرته في ابتداء الدّعوة إلى الإسلام ، فعرض عليهم الايمان ، و استنصرهم على أهل الكفر و العدوان ، و ضمن لهم على ذلك الحظوة في الدّنيا و الشرف و ثواب الجنان ، فلم يجبه أحد منهم إلاّ أمير المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السّلام ، فنحله بذلك تحقيق الاخوّة و الوزارة ، و الوصيّة و الوراثة و الخلافة ، و أوجب له به الجنّة . و ذلك في حديث الدّار الّذي أجمع على صحّته نقّاد ( نقلة خ ل ) الآثار حين جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بني عبد المطلّب في دار أبيطالب و هم أربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة ، و أمر أن يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مدّ من برّ و يعدّ لهم صاع من اللّبن ، و قد كان الرجل منهم معروفا بأكل الجذعة في مقام واحد و بشرب الفرق من الشراب في ذلك المقعد . فأراد عليه و آله السّلام باعداد قليل الطّعام و الشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم و ريّهم ممّا كان لا يشبع واحدا منهم و لا يرويه ، ثمّ أمر بتقديمه لهم فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتّى تملّوا منه و لم يبن ما أكلوه منه و شربوه فيه فبهرهم بذلك و بيّن لهم آية نبوّته و علامة صدقه ببرهان اللَّه تعالى فيه . ثمّ قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام و رووا من الشراب : يا بني عبد المطلب إنّ اللَّه بعثني إلى الخلق كافّة و بعثني إليكم خاصّة فقال « و أنذر عشيرتك الأقربين » و أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللّسان ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب و العجم ، و تنقاد لكم بهما الأمم ، و تدخلون بهما الجنّة ، و تنجون بهما من النّار : شهادة أن لا إله إلاّ اللَّه و أنّي رسول اللَّه . فمن يجيبني إلى هذا الأمر و يوازرني عليه و على القيام به يكن أخي و وصيّي [ 344 ] و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي . فلم يجبه أحد منهم . فقال أمير المؤمنين : فقمت بين يديه من بينهم و أنا إذ ذاك أصغرهم سنّا ، و أحمشهم ساقا ، و أرمصهم عينا ، فقلت : أنا يا رسول اللَّه اوازرك على هذا الأمر . فقال صلّى اللَّه عليه و آله : اجلس . ثمّ أعاد القول على القوم ثانية فأصمتوا ، فقمت أنا و قلت مثل مقالتي الاولى ، فقال : اجلس ثمّ أعاد القول على القوم ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت و قلت : أنا اوازرك يا رسول اللَّه على هذا الأمر ، فقال : اجلس فأنت أخي و وصيّي و وزيرى و وارثي و خليفتي من بعدي . فنهض القوم و هم يقولون لأبيطالب : يا أبا طالب ليهنئك اليوم ان دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا عليك . ثمّ قال ره : و هذه منقبة جليلة اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السّلام و لم يشركه فيها أحد من المهاجرين الأوّلين و لا الأنصار و لا أحد من أهل الاسلام ، و ليس لغيره عدل لها من الفضل ، و لا مقارب على حال ، و فى الخبر بها ما يفيد أنّ به عليه السّلام تمكّن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من تبليغ الرسالة ، و إظهار الدعوة ، و الصدع بالإسلام ، و لولاه لم تثبت الملّة ، و لا استقرّت الشريعة ، و لاظهرت الدّعوة . فهو عليه السّلام ناصر الإسلام ، و وزير الدّاعي إليه من قبل اللَّه عزّ و جلّ ، و بضمانه لنبيّ الهدى عليه و آله السّلام النصرة تمّ له في النبوّة ما أراد و في ذلك من الفضل ما لا يوازنه الجبال فضلا ، و لا تعادله الفضائل كلّها محلا و قدرا . انتهى كلامه ره في الإرشاد . تنبيه ما نقله المفيد رحمه اللَّه في الإرشاد أتى به أبو جعفر الطبريّ في التاريخ فراجع إلى ص 62 ج 2 منه ، فتبصّر أنّ خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان من بدء الأمر متعيّنا و صرّح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بأنّ عليّا عليه السّلام هو أخوه و وصيّه و وزيره و وارثه و خليفته من بعده فمن قال بغيره فقد سلك غير سبيل اللَّه و رسوله . و قال ابن الأثير في اسد الغابة : و هو يعني أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام أوّل الناس [ 345 ] إسلاما في قول كثير من العلماء على ما نذكره إلى أن قال : حدّثنا محمّد بن عيسى حدّثنا محمّد بن بشار و ابن مثنى قالا : حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة رجل من الأنصار ، عن زيد بن أرقم قال : اوّل من أسلم عليّ . و روى باسناده عن ابي بلخ عن ابن عباس قال : اوّل من أسلم عليّ . و باسناده عن انس بن مالك قال : بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الإثنين و أسلم عليّ يوم الثلاثاء . و باسناده عن حبّة العرني قال : سمعت عليّا يقول : أنا أوّل من صلّى مع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و باسناده عن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : لقد صلّت الملائكة عليّ و على عليّ سبع سنين و ذاك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره . و الروايات من الفريقين في أنّه عليه السّلام كان أوّل من أسلم و أوّل من صلّى معه صلّى اللَّه عليه و آله أكثر من أن يحصى . فان قلت : قد توجد روايات في أنّ أبا بكر كان أوّل من أسلم فكيف التوفيق ؟ قلت : من تتبّع الجوامع علم أنّ المسلّم عند الفحول من المحقّقين هو ما قدّمنا و من ذهب إلى خلافه فحجّته داحضة بلا مرية و ريب ، و لم يرض أحد ممّن جانب المراء و التعصّب بتقدّم إسلام أبي بكر ، و كفاك في ذلك قول جلّ من كبار أهل السنّة بردّ من وهم ذلك . قال الحلبيّ الشافعيّ في كتابه انسان العيون في سيرة الأمين و المأمون المعروف بالسيرة الحلبيّة ( ص 311 ج 1 ) بعد ما ذهب إلى أنّه عليه السّلام كان أوّل من أسلم : و قول بعض الحفّاظ أنّ أبا بكر أوّل النّاس إسلاما هو المشهور عند الجمهور من أهل السنّة لا ينافي ما تقدّم من أنّ عليّا أوّل الناس إسلاما بعد خديجة ، ثمّ مولاه زيد بن حارثة ، لأنّ المراد أوّل رجل بالغ ليس من الموالي أبو بكر ، و من الصبيان عليّ و من النساء خديجة ، و من الموالي زيد بن حارثه ، إلى آخر ما قال . [ 346 ] ثمّ إنّ إسلامه عليه السّلام و هو ابن عشر سنين أو ابن خمس عشر سنة ، أو ابن ثمان سنين و إن كان الأخير فما دونه يخالف المشهور و يضادّ المعروف و روايته شاذّة مطرودة إنّما كان لسعة قلبه و كمال عقله و شرح صدره ، و ليس ذلك ممّن اجتبيه اللَّه تعالى بمستنكر ، كيف و قد نطق القرآن الحكيم بنظائره : قال في يحيى عليه السّلام : « يا يحيى خذ الكتاب بقوّة و آتيناه الحكم صبيّا » ( مريم 13 ) و في عيسى عليه السّلام : « فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا قال إنّي عبد اللَّه آتاني الكتاب و جعلنيّ نبيّا و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصّلاة و الزكاة ما دمت حيّا » الآيات ( مريم 30 34 ) . فكم ضلّ و نصب العداوة كالناصبة الذاهبة إلى أنّ ايمانه عليه السّلام في تلك الحالة إنّما كان على وجه التقليد و التلقين و ما كان بهذه المنزلة لم يستحقّ صاحبه المدحة و لم يجب له به الثواب و كان هو حينئذ ابن سبع سنين فلم يكن كامل العقل و لا مكلفا فراجع إلى البحار ( ص 327 ج 9 من الطبع الكمباني ) . على أنّ ظاهر قوله تعالى : « و أنذر عشيرتك الأقربين » يدلّ على أنّه عليه السّلام كان في موضع التكليف و كان ممّن دعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى الاسلام ، و قد تقرّر في الفقه إمكان من بلغ عشرا عاقلا من الذكور أن يبدو منه بعض آثار التكليف من إنبات الشعر و حصول الاحتلام و علامة البلوغ ليست بمنحصرة في العدد . ثمّ لو لم يكن دالا على أنّه عليه السّلام كان في موضع التكليف ليدلّ على كمال فضله و حصول معرفته باللّه و برسوله و على أنّه عليه السّلام كان من آيات اللَّه الخارقة للعادة و على اختصاصه و تأهيله لما رسخه اللَّه له من الامامة و الحجّة على الخلق فجرى في خرق العادة مجرى عيسى و يحيى عليهما السّلام كما قدّمنا ، فلو لا أنّه عليه السّلام كان كاملا و هو من أبناء عشر فما دونها لما كلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من الإقرار بنبوّته ، و لا دعاه إلى الاعتراف بحقّه ، و لا افتتح به الدّعوة قبل جميع الرّجال . قال المسعوديّ في مروج الذّهب ( ص 400 ج 1 طبع مصر 1346 ه ) : و قد تنوزع في عليّ بن أبيطالب عليه السّلام ، فذهب كثير من النّاس إلى أنّه لم يشرك باللّه شيئا [ 347 ] فيستأنف الاسلام ، بل كان تابعا للنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في جميع فعاله ، مقتديا به ، و بلغ و هو على ذلك . و أنّ اللَّه عصمه و سدّده و وفّقه لتبعيّته لنبيّه عليه السّلام ، لأنهما كانا غير مضطرين ، و لا مجبورين على فعل الطاعات ، بل مختارين قادرين فاختارا طاعة الرّبّ و موافقة أمره و اجتناب منهيّاته . و منهم من رأى أنّه أوّل من آمن ، و أنّ الرّسول دعاه و هو موضع التكليف بظاهر قوله عزّ و جلّ : « و أنذر عشيرتك الأقربين » و كان بدؤه بعليّ عليه السّلام إذ كان أقرب الناس إليه و تبعهم له . و منهم من رأى غير ما وصفنا ، و هذا موضع قد تنازع الناس فيه من الشيعة و قد احتجّ كلّ فريق لقوله . و منهم من قال بالنصّ في الامامة و الاختيار . و أرض ( كذا ) كل فريق و كيفيّة إسلامه و مقدار سنيه قد أتينا على الكلام في ذلك على الشرح و الإيضاح في كتابنا المترجم بكتاب الصفوة في الإمامة ، و في كتاب الاستنصار ، و في كتاب الزاهي ، و غيره من كتبنا في هذا المعنى . انتهى كلامه ره . أقول : أمّا قوله ره : فذهب كثير من النّاس إلى أنّه عليه السّلام لم يشرك باللّه شيئا الخ ، فكلام في غاية الحسن و الجودة و المتانة لما برهنّا في شرح المختار 237 من باب الخطب أنّ النبيّ و وصيّه يجب أن يكونا معصومين مطلقا فعلا و قولا و ذاتا من جميع ما يأبى و ينفر عنه الطبع السليم و العقل الناصع ، و من جميع الذنوب و أنحاء الظلم و الشرك فانّ الشرك لظلم عظيم ، و من جميع ما يعتبر في التبليغ كالعصمة عن الخطاء في تلقّي الوحي و الرسالة إن كان نبيّا ، و العصمة عن الخطاء في التبليغ سواء كان نبيّا أو وصيّا . و أمّا قوله : و منهم من رأى أنّه أوّل من آمن الخ ، فقد دريت أنّه هو الحق . قوله : و أنّ الرسول دعاه و هو موضع التكليف ، فقد دريت تفصيل الكلام فيه و أمّا قوله : و كان بدؤه بعليّ الخ ، فنعم ما تمسّك فيه بقوله : إذ كان أقرب الناس إليه . [ 348 ] و أمّا قوله : و منهم من قال بالنصّ إلخ ، فقد علمت من مباحثنا السالفة يجب أن يكون الإمام منصوبا و منصوصا من اللَّه تعالى و رسوله . و أمّا قوله : و غيره من كتبنا في هذا المعنى فمن ذلك الغير رسالة اثبات الوصيّة لعليّ بن أبيطالب عليه السّلام و قد عدّها النجاشي و غيره من مصنّفي الكتب الرّجالية من كتبه و قد طبعت هذه الرّسالة في عاصمة طهران سنة 1318 ه و قد شكّ فيها بأنّها هل هي تلك الرّسالة من المسعودي أو هي غيرها لغيره . و قد عدّه العامّة من علمائهم و على ظهر كتابه مروج الذّهب المطبوع في مصر عدّوه من الشافعيّة ، و لكنّه و هم ، و هو ره من كبار علماء الإماميّة و من فقهائهم ، و قد نقل أقوآله الفقيه صاحب الجواهر قدّس سرّه في غير موضع . كان رحمه اللَّه معاصرا للصدوق و هو منسوب إلى مسعود الصحابي والد عبد اللَّه بن مسعود كما في المقالة الثالثة من الفنّ الثالث من الفهرست لابن النديم فراجع إلى الكتب الرّجالية للاماميّة كفهرست النجاشي و خلاصة العلاّمة و جامع الرواة للأردبيلي و رجال المامقاني و في الفائدة الثانية من خاتمة المستدرك للمحدّث النوري ص 310 و غيرها . قوله عليه السّلام : « فلبثنا أحوالا مجرّمة و ما يعبد اللَّه في ربع ساكن من العرب غيرنا » الحول : السنة يجمع على الأحوال ، و المجرّم التامّ الكامل أي سنين تامّة و الربع : الدار و المحلّة و قيل : الربع المنزل في الرّبيع خاصّة . و قد مضى الخبر عن أبيجعفر الطبري آنفا في أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قبل الناس بسبع سنين . قوله عليه السّلام : « فأراد قومنا قتل نبيّنا إلى قوله و أوقدوا لنا نار الحرب » ما لقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من قومه من الأذى أكثر من أن يحصى و أشهر من أن يذكر حتّى قال صلّى اللَّه عليه و آله : ما اوذي نبيّ مثل ما اوذيت ، كيف لا و قدرموه بالسحر و الجنون و هو خاتم النبيّين و أفضل الرّسل و العقل الكلّ . ففي السيرة النبويّة لابن هشام : قال ابن اسحاق : ثمّ إنّ قريشا اشتدّ أمرهم [ 349 ] للشقاء الّذي أصابهم في عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و من أسلم معه منهم ، فأغروا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله سفهاءهم ، فكذّبوه و آذوه و رموه بالشعر و السحر و الكهانة و الجنون ، و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مظهر لأمر اللَّه لا يستخفى به ، مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم و اعتزال أوثانهم و فراقه إيّاهم على كفرهم ( ص 289 ج 1 ) . ثمّ قال في عدوان المشركين و قسوة قريش على من أسلم : قال ابن إسحاق : ثمّ إنّهم عدوا على من أسلم و اتّبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من أصحابه ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين ، فجعلوا يحبسونهم و يعذّبونهم بالضرب و الجوع و العطش ، و برمضاء مكّة إذا اشتدّ الحرّ من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم ، فمنهم من يفتن من شدّة البلاء الّذي يصيبه ، و منهم من يصلب لهم و يعصمه اللَّه منهم ، ثمّ ذكر تعذيب قريش بلالا و عمّار بن ياسر و أباه ياسرا و أمّه سميّة و غيرهم ( ص 317 ج 1 ) . و قال ابن اسحاق كما في السيرة لابن هشام : حدّثني حكيم بن جبير عن سعيد ابن جبير قال : قلت لعبد اللَّه بن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال : نعم و اللَّه ، إن كانوا ليضربون أحدهم و يجيعونه و يعطّشونه حتّى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدّة الضرّ الّذي نزل به حتّى يعطيهم ما سألوه من الفتنة حتّى يقولوا له : اللاّت و العزّى إلهك من دون اللَّه ؟ فيقول : نعم حتّى أنّ الجعل ليمرّ بهم فيقولون له : أهذا الجعل إلهك من دون اللَّه ؟ فيقول : نعم اقتداءا منهم ممّا يبلغون من جهده . ( ص 320 ج 1 ) . و بالجملة أنّ إيذاء القوم بالمسلمين بلغ إلى غاية ، أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المسلمين أن يهاجروا إلى أرض الحبشة ، فخرجوا مخافة الفتنة و فرارا إلى اللَّه بدينهم و أقام المسلمون بأرض الحبشة حتّى ولد لهم الأولاد و جميع أولاد جعفر بن أبيطالب و لدوا بأرض الحبشة و لم يزالوا بها في أمن و سلامة . و المرويّ عن أحمد في مسنده عن ابن عبّاس قال : إنّ الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاهدوا باللاّت و العزّى و مناة الثالثة الاخرى ، و قد رأينا محمّدا [ 350 ] قمنا إليه قيام رجل واحد فلا يفارقه حتّى يقتله . قال : فأقبلت فاطمة عليهما السّلام حتّى دخلت عليه صلّى اللَّه عليه و آله فأخبرته بقولهم و قالت له لو قد رأوك لقتلوك و ليس منهم رجل إلاّ و قد عرف نصيبه من دمك ، فقال : يا بنيّ اريني وضوءا فتوضّا ثمّ دخل عليهم المسجد فلمّا رأوه غضّوا أبصارهم ثمّ قالوا : هو ذا ، ثمّ لم يقم إليه منهم أحد فأقبل صلّى اللَّه عليه و آله حتّى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من تراب فحصيهم بها و قال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجل منهم شي‏ء إلاّ قتل يوم بدر كافرا . قال أبو جعفر الطبريّ : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق 1 قال : لمّا رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ما يصيب أصحابه من البلاء و ما هو فيه من العافية بمكانه من اللَّه و عمّه أبيطالب و أنّه لا يقدر أن يمنعهم ممّا هم فيه من البلاء قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فانّ بها ملكا لا يظلم أحد عنده و هي أرض صدق حتّى يجعل اللَّه لكم فرجا ممّا أنتم فيه . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة و فرارا إلى اللَّه عزّ و جلّ بدينهم ، فكانت أوّل هجرة كانت في الاسلام إلى أن قال : و لمّا استقرّ بالّذين هاجروا إلى أرض الحبشة القرار بأرض النجاشي و اطمأنّوا تآمرت قريش فيما بينها في الكيد بمن ضوى إليها من المسلمين ، فوجّهوا عمرو بن العاص و عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي إلى النجاشي لتسليم من قبله و بأرضه من المسلمين إليهم ، فشخص عمرو و عبد اللَّه إليه في ذلك فنفذا لما أرسلهما إليه قومهما فلم يصلا إلى ما أمّل قومهما من النجاشي ، فرجعا مقبوحين و أسلم عمر بن الخطّاب . فلمّا أسلم و كان رجلا جلدا جليدا منيعا ، و كان قد أسلم قبل ذلك حمزة بن عبد المطلّب و وجد أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في أنفسهم قوّة و جعل الإسلام يفشو في القبائل ، و حمى النجاشي من ضوى إلى بلده منهم . ----------- ( 1 ) و نقله ابن هشام عن ابن اسحاق فى السيرة ص 321 ج 1 . [ 351 ] اجتمعت قريش فائتمرت بينها أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا إلى بني هاشم و بني المطلّب و لا ينكحوهم ، و لا يبيعوهم شيئا و لا يبتاعوا منهم . فكتبوا بذلك صحيفة و تعاهدوا و تواثقوا على ذلك ، ثمّ علّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا بذلك الأمر على أنفسهم . فلمّا فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم و بنو المطلب إلى أبي طالب ، فدخلوا معه في شعبه و اجتمعوا إليه في شعبه ، و خرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزّى بن عبد المطلب إلى قريش و ظاهرهم عليه فأقاموا على ذلك من أمرهم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم شي‏ء إلاّ سرّا مستخفيا به ممّن أراد صلتهم من قريش . و في السيرة النبويّة لابن هشام عن ابن إسحاق : و كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة ، و يقال : النضر بن الحارث ، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فشلّ بعض أصابعه . قال اليعقوبي في التاريخ ( ص 22 ج 2 ) : و همّت قريش بقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أجمع ملاها على ذلك و بلغ أبا طالب فقال : و اللَّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتّى أوسّد في التراب دفينا و دعوتني و زعمت أنّك ناصح و لقد صدقت و كنت ثمّ أمينا و عرضت دينا قد علمت بأنّه من خير أديان البريّة دينا فلمّا علمت قريش أنّهم لا يقدرون على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و أنّ أبا طالب لا يسلّمه و سمعت بهذا من قول أبيطالب ، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة أن لا يبايعوا أحدا من بني هاشم و لا يناكحوهم و لا يعاملونهم حتّى يدفعوا إليهم محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله فيقتلوه و تعاقدوا على ذلك و تعاهدوا و ختموا على الصحيفة بثمانين خاتما ، و كان الّذي كتبها منصور بن عكرمة فشلّت يده . ثمّ حصرت قريش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أهل بيته من بني هاشم و بني المطلّب بن عبد مناف في الشعب الّذي يقال له : شعب بني هاشم بعد ستّ سنين من مبعثه . فأقام و معه جميع بني هاشم و بني المطلب في الشعب ثلاث سنين حتّى أنفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ماله ، و أنفق أبو طالب ماله ، و أنفقت خديجة بنت خويلد مالها ، و صاروا إلى حدّ [ 352 ] الضرّ و الفاقة . ثمّ نزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال ، إنّ اللَّه بعث الأرضة على صحيفة قريش فأكلت كلّ ما فيها من قطيعة و لا ظلم « كذا » إلاّ المواضع الّتي فيها ذكر اللَّه فخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أبا طالب بذلك ، ثمّ خرج أبو طالب و معه رسول اللَّه و أهل بيته حتّى صار إلى الكعبة فجلس بفنائها . و أقبلت قريش من كلّ أوب فقالوا : قد آن لك يا أبا طالب أن تذكر العهد و أن تشتاق إلى قومك و تدع اللّجاج في ابن أخيك . فقال لهم : يا قوم احضروا صحيفتكم فلعلّنا أن نجد فرجا و سببا لصلة الأرحام و ترك القطيعة ، و أحضروها و هي بخواتيمهم ، فقال : هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها ؟ قالوا : نعم . قال : فهل أحدثتم فيها حدثا ؟ قالوا : اللّهمّ لا . قال : فانّ محمّدا أعلمني عن ربّه أنّه بعث الأرضة فأكلت كلّما فيها إلاّ ذكر اللَّه أفرأيتم إن كان صادقا ما ذا تصنعون ؟ قالوا : نكفّ و نمسك . قال : فان كان كاذبا دفعته إليكم تقتلونه ، قالوا : قد أنصفت و أجملت . و فضّت الصحيفة فاذا الأرضة قد أكلت كلّ ما فيها إلاّ مواضع بسم اللَّه عزّ و جلّ . فقالوا : ما هذا إلاّ سحر و ما كنّا قطّ أجدّ في تكذيبه منّا ساعتنا هذه ، و أسلم يومئذ خلق من النّاس عظيم ، و خرج بنو هاشم من الشعب و بنو المطلب فلم يرجعوا إليه . انتهى كلام اليعقوبي . و قريب ممّا أتى به اليعقوبي ذكره ابن هشام في السيرة ص 377 ج 1 فعلم بما نقلنا أنّ قريشا حصرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أهل بيته و فعلت تلك الأفاعيل بحماته و أنصاره ليدفع إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيقتلونه كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام في الكتاب : حتّى ندفع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و يمثّلوا به . و الظّاهر من سياق الكلام و ما نقله المورّخون في ما جرى على المسلمين أنّ الجبل الوعر في كلامه عليه السّلام هو شعب أبيطالب . و المراد من الموسم في قوله عليه السّلام : فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى [ 353 ] موسم ، هو موسم الحجّ و هو من أشهر الحرم و كان أهل الجاهليّة أيضا يحرّمون فيه الظلم و القتال لحرمته . قوله عليه السّلام : « فمؤمننا يبغي بذلك الأجر » أي من آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من بني هاشم و بني المطلب كأبي طالب و حمزة بن عبد المطلب رضوان اللَّه عليهما يطلب بما لقى من قريش من الأذي و بالذّبّ و الدّفع سيّما زمن الحصر في الشعب الأجر من اللَّه تعالى قال عزّ من قائل : « من عمل صالحا من ذكر أو انثى و هو مؤمن فلنحيينّه حيوة طيّبة و لنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون » ( النحل 100 ) و كان أبو طالب رضوان اللَّه عليه سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و هو الكافل و المحامي و قد عيّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بقوله : أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنّة . و قد روى الصدوق قدّس سرّه في المجلس الثالث و الستين من الأمالي ( ص 244 الطبع الناصري ) عن محمّد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن سنان ، عن عمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت رفعه قال : دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على عمّه أبي طالب و هو مسجّى فقال : يا عمّ كفّلت يتيما ، و ربّيت صغيرا ، و نصرت كبيرا ، فجزاك اللَّه عنّي خيرا ثمّ أمر عليّا عليه السّلام بغسله . « اسلام أبى طالب رضوان اللَّه عليه » قد أجمعت أصحابنا الإماميّة رضوان اللَّه عليهم أنّ أبا طالب مات مسلما و قد تظافرت الروايات عن أئمتنا عليهم السّلام بذلك . و إنّ عدم اظهاره الإسلام لم يكن من عناد ، بل إنّما كان من حسن تدبيره في دفع كياد القوم عنه صلّى اللَّه عليه و آله و لمصلحة الذبّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و التمكّن من حمايته ، و لا يخفي أنّه كان بذلك أقدر على إعانة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لأنّه كان زعيما نبيها حازما سيّاسا ، فقد قال الشيخ الجليل أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد ( ص 84 طبع ايران 1322 ه ) : و روي انّه قيل لأكثم بن صيفي و كان حكيم العرب : إنّك لأعلم أهل زمانك و أحكمهم و أعقلهم و أحلمهم . فقال : و كيف لا أكون كذلك و قد جالست أبا طالب بن [ 354 ] عبد المطلب دهره ، و هاشما دهره ، و عبد مناف دهره ، و قصيّا دهره ، و كلّ هؤلاء سادات أبناء سادات فتخلّقت بأخلاقهم ، و تعلّمت من حلمهم ، و اقتنيت سوددهم و اتّبعت آثارهم . فقد روي الكلينيّ قدّس سرّه في الكافي باسناده عن عليّ بن إبراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان و أظهروا الشرك ، فآتاهم اللَّه أجرهم مرّتين ( الحديث 28 من أبواب تاريخ مولد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و وفاته من اصول الكافي و ص 368 ج 1 من مرآة العقول للمجلسي ره ، و ص 159 ج 2 من الوافي ) . و روى هذا الخبر الشيخ الصدوق ره في الأمالي باسناده عن الطالقاني عن أحمد الهمداني ، عن المنذر بن محمّد ، عن جعفر بن سليمان ، عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام كما في البحار ص 15 ج 9 الطبع الكمباني . قال العلامة المجلسي في مرآة العقول في بيان الحديث : المثل بالتحريك الحال العجيبة ، و قيل الايمان : التطوع القلبي بجميع ما جاء به الرّسول فإنّ الأوّل لا يجتمع مع الجحد بخلاف الثاني كما قال تعالى : « جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم » ( النّمل 14 ) . و أظهروا الشرك أي عند من تجب التقيّة عنده لا عند جميع الناس . مرّتين مرّة للإيمان و مرّة للتقيّة عند وجوبها ، فإنها من أفضل الطاعات لا سيّما تقيّة أبي طالب عليه السّلام لأنّها صارت سببا لشدّة اقتداره على إعانة الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله . و الخبر يدلّ على أنّ أصحاب الكهف كانوا مؤمنين و لم يحدث إيمانهم عند خروجهم ، و هو المشهور أيضا بين المفسّرين و غيرهم . انتهى كلامه . أقول : الظاهر أنّ قوله عليه السّلام : فآتاهم اللَّه أجرهم مرّتين ، يشير إلى قوله تعالى : « أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا » ( القصص آية 56 ) و إنّ كلمة مرّتين لا يراد بها حقيقة التثنية ، بل المراد بها كثرة الأجر ، نظير قولهم : لبّيك سعديك ، أي كلّما دعوتني فأنا ذو إجابة بعد إجابة و ذو ثبات بمكاني بعد ثبات [ 355 ] و قوله تعالى : « ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئا و هو حسير » ( الملك آية 5 ) . و يؤيّد ما ذهب إليه من أنّ إخفاء أبي طالب إيمانه كان من تقيّة كلام اليعقوبي في تاريخه المعروف من أنّ معاوية لمّا وجّه بسر بن أرطاة إلى المدينة و أمره أن يقتل من لم يكن ليدخل في طاعته ، انطلق جابر بن عبد اللَّه الأنصاري إلى امّ سلمة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال : إنّي قد خشيت أن اقتل و هذه بيعة ضلال قالت : إذا فبايع فإنّ التقيّة حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب و يحضرون الأعياد مع قومهم ( ص 173 ج 2 طبع النجف ) . و لكنّ إخفاء أبي طالب الإيمان و إن كان لمصلحة الذبّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و كان به أقدر على إعانته لكن عدّه تقيّة ليس بمرضيّ فانّ التقيّة كما عرّفها الشهيد ره في القواعد : مجاملة الناس بما يعرفون و ترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم ، و موردها الطاعة و المعصية غالبا فمجاملة الظالم فيما يعتقده ظلما و الفاسق المتظاهر بفسقه اتّقاء شرّهما من باب المداهنة الجائزة لا تكاد تسمّى تقيّة و كيف كان عمله تقيّة و قد ذبّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أبي إلاّ أن يحاميه جهارا و أخبر قريشا بأنّه غير مسلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إليهم و لا تاركه لشي‏ء أبدا حتّى يهلك دونه ، كما صرّح به المورّخون و أجمعوا عليه و منهم ابن هشام في السيرة « ص 272 ج 1 » فتأمل . و في الكافي باسناده عن الحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمّد الأزدي ، عن إسحاق بن جعفر ، عن أبيه عليه السّلام قال : قيل له : إنّهم يزعمون أنّ أبا طالب كان كافرا ، فقال عليه السّلام : كذبوا كيف كان كافرا و هو يقول : ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا نبيّا كموسى خطّ في أوّل الكتب ثمّ قال : الكلينيّ : و في حديث آخر كيف يكون أبو طالب كافرا و هو يقول : [ 356 ] لقد علموا أنّ ابننا لا مكذّب لدينا و لا يعبأ بقول ( بقيل خ ل ) الأباطل و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل أقول : و الخبر مرويّ في الوافي ( ص 159 ج 2 ) و في مرآة العقول ( ص 367 ج 1 ) و في البحار عن الأمالى للصدوق و عن السيد فخار بن معد الموسوي عن شاذان بن جبرئيل باسناده إلى ابن الوليد « ص 15 ج 9 الطبع الكمباني » . و المراد أنّ أشعار أبي طالب دالّة على إسلامه و اقراره بنبوّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و لا فرق في ذلك بين الكلام المنظوم و المنثور . و البيت الأوّل من أبيات قالها أبو طالب رضوان اللَّه عليه في قريش حين تظاهروا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و اجتمعوا و ائتمروا بينهم أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها على بني هاشم و بني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم و لا ينكحوهم ، و لا يبيعوهم شيئا و لا يبتاعوا منهم ، كما مرّ خبر الصحيفة آنفا . و قد نقل الأبيات ابن هشام في السيرة النبويّة ( ص 352 ج 1 طبع مصر 1375 ه ) و هي : ألا أبلغا عنّي على ذات بيننا لؤيّا و خصّا من لؤيّ بني كعب ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا نبيّا كموسى خطّ في أوّل الكتب و أنّ عليه في العباد محبّة و لا خير ممّن خصّه اللَّه بالحبّ و أنّ الذى ألصقتم من كتابكم لكم كائن نحسا كراغية السقب أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى و يصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب و لا تتبعوا أمر الوشاة و تقطعوا أو اصرنا بعد المودّة و القرب و تستجلبوا حربا عوانا و ربّما أمرّ على من ذاقه جلب الحرب فلسنا و ربّ البيت نسلم أحمدا لعزّاء من عضّ الزّمان و لا كرب و لمّا تبن منّا و منكم سوالف و أيد أترّت بالقساسية الشهب بمعترك ضيق ترى كسر القنا به و النسور الطخم يعكفن كالشرب كأنّ مجال الخيل في حجراته و معمة الأبطال معركة الحرب [ 357 ] أ ليس أبونا هاشم شدّ أزره و أوصى بنيه بالطّعان و بالضرب و لسنا نملّ الحرب حتّى تملّنا و لا تشتكي ما قد ينوب من النكب و لكنّنا أهل الحفائظ و النّهى إذا طار أرواح الكماة من الرّعب ثمّ قال ابن إسحاق : فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتّى جهدوا لا يصل إليهم شي‏ء إلاّ سرّا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش . و البيتان الآخران من أبيات قصيدته اللاّمية الّتي بلغت شهرة كالشمس في رابعة النهار ، و القصيدة طويلة تنتهي إلى أكثر من تسعين بيتا أتى بها ابن هشام في السيرة « ص 282 الى 270 ج 1 » بعض أبيات تلك القصيدة ما يلي : قال ابن هشام : فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته الّتي تعوّذفيها بحرم مكّة و بمكانه منها و تودّد فيها أشراف قومه و هو على ذلك يخبرهم و غيرهم في ذلك من شعره أنّه غير مسلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و لا تاركه لشي‏ء أبدا حتّى يهلك دونه فقال : و لمّا رأيت القوم لاودّ فيهم و قد قطعوا كلّ العرا و الوسائل و قد صار حونا بالعداوة و الأذى و قد طاوعوا أمر العدوّ المزايل و قد حالفوا قوما علينا أظنّة يعضّون غيضا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة و أبيض عضب من تراث المقاول و أحضرت عند البيت رهطي و إخوتي و أمسكت من أثوابه بالوصائل إلى أن قال : كذبتم و بيت اللَّه نترك مكّة و نطعن أمركم في بلابل كذبتم و بيت اللَّه نبزى محمّدا و لمّا نطاعن دونه و نناضل و نسلمه حتّى نصرّع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل إلى أن قال : و ما ترك قوم ، لا أبالك ، سيّدا يحوط الذمار غير ذرب مواكل و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ 358 ] يلوذبه الهلاّك من آل هاشم فهم عنده في رحمة و فواضل إلى أن قال : لعمري لقد كلّفت وجدا بأحمد و إخوته دأب المحبّ المواصل فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها و زينا لمن والاه ربّ المشاكل فمن مثله في الناس أيّ مؤمّل إذا قاسه الحكّام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش يوالي إلها ليس عنه بغافل فو اللَّه لو لا أن أجي‏ء بسنّة تجرّ على أشياخنا في المحافل لكنّا اتّبعناه على كلّ حالة من الدّهر جدّا غير قول التهازل لقد علموا أنّ ابننا لا مكذّب لدينا و لا يعنى بقول الأباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة تقصّر عنه سورة المتطاول حدبت بنفسي دونه و حميته و دافعت عنه بالذّرا و الكلاكل فأيّده ربّ العباد بنصره و أظهر دينا حقّه غير باطل و من أبيات تدلّ على أنّ أبا طالب مات مسلما ما نقله ابن هشام في السيرة أيضا ( ص 269 ج 1 ) قال : فلمّا رأى أبو طالب من قومه ما سرّه في جهدهم معه و حدبهم عليه جعل يمدحهم و يذكر قديمهم و يذكر فضل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيهم و مكانه منهم ليشدّ لهم رأيهم و ليحدبوا معه على أمره فقال : اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرّها و صميمها و إن حصّلت أشراف عبد منافها ففي هاشم أشرافها و قديمها و إن فخرت يوما فانّ محمّدا هو المصطفى من سرّها و كريمها تداعت قريش غثّها و سمينها علينا فلم تظفر و طاشت حلومها و كنّا قديما لا نقرّ ظلامة إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها و نحمي حماها كلّ يوم كريهة و نضرب عن أحجارها من يرومها بنا انتعش العود الذّواء و إنّما بأكنافنا تندى و تنمى أرومها قال الطبرسيّ قدّس سرّه في مجمع البيان في تفسير القرآن : قوله تعالى : [ 359 ] « و هم ينهون عنه و ينئون عنه و إن يهلكون إلاّ أنفسهم و ما يشعرون » ( الأنعام آية 26 ) قيل : عنى به أبا طالب بن عبد المطلب ، و معناه يمنعون النّاس عن أذي النبي صلّى اللَّه عليه و آله و لا يتبعونه عن عطا و مقاتل . و هذا لا يصحّ ، لأنّ هذه الآية معطوفة على ما تقدّمها « و منهم من يستمع إليك و جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه و في آذانهم و قرا و إن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين ، و هم ينهون عنه الخ » و ما تأخّر عنها معطوف عليها « و لو ترى إذ وقفوا على النار الخ » . و كلّها في ذمّ الكفّار المعاندين للنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله هذا . و قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم السّلام على إيمان أبي طالب و إجماعهم حجّة لأنّهم أحد الثقلين الّذين أمر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بالتمسّك بهما بقوله : إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا . و يدلّ على ذلك أيضا ما رواه ابن عمر أنّ أبا بكر جاء بأبيه أبي قحافة يوم الفتح إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فأسلم فقال صلّى اللَّه عليه و آله : ألا تركت الشيخ فأتيته و كان أعمى ؟ فقال أبو بكر : أردت أن يأجره اللَّه تعالى ، و الّذي بعثك بالحقّ لأنا كنت باسلام أبي طالب أشدّ فرحا منّي باسلام أبي التمس بذلك قرّة عينك . فقال صلّى اللَّه عليه و آله : صدقت . و روى الطبريّ باسناده أنّ رؤساء قريش لمّا رأوا ذبّ أبي طالب عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله اجتمعوا عليه و قالوا : جئناك بفتى قريش جمالا وجودا و شهامة عمارة بن الوليد ندفعه إليك و تدفع إلينا ابن أخيك الّذي فرّق جماعتنا و سفّه أحلامنا فنقتله . فقال أبو طالب : ما أنصفتموني تعطوني ابنكم فأغذوه و أعطيكم ابني فتقتلونه بل فليأت كلّ امرى‏ء منكم بولده فأقتله و قال : منعنا الرسول رسول المليك ببيض تلالا كلمع البروق أذود و أحمي رسول المليك حماية حام عليه شفيق و أقواله و أشعاره المنبئة عن إسلامه كثيرة مشهورة لا تحصى فمن ذلك قوله : [ 360 ] أ لم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا البيت أ ليس أبو هاشم البيت‏و قوله من قصيدة : و قالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف اللّسان ضعيف السبب ألا إنّ أحمد قد جاءهم بحقّ و لم يأتهم بالكذب و قوله في حديث الصحيفة و هو من معجزات النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : و قد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما يخبّر غائب القوم يعجب محى اللَّه منها كفرهم و عقوقهم و ما نقموا من ناطق الحقّ معرب و أمسى ابن عبد اللَّه فينا مصدّقا على سخط من قومنا غير معتب و قوله في قصيدة يحضّ أخاه حمزة على اتباع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و الصبر في طاعته . فصبرا أبا يعلى على دين أحمد و كن مظهرا للدّين وفّقت صابرا فقد سرّني إذ قلت إنك مؤمن فكن لرسول اللَّه في اللَّه ناصرا و قوله من قصيدة : اقيم على نصر النبيّ محمّد اقاتل عنه بالقنا و القنابل و قوله يحضّ النجاشي على نصر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : تعلّم مليك الحبش أنّ محمّدا وزير لموسى و المسيح بن مريم أتى بهدى مثل الّذي أتيابه و كلّ بأمر اللَّه يهدي و يعصم و إنّكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المرجّم فلا تجعلو اللَّه ندّا و أسلموا و إنّ طريق الحقّ ليس بمظلم و قوله في قصيدة في وصيته و قد حضرته الوفاة : اوصي بنصر النبيّ الخير مشهده عليّا ابني و شيخ القوم عبّاسا و حمزة الأسد الحامي حقيقته و جعفرا أن يذودوا دونه الناسا كونوا فدى لكم أمّي و ما ولدت في نصر أحمد دون الناس أتراسا في أمثال هذه الأبيات ممّا هو موجود في قصائده المشهورة و وصاياه و خطبه يطول بها الكتاب . [ 361 ] على أنّ أبا طالب لم ينأ عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قطّ بل كان يقرب منه و يخالطه و يقوم بنصرته فكيف يكون المعنيّ بقوله : و ينأون عنه . و قال ره في تفسير قوله تعالى : « إنّك لا تهدي من أحببت و لكنّ اللَّه يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين » ( القصص آية 56 ) قيل : نزلت قوله « إنك لا تهدي من أحببت » في أبي طالب فانّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان يحبّ إسلامه فنزلت هذه الآية ، و كان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه « يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة للَّه » الآية ( الزّمر 54 ) فلم يسلم أبو طالب و أسلم وحشي ورووا ذلك عن ابن عباس و غيره . و في هذا نظر كما ترى ، فإنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لا يجوز أن يخالف اللَّه سبحانه في إرادته كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره و نواهيه ، و إذا كان اللَّه تعالى على ما زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب و أراد كفره ، و أراد النبيّ إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول و المرسل ، فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم إنك يا محمّد تريد إيمانه و لا اريد إيمانه ، و لا أخلق فيه الايمان مع تكلّفه بنصرتك و بذل مجهودة في إعانتك و الذبّ عنك و محبّته لك و نعمته عليك ، و تكره أنت إيمان وحشي لقتله عمّك حمزة و أنا اريد إيمانه و أخلق في قلبه الايمان و في هذا ما فيه . و قد ذكرنا في سورة الأنعام أنّ أهل البيت عليهم السّلام قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما ، و تظاهرت الروايات بذلك عنهم ، و أوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و توحيده ، فإنّ استيفاء ذلك جميعه لا تتّسع له الطوامير ، و ما روي من ذلك في كتب المغازي و غيرها أكثر من أن يحصى . يكاشف فيها من كاشف النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و يناضل عنه و يصحّح نبوّته . و قال بعض الثقات : إنّ قصائده في هذا المعنى الّتي تنفث في عقد السحر و تعير وجه شعراء الدهر يبلغ قدر مجلّد و أكثر من هذا . و لا شكّ في أنه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم و حسن تدبيره في دفع كيادهم لئلاّ يلجئوا الرسول [ 362 ] إلى ما ألجاوه إليه بعد موته . انتهى كلامه ره و من تلك الأشعار قوله في أبيات كثيرة : أنت النبيّ محمّد قرم أعزّ مسوّد لمسوّدين أكارم طابوا و طاب المولد ما زلت تنطق بالصواب و أنت طفل أمرد و من تلك الأبيات قوله يخاطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و يسكّن جاشه و يحضّه على إظهار الدّعوة و يغريه بها : لا يمنعنّك من حقّ تقوم به أيد تصول و لا سلق بأصوات فإنّ كفّك كفّي إن مليت بهم و دون نفسك نفسي في الملمّات و اعلم أنّ هذه الأشعار إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدلّ على تواتر معنويّ أعني أنّها تدلّ على أنّ أبا طالب مات مسلما . و نظيره غير عزيز ، مثلا أنّ الأخبار الدالّة على شجاعة أمير المؤمنين عليه السّلام و إن لم تكن آحادها متواترة لفظا ، فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك يفيد العلم الضروري بشجاعته عليه السّلام ، و كذلك الكلام في سخاء حاتم و نظائرهما . ثمّ نقول : من جانب المراء و الإعتساف ، و نظر نظرة في تلك القصائد بعين العدل و الإنصاف . رأى أنّها ما صدرت إلاّ من قلب مؤمن بما قال ، فانّ الكلام الصادر عمّن ليس مؤمنا به لا يتجلّى بتلك التجلّيات الساطعة ، و لا يسبك بتلك الأساليب الباهرة ، بل يلوح منه التكلّف و التعسف . و في الكافي : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نصر ، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام . قال : لمّا توفي أبو طالب نزل جبرئيل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال : يا محمّدا خرج من مكّة فليس لك فيها ناصر ، و ثارت قريش بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فخرج هاربا حتّى جاء إلى جبل بمكّة يقال له الحجون فصار إليه . ( الحديث 31 من أبواب تاريخ مولد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من اصول الكافي ، ص 369 ، ج 1 من مرآة العقول ، و في الوافي في باب ما جاء في عبد المطلب و أبي طالب ص 160 ج 2 ) . [ 363 ] و روى قريبا من هذه الرواية المجلسيّ ره في البحار نقلا عن إكمال الدين باسناده عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن عليّ بن أبي سارة ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : إنّ أبا طالب أظهر الشرك و أسرّ الايمان . فلمّا حضرته الوفاة أوحى اللَّه عزّ و جلّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله اخرج منها فليس لك بها ناصر فهاجر إلى المدينة . ( ص 17 ج 9 الطبع الكمباني ) و في الشرح المعتزلي : روي أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام سئل عن هذا ، فقال : و اعجبا إنّ اللَّه تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر ، و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، و لم تزل تحت أبي طالب حتّى مات . أقول : و ذلك أنّ أبا طالب رضوان اللَّه عليه توفي في آخر السنة العاشرة من المبعث بعد الخروج من الشعب بشهرين . و روي أنّ رجلا من رجال الشيعة و هو أبان بن محمود كتب إلى عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام : جعلت فداك إني قد شككت في اسلام أبي طالب ، فكتب إليه « و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى و يتّبع غير سبيل المؤمنين » الآية ( النساء 116 ) و بعدها ، إن لم تقرّ بايمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار . و جملة الأمر أنّ الأخبار من أئمتنا عليهم السّلام متظافرة بأنّه مامات إلاّ مسلما كأشعاره الدّالّة على ذلك ، و إنما بقي في المقام أخبار مرويّة من القوم ، بأنّه مات كافرا و أتى بطائفة منها المفسّرون منهم في تفسير قوله تعالى : « ما كان للنبيّ و الّذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم و ما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلّما تبيّن له أنّه عدوّ للَّه تبرّأ منه » الآية ( التوبة 116 ) . و في تفسير قوله تعالى : « و هم ينهون عنه و ينئون عنه » الآية ( الأنعام 26 ) . و في تفسير قوله تعالى : « إنّك لا تهدي من أحببت » الآية ( القصص 56 ) . و تلك الأخبار المرويّة عنهم تناقض بعضها بعضا و بعضها لا يناسب ذكره في [ 364 ] نزول الآيات أصلا و لا حاجة إلى نقلها و ردّها و لا طائل تحت إطالة الكلام بعد وضوح الحقّ ، فلو أنّ بيتا من أبي طالب رضوان اللَّه عليه أو رواية تدلّ بظاهر هما على كفره فالجواب عنهما ما ذكرنا من أنّ اظهاره الشرك انّما كان لمصلحة الذّبّ عن رسول اللَّه و من حسن تدبيره في دفع كياد القوم عنه صلّى اللَّه عليه و آله . على أنّ مقابلهما إجماع أهل البيت عليهم السّلام على إسلامه و قد علمت أنّ إجماعهم حجّة ، و أشعاره الدالّة صريحة على إسلامه و ماذا أوجب علينا أن نعرض عن أشعاره المصرّحة المنصوصة على إسلامه و نتمسّك بما هي تنبي‏ء بظاهرها على كفره ، و ليست بدالّة عليه و صريحة فيه ، بل نعلم أنّه أبطن الإسلام فيها ليتمكّن من نصرة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و القيام دونه جمعا بين الطائفتين من أشعاره على ما هدانا لهذا أهل بيت العصمة . أو أن نعرض عن كلام أهل البيت و هم أدرى بما في البيت و نأخذ بالمرويّ عن زيد و عمرو المناقض بعضه بعضا . « سبب اسلام حمزة رضوان اللَّه عليه » و كان سبب إسلامه ما نقل ابن هشام في السيرة النبوية ج 1 ص 291 و ابن الأثير في اسد الغابة عن ابن إسحاق من أنّ أبا جهل اعترض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عند الصفا فآذاه و شتمه و نال منه بعض ما يكره من العيب لدينه و التضعيف لأمره ، فلم يكلّمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و مولاة لعبد اللَّه بن جدعان التميمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ، ثمّ انصرف عنه فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم . فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضوان اللَّه عليه أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا من قنص له ، و كان صاحب قنص يرميه و يخرج له ، و كان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتّى يطوف بالكعبة ، و كان إذا فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش إلاّ وقف و سلّم و تحدّث معهم ، و كان أعزّ فتى في قريش و أشدّ شكيمة ، و كان يومئذ مشركا على دين قومه ، فلمّا مرّ بالمولاة و قد قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فرجع إلى بيته ، قالت له : يا أبا عمارة و قد كان حمزة يكنّى بابنيه : يعلى و عمارة فكنّى بأبي يعلى تارة و بأبي عمارة اخرى لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفا من أبي [ 365 ] الحكم بن هشام و أبو الحكم هو أبو الجهل وجده ههنا جالسا فآذاه و سبّه و بلغ منه ما يكره ، ثمّ انصرف عنه و لم يكلّمه محمّد . فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللَّه به من كرامته ، فخرج يسعى و لم يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت ، معدّا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به ، فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم ، فأقبل نحوه حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجّه شجّة منكرة ، ثمّ قال : أتشتمه و أنا على دينه أقول ما يقول ، فردّ ذلك عليّ إن استطعت ؟ و قامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقالوا : ما نراك يا حمزة ، إلاّ قد صبأت ، فقال حمزة : و ما يمنعني و قد استبان لي منه ذلك أنا أشهد أنه رسول اللَّه و أنّ الذي يقول الحق ، فو اللَّه لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين . فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة فإنّي و اللَّه لقد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا . و تمّ حمزة رضوان اللَّه عليه على إسلامه . فلمّا أسلم حمزة عرفت قريش أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قد عزّ و امتنع ، و أنّ حمزة سيمنعه فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . أقول : و كان قبوله الاسلام قبل حصار الشعب . قوله عليه السّلام : « و كافر نايحامي عن الأصل » يعنى أنّ رجالا من بني هاشم و بني المطلب و إن كانوا كافرين و على دين قومهم لكنّهم كانوا يذبّون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و يحامون عنه و يدفعون كياد القوم عنه و يحولون بينه و بين ما أرادوا من البطش به لا من حيث الحماية عن الاسلام ، بل من حيث المراعاة لأصلهم و المحافظة على نسبهم و قبيلتهم . و كان بعض هؤلاء المحامين في حصار الشعب و لم يسلم بعد : العباس ، و عقيل ابن أبي طالب ، و طالب بن أبي طالب ، و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، و ابنه الحارث بن نوفل ، و أخوه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و كان أبو لهب ابن عبد المطلب عمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و كذلك ابنه يبغضانه ، و كانا شديدين عليه [ 366 ] و نزل في أبي لهب و امرأته امّ جميل عمّة معاوية حمّالة الحطب قوله تعالى « تبّت يدا أبي لهب » السورة . و إنّما أجرينا بني هاشم و بني المطلب مجرى واحدا لأنّهم كانوا يدا واحدة لم يفترقوا في جاهليّة و لا إسلام ، و كان من المسلمين المحصورين في الشعب هاشم ابن عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف . قوله عليه السّلام : « فأمّا من أسلم إلى قوله : ماشاء اللَّه أن يكون » يعني أنّ من أسلم من قريش كانوا آمنين ممّا نحن أهل البيت فيه من القتل و البلاء و الأذى و ذلك لأنّ بعضهم كانوا على حلف و عهد من الكفّار ، فمن أجل ذلك كانوا آمنين ، و بعضهم الآخر لم يكن لهم العهد و لكنّهم كانوا ذوي عشيرة تقوم دونهم و تمنعهم من الأعداء . فالمراد أنّ البليّة إنّما كانت متوجّهة إليه عليه السّلام و إلى ساير بني هاشم و بني المطّلب لم يكونوا على عهد و لم يكن لهم من يقوم دونهم ، و بذلك يعلم فضيلتهم في حماية رسول اللَّه و ذبّه عن كيد الأعداء . قوله عليه السّلام : « ثمّ أمر اللَّه رسوله بالهجرة » و قد تقدّمت آنفا طائفة من الأخبار في أنّ أبا طالب رضوان اللَّه عليه مات في آخر السنة العاشرة من المبعث بعد الخروج من الشعب بشهرين أنّه لمّا توفّي نزل جبرئيل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال : يا محمّد اخرج من مكّة فليس لك فيها ناصر . و قد مضى كلامنا في هجرته صلّى اللَّه عليه و آله في شرح المختار 234 من باب الخطب و هو قوله عليه السّلام : فجعلت اتبع مأخذ رسول اللَّه الخ ( ص 126 ج 15 ) فراجع . قوله عليه السّلام : « و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين » قال الطبرسيّ في المجمع : إنّ قوله تعالى « اذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا و إنّ اللَّه على نصرهم لقدير الّذين اخرجوا من ديارهم بغير حقّ » الآية ( الحج 42 و 43 ) هي أوّل آية نزلت في القتال ، و كان المشركون يؤذون المسلمين و لا يزال يجي‏ء مشجوج و مضروب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و يشكون ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيقول لهم [ 367 ] صلوات اللَّه عليه و آله : اصبروا فإني لم اومر بالقتال حتّى هاجر ، فأنزل اللَّه عليه هذه الآية ، انتهى كلامه . أقول : و قد مضى كلامنا في نزول الأمر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في القتال في شرح المختار 234 من باب الخطب أيضا ( ص 131 ج 15 ) فراجع . قوله عليه السّلام : « فكان إذا احمرّ البأس إلى قوله : حرّ الأسنّة و السيوف » بين البأس و الناس جناس لا حق نحو قوله تعالى : « ويل لكلّ همزة لمزة » و البأس : الحرب ، قال حسّان بن ثابت في قصيدة يعدد فيها أصحاب اللّواء يوم أحد : ولي البأس منكم إذ أبيتم اسرة من بني قصيّ صميم و احمرار البأس كناية عن شدّة الحرب و ذلك كأنّما شبّهت الحرب بمحارب تلطّخ بالدّم السائل من مقاديم بدنه بكثرة ما ورد عليه من طعن السيوف و الأسنة كما أن احمرار القنا كناية عن شدّة الحرب كأنّه احمرّ من الدّم السائل عليه لكثرة الطعن ، قال سوّار بن المضرب في حماسة 233 : يدعون سوّارا إذا احمرّ القنا و لكلّ يوم كريهة سوّار أو أنّ الحرب شبّهت بانسان غضبان احمرّ وجهه و يقال : موت أحمر و ميتة حمراء و سنة حمراء و سنون حمراوات يراد بها الشدّة ، قالت عاتكة بنت زيد في حماسة 393 : إذا أشرعت فيه الأسنّة خاضها إلى الموت حتّى يترك الموت أحمرا أي حتّى يخوض الموت بها فيتركه أحمر أي شديدا . و يقال : الحسن أحمر ، أي طلب الجمال تتجشّم فيه المشاق و الشدائد ، قال بشّار بن برد ( ص 225 ج 1 من البيان و التبيين للجاحظ طبع مصر 1380 ه ) : و خذي ملابس زينة و مصبّغات فهي أفخر و إذا دخلت تقنّعي بالحمر إن الحسن أحمر قال الجوهريّ في الصحاح : و موت أحمر يوصف بالشدّة و منه الحديث كنّا إذا أحمرّ البأس . [ 368 ] أو أنّ الحرب شبّهت بالنّار و اتّصفت بصفاتها أعني حمرة النار كقوله عليه السّلام آنفا : و أوقدوا لنا نار الحرب . ففي النهاية الأثيريّة : و في الحديث لو تعلمون ما في هذه الأمّة من الموت الأحمر يعني القتل لما فيه من حمرة الدّم أو لشدّته ، يقال : موت أحمر أي شديد ، و منه حديث عليّ كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أي إذا اشتدّت الحرب استقبلنا العدوّ به و جعلناه لنا وقاية ، و قيل أراد إذا اضطرمت نار الحرب و تسعّرت كما يقال في الشرّ بين القوم : اضطرمت نارهم تشبيها بحمرة النار ، و كثيرا ما يطلقون الحمرة على الشدّة ، و منه حديث طهفة أصابتنا سنة حمراء أي شديدة الجدب ، لأنّ آفاق السماء تحمرّ في سني الجدب و القحط و منه حديث حليمة أنّها خرجت في سنة حمراء قدبرت المال انتهى كلامه . فالمعنى أنّ الحرب إذا اشتدّت و نكص الناس عنها قدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أهل بيته إلى القتال فوقى صلّى اللَّه عليه و آله بأهل بيته أصحابه من حرّ الأسنّة و السّيوف . و حرّ السّيوف و الأسنّة كأنّه كناية عن حدّة جزّهما و شدّة وقوعهما ، أو كناية عن شدّة القتال من حيث إنّهما إذا حرّكتا غير مرّة و قطعت الأبدان و الرؤوس بهما و وقعتا على المبارز كثيرا حرّتا و حميتا ، لأنّ من شأن الحديد بل مطلق الجسم ذلك ، أو كناية عن تعبهما ، ففي النهاية الأثيريّة : و في حديث عليّ عليه السّلام أنّه قال لفاطمة : لو أتيت النبيّ فسألته خادما تقيك حرّما أنت فيه من العمل ، و في رواية حارّ ما أنت فيه يعني التعب و المشقّة من خدمة البيت لأنّ الحرارة مقرونة بهما كما أنّ البرد مقرون بالراحة و السكون ، و الحارّ : الشّاقّ المتعب . انتهى . و اعلم أنّ المتفق عند الكلّ أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان في جميع الشدائد المتوجّهة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و المسلمين أسبق و أقدم في الوقاية و الحماية ، و كان يجاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيقيه بنفسه و قد أقرّأ عداؤه بشجاعته و سبقه على أقرانه ، و ما ولّى قطّ عن أحد مع طول ملاقاته الحروب و كثرة من لاقاه [ 369 ] من صناديد الأعداء . و كان كما قال ابنه الحسن المجتبى كما في تاريخ اليعقوبي ( ص 190 ج 2 طبع النجف ) و مروج الذهب للمسعودي ( ص 42 ج 2 ) و الخرائج و الجرائح للراوندي ( ص 146 طبع ايران 1301 ه ) و الإرشاد للمفيد ( ص 170 طهران 1377 ه ) في صبيحة اللّيلة الّتي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السّلام بعد أن حمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في خطبة خطب بها الناس : لقد قبض في هذه اللّيلة رجل ما سبقه الأوّلون إلاّ بفضل النبوّة ، و لا يدركه الآخرون ، و أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يبعثه المبعث فيكتنفه جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فلا يرجع حتّى يفتح اللَّه عليه الخ . قوله عليه السّلام : « فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر » قال ياقوت الحمويّ في كتابه المترجم بمراصد الإطلاع في معرفة الأمكنة و البقاع : بدر بالفتح ثمّ السكون ماء مشهور بين مكّة و المدينة أسفل وادي الصفراء بينه و بين الجار و هو ساحل البحر ليلة به كانت الوقعة المشهورة بين النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أهل مكّة . و قال الجوهريّ في الصحاح : بدر موضع يذكّر و يؤنّث و هو اسم ماء ، و قال الشعبي : بدر بئر كانت لرجل يدعى بدرا و منه يوم بدر . أقول : بدر أقرب إلى المدينة من مكّة . و الظاهر أنّ القول بأنّها ماء مشهور و الآخر بأنّها اسم بئر يشيران إلى معنى فارد و إنّما الاختلاف في التعبير . و كانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة و هي المذكورة في القرآن الكريم حيث يقول جلّ اسمه في الأنفال : « كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ » الخ ، و المراد بالبيت في الآية المدينة يعني خروجه صلّى اللَّه عليه و آله منها إلى بدر . و كان سببها كما في تاريخ اليعقوبي أنّ أبا سفيان بن حرب قدم من الشام بعير لقريش تحمل تجارات و أموالا ، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يعارضه ، و جاء الصريخ إلى قريش بمكّة يخبرهم الخبر ، و كان الرسول بذلك ضمضم بن عمرو [ 370 ] الغفاري ، فخرجوا نافرين مستعدّين و خالف أبو سفيان الطريق فنجى بالبعير ، و أقبلت قريش مستعدّة لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و عدّتهم ألف رجل و قيل تسعمائة و خمسون . « مقتل عبيدة بن الحارث رضوان اللَّه عليه » عبيدة بضمّ العين و فتح الباء هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف ، يكنّى أبا الحارث و أبا معاوية . و كان أسنّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بعشر سنين ، و كان إسلامه قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكّة ، و كان لعبيدة قدر و منزلة كبيرة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و كان عمره حين قتل ثلاثا و ستّين سنة ، قتله شيبة بن ربيعة . ففي الإرشاد : روى عليّ بن هاشم عن محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع ، عن أبيه عن جدّه أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال : لمّا أصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد ، فنادى عتبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال : يا محمّد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فبدر إليهم ثلاثة من شبان الأنصار ، فقال لهم عتبة : من أنتم ؟ فانتسبوا له فقال لهم : لا حاجة بنا إلى مبارزتكم إنّما طلبنا بني عمّنا . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله للأنصار : ارجعوا إلى مواقفكم ثمّ قال : قم يا عليّ قم يا حمزة قم يا عبيدة ، قاتلوا على حقكم الذي بعث اللَّه به نبيّكم إذ جاؤا بباطلهم ليطفؤا نور اللَّه . فقاموا فصفّوا للقوم و كان عليهم البيض فلم يعرفوا فقال لهم عتبة : تكلّموا فان كنتم أكفاءنا قاتلناكم ، فقال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب أسد اللَّه و أسد رسوله صلّى اللَّه عليه و آله ، فقال عتبة : كفو كريم . و قال أمير المؤمنين عليه السّلام : أنا عليّ بن أبي طالب ابن عبد المطلب ، و قال عبيدة : أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب . فقال عتبة لابنه الوليد : قم يا وليد فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السّلام و كان إذ ذاك أصغري الجماعة سنّا فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السّلام [ 371 ] و اتّقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين عليه السّلام فأبانتها فروي أنه عليه السّلام يذكر بدرا و قتله الوليد فقال في حديثه : كأنّي أنظر إلى و ميض خاتمه في شماله ثمّ ضربته ضربة اخرى فصرعته و سلبته فرأيت به ردعا من خلوق فعلمت أنه قريب عهد بعرس . ثمّ بارز عتبة حمزة رضي اللَّه عنه فقتله حمزة ، و مشى عبيدة و كان أسنّ القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعها ، و استنقذه أمير المؤمنين و حمزة ، و قتلا شيبة ، و حمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء . و في اسد الغابة : قيل : إنّ عبيدة كان أسنّ المسلمين يوم بدر فقطعت رجله فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله رأسه على ركبته فقال : يا رسول اللَّه لو رآني أبو طالب لعلم أني أحقّ بقوله منه حيث يقول : و نسلمه حتى نصرّع حوله و نذهل عن أبنائنا و الحلائل و عاد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من بدر فتوفّي بالصفراء . . بيان : البيض جمع بيضة يقال بالفارسية : كلاه خود . أصغري كلمة جمع اسقط نونه بالإضافة . ردعا من خلوق أي أثر منه و الخلوق ضرب من الطيب . و الصفراء اسم موضع قريب من بدر . قوله عليه السّلام : « و حمزة يوم احد » أي قتل حمزة في غزوة احد و احد اسم جبل في قرب المدينة . و كان يوم احد يوم بلاء و مصيبة و تمحيص اختبر اللَّه المؤمنين و محن به المنافقين ممن كان يظهر الايمان بلسانه و هو مستخف بالكفر في قلبه ، و يوما أكرم اللَّه فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته حتّى خلص العدوّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فدثّ بالحجارة حتّى وقع لشقّه فاصيبت رباعيّته ، و كلمت شفته و شجّ في وجهه ، فجعل الدّم يسيل على وجهه ، و جعل يمسح الدّم و هو يقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم و هو يدعوهم إلى ربّهم ، فأنزل اللَّه عزّ و جلّ في ذلك « ليس لك من الأمر شي‏ء » الآية ( آل عمران 123 ) كما نقله ابن هشام في السيرة [ 372 ] عن ابن اسحاق و قتل في ذلك اليوم من المسلمين أحد و ثمانين رجلا ، و من المشركين ثمانية و عشرون . و في السيرة لابن هشام أنّ حمزة بن عبد المطلب قاتل يوم احد حتّى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل و كان أحد النفر الذين يحملون اللّواء ، ثمّ مرّ به سباع بن عبد العزّى فقال له حمزة : هلمّ إليّ يا ابن مقطعة البظور . قال ابن هشام : قال وحشي : كنت غلاما لجبير بن مطعم و كان عمّه طعيمة ابن عديّ قد اصيب يوم بدر ، فلمّا سارت قريش إلى احد قال لي جبير : إن قتلت حمزة عمّ محمّد بعمّي فأنت عتيق . قال : وحشي : فخرجت مع الناس و كنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلّما أخطى‏ء بها شيئا ، فلمّا التقى الناس خرجت أنظر حمزة و أتبصّره حتّى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهدّ الناس بسيفه هدّا ، ما يقوم له شي‏ء فو اللَّه إني لأتهيّأ له اريده و استتر منه بشجرة أو حجر ليدنو منّي إذ تقدّمني إليه سباع بن عبد العزّى ، فلمّا رآه حمزة قال له : هلّم إليّ يا ابن مقطعة البظور قال : فضربه ضربة كأنّ ما أخطأ رأسه . قال : و هززت حربتي حتّى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنّته حتّى خرجت من بين رجليه ، و ذهب لينوء نحوي فغلب و تركته و إيّاها حتّى مات ثمّ أتيته فأخذت حربتي ثمّ رجعت إلى العسكر فقعدت فيه و لم يكن لي بغيره حاجة و إنّما قتلته لاعتق . فلمّا قدمت مكّة اعتقت . ثمّ أقمت حتّى إذا افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مكّة هربت إلى الطائف ، فمكثت بها ، فلمّا خرج وفد الطائف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ليسلموا تعيّت عليّ المذاهب ، فقلت : ألحق بالشام ، أو اليمن ، أو ببعض البلاد . فواللَّه إنّي لفي ذلك من همّي إذ قال لي رجل : و يحك إنّه و اللَّه ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه و تشهّد شهادته ، فلمّا قال لي ذلك خرجت حتّى قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة ، فلم يرعه إلاّ بي قائما على رأسه أتشهّد بشهادة الحقّ [ 373 ] فلمّا رآني قال : أوحشيّ ؟ قلت : نعم يا رسول اللَّه . قال : اقعد فحدّثني كيف قتلت حمزة ، فحدّثته فلمّا فرغت من حديثي قال : ويحك غيّب وجهك فلا أرينّك قال : فكنت أتنكّب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حيث كان لئلاّ يراني حتّى قبضه اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله . « هند و تمثيلها بحمزة » قال ابن اسحاق : و وقعت هند بنت عتبة كما حدّثني صالح بن كيسان و النسوة اللاّتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يجدّ عن الآذان و الآنف حتّى اتّخذت هند من آذان الرجال و آنفهم خدما و قلائد ، و أعطت خدمها و قلائدها و قرطتها وحشيّا غلام جبير بن مطعم ، و بقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها ، فلفظتها ثمّ علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت : نحن جزيناكم بيوم بدر و الحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر و لا أخي و عمّه و بكري شفيت نفسي و قضيت نذري شفيت وحشيّ غليل صدري فشكر وحشيّ عليّ عمري حتى ترمّ أعظمي في قبري فأجابتها هند بنت أثاثة بن عبّاد بن المطلب فقالت : خزيت في بدر و بعد بدر يا بنت وقّاع عظيم الكفر صبّحك اللَّه غداة الفجر ملها شميّين الطوال الزهر بكلّ قطّاع حسام يفري حمزة ليثي و عليّ صقري إذ رام شيب و أبوك غدري فخضبّا منه ضواحي النحر و نذرك السوء فشرّ نذر و قال محمّد بن إسحاق كما في السيرة لابن هشام : و من الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة أيضا يوم احد : شفيت من حمزة نفسي باحد حتّى بقرت بطنه عن الكبد أذهب عني ذاك ما كنت أجد من لذعة الحزن الشديد المعتمد [ 374 ] و الحرب تعلوكم بشؤبوب برد تقدم إقداما عليكم كالأسد بيان : قولها : ملها شميّين ، مخفف من الهاشميّين و حذفت من لكثرة استعمالها و لا يجوز ذلك إلاّ فيها وحدها . « حزن الرسول ( ص ) على حمزة و توعده بالمشركين بالمثلة » قال ابن إسحاق كما في السيرة لابن هشام : خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده و مثّل به فجدع أنفه و اذناه . قال : فحدّثني محمّد بن جعفر بن الزبير : أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال حين رأى ما رأى : لو لا أن تحزن صفيّة و يكون سنّة من بعدي لتركته حتّى يكون في بطون السباع و حواصل الطير ، و لئن أظهرني اللَّه على قريش في موطن من المواطن لامثّلنّ بثلاثين رجلا منهم . فلمّا رأى المسلمون حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و غيظه على من فعل بعمّه ما فعل قالوا : و اللَّه لئن أظفرنا اللَّه بهم يوما من الدّهر لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب . قال ابن هشام : و لمّا وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على حمزة قال : لن اصاب بمثلك أبدا ، ما وقفت موقفا قطّ أغيظ إليّ من هذا ، ثمّ قال صلّى اللَّه عليه و آله . جاءني جبرئيل فأخبرني أنّ حمزة ابن عبد المطلب مكتوب في أهل السماوات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد اللَّه و أسد رسوله . « ما نزل فى النهى عن المثلة و البحث عنها و رد بعض » « الروايات المختلفة المنتسبة اليه ( ص ) » قال ابن اسحاق على ما في السيرة لابن هشام : و حدّثني بريدة بن سفيان ابن فروة الأسلمي عن محمّد بن كعب القرظي ، و حدّثني من لا أتّهم عن ابن عباس أنّ اللَّه عزّ و جلّ أنزل في ذلك من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قول أصحابه : « و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين و اصبروا ما صبرك إلاّ باللّه و لا تحزن عليهم و لاتك في ضيق مما يمكرون » ( النحل الآية 128 ) فعفا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و صبر و نهى عن المثلة . قال ابن اسحاق : و حدّثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : [ 375 ] ما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في مقام قطّ ففارقه حتّى يأمرنا بالصدقة و ينهانا عن المثلة أقول : كلّ ما نقلنا عن محمّد بن اسحاق منقول عن الواقدي و غيره أيضا و قد ذكرنا في ذلك بعض الأقوال في شرح المختار 236 من الخطب ( ص 246 ج 15 ) . و سيأتي في وصيّته عليه السّلام للحسن و الحسين عليهما السّلام لمّا ضربه ابن ملجم ، قوله عليه السّلام : و لا يمثّل بالرّجل فانّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول : إيّاكم و المثلة و لو بالكلب العقور . و قال الشارح المعتزلي في شرحه : فأمّا المثلة فمنهيّ عنها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أن يمثّل بهبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب حتّى اجهضت ، ثمّ نهى عن ذلك و قال : لا مثلة المثلة حرام . و اعلم أنّ القول المرويّ بأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قال : لئن أظهرني على قريش في موطن من المواطن لامثّلنّ بثلاثين رجلا منهم كما في السيرة ، أو امثّلنّ سبعين رجلا كما في تفسير الصافي للفيض ره ينافي مقام النبوّة و عصمة النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و الصواب أنّ ذلك القول كان من المسلمين دون النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كما في كتاب مجمع البيان لأمين الاسلام الطبرسي ره حيث قال : قال المسلمون : لئن أمكننا اللَّه منهم لنمثّلنّ بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت « و إن عاقبتم فعاقبوا » الآية . و ظاهر الآية حيث خاطب بلفظ الجمع دون المفرد يؤيّده بل يدلّ عليه و أمّا قول ابن اسحاق المذكور آنفا : و حدّثني من لا أتّهم عن ابن عباس : انّ اللَّه عزّ و جلّ أنزل في ذلك من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قول أصحابه : « و ان عاقبتم » الآية ، ففيه ما دريت من أنّ النبيّ أجلّ و أعلا من أن يختار ما لم يكن مأذونا فيه و لم ينزل فيه حكم سماويّ بعد . قال ابن الأثير في النهاية : فيه يعني في الحديث أنّه نهى عن المثلة يقال : مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه و شوّهت به ، و مثلت بالقتيل [ 376 ] إذا جذعت أنفه و اذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه ، و الاسم المثلة فأمّا مثّل بالتشديد فهو للمبالغة و منه الحديث نهى أن يمثّل بالدوابّ أي تنصب فترمى أو تقطع أطرافه و هي حيّة ، زاد في رواية : و أن يؤكل الممثول بها . و قيل : جعل بعض الأعضاء تمثيلا باعتبار كونه مشتقا من المثل فانّ الممثّل يصير بسبب ما فعل الجاني به من الأمر الفظيع مشهورا كالمثل . ثمّ إنّ النهي عن المثلة إنّما يصحّ فيما لم يكن عن قصاص ، و أمّا المثلة قصاصا فلا بأس فقد روي أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مثل بالعرنيين فقطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم لأنّهم قطعوا أيدي الرعاء و أرجلهم و سملوا أعينهم ، و إن قيل إنّ ذلك كان قبل تحريم المثلة . و قد قال اللَّه تعالى : « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ و العبد بالعبد و الانثى بالانثى الى قوله تعالى : و لكم في القصاص حيوة يا اولى الألباب » ( البقرة 177 ) . و قوله تعالى : « الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم و اتّقوا اللَّه و اعلموا أنّ اللَّه مع المتقين » ( البقرة 192 ) و قوله تعالى : « و كتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الاذن بالاذن و السنّ بالسنّ و الجروح قصاص » الآية ( المائدة 50 ) و قد أفتى الفقهاء في قصاص الطرف بذلك و فرّعوا عليه أنّ الاذن الصحيحة تقطع بالصّماء ، و الأنف الشام بالأخشم ، و ذكر الشابّ بذكر الشيخ ، و ذكر المختون بالأغلف ، و الفحل بمسلول الخصيتين و كذا يقلع عين الأعور بعين ذي العينين المماثلة لها ، و إن عمى بذلك الأعور ، و الأعور هو ذو العين الواحدة خلقة ، أو بآفة أو قصاص أو جناية ، أي لو كان الجاني بعين واحدة و المجنيّ عليه باثنتين قلعت عين الجاني و ان استلزم عماه ، فانّ الحقّ أعماه . كما نطق بذلك خبر عن أبان سأله عليه السّلام عن أعور فقأ عين صحيح فقال عليه السّلام : [ 377 ] تفقأ عينه ، قال : قلت : يبقى أعمى فقال : الحقّ أعماه . و غيرها ممّا حرّر في كتاب القصاص . و ذهب غير واحد منهم إلى أنّ الجاني إذا جمع بين التمثيل و القتل بضربات يقتصّ الوليّ منه في الطرف ثم يقتصّ في النفس . ففي الكافي و التهذيب و الفقيه عن محمّد بن قيس عن أحدهما عليهما السّلام في رجل فقأ عيني رجل و قطع أنفه و اذنيه ثمّ قتله ، فقال عليه السّلام : إن كان فرّق بين ذلك اقتصّ منه ثمّ يقتل ، و إن كان ضربة ضربة واحدة ضربت عنقه و لم يقتصّ منه . و في التهذيب عن حفص بن البختري قال : سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثمّ مات فقال عليه السّلام : إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل ، و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه . و المراد بالطرف في القصاص مادون النفس و إن لم يتعلّق بالأطراف المشهورة من اليد و الرّجل و الاذن و الأنف و غيرها كالجرح على البطن و الظهر و غيرهما . و كما أنّ النهي عن المثلة لا يشمل المثلة قصاصا ، كذلك لا يشملها اذا كانت عن حدّ مثل قطع الأصابع الأربع ما عدا الابهام من اليد اليمنى للسارق إذا كانت سرقته أوّل مرة و قطع رجله اليسرى من مفصل القدم و ترك العقب يعتمد عليه حالة المشي و الصلاة لو سرق ثانيا ، قال عزّ من قائل : « و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللَّه » ( المائدة 43 ) . و نظير ما قلنا أيضا ما ورد من النهى عن تعذيب البهائم و قتلها عبثا و مع ذلك إنّ جعفر بن أبي طالب في غزوة موتة إذا الحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، فكان جعفر أوّل رجل من المسلمين عقر في الإسلام و لم يعب ذلك عليه أحد لأنّه خاف أن يأخذها العدوّ فيقاتل عليها المسلمين . [ 378 ] « صلاة الرسول ( ص ) على حمزة رضوان اللَّه عليه » في الكافي و الفقيه كما في الوافي ( ص 52 ج 13 ) باسناد عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام عن الذي يقتل في سبيل اللَّه أ يغسّل و يكفّن و يحنّط ؟ قال : يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلاّ أن يكون به رمق ثمّ مات فانه يغسّل و يكفّن قال : يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلاّ أن يكون به رمق ثمّ مات فانه يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه ، إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى على حمزة و كفّنه و حنّطه لأنّه كان جرّد . و في الكافي باسناده عن ابن سنان عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول : الذي يقتل في سبيل اللَّه يدفن في ثيابه و لا يغسّل إلاّ أن يدركه المسلمون و به رمق ثمّ يموت بعد ، فانّه يغسّل و يكفّن و يحنّط ، إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كفّن حمزة في ثيابه و لم يغسّله و لكنّه صلّى عليه . و في الكافي باسناده عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قلت له : كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه ؟ قال . نعم في ثيابه بدمائه و لا يحنّط و لا يغسّل و يدفن كما هو ، ثمّ قال : دفن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عمّه حمزة في ثيابه بدمائه الّتي اصيب فيها ، و رداه النبيّ برداء فقصر عن رجليه فدعاله بأذخر فطرحه عليه و صلّى عليه سبعين صلاة ، و كبّر عليه سبعين تكبيرة . و في الكافي باسناده عن مثنى بن الوليد ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على حمزة سبعين صلاة . و فيه باسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على حمزة سبعين تكبيرة . و في السيرة النبويّة لابن هشام قال : قال ابن إسحاق : و حدّثني من لا أتّهم عن مقسم مولى عبد اللَّه بن الحارث عن ابن عباس قال : أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بحمزة فسجّي ببردة ثمّ صلّى عليه فكبّر سبع تكبيرات ثمّ أتي بالقتلى ، فيوضعون إلى حمزة فصلّى عليهم و عليه معهم حتى صلّى عليه ثنتين و سبعين صلاة . أقول : الرواية الاولى ناطقة بأنّ حمزة كان جرّد و كفّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله [ 379 ] و الثالثة ناطقة بأنّه صلّى اللَّه عليه و آله دفنه في ثيابه بدمائه التي اصيب فيها و ظاهرها أنّ كفنه كان ثيابه و الثانية تؤمي إلى أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كفّنه بثوب آخر حالكونه في ثيابه التي اصيب فيها فينافي بعضها بعضا و التوفيق بينها أنّ حمزة رضوان اللَّه عليه جرّ دعن بعض ثيابه أي جرّده المشركون عنه بعد قتله عن بعضها لا عن كلّها حتّى ترك عريانا ، و ما بقي عليه من الثياب لم يكن كافيا لكفنه ، فكفّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بثوب آخر و لم يجرّده عن ما بقي عليه من الثياب لم يكن كافيا لكفنه ، فكفّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بثوب آخر و لم يجرّده عن ما بقي عليه من الثياب كما تؤمي إليه الثانية فصحّ أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كفّنه بثوب آخر كما صحّ أنّ حمزة دفن في ثيابه الّتي اصيب فيها أي دفن في بعض ثيابه و جرّد عن بعضها . ثمّ إنّ بين روايات الكافي الناطقة بأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى عليه سبعين صلاة و كبّر عليه سبعين تكبيرة و بين ما في السيرة من أنّ رسول اللَّه صلّى عليه تنتين و سبعين صلاه تنافيا ظاهرا . فنقول ، إنّ روايات الكافي موافقة لما بلغنا من أئمتّنا عليهم السّلام من أنّ التكبير على الميّت المؤمن خمس تكبيرات و إنّما انتهى عددها إلى سبعين تكبيرة لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كبّر عليه خمس تكبيرات ثمّ كلما صلّى لسائر إلى سبعين تكبيرة لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كبّر عليه خمس تكبيرات ثمّ كلما صلّ لسائر القتلى أشرك حمزة في صلاتهم كما في صحيفة الرضا عليه السّلام على ما نقله الفيض في الوافي ( ص 67 ج 13 ) باسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال : رأيت النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كبّر على عمّه حمزة خمس تكبيرات و كبّر على الشهداء بعده خمس تكبيرات فلحق حمزة بسبعين تكبيرة و وضع يده اليمنى على اليسرى ، انتهى . فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على حمزة أربع عشرة مرة لأنّه يحصل من ضرب خمسة في أربعة عشر سبعون . نظير ذلك صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام على سهل بن حنيف فانّه عليه السّلام كبّر عليه خمسا و عشرين تكبيرة ، ففي التهذيب باسناده إلى عمرو بن شمر قال : قلت لجعفر ابن محمّد عليهما السّلام : جعلت فداك إنّا نتحدّث بالعراق أنّ عليا عليه السّلام صلّى على سهل بن حنيف فكبّر عليه ستّا ثمّ التفت إلى من كان خلفه فقال : إنّه كان بدريّا قال : [ 380 ] فقال جعفر عليه السّلام : إنّه لم يكن كذا و لكنّه صلّى عليه خمسا ثمّ رفعه و مشى به ساعة ثمّ وضعه فكبّر عليه خمسا ، ففعل ذلك خمس مرّات حتّى كبّر عليه خمسا و عشرين تكبيرة . و في الفقيه قال أبو جعفر عليه السّلام : كبّر خمسا خمسا كلّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبّر عليه خمسا حتّى انتهى إلى قبره خمس مرّات . و أمّا قول ابن إسحاق من أنّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى عليه ثنتين و سبعين صلاة فلا يوافق المذهب الحقّ لأنّه يلزم أن يكبّر عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أربع تكبيرات و كذا كبّر على الشهداء بعده أربع تكبيرات فلحق حمزة بثنتين و سبعين تكبيرة أي صلّى عليه ثماني عشرة مرّة و هو كما ترى مخالف لاجماعنا و الصحاح المستفيضة و غيرها المتواترة و لو معنى من أئمّتنا عليهم السّلام ، على أنّ صلاة جنازة المؤمن خمس تكبيرات فما وردت بالأربع إمّا متأوّله بالحمل على الصلاة على المنافقين ففي الكافي و التهذيب باسنادهما عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يكبّر على قوم خمسا و على قوم آخرين أربعا فإذا كبّر على رجل أربعا اتّهم بالنفاق . و في الكافي باسناده عن محمّد بن مهاجر عن امّه امّ سلمة قال : سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول : كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا صلّى على ميّت كبّر فتشهّد ، ثمّ كبّر فصلّى على الأنبياء و دعا ، ثمّ كبّر و دعا للمؤمنين ، ثمّ كبّر و انصرف ، فلمّا نهاه اللَّه عزّ و جلّ عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهّد ، ثمّ كبّر فصلّى على النبيّين صلّى اللَّه عليهم . ثمّ كبّر و دعا للمؤمنين ، ثمّ كبّر الرابعة و انصرف و لم يدع للميّت . و في التهذيب عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : سألته عن الصلاة على الميّت فقال : أمّا المؤمن فخمس تكبيرات ، و أمّا المنافق فأربع و لا سلام فيها ، انتهى . و لا يخفى عليك أنّ أهل البيت أدرى بما فيه . [ 381 ] و إمّا محمولة على التقيّة لأنّها مذهب جميع العامّة كما صرّح به شيخ الطائفة قدّس سرّه . على أنّ صدر قول ابن إسحاق لا يوافق ذيله لأنّه قال أوّلا إنّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى عليه فكبّر سبع تكبيرات و لا ينتهي تكرار السبع مرّة بعد اخرى إلى ثنتين و سبعين . اللّهمّ إلاّ أن يقال إنّه صلّى عليه في الدّفعة الاولى سبع تكبيرات و صلّى ثلاث عشرة صلاة اخرى خمس تكبيرات ، فلحق حمزة بثنتين و سبعين تكبيرة . نحو ما روى الكشي باسناده عن الحسن بن زيد أنّه قال : كبّر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على سهل بن حنيف سبع تكبيرات و كان بدريّا ، و قال : لو كبّرت عليه سبعين لكان أهلا . و إنّما كبّرا عليهما سبعا تشريفا لهما و إنّما وقع في واقعة خاصّة لا يجوز التجاوز عنها فتأمّل جيّدا . فان قلت : قد جاءت روايات على عدم جواز الصلاة على الميّت مرّتين فصاعدا ففي التهذيب باسناده عن محمّد بن أحمد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى على جنازة فلمّا فرغ جاءه ناس فقالوا : يا رسول اللَّه لم ندرك الصلاة عليها فقال : لا يصلّى على جنازة مرّتين و لكن ادعوا لها . و فيه باسناده عن ابن كلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى على جنازة فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا فاتتنا الصلاة عليها فقال : إنّ الجنازة لا يصلّى عليه مرّتين ادعوا له و قولوا له خيرا . ثمّ إنّ إطلاق الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو صلّيت ثانيا جماعة أو فرادى فكيف التوفيق بين تلك الأخبار ؟ قلت : يمكن أن يقال : التعدّد يختصّ بمن له مزيد كرامة ، أو يقال إنّ صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على حمزة و عليّ عليه السّلام على سهل إنّما كانت مختصّة بهما فالاحتياط أن يترك التعدّد في الصلاة على الجنازة . [ 382 ] و لم يذهب أحد منّا إلى القول بحرمة الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين فصاعدا ، بل ذهب بعضهم إلى القول باستحباب التكرار على الإطلاق لها ، و أفتى غير واحد بالجواز لمن لم يدرك الصلاة عليها ، و لكنّ المشهور على كراهة الصلاة عليها مرّتين فصاعدا ، بل من محكيّ الغنية الاجماع عليها ، للخبرين المنقولين في التهذيب ، و لضعف سندهما حملا على الكراهة . و في التهذيب باسناده عن الفطحيّة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب و إن كان قد صلّي عليه . و فيه عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : سألته عن الجنازة لم أدركها حتّى بلغت القبر اصلّي عليها ؟ قال : إن أدركتها قبل أن يدفن فان شئت فصلّ عليها . و فيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله خرج إلى جنازة امرأة من بني النجار فصلّى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجى‏ء قوم إلاّ قال لهم : صلّوا عليها . فتأمّل جيّدا . و إن قلت : فما معنى الصلاة في قول أبي جعفر المرويّ آنفا من الكافي عن زرارة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى على حمزة سبعين صلاة و مثله ما في السيرة حتّى صلّى عليه ثنتين و سبعين صلاة ؟ . قلت : الصلاة هذه بمعنى الدّعاء أي دعا له سبعين مرّة بعد كلّ تكبيرة ، و يبيّنه قوله الآخر المرويّ آنفا أيضا من الكافي عن إسماعيل بن جابر أنّه صلّى اللَّه عليه و آله صلّى عليه سبعين صلاة و كبّر عليه سبعين تكبيرة . و يعبّر عن الدّعاء للميّت فيما بين التكبيرات بالصلاة ففي التهذيب باسناده عن محمّد بن يزيد ، عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام جالسا فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال له : خمس تكبيرات ، ثمّ دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز فقال له : أربع صلوات ، فقال الأوّل : جعلت فداك سألتك فقلت خمسا و سألك هذا فقلت أربعا ؟ فقال : إنّك سألتني عن التكبير و سألني هذا عن الصلاة [ 383 ] ثمّ قال : إنها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات ، ثمّ بسط كفّه فقال : إنهنّ خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات . « حث الرسول ( ص ) على طلب العلم حتى في دفن القتلى » قال ابن هشام في السيرة ( ص 89 ج 2 ) قال ابن اسحاق : حدّثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمّا أشرف على القتلى يوم احد قال : أنا شهيد على هؤلاء أنّه ما من جريح يجرح في اللَّه إلاّ و اللَّه يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه اللّون لون دم و الريح ريح مسك انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر ، و كانوا يدفنون الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد . قوله عليه السّلام : « و جعفر و زيد يوم موتة » أي قتلا في غزوة موتة و جعفر هو ابن أبي طالب بن عبد المطلب و كان ثالث الإخوة من ولد أبي طالب أكبرهم طالب ، و بعده عقيل ، و بعده جعفر ، و بعده عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام و كلّ واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين و امّهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف . و كان لجعفر رضوان اللَّه عليه فضل كثير ، فقال ابن هشام في السيرة النبويّة ( ص 359 ج 2 ) : و ذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي : أنّ جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يوم فتح خيبر فقبّل رسول اللَّه بين عينيه و التزمه و قال : ما أدري بأيّهما أنا أسرّ : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر . و كفى في فضله ما قاله أمير المؤمنين عليه السّلام في حقّه في زمرة من مدحهم في هذا الكتاب الذي نقلناه عن نصر من أنّ اللَّه وليّ الاحسان إليهم و المنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات ، فما سمعت بأحد و لا رأيت فيهم من هو أنصح للّه في طاعة رسوله و لا أطوع لرسوله في طاعة ربّه و لا أصبر على اللأواء و الضرّاء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من هؤلاء النفر الخ . و قال اليعقوبي في التاريخ ( ص 97 ج 2 طبع النجف ) : كان المشبّهون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله جعفر بن أبي طالب ، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله : أشبهت خلقي [ 384 ] و خلقي . الخ . و قال ابن عبد البرّ في كتاب الاستيعاب : كان سنّ جعفر يوم قتل إحدى و أربعين سنة و قال ابن هشام في السيرة ( ص 378 ج 2 ) : و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة . و مؤتة بالهمز و حكي أيضا غير الهمز قرية من أرض البلقاء من الشام ، و قيل : غزوة مؤتة تسمّى أيضا غزوة جيش الامراء لكثرة جيش المسلمين فيها و ما لاقوه من الحرب الشديد مع الكفار . و زيد هذا هو زيد بن حارثة و كان جعفر و زيد و عبد اللَّه بن رواحة امراء الجيش لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و كان لعبد اللَّه قصائد و أراجيز في غزوة مؤتة و تشجيع الناس على قتال الخصم و سنتلو بعضها عليك . قال ابن واضح الأخباري في كتابه المعروف بتاريخ اليعقوبي ( ص 49 ج 2 ) : و وجّه يعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله جعفر بن أبي طالب ، و زيد بن حارثة ، و عبد اللَّه بن رواحة في جيش إلى الشام لقتال الرّوم سنة ثمان و روى بعضهم أنّه صلّى اللَّه عليه و آله قال : أمير الجيش زيد بن حارثة ، فان قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب ، فان قتل جعفر بن أبي طالب فعبد اللَّه بن رواحة ، فان قتل عبد اللَّه بن رواحة فليرتض 1 المسلمون من أحبّوا ، و قيل : بل كان جعفر المقدّم ، ثمّ زيد بن حارثة ، ثمّ عبد اللَّه بن رواحة . و صار إلى موضع يقال له مؤتة من الشام من البلقاء من أرض دمشق فأخذ زيد الراية فقاتل حتّى قتل . ثمّ أخذها جعفر فقطعت يده اليمنى فقاتل باليسرى فقطعت يده اليسرى ثمّ ضرب وسطه . ثمّ أخذها عبد اللَّه بن رواحة فقتل . فرفع لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كلّ خفض ، و خفض له كلّ رفع حتى رأى مصارعهم و قال : رأيت سرير جعفر المقدّم فقلت يا جبريل إني كنت قدّمت زيدا فقال : إنّ اللَّه قدّم جعفرا لقرابتك ، و نعاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فقال : أنبت اللَّه لجعفر جناحين من ----------- ( 1 ) و في بعض الكتب : فان قتل فليتربص المسلمون برجل من بينهم يجعلونه عليهم . [ 385 ] زبرجد يطير بهما في الجنّة حيث يشاء ، و اشتدّ جزعه ، و قال : على جعفر فلتبك البواكي . و تأمّر خالد بن الوليد على الجيش . قالت أسماء بنت عميس الخثعمية و كانت امرأة جعفر و أمّ ولده جميعا : دخل عليّ رسول اللَّه و يدي في عجين فقال : يا أسماء أين ولدك ؟ فأتيته بعبد اللَّه و محمّد و عون فأجلسهم جميعا في حجره و ضمّهم إليه و مسح على رؤوسهم و دمعت عيناه ، فقلت : بأبي و أمّي أنت يا رسول اللَّه لم تفعل بولدي كما تفعل بالأيتام لعلّه بلغك عن جعفر شي‏ء ؟ فغلبته العبرة و قال : رحم اللَّه جعفرا ، فصحت و اويلاه و اسيّداه ، فقال : لا تدعي بويل و لا حرب و كلّ ما قلت فأنت صادقة ، فصحت و اجعفراه و سمعت صوتي فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فجاءت و هي تصيح و ابن عمّاه ، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يجرّ رداءه ما يملك عبرته و هو يقول : على جعفر فلتبك البواكي ، ثمّ قال يا فاطمة اصنعي لعيال جعفر طعاما فانّهم في شغل فصنعت لهم طعاما ثلاثة أيّام فصارت سنّة في بني هاشم . قال ابن اسحاق كما في السيرة لابن هشام : بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بعثة إلى مؤتة في جمادى الاولى سنة ثمان إلى أن قال : فتجهّز الناس ثمّ تهيّؤا للخروج و هم ثلاثة آلاف ، فلمّا حضر خروجهم ودّع الناس امراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّموا عليهم يعنى بالأمراء جعفرا و زيدا و عبد اللَّه . فلمّا ودّع عبد اللَّه بن رواحة من ودّع من امراء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بكى ، فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما و اللَّه ما بي حبّ الدّنيا و لا صبابة بكم ، و لكنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقرأ آية من كتاب اللَّه عزّ و جلّ يذكر فيها النار « و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقتضيّا » ( مريم آية 74 ) فلست أدري كيف لي بالصّدر بعد الورود . فقال المسلمون : صحبكم اللَّه و دفع عنكم و ردّكم إلينا صالحين فقال : عبد اللَّه ابن رواحة : [ 386 ] لكنّني أسأل الرحمن مغفرة و ضربة ذات فرغ تقذف الزّبدا أو طعنة بيدي حرّان مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا حتّى يقال إذا مرّوا على جدثي أرشده اللَّه من غاز و قد رشدا قال ابن اسحاق : ثمّ إنّ القوم تهيّؤا للخروج فأتى عبد اللَّه بن رواحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فودّعه ثمّ قال : فثبّت اللَّه ما آتاك من حسن تثبيت موسى و نصرا كالذي نصروا 1 إنّي تفرّست فيك الخير نافلة اللَّه يعلم أنّي ثابت البصر 2 أنت الرّسول فمن يحرم نوافله و الوجه منه فقد أزرى به القدر و هذه الأبيات في قصيدة له ثمّ خرج القوم و خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حتّى إذا ودّعهم و انصرف عنهم قال عبد اللَّه بن رواحة : خلف السّلام على امرى‏ء ودّعته في النخل خير مشيّع و خليل « تخوف الناس من لقاء هرقل و تشجيع ابن رواحة الناس على القتال » ثمّ مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغ الناس أنّ هر قل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الرّوم و انضمّ اليهم من لخم و جذام و القين و بهراء و بلىّ مائة ألف منهم عليهم رجل من بلىّ ثمّ أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة فلمّا بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكّرون في أمرهم ، و قالوا : نكتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فنخبره بعدد عدوّنا فإمّا أن يمدّنا بالرجال و إمّا أن يأمرنا بأمره فنمضي له . فشجّع الناس عبد اللَّه بن رواحة و قال : يا قوم و اللَّه إن الّتي تكرهون للّتي خرجتم تطلبون