جستجو

و من كتاب منه ع إليه أيضا

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من كتاب له عليه السّلام اليه أيضا . و هو الكتاب السابع من باب المختار من كتبه عليه السّلام و رسائله : أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصّلة ، و رسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك ، و أمضيتها بسوء رأيك ، و كتاب امرء ليس له بصر يهديه ، و لا قائد [ و لا صالح خ ل ] يرشده ، قد دعاه الهوى فأجابه و قاده الضّلال فاتّبعه ، فهجر لا غطا ، و ضلّ خابطا . [ 207 ] و من هذا الكتاب : لأنّها بيعة واحدة لا يثنّي فيها النّظر ، و لا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، و المروّي فيها مداهن . اللغة ( موصّلة ) بصيغة المفعول من وصل الشي‏ء بالشي‏ء وصلا و وصّله لأمه أي ربطه به . ( محبّرة ) بصيغة المفعول من تحبير الخطّ و الشعر و غيرهما بمعنى تحسينها قال الجوهريّ في الصحاح : قال الأصمعيّ و كان يقال لطفيل الغنوي في الجاهليّة محبّر لأنّه كان يحسّن الشعر . قال الشهاب الفيوميّ في المصباح : حبرت الشي‏ء حبرا من باب قتل زيّنته و الحبر بالكسر اسم منه فهو محبور و حبّرته بالتثقيل مبالغة . نمّق الكتاب تنميقا حسّنه و زيّنه ، فقوله عليه السّلام : نمّقتها بضلالك أي زيّنتها به . أمضيت الأمر إمضاء أي أنفذته أو بمعنى إمضاء الصكوك و الرسائل لتوقيعها البصر : العين و نفاذ القلب و حكي أنّ معاوية قال لابن عباس و قد كفّ بصره : ما لكم يا بني هاشم تصابون بأبصاركم إذا أسننتم ؟ فقال : كما تصابون ببصائر كم عنده . قاد الرجل الفرس قودا و قيادة و قيادا بالكسر : مشى أمامها آخذا بقيادها نقيض ساقه ، قال الخليل كما في مصباح الفيومي : القود أن يكون الرّجل أمام الدّابة آخذا بقيادها ، و السوق أن يكون خلفها فإن قادها لنفسه قيل : اقتادها لنفسه . و قاد الأمير الجيش قيادة فهو قائد و جمعه قادة و قوّاد و قوّد . ( الهوى ) مقصورة : إرادة النفس و ميلانها إلى ما تستلذّ . و ممدودة : الهواء المكتنف للأرض . و في الصحاح : كلّ خال هواء . قال الشاعر : فكيف أرحل عنها اليوم إذ جمعت طيب الهوائين مقصور و ممدود قال المبرّد في الكامل : الهوى من هويت مقصور و تقديره فعل فانقلبت الياء [ 208 ] ألفا فلذلك كان مقصورا ، و إنما كان كذلك لأنك تقول هوي يهوى كما تقول فرق يفرق و هو هو كما تقول هو فرق كما ترى و كان المصدر على فعل بمنزلة الفرق و الحذر و البطر لأنّ الوزن واحد في الفعل و اسم الفاعل . فأمّا الهواء من الجوّ فممدود يدلّك على ذلك جمعه إذا قلت أهوية ، لأنّ أفعلة إنّما تكون جمع فعال و فعال و فعيل كما تقول قذال و أقذلة و حمار و أحمرة فهواء كذلك و المقصور جمعه أهواء فاعلم لأنّه على فعل و جمع فعل أفعال كما تقول جمل و أجمال و قتب و أقتاب ، قال اللَّه عزّ و جلّ : « و اتّبعوا أهواءهم » ( محمّد صلّى اللَّه عليه و آله 19 ) . و قوله : هذا هواء يافتى في صفة الرّجل إنما هو ذمّ يقول لا قلب له قال اللَّه عزّ و جل : « و أفئدتهم هواء » أي خالية و قال زهير : كأنّ الرحل منها فوق صعل من الظّلمان جؤجؤه هواء و هذا من هواء الجوّ قال الهذلي : هواء مثل بعلك مستميت على ما في وعائك كالخيال ( الهجر ) : الهذيان و قد هجر المريض يهجر هجرا من باب قتل خلط و هذى فهو هاجر و الكلام مهجور . قال الجوهريّ في الصحاح : قال أبو عبيد يروي عن إبراهيم ما يثبت هذا القول في قوله تعالى « إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا » ( الفرقان 33 ) قال : قالوا فيه غير الحقّ ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ ، قال : و عن مجاهد نحوه . و الهجر : الإسم من الإهجار و هو الافحاش في المنطق أي الكلام القبيح المهجور لقبحه . و في الحديث : و لا تقولوا هجرا ، قال عوف بن الخرع : زعمتم من الهجر المضلّل أنكم ستنصر كم عمر و علينا و منقر و أهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد ، قال الشمّاخ بن ضرار : كماجدة الأعراق قال ابن ضرّة عليها كلاما جار فيه و أهجرا ( اللاّغط ) : ذو اللّغط ، قال في المصباح : لغط لغطا من باب نفع و اللّغط بفتحتين اسم منه و هو كلام فيه جلبة و اختلاط و لا يتبيّن . قال عمرو بن أحمر [ 209 ] الباهليّ ( الحماسة 762 ) : لها لغط جنح الظلام كأنها عجارف غيث رائح متهزّم قال المرزوقي في الشرح : اللّغط : الصوت يعني هزّتها « أي هزة القدور السود المذكورة في صدر الأشعار » في الغليان ، و انتصب جنح الظلام على الظرف يريد أنها تغلي إذا جنح الظلام بالعشيّ و ذاك وقت الضيافة و كأنّ لغطه صوت رعد من غيث ذي تعجرف ، و العجارف شدّة وقوع المطر و تتابعه يريد أنه هبّت الريح فيه و صار له هزمة أي صوت شبّه صوت القدر في غليانها بصوت الرّعد من سحاب هكذا . ( الخبط ) : الحركة على غير نظام يقال : خبط اللّيل اذا سار فيه على غير هدى . و فلان خبط خبط عشواء أي تصرّف في الامور على غير بصيرة . و قال الفيوميّ حقيقة الخبط الضرب و خبط البعير الأرض ضربها بيده . و قد يكنى بالخابط عن السائل كقول زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان : و ليس بمانع ذي قربى و لا حرم يوما و لا معدما من خابط ورقا استعار الورق فكنّى به عن المال كما استعار الخبط فكنّى به عن طلبه و الخابط عن طالبه ، و أصله أنّ العرب تقول إذا ضرب الرجل الشجر ليحتّ و ينفض ورقه فيعلّقه ، قد خرج يختبط الشجر ، و الورق المنفوض يسمّى الخبط بالفتحتين و يقال للرّجل : إنّ خابطه ليجد ورقا أي إن سائله ليجد عطاء ، لكنه ليس بمراد ههنا و المقصود هو المعنى الأوّل . ( لا يثنّى ) ثنّى الشي‏ء تثنية جعله اثنين ، فالمعنى لا يجعل النظر في تلك البيعة اثنين بل هو نظر واحد تحقق من أهل الحلّ و العقد من امّة محمّد صلّى اللَّه عليه و آله فيها بالمدينة ، فهي لازمة على غيرهم من الحاضر و الغائب . و جاء في بعض نسخ النهج و غيره « لا يستثنى فيها النظر » مكان لا يثنّى فيها النظر ، يقال : استثنى الشي‏ء استثناء إذا أخرجه من حكم عام ، فالمعنى على هذا [ 210 ] الوجه لا يستثنى النظر في هذه البيعة مما قبلها أي كما أنّ بيعة أهل العقد و الحلّ قبل هذه البيعة في أبي بكر و عمر و عثمان كانت واحدة لازمة على الشاهد و الغائب و كان نظرهم في المرّة الاولى لازما و ثابتا كما يعترف به الخصم فكذلك ههنا فلا يجوز أن يستثنى النظر فيها عمّا قبلها . و لكن المعنى على الوجه الثاني لا يخلو من تكلّف ، و قوله عليه السّلام : يستأنف فيها الخيار قرينة على أنّ الوجه الأوّل هو الصواب ، على أنّ العبارة في نسختنا المصحّحة الخطيّة العتيقة و في نسخة