جستجو

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 67 ] و من كلام له عليه السّلام و هو المأتان و الثالث و الثلاثون من المختار فى باب الخطب قاله عليه السّلام و هو يلى غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تجهيزه بأبي و أمّي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النّبوّة و الإنباء و أخبار السّماء ، خصصت حتّى صرت مسلّيا عمّن سواك ، و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء ، و لو لا أنك أمرت بالصّبر ، و نهيت عن الجزع ، لأنفدنا عليك ماء الشّؤن ، و لكان الدّاء مما طلا ، و الكمد محالفا ، و قلاّ لك ، و لكنّه ما لا يملك ردّه ، و لا يستطاع دفعه ، بأبي أنت و أمّي أذكرنا عند ربّك ، و اجعلنا من بالك . اللغة ( النّبوّة ) أصله النّبوءة فابدلت الهمزة واوا فادغمت لثقل التلفظ بها عندهم و لذا يبدّلون الهمزة تارة واوا متى كان ما قبله مضموما و تارة الفا إن كان مفتوحا كقوله تعالى آللَّه خير امّا يشركون و تارة تقلبونه ياء إن كان ما قبله مكسورا كنبيّ لأن أصله النّبي‏ء على مذهب من يهمز و الايمان و غيرهما قال ابن زيّابة التميمي « حماسة 22 » : نبّيت عمرا غارزا رأسه في سنة يوعد أخواله و قالوا لولا نزل القرآن بالهمز لما تكلموا به لان التلفّظ به يشبه التهوع عندهم كما قيل ، و تصغيرها نبية تقول العرب كانت نبيّة مسيلمة نبيّة سوء ، و أصلها [ 68 ] النبأ و هو الخبر ، و قال الطبرسي في المجمع في تفسير قوله تعالى « الم ياتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح و عاد و ثمود » في سورة إبراهيم : النبأ الخبر عما يعظم شأنه يقال لهذا الأمر نبأ عظيم أي شأن و كذا في سورة النبأ . ( الانباء ) افعال من النبأ يقال أبنأه أى أخبره و في بعض النسخ الأنباء بالفتح و هو جمع النبأ و في نسخة اخرى الأنبياء و هو جمع نبيّ و لكنه لا يناسب اسلوب الكلام كما لا يخفى ، و هذا و هم من النساخ لأنه إن كان الانباء لزم ان تكون كلمة الجار اعنى من بيانا لما في قوله ما لم ينقطع كما في اخويه أعنى النبوة و اخبار السماء و يكون الكلام على اسلوب واحد و لو كان الأنبياء لزم أن يكون من في النّبوة و أخبار السماء بيانا لما و في الأنبياء بيانا لكلمة الغير في قوله غيرك فيخرج الكلام عن النظم و الاتّساق . ( السماء ) مأخوذ من السموّ و هو العلو و الارتفاع قال الجوهري : السماء كلّ ما علاك فأظلّك و منه قيل لسقف البيت سماء و لفظ السماء هنا مستعار لعالم الغيب و مقامات الملاء الأعلى لعلوه و ارتفاعه معنى من عالم الشهادة . ( المسلّى ) من التسلية يقال سلاّني من همّي تسلية أي كشفه عنى . ( و الجزع ) بالتحريك : انزعاج النّفس بورود ما يغم فهو نقيض الصبر قوله تعالى في سورة إبراهيم « سواء علينا اجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص » . ( نفد ) الشي‏ء من باب ضرب نفادا إذا فنى قال اللّه تعالى في آخر الكهف « قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّى » و الانفاد : الافناء يقال أنفدت الشي‏ء أى افنيته و قرى‏ء بالوجهين قول الشاعر « حماسة 842 » فجائوا بشيخ كدّح الشرّ وجهه جهول متى ما ينفد السبّ يلطم ( ماء الشؤن ) : الدمع ، و الشؤن و الاشؤن جمع الشأن كفلس و افلس و فلوس و قال الجوهري فى الصحاح : الشؤن هي مواصل قبائل الرّأس و ملتقاها و منها تجي‏ء الدموع ، قال ابن السّكيت : الشانان عرقان ينحدران من الرأس إلى الحاجبين ثمّ إلى العينين ، فالشؤن هى منابع الدمع و مجاريها كما فسرها بها المرزوقي [ 69 ] في قول ابن هرمة « حماسة 470 » . استبق دمعك لا يود البكاء به و اكفف مدامع من عينيك تستبق ليس الشؤن و إن جادت بباقية و لا الجفون على هذا و لا الحدق ( الداء ) : المرض و العلة و المراد به هنا ألم الحزن و اصله دوء لأنّ جمعه أدواء و الجمع كالتصغير و النسبة يرد الشي‏ء إلى أصله كدار و أدوار و دويرة و دورىّ . ( مماطلا ) قال الجوهري : مطلت الحديدة امطلها مطلا إذا ضربتها و مددتها لتطول و كلّ ممدود ممطول و منه اشتقاق المطل بالدين و هو اللّيّان به يقال مطله و ماطله بحقه فالمراد ان الداء لازمنى و لا يزول عنى فكنى به انه يماطل و يسوف بالزوال و الذهاب و البرء . ( الكمد ) بفتحتين : الحزن المكتوم و قال المرزوقى في شرح الحماسة « حماسة 267 » في قول الشاعر : لو كان يشكى إلى الأموات ما لقى الأحياء من شدّة الكمد الكمد : حزن و همّ لا يستطاع امضاؤه و قال الدّريدي : هو مرض القلب من الحزن ، يقال كمد يكمد كمدا من باب علم ، و رأيته كامد الوحه و كمد الوجه إذا بان به اثر الكمد و اكمده الحزن اكمادا . ( محالفا ) المحالف الحليف الملازم ، يقال حالفه أى عاهده و لازمه . ( لا يستطاع ) الاستطاعة : الاطاقة ، لا يستطاع دفعه أى لا يطاق و لا يقدر عليه و في الصّحاح و ربما قالوا اسطاع يسطيع يحذفون التاء استثقالا لها مع الطاء و يكرهون ادغام التاء فيها و ربما يتحرك السين و هي لا تحرك أبدا ، و قرء حمزة « فما اسطاعوا أن يظهروه » « سورة الكهف 98 » بالادغام فجمع بين الساكنين « و هما السين الساكنة و التاء المدغمة » و ذكر الاخفش أن بعض العرب يقول استاع يستيع فيحذف التاء استثقالا و هو يريد استطاع يستطيع قال : و بعض يقول اسطاع يسطيع بقطع الالف و هو يريد أن يقول اطاع يطيع و يجعل السين عوضا من ذهاب حركة عين الفعل . [ 70 ] ( البال ) : القلب و أصله أجوف واوي ، و البال و الخلد يستعملان على طريقة واحدة يقولون وقع في خلدي كذا و سقط على بالي و خطر ببالي يقال هذا من بال فلان أي ممّا يباليه و يهتم به . الاعراب ( بأبي أنت و امّي ) امّي معطوف على أبي أي و بامّي و الباء للتفدية و الطرفان كلاهما يتعلّقان بمحذوف و التقدير أنت مفدي بأبي و امّي و هذا التقدير أولى من افديك بأبي و امّي لبقاء الجملة على هيئتها و عدم التصرّف فيها ، يقال فداه من باب ضرب وفاداه إذا اعطى فداءه فانقذه من الاسر و نحوه و فداه بنفسه و فداه تفدية إذا قال له جعلت فداك فقوله عليه السّلام : بأبي أنت و امّي أي جعل أبواى فداءك و الفداء و الفدى و الفدى و الفدية ما يعطى من مال و نحوه عوض المفدى ( بموتك ) الباء في كليهما للسببيّة ( من النبوّة ) كلمة من للتبيين يبين ما في ما لم ينقطع ( و الانباء و أخبار السماء ) معطوفان على النبوة . ( خصصت ) أي خصصت النّاس بمصيبتك أو خصصت في مصيبتك أو خصّت مصيبتك . ( عمّن سواك ) أي مصيبة عمّن سواك ، و كذا قوله عليه السّلام عممت أى عممت النّاس بمصيبتك أو عمّت مصيبتك النّاس حتّى صار النّاس في مصيبتك سواء ، و اضاف الخصوص و العموم إليه صلّى اللّه عليه و آله مع انهما للمصيبة لكونها بسببه و حذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه . ( لو لا انّك ) اه لولا هذه لامتناع الشي‏ء لوجود غيره أعني امتناع جوابها بوجود شرطها و تختص بالاسم و انّ مع ما بعدها في تأويل مصدر و التقدير لولا أمرك بالصبر و نهيك عن الجزع لأنفدنا اه و اللام فى لأنفدنا جواب شرط و كذا و لكان الداء معطوفا على انفدنا . ( و قلاّ لك ) الضمير في قلاّ يعود إلى الداء المماطل و الكمد المحالف لانّ الضمير يرجع إلى أقرب المراجع مع عدم القرينة و يحتمل أن يرجع إلى انفاد ماء الشؤن [ 71 ] المستفاد من انفدنا و إلى الداء المماطل و الكمد المحالف بجعلهما واحدا من حيث قربهما معنى ( و لكنه ) اه الضمير فيه و في ردّه و دفعه يرجع إلى الموت في قوله عليه السّلام لقد انقطع بموتك و يمكن أن يرجع إلى البكاء و الحزن المستفاد من الجمل السالفة على ما يأتي بيانه فى المعنى . المعنى قوله ( بأبي أنت و أمي ) أي جعل أبواى فداك و التفدية هي كلمة معتادة للعرب تقال لمن يعزّ عليهم حتى انه اعزّ و ارجح عنده من أبويه بحيث يجعلهما فداء له و لو تخييلا فلا يشترط فيها امكان التفدية إذ ليس الغرض من اطلاقها تحقيق الفدية و ثبوتها فلا يرد ههنا ان يقال انّ التفدية بعد موت من يفدى له غير ممكنة فكيف قال عليه السّلام بأبي أنت و امّي . ثمّ انّ ههنا كلاما يناسب المقام و هو أن المستفاد من بعض اخبارنا المروية عدم جواز قول انسان ان يقول لغيره بأبى أنت و امي إذا كانا مؤمنين حيين كما روى في الوسال و الخصال على طريقين عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام حيث سئل عن الرّجل يقول لابنه أو لابنته بأبي أنت و امّي أو بأبوى أنت أترى بذلك بأسا ؟ فقال عليه السّلام : ان كان أبواه مؤمنين حيين فأرى ذلك عقوقا و ان كانا قد ماتا فلا بأس . و ظاهر الخبر يدل على عدم جواز القول بالتفدية بالابوين إذا كانا مؤمنين حيين في قبال الولد لان المفدى يكون أحبّ من الفدية حيث يجعلها فداءه فيلزم أن يكون الأولاد أحبّ و أعزّ من الوالدين و هذا عقوق لهما و خروج عن الأوامر بالبر بالوالدين و النّواهي عن العقوق لهما مع شدة تأكيد برهما بحيث جعل في القرآن الكريم الاحسان بالوالدين قرين عبادة اللّه تعالى و قضى ربّك ألا تعبد الا اياه و بالوالدين احسانا و غير ذلك من الآيات و الأخبار و أمّا إذا كانا قد ماتا فلا بأس بذلك لعدم تحقق التفدية كما إذا كانا حيين غير مؤمنين أيضا لا بأس به لعدم حرمة لهما حينئذ فمتى كان في الولد لا يجوز ذلك و في غيره عدم [ 72 ] جواز القول بها أولى ، و النّبي صلّى اللّه عليه و آله أولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلا عن آبائهم و أولادهم و أموالهم . قوله عليه السّلام ( لقد انقطع ) اه أى انقطع بسبب موتك النّبوة و الأخبار و الوحى و لم ينقطع بموت غيرك من الأنبياء و ذلك لأنّه صلّى اللّه عليه و آله خاتم النّبيّين و آخرهم ختمت النّبوّة به فشريعته باقية الى يوم القيامة ، فبموته صلّى اللّه عليه و آله انقطع الوحى و النبوة نصّ بذلك عزّ من قائل في الاحزاب « ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول اللّه و خاتم النبيّين و كان اللّه بكلّ شي‏ء عليما » قرء عاصم بفتح التاء و الباقون من القراء بكسر تاء و على كلا القرائتين يحصل المقصود لأنّ من كسر التاء من خاتم فانه ختمهم فهو خاتمهم ، و من فتح التاء فمعناه آخر النّبيّين لا نبي بعده و في الصحاح الخاتم بفتح التاء و الخاتم بكسر التاء و الخيتام و الخاتام كلّه بمعنى . و في المجمع و صح الحديث عن جابر بن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال انّما مثلى في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فاكملها و حسّنها إلاّ موضع لبنة فكان من دخل فيها فنظر إليها قال ما احسنها الا موضع هذه اللبنة قال صلّى اللّه عليه و آله فانا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء ، و أورده البخاري و مسلم في صحيحهما . أقول : اتى بهذه الرّواية العارف المتأله ابن أبي جمهور الاحسائي في المجلي ص 369 و البراهين القاطعة و المعجزات القاهر عقلا و نقلا في انه صلّى اللّه عليه و آله خاتم النبيّين كثيرة لا يعتريه ريب و لا يشوبه عيب و لا يرتاب فيه الا من كان في عقله خبل و في عينه حول و لا يدعى النبوّة بعده صلّى اللّه عليه و آله إلاّ الكذاب الاشر المفتري الذي غرته الدنيا و باع حظه بالأرذل الأدنى و تغطرس و تردّى في هواه ، و من اظلم ممن افترى على اللّه كذبا أو قال اوحى إلىّ و لم يوح إليه شي‏ء و اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون . و في السيرة الحلبية : ان جبرئيل جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى وجعه الذي توفى فيه « إلى أن قال : » و جاء أن جبرئيل عليه السّلام قال هذا آخر وطئى بالأرض ، و في لفظ آخر : عهدى بالأرض بعدك و لن اهبط إلى الأرض لأحد بعدك . [ 73 ] قال الحافظ السيوطى و هو حديث ضعيف جدا و لو صح لم يكن فيه معارضة أى لما ورد انه ينزل ليلة القدر مع الملائكة يصلّون على كلّ قائم و قاعد يذكر اللّه لانه يحمل على انه آخر نزوله بالوحى . ثمّ اعترض على السيوطى بان حديث يوحى اللّه إلى عيسى عليه السّلام أى بعد قتله الدجال صريح فى أنّه يوحى إليه بعد النزول و الظّاهر أنّ الجائي بالوحى هو جبرئيل عليه السّلام لانه السفير بين اللّه و رسله انتهى . أقول : معلوم عند العقلاء بانّ الوحى بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يكون وحى نبوّة قطعا و القطع بأن الجائى