الشهادة و ما نقاتل الناس بعدد و لا قوّة و لا كثرة ما نقاتلهم إلاّ بهذا الدّين الذي أكرمنا اللَّه به ، فانطلقوا فانما هي إحدى الحسنيين إمّا ظهور ، و إمّا شهادة . ----------- ( 1 ) فالمصراع الثانى في رواية : في المرسلين و نصرا كالذى نصروا . ----------- ( 2 ) و المصراع الثانى فى رواية : فراسة خالفت فيك الذى نظروا . يعنى المشركين . [ 387 ] فقال الناس : قدو اللّه صدق ابن رواحة ، فمضى الناس حتّى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الرّوم و العرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثمّ دنا العدوّ و انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها فتعبّأ لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة ، و على ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عباية ( عبادة خ ل ) بن مالك . ثمّ التقى الناس و اقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى شاط في رماح القوم . ثمّ أخذها جعفر فقاتل بها حتّى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثمّ قاتل حتّى قتل ، فكان جعفر أوّل رجل من المسلمين عقر في الإسلام . أقول : و قد مضى كلامنا في البحث عن المثلة آنفا من أنّ جعفرا رضوان اللّه عليه لما ذا عقرها . قال ابن اسحاق : و حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزبير ، عن أبيه عبّاد قال : حدثني أبي الذي أرضعني و كان أحد بني مرّة بن عوف و كان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : و اللّه لكأنّي أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثمّ عقرها ثمّ قاتل حتّى قتل و هو يقول : يا حبذا الجنّة و اقترابها طيّبة و باردا شرابها و الروم روم قد دنى عذابها كافرة بعيدة أنسابها عليّ إذ لاقيتها ضرابها قال ابن هشام : و حدّثني من أثق به من أهل العلم : أنّ جعفر بن أبيطالب أخذ اللّواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتّى قتل رضي اللّه عنه و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة ، فأثابه اللّه بذلك جناحين في الجنّة يطير بهما حيث شاء . فلما قتل جعفر أخذ عبد اللّه بن رواحة الراية ثمّ تقدّم بها و هو على فرسه فجعل يستنزل نفسه و يتردّد بعض التردّد ثمّ قال : [ 388 ] أقسمت يا نفس لتنزلنّه لتنزلنّ أو لتكر هنّه إن أجلب الناس و شدّ و الرّنّه مالي أراك تكرهين الجنّة قد طال ما قد كنت مطمئنّة هل أنت إلاّ نطفة في شنّه و قال أيضا : يا نفس إلاّ تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت و ما تمنّيت فقد اعطيت إن تفعلي فعلهما هديت يريد بقوله فعلهما صاحبيه جعفرا و زيدا . ثمّ نزل فلمّا نزل أتاه ابن عمّ له بعرق من لحم فقال : شدّ بهذا صلبك فانك قد لقيت في أيّامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثمّ انتهس منه نهسة ثمّ سمع الحطمة في ناحية الناس فقال : و أنت في الدّنيا ، ثمّ ألقاه من يده ثمّ أخذ سيفه فتقدّم فقاتل حتّى قتل . و العرق بالفتح ثمّ السكون : العظم الذي عليه بعض اللّحم . ثمّ أخذ الراية ثابت بن أقران أخوبني العجلان فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم . قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلّما أخذ الراية دافع القوم و حاشى بهم ، ثمّ انحاز و انحيز عنه حتّى انصرف بالناس . « تنبؤ الرسول ( ص ) بما حدث للمسلمين مع الروم » قال ابن هشام في السيرة : قال ابن إسحاق : و لما اصيب القوم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيما بلغني : أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتّى قتل شهيدا . ثمّ أخذها جعفر فقاتل بها حتّى قتل شهيدا ، قال : ثمّ صمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى تغيّرت وجوه الأنصار و ظنّوا أنّه قد كان في عبد اللّه بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثمّ قال : ثمّ أخذها عبد اللّه بن رواحة فقاتل بها حتّى قتل شهيدا ، ثمّ قال : لقد رفعوا إليّ في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد اللّه بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت : عمّ هذا ؟ فقيل لي : مضيا و تردّد عبد اللّه بعض التردّد [ 389 ] ثمّ مضى . ثمّ نقل ابن إسحاق رواية أسماء بنت عميس الّتي نقلناها عن تاريخ اليعقوبي و الروايتان تختلفان في بعض الألفاظ إلى أن قال : فقال صلّى اللّه عليه و آله : لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فانّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم . ثمّ نقل رجوع الجيش إلى المدينة و تلقّى الرسول لهم و غضب المسلمين عليهم فقال : حدّثنى محمّد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال : لمّا دنوا من حول المدينة تلقّاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المسلمون ، قال : و لقيهم الصبيان يشتدّون و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقبل مع القوم على دابّة ، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم و اعطوني ابن جعفر فاتي بعبد اللّه فأخذه فحمله بين يديه قال : و جعل الناس يحثّون على الجيش التراب و يقولون يا فرّار فررتم في سبيل اللّه قال : فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليسوا بالفرّار و لكنّهم الكرّار إن شاء اللّه تعالى . قال ابن إسحاق : و حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هاشم و هم أخواله ، عن امّ سلمة زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : قالت امّ سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مع المسلمين ؟ قالت : و اللّه ما يستطيع أن يخرج كلّما خرج صاح به الناس يا فرّار فررتم في سبيل اللّه حتّى قعد في بيته فما يخرج . و سمّى ابن هشام في السيرة من استشهد يوم مؤتة من المسلمين اثنى عشر رجلا منهم جعفر بن أبي طالب ، و زيد بن حارثة من بني هاشم ، و عبد اللّه بن رواحة ، و عباد بن قيس من الأنصار ، ثمّ من بني الحارث بن الخزرج . قوله عليه السّلام : « و أراد للّه من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبيّ غير مرّة و لكن آجالهم عجّلت ، و منيّته اجّلت » أراد عليه السّلام : بقوله : « من لو شئت ذكرت اسمه » نفسه ، و قوله : غير مرّة متعلّق بقوله أراد ، و بين عجلّت و اجّلت جناس مضارع نحو بيني و بين كنّى ليل دامس و طريق طامس . و المراد أنه عليه السّلام أخبر عن نفسه بأني أردت للّه تعالى الشهادة في سبيله مع [ 390 ] النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غير مرّة أي في غزوات عديدة مثل هؤلاء النفر الذين رزقوها لكن آجالهم عجلّت ، أي جاء أجلهم و قضوا نحبهم ، و منيّتي اجّلت ، أي اخّرت فانّ الآجال بيد اللّه تعالى قال عزّ من قائل « ما تسبق من امّة أجلها و ما يستأخرون » ( الحجر 7 ) . و روى الشيخ الجليل أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد ( ص 137 طبع ايران 1322 ه ) باسناده عن خالد بن يزيد ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبيه عليهم السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الأحزاب : اللّهمّ إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر ، و حمزة بن عبد المطّلب يوم احد و هذا أخي عليّ بن أبيطالب ، ربّ لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين . قوله عليه السّلام : « فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي و لم تكن له كسابقتي الّتي لا يدلى أحد بمثلها » لمّا ذكر طائفة مما يدلّ على سابقته في الإسلام و تقدّمه و أفضليّته على من سواه أردفه بالتعجّب من الدّهر حيث أنزله ثمّ أنزله حتّى قرنه بمن لم يكن له سعي في الدفاع عن الدّين ، و حماية بيضة الاسلام بقدم مثل قدمه عليه السّلام ، و لم يكن له سابقة كسابقته الّتي ليس لأحد أن يتوسّل بمثلها ، و يحتجّ به . و قد قدّمنا في صدر شرح هذا الكتاب أنّ الأشياء الّتي استحقّ بها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفضل هي السبق إلى الإيمان ، و الهجرة ، و النصرة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و القربى منه ، و القناعة ، و بذل النفس له ، و العلم بالكتاب و التنزيل ، و الجهاد في سبيل اللّه ، و الورع ، و الزهد ، و القضاء ، و الحكم ، و العفّة ، و العلم ، و كلّ ذلك كان لعليّ عليه السّلام منه النصيب الأوفر ، و الحظّ الأكبر ، فأين لابن آكلة الأكباد أن يوازنه و يوازيه و يقرن به ؟ . ثمّ إذا كان له عليه السّلام في جميع ما يستحقّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فضلا النصيب الأوفر و السبق على من سواه بحيث لا يدلى أحد بمثلها فأنّى لغيره عليه السّلام أن يتقدّمه في الخلافة ؟ فهل هذا إلا ازورارا عن الحقّ ؟ . فبما ذكرنا دريت أنه عليه السّلام أشار بقوله : من لم يسع بقدمي الخ ، إلى معاوية [ 391 ] ظاهرا ، و إلى من تقدّم عليه من الخلفاء تلويحا و قد قال عليه السّلام في الشقشقيّة : فياللّه و للشورى متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت اقرن إلى هذه النظائر ؟ و في الكافي باسناده عن السّراد عن عبد اللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : ثلاثة هم شرار الخلق ابتلى بهم خيار الخلق : أبو سفيان بن حرب أحدهم قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عاداه ، و معاوية قاتل عليّا و عاداه ، و يزيد بن معاوية لعنه اللّه قاتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام و عاداه حتّى قتله . ( الوافي ص 58 ج 2 ) . « كلام معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان فى جده و أبيه » و يعجبني أن نذكر في المقام ما وصف معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في خلافته جدّه و أباه ، فانه كان أدرى بما فيهما . نقل كلامه اليعقوبيّ في التاريخ ( ص 226 ج 2 طبع النجف ) و العلامة الشيخ بهاء الدين العاملي في الكشكول و نحن ننقل عن اليعقوبي . قال : ثمّ ملك معاوية بن يزيد بن معاوية و امّه امّ هاشم بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة أربعين يوما و قيل بل أربعة أشهر ، و كان له مذهب جميل فخطب الناس فقال : أمّا بعد حمد اللّه و الثناء عليه أيّها الناس إنّا بلينابكم و بليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا و طعنكم علينا ، ألا و إنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمرين كان أولى به منه في القرابة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أحقّ في الإسلام ، سابق المسلمين ، و أوّل المؤمنين ، و ابن عمّ رسول ربّ العالمين ، و أبا بقيّة خاتم المرسلين ، فركب منكم ما تعلمون ، و ركبتم منه ما لا تنكرون حتّى أتته منيّته ، و صار رهنا بعمله . ثمّ قلّد أبي و كان غير خليق للخير ، فركب هواه ، و استحسن خطأه ، و عظم رجاؤه فأخلفه الأمل و قصر عنه الأجل ، فقلّت منعته ، و انقطعت مدّته ، و صار في حفرته رهنا بذنبه ، و أسيرا بجرمه ، ثمّ بكى و قال : إنّ أعظم الامور علينا علمنا بسوء مصرعه ، و قبح منقلبه ، و قد قتل عترة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ، و أباح الحرمة ، و حرّق الكعبة [ 392 ] و ما أنا المتقلّد اموركم ، و لا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم ، فو اللّه لئن كانت الدّنيا مغنما لقد نلنا منها حظّا . و إن تكن شرّا فحسب آل سفيان ما أصابوا منها . قوله عليه السّلام : « إلاّ أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه و لا أظنّ اللّه يعرفه » يعني أنّ من يدّعي خلاف ما ذكرته فهو كاذب مختلق ، و دعواه باطلة زاهقة . و لمّا كان عليه السّلام أفضل الصحابة في جميع الصفات الكماليّة فما لا يعرفها فهي داحضة ، فأشار بقوله : إلاّ أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه ، إلى أنّ ما ادّعاه ممّا لا يعزفه باطل . و ضمير يعرفه يرجع إلى ما كضمير أعرفه ، و المراد أنّ ما ادّعاه مدّع خلاف ما ذكرته غير موجودة و ما ليس بموجود لا تتعلق المعرفة بوجوده و الظن بمعنى العلم و الغرض العلم بالسلب أي اللّه يعلم أنّ ما ادّعاه مدّع ممّا لا أعرفه ليس بموجود . قوله عليه السّلام : « و الحمد للّه على كلّ حال » تأسّى عليه السّلام في كلامه هذا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و هذا القول يؤمي إلى اغتمامه عليه السّلام ، و ذلك أنّ ثقة الاسلام الكليني رضوان اللّه عليه روى في الكافي باسناده عن محمّد ، عن ابن عيسى ، عن القاسم ، عن جدّه ، عن مثنّى الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ورد عليه أمر يسرّه قال : الحمد للّه على هذه النعمة ، و إذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال : الحمد للّه على كلّ حال . و روى هذه الرواية الفيض قدّس سرّه في باب الشكر من أبواب جنود الايمان من الوافي ( ص 68 ج 3 ) عن الكافي أيضا . قوله عليه السّلام : « و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم ، و بغيي عليهم ، فأمّا البغي فمعاذ اللّه أن يكون » كلامه هذا إلى قوله : إنّ حقّي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوز اللّه عنهم ، جواب عن قول معاوية في كتابه : فكلّهم حسدت و على كلّهم بغيت إلى قوله : و في إبطائك عن الخلفاء . و قد مضى كلامنا في البحث عن الإمامة في المختار 237 أنّ الامام أجلّ شأنا من أن يكون باغيا ، فانّ البغي من الذّنوب العظيمة و جميع الذّنوب أربعة [ 393 ] أوجه لا خامس لها : الحرص ، و الحسد ، و الغضب ، و الشهوة ، فهذه منفيّة عنه ، فراجع إلى ( ص 44 من ج 15 ) . و أمّا اجتماع الناس في سقيفة بني ساعدة و اختلاف المهاجرين و الأنصار في البيعة و لم يغسّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد حتّى غصبوا أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام حقّه فقد ذكره الشارح الخوئي قدّس سرّه في المباحث السالفة ، و نحن أشرنا إلى شر ذمة منه في المجلد السادس عشر ( ص 382 ) . و اليعقوبي في التاريخ في خبر السقيفة ( ص 102 ج 2 ) بعد ما نقل كلام عبد الرحمن بن عوف في فضل الأنصار قال : و قام المنذر بن الأرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت و إنّ فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد يعني عليّ بن أبيطالب عليه السّلام . إلى أن قال : و جاء البراء بن عازب فضرب الباب على بني هاشم و قال : يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر ، فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه و نحن أولى بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله ، فقال العباس : فعلوها و ربّ الكعبة . و كان المهاجرون و الأنصار لا يشكّون في عليّ عليه السّلام فلمّا خرجوا من الدّار قام الفضل بن العباس ، و كان لسان قريش فقال : يا معشر قريش إنه ما حقّت لكم الخلافة بالتموية و نحن أهلها دونكم ، و صاحبنا أولى بها منكم ، و قام عتبة بن أبي لهب فقال : ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف إلى آخر الأبياب الّتي نقلنا في ( ج 16 ص 383 ) عن خزيمة بن ثابت الأنصاري . ثمّ قال اليعقوبي : و تخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين و الأنصار و ما لو مع عليّ بن أبي طالب منهم : العباس بن عبد المطلب ، و الفضل بن العباس و الزبير بن العوام بن العاص ، و خالد بن سعيد ، و المقداد بن عمرو ، و سلمان الفارسي ، و أبوذر الغفاري ، و عمّار بن ياسر ، و البراء بن عازب ، و ابيّ ابن كعب . قال : و كان خالد بن سعيد غائبا فأتى عليّا فقال : هلمّ أبايعك فو اللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك . [ 394 ] قال : فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب و أبي عبيدة بن الجراح و المغيرة ابن شعبة فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيبا يكون له و لعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية عليّ بن أبي طالب حجّة لكم على عليّ إذا مال معكم ، فانطلق أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بن الجراح و المغيرة حتّى دخلوا على العباس ليلا . فحمد أبو بكر اللّه و أثنى عليه ثمّ قال : إنّ اللّه بعث محمّدا نبيّا ، و للمؤمنين وليّا ، فمنّ عليهم بكونه بين أظهرهم حتّى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس امورا ليختاروا الأنفسهم في مصلحتهم مشفقين فاختاروني عليهم واليا ، و لامورهم راعيا ، فوليت ذلك و ما أخاف بعون اللّه و تسديده و هنا و لا حيرة و لا جبنا ، و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و إليه انيب . و ما أنفك يبلغني عن طاعن يقول الخلاف على عامّة المسلمين يتّخذكم لجأفتكون حصنه المنيع و خطبه البديع ، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، و إمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، و لقد جئناك و نحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك و يكون لمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و إن كان الناس قد رأوا مكانك و مكان صاحبك فعدلوا بالأمر عنكم على رسلكم بني هاشم فانّ رسول اللّه منّا و منكم . فقال عمر بن الخطاب : إي و اللّه ، و اخرى إنّا لم نأتكم لحاجة إليكم و لكن كرها أن يكون الطعن في ما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم و بهم فانظروا لأنفسكم . « احتجاج العباس عم رسول الله ( ص ) على أبى بكر و عمر فى أمر البيعة » قال اليعقوبيّ : فحمد العباس اللّه و أثنى عليه و قال : إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كما وصفت نبيّا ، و للمؤمنين وليّا ، فمنّ على امّته به حتّى قبض اللّه إليه و اختار له ما عنده ، فخلى على المسلمين امورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحقّ ، لا مائلين بزيغ الهوى ، فان كنت برسول اللّه فحقّا أخذت [ 395 ] و إن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدمنا في أمرك فرطا ، و لا حللنا وسطا ، و لا برحنا سخطا ، و إن كان هذا الأمر إنّما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا كارهين ، ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك إنهم اختاروك و ما لو إليك و ما أبعد تسميتك خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قولك خلى على الناس امورهم ليختاروا فاختاروك ، فأمّا ما قلت إنّك تجعله لي فإن كان حقّا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، و إن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض ، و على رسلك فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من شجرة نحن