صديقنا اللاجوردي قد قوبلت بنسخة الشريف الرضي رحمه اللَّه هي الوجه الأوّل . ( المروّي ) : من روّيت في الأمر تروية أو من روأت بالهمز إذا نظرت فيه و تفكّرت و أصلها من الرّويّة و هي الفكر و التدبّر . ( المداهن ) : المصانع يقال داهنه مداهنة و أدهنه إذا خدعه و ختله و أظهر له خلاف ما يضمر قال تعالى : « ودّوا لو تدهن فيدهنون » . الاعراب الباء من بضلالك سببيّة كأن تقول : زيّنت الدّار بالزخرف ، و كذا الباء الثانية ، كتاب امرى‏ء عطف على موعظة ، جملة ليس له بصر يهديه صفة لقوله امرء و كذلك الجمل التالية ، يهديه صفة للبصر ، و يرشده للقائد . الفاء في فهجر فصيحة و اللتان قبلها للترتيب . لاغطا و خابطا حالان لضمير الفعلين . و ضمير لأنّها للقصّة ، كقوله تعالى : « فاذا هي شاخصة أبصار الّذين كفروا » أو أنّها راجعة إلى البيعة المذكورة في كتابه عليه السّلام كما سيجي‏ء نقل كتابه بتمامه . اسناد هذا الكتاب و مداركه و نقل صورته الكاملة و اختلاف الاراء فيه و تحقيق أنيق فى فيصل الامر فى المقام قد بيّنا في عدّة مواضع أنّ الشريف الرّضيّ رضوان اللَّه عليه إنّما عنى في النهج اجتباء محاسن كلام أمير المؤمنين عليه السّلام و اجتناء ما تضمّن عجائب البلاغة و غرائب الفصاحة و جواهر العربيّة من كلامه عليه السّلام كما نص عليه في خطبته على النهج [ 211 ] بقوله : فأجمعت بتوفيق اللَّه تعالى على الإبتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحكم و الأدب الخ . و لذلك ترى كثيرا في النهج أنّه قدّس سرّه ينقل من كتاب له عليه السّلام شطرا و يدع آخر فدونك الكتاب بتمامه مع ذكر مآخذه القيّمة و اختلاف نسخه المرويّة و بيان الحقّ و فصل الأمر في ذلك : فلمّا فرغ جرير من خطبته « قد مضى نقلها في شرح الكتاب السادس » أمر معاوية مناديا فنادى : الصلاة جامعة ، فلمّا اجتمع النّاس صعد المنبر و خطب خطبة و استدعى أهل الشام إلى الطلب إلى دم عثمان فأجابوه و بايعوه على ذلك ، و استحثّه جرير بالبيعة بخلافة أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام فقال : يا جرير إنّها ليست بخلسة و أنّه أمر له ما بعده فابلعني ريقي حتّى أنظر ، و دعا ثقاته و استشارهم في ذلك فأشاروا عليه أن يكتب إلى عمرو بن العاص و كان وقتئذ بالبيع من فلسطين ، و كتب كتابا آخر إلى شرحبيل ، و دعا أتباعهم و أجمعوا آخر الأمر إلى حرب أهل العراق . روى نصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي في كتاب صفين ( ص 30 إلى ص 34 من الطبع الناصري ) عن محمّد بن عبيد اللَّه ، عن الجرجاني قال : كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال : يا جرير إنّي قد رأيت رأيا ، قال : هاته . قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام و مصر جباية ، فاذا حضرته الوفاة لم يجعل لاحد بعده بيعة في عنقي و اسلّم له هذا الأمر و أكتب إليه بالخلافة . فقال جرير : اكتب بما أردت و أكتب معك ، فكتب معاوية بذلك إلى عليّ فكتب عليّ عليه السّلام إلى جرير : أمّا بعد فانّما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة ، و أن يختار من أمره ما أحبّ ، و أراد أن يرثيك حتّى يذوق أهل الشّام ، و أنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليّ أن أستعمل معاوية على الشام و أنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ، و لم يكن اللَّه ليراني أتّخذ المضلّين عضدا ، فان بايعك الرّجل و إلاّ فاقبل . [ 212 ] أقول : كتابه هذا ليس بمذكور في النهج ، و يقال : راث على خبرك من باب باع إذا أبطأ . قال نصر : و في حديث صالح بن صدقة قال : أبطأ جرير عند معاوية حتّى اتّهمه الناس و قال عليّ : وقّت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلاّ مخدوعا أو عاصيا ، و أبطأ على عليّ حتّى أيس منه . قال : و في حديث محمّد و صالح بن صدقة قالا : و كتب عليّ عليه السّلام إلى جرير بعد ذلك : أمّا بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، و خذه بالأمر الجزم ثمّ خيّره بين حرب مجلية أو سلم محظية ، فان اختار الحرب فانبذ له ، و إن اختار السلم فخذ بيعته . أقول : نقل الرّضيّ هذا الكتاب في النهج و هو الكتاب التالي لهذا الكتاب أعني الكتاب الثامن من باب المختار من كتبه و رسائله ، و سيأتي شرحه إن شاء اللَّه تعالى . فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال : يا معاوية إنه لا يطبع على قلب إلاّ بذنب ، و لا ينشرح إلاّ بتوبة ، و لا أظنّ قلبك إلاّ مطبوعا أراك قد وقفت بين الحقّ و الباطل كأنّك تنتظر شيئا في يدي غيرك . فقال معاوية : ألقاك بالفيصل أوّل مجلس إنشاء اللَّه . قال نصر : فلمّا بايع معاوية أهل الشام و ذاقهم قال : يا جرير الحق بصاحبك و كتب إليه بالحرب و كتب في أسفل كتابه : يقول كعب بن جعيل : أرى الشام تكره ملك العراق و أهل العراق لهم كارهينا و كلاّ لصاحبه مبغضا يرى كلّ ما كان من ذاك دينا إذا ما رمونا رميناهم و دنّاهم مثل ما يقرضونا فقالوا عليّ إمام لنا فقلنا رضينا ابن هند رضينا و قالوا نرى أن تدينوا لنا فقلنا ألا لا نرى أن ندينا و من دون ذلك خرط القتاد و ضرب و طعن يقرّ العيونا [ 213 ] و كلّ يسرّ بما عنده يرى غثّ ما في يديه سمينا و ما في عليّ لمستعتب مقال سوا ضمّه المحدثينا و إيثاره اليوم أهل الذّنوب و رفع القصاص عن القاتلينا إذا سيل عنه حدا شبهة و عمّى الجواب عن السائلينا فليس براض و لا ساخط و لا في النهاة و لا الآمرينا و لا هو ساء و لا سرّه و لا بدّ من بعض ذا أن يكونا أقول : ما ذكر نصر في صفين صورة كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام بل قال بالإجمال إنه كتب إليه عليه السّلام بالحرب و كتب في أسفل كتابه أشعار كعب بن جعيل كما قدّمنا ، لكن أبا العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد نقلها في الكامل و ابن قتيبة الدّينوري في الامامة و السياسة . قال المبرّد : كتب معاوية إلي عليّ عليه السّلام جوابا عن كتابه إليه : بسم اللَّه الرّحمن الرحيم من معاوية بن صخر إلى عليّ بن أبيطالب أمّا بعد فلعمري لو بايعك القوم الّذين بايعوك و أنت بري‏ء من دم عثمان كنت كأبي بكر و عمر و عثمان ، و لكنّك أغريت بعثمان المهاجرين و خذلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل و قوى بك الضعيف ، و قد أبى أهل الشام إلاّ قتالك حتّى تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، و لعمري ليس حجّتك عليّ كحججك على طلحة و الزّبير ، لأنّهما بايعاك و لم ابايعك ، و ما حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة ، لأنّ أهل البصرة أطاعوك و لم يطعك أهل الشام ، و أمّا شرفك في الاسلام و قرابتك من النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلم و موضعك من قريش فلست أدفعه ، قال : ثمّ كتب في آخر كتابه بشعر كعب بن جعيل و هو : أرى الشام تكره ملك العراق الخ . أقول : و قد نقل الدّينوريّ ذيل كتاب معاوية هكذا : فإذا دفعتهم كانت شورى بين المسلمين و قد كان أهل الحجاز الحكّام على الناس و في أيديهم الحقّ فلمّا تركوه صار الحقّ في أيدي أهل الشام ، و لعمري ما حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة ، و لا حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة و الزّبير ، لأنّ [ 214 ] أهل البصرة بايعوك و لم يبايعك أحد من أهل الشام ، و أنّ طلحة و الزّبير بايعاك و لم ابايعك ، و أمّا فضلك في الاسلام و قرابتك من النبيّ عليه الصلاة و السّلام فلعمري ما أدفعه و لا انكره ، و ما نقله كان أوفق بكتاب أمير المؤمنين عليه السّلام جوابا عنه كما لا يخفى . ثمّ النسخ في إعراب تلك الأبيات مختلفة و نحن اخترنا نسخة الكامل للمبرّد و نسخة صفين لنصر : « و أهل العراق له كارهونا » « و كلّ لصاحبه مبغض » « و قلنا نرى أن تدينوا لنا » « فقالوا لنا لا نرى أن ندينا » ثمّ روى المصراع الثاني من البيت الخامس على وجه آخر و هو : « و ضرب و طعن يفضّ الشئونا » و قال أبو العباس المبرّد في كتابه الكامل : و أحسن الروايتين : يفضّ الشئونا ، ثمّ أخذ في شرح كتاب معاوية ( و سنذكر صورة كتابه ) و الأبيات فقال : قوله : و لكنّك أغريت بعثمان المهاجرين ، فهو من الاغراء ، و هو التحضيض عليه ، يقال : أغريته به و آسدت الكلب على الصيد اوسده ايسادا ، و من قال : أشليت الكلب في معنى أغريت فقد أخطأ إنّما أشليته دعوته إليّ ، و آسدته أغريته . و قول ابن جعيل : و أهل العراق لهم كارهينا ، محمول على أرى ، و من قال و أهل العراق لهم كارهونا ، فالرّفع من وجهين أحدهما قطع و ابتداء ثمّ عطف جملة على جملة بالواو و لم يحمله على أرى ، و لكن كقولك كان زيد منطلقا و عمرو منطلق ، الساعة خبرت بخبر بعد خبر . و الوجه الآخر أن تكون الواو و ما بعدها حالا فيكون معناها إذ كما تقول رأيت زيدا قائما و عمر و منطلق ، و هذه الآية تحمل على هذا المعنى و هو قول اللَّه عزّ و جلّ : « يغشى طائفة منكم و طائفة قد أهمّتهم أنفسهم » ( آل عمران : 148 ) و المعنى و اللَّه أعلم إذ طائفة في هذه الحال ، و كذلك قراءة من قرأ « و لو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة أبحر » ( لقمان : 26 ) أي و البحر بالرفع هذه حاله ، و من قرأ البحر بالنصب فعلى أنّ و قوله : و دنّاهم مثل ما يقرضونا ، يقول : جزيناهم ، و قال المفسرون في قوله عزّ و جلّ : « مالك يوم الدّين » قالوا : يوم الجزاء و الحساب ، و من أمثال العرب : كما تدين تدان ، و أنشد أبو عبيدة ( الشعر ليزيد بن الصعق الكلابي ) : [ 215 ] و اعلم و أيقن أنّ ملكك زائل و اعلم بأنّ كما تدين تدان و للدّين مواضع منها ما ذكرنا ، و منها الطاعة و دين الإسلام من ذلك يقال فلان في دين فلان أي في طاعته ، و يقال : كانت مكّة بلدا القاحا أي لم يكونوا في دين ملك ، و قال زهير : لئن حللت بجوّ في بني أسد في دين عمرو و حالت بيننا فدك فهذا يريد في طاعة عمرو بن هند ، و الدّين العادة ، يقال : ما زال هذا ديني و دأبي و عادتي و ديدني و إجريّاي ، قال المثقب العبدي : تقول إذا درأت لها و ضيني أهذا دينه أبدا و ديني أكلّ الدّهر حلّ و ارتحال أما تبقى عليّ و ما يقيني و قال الكميت بن زيد : على ذاك إجر يّاي و هي ضريبتي و إن أجلبوا طرّا عليّ و أحلبوا و قوله : فقلنا رضينا ابن هند رضينا ، يعني معاوية بن أبي سفيان و أمّه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف . و قوله : أن تدينوا له أي أن تطيعوه ، و تدخلوا في دينه أي في طاعته . و قوله : و من دون ذلك خرط القتاد ، فهذا مثل من أمثال العرب ، و القتاد شجيرة شاكة غليظة اصول الشوك فلذلك يضرب خرطه مثلا في الأمر الشديد لأنّه غاية الجهد . و من قال : يفضّ الشئونا ، فيفضّ يفرّق ، تقول : فضضت عليه المال . و الشئون واحدها شأن و هي مواصل قبائل الرأس و ذلك أنّ للرأس أربع قبائل أي قطع مشعوب بعضها إلى بعض فموضع شعبها يقول له الشئون واحدها شأن . و زعم الأصمعيّ قال : يقال إنّ مجاري الدّموع منها ، فلذلك يقال : استهلّت شئونه و أنشد قول أوس بن حجر : لا تحزنيني بالفراق فإنني لا تستهلّ من الفراق شئوني و من قال : يقرّ العيونا ، ففيه قولان : أحدهما للأصمعي و كان يقول : لا يجوز [ 216 ] غيره يقال : قرّت عينه و أقرّها اللَّه ، و قال إنّما هو بردت من القرّ و هو خلاف قولهم سخنت عينه و أسخنها اللَّه ، و غيره يقول قرّت هدأت و أقرّها اللَّه أهد أها اللَّه ، و هذا قول حسن جميل ، و الأوّل أغرب و أطرف . انتهى قوله . كتاب أمير المؤمنين على عليه السّلام الى معاوية كتبه عليه السّلام جواب الكتاب الّذي كتب إليه معاوية و نقل هذا الكتاب نصر ابن مزاحم في صفين ( ص 33 من الطبع الناصري ) و ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 في كتاب الإمامة و السياسة ( ص 101 ج 1 طبع مصر 1377 ه ) و أبو العباس المبرّد المتوفى سنة 285 ه في الكامل ( ص 193 ج 1 طبع مصر ) و هو : بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من عليّ إلى معاوية بن صخر أمّا بعد فقد أتاني كتاب امرى‏ء ليس له نظر يهديه ، و لا قائد يرشده ، دعاه الهوى فأجابه ، و قاده فاتّبعه ، زعمت أنّه أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان و لعمري ما كنت إلاّ رجلا من المهاجرين ، أوردت كما أوردوا ، و أصدرت كما أصدروا ، و ما كان اللَّه ليجمعهم على ضلالة ، و لا ليضربهم بالعمى ، و ما أمرت فيلزمني خطيئة الأمر ، و لا قتلت فيجب عليّ القصاص . و أمّا قولك : إنّ أهل الشام هم الحكّام على أهل الحجاز ، فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحلّ له الخلافة ، فان زعمت ذلك كذّبك المهاجرون و الأنصار ، و إلاّ أتيتك به من قريش الحجاز . و أمّا قولك : ادفع إلينا قتلة عثمان ، فما أنت و عثمان ، إنّما أنت رجل من بني اميّة ، و بنو عثمان أولى بذلك منك ، فان زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثمّ حاكم القوم إليّ أحملك و إيّاهم على المحجّة . و أمّا تمييزك بين الشام و البصرة و بينك و بين طلحة و الزّبير فلعمري ما الأمر فيما هناك إلاّ واحد ، لأنها بيعة عامّة لا يثنّى فيها النظر ، و لا يستأنف فيها الخيار . و أمّا و لو عك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حقّ العيان و لا بعين الخبر . و أمّا فضلي في الإسلام و قرابتي من النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و شرفي في قريش ، فلعمري [ 217 ] لو استطعت دفع ذلك لدفعته . قال نصر : و أمر يعني أمر أمير المؤمنين عليه السّلام النجاشي فأجابه في الشعر ، و قال المبرّد : ثمّ دعا النجاشي أحد بني الحرث بن كعب فقال له : إنّ ابن جعيل شاعر أهل الشام و أنت شاعر أهل العراق فأجب الرّجل ، فقال : يا أمير المؤمنين أسمعني قوله قال : إذن اسمعك شعر شاعر ثمّ أسمعه فقال النجاشي يجيبه : دعن يا معاوي ما لم يكونا فقد حقّق اللَّه ما تحذرونا أتاكم عليّ بأهل الحجاز و أهل العراق فما تصنعونا على كلّ جرداء خيفانة و أشعث نهد يسرّ العيونا عليها فوارس تحسبهم كأسد العرين حمين العرينا يرون الطعان خلال العجاج و ضرب الفوارس في النقع دينا هم هزموا الجمع جمع الزبير و طلحة و المعشر الناكثينا و قالوا يمينا على حلفة لنهدي إلى الشام حربا زبونا تشيب النواصي قبل المشيب و تلقي الحوامل منها الجنينا فان تكرهوا الملك ملك العراق فقد رضي القوم ما تكرهونا فقل للمضلّل من وائل و من جعل الغثّ يوما سمينا جعلتم عليّا و أشياعه نظير ابن هند ألا تستحونا إلى أوّل الناس بعد الرّسول و صنو الرّسول من العالمينا و صهر الرّسول و من مثله إذا كان يوم يشيب القرونا و اعلم أنّ بين نسختي صفين و الكامل في كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام اختلافا في الجملة فما في الكامل : فكتب إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السّلام جواب هذه الرّسالة « يعني رسالة معاوية » : بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم من عليّ بن أبيطالب . . ليس له بصر يهديه . . زعمت أنك أنما أفسد . . . و ما كان اللَّه ليجمعهم على ضلال و لا ليضربهم بالعمى ، و بعد فما أنت و عثمان إنّما أنت رجل من بني اميّة ، و بنو عثمان أولى بمطالبة دمه ، فان زعمت أنك أقوى على ذلك فادخل فيما دخل فيه [ 218 ] المسلمون ثمّ حاكم القوم إليّ ، و أمّا تمييزك بينك و بين طلحة و الزبير و أهل الشام و أهل البصرة فلعمري ما الأمر فيما هناك إلاّ سواء ، لأنّها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار و لا يستأنف فيها النظر ، و أمّا شرفي في الإسلام و قرابتي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و موضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته . أقول : و للّه درّ النجاشي كأنّما روح القدس نفث في روعه و نطق بلسانه قائلا : جعلتم عليّا و أشياعه نظير ابن هند ألا تستحونا و قد قال أمير المؤمنين عليه السّلام كما يأتي في الكتاب التاسع الّذي كتبه إلى معاوية : فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي و لم تكن له كسابقتي الّتي لا يدلى أحد بمثلها إلاّ أن يدّعي مدّع لا أعرفه ، و لا أظنّ اللَّه يعرفه و الحمد للّه على كلّ حال . و أقول : يا عجبا للدّهر ثمّ يا عجبا للدّهر قد أصبح رأى يراعة تفوه بأنّ لها براعة على يوح ، و خنفساء شمخت بأنفها و شمزت من الرّوح . سبحان اللَّه ، ما للتراب و ربّ الأرباب ، ما للّذي عبد اللَّه على حرف و الّذي لو كشف الغطاء لما ازداد يقينا ، ما لابن آكلة الأكباد و الّذي تاهت في بيداء عظمته عقول العباد . لحى اللَّه هذا الدّهر من شرّ سائس عصاقيره تروى و تظمى قشاعمه تبّا لأشباه رجال اتّبعوا أهواءهم ، فضيّعوا دينهم بدنياهم ، فنصروا من اتّخذ المضلّين عضدا حتّى ردّوا الناس عن الإسلام القهقرى . زعم الشارح البحراني أنّ ذلك الكتاب المعنون للشرح أعني الكتاب السابع ملفّق من بعض عبارات كتابين أحدهما ذلك الكتاب المنقول من الثلاثة ، و ثانيهما كتاب آخر . و الحقّ أنّه ليس جزء منهما و إن كانا مشتركين في بعض الجمل و العبارات و أنّه جزء من كتاب آخر له عليه السّلام جوابا عن كتاب آخر من معاوية كما سيجي‏ء نقلهما ، و ذلك الكتاب المنقول من هؤلاء الثلاثة مذكور في النهج ، و احتمال [ 219 ] أنّهما كتاب واحد و جاء الاختلاف من النسخ بعيد عن الصواب ، لأنّ بينهما بونا بعيدا ، و مجرّد الاشتراك في بعض الجمل و العبارات لا يجعلهما كتابا واحدا و لا يؤيّد الاحتمال ، فدونك ما قاله الشارح البحراني في شرح هذا الكتاب : هذا جواب كتاب كتبه إليه معاوية صورته : من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبيطالب . أمّا بعد فلو كنت على ما كان عليه أبو بكر و عمر إذن ما قاتلتك ، و لا استحللت ذلك ، و لكنّه إنّما أفسد عليك بيعتي خطيئتك في عثمان بن عفان ، و إنّما كان أهل الحجاز الحكّام على الناس حين كان الحقّ فيهم ، فلمّا تركوه صار أهل الشام الحكّام على أهل الحجاز و غيرهم من الناس ، و لعمري ما حجّتك على أهل الشّام كحجّتك على أهل البصرة ، و لا حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة و الزّبير ، لأنّ أهل البصرة قد كان بايعوك و لم يبايعك أهل الشّام ، و أنّ طلحة و الزبير بايعاك و لم ابايعك ، و أمّا فضلك في الاسلام و قرابتك من رسول اللَّه و موضعك من هاشم فلست أدفعه ، و السّلام . قال : فكتب عليه السّلام جوابه : من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أمّا بعد فإنّه أتاني كتابك كتاب امرى‏ء إلى قوله : خابطا ، ثمّ يتصل به أن قال : زعمت أنّه إنّما أفسد عليّ بيعتك كما أصدروا ، « كذا » و ما كان اللَّه ليجمعهم على ضلال و لا يضربهم بعمى ، و أمّا ما زعمت أنّ أهل الشام الحكّام على أهل الحجاز فهات رجلين من قريش الشام يقبلان في الشورى ارتحل لهما الخلافة ، فان زعمت ذلك كذّبك المهاجرون و الأنصار ، و إلاّ فأنا آتيك بهما من قريش الحجاز . و أمّا ما ميّزت بين أهل الشام و أهل البصرة و بينك و بين طلحة و الزبير فلعمري ما الأمر في ذلك إلاّ واحد . قال : ثمّ يتصل به قوله لأنّها بيعة عامّة إلى آخره ، ثمّ يتّصل به : و أمّا فضلي في الاسلام و قرابتي من الرسول و شرفي في بني هاشم فلو استطعت دفعه لفعلت و السّلام . قال : و أمّا قوله : أمّا بعد فقد أتتني إلى قوله : بسوء رأيك ، فهو صدر [ 220 ] كتاب آخر أجاب به معاوية عن كتاب كتبه إليه بعد الكتاب الّذي ذكرناه ، و ذلك أنه لمّا وصل إليه هذا الكتاب من عليّ عليه السّلام كتب إليه كتابا يعظه فيه و صورته : أمّا بعد فاتّق اللَّه يا عليّ ودع الحسد فانه طالما ينتفع به أهله ، و لا تفسد سابقة قديمك بشرّ من حديثك فانّ الأعمال بخواتيمها ، و لا تلحدنّ بباطل في حقّ من لا حقّ لك في حقّه ، فانك إن تفعل ذلك لا تضلل إلاّ نفسك ، و لا تمحق إلاّ عملك ، و لعمري أنّ ما مضى لك من السوابق الحسنة لحقيقة أن تردّك و تردعك عمّا قد اجترأت عليه من سفك الدّماء و إجلاء أهل الحقّ عن الحلّ و الحرام فاقرأ سورة الفلق و تعوّذ باللّه من شرّ ما خلق و من شرّ نفسك الحاسد إذا حسد قفل اللَّه بقلبك ، و أخذ بناصيتك ، و عجّل توفيقك ، فانّي أسعد الناس بذلك ، و السّلام قال : فكتب عليه السّلام جوابه : أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة إلى قوله : سوء رأيك ، ثمّ يتصل به و كتاب ليس ببعيد الشبه منك ، حملك عليّ الوثوب على ما ليس لك فيه حقّ ، و لو لا علمي بك و ما قد سبق من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فيك ممّا لا مردّ له دون انفاذه إذن لو عظتك لكن عظتي لا تنفع من حقّت عليه كلمة العذاب ، و لم يخف اللَّه العقاب ، و لا يرجو اللَّه و قارا ، و لم يخف له حذارا ، فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة تجد اللَّه ذلك بالمرصاد من دنيا المنقطعة و تمنّيك الأباطيل ، و قد علمت ما قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيك و في أمّك و أبيك ، و السّلام . قال : و ممّا ينبّه على أنّ هذا الفصل المذكور ليس من الكتاب الأوّل أنّ الأوّل لم يكن فيه ذكر موعظة حتّى يذكرها عليه السّلام في جوابه ، غير أنّ السيد رحمه اللَّه أضافه إلى هذا الكتاب كما هو عادته في عدم مراعاة ذلك و أمثاله . انتهى كلامه . أقول : و كذلك نقل هذا الكتاب من معاوية أعني قوله : أمّا بعد فاتّق اللَّه يا علي ودع الحسد الخ . و جواب أمير المؤمنين عليه السّلام عنه أعني قوله : أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصّلة الخ ، في بعض الجوامع أيضا على الصورة الّتي [ 221 ] نقله الشارح البحراني . و كذا ما نقلنا قبلهما من كتاب معاوية أعني قوله : من معاوية بن صخر إلى عليّ بن أبيطالب : أمّا بعد فلعمرى لو بايعك القوم الخ ، و جواب أمير المؤمنين عليه السّلام عنه أعني قوله : من عليّ إلى معاوية بن صخر : أمّا بعد فقد أتاني كتاب امرى‏ء ليس له نظر الخ ، كانا في سائر نسخ الجوامع على تلك الصورة الّتي نقلناها و الاختلاف يسير لا يعبا به . و لكن نصر بن مزاحم المنقري قال في كتاب صفين ( ص 59 من الطبع الناصري ) إنّ معاوية كتب كتابه : أمّا بعد فاتّق اللَّه يا علي ودع الحسد فانه طالما ينتفع به الخ جوابا عن كتاب آخر من أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كتبه إلى معاوية و هو الكتاب الّذي جعله السيد رحمه اللَّه الكتاب العاشر من باب المختار من كتبه و رسائله عليه السّلام أوّله : و كيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها الخ ، و سيجي‏ء اختلاف النسخ و أقوال اخر فيه أيضا في شرحه إن شاء اللَّه تعالى . فهذا القول من نصر بن مزاحم يناقض ما ذهب إليه الشارح البحراني ، و نصر كان من الأقدمين قد أدرك الامام سيّد الساجدين عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام و كان قريب العهد من واقعة صفين ، و كلّما أتى به في كتابه فهو الأصل في ذلك و كلّ من أتى بعده و كتب كتابا في صفين أخذ عنه و اقتبس منه جلّ المطالب المهمّة . على أنّه نقل في جوامع الفريقين أنّه عليه السّلام كتب كتابا إلى معاوية جوابا عن كتاب آخر من معاوية إليه و في ذلك الكتاب من أمير المؤمنين عليه السّلام مذكور جميع ما أتى به السيّد في المقام أعني في هذا الكتاب السابع المعنون للشرح بلا زيادة و نقصان أجاب عليه السّلام به عن الأباطيل الّتي أتى بها معاوية في كتابه إليه فاندفع ما أوردها الشارح البحرانيّ بحذافيرها . و الحقّ أنّ كتابه عليه السّلام : من عليّ إلى معاوية بن صخر : أمّا بعد فقد أتاني [ 222 ] كتاب امرى‏ء الخ ، المنقول آنفا من نصر في صفين و المبرّد في الكامل و الدينوري في الإمامة و السياسة ليس بمذكور في النهج و إن كان في بعض الجمل و العبارات مشاركا لهذا الكتاب السابع ، و إن أبيت إلاّ جعلهما كتابا واحدا فما اعترض الشارح البحرانيّ على السيّد في المقام و ما زعم من أنّ هذا الكتاب ملفّق من صدر كتاب و ذيل آخر فليس بصواب ، فعليك بما كتب عليه السّلام جواب كتاب معاوية : نسخة كتاب أمير المؤمنين على عليه السّلام الى معاوية جوابا عن كتاب كتبه معاوية اليه نقلهما غير واحد من رجال الأخبار و السير في جوامعهم ، و نقلهما الفاضل الشارح المعتزلي في شرحه على النهج ، و قد كتبه عليه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه عليه السّلام في أواخر حرب صفين لمّا اشتدّ الأمر على معاوية و أتباعه و كادوا أن ينهزموا و يولّوا الدّبر . و كان كتاب معاوية : من عبد اللَّه معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبيطالب أمّا بعد فانّ اللَّه تعالى يقول في محكم كتابه « و لقد أوحى إليك و إلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك و لتكوننّ من الخاسرين » . و إنّي احذّرك اللَّه أن تحبط عملك و سابقتك بشقّ عصا هذه الامّة و تفريق جماعتها . فاتّق اللَّه و اذكر موقف القيامة و اقلع عمّا أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين ، و إنّي سمعت رسول اللَّه يقول : لو تمالأ أهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبّهم اللَّه على مناخرهم في النّار ، فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين ، و سادات المهاجرين ، بله ما طحنت رحاء حربه من أهل القرآن و ذي العبادة و الإيمان من شيخ كبير ، و شابّ غرير ، كلّهم باللّه تعالى مؤمن ، و له مخلص ، و برسوله مقرّ عارف . فإن كنت أبا حسن إنّما تحارب على الإمرة و الخلافة فلعمري لو صحّت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين ، و لكنّها ما صحّت لك و أنّى [ 223 ] بصحّتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا بها ، و خف اللَّه و سطواته ، و اتّق بأسه و نكاله ، و اغمد سيفك عن النّاس ، فقد و اللَّه أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلاّ كالثمد في قرارة الغدير ، و اللَّه المستعان . فكتب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام جوابا عن كتابه : من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان . أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصّلة ، و رسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك ، و كتاب امرى‏ء ليس له بصر يهديه ، و لا قائد يرشده ، دعاه الهوى فأجابه ، و قاده الضلال فاتّبعه ، فهجر لاغطا ، و ضلّ خابطا . فأمّا أمرك بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها ، و أستعيذ باللَّه من أن أكون من الّذين إذا امروا بها أخذتهم العزّة بالإثم . و أمّا تحذيرك إيّاي أن يحبط عملي و سابقتي في الاسلام ، فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذّرني ذلك ، و لكنّي وجدت اللَّه تعالى يقول « فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللَّه » ننظرنا إلى الفئتين ما الفئة الباغية فوجدناها الفئة الّتي أنت فيها ، لأنّ بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة و أنت أمير لعمر على الشام ، و كما لزمت يزيد أخاك بيعة أبي بكر و هو أمير لأبي بكر على الشام ، و أمّا شقّ عصا هذه الامّة فأنا أحقّ أن أنهاك عنه ، فأمّا تخويفك لي من قتل أهل البغي فانّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أمرني بقتالهم و قتلهم و قال لأصحابه : إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، و أشار إليّ و أنا أولى من اتّبع أمره . و أمّا فولك إنّ بيعتي لم تصحّ لأنّ أهل الشام لم يدخلوا فيها ، كيف و إنّما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر و الغائب ، لا يستثنى فيها النظر ، و لا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، و المروّي فيها مداهن ، فاربع على ظلعك ، و انزع سربال غيّك ، و اترك ما لا جدوى له عليك ، فليس لك عندي إلاّ السيف حتّى تفي‏ء إلى أمر اللَّه صاغرا ، و تدخل في البيعة راغما ، و السّلام . [ 224 ] المعنى قوله عليه السّلام : ( فقد أتتني منك موعظة موصّلة ) كأنما شبّه عليه السّلام كتابه بثوب موصّل أي مرقّع و المراد أنّها ملفّقة من كلمات مختلفة و جمل غير مناسبة وصل بعضها ببعض . أو المراد أنها موعظة مجموعة ملتقطة من ألفاظ الناس ، لا أنّها من منشآته و ممّا تكلّم بها مرتجلا ، و كأنّما المعنى الأوّل أظهر . قوله عليه السّلام : ( و رسالة محبّرة ) أي أتتني منك رسالة أتعبت نفسك في تقريرها و زيّنت ألفاظها بالتكلّف و التصنّع ، لما دريت في بيان اللّغة أنّ المحبّر من يحسّن الشعر و الخطّ و غيرهما ، و بالجملة فيه إشارة لطيفة إلى أنّ الرّجل كان في ميدان الكلام راجلا لا مرتجلا . قوله عليه السّلام : ( نمّقتها بضلالك ) قد بيّنا في الاعراب أنّ الباء هذه سببيّة ، و المعنى أتتني رسالة زيّنتها و زوّقتها بسبب ضلالك ، و سرّ ذلك أنّ كلّ فعل إذا لم يكن على اعتقاد و حقيقة لا يقع في محلّه على ما ينبغي ، و لا يصدر من الفاعل على ترتيب حسن و نظم متين ، لأنّه عمل قسريّ خارج عن سجيّة الطبع واقع بالتكلّف فلا يرجى منه حسن الوقوع و النضد ، نظير ما قاله أبو الحسن عليّ بن محمّد التهاميّ : و مكلّف الأيّام ضدّ طباعها متطلّب في الماء جذوة نار فإذا لا بدّ لهذا العامل من أن غير طويّة الطبع أن ينمّق عمله ثانيا و يزيّنه ليقرب من موقع ما وقع بغير تكلّف . فنقول : لمّا كان معاوية عالما بأنّ أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام كان على بيّنة من ربّه ، و أنّ الحقّ كان معه عليه السّلام حيث دار كان كتابه الّذي كتبه إليه عليه السّلام على التكلّف و التصنّع لا محالة ، فلو لا ضلاله عن الحقّ لما يحتاج كتابه إلى التنميق لأنّه كان كتابا صادرا بالطبع و لم يكن مضطربا مشوشا حتّى يلوح منه أثر الكلفة المحتاج إلى التزيين . قوله عليه السّلام : ( و أمضيتها بسوء رأيك ) أي أنفذت تلك الرسالة و بعثتها إليّ بسبب سوء رأيك بي ، و من سوء رأيه به اختلق عليه عليه السّلام بأنه قتل عثمان و أعرض عن [ 225 ] إجماع المهاجرين و الأنصار في المدينة على بيعته عليه السّلام للخلافة و فعل ما فعل . قوله عليه السّلام : ( و كتاب امرى‏ء ليس له بصر يهديه إلى قوله : خابطا ) عطف على موعظة أي أتاني كتاب امرى‏ء ليس له عقل يهديه إلى الحقّ أي يقوده إليه و الهادي هو الّذي يتقدّم فيدلّ ، و الحادي هو الّذي يتأخّر فيسوق . و إنما حملنا البصر على العقل لا العين لأنّ العقل هو لطيفة مجرّدة إلهيّة و جوهرة ثمينة نورانيّة ربّانيّة يقود الانسان إلى الرّشاد ، و يهديه إلى السداد و يدعوه إلى الاتصاف بالصفات الإلهيّة ، و التخلّق بالأخلاق الرّبوبيّة ، لأنّ العقل ما عبد به الرّحمن و اكتسب به الجنان ، فمن لم يكن له نور العقل ينجيه من المهالك ، فلا جرم يتّبع الجهل و الهوى ، لأنّ بعد الحقّ ليس إلاّ الضلال ، و بعد نور العقل ليس إلاّ ظلمة الجهل قال عزّ من قائل : « و ماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال » ( يونس 33 ) . و كما أنّ العاقل يتفوّه و ينطق بما يعنيه و هو في أقواله و أعماله على الصراط السويّ ، و النهج القويم كذلك تابع الهوى لفقدان بصيرته و عميان سريرته لا بدّ أن يهجر و يهذي في نطقه و يضلّ عن سبيل اللّه في فعله و قوله لاقتضاء الهوى ذلك ففاقد البصر يجيب داعي الهوى و يتّبع قائد الضلال فيلزمه أن يهجر لا غطا و يضلّ خابطا ، و بذلك ظهر سرّ قول أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كما رواه الصدوق رضوان اللّه عليه في الخصال : المؤمن ينقلب في خمسة من النور : مدخله نور ، و مخرجه نور ، و علمه نور ، و كلامه نور ، و منظره يوم القيامة إلى النور . بحث روائى مناسب للمقام رواه ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني قدّس سرّه في اصول الكافي : أحمد ابن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قلت له : ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرّحمن ، و اكتسب به الجنان ، قال : قلت : فالّذي كان في معاوية ؟ فقال : تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بالعقل . [ 226 ] بيان : سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام سائل عن معرفة العقل ، و لمّا كان درك حقيقته و عرفان ذاته للسائل في غاية الصعوبة و التعسّر جدّا ، بل قد أعجز الحكماء الراسخين و تحيّر عقول المتألّهين النيل إلى عرفان ذاته و لذا تحيّروا في تحديده و اختلفوا فيه ، عرّفه ببعض آثاره و خواصّه ، و هذا تعريف بالرّسم في اصطلاح أهل الميزان . قال المحقّق الطوسيّ في أوائل شرحه على منطق الإشارات للشيخ الرئيس : قد يختلف رسوم الشي‏ء باختلاف الاعتبارات ، فمنها ما يكون بحسب ذاته فقط و منها ما يكون بحسب ذاته مقيسا إلى غيره كفعله أو فاعله أو غايته أو شي‏ء آخر مثلا يرسم الكوز بأنه و عاء صفريّ أو خزفيّ كذا و كذا و هو رسم بحسب ذاته ، و بأنه آلة يشرب بها الماء ، و هو رسم بالقياس إلى غايته و كذا في سائر الاعتبارات . انتهى كلامه . فنقول : تعريفه عليه السّلام العقل في الحديث بأنّه ما عبد به الرّحمن و اكتسب به الجنان رسم له بغايته فإنّ ما ينبغي للسائل أن يعرفه أو يتأتّي له عرفانه هذا الرّسم له نحو قوله تعالى : « يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس و الحجّ » ( البقره آية 187 ) . و إنّما رسمه بذلك لأنّ اقتضاء العقل الناصع أعني المجرّد عن شوائب الامور الماديّة الدّنيويّة الموجبة لبعده عن ساحة جناب الرّب جلّ جلاله هو ميله و ارتقاءه إلى اللّه تعالى ، لأنه من عالم الأمر يرتقي بالطبع إليه كما أنّ الحجر مثلا بالطبع يهبط إلى مكانه الطبيعي له قضاء لحكم الجنسيّة ، و نعم ما أشار إليه العارف الرّوميّ : ذرّه ذرّه كاندرين أرض و سما است جنس خود را همچو كاه و كهربا است جان گشايد سوي بالا بالها تن زده اندر زمين چنگالها و لذا يستلذّ العقل من استفاضته من عالم القدس ، و يقوي و يتّسع وجودا من إفاضة الاشراقات النّوريّة الإلهيّة عليه ، فمقتضى طويّته و سجيّته التقرّب إلى [ 227 ] اللّه تعالى و اتّصافه بصفاته العلياء ، فهو الهادي إليه تعالى ، و لذا قال عليه السّلام : ما عبد به الرّحمن لأنّ العبادة فرع المعرفة و لذا فسّروا قوله تعالى : « و ما خلقت الجنّ و الانس إلاّ ليعبدون » ( الذاريات 57 ) بقولهم : ليعرفون ، فبالعقل يعرف اللّه و يعبد فهو مبدء جميع الخيرات الموجبة للسعادة الأبديّة ، فبه يكتسب الجنان لما دريت من أنّ العقل يهدي إلى سواء السبيل ، فالعاقل على الجادة الوسطى و الطريقة المثلى لا يسلك مسلكي الإفراط و التفريط ، بل يعمل ما هو رضى اللّه تعالى . و لذا قال الامام أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق كما رواه ثقة الإسلام الكليني في اصول الكافي : من كان عاقلا كان له دين و من كان له دين دخل الجنّة . فينتج على هيئة قياس منطقي شرطي اقتراني من أعلى ضروب الشكل الاوّل فمن كان عاقلا دخل الجنّة . ثمّ إنّ قوله عليه السّلام : ما عبد به الرّحمن ، إشارة إلى كمال القوّة النظريّة و قوله عليه السّلام : و اكتسب به الجنان إلى العقل العملي ، لأنّ الأوّل مقدّم بالرّتبة على الثاني كما عرفت ، و بالقوّة النظريّة يعلم المعارف الكليّة الإلهيّة ، و الأحكام الشرعيّة . و الأخلاق الحسنة ، و بالثانية يعمل بها ، و هاتان القوّتان بمنزلة جناحين للعقل يطير بهما من حضيض الناسوت إلى أوج القدس . و قد تظافرت الأخبار في العقل و آثاره و خواصّه بعبارات عذبة لطيفة علميّة من خزنة العلم أئمّتنا عليهم السّلام أتى بجلّها المحدّث العالم لخبير الثقة الكلينيّ رضوان اللّه عليه في الكافي و جعل كتابه الأوّل في العقل و الجهل ، و من تأمّل علم أنّ تلك الأخبار علوم لدنيّة فاضت من سحاب وجود الّذين هم وسائط الفيض بين اللّه تعالى و عباده . ثمّ السائل سأله عليه السّلام عن الّذي كان في معاوية بقوله : قلت : فالّذي كان في معاوية أي فالّذي كان في معاوية ما هو على أن يكون الموصول مبتداء حذف خبره ، و في بعض النسخ كما في مرآة العقول للمجلسي ره فما الّذي كان في معاوية فعلى هذه النسخة فلا يحتاج إلى تقدير الخبر . [ 228 ] و بالجملة : أنّ السائل لما رأى جربزة معاوية و دهاه و مكره و احتياله في الامور و طلب الفضول في الدّنيا التبس عليه الأمر فزعم أنّ تلك الرّويّة الرّديّة الدنيّة الدنيويّة كانت في معاوية عقلا فعدّه من العقلاء كما يزعم الجهّال لبعدهم عن الأنوار العلميّة من كان له شيطنة في اقتراف الأغراض الشهوانيّة و الزّخارف الدّنياويّة عاقلا ، فأجابه عليه السّلام دفعا لا لتباسه و توضيحا لمسألته أنّ تلك القوّة الحاكمة على معاوية هي النكراء . و النّكراء بفتح الأوّل و سكون الثاني الدهاء و الفطنة و المنكر ، قال الجوهريّ في الصحاح : النّكر « بضم الأوّل و سكون » المنكر ، قال اللّه تعالى : « لقد جئت شيئا نكرا » ( الكهف 75 ) و قد يحرّك مثل عسر و عسر . قال الشاعر : و كانوا أتوني بشي‏ء نكر ، و النّكراء مثله . انتهى قوله . أقول : و المنكر كلّ فعل و قول تقبّحهما العقول الصحيحة الناصعة أو ما تعجز عن درك استحسانه و استقباحه فتتوقف فيه فيحكم بقبحه الشرع ، فالنكراء كلّ ما قبّحه العقل أو الشرع . ثمّ أعاد عليه السّلام اسم الإشارة تأكيدا و تنصيصا بأنّ تلك القوّة النكراء شيطنة أي الأفعال البارزة من معاوية ليست ممّا يأمره العقل لأنّ العقل يسلك إلى ما فيه عبادة الرّحمن و اكتساب الجنان ، و كلّ ما ليس كذلك فلا يأمر به بل ينكره و ينهى عن ارتكابه ، و منهيّات العقل و منكراته ما يوسوس بفعلها الشيطان السائق إلى التمرّد و العصيان . و لمّا كان الجهّال رأوا أنّ علل المعلولات المختلفة تجب أن تكون مختلفة و زعموا بالقياس أنّ الآثار المتقاربة و المعلولات المتشابهة تجب أن تكون مستندة إلى العلل المتشابهة أيضا ، و ما زادهم ذلك القياس إلاّ بعدا عن الحقّ ، و لذا يعدّون معاوية و أشباهه السفهاء من العقلاء ، بيّن الإمام عليه السّلام بأنّ المعلولات المتشابهة قد تكون مستندة إلى العلل المختلفة أيضا . فمجرّد اشتراك القوّتين في بعض الآثار كجلب نفع و دفع ضرّ و سرعة التفطّن وجودة الحدس و أمثالها لا يوجب [ 229 ] اتّحادهما حقيقة ، لأنّ المنافع مثلا قد تتعلّق بالدّنيا كما قد تتعلّق بالآخرة فالنفع الّذي يجلبه معاوية إلى نفسه مشوب بالهوى ، قاده إليه الشيطنة و الضلال و هو عند اولي الألباب منكر محض و ضرر صرف ، فأين هذا من ذاك ؟ و لذا قال عليه السّلام : هي شبيهة بالعقل ، و آكده توضيحا و صرّح به ثانيا بقوله : و ليست بالعقل ، فبينهما بون بعيد و مسافة كثيرة . و حرف التعريف في العقل للعهد أي ليست تلك القوّة الشيطنة النكراء هي تلك اللّطيفة النّوريّة الإلهيّة ، أي العقل الّذي عرّفناه بالرّسم بأنّه ما عبد به الرّحمن و اكتسب به الجنان . قال الجاحظ في البيان و التبيين ( ص 258 ج 3 طبع مصر 1380 ه ) : قيل لشريك بن عبد اللّه : كان معاوية حليما ، قال : لو كان حليما ماسفه الحقّ و لا قاتل عليّا ، و لو كان حليما ما حمل أبناء العبيد على حرمه و لما أنكح إلاّ الأكفاء . قوله عليه السّلام : ( لأنها بيعة واحدة الخ ) هذا ردّ على كلام معاوية حيث قال في كتابه المقدّم ذكره : فلعمري لو صحّت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين و لكنّها ما صحّت لك و أنّى بصحّتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا به . و بيان الرّذّ إنّما هو على حذو ما قدّمنا في شرح الكتاب السادس من أنه عليه السّلام احتجّ على الخصم بما كان يعتقد من أنّ أمر الإمامة و مبنى الخلافة إنّما هو بالبيعة دون النصّ فألزم معاوية بما أثبت به هو و الناس خلافة أبي بكر و عمر و عثمان من أنّ أهل الشورى من المهاجرين و الأنصار و هما أهل الحلّ و العقد من امّة محمد صلّى اللَّه عليه و آله ، كما اتّفقت كلمتهم على خلافة الثلاث و اتّبعهم الناس و لم ينكروا عليهم و لم يكن للشاهد أن يختار غير من اختاروا ، و لا للغائب أن يردّ من بايعوه للإمامة بل إن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فان أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، كذلك اتّفاقهم على إمامته عليه السّلام بعد عثمان حجّة على الشاهد و الغائب ، فلا يجوز لمعاوية و أتباعه من [ 230 ] أهل الشام أن يردّوا من نصبه أهل الحلّ و العقد من المهاجرين و الأنصار لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار كما كان الأمر في بيعة الناس مع الثلاث كذلك ، فقد أهجر معاوية في قوله : و أنّى بصحّتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا بها . قوله عليه السّلام : ( الخارج منها طاعن ) أي الخارج من البيعة طاعن فيما اتّفق عليه كلمة أهل العقد و الحلّ و إجماعهم ، فعليهم أن يردّوه إلى ما خرج منه فان أبى فعليهم أن يقاتلوه . كأنّما إشارة إلى قوله تعالى : « و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون » ( التوبة 12 ) . قوله عليه السّلام : ( و المروّي فيها مداهن ) أي الّذي يتفكّر و يرتأي في صحّة البيعة بعد تحقّقها و استقرارها خادع خائن منافق . الترجمة اين يكي از نامه‏هاى أمير المؤمنين علي عليه السّلام است كه در جواب نامه معاويه نوشت و بسويش ارسال داشت . اين نامه معاويه و جواب آن در أواخر جنگ صفين وقوع يافت و صورت آن چنين است : چون معاويه ديد كه على و سربازانش در صفين عرصه را بر او و پيروانش چنان تنگ كردند كه راه گزيرى جز گريز بر ايشان نمانده بود بدر عجز در آمده نامه‏اى باين مضمون به أمير المؤمنين نوشت : اين نامه ايست كه بنده خدا معاوية بن أبي سفيان به عليّ بن أبيطالب نوشت أمّا بعد خداوند در كتاب استوارش فرمود « لقد أوحي اليك و إلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك و لتكوننّ من الخاسرين » ( الزّمر : 65 ) أي پيغمبر بتو و به پيغمبران پيش از تو وحي شد كه اگر شرك آوري عملت تباه خواهد شد و من تو را أى على از خدا تحذير مينمايم و بيم ميدهم كه مبادا عمل و سابقه‏ات در اسلام بايجاد شكاف در وحدت أمّت و پراكنده كردن جماعتشان كه همسنگ شرك [ 231 ] است تباه شود . پس از خدا بترس و موقف قيامت را بياد آر و از ريختن خون اينهمه مسلمانان دست بدار كه من از پيغمبر شنيدم اگر أهل صنعاء و عدن بر كشتن مسلمانى همدست شوند خداوند همه آنانرا برو در آتش جهنم در اندازد ، پس چگونه خواهد بود حال كسيكه اينهمه أعلام مسلمين و بزرگان مهاجرين را كشته است . أي على دست بدار از جنگى كه چون آسيا اينهمه از أهل قرآن و عبادت كنندگان و أفراد با ايمان از پيرو جوان كه مؤمن مخلص و مقرّ و عارف بخدا و پيغمبرش بودند آرد كرده است . أي أبو الحسن اگر از آنروي خويشتن را أمير و خليفه ميپنداري جنگي اين چنين روا ميدارى ، بجانم سوگند كه اگر خلافت تو صحيح بوقوع مى‏پيوست گويا جاى آن بود كه توان گفت در ريختن خون مسلمانان معذور باشى ، و لكن چگونه بصحّت رسيده باشد با اينكه أهل شام در بيعت تو در نيامدند و بدان راضي نشدند . بترس از خدا و قهرش ، و بپرهيز از سخت گيرى و گوشمال دادنش و شمشير را از روى مردم در غلاف نه كه آتش جنگ مردمان را در ربود ، و از آن دريا لشكر باندازه مشت آبي در تك گودالى بيش نمانده ، خدا مستعان است . أمير المؤمنين عليه السّلام در جواب او نوشت : اين نامه‏ايست از بنده خدا علي أمير مؤمنان بمعاوية پور بوسفيان . أمّا بعد نامه‏اى بأندرز از تو بما آمده كه عبارات آن از گفتار اين و آن چون جامه پينه دار بهم بر دوخته ، و نوشته‏اى بتكلّف انشاء شده بألفاظ نا مربوط آراسته بود آنرا بگمراهى خود زينت داده‏اى و بانديشه بد خود فرستاده‏اى ( در شرح گفته‏ايم كه هر عمل در لباس حقيقت نباشد ناچار بايد آنرا بيارايند تا بظاهر رنگ حقيقتش دهند و در معرض ترويجش در آورند ) . نامه مردي كه نه بصيرتى دارد تا هدايتش كند و نه رهبري تا ارشادش نمايد هواى نفس دعوتش كرد ، و او هم إجابتش ، گمراهي افسار او را در دست گرفت و او نيز در پيش روان شد ، از اين روى ژاژ خاييد و ياوه گفت و بانگ بيهوده [ 232 ] بر آورد . أمّا آنكه مرا بتقوى خوانده‏اى اميدوارم كه اهل آن بوده ، و پناه ميبرم كه از كسانى باشم چون بتقوى دعوت شوند حميّت آنانرا بگناه بدارد ( اشاره است بآيه كريمه 207 سوره بقره : « و اذا قيل له اتّق اللَّه أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم و لبئس المهاد » . و أمّا پاسخ بيم دادنت مرا از خدا كه مبادا عمل و سابقه من در اسلام تباه شود اينكه بجانم سوگند اگر بر تو ستمكار بودم حق داشتى كه مرا تحذير كنى و بيم دهى ، و لكن مى‏بينم كه خدا ميفرمايد « فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيى‏ء إلى أمر اللَّه » ( الحجرات 9 ) يعني پس كارزار كنيد با آن فرقه‏اي كه ستم ميكنند تا بأمر خدا بر گردند ، و فرقه ستم كننده كسانى‏اند كه تو در آنهائي چه بيعت مردم با من در مدينه بر تو نيز كه در شام بودى لازم شد چنانكه بيعت با عثمان در مدينه بر تو كه از طرف عمر أمير شام بودى لازم شده بود ، و چنانكه برادرت يزيد را كه از طرف أبو بكر أمير شام بود بيعت أبو بكر لازم شده بود ( كذا ) . أمّا پاسخ ايجاد شكاف در وحدت أمّت اينكه من سزاوارترم كه تو را از آن نهى كنم ( زيرا كه معاويه آتش فتنه بپا كرد و مردم را باختلاف و قتال كشانيد ) . أمّا پاسخ ترساندنت مرا از كشتن ستمكاران اينكه پيغمبر صلّى اللَّه عليه و آله مرا بكارزار با آنان و كشتنشان امر كرد و فرمود « إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و أشار إليّ » يعنى در ميان شما كسى است كه بر تأويل قرآن قتال ميكند چنانكه من بر تنزيل آن قتال كردم و إشاره بسوى من فرمود كه آن كس علي است . و أمّا پاسخ گفتارت كه بيعتت صحيح بوقوع نپيوست از آنروي كه شاميان بيعت نكردند اينكه آن يك بيعت است و بر حاضر و غائب لازم ، نظر در آن دو نميشود و استيناف در آن راه ندارد ، هر كه از آن سر پيچيد و بدر رفت طعن در بيعت و آئين مسلمانان زد ، و هركه در آن انديشه ناك و دو دل است خائن و منافق است . [ 233 ] ( احتجاج امام عليه السّلام بر سبيل مماشاة بآنچه خصم بدان معتقد است ميباشد و گرنه در امام عصمت شرط است كه بايد از جانب خدا و رسول منصوص و منصوب باشد چنانكه در شرح كتاب ششم گفته‏ايم ) . أي معاويه آرام گير ، و جامه گمرهي از تن بدر كن ، و آنچه كه در آن تو را سودى نيست ترك گوي ، و براي تو در نزدم جز شمشير چيزى نيست تا اينكه بأمر خدا بر گردي ، و بذلّت در بيعت در آئي ، درود بر آنكه سزاوارش است .