بالوحى إلى عيسى عليه السّلام هو جبرئيل غير معلوم . و في الكافي لثقة الاسلام الكلينيّ ( قده ) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان فاطمة عليها السّلام مكثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة و سبعين يوما و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان يأتيها جبرئيل عليه السّلام فيحسن عزاءها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها و كان عليّ عليه السّلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها السّلام . و كذا في الكافي باب مشتمل على الاخبار الحاكية على أنّ الملائكة تدخل بيوتهم و تطأ بسطهم و تأتيهم بالاخبار و هم عليهم السّلام مختلف الملائكة « ص 146 م 2 من الوافي » . ثمّ انّ الانباء و اخبار السّماء و ان كانا متقاربى المعنى لكنّه لا يبعد ان يقال : ان المراد من أخبار السماء هو الوحى الذي اوحى إليه صلّى اللّه عليه و آله من اللّه تعالى و المراد من الانباء ما أخبر هو صلّى اللّه عليه و آله النّاس و أنبأهم به . قوله عليه السّلام ( خصصت حتّى صرت مسليا عمّن سواك ) أى خصصت فى مصيبة من حيث انّها مصيبة خاصّة عظيمة و داهية دهياء لا يصاب النّاس بمثلها فلذلك صارت مسلية عن غيرها من المصائب و كل مصيبة دونها و إن كانت كبيرة لصغيرة بل لا يعبأ بها و كيف لا و هو خاتم النبيّين و اشرف المخلوقين و كان نبيّ الرّحمة و قال اللّه تعالى « لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم [ 74 ] بالمؤمنين رؤف رحيم » فاىّ مصيبة أعظم من تلك المصيبة للعالمين . فأشار عليه السّلام بانه ليس لنا مصيبة غيرها لانها مسلية عن غيرها كما قال عليه السّلام في الخطبة المأتين عند دفن فاطمة عليها السّلام كالمناجي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند قبره : الا ان في التأسي لي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعزّ . في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال ابن اصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ . و فيه أيضا سليمان عمرو النخعي عنه عليه السّلام قال من اصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فانها أعظم المصائب . و فيه أيضا عبد اللّه بن الوليد الجعفي عن رجل عن أبيه قال : لما اصيب أمير المؤمنين عليه السّلام نعى الحسن إلى الحسين عليهما السّلام و هو بالمدائن فلما قرأ الكتاب قال يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بى فانه لم يصاب بمصيبة أعظم منها و صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . و في الوسائل الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ فانه اعظم المصائب . و روى الشيخ زين الدين في كتاب مسكّن الفؤاد عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أصاب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بى فانها ستهون عليه . و عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال من عظمت عنده مصيبة فليذكر مصيبته بى فانّها ستهون عليه . و عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال فى مرض موته أيّها النّاس ايّما عبد من امّتى اصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بى عن المصيبة التي تصيبه بعدى فان أحدا من امّتى لن يصاب بمصيبة بعدى اشد عليه من مصيبتى و غير ذلك من الأخبار المروية فى الباب من كتب علمائنا الاقدمين رضوان اللّه عليهم أجمعين . و فسر الشّارح المعتزلى كلامه عليه السّلام بوجه آخر حيث قال : قوله عليه السّلام خصصت ، أي خصت مصيبتك أهل بيتك حتّى أنهم لا يكترثون بما يصيبهم بعدك من [ 75 ] المصائب و لا بما أصابهم من قبل انتهى . و مختارنا ان تلك المصيبة لها خصوصيّة و مرتبة بحيث صارت مسلية عن غيرها من المصائب الواردة على المسلمين سواء كان من أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله أولا و لا يخفى رجحانه ان لم نقل بتعيينه و عدم صحة غيره ، و الأخبار المذكورة آنفا أصدق شاهد في ذلك و العلامة المجلسي ( ره ) في البحار و ابن ميثم و غيره في شرح النهج اختار و اما اخترناه . قوله عليه السّلام ( و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء ) أي عممت النّاس بمصيبتك يعنى أن مصيبتك شملت جميع المسلمين بحيث لا يكون أحد فارغا عنها . قوله عليه السّلام ( و لو لا أنك امرت اه ) أي لو لا امرك بالصبر في قبال المصائب و حدثان الدهر و نهيك عن الجزع في إزاء نوائب الايام لبكينا حتّى لا يبقى من الدّموع في مجاريها و منابعها شى‏ء ، و هذا كناية عن كثرة البكاء ، و لكان الألم و الحزن فى مصيبتك و فراقك ملازما غير مفارق ، على ان انفاد الدمع و مماطلة الداء و ملازمة الحزن قلا لك بل ينبغي أن يكون البكاء و الحزن فى مصيبتك أشد و أكثر من ذلك . ثمّ إنّه عليه السّلام أشار من قوله هذا : و لو لا انك آه ، الى العذر فى ترك البكاء و الحزن بأن أمره صلّى اللّه عليه و آله بالصبر و نهيه عن الجزع ألزمنى على ذلك و منعنى على البكاء و الألم الامر و النّهى فى كلامه عليه السّلام ليسا محمولين على الوجوب و الحرمة لان النوح فى المصيبة إذا لم يكن بالباطل و لم يكن ما يسخط الربّ تعالى ليس بمحرم بل يستحب البكاء لموت المؤمن لا سيما لموت المؤمن الفقيه . و فى الفقيه انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين جاءته وفاة جعفر بن أبى طالب و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا و يقول كانا يحدثانى و يؤنسانى فذهبا جميعا . و فيه أيضا لما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وقعة احد إلى المدينة سمع من كلّ دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء و لم يسمع من دار حمزة عمّه فقال صلّى اللّه عليه و آله لكن حمزة لابواكى عليه فآلى أهل المدينة ان لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه حتّى يبدأوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه فهم إلى اليوم على ذلك . [ 76 ] و في الكافي لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حزنا عليك يا إبراهيم و انا لصابرون يحزن القلب و تدمع العين و لا نقول ما يسخط الربّ و غيرها من الأخبار في كتبنا القيّمة الدالّة على بكاء فاطمة على أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بكاء عليّ عليه السّلام عليهما و بكاء سيّد السّاجدين على سيّد الشهداء عليهما السّلام . بل يستفاد من جملة تلك الأخبار جواز شق الثوب على الأب و الأخ و القرابة كما روى أنّه لما قبض عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام رؤى الحسن بن عليّ عليهما السّلام و قد خرج من الدار و قد شق قميصه من خلف و قدام . نعم مضمون بعض تلك الأخبار النّهى عن الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصّدر و جزّ الشعر من النواصي و ثبوت الكفّارة فى بعض الصور . ثمّ انّ الروايات كثيرة فى التعزى و التسلّى و استحباب احتساب البلاء و الصبر فى المصائب و ترك الجزع مما لا يعدّ و لا يحصى على أنّ اللّه جلّ جلاله قال : « و بشّر الصّابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون » . و فى الفقيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أربع من كن فيه كان فى نور اللّه عزّ و جلّ الاعظم : من كان عصمة أمره شهادة ان لا إله إلاّ اللّه و انى رسول اللّه ، و من إذا أصابته مصيبة قال إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، و من إذا أصاب خيرا قال الحمد للّه ربّ العالمين و من إذا أصاب خطيئة قال أستغفر اللّه و أتوب إليه . و فى الكافى قال فضيل بن ميسر كنا عند أبى عبد اللّه عليه السّلام فجاءه رجل فشكى إليه مصيبة اصيب بها فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام امّا انّك ان تصبر توجر و ان لم تصبر مضى عليك قدر اللّه الذي قدر عليك و أنت مأزور ، و غيرهما من الأخبار الواردة فى المقام . و لا يخفى انّ الصبر فى المصائب حسن جميل جدا لأنّ الغمّ و الحزن و الاضطراب تورث أمراضا كثيرة من خلل فى الدّماع و الصداع و السهر و الفالج و اللقوة و الرعشة و الهزال فى الجسم و كلال فى البصر و بالخلل فى الدّماغ تحدث الافة فى الأفعال الدماغيّة من الفكر و التخيل و التذكر و الحركات الارادية و غيرها [ 77 ] لأنّ مقدم البطن المقدم من الدّماغ موضع الحس المشترك و هو المدرك للصور الجزئية المحسوسة بادراك الحواس الظاهرة ، و مؤخّر البطن المقدم لخزانة الحسّ المشترك المسماة بالخيال ، و في الخيال تحفظ الصور المرتسمة إذا غابت عن الحواس الظاهرة ، و البطن الاوسط من الدماغ موضع الوهم و هو القوة المدركة للمعاني الجزئيّة القائمة بتلك الصور و خزانتها الحافظة و هى قوة تحفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية و موضعها البطن المؤخر من الدماغ . و من المدركات المتصرفة و هي قوّة تارة تركب بعض الصور مع بعض كتخيل إنسان ذي جناحين أو بعض المعاني مع بعض كتخيل هذه الصّداقة مع هذه العداوة أو بعض المعاني مع بعض الصور كتخيل صداقة جزئية لزيد و تارة تفصل بعض الصور عن بعض كتخيل انسان بلا رأس و هكذا و هذه القوّة موضعها الدماغ كلها لعموم تصرفها ان سلطنتها في الوسط على ما برهن و بين مفصلا و مشروحا في محله و كذلك الأفعال الصادرة عن القوى كلّها تكون بالاعصاب و هى تتصل بالدماغ و متى صار مأوفا تحدث الآفة في أفعالها . و في مادة « جذم » من سفينة البحار أنّ كثرة الهموم تولّد المواد السوداوبة المولدة للجذام . و فى شرح النفيس : الغم كيفيّة نفسانيّة تتبعها حركة الرّوح و الحرارة الغريزيّة إلى داخل البدن خوفا من الموذي الواقع و هى لتكاثف الرّوح بالبرد الحادث عند انتفاء الحرارة الغريزيّة لشدّة الانقباض و الاختناق يتبعها ضعف القوى الطبيعيّة و يلزمه قلة توليد بدل ما يتحلل من الدّم و الرّوح البخارى و كثرة التحلل منهما لعجز القوّة عن حفظهما عن التحلل فيحدث الجفاف فيتبعها الهزال و الصداع و أمراض اخر و كذا السهر فانه يجفف لكثرة تحلل الرطوبات بالحرارة الحادثة عن حركة الأرواح إلى جهة الظاهر و عن حركة الحواس فى ادراكاتها عن الحركات الارادية لكن تأثيرها فى الدماغ يكون أكثر و اقوى لانه مبدء الحواس و الحركات فيتولد منها علل ردية . و بالجملة الأمراض التابعة للحزن و الغم أكثر أن تحصى فبالحرىّ ان [ 78 ] يصبر الانسان فى نوائب الدهر و لا يلقى بيده إلى التهلكة مع أن الجزع لا فائدة فيه يكون مورثا لتلك الأمراض المزمنة و لذلك كله امر فى الشرع بالصبر و نهى عن الجزع . قوله عليه السّلام ( و لكنه ما لا يملك ردّه و لا يستطاع دفعه ) استدرك عليه السّلام تسلية لنفسه و لغيره بقوله و لكن الموت الذي لاجله البكاء و الحزن مما لا يملك و لا يقدر ردّه و لا يطاق دفعه فلا فائدة فى الجزع و البكاء و الحزن فصبر جميل و الاحتساب حسن و ما أحسن السعدي بقوله : خبر دارى اى استخوان قفس كه جان تو مرغى است نامش نفس چون مرغ از قفس رفت و بگسست قيد دگر ره نگردد بدام تو صيد و يمكن أن يعود الضمير فى لكنه ورده و دفعه إلى الأمر الذي هو البكاء و الحزن و يكون تمهيدا للعذر على البكاء و الحزن مع انّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بالصبر و نهى عن الجزع فقال عليه السّلام ان البكاء و الحزن بهذا المقدار الذي صدر منا مما لا نملك على رده و لسنا بقادر على دفعه كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما مات ابنه إبراهيم و هملت عينه بالدموع : يحزن القلب و تدمع العين و لا نقول ما يسخط الرّب . قوله عليه السّلام ( بأبى أنت و امى اذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك ) أعاد التفدية إعزازا و تعظيما له صلّى اللّه عليه و آله و إبرازا لما فى الضمير كرة بعد كرة توكيدا من أنّه صلّى اللّه عليه و آله احب النّاس إليه بحيث يجعل أبويه فداءه ثمّ سأله و التمس منه أن يذكره عند ربه و ان يجعله من باله ، يعنى أن يكون فى قلبه صلّى اللّه عليه و آله بمنزلة و مكانة بحيث يهتمّ به و لا ينساه عند ربه . و يؤيد ما فى الرواية المنقولة فى البحار : و اجعلنا من همك ، مكان من بالك و فى اخرى من بالك و همك بجمع كليهما و سنذكرهما باسرهما ، و غاية مأموله عليه السّلام ان يذكر بلسان خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله عند اللّه تبارك و تعالى و من رزق نور المعرفة يدرك علوّ شأنه و جلالة قدره من امله هذا نعم إن العبد يلتذ أن يذكر عند اللّه و لا يرجو سواه و الحبيب يحب أن يذكر اسمه عند الحبيب و يذكر الحبيب عنده و يلهج لسانه بذكره و يقول يا رب أذقنى حلاوة ذكرك . [ 79 ] وفاة رسول اللّه ( ص ) و الاقوال فى يوم وفاته و مبلغ سنه حينئذ و من يلى غسله و تجهيزه قال الطبرسي في المجمع و الزمخشري في الكشاف قال مقاتل لما نزلت سورة الفتح قرأها صلّى اللّه عليه و آله على أصحابه ففرحوا و استبشروا و سمعها العبّاس فبكى فقال صلّى اللّه عليه و آله ما يبكيك يا عمّ ؟ فقال : اظن انه قد نعيت إليك نفسك يا رسول اللّه فقال انه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤى فيهما ضاحكا مستبشرا قال : و هذه السّورة تسمى سورة التوديع . و في المجمع قال ابن عبّاس لما نزلت إذا جاء نصر اللّه و الفتح قال : نعيت إلى نفسى بانها مقبوضة في هذه السنة اختلف في انهم من أى وجه علموا ذلك و ليس في ظاهره نعى فقيل لانّ التقدير فسبح بحمد ربك فانّك حينئذ لاحق باللّه و ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرّسل و عند الكمال يرقب الزوال كما قيل : إذا تمّ أمر بدا نقصه توقّع زوالا إذا قيل تمّ و قيل لأنّه سبحانه أمره بتجديد التوحيد و استدراك الفائت بالاستغفار و ذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار ، و عن عبد اللّه بن مسعود قال لما نزلت السورة كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول كثيرا سبحانك اللّهمّ و بحمدك اللّهمّ اغفر لي إنّك أنت التّواب الرّحيم ، و عن امّ سلمة قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالأخرة لا يقوم و لا يقعد و لا يجى‏ء و لا يذهب الا قال : سبحان اللّه و بحمده استغفر اللّه و اتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله انّى امرت بها ثمّ قرأ : إذا جاء نصر اللّه و الفتح ، و في رواية عائشة انه كان يقول سبحانك اللّهمّ و بحمدك استغفرت و اتوب إليك . و في الكشاف في هذه السورة : و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انه دعا فاطمة عليها السّلام فقال يا بنتاه انه نعيت إلىّ نفسى فبكت فقال لا تبكى فانك اول أهلى لحوقابى . و قال أبو جعفر الطبري في تاريخه بإسناده عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال : بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من جوف الليل فقال لي : يا أبا مويهبة انى قد امرت ان استغفر لأهل البقيع فانطلق معى ، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : [ 80 ] السّلام عليكم أهل المقابر ليّهن لكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح النّاس فيه اقبلت الفتن كقطع اللّيل المظلم يتبع آخرها أوّلها الآخرة شرّ من الاولى ثمّ أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة اني قد اوتيت مفاتيح خزائن الدّنيا و الخلد فيها ثمّ الجنّة خيّرت بين ذلك و بين لقاء ربّي و الجنّة فاخترت لقاء ربّي و الجنّة قال : قلت بأبي أنت و امّي فخذ مفاتيح خزائن الدّنيا و الخلد فيها ثمّ الجنّة فقال : لا و اللّه يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربّي و الجنّة ثمّ استغفر لأهل البقيع ثمّ انصرف فبدى‏ء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بوجعه الّذي قبض فيه . و فيه عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قالت رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من البقيع فوجدني و أنا اجد صداعا في رأسي و أنا أقول : وا رأساه ، قال بل أنا و اللّه يا عائشة وا رأساه ثمّ قال ما ضرّك لومتّ قبلي فقمت عليك و كفّنتك و صلّيت عليك و دفنتك فقلت : و اللّه لكأنّي بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فاعرست ببعض نسائك قالت : فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تنام به وجعه و هو يدور على نسائه حتّى استعزّ به و هو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن ان يمرّض في بيتي فإذنّ له فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العبّاس و رجل آخر تخطّ قدماه الأرض عاصبا رأسه حتّى دخل بيتي . ثمّ قال الطبري بعد نقل هذا الخبر عن عائشة : قال عبيد اللّه فحدثت هذا الحديث عنها عبد اللّه بن عبّاس فقال : هل تدرى من الرّجل يعني به الرّجل الآخر الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بينهما في حديث عائشة قلت لا قال عليّ بن أبيطالب و لكنّها أي عايشة كانت لا تقدر على أن تذكره أي عليّا عليه السّلام بخير و هي تستطيع ، انتهى . و قال أبو جعفر الطبري بإسناده إلى الفضل بن عبّاس قال : جاءني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرجت إليه فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدى يا فضل فأخذت بيده حتّى جلس على المنبر ثمّ قال : نادفي النّاس ، فاجتمعوا إليه فقال : [ 81 ] أمّا بعد أيّها النّاس فاني أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هو و انّه قد دنى منى خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقد منه و من كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه و أنّ الشحناء ليست من طبعي و لا من شأني ، ألا و انّ احبكم إلىّ من أخذ منّي حقّا ان كان له أو حلّلني فلقيت اللّه و أنا اطيب النّفس و قد أرى ان هذا غير مغن عنّى حتّى أقوم فيكم مرارا . قال الفضل ثمّ نزل فصلّى الظهر ثمّ رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الاولى في الشحناء و غيرها فقام رجل فقال يا رسول اللّه انّ لي عندك ثلاثة دراهم قال أعطه يا فضل فامرته فجلس . ثمّ قال يا أيّها النّاس من كان عنده شي‏ء فليؤده و لا يقل فضوح الدّنيا الا و انّ فضوح الدّنيا أيسر من فضوح الآخرة فقام رجل فقال يا رسول اللّه عندى ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللّه قال : و لم غللتها قال : كنت إليها محتاجا قال : خذها منه يا فضل . ثمّ قال يا أيها النّاس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له فقام رجل فقال : يا رسول اللّه اني لكذاب اني لفاحش و انّى لنؤوم فقال اللهمّ ارزقه صدقا و إيمانا و اذهب عنه النوم إذا أراد ، ثمّ قام رجل فقال و اللّه يا رسول اللّه إنّي لكذّاب و انّي لمنافق و ما شى‏ء او ان شي‏ء الا قد جنيته ، فقام عمر بن الخطّاب فقال فضحت نفسك أيّها الرجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يا ابن الخطاب فضوح الدّنيا أهون من فضوح الآخرة اللّهم ارزقه صدقا و إيمانا الحديث . و قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه أيضا بإسناده إلى عبد اللّه بن مسعود انّه قال : نعى إلينا نبيّنا و حبيبنا نفسه قبل موته بشهر فلمّا دنى الفراق جمعنا في بيت امّنا عائشة فنظر إلينا و شدّد فدمعت عينه و قال مرحبا بكم رحمكم اللّه بكم رحمكم اللّه ، آواكم اللّه ، حفظكم اللّه ، رفعكم اللّه ، نفعكم اللّه ، وفّقكم اللّه ، نصركم اللّه ، سلّمكم اللّه ، رحمكم اللّه ، قبلكم اللّه ، اوصيكم بتقوى اللّه و اوصى اللّه بكم و أستخلفه عليكم و اؤدّيكم إليه انّي لكم نذير و بشير لا تعلوا على اللّه في عباده [ 82 ] و بلاده فانه قال لي و لكم « تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين » . و قال « أ ليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين » . فقلنا متى اجلك قال قد دنا الفراق و المنقلب إلى اللّه و إلى سدرة المنتهى قلنا فمن يغسّلك يا نبيّ اللّه ؟ قال : أهلي الأدنى فالأدنى ، قلنا ففيم نكفّنك يا نبيّ اللّه ؟ قال في ثيابي هذه إن شئتم أو في بياض مصر أو حلّة يمانية ، قلنا فمن يصلّى عليك يا نبيّ اللّه ؟ قال مهلا غفر اللّه لكم و جزاكم عن نبيّكم خيرا فبكينا و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال إذا غسلتموني و كفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبرى ثمّ اخرجوا عني ساعة فانّ أول من يصلّى عليّ جليسي و خليلي جبرئيل ثمّ ميكائيل ثمّ سرافيل ثمّ ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ثمّ ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلّوا علىّ و سلّموا تسليما و لا تؤذوني بتزكية و لا برنّة و لا صيحة و ليبدأ بالصلاة علىّ رجال أهل بيتي ثمّ نساؤهم ثمّ أنتم بعد اقرؤا انفسكم منّى السّلام فانّي اشهدكم انّي قد سلمت على من بايعني على ديني من اليوم إلى يوم القيامة ، قلنا فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللّه ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم حيث لا ترونهم . أقول : نقل المجلسي في البحار من كتاب إسحاق الثعلبي خبرا قريبا مما نقله الطبري إلاّ أنّ فيه كان أبو بكر سائلا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمن يغسله و يكفنه و غير ذلك . قال الشّارح المعتزلي بعد نقل هذا الخبر من الطبري : قلت : العجب لهم كيف لم يقولوا له في تلك الساعة فمن يلى امورنا بعدك لأنّ ولاية الامر أهمّ من السؤال عن الدفن و عن كيفيّة الصّلاة عليه و ما أعلم ما أقول في هذا المقام ، انتهى . أقول : و انى أعلم ما أقول بحق في هذا المقام عائذا من اللّه تعالى عن الوساوس النفسانيّة و التسويلات الشيطانيّة و تنزها عن التعصّب الذي هو ديدن العوام و دأب من يكون في طريق الحقّ ألدّ الخصام ، و السّلام على من اتبع الهدى و نهى [ 83 ] النفس عن الهوى . فنقول أوّلا من أين ثبت انهم لم يقولوا ذلك و لم يسقطه الآخرون . و ثانيا كان في الخبر انّهم سألوا عمن يغسّله و يصلّيه و كانهم سألوا عمن يليق بهذا الأمر العظيم فأجاب صلّى اللّه عليه و آله أهلي الأدنى فالأدنى و قال صلّى اللّه عليه و آله رجال أهل بيتي فأين لم يصرح بعليّ عليه السّلام فابدلوه بالأهل و بالرّجل من أهل البيت كما دريت في الخبر المروي آنفا عن عائشة انها لم تذكر عليّا و لا تقدر أن تذكره بخير و هي تستطيع . فان أبيت عن قولنا هذا و قلت انه اشبه بالخطابي و لم يكن برهانيّا فنقول : لا شبهة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين امورا ممّا هو ليس بأهمّ من أمر الولاية جدّا مثل آداب الأكل و المشى و الجلوس و الدخول في الحمّام و المبرز و ادب النّورة و الحلق و لبس الثياب و قص الاظفار و آداب المعاشرة و فوائد بعض الفواكه و الأغذية و غيرها مما هي أكثر من أن تحصى و مذكورة في كتب الفريقين و من هذه حاله و سيرته و يبين هذه الامور التي بيّن شأنها و منزلتها كيف يهمل امّته بلا وليّ معصوم منصوب من قبل اللّه تعالى ؟ و نعم ما قاله العلامة الحلى قدّس سرّه في كشف المراد : إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان أشفق على النّاس من الوالد على ولده حتّى انّه عليه و آله السّلام أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده كما أرشدهم فى قضاء الحاجة إلى امور كثيرة مندوبة و غيرها من الوقائع و كان صلّى اللّه عليه و آله إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين ، و من هذه حاله كيف ينسب إليه اهمال امّته و عدم إرشادهم فى أجلّ الأشياء و أسناها و أعظمها قدرا و أكثرها فائدة و أشد حاجة إليها و هو المتولى لامورهم بعده ، فوجب من سيرته صلّى اللّه عليه و آله نصب إمام بعده و النّص عليه و تعريفهم إياه و هذا برهان لمىّ ، انتهى . و بالجملة من لم يكن عينه أحول و لم يعدل عن الحق و لم يضل يري أن نصب الامام واجب على اللّه تعالى باللّطف و لم يترك اللّه عباده سدى ، و أنّ اللّه ليس [ 84 ] بظلام للعبيد . ثمّ نقول للشارح المعتزلىّ : إن الأخبار المتواترة من الفريقين في حقّ عليّ عليه السّلام من أحاديث غدير خم و استخلافه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام فى المدينة ، و حديث المنزلة المتواتر عند الفريقين ، و ما قاله صلّى اللّه عليه و آله فى حقه لما نزل و أنذر عشيرتك الأقربين سلموا عليه بامرة المؤمنين و أنت الخليفة بعدى و قوله صلّى اللّه عليه و آله فى حقّه أنت أخى و وصيى و خليفتى من بعدي و قاضى دينى بكسر الدال و غيرها ممّا هى متواترة معنى و نص فى امامته و ولايته على النّاس و خلافته بلا فصل عن خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله و المطاعن المقبولة المسلمة المتواترة عند الفريقين في أبى بكر و عمر و عثمان و مثالبهم و تسليم جميع المسلمين أفضليته عليه السّلام من كلّ جهة من العلم و التقوى و الشجاعة و غيرها من الفضائل بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على كافة الانام حتّى انّه لم يكن بينه و بين النّبيّ فرق إلاّ رتبة النّبوّة كما شهد بها المؤالف و المخالف ، لم تبق لهؤلاء شكّا و ريبا فى الامامة حتّى يسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عمّن يلى امورهم بعده . على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع ذلك كلّه أراد أن يكتب و يصرح بذلك أيضا حين وفاته و منع عمر عن ذلك كما هو متواتر بالمعنى . الكلام فى ان عمر آذى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المسلمين بقوله انه صلّى اللّه عليه و آله يهجر قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه باسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال يوم الخميس و ما يوم الخميس قال : ثمّ نظرت إلى دموعه تسيل على خدّيه كأنّها نظام اللؤلؤ قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ايتونى باللوح و الدواة أو بالكتف و الدّواة اكتب لكم كتابا لا تضلّون بعده قال : فقالوا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يهجر . و فيه أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : يوم الخميس و ما يوم الخميس قال اشتد برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه فقال ايتونى اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدى ابدا فتنازعوا و لا ينبغي عند نبى أن يتنازع فقالوا ما شأنه أهجر أهجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعونى فما أنا فيه خير ممّا تدعوننى إليه و أوصى [ 85 ] بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و اجيزوا الوفد بنحو ممّا كنت اجيزهم و سكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها . أقول : القائل بهجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عمر لا غير و حرفوا هذين الحديثين و هما حديث واحد في الحقيقة عن أصلهما و عدلوا عن لفظ المفرد إلى الجمع لبعض شأنهم و نقل هذا الحديث نقلتهم في كتبهم المعتبرة عندهم و صرّحوا بأن ذلك القائل كان عمر ، و من تفحص كتب الأخبار و ما ذكره نقلة الآثار منّا و منهم درى أن خبر طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الدواة و الكتف و منع عمر ذلك و ان كان ألفاظه مختلفة متواتر بالمعنى . قال الشهرستاني في المقدمة الرّابعة من الملل و النحل : أوّل تنازع وقع فى مرضه صلّى اللّه عليه و آله فيما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد اللّه بن عباس قال لما اشتد بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرضه الّذي مات فيه قال ايتونى بدواة و قرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدي فقال عمر انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللّه و كثر اللفظ « اللغط ظ » فقال صلّى اللّه عليه و آله قوموا عنى لا ينبغى عندى التنازع قال ابن عبّاس الرزية كلّ الرزية ما حال بيننا و بين كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، انتهى . في البحار : البخاري و مسلم في خبر أنّه قال عمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه ، فاختلف أهل ذلك البيت و اختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول اللّه كتابا لن تضلوا بعده و منهم من يقول القول ما قال العمر فلما كثر اللغط و الاختلاف عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال قوموا فكان ابن عباس يقول ان الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين أن يكتبهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم . و فى صحيح البخاري : و إذا اشتدت مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال ائتونى بقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعدى فقال الرجل أي عمر بن الخطاب تهجر يكفينا و فى الملل و النحل كتاب اللّه عندنا قال احدهم ائتوا حتّى جال التنازع و لا [ 86 ] ينبغى عند النبيّ التنازع فقال النبى صلّى اللّه عليه و آله قوموا عنى . أقول : للّه در ابن عباس نعم ما فهم و تفطن حدوث الرزية كلّ الرزية من منع الرجلّ عن اتيان الدواة و الكتف و لو لا منعه و هجره لما قام التشاجر و التنازع بين الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما كان لهم فى ذلك سبيل و لصانت الملة البيضاء المحمّديّة عن هذا التفرق و التشتت و الشقاق و الاختلاف فى المذاهب و استنبط ابن عبّاس قوله هذا الرزية كلّ الرزية من كلامه صلّى اللّه عليه و آله لن تضلوا بعدي . الكلام فى لدود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما فيه ثمّ انّ أبا جعفر الطبري و غيره اتوا باخبار انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لدّ في مرضه الّذي توفى لا يخلو بعضها عن دغدغة و اضطراب و بعضها عن فائدة في ما ذهب إليه المتكلمون في أنبياء اللّه و حججه و لا بأس بذكرها و ذكر بعض التنبيهات و الاشارات فيها . قال : بإسناده عن عبد اللّه بن عتبة عن عائشة قالت لددنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه فقال لا تلدّوني فقلنا كراهية المريض الدواء فلما افاق قال لا يبقى منكم أحد الالدّ غير العبّاس فانه لم يشهدكم . و عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عنها أيضا قالت ثمّ نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعنى من المنبر فدخل بيته و تتامّ به وجعه حتى غمر و اجتمع عنده نساء من نسائه امّ سلمة و ميمونة و نساء من نساء المؤمنين منهن اسماء بنت عميس و عنده عمّه العبّاس ابن عبد المطلب و اجمعوا على ان يلدّوه فقال العبّاس لألدنه قال فلدّ فلما افاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من صنع بى هذا قالوا يا رسول اللّه عمك العبّاس قال هذا دواء اتى به نساء من نحو هذه الأرض و اشار نحو أرض الحبشة قال : و لم فعلتم ذلك فقال العبّاس خشينا يا رسول اللّه ان يكون بك وجع ذات الجنب فقال صلّى اللّه عليه و آله انّ ذلك لداء ما كان اللّه ليعذبنى به لا يبقى فى البيت أحد الالدّ إلاّ عمّى قال فلقد لدت ميمونة و انها لصائمه لقسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عقوبة لهم بما صنعوا ، و كذا [ 87 ] فى السيرة الهشاميّة . و قال أبو جعفر الطبري باسناده عن عروة ان عائشة حدثته انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قالوا خشينا أن يكون بك ذات الجنب قال انّها من الشيطان و لم يكن اللّه ليسلّطها علىّ . و فيه ايضا بإسناده عن الصّقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثقل فى وجعه الّذي توفّى فيه حتّى اغمى عليه فاجتمع إليه نساؤه و ابنته و أهل بيته و العبّاس بن عبد المطلب و علىّ بن أبيطالب و جميعهم و انّ أسماء بنت عميس قالت : ما وجعه هذا الا ذات الجنب فلدّوه فلددناه فلمّا افاق قال من فعل بي هذا قالوا لدّتك اسماء بنت عميس ظنّت انّ بك ذات الجنب قال اعوذ باللّه ان يبليني بذات الجنب انا أكرم على اللّه من ذلك . و في السيرة الحلبية و في رواية انه لما اشتد عليه صلّى اللّه عليه و آله المرض دخل عليه عمّه العبّاس و قد اغمى عليه فقال لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لو لددتنه قلن إنا نجتري « إنا لا نجترى‏ء ، او أنّي نجترى‏ء ظ » على ذلك فاخذ العبّاس يلدده فافاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال : من لدني فقد اقسمت ليلددن إلاّ أن يكون العبّاس فانكم لددتموني فانا صائم . فهذه شرذمة من الأخبار الواردة في اللدود نقلها الطبرى و غيره و كانت العرب تداوي باللدود من به ذات الجنب ، قال ابن أثير في النهاية : و فيه « يعني في الحديث » خير ما تداويتم به اللدود و هو بالفتح من الادوية ما يسقاه المريض في أحد شقى الفم و لديد الفم جانباه و منه الحديث انه لدّ في مرضه فلما افاق قال : لا يبقى في البيت أحد إلاّ لدّ فعل ذلك عقوبة لهم لانهم لدّوه بغير اذنه انتهى . و فى السيرة الحلبيّة : و جاء انهم لددوه صلّى اللّه عليه و آله في هذا المرض أى سقوه لدودا من أحد جانبي فمه و جعل صلّى اللّه عليه و آله يشير إليهم و هو مغمى عليه ان لا يفعلوا به و هم يظنون ان الحامل له على ذلك كراهة المريض للدواء فلما افاق الحديث . أقول : و أمّا الدغدغة فيها فلانه لا يخفى تناقضها ففى الاولى تصريح بانّ [ 88 ] العبّاس عمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يشهدهم ، و في الثانية انه كان شاهدا و هو لدّ النّبيّ ظاهرا و مع ذلك في ذيل الحديث انّه صلّى اللّه عليه و آله قال : لا يبقى في البيت أحد الا لدّ إلاّ عمّي ، و في الثالثة ان اسماء بنت عميس لدّته ، و في الرابعة صريح بان ازواجه صلّى اللّه عليه و آله قلن انا لا نجترى فاخذ العبّاس يلدده . و لولا الرّواية الرّابعة يمكن أن يقال فى رفع التناقض فيها الصواب في الرّواية الثانية ان العبّاس قال لا الدّه اولا الدنّه قال فلدوه فلما أفاق الخ كما نقله الشارح المعتزلي هكذا « فقال العبّاس لا الدّه فلدّوه فلمّا أفاق آه » فحرّف « لا الده فلدوه ، او لا الدّنه فلدّوه » إلى « لألدّنّه فلدّ » كما نقلناها عن الطبرى . فان قلت فعلى هذا كيف قالوا في جواب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : عمك العبّاس ؟ قلت انّما قالوا ذلك كما في السيرة الحلبيّة تعلّلا و خوفا منه صلّى اللّه عليه و آله و ردهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله غير العبّاس فانه لم يشهدكم و ان لا يناسب هذا الجمع ظاهر صدر الحديث و عنده عمه العبّاس و كذا ذيله فقال العبّاس خشينا يا رسول اللّه أن يكون بك وجع ذات الجنب على انّه لا يدلّ على انّ العبّاس لدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اللّه أعلم . و كيف كان قال الشّارح المعتزلى سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد البصري عن حديث اللدود فقلت ألدّ عليّ بن أبيطالب ذلك اليوم فقال معاذ اللّه لو كان لدّ لذكرت عايشة ذلك فيما تذكره و تنعاه عليه و قال : و قد كانت فاطمة عليها السّلام حاضرة في الدار و ابناها معها افتراها لدّت أيضا ولدّ الحسن و الحسين كلاّ هذا أمر لم تكن و انما هو حديث ولّده من ولّده تقرّبا إلى بعض النّاس و الّذي كان ان اسماء بنت عميس اشارت بان تلد و قالت هذا دواء جاءنا من أرض الحبشة جاء به جعفر بن أبي طالب و كان بعلها و ساعدتها على تصويب ذلك و الاشارة به ميمونة بنت الحارث فلد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا أفاق انكره و سأل عنه فذكر له كلام أسماء و موافقة ميمونة لها فامران تلد الامرأتان لا غير فلدّتا و لم يجر غير ذلك . و أمّا الفائدة الكلاميّة فيها فانّه صلّى اللّه عليه و آله لما قيل له انما فعلنا ذلك ظننا ان [ 89 ] بك يا رسول اللّه ذات الجنب فقال لها انّ ذلك لداء ما كان اللّه ليعذبني به و في رواية أنا أكرم على اللّه من أن يعذبني بها و في اخرى انها من الشيطان و ما كان اللّه ليسلّطها علىّ و في السيرة الحلبية قال بعضهم و هذا يدلّ على انها من سيى‏ء الاسقام التي استعاذ صلّى اللّه عليه و آله منها بقوله اللّهم اني اعوذ بك من الجنون و الجذام و سيى‏ء الاسقام . أقول : و هذا كلّه يدلّ على ما بيناه في المختار المأتين و الاثنين و الثّلاثين من ان الانبياء منزهون عن كلّ ما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة و ذات الجنب داء يوجب نفرة النّاس و تبريهم عمن ابتلى به ، و ذلك لأنّ ذات الجنب كما قال عليّ بن أبي الحزم القرشي المتطبب نفيس بن عوض المتطبب في شرحه : الورم في الغشاء المستبطن للاضلاع أى أضلاع الصدر الملبس عليها من داخل فان الصدر مركب من أربعة عشر ضلعا من كلّ جانب سبعة و بين كلّ اثنين منها عضل به يكون انبساط الصدر و انقباضه و يحيط بهذه الاضلاع و العضلات كما يدور و ينحنى من داخل غشاء واحد فاذا عرض في هذا الغشاء ورم سماه قوم ذات الجنب الخالص و الصحيح و سماه بعض شوصة صحيحة . أو هو أي ذات الجنب الورم في الحجاب الحاجز أى الفاضل بين آلات الغذاء و آلات النّفس المسمّى ديافر غما عند الجمهور فمتى عرض هذا الداء ايّا منهما كان يوجب للعليل امورا منها ضيق النفس لضغط الورم مجارى النفس و لأن الحجاب من جملة آلات النفس فإذا ورم عجز عن الانبساط التامّ و كذلك الغشاء المستبطن فانّه أيضا يعين على التّنفس . و منها السعال لتأذى الرية بالمجاورة و ترشح مادة المرض إليها فإن كانت غليظة كان مع السعال نفث و ان كانت رقيقة هيجت السعال من غير نفث . و قال الشيخ الرّئيس في القانون و ذات الجنب قد يعرض معه اعراض السرسام المنكرة مثل اختلاط الذهن و الهذيان و تواتر النفس و الخفقان و الغشى و غيرها . و من كان ذا عقل سليم و رويّة غير رديّة و لم ينفث الشيطان فى روعه يحكم بان صريح العقل يأبي عن اكتساء الأنبياء بتلك الامور المنفرة للطباع و لا يسند [ 90 ] اختلاط الذهن و الهذيان و اشباههما إليهم عليهم السّلام على كل حال . قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه باسناده عن الارقم بن شرحبيل قال سألت ابن عبّاس اوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ قال لا قلت فكيف كان ذلك قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ابعثوا إلى عليّ عليه السّلام فادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر و قالت حفصة لو بعثت إلى عمر فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انصرفوا فان تك لي حاجة ابعث إليكم فانصرفوا و قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصلاة فقال مروا أبا بكر ان يصلّى بالناس فقالت عائشة ان أبا بكر رجل رقيق فمر عمر فقال مروا عمر فقال عمر ما كنت لأتقدم و أبو بكر شاهد ، فتقدّم أبو بكر فوجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خفة فخرج فلما سمع أبو بكر حركته تأخر فجذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثوبه فأقامه مكانه و قعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقر أمن حيث انتهى أبو بكر . أقول : ارادت بقولها ان أبا بكر رجل رقيق ، انّه لا يطيق أن يقوم مقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لرقة قلبه ، قال الشارح المعتزلي بعد نقل هذا الخبر : فان قلت لم قلت فى صدر كلامك هذا انه أراد أن يبعث إلى عليّ ليوصي إليه و لم لا يجوز أن يكون بعث إليه لحاجة ؟ . قلت لأن مخرج كلام ابن عبّاس هذا المخرج ألا ترى ان الأرقم بن شرحبيل الرّاوى لهذا الخبر قال سألت ابن عباس هل اوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ فقال لا فقلت فكيف كان فقال : ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في مرضه ابعثوا لي عليّ فادعوه فسألته المرأة ان يبعث إلى أبيها و سألته الاخرى ان يبعث إلى أبيها فلو لا ان ابن عبّاس فهم من قوله صلّى اللّه عليه و آله : ابعثوا إلى على فادعوه انه يريد الوصيّة إليه لما كان لاخبار الارقم بذلك متصلا بسؤاله عن الوصية معنى ، انتهى . أقول : لقد انصف الشارح المعتزلى هناك و نقلنا هذه الأخبار و الأقوال منهم حتّى يزداد اللّبيب بصيرة من عمل القائل بالهجر و هاتين المرأتين لا سيما الاولى منهما و لقائل ان يقول فاذا صرّح الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سمّى عليّا عليه السّلام بالاسم و قال ابعثوا إلى علىّ فادعوه فلم اعرضت المرأتان عن امره صلّى اللّه عليه و آله فبعثنا إلى أبيهما و ضجر الرسول صلّى اللّه عليه و آله من ذلك و غضب حيث قال انصرفوا فان تكن لى حاجة ابعث إليكم [ 91 ] فانصرفوا و لو كان راضيا بذلك لما أمرهم بالانصراف و يقول أيضا لو كان صلاة أبى بكر عن أمره صلّى اللّه عليه و آله و رضاه لما قطع صلّى اللّه عليه و آله صلاته و لم يقرأها من أولها و لم يبن على ما مضى من فعال أبى بكر و لم يبال بها كما جاء فى عدة من أخبار اخر انّه صلّى اللّه عليه و آله ابتدأ الصلاة التى كان ابتدأها أبو بكر لا انه قرأ من حيث انتهى أبو بكر . و انصف الشّارح المعتزلى فى ذلك و قال بعد نقل هذا الخبر : قلت عندى فى هذه الواقعة كلام و يعترضنى فيها شكوك و اشتباه إذا كان قد اراد صلّى اللّه عليه و آله ان يبعث إلى علىّ ليوصى إليه فنفست عائشة فسألت أن يحضر أبوها و نفست حفصة عليه فسألت أن يحضر أبو هاثم حضرا و لم يطلبا فلا شبهة ان ابنتيهما طلبتاهما هذا هو الظاهر و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد اجتمعوا كلهم عنده انصرفوا فان تكن لى حاجة بعثت إليكم قول من عنده ضجر و غضب باطن لحضورهما و تهمة للنّساء فى استدعائها فكيف يطابق هذا الفعل و هذا القول ما روي من أن عائشة قالت لما عين عليها فى الصلاة ان أبى رجل رقيق فمر عمر و اين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء و الاستقالة و هذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من ان صلاة أبى بكر كانت عن أمر عائشة . ثمّ ارضى نفسه بقوله فعلّ الخبر غير صحيح مع أن المتدرب فى كتب الأخبار لا يشك فى أن طلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا و دعوته اياه و ما فعلت المرأتان لا بيهما و أمر الرسول بانصرافهم و ذهابه إلى المسجد ورده أبى بكر من صلاته مما هو مسلم عند الكل و متواتر و ليس فى ذلك خبر واحد و كتاب متفرد . فى البحار و غيره من كتب الأخبار و كان علىّ عليه السّلام لا يفارقه صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه إلا لضرورة فقام فى بعض شؤنه فأفاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله افاقة فافتقد عليّا فقال و أزواجه حوله ادعوا لى أخي و صاحبي و عاوده الضعف فاصمت فقالت عائشة ادعوا له أبا بكر فدعى و دخل عليه و قعد عند رأسه فلما فتح عينه نظر إليه فاعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر فقال لو كان له إلىّ حاجة لافضى بها إلىّ ، فلمّا خرج اعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله القول ثانية و قال ادعوا لى أخى و صاحبى فقالت حفصة ادعوا له عمر فدعى فلمّا حضر ورآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعرض عنه ثمّ قال ادعوا لى أخى و صاحبى فقالت امّ سلمة [ 92 ] رضى اللّه عنها ادعوا له عليّا عليه السّلام فانّه لا يريد غيره فدعى أمير المؤمنين عليه السّلام فلمّا دنا منه أومأ إليه فأكبّ عليه فناجاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طويلا ثمّ قام فجلس ناحية حتّى اغفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا اغفى خرج فقال له النّاس ما الّذي أوعز اليك يا أبا الحسن فقال علمنى ألف باب من العلم فتح لي كلّ باب ألف باب و أوصاني بما أنا قائم به إنشاء اللّه تعالى . في الكافي في باب الاشارة و النصّ على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام : يحيى الحلبي عن بشير الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي توفّى فيه ادعوا لى خليلي فأرسلنا إلى أبويهما فلمّا نظر إليهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعرض عنهما ثمّ قال : ادعوا لى خليلي فارسل إلى عليّ فلما نظر إليه اكبّ عليه يحدّثه فلمّا خرج لقياه فقالا له ما حدّثك خليلك فقال : حدّثني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب . بيان : أبويهما يعني ابوى عائشة و حفصة أبا بكر و عمر ، اكبّ بمعنى أقبل و فيه عن الحضرمي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : علّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام ألف حرف كلّ حرف يفتح ألف حرف . و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في آخر حديث طويل : فاوصى إليه بالاسم الاكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة و أوصى إليه بألف كلمة و ألف باب يفتح كلّ كلمة و كلّ باب ألف كلمة و ألف باب . بيان : قال الفيض قدّس سرّه في الوافي قوله عليه السّلام بألف كلمة و ألف باب يفتح كل كلمة و كلّ باب ألف كلمة و ألف باب : يعني بقواعد كليّة اصوليّة و قوانين مضبوطة جميلة امكنه ان يستنبط منها أحكاما جزئية و مسائل فرعيّة تفصيلية . مثال ذلك ما رواه الصفّار رحمه اللّه في بصائر الدرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرّجل يغمى عليه اليوم و اليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضى من صلاته فقال ألا اخبرك بما ينتظم به هذا و اشباهه فقال كلّما غلب اللّه عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده و زاد فيه غيره و هذا من الأبواب الّتي يفتح [ 93 ] كلّ باب منها ألف باب . و في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال كان في ذؤابه سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صحيفة صغيرة فقلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام أى شى‏ء كان فى تلك الصحيفة قال : هى الاحرف الّتى يفتح كلّ حرف ألف حرف قال أبو بصير : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فاخرج منها حرفان حتّى الساعة . و فيه عن يونس بن رباط قال دخلت أنا و كامل التمار على أبى عبد اللّه عليه السّلام فقال له كامل جعلت فداك حديث رواه فلان فقال اذكره فقال : حدثنى انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حدّث عليّا عليه السّلام بألف باب يوم توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال لقد كان ذلك قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم و مواليكم فقال يا كامل باب أو بابان فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلاّ باب أو بابان قال : فقال : و ما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلاّ ألفا غير معطوفة . بيان ، قال الفيض ( ره ) فى الوافى : من فضلكم ، أى من علمكم الفا غير معطوفة يعنى الا حرفا واحدا ناقصا أى أقل من حرف واحد و انما اختار الألف لانه أقلّ الحروف و ابسطها و اخفها مؤنة و عدم عطفها كناية عن نقصانها فانها تكتب فى رسم الخط الكوفى هكذا « ا » فاذا كان طرفها غير مائل كان ناقصا . و فى السيرة الحلبية : أعتق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى مرضه هذا أربعين نفسا و كانت عنده صلّى اللّه عليه و آله سبعة دنانير أو ستة فأمر عائشة أن تتصدق بها بعد أن وضعها صلّى اللّه عليه و آله فى كفه و قال : ما ظن محمّد بربه أن لو لقى اللّه و هذه عنده فتصدقت بها ، و قال : و فى رواية أمرها بارسالها إلى علىّ عليه السّلام ليتصدق بها فبعث إليه فتصدق بها بعد وضعها فى كفّه . ثمّ قال : و قد كان العبّاس رضى اللّه عنه قبل ذلك بيسير رأى أن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء فقصّها على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له : هو ابن أخيك ، و نعم ما قاله الحافظ : [ 94 ] ستاره‏اى بدرخشيد و ماه مجلس شد دل رميده ما را أنيس و مونس شد قال المجلسى ( ره ) فى البحار و غيره من نقلة الآثار : انّه مما أكّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين علىّ عليه السّلام من الفضل و تخصيصه منه بجليل رتبته ماتلا حجّة الوداع من الامور المجددة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الاحداث التى اتفقت بقضاء اللّه و قدره . و ذلك انّه صلّى اللّه عليه و آله تحقق من دنوّ أجله ما كان قدم الذكر به لامّته فجعل صلّى اللّه عليه و آله يقوم مقاما بعد مقام فى المسلمين يحذرهم الفتنة بعده و الخلاف عليه و يؤكّد وصايتهم بالتمسك بسنته و الاجماع عليها و الوفاق ، و يحثهم على الاقتداء بعترته و الطاعة لهم و النصرة و الحراسة و الاعتصام بهم فى الدين ، و يزجرهم عن الاختلاف و الارتداد . و كان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق و اجتماع قوله صلّى اللّه عليه و آله : يا أيّها النّاس انّى فرطكم و أنتم واردون على الحوض ألا و إنّى سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفونى فيهما فان اللطيف