أغصانها و أنتم جيرانها ، فخرجوا من عنده . و في الجمل للمفيد قدّس سرّه ( ص 45 طبع النجف ) و قد عرفت الخاصة و العامّة ما أظهره أمير المؤمنين عليه السّلام من كراهته من تقدّم عليه و تظلّمه منهم ، فقال في مقام بعد مقام : اللّهم إنّي أستعيذك « أستعديك . ظ » على قريش فانهم ظلموني حقّي و منعوني إرثي و تمالوا عليّ . و قال عليه السّلام : لم أزل مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و قال : و قد عهد إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الامّة ستغدر بي من بعده ، و قال : يا عمر لقد ظلمت الحجر و المدر . و قال : اللّهمّ اجز قريشا عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي و دفعتني عن حقّي و أغرت بي سفهاء الناس و خاطرت بدمي . قوله عليه السّلام : « و أمّا ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه إلى قوله : إلاّ أن تتجنّى فتجنّ ما بدالك » هذا الفصل جواب عن قول معاوية في كتابه إليه عليه السّلام مخاطبا له بقوله : ثمّ لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمّك عثمان إلى قوله : و قد ذكر لي أنك تنصّل من دمه . و قد ذكرنا في شرح المختار الأوّل من كتبه و رسائله عليه السّلام الأحداث الّتي أحدثها عثمان ممّا نقمها الناس منه و طعنوا عليه و صارت أسباب قتله ( ص 203 ج 16 ) ، و نصح أمير المؤمنين عليه السّلام عثمان في ص ( 311 ج 16 من ) الواقدي و غيره ، و كذا قوله عليه السّلام « ما زلت أذبّ عن عثمان حتّى أنّي لأستحي » المنقول من الطبري و غيره في شرح المختار 238 من كلامه في باب الخطب ( ص 183 ج 16 ) و قوله عليه السّلام : و اللّه لقد دفعت عنه حتى خشيث أن أكون آثما . [ 396 ] و قد أشرنا في ( ص 351 ج 16 ) إلى أنّ عثمان قتل نفسه بأحداثه التي أحدثها و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال : اللّه قتله ، و أنه عليه السّلام كان في عزلة عن قتله ، و أنّه عليه السّلام نصحه و نصره غير مرّة و ما أراد عثمان منه نصحا و إلاّ لتاب من قوادحه حقيقة و لما خدع الناس مرّة بعد مرّة ، و أنّ أهل البصرة اتّهموا عليّا عليه السّلام بدم عثمان اتباعا لتسويلات شيطانيّة ، و أنّ اسناد دم عثمان إليه تهمة و بهتان ليس إلاّ و غيرها ممّا أشرنا إليها فراجع . و قال ابن الأثير في مادّة عفو من النهاية : قالت امّ سلمة لعثمان : لا تعف سبيلا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحبها ، أي لا تطمسها . ثمّ قد بيّنا تفسير قوله عليه السّلام : « إلاّ أن تتجنّى فتجنّ ما بدالك » في شرح الكتاب السادس ، فراجع . هنا انتهى المجلد السابع عشر من هذه الطبعة النفيسة فى اليوم الرابع و العشرين من شهر جمادى الثانية سنة 1385 بتصحيح و ترتيب من العبد : السيد ابراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه ، و ذلك في المطبعة المباركة الاسلامية بطهران . و يليه ان شاء الله المجلد الثامن عشر فى شرح بقية الكتاب و الحمد لله . [ 2 ] ج 18 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمْ حمدا لك يا من ألهمتنا حقائق الإيمان ، و هديتنا إلى جنابك بنور العلم و العرفان ، و دعوتنا إلى مأدبتك القرآن الفرقان ، و جعلتنا أهلا للإطّلاع على درر مكنونة عند خزنة علمك ، و أذنت لنا في الفحص عن أسرار مستترة عند عيبة وحيك و غيبك . اللهمّ صلِّ على نبيّك الخاتم ، المنزل عليه كتاب يهدي للّتي هي أقوم و على آله الكرام البررة ، و أصحاب العصمة و المعرفة . و على جميع من اجتبيت من رسلك و أرسلتهم إلى عبادك . و على الّذين احتذوا حذوهم ، و اقتفوا آثارهم ، و اقتدوا بهديهم . و بعد : فيقول العبد المحتاج إلى مولاه الغنيّ نجم الدّين الحسن بن عبد الله الطبريّ الاملي رحمهما اللّه تعالى و عفى عنهما : إنّ ما لفظه لسان ميزان القسط و باب مدينة العلم بحر لا تنفد لالى معانيه الغالية ، و ما أودعه في لطائف ألفاظه كنوز لا يزيدها الإنفاق إلاّ كثرة و سعة ، فقد تيسّر لنا بالكدّ و الجهد التامّين استخراج قبضة من تلك اللئالي و الكنوز فهذه بضاعتنا المزجاة نهديها إلى بغاة علم الدّين في شرح كلمات عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام ، و نطلب من اللّه التوفيق لاتمام الشرح على النهج السّديد ، و نرجوه لكلّ خير و نستزيد . و هذا هو المجلّد الرابع من تكملة منهاج البراعة في شرحنا على نهج البلاغة فينتهى المنهاج به إلى ثامن عشر ، فنقول مستعينا بواهب المعاني و الصور : [ 3 ] تتمّة المختار التاسع من كتبه عليه السّلام و رسائله قوله عليه السّلام : « و أمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك إلى قوله : و لا إلى غيرك » هذا الفصل جواب عن قوله معاوية له عليه السّلام : فان كنت صادقا فأمكنّا من قتلته نقتلهم به . و قد دريت من مباحثنا السالفة أنّ معاوية لم يجد شيئا يستغوي به النّاس و يستميل به أهواءهم إلاّ أن قال لهم : قتل إمامكم مظلوما فهلمّوا نطلب بدمه فاستجاب له جفاة طعام ، عبيد قزام ، جمعوا من كل أوب ، و تلقطوا من كلّ شوب . و أنّ عمّار بن ياسر قال في بعض أيّام صفين كما رواه أبو جعفر الطبريّ في التاريخ و نقلناه في ص 286 ج 15 : أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الّذين يبغون دم ابن عفّان ، و يزعمون أنّه قتل مظلوما ، و اللّه ما طلبتم بدمه و لكنّ القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبّوها و استمرؤوها ، و علموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرّغون فيه من دنياهم ، و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون . طاعة الناس و الولاية عليهم ، فخذعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان الخ . و أنّ معاوية لم يكن وليّ دم عثمان حتّى يطلبه ، بل كان ولده أولياء دمه و أشار أمير المؤمنين عليه السّلام إليه تلويحا : فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك . و أنّ معاوية لم يكن له ولاية شرعيّة على المسلمين ، ثمّ لم يرافع إليه أحد في دم ابن عفّان شيئا ، و ما ترافع إليه الخصمان فيه فأنّى له أن يطلب قتلة عثمان ؟ و أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن شريكا في دمه ، بل كان في عزلة عن قتله و لم يحضر قتل عثمان يوم قتل . [ 4 ] و نصّ أبو جعفر الطبريّ في التاريخ أنّه لما حصر عثمان كان عليّ عليه السّلام بخيبر فلو رأى معاوية أنّه عليه السّلام كان من قاتليه فهو خطأ ، و علمت أنّ إسناد قتله إليه اختلاق بل في مروج الذهب للمسعودي أنه لمّا بلغ عليّا عليه السّلام أنّهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن و الحسين و مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته حتّى أنّ القوم لما اشتبكوا جرح الحسن و شجّ قنبر . و كذا قال المسعوديّ : لمّا حصر الناس عثمان في داره منعوه الماء فأشرف على الناس و قال : ألا أحد يسقينا ؟ فبلغ عليّا عليه السّلام طلبه للماء فبعث إليه بثلاث قرب ماء الخ ، فراجع إلى ( ص 330 ج 16 ) . و لو رآه وليّ المسلمين ، و حاكم الشرع المبين طلب عنده حقّا من غيره فقد كان واجبا عليه أن يرافع الدّعوى إليه عليه السّلام مع الشروط المعتبرة في الترافع و ما فعل معاوية ذلك . على أنّما قتله خلق كثير حتّى شهد قتله ثمانمأة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يرون أنّ عثمان كان يستحقّ القتلى بأحداثه ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم المنقري ( ص 176 الطبع الناصري ) مذكور أنّما جرى بين عمّار بن ياسر رضوان اللّه عليه و عمرو بن العاصي كلام طويل في بعض أيّام صفين إلى أن قال عمرو لعمّار : فعلى م تقاتلنا ؟ أو لسنا نعبد إلها واحدا ، و نصلّي قبلتكم ، و ندعو دعوتكم ، و نقرء كتابكم ، و نؤمن برسولكم ؟ قال عمّار : الحمد للّه الّذي أخرجها من فيك إنّها لي و لأصحابي القبلة و الدّين و عبادة الرحمن و النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و الكتاب من دونك و دون أصحابك الحمد للّه الّذي قررّك لنا بذلك دونك و دون أصحابك ، و جعلك ضالاّ مضلاّ لا تعلم هاد أنت أم ضالّ ، و جعلك أعمى و ساء خبرك على ما قاتلتك عليه أنت و أصحابك ، أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن اقاتل الناكثين و قد فعلت ، و أمرني أن اقاتل القاسطين فأينم هم و أمّا المارقين فما أدري ادركهم أم لا ؟ 1 أيّها الأبتر ألست تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ----------- ( 1 ) لم يدركهم لانه رضوان اللّه عليه قتل في صفين قتله الفئة الباغية معاوية و أتباعه و قدمنا ترجمة عمار فراجع الى ج 16 من ص 273 الى 299 . منه [ 5 ] قال لعليّ عليه السّلام : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه و أنا مولى اللّه و رسوله و عليّ بعده و ليس لك مولى . قال عمرو : لم تشتمني يا أبا اليقظان و لست أشتمك ؟ قال عمّار : و بم تشتمني أتستطيع أن تقول إنّي عصيت اللّه و رسوله يوما قطّ ؟ . قال له عمرو : إنّ فيك لمسبات سوى ذلك . فقال عمّار : إنّ الكريم من أكرمه اللّه : كنت وضيعا فرفعني اللّه ، و مملوكا فأعتقني اللّه ، و ضعيفا فقوّاني اللّه ، و فقيرا فأغناني اللّه . و قال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال : فتح لكم باب كلّ سوء قال عمرو : فعليّ قتله ، قال عمّار : بل اللّه ربّ علىّ قتله و عليّ معه ، قال عمرو : كنت فيمن قتله من هنا عند ابن عقبة ، قال : كنت مع من قتله و أنا اليوم اقاتل معهم ، قال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه ، فقال عمرو : ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان ؟ قال عمّار : و قد قالها فرعون قبلك لقومه : ألا تسمعون . و بالجملة إذا كان قتلة عثمان هذا الجمع العظيم و كان فيهم كبار الصحابة من الأنصار و المهاجرين و مثل عمّار بن ياسر على جلالة شأنه و علوّ مقامه و ثباته في الدّين اعترف بالمشاركة في قتله فكيف يسع أمير المؤمنين عليه السّلام دفعهم إلى معاوية أو إلى غيره أوّلا ، و مع فرض تمكّنه من ذلك كيف يسوّغه الشرع قتل جمع عظيم من الأنصار و المهاجرين و كبار التابعين برجل أحدث أحداثا نقمها الناس منه و طعنوا عليه و قتلوه بها ثانيا . و لعلّ قوله عليه السّلام : « و أمّا ما ذكرت من أمر عثمان فإنّي نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينيه فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك » يشير إلى الوجه الأخير خاصّة . و روى أنّ أبا هريرة و أبا الدرداء أتيا معاوية فقالا له : على م تقاتل عليّا [ 6 ] و هو أحقّ بالأمر منك لفضله و سابقته ؟ فقال : لست اقاتله لأنّي أفضل منه و لكن ليدفع إليّ قتلة عثمان ، فخرجا من عنده و أتيا عليّا عليه السّلام فقالا له : إنّ معاوية يزعم أنّ قتلة عثمان عندك و في عسرك فادفعهم إليه فإن قاتلك بعدها علمنا أنّه ظالم لك . فقال عليّ عليه السّلام : إنّي لم أحضر قتل عثمان يوم قتل و لكن هل تعرفان من قتله ؟ . فقالا : بلغنا أنّ محمّد بن أبي بكر و عمّارا و الأشتر و عديّ بن حاتم و عمرو بن الحمق و فلانا ممّن دخل عليه . فقال عليّ عليه السّلام : فامضيا إليهم فخذوهم ، فأقبلا إلى هؤلاء النفر و قالا لهم : أنتم من قتل عثمان و قد أمر أمير المؤمنين بأخذكم قال : فوقعت الصيحة في العسكر بهذا الخبر فوثب من عسكر عليّ أكثر من عشرة آلاف رجل في أيديهم السيوف و هم يقولون : كلّنا قتله ، فبهت أبو هريرة و أبو الدّرداء ثمّ رجعا إلى معاوية و هما يقولان : لا يتمّ هذا الأمر أبدا فأخبراه بالخبر . و قد مرّ قريب من هذه الرواية عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم في صدر هذا الشرح قول عليّ عليه السّلام لأبي مسلم الخولاني : اغد عليّ غدا فخذ جواب كتابك إلى قول نصر : فلبست الشيعة أسلحتها ثمّ غدوا فملأوا المسجد و أخذوا ينادون : كلّنا قتل ابن عفّان . و في رواية اخرى : لما سئل عليّ عليه السّلام تسليمهم قال و هو على المنبر : ليقم قتلة عثمان ، فقام أكثر من عشرة آلاف رجل من المهاجرين و الأنصار و غيرهم . فكيف يمكن تسليم أكثر من عشرة آلاف رجل جلّهم من حماة الدّين و قواعده إلى من يطلب بدم رجل واحد قتلوه بأحداثه الّتي نقموها منه ؟ . قوله عليه السّلام : « و لعمري لئن لم تنزع عن غيّك إلى قوله : و زور لا يسرك لقيانه » هذا الفصل جواب عن قول معاوية حيث قال في كتابه مخاطبا له عليه السّلام : « و الّذي لا إله إلاّ هو لنطلبنّ قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البرّ و البحر حتّى [ 7 ] يقتلهم اللّه أو لتلحقن أرواحنا باللّه » . و لمّا كان معاوية شمخ بأنفه و تجاوز عن حدّه و جعل اللّه تعالى عرضة في يمينه و هدّد الأمير و شيعته بقوله الشنيع أجابة الأمير عليه السّلام و أخبره عن عاقبته السؤى بقوله ذلك : أي لعمري قسمي لئن لم تنته و لم تكفّ عن ضلالك و خلافك لتعلمنّ أنّ هؤلاء المسلمين الّذين يجاهدون في سبيل اللّه يطلبونك بعد زمان قليل ، و لا يشقون عليك أن تطلبهم في البرّ و البحر و الجبال و الرمال ، يعني لا حاجة إلى أن تكلّف نفسك في طلبهم ، بل أنّهم يطلبونك ، فلا يخفى لطف كلامه و عذوبته في تهديده عليه السّلام معاوية قبال كلامه في تهديده أمير المؤمنين عليه السّلام . ثمّ هدّده بعاقبة هذا الطلب بقوله : أنّ هذا الطلب يسوءك وجدانه ، و زور لا يسرّك لقيانه ، و الظاهر أن قوله عليه السّلام : عن قليل يطلبونك ، إشارة إلى ما سيوقع في وقعة صفين ، و سيأتي نحو قوله هذا كلامه عليه السّلام في آخر الكتاب الثامن و العشرين الّذي كتبه إلى معاوية أيضا جوابا : فسيطلبك من تطلب ، و يقرب منك ما تستبعد الخ . قوله عليه السّلام : « و قد كان أبوك أتاني حين ولّى النّاس أبا بكر ، الخ » قال اليعقوبي في التاريخ ( ص 105 ج 2 طبع النجف ) و كان فيمن تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب و قال : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم و قال لعليّ بن أبي طالب : امدد يدك ابايعك و على معه قصى فقال : بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيّما تيم بن مرّة أو عدي فما الأمر إلاّ فيكم و إليكم و ليس لها إلاّ أبو حسن عليّ ابا حسن فاشدد بها كفّ حازم فاتك بالأمر الذي يرتجى ملى و إنّ امرءا يرمى قصيّا وراءه عزيزا الحمى و النّاس من غالب قصي و قال المفيد في الجمل ( ص 42 طبع النجف ) : في الفصل المترجم بقوله : انكار جماعة بيعة أبي بكر ، بعد عدّ عدّة من المنكرين بيعته : و قال أبو سفيان بن حرب بن صخر بأعلى صوته : يا بني هاشم أرضيتم أن يلي عليكم بنو تيم بن مرّة حاكما على العرب و متى طمعت أن تتقدّم بني هاشم في الأمر ، انهضوا لدفع هؤلاء [ 8 ] القوم عمّا تمالوا إليه ظلمالكم ، أما و اللّه لأن شئتم لأملأنّها عليكم خيلا و رجالا ثمّ قال : بني هاشم ، الأبيات . و قال في الإرشاد ( ص 90 طبع طهران 1377 ) : و قد كان جاء أبو سفيان ( يعنى بعد ما بدر الطّلقاء بالعقد للرجل ) إلى باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليّ و العباس متوفّران على النظر في أمره فنادى : بني هاشم لا تطمعوا ، الأبيات ثمّ نادى بأعلى صوته : يا بني هاشم يا بني عبد مناف أرضيتم أن يلى عليكم أبو فصيل الرّذل ابن الرّذل أما و اللّه لو شئتم لأملأنّها عليهم خيلا و رجلا . فناداه أمير المؤمنين عليه السّلام : ارجع يا أبا سفيان فواللّه ما تريد بما تقول و ما زلت تكيد الإسلام و أهله و نحن مشاغيل برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و على كلّ امرى‏ء ما اكتسب و هو وليّ ما احتقب . فانصرف أبو سفيان إلى المسجد فوجد بني امية مجتمعين فحرّضهم على الأمر و لم ينهضوا له . و كانت فتنة عمّت ، و بليّة شملت ، و أسباب سوء اتّفقت ، تمكّن بها الشيطان ، و تعاون فيها أهل الإفك و العدوان ، فتخاذل في انكارها أهل الايمان و كان ذلك تأويل قول اللّه عزّ و جلّ ، و اتّقوا فتنة لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة . خاتمة يذكر فيها مسئلة فقهية و هي أنه قد تقدّم في شرح هذا الكتاب ( ص 383 ج 17 ) أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في يوم احد كانوا يدفنون الاثنين و الثلاثة من القتلى في قبر واحد . و كذلك قد تظافرت الاثار في أنّ ابن سعد لعنة اللّه عليه لما رحل من كربلاء خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى سيّد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين و أصحابه روحي لهم الفداء فصلّوا عليهم و دفنوا الحسين عليه السّلام حيث قبره الان و دفنوا ابنه عليّ بن الحسين عند رجله و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الّذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السّلام و جمعوهم فدفنوهم جميعا معا و دفنوا العبّاس بن عليّ عليهما السّلام في موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الان . ففيهما دلالة على جواز دفن ميّتين أو أكثر في قبر واحد ، أمّا الأوّل فلأنّه [ 9 ] كان في حضرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بل كان باذنه حيث قال صلّى اللّه عليه و اله : انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر . و قال في الخبر الاخر : المروي عنه صلّى اللّه عليه و اله كما في مدارك الأحكام في شرح شرايع الاسلام : انه قال للأنصار يوم احد : احفروا و أوسعوا و عمقوا و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد . و أمّا الثاني فلأنّ بني أسد كانوا مسلمين بل لعلّهم كانوا مؤمنين فلو لا علمهم بجواز ذلك من الشرع لما فعلوه في المقام ، على أنّه لم ينكر عليهم أحد . و الجواز لا خلاف فيه و إنّما الكلام في أنّ جواز ذلك فيما يقتضيه الضرورة كما هي ظاهر المقامين سيما الثاني ، أو أنّ العمل جائز مطلقا ، ثمّ لو لا الضرورة أكان مكروها أو محرّما . و هل يفصّل في المقام بين ما كان الميتان رجلين أو امرأتين و بين ما كانا رجلا و امرأة ، و على الثاني بين ما كانا أجنبيّين و غير أجنبيّين و على التقادير كلّها هل يجوز دفن أكثر من واحد في قبر ابتداء أو مطلقا . فالمنقول عن الشيخ قدّس سرّه في المبسوط : الأولى أن يفرد لكلّ واحد منهم قبر لما روي عنهم عليهم السّلام أنّه لا يدفن في قبر واحد اثنان . و قال فيه : فان دعت الضرورة إلى ذلك جاز أن يجمع اثنان و ثلاثة في قبر واحد كما فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم احد . قال : فإذا اجتمع هؤلاء جعل الرجل ممّا يلى القبلة و الصّبيان بعدهم ثمّ الخناثي ثمّ النساء ، انتهى . و في التهذيب : محمّد بن الحسن الصّفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أيجوز أن يجعل ( نجعل معا ) الميّتين على جنازة واحدة و يصلّى عليهما ؟ فوقّع عليه السّلام : لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد . و رواه في الوسائل هكذا : قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام أيجوز أن يجعل الميّتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة و قلّة الناس و إن كان الميّتان رجلا و امرأة يحملان على سرير واحد و يصلّى عليهما ؟ فوقّع عليه السّلام : لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد . فيستفاد من الخبر أمران : أحدهما جواز حمل الميّتين الرجلين على جنازة [ 10 ] و ثانيهما عدم جوازه إذا كان أحدهما رجلا و الاخر امرأة حتّى حال الضرورة . فيحكم على ذلك في دفنهما أيضا على طريق الأولويّة أعني الجواز في الصورة الاولى و عدمه في الثانية . و قد ذهب بعض العلماء إلى حرمة دفن رجل أجنبيّ و امرأة أجنبيّة في قبر واحد و لعلّه افتى به من ظاهر هذا الخبر و إن كان الخبر أعم شمولا فانّه نهى عن حمل الرّجل و المرأة الميّتين في سرير مطلقا . كما أنّ الشيخ قدّس سرّه حكم بجعل الرجل ممّا يلى القبلة الخ في الدفن من الروايات الواردة في الصلاة على الجنائز المتعدّدة المختلفة الجنس . و الأصل يقتضى عدم جواز دفن الميّتين في قبر حال الإختيار كما هو المنقول عن ابن سعيد في الجامع و المرسل المذكور في المبسوط ظاهر في عدم الجواز . اللّهمّ إلاّ أن يقال إنّ ادّعاء الضرورة في واقعة احد غير ثابت فاذنه صلّى اللّه عليه و اله دليل على الجواز مطلقا من غير كراهة . لكن العلماء قد ذهبوا إلى القول بالكراهة في حال عدم الضرورة و بعدمها في الضرورة فمع الضرورة تزول الكراهة قطعا . هذا إذا دفنّا ابتداء و أمّا إذا استلزم دفن ميّت في قبر ميّت آخر بعد دفنه نبشه فحرام لتحريم النبش أوّلا ، و لأنّ الأوّل قد ملكه بالحيازة لكن قد يناقش على الأوّل بأنّ الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش و أحدهما غير الاخر ، و على الثاني بعدم ثبوت حقّ الأوّل و في المسئلة كلام بعد يطلب في الكتب الفقهيّة و الّذي حريّ أن يقال في المقام : إنّ دفن الميّتين في قبر واحد ابتداء مكروه إذا لم يقتض الضرورة و معها تزول الكراهة . و أمّا دفن ميّت في قبر آخر قبل أن يصير رميما فحرام . و إذا كان الميّتان رجلا و امرأة اجنبيّين فلا يترك الاحتياط في أن يفرد لكلّ واحد منهما قبر . [ 11 ] الترجمة اين كتاب نهم از باب كتب و رسائل أمير عليه السّلام است كه بمعاويه نوشت . روزى أبو مسلم خولانى با گروهى از قاريان شام كه از پيروان معاويه بودند بدو گفتند : تو كه چون علي صحبت و قرابت با پيغمبر و سابقت در اسلام و هجرت ندارى ، از چه روى با وى سر كارزار دارى ؟ . معاويه گفت : من ادّعا نميكنم كه در اين صفات از وي برتر يا با وى برابرم و لكن نه اين است كه عثمان بستم كشته شد ؟ گفتند : آرى چنين است ، گفت : علي كشندگان عثمان را تسليم ما كند تا كار به كار زار نكشد ، گفتند : در اين باره بدو نامه‏اى نويس ، معاويه نامه‏اى بأمير عليه السّلام نوشت و خولانى را براى رساندن نامه بسويش گسيل داشت . خولانى نامه را بأمير عليه السّلام رسانيد و بدو گفت : اكنون زمام توليت امور مسلمانان در دست تو است ، و بخدا سوگند اگر از خود داد حق بدهى دوست ندارم كه أمر خلافت به دست ديگرى جز تو باشد همانا كه عثمان مسلمان بود و خونش بستم ريخته شد تو أمير مائي كشندگانش را بما ده ، چه اگر كسى بمخالفت با تو برخيزد دستهاى ما بياريت آماده ، و زبانهاى ما در حقّت گواه ، و مر تو را نيز در نزد خدا و مردم عذر و حجّت خواهد بود . امام عليّ عليه السّلام فرمود : فردا بيا و پاسخ نامه را بستان ، چون فردا بيامد ديد كه مردم از نامه معاويه آگاه شده همگى با سلاح در مسجد گرد آمده ندا در ميدهند : ما همه كشندگان عثمانيم . خولانى بنزد أمير عليه السّلام آمد ، أمير بدو گفت : سوگند بخدا من نخواستم كه بيك چشم بهم زدنى آنانرا بدست تو دهم چه اين أمر را نيك نگريستم و آنرا زير و رو كردم ، سزاوار نديدم كه ايشان را بدست تو يا جز تو دهم . پس خولانى نامه بستاند و بسوى معاويه بازگشت و داستان را بدو باز نمود . [ 12 ] اينك ترجمه نامه معاويه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، از معاويه پور بوسفيان به عليّ بن أبيطالب : درود بر تو ، با تو خدا را ستايش ميكنم و نعمتهاى او را سپاس ميگذارم ، آنكه جز او خدائى نيست أمّا بعد همانا كه خداوند بدانش خود محمّد صلّى اللّه عليه و اله را برگزيد ، و او را أمين بروحيش و رسول به خلقش گردانيد و از مسلمانان ياراني برايش برگزيد كه بدستيارى آنان نيرويش داد و تأييدش فرمود ، و رتبه آنان در نزد خدا و رسول باندازه فضلشان در اسمان بود ، پس در ميانشان بعد از پيمبر كسى كه در اسلام برتر و در راه خدا و رسول مخلص‏تر است جانشين پيمبر و جانشين جانشين او است ، سپس جانشين سوّم عثمان كه بستم كشته شد . و تو أى علي بر همه‏شان حسد بردى ، و بهمه آنان ستم كردى ، ما اين معنى را از چپ چپ نگريستن ، و بخشم و تند و تيز نگاه كردن ، و از گفتار زشت ، و از آه كشيدن و دم بر آوردن دراز ، و از درنگ و كندى نمودنت در يارى جانشينان پيمبر پى برديم . تو آنى كه چون شتر نر مهار كرده ( چوب در بينى كشيده ) 1 بسوى ----------- ( 1 ) عبارت معاويه اين است : « تقاد الى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع » و مخشوش يعنى شتر سركش كه در بينى او خشاش كرده باشند و خشاش بالكسر چوبكى است كه در بينى حيوان سركش گذارند و زمامش را بدان بندند تا رام و منقاد شود و بهتر اطاعت كند . و اين عمل را در ولايت ما با گاو كارى سركش ميكنند تا رام شود و در شخم كردن سركشى نكند و گاهى بجاى چوب و ريسمان باريك در بينى آن در ميكشند و از دو طرف بشاخش مى‏بندند و گويند گاو را مهار كرده است . و ابن أثير در نهايه گويد : و في حديث الحديبية أنه أهدى في عمرتها جملا كان لابى جهل فى أنفه خشاش من ذهب . الخشاش : عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده ، و منه حديث جابر فانقادت معه الشجرة كالبعير المخشوش هو الذى جعل فى انفه الخشاش و الخشاش مشتق من خش في الشى‏ء اذا دخل فيه لانه يدخل في أنف البعير . [ 13 ] هر يك از خلفاى رسول براى بيعتت برده‏اند سرباز زدى و از آن كاره بودى و بويژه بعثمان بيشتر از ديگران حسد ورزيده‏اى با اينكه از جهت رحامت و خويشاوندى و دامادى او به پيمبر از همه سزاوارتر بود كه با وى چنان كارى نكنى پس قطع رحم كردى ، و خوبيهاى او را زشت گردانيدى ، و مردم را بر او شورانيدى ، و زير و رو كرده‏اى تا از هر سوى مردم بدو رو آوردند ، و بر عليه او در حرم رسول خدا حمل سلاح كردند ، تا او را كشتند ، و تو حاضر بودى و ناله و فرياد او را مى‏شنيدى و حرفى نزدى و كارى نكردى تا گمان بد درباره تو نبردند و تهمت بتو نزنند و بدانند كه به قتل او راضى نبودى . براستى سوگند ياد ميكنم كه اگر بيكسو ميشدى و مردم را از كشتن عثمان باز ميداشتى يك تن ما از تو بر نميگشت ، علاوه اينكه اين عمل تو آنچه را كه در باره تو راجع به عثمان مى‏پنداشتند جبران ميكرد و گمان بدشان را درباره تو محو ميكرد . و ديگر اينكه در نظر أنصار عثمان ، متّهمى كه كشندگانش را جا و پناه دادى كه اكنون تو را بازوان و يارانند و همدستان و دوستان خاصّ . و با اينهمه شنيدم كه خويشتن را از خون عثمان تبرئه مينمائى ، اگر راست ميگوئى ما را بر آنان دست ده تا ايشان را بقصاص خون عثمان بكشيم ، آنگاه بسويت شتابيم ، و گرنه تو و يارانت را طعمه شمشير گردانيم . سوگند بآنكه جز او خدائى نيست اگر قاتلان عثمان در كوهها و ريگستانها و دشت و دريا پراكنده شوند ، هر آينه بر آنان دست يابيم تا اينكه خدا آنانرا بكشد يا اينكه آنان جانهاى ما را بخدا بپيوندند . [ 14 ] ترجمه نامه امير المؤمنين على عليه السلام در پاسخ نامه معاويه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، از بنده خدا علي أمير مؤمنان به معاويه پور بوسفيان : أمّا بعد همانا كه بو مسلم خولانى نامه‏اى از شما آورده كه در او رسول خدا ، و نعمت هدايت و وحى را كه خدا باو انعام فرموده ذكر كرده‏اى ، پس حمد خدائى را كه به وعده‏اش درباره پيمبرش وفا كرد ، و نصرتش را بر او تمام گردانيد ، و مر او را در شهرها تميكن داد ، و بر قوم او كه دشمنى و كينه‏توزى با او داشتند ، و بر او حمله‏ها كردند ، و بغض او را در دل انباشتند ، و به دروغ نسبتش دادند ، و به قتال با او قيام كردند ، و بر اخراج او و أصحابش از مكّه هم پشت شدند ، و عرب را بر او تحريك كردند ، و آنانرا بر جنگ او گرد آوردند ، و تمام كوشش در كار او نمودند ، و كارها را بر او دگرگون كردند پيروز گردانيد ، تا دين خدا با اينكه آنان از آن بيزارى داشتند آشكار شد و غالب گرديد ، و شديدترين مردم بر او قوم او بويژه خويشان نزديك او بودند مگر كسانيكه خداوند آنانرا حفظ كرد . اى فرزند هند روزگار أمر شگفتي از شما بر ما پوشيده داشت پيش آمدى و بد نمودى و ناروا كردى كه ما را از آزمايش خدا به پيمبرش محمّد صلّى اللّه عليه و اله و به ما ، خبر ميدهى چه در اين كار چون آنكسى كه خرما به هجر برد ، يا آنكه بگستاخي استادش را كه از او تيراندازى بياموخت به تيراندازى بخواند . در آن كتاب گفتى : « خداوند از مسلمانان يارانى براى پيمبرش برگزيد كه بدستيارى آنان نيرويش داد و تأييدش فرمود و رتبه آنان در نزد خدا و رسول باندازه فضلشان در اسلام بود پس در ميانشان بعد از پيمبر كسى كه در اسلام برتر و در راه خدا و رسول مخلص‏تر است جانشين پيمبر و جانشين جانشين او است » بجانم ( يا به دينم ) سوگند كه آندو را در اسلام پايه‏اى بزرگ است ، و از تير مرگى كه بدانها رسيده زخمى سخت در پيكر اسلام پديد آمده خداوند رحمتشان كناد و نيكوترين پاداش دهاد . 1 ----------- ( 1 ) ترجمه عبارت مطابق نسخه بحار چنين است : و در آن كتاب گفتى : خداوند از مسلمانان يارانى . . . . جانشين پيمبر صديق ، و جانشين جانشين او فاروق است . بجانم سوگند آنچه در نامه‏ات درباره بو بكر و عمر آوردى اگر تمام باشد آن همه صفات از تو دور است ( يعنى بآنها متصف نيستى و لياقت مقام خلافت و در دست گرفتن زمام امور ملت را ندارى ) و اگر ناتمام است بتو ثلمه و رخنه‏اى رو نخواهد كرد . تو را به صديق چه رسد ؟ صديق آنكس است كه حق ما را تصديق كند ، و تو را چه رسد به فاروق ؟ فاروق آنكسى است كه ميان ما و دشمنان ما فرق گذارد [ 15 ] و در آن نامه آورده‏اى كه عثمان در فضل و رتبه سوّمين آنها بود اگر عثمان نيكوكار بود خداوند او را به نيكو كاريش پاداش ميدهد و اگر بدكار بود ديدار مى‏كند پروردگار آمرزنده‏اى را كه گران و بزرگ نيايد او را گناهى كه بيامرزدش . بخداى لا يزال قسم كه همانا اميدوارم و آرزو دارم كه چون خداوند مردم را به پايه فضائل آنان در اسلام ، و نصيحتشان در راه خدا و رسول پاداش عطا كند بهره ما در آن از ديگران زيادتر باشد چه محمّد صلّى اللّه عليه و اله چون مبعوث برسالت شد و به ايمان بخدا و توحيد دعوت كرد ما أهل بيت او نخستين كسى بوديم كه به او ايمان آورديم ، و بآنچه آورده تصديق كرديم . و چند سال تمام بود كه در سرزمين عرب هيچ خانواده‏اى جز ما خدا را پرستش نميكردند . و قوم ما خواستند كه پيغمبر ما را بكشند ، و بيخ و بن ما را براندازند ، درباره ما چيزها انديشيدند ، و كارهايى بما روا داشتند ، و آب و نان را بروى ما بستند ، و توشه را از ما بريدند ، و زندگى خوش را از ما بازداشتند ، و ما را همنشين و همدم ترس و بيم نمودند ، و جاسوسان و ديده‏بانها بر ما گماشتند ، و بكوهى سخت ( شعب أبو طالب ) ما را مضطر گردانيدند ، و براى ما آتش جنگ برافروختند ، و با هم پيمان بستند و همدست شدند و نوشته بميان آوردند كه كار را چنان بر ما تنگ گيرند حتّى با ما نخورند و ننوشند و ازدواج نكنند ، و از ايشان در تمام مدّت سال جز در موسم حجّ ايمن نبوديم تا اينكه پيغمبر را بدست آنها دهيم كه او را بكشند و مثله‏اش كنند . پس خداوند متعال ما را عزيمت آن داد كه دست ستم آنانرا از سر رسول [ 16 ] بريديم ، و شرّشان را از ناحيه حضرتش بازداشتيم ، و آنان را از حريم حرمتش دور كرديم ، و در ساعات خوف ، شب و روز با شمشيرها در حضور او ايستادگى نموديم . مؤمن ما باين حفظ و حراست پيمبر طلب پاداش ميكرد ، و اميدوار ثواب بود و كافر ما حمايت از اصل و نسب و دودمان خود ميكرد . ( مراد اين است از بني هاشم و بني مطلّب آنكه ايمان برسول آورد مثل أبو طالب پدر أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و حمزة بن عبد المطّلب رضوان اللّه عليهما در حمايت پيغمبر اميدوار ثواب از خدا بودند و در راه خدا دين و پيغمبر را حفظ ميكردند بخصوص أبو طالب رضوان اللّه عليه كه خدمت بسيار بزرگ به اسلام كرده و رنج و خدمت او از همه بيشتر بود و دين خود را از كفّار نهان ميداشت تا بهتر بتواند خدمت باسلام كند و پيغمبر او را كافل اليتيم خوانده كه فرمود : أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنّة و آنكه از بني هاشم ايمان نياورده و كافر بود چون عبّاس عموى پيغمبر و عقيل و طالب فرزندان أبي طالب و حارث و پدرش نوفل و عمويش أبو سفيان فرزندان حارث بن عبد المطلب كه در شعب أبو طالب با پيغمبر و مؤمنين محصور بودند و حمايت از رسول ميكردند نه بحساب دين و رسالت بلكه براى حفظ دودمان و اصل نسب و پس از خلاصى از شعب يكى پس از ديگرى اسلام آوردند . و از بني هاشم أبو لهب و پسرش همدست با كفّار بودند و آنان را كمك ميكردند ) . و از قريش كسانى كه اسلام آورده بودند از خوفى كه ما داشتيم و رنجى كه در آن بوديم ايمن بودند ، يا بسبب هم قسميكه با مشركان داشتند كه آنان را از شرّ مشركان باز ميداشت ، يا بسبب عشيره‏اى كه پيش رويشان از آنها دفاع ميكردند تا كسى بر آنان دست نيابد كه از قتل در أمان بودند ، تا روزگارى بدين منوال بگذشت . سپس خداوند پيغمبرش را أمر بهجرت فرمود ، و بعد از آنش بقتال مشركين اذن داد . و هنگاميكه جنگ سخت ميشد و مردم از ترس عنان باز پس ميكشيدند و رو ميگردانيدند و دو طرف كارزار آماده جنگ ميشدند ، رسول خدا أهل بيت [ 17 ] خود را بر پا ميكرد و آنان را پيش ميداشت كه بايشان اصحاب خود را از گرمى و سوزش نيزه‏ها و شمشيرها حفظ ميكرد ، كه عبيدة بن حارث پسر عمّ آن حضرت در جنگ بدر كشته شد ، و حمزة در روز احد ، و جعفر طيّار و زيد بن حارثة در جنگ موته . و كسيكه اگر بخواهم اسمش را ببرم ( مراد از اين كس خود أمير المؤمنين عليه السلام است و آنجناب خبر از خودش ميدهد ) چندين بار در جنگها با پيغمبر صلّى اللّه عليه و اله شهادتى را كه آن شهداء خواستند نيز خواسته و آرزوى آن را داشته است جز اينكه روزگارشان بسر آمد كه بدرجه رفيعه شهادت رسيدند ولى عمر وى بسر نيامده كه مرگش بتأخير افتاد . خداوند بايشان در ازاى آن كارهاى شايسته كه پيش فرستاده‏اند نيكو احسان كننده و نعمت دهنده است . و كسى از حاميان پيمبر را مخلص‏تر بخدا در طاعت رسولش ، و مطيع‏تر برسول در طاعت پروردگارش ، و شكيباتر در محنتها و سختيها و هنگام ترس و مواطن مكروه با پيغمبر ، از اين چند تن كه نام برده‏ام نديدم و در مهاجرين خير بسيار مى‏شناسيم خداوند ايشانرا نيكوترين پاداش دهاد . و در آن نامه گفتى كه « من بر خلفا حسد برده‏ام ، و از بيعت بآنان كندى و خوددارى نمودم ، و بر ايشان ستم كردم » أما ستم معاذ اللّه كه چنين باشد و من بأحدى ستم كرده باشم . و أما در خوددارى از بيعت و طاعت و در كراهت بامرشان هيچ عذرى پيش كسى نياورم و پوزش نطلبم ، زيرا خداوند چون قبض روح پيمبر كرد قريش گفتند أمير بايد از ما باشد و أنصار گفتند از ما پس قريش گفتند : محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله از ما بود در نتيجه ما سزاواريم بأمر خلافت و أمارت ، و انصار تسليم شدند و أمارت را بقريش تفويض كردند . پس سبب بر كنار شدن انصار از أمارت و استحقاق قريش آنرا اين بود كه محمّد صلّى اللّه عليه و اله از قريش بود . و بهمين بيان آنكه در ميان قريش به پيغمبر أولى و أقرب است بخلافت نيز بايد أحق و أولى باشد ( مرادش از اين گفتار خود آن بزرگوار است ) . و گرنه انصار در ميان عرب از آن بهره بزرگ داشتند . [ 18 ] نميدانم أصحابم بگرفتن حقم تن در دادند ، يا انصار بمن ظلم كردند ؟ همين قدر دانم كه حقّ من گرفته شد واگذاشتم آنرا بر ايشان خدا از ايشان در گذرد . أما آنچه درباره عثمان گفتى كه « قطع رحم كردم ، و مردم را بر او شورانيدم » تو خود ديده‏اى كه عثمان در دين چه‏ها نمود ، و با مردم چه‏ها كرد كه سرانجام كارهاى او سبب قتلش شده ، و تو خود دانى كه من در قتل او شريك نبودم و از آن كناره گرفتم و عزلت اختيار كردم مگر اينكه بخواهى افترا بمن زنى و بدروغ نسبت به جنايتم دهى پس هر چه خواهى بكن ، و هر چه دلت خواست بگو . اى عجب از روزگار كه با من قرين شد كسى ( يعنى معاويه و خلفاى گذشته ) كه در راه دين بپايه من قدم برنداشت و سابقه‏اش در اسلام چون سابقه من نبود سابقه‏اى كه كسى نتواند بمثل آن توسّل جويد و دعوى چنان سابقت نمايد مگر كسى ادعا كند آنچه را كه من نشناسمش ، و گمان نكنم كه خداى آن را بشناسد ( كنايه از اينكه جز آن چه گفته‏ام وجود ندارد و صرف ادعا است اگر كسى ادعا كند دروغ گفته است ) و حمد خدايرا بر هر حال . و أمّا آنچه درباره قاتلان عثمان گفتى و از من طلب كردى كه ايشان را تسليم تو كنم من در اين امر نظر نمودم و نيك آن را زير و رو كردم نديدم كه تسليمشان بتو و بغير تو برايم گنجايش داشته و مقدور باشد . بجانم يا بدينم سوگند اگر از گمرهيت باز نايستى و از دعوى خلافت دست بر ندارى خواهى ديد كه كشندگان عثمان خودشان بطلب تو آيند و زحمتت نميدهند كه در صحرا و دريا و كوه و دشت ايشانرا طلب كنى جز اينكه طلب كردنشان تو را طلبى است كه از آن خوشت نيايد و ديدارشان ديدارى است كه خوشنودت ننمايد ( كنايه از اينكه چنان كار را بر تو سخت كنند كه دمار از روزگارت در آورند و زندگى در كام تو تلخ گردد ) . اى معاويه هنگاميكه مردم ابو بكر را والى قرار دادند پدرت بو سفيان نزد [ 19 ] من آمد و بمن گفت : « تو بعد از محمّد بخلافت و امارت سزاوارى برخيز و حقّ خود بستان و اگر كسى با تو مخالفت كند من كفالت و حمايتت نمايم ، اكنون دست دراز كن تا با تو بيعت كنم » ولى من نپذيرفتم . و تو دانى كه اين سخن را پدرت بمن گفت و از من خواست ولى من بودم كه قبول نكردم از بيم اينكه مبادا تفرقه ميان مسلمانان چون قريب العهد بكفر بودند رخ دهد . پس پدرت بحقّ من از تو آشناتر بود و تو اگر چون پدرت حقّ مرا شناسى راه راست را يافته‏اى و گرنه خداوند ما را كفايت كند و از تو بى‏نياز گرداند . درود بر آنكه سزاوار آنست .