الخبير نبأنى أنهما لن يفترقا حتّى يلقيانى و سألت ربّى ذلك فأعطانيه الأوانى قد تركتهما فيكم كتاب اللّه و عترتى أهل بيتى فلا تسبقوهم فتفرقوا و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم ، أيّها النّاس لا الفينّكم بعدى ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقونى فى كتيبة كبحر السيل الجرار ، ألا و إن علىّ بن ابيطالب أخى و وصيّى يقاتل بعدى على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . و قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه : ثمّ ضرب صلّى اللّه عليه و آله فى المحرم من سنة احدى عشرة على النّاس بعثا إلى الشّام و أمّر عليهم مولاه و ابن مولاه اسامة بن زيد بن حارثة و أمره أن يوطى‏ء الخيل تخوم البلقاء و الدّاروم من أرض فلسطين فتهجز الناس و أوعب مع اسامة المهاجرون الأوّلون ، فبينا النّاس على ذلك ابتدى‏ء صلّى اللّه عليه و آله شكواه الّتى قبضه اللّه عزّ و جلّ فيها إلى ما أراد به من رحمته و كرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الأوّل . و قال الطبرى باسناده عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال : رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة بعد ما قضى حجّة التمام فتحلل به السير و ضرب على النّاس بعثا و امّر [ 95 ] عليهم اسامة بن زيد و أمره أن يوطى من آبل الزيت من مشارف الشام الأرض بالاردنّ فقال المنافقون في ذلك و ردّ عليهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انه لخليق لها أى حقيق بالامارة و إن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبل و إن كان لخليقا لها ، فطار الأخبار بتحلل السير بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اشتكى فوثب الأسود باليمن و مسيلمة باليمامة و جاء الخبر عنهما للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، ثمّ وثب طليحة في بلاد أسد بعد ما أفاق النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، ثمّ اشتكى فى المحرم وجعه الذي قبضه اللّه تعالى فيه . و قال باسناده عن ابن عبّاس قال : كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد ضرب بعث اسامة فلم يستتبّ لوجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لخلع مسيلمة و الأسود « و هو ذو الخمار عبهلة بن كعب » و قد أكثر المنافقون فى تأمير اسامة حتّى بلغه فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على النّاس عاصبا رأسه من الصداع لذلك من الشأن و انتشاره لرؤيا رآها فى بيت عائشة فقال : إنى رأيت البارحة فيما يرى النّائم أن فى عضدىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة و صاحب اليمن ، و قد بلغنى أن أقواما يقولون فى امارة اسامة ، و لعمرى لإن قالوا فى أمارته لقد قالوا فى أمارة أبيه من قبله و إن كان أبوه لخليقا للامارة و أنه لخليق لها ، فانفذوا بعث اسامة و قال : لعن اللّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، فخرج اسامة فضرب بالجرف و انشأ النّاس فى العسكر و نجم طليحة و تمهّل النّاس و ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يستتمّ الأمر ينظرون أولهم آخرهم حتّى توفى اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله . و قال المجلسى فى البحار : ثمّ انه عقد لاسامة بن زيد بن حارثة الامرة و أمره و ندبه أن يخرج بجمهور الامة إلى حيث اصيب أبوه من بلاد الروم ، و اجتمع رأيه عليه السّلام على اخراج جماعة من مقدمى المهاجرين و الأنصار فى معسكره حتى لا يبقى فى المدينة عند وفاته من يختلف فى الرياسة و يطمع في التقدّم على النّاس بالامارة و يستتب الأمر لمن استخلفه من بعده و لا ينازعه فى حقّه منازع ، فعقد له الامرة على ما ذكرناه و جدّ فى اخراجهم و أمر اسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف و حث النّاس على الخروج معه و المسير إليه و حذّرهم من التلوم [ 96 ] و الابطاء عنه . فبينا هو فى ذلك إذ عرضت له الشكاة التى توفى فيها ، فلما أحسّ بالمرض الّذى عراه أخذ بيد علىّ بن أبيطالب و اتبعه جماعة من النّاس و توجه إلى البقيع فقال للذي اتبعه : إننى قد امرت بالاستغفار لأهل البقيع ، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم و قال السّلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه النّاس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلا ، و أقبل على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : انّ جبرئيل عليه السّلام كان يعرض علىّ القرآن كلّ سنة مرة و قد عرضه علىّ العام مرّتين و لا أراه إلاّ لحضور أجلى ثمّ قال : يا علىّ إنّى خيّرت بين خزائن الدّنيا و الخلود فيها و الجنّة فاخترت لقاء ربّى و الجنة ، و إذا انا متّ فاغسلنى فاستر عورتى فانه لا يراها أحد الا أكمه ، ثمّ عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيّام موعوكا . ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين عليه السّلام بيمنى يديه و على الفضل بن عبّاس باليد الاخرى حتّى صعد المنبر فجلس عليه ثمّ قال يا معشر النّاس و قد حان منّى خفوق من بين أظهركم من كان له عندى عدة فليأتنى اعطه إيّاها و من كان له علىّ دين فليخبرنى به ، معاشر الناس ليس بين اللّه و بين أحد شى‏ء يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا إلا العمل أيّها النّاس لا يدعى مدع و لا يتمنى متمن و الذي بعثنى بالحق نبيّا لا ينجى إلاّ عمل مع رحمة و لو عصيت لهويت ، اللهم هل بلغت ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيته . و كان إذ ذاك فى بيت ام سلمة رضى اللّه عنها فأقام به يوما أو يومين فجائت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله و سألت أزواج النّبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك فأذنّ لها ، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة و استمر به المرض فيه أياما و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصّبح و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مغمور بالمرض فنادى : الصلاة يرحمكم اللّه ، فاوذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بندائه فقال : يصلّى بالنّاس بعضهم فاني مشغول بنفسي فقالت [ 97 ] عايشة : مروا أبا بكر و قالت حفصة : مروا عمر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين سمع كلامهما و رأى حرص كلّ واحد منهما على التنويه بأبيهما و افتتانهما بذلك و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حىّ : اكففن فانكنّ صويحبات يوسف ، ثمّ قام مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين و قد كان صلّى اللّه عليه و آله أمرهما بالخروج مع اسامة و لم يك عنده أنّهما قد تخلّفا . فلما سمع من عائشة و حفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشبهة فقام صلّى اللّه عليه و آله و انّه لا يستقل على الأرض من الضعف ، فأخذ بيده عليّ بن أبيطالب و الفضل بن العبّاس فاعتمد عليهما و رجلاه يخطان الأرض من الضعف ، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه ، فتأخر أبو بكر و قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مقامه فكبر و ابتدأ الصّلاة التي كان ابتدأها أبو بكر و لم يبن على ما مضى من فعاله ، فلما سلّم انصرف إلى منزله و استدعى أبا بكر و عمر و جماعة من حضر المسجد من المسلمين ثمّ قال : الم آمر أن تنفذوا جيش اسامة ؟ فقالوا : بلى يا رسول اللّه ، قال : فلم تأخرتم عن أمري ؟ قال أبو بكر : انى خرجت ثمّ رجعت لاجدد بك عهدا ، و قال : يا رسول اللّه انى لم اخرج لأنني لم احبّ أسأل عنك الركب فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نفذوا جيش اسامة نفذوا جيش اسامة يكرّرها ثلاث مرات إلى آخره . قال الشارح المعتزلي : بعد ما خطب الناس دخل بيت ام سلمة ثمّ انتقل إلى بيت عائشة يعلّله النساء و الرجال أمّا النساء فأزواجه و بنته و أمّا الرّجال فعليّ عليه السّلام و العبّاس و الحسن و الحسين عليهما السّلام و كانا غلامين يومئذ و كان الفضل بن العبّاس يدخل احيانا إليهم ثمّ حدث الاختلاف بين المسلمين أيّام مرضه فأوّل ذلك التنازع الواقع يوم قال صلّى اللّه عليه و آله ايتوني بدواة و قرطاس و تلا ذلك حديث التخلف عن جيش اسامة . أقول : لا خلاف بين المسلمين أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ولّى اسامة على جماعة منهم أبو بكر و عمر و عثمان و خالفوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله في تنفيذ جيش اسامة و كان قصد النبي صلّى اللّه عليه و آله بعدهم عن المدينة لئلا يدعو الامامة بعد موته صلّى اللّه عليه و آله و لذلك لم يجعل أمير المؤمنين [ 98 ] عليا عليه السّلام في جيش اسامة و هم تخلفوا عن أمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله على ان امارة اسامة عليهم تدلّ على انه أفضل منهم و لم يرو و لم يقل أحد ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمّر أحدا على علي عليه السّلام فعلى أفضل من غيرهم فمن كان اسامة أفضل عليه لا يليق بالامارة مع أن فيهم من يكون أفضل من اسامة و غيره ، مع أنّهم عصوا النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تخلفوا عن أمره ، و قبح تقديم المفضول على الأفضل معلوم و امامة المفضول قبيحة عقلا و لا يرتاب فيه إلا الطغام قال عزّ من قائل : افمن يهدى إلى الحقّ احقّ ان يتبع أمن لا يهدّى إلاّ ان يهدى فما لكم كيف تحكمون . و بذلك تعلم أن قول الشّارح المعتزلي في خطبة شرحه : و قدّم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف اختلاق محض و افتراء صرف و لا يعلم اية مصلحة اقتضت ذلك أو لا يكون هذا الفعل نفسه قبيحا و ظلما و زورا ؟ تعالى اللّه عن ذلك . قال أبو جعفر الطبري في تاريخه باسناده عن عبد اللّه بن كعب بن مالك انّ ابن عبّاس أخبره أن عليّ بن أبيطالب خرج من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في وجعه الّذي توفّى فيه فقال النّاس : يا أبا حسن كيف أصبح رسول اللّه قال : أصبح بحمد اللّه بارئا فأخذ بيده عبّاس بن عبد المطلب فقال : ألا ترى انّك بعد ثلث عبد العصا و انى ارى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيتوفى في وجعه هذا و انى لأعرف وجوه بني عبد المطّلب عند الموت فاذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسله فيمن يكون هذا الأمر فان كان فينا علمنا ذلك و إن كان في غيرنا امر به فأوصى بنا ، قال عليّ عليه السّلام : و اللّه لئن سألناها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمنعناها لا يعطيناها النّاس أبدا و اللّه لا أسألها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبدا . أقول : لما انجرّ كلامنا إلى هذا صادفنا عبد اللّه الأكبر يوم غدير خم يوم الأحد الثامن عشر من ذي الحجّة من السنة 1382 من الهجرة النّبويّة على هاجرها السلام فتذكرنا أن واقعة غدير خم حيث أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عند اللّه تبارك و تعالى ان ينصب عليّا عليه السّلام للناس و يخبرهم بولايته فنزلت آية يا أيّها الرّسول بلّغ ما انزل إليك من ربّك فى ذلك فاعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كل أبيض و أسود بقوله من [ 99 ] كنت مولاه فهذا علىّ مولاه على التفصيل الذي جاء فى أخبار الفريقين و مسلّم عند المسلمين و اشعار حسان فى ذلك المسطورة فى ديوانه و كتب الأخبار و نقلة الآثار مما لا ينكره احد و لا يابى عنه الا الخصم الألدّ : جاء حسان بن ثابت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه اتأذن لى ان اقول فى هذا المقام ما يرضاه اللّه ؟ فقال له قل يا حسان على اسم فوقف على نشز من الأرض و تطاول المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول : يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ و اسمع بالنبىّ مناديا و قال فمن مولاكم و وليكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاديا الهك مولانا و أنت وليّنا و لن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له قم يا على فاننى رضيتك من بعدي اماما و هاديا فخصّ بها دون البريّة كلّها عليّا و سمّاه الوزير المواخيا فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له اتباع صدق مواليا هناك دعى اللهمّ وال وليّه و كن للذي عادى عليا معاديا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك و انما اشترط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الدعاء له لعلمه بعاقبة أمره فى الخلاف و لو علم سلامته فى مستقبل الاحوال لدعا له على الاطلاق كما فى الارشاد للمفيد ( ره ) . و تلك الواقعة كانت فى السنة التى توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها أعنى فى حجّة الوداع و لم يمض من تلك الواقعة إلى رحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا شهران و بضعة أيام فكيف ذهل عباس بن عبد المطلب عن ذلك حتّى سأل عليا عن أن يسأل الرسول صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك مع أن حديث المنزلة و غيرهما فى حقّ علىّ عليه السّلام متواتر عند الفريقين و لذلك إنّ فى قلبى فى صحّة هذا الخبر شيئا على انّى أرى على تقدير الصحة حرف قوله « فمنعناها » عن أصله و كان الأصل « فمنحناها » بقرينة لا يعطيناها فليتأمّل . و فى السيرة الحلبيّة : جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل صحبة ملك الموت و قال له : يا أحمد ان اللّه قد اشتاق إليك قال : فاقبض يا ملك الموت كما امرت فتوفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . [ 100 ] و في لفظ اتاه جبرئيل عليه السّلام فقال يا محمّد ان اللّه ارسلني إليك تكريما لك و تشريفا يسألك عما هو اعلم به منك يقول لك كيف تجدك قال اجدنى يا جبرئيل مغموما و اجدنى يا جبرئيل مكروبا ثمّ جاءه اليوم الثاني و الثالث فقال له ذلك فرد عليه صلّى اللّه عليه و آله بمثل ذلك و جاء معه في اليوم الثالث ملك الموت فقال له جبرئيل عليه السّلام هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على أحد قبلك و لا يستأذن على آدمى بعدك اتاذن له فدخل فسلم عليه ثم قال يا محمّد ان اللّه ارسلني إليك فإن امرتنى ان اقبض روحك قبضت و ان امرتنى ان اترك تركت قال او تفعل قال نعم و بذلك امرت فنظر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال يا محمّد ان اللّه يقرؤك السّلام و يقول لك : إن شئت شفيتك و كفيتك ، و إن شئت توفيتك و غفرت لك قال ذلك إلى ربّي يصنع بي ما يشاء . و في رواية الخلد في الدّنيا ثمّ في الجنّة أحب إليك أم لقاء ربك ثمّ الجنة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : لقاء ربّي ثمّ الجنّة . و في الوافي ( م 14 ص 46 ) عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لمّا حضرت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الوفاة نزل جبرئيل عليه السّلام فقال يا رسول اللّه هل لك في الرجوع إلى الدّنيا فقال لا قد بلغت رسالات ربّي ، فأعادها عليه فقال : لا بل الرّفيق الأعلى ثمّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المسلمون حوله مجتمعون : أيّها الناس انه لا نبى بعدى و لا سنة بعد سنّتي فمن ادّعى ذلك فدعواه و مدّعيه في النار فاقتلوه و من اتبعه فانه في النّار أيّها النّاس احيوا القصاص و احيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا اسلموا و سلّموا تسلّموا « كتب اللّه لأغلبن انا و رسلى انّ اللّه قوي عزيز » . في البحار : ثمّ ثقل صلّى اللّه عليه و آله و حضره الموت و أمير المؤمنين عليه السّلام حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له : ضع يا علىّ رأسى فى حجرك فقد جاء امر اللّه تعالى فاذا فاضت نفسى فتناولها بيدك و امسح بها وجهك ثمّ وجهنى إلى القبلة و تولّ أمري و صل علىّ أوّل النّاس و لا تفارقنى حتّى توارينى فى رمسى و استعن باللّه تعالى ، فأخذ علىّ عليه السّلام رأسه فوضعه في حجره فاغمى عليه فأكبّت فاطمة عليها السّلام تنظر فى [ 101 ] وجهه و تندبه و تبكى و تقول : و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عينه و قال بصوت ضئيل : يا بنيّة هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه و لكن قولي : « و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم » فبكت طويلا و أومأ اليها بالدنوّ منه فدنت منه فأسرّ اليها شيئا تهلّل وجهها له ثمّ قبض صلّى اللّه عليه و آله و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه صلّى اللّه عليه و آله فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمّ وجّهه و غمّضه و مدّ عليه ازاره و اشتغل بالنظر في أمره صلّى اللّه عليه و آله . و جائت الرواية انه قيل لفاطمة عليها السّلام : ما الّذي أسرّك إليك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسرى عليك به ما كنت عليه من الحزن و القلق بوفاته ؟ قالت : إنه اخبرني أنني أول أهل بيته لحوقا به و انّه لن يطول المدة بي بعده حتّى ادركه فسرى ذلك عنّي . و في البحار انّه صلّى اللّه عليه و آله دعا الحسن و الحسين عليهما السّلام فقبّلهما و شممهما و جعل يترشفهما و عيناه تهملان . و جائت الرّواية المنقولة عن الفريقين انه كان عنده صلّى اللّه عليه و آله قدح فيه ماء و في لفظ بدل قدح علباء و فى آخر ركوة فيها ماء فلمّا اشتدّ عليه صلّى اللّه عليه و آله الأمر صار يدخل يده الشريفة في القدح ثمّ يمسح وجهه الشريف بالماء و يقول : اللهمّ اعنى على سكرات الموت و كذا في تاريخ الطبري و بشارة المصطفى لشيعة المرتضى و في غيرها من كتب الأخبار . لما توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالت فاطمة عليها السّلام : وا ابتاه اجاب داع دعاه يا ابتاه الفردوس مأواه يا ابتاه إلى جبرئيل ننعاه ، و في السيرة الحلبيّة قال ابن كثير هذا لا يعدّ نياحة بل هو من ذكر فضائل الحقّ عليه عليه أفضل الصّلاة و السّلام قال و انّما قلنا ذلك لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن النياحة انتهى ، أقول : و مضى الكلام منا آنفا في ذلك . [ 102 ] في البحار ناقلا عن المناقب لابن شهر آشوب و الطبرسى في المجمع في ضمن قوله تعالى و اتقوا يوما ترجعون الآية ( 281 البقرة ) : عن ابن عبّاس و السّدي لما نزل قوله تعالى انّك ميّت و انّهم ميّتون قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليتني أعلم متى يكون ذلك فنزل سورة النصر فكان يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزل هذه السورة فيقول : سبحان اللّه و بحمده استغفر اللّه و أتوب إليه فقيل له انك لم تكن تقوله قبل هذا فقال أمّا نفسي نعيت إلىّ ثمّ بكا بكاء شديدا فقيل : يا رسول اللّه أو تبكى من الموت و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر ؟ قال : فأين هو المطلع و أين ضيقة القبر و ظلمة اللّحد و أين القيامة و الأهوال ، فعاش بعد نزول هذه السّورة عاما انتهى . « آخر آية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله » أقول : آخر آية نزلت من السّماء على خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله بلا خلاف عند قاطبة المسلمين قوله تعالى : و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللَّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ، و لا خلاف أيضا فى أن جبريل عليه السّلام قال له صلّى اللّه عليه و آله ضعها في رأس الثمانين و المأتين من البقرة كما في المجمع و البيضاوي و الكشاف و غيرها عن ابن عبّاس و السّدي . و انما الخلاف في أنّه صلّى اللّه عليه و آله كم عاش من الأيام بعد نزولها ، و الاكثر على انه صلّى اللّه عليه و آله عاش بعدها أحدا و عشرين يوما و قال : ابن جريح : تسع ليال ، و قال سعيد بن جبير و مقاتل : سبع ليال ، و فى الكشاف و البيضاوي و قيل أحدا و ثمانين يوما ، و في الكشاف و قيل ثلاث ساعات . أقول : قول جبرئيل عليه السّلام له صلّى اللّه عليه و آله ضع هذه الآية في رأس الثمانين و المأتين من البقرة يدل على أن تركيب السور و ترتيب الآيات القرآنية كما هو الآن بين أيدينا كان بأمر اللّه تعالى و بأمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله و ما نقص منه شي‏ء و لا زيد فيه شي‏ء ، و من تفحص في كتب الأخبار للمسلمين يجد أن السور كانت عند ارتحال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرتّبة منظّمة باذن اللّه تعالى [ 103 ] و بأمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله موسومة بأساميها ، و لنا في ذلك من الأخبار و الآيات و أقوال أهل الخبرة شواهد و براهين لعلّنا نبحث في ذلك مفصلا ان شاء اللّه تعالى في محلّه . ثمّ نقول إنّ هذا القول أعني آخر آية نزلت على الرّسول صلّى اللّه عليه و آله هي تلك الآية المذكورة لا ينافي ما في العدّة الفهدية و غيرها أوّل ما نزل « بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم اقرأ باسم ربك » و آخره « إذا جاء نصر اللَّه » لأنّ كلامنا في آخر آية نزلت و هذا القول من ابن الفهد و غيره في آخر سورة نزلت . قال المسعودي في مروج الذهب : و قد قيل انّه انزل عليه صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة من القرآن اثنتان و ثلاثون سورة . أقول : و سيأتي إنشاء اللّه تعالى بحثنا في ذلك على التفصيل و التحقيق . الاقوال فى مدة شكواه صلّى اللّه عليه و آله كانت مدة شكواه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عشرة ليلة و قيل أربع عشرة ليلة و قيل اثنتى عشرة ليلة و قيل عشرا و قيل ثمانية . الاخبار فى مبلغ سنه صلّى اللّه عليه و آله يوم وفاته الأكثر من الفريقين ذهبوا إلى أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان حين قبض ابن ثلاث و ستين سنة و هو الحقّ في ذلك قال أبو جعفر الطبري في تاريخه بإسناده عن ابن عبّاس قال أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه و بالمدينة عشرا و مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة . و فيه عنه أيضا : بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأربعين سنة و أقام بمكّة ثلاث عشرة يوحى إليه و بالمدينة عشرا و مات و هو ابن ثلاث و ستين سنة و كذا نقل عدة أخبار اخر في انه صلّى اللّه عليه و آله كان يومئذ ابن ثلاث و ستين سنة . و في البحار للمجلسى « قد » عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستين سنة في سنة عشر من الهجرة فكان مقامه بمكّة أربعين سنة ثمّ نزل [ 104 ] عليه الوحى في تمام الأربعين و كان بمكّة ثلاث عشرة سنة ثمّ هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة فاقام بالمدينة عشر سنين الحديث و كذا غيره من الأخبار المرويّة من أصحابنا رضوان اللّه عليهم و كبار علماء العامّة . و نقل الطبري عن بعض أنه صلّى اللّه عليه و آله كان حينئذ ابن خمس و ستين سنة ، و عن بعض آخر هو ابن ستين ، و لكن الصواب ما ذهب إليه الاكثر و لا يعبأ بهذه الأقوال الشاذّة النادرة . ذكر الاقوال عن اليوم و الشهر الذين توفى فيهما صلّى اللّه عليه و آله قال أبو جعفر الطبرى فى حديث عن ابن عبّاس انّه قال : ولد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الاثنين ، و استنبى‏ء يوم الاثنين ، و رفع الحجر يوم الاثنين ، و خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، و قدم المدينة يوم الاثنين ، و قبض يوم الاثنين . و في المصباح للكفعمي قال الشيخ المفيد ( ره ) في مزاره اتق السفر يوم الاثنين فانه يوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و انقطع الوحى فيه و ابتز أهل بيته الامر و قتل فيه الحسين عليه السّلام و هو يوم نحس و كذا المنقول عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام من كشف الغمة كما في البحار أنّه قبض صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين لليلتين خلتا منه . و قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في التهذيب : قبض صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة و ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الاول في عام الفيل . أقول : و انما قال ( ره ) : قبض صلّى اللّه عليه و آله مسموما لانه روى في البحار نقلا عن بصائر الدرجات عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سمت اليهودية النّبيّ في ذراع قال : و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحب الذراع و الكتف و يكره الورك لقربها من المبال قال لما اتى بالشواء أكل من الذراع و كان يحبّها فاكل ما شاء اللّه و ما زال ينتفض به سمه حتى مات الخبر . [ 105 ] و قال ثقة الاسلام الكليني رضوان اللّه عليه : انّه قبض صلّى اللّه عليه و آله لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الاثنين و هو ابن ثلاث و ستين سنة . و قال المسعودى في مروج الذهب : قبضه اللّه يوم الاثنين لاثنتى عشر ليلة مضت من ربيع الأوّل سنة عشر فى الساعة التى دخل فيها المدينة « يعنى مهاجرا من مكّة إلى المدينة زاد اللّه لهما شرفا » في منزل عائشة و كان علته اثنى عشرة يوما . و فى تفسير الثعلبى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأوّل حين زاغت الشّمس . و قال أبو جعفر الطبري أمّا اليوم الذي مات فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلا خلاف بين أهل العلم بالاخبار فيه انّه كان يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل غير أنّه اختلف في أي الاثنين كان موته صلّى اللّه عليه و آله ففقهاء أهل الحجاز قالوا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصف النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأوّل . و قال الواقدي توفى يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل و دفن من الغد نصف النهار حين زاغت الشمس و ذلك يوم الثلثاء . و قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه : ثمّ ضرب صلّى اللّه عليه و آله في المحرم من سنة 11 على النّاس بعثا إلى الشام و امّر عليهم مولاه و ابن مولاه اسامة بن زيد بن حارثة و أمره أن يوطى‏ء الخيل تخوم البلقاء و الدّاروم من أرض فلسطين فتجهّز النّاس و أوعب مع اسامة المهاجرون الأوّلون فبينا الناس على ذلك ابتدى صلّى اللّه عليه و آله شكواه التي قبضه اللّه عزّ و جلّ فيها إلى ما أراد به من رحمته و كرامته فى ليال بقين من صفر أو في أوّل شهر ربيع الاول . و فيه في الخبر الآخر عن أبي مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال : ثم اشتكى في المحرم وجعه الّذي قبضه اللّه تعالى فيه . و فيه باسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال اشتكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه الّذي توفاه اللّه به في عقب المحرم . و قال الواقدي بدى‏ء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجعه لليلتين بقيتا من صفر [ 106 ] و قال الطبرسى فى المجمع فى قوله تعالى و اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللَّه الآية 281 من البقرة : ثمّ مات صلّى اللّه عليه و آله يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأوّل حين بزغت الشمس ، قال : و روى أصحابنا لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة و لسنة واحدة من ملك أردشير بن شيرويه بن ابرويز بن هرمز بن أنوشيروان و قال المفيد ( ره ) فى الارشاد : و كان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستين سنة و قال الخوارزمي توفّى أوّل شهر ربيع الأوّل . و فى السيرة الحلبيّة : قال السهيلى : لا يصح أن يكون وفاته يوم الاثنين إلا فى ثالث عشرة أو رابع عشرة لاجماع المسلمين على ان وقفة عرفة كانت يوم الجمعة و هو تاسع ذي الحجّة و كان المحرم اما بالجمعة و إما بالسبت ، فان كان السبت فيكون أوّل صفر إما الأحد أو الاثنين فعلى هذا لا يكون الثانى عشر من شهر ربيع الأول بوجه . هذه طائفة من الأقوال فى يوم وفاته صلّى اللّه عليه و آله و شهره و جملة القول فيهما انه مما لا ينبغى ان يشك ان وفاته صلّى اللّه عليه و آله كان يوم الاثنين و هذا اتفاقى و المخالف فيه مكابر نفسه ، و المشهور عند الجمهور انه كان فى شهر ربيع الاوّل لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول ، و عند أصحابنا الاماميّة لليلتين بقيتا من صفر إلاّ الكلينى و المسعودى فانّهما وافقا العامة فى ذلك 1 . ----------- ( 1 ) المسعودى صاحب مروج الذهب هو أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودى الهذلى امامى ثقة بقى الى سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمأة و له كتب : كتاب فى الامامة المسمى باثبات الوصية ، و مروج الذهب و معادن الجوهر ، كتاب الهداية الى تحقيق الولاية و غيرها مما عدها النجاشى فى كتاب الرجال و ذكره العلامة قدس سره فى القسم الاول من الخلاصة و وضعه أن يذكر الثقات من أصحابنا الامامية فى القسم الاول منها فارجع الى كتب الرجال الامامية من كتاب النجاشى و تنقيح المقال للمامقانى و جامع الرواة للاردبيلى و غيرها حتى يتضح لك انه من العلماء الكبار الاخيار و فى ذكرى أن صاحب الجواهر فى كتابه الصلاة أو الارث ذكر منه قولا . و بالجملة أن ما كتب فى ظهر مروج الذهب المطبوع فى مصر من أنه شافعى و هم و مختلق . [ 107 ] قال العلامة المجلسى فى البحار : لعل قول سنة عشر مبنى على اعتبار سنة الهجرة من أوّل ربيع الاول حيث وقعت الهجرة فيه و الذين قالوا سنة احدى عشرة بنوه على المحرم و هو اشهر . أقول : و بذلك يرتفع الاختلاف كما هو واضح و يأتى فى المباحث الآتية التحقيق فى مبدء تاريخ الهجرة . و خلاصة القول فيه ان ما بنى عليه المسلمون هو من أوّل المحرّم و قول الآخر أعنى أوّل ربيع الأوّل شاذّ لم يعمل به و إن ذهب إليه شرذمة من النّاس و منهم محمّد بن إسحاق المطلبي كما في السّيرة النبويّة لابن هشام التي أصلها لابن إسحاق و انتخبها ابن هشام قال : قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتدّ الضحى و كادت الشمس تعتدل لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل و هو التّاريخ . و لكن هذا القول غير مقبول عند الجمهور و المبدء المعمول به عند المسلمين هو المحرّم . قال أبو جعفر الطبري في تاريخه : قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : أرّخوا فقال عمر : ما أرّخوا قال شي‏ء تفعله الاعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا فقال عمر : حسن فأرّخوا فقال من ايّ السنين نبدأ قالوا من مبعثه صلّى اللّه عليه و آله و قالوا من وفاته صلّى اللّه عليه و آله ثمّ أجمعوا على الهجرة ثمّ قالوا فأيّ الشهور نبدأ فقالوا رمضان ثمّ قالوا المحرّم فهو منصرف النّاس من حجهم و هو شهر حرام فأجمعوا على المحرم . ثمّ أقول : و لا غرابة أن يقال انّه اشتبه الامر على القائل بوفاته صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الاوّل و كذا على راوى هذا الخبر لانّ ولادته صلّى اللّه عليه و آله كان في ذلك الشهر فاخذ الوفاة مكان الولادة . « الكلام فى أن عمر أنكر موت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يكن عارفا بالقرآن » قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه عن أبي هريرة : لما توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [ 108 ] كان أبو بكر بالسنح و عمر حاضرا فقام عمر بن الخطاب فقال ان رجالا من المنافقين يزعمون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توفى و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اللّه ما مات و لكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع بعد ان قيل قد مات و اللّه ليرجعنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فليقطعنّ أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مات . قال : و اقبل أبو بكر حتّى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر و عمر يكلم النّاس فلم يلتفت إلى شي‏ء حتّى دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بيت عائشة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مسجّى في ناحية البيت عليه برد حبرة فاقبل حتّى كشف عن وجهه ثمّ أقبل عليه فقبّله ثمّ قال بأبي أنت و امّي أما الموتة التي كتب اللّه عليك فقد ذقتها ثمّ لن يصيبك بعدها موتة أبدا ثمّ ردّ الثوب على وجهه ثمّ خرج و عمر يكلّم النّاس فقال على رسلك يا عمر فأنصت فأبى إلاّ أن يتكلّم ، فلمّا رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على النّاس فلمّا سمع النّاس كلامه أقبلوا عليه و تركوا عمر فحمد اللّه و اثنى عليه ثمّ قال : أيّها النّاس انّه من كان يعبد محمّدا فان محمّدا قد مات و من كان يعبد اللّه فانّ اللّه حىّ لا يموت ثمّ تلا هذه الآية : و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئاً و سيجزى اللّه الشاكرين » . قال . فواللّه لكان النّاس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى تلاها أبو بكر يومئذ قال و أخذها النّاس عن أبي بكر فانّما هي أفواههم . قال أبو هريرة قال عمر : و اللّه ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت إلى الارض ما تحملنى رجلاى و عرفت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد مات . و كذا روي أبو جعفر الطبري عن أبي أيوب عن إبراهيم خبرا آخر قريبا من الاوّل . و كذا في آخر عن عبد الرّحمن الحميري قال توفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر في المدينة فجاء فكشف الثوب عن وجهه فقبّله و قال فداك أبى و امّى ما أطيبك حيّا و ميّتا [ 109 ] مات محمّد و رب الكعبة . قال : ثمّ انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطّاب قائما يوعد النّاس و يقول انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حىّ لم يمت و أنّه خارج إلى من أرجف به و قاطع أيديهم و ضارب أعناقهم و صالبهم قال : فتكلّم أبو بكر و قال : انّ اللّه قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله « إنّك ميّت و إنّهم ميّتون . ثمّ انّكم يوم القيمة عند ربّكم تختصمون » و قال : « و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت » الآية حتى ختم الاية فمن كان يعبد اللّه لا شريك له فانّ اللّه حىّ لا يموت الخبر . قال الشهرستاني في المقدّمة الرابعة من الملل و النحل : الخلاف الثالث في موته صلّى اللّه عليه و آله قال عمر : من قال أن محمّدا قد مات قتلته بسيفي هذا و انما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السّلام ، و قال أبو بكر : من كان يعبد محمّدا فانّ محمّدا قد مات و من كان يعبد إله محمّد فانه حىّ لا يموت و قرأ هذه الآية : « و ما محمّد إلاّ رسول » الخ . أقول : و الأخبار في ذلك المضمون اعنى انكار عمر موته صلّى اللّه عليه و آله في كتبهم المعتبرة عندهم بلغت إلى مبلغ التواتر معنى و لا سبيل إلى إنكاره و إن كانت عباراتهم مختلفة ، و لنا في هذا المقام كلام و هو : ان من لم يكن عارفا للآيات القرآنيّة و متدبرا لها و حافظا للكتاب العزيز كما اعترف به نفسه كيف يليق للامامة على الامّة و الخلافة عن اللّه و رسوله ؟ و هل هذا الا تهافت و اختلاق ؟ جلّ جناب الرّب عن أن ينال عهده الجاهلين . الكلام فى ان عليا عليه السّلام هو الذى ولى غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو الاصل فى ذلك . و قال أبو جعفر الطبرى عن عبد اللّه بن عبّاس ان عليّ بن أبيطالب و العبّاس ابن عبد المطلب و الفضل بن عبّاس و قثم بن العبّاس و اسامة بن زيد و شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هم الّذين ولّوا غسله و انّ اوس بن خولى احد بنى عوف بن الخزرج قال لعليّ بن ابيطالب انشدك اللّه يا عليّ و حظّنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان اوس [ 110 ] من أصحاب بدر و قال ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاسنده عليّ بن أبيطالب إلى صدره و كان العبّاس و الفضل و قثم هم الذين يقلّبونه معه و كان اسامة بن زيد و شقران مولياه هما الذان يصبّان الماء و علىّ يغسله قد اسنده إلى صدره و عليه قميصه يدلك من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ يقول : بأبي أنت و امّي ما أطيبك حيّا و ميّتا و لم ير من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شي‏ء ممّا يرى من الميّت . و قال الشّارح المعتزلي : و روي محمّد بن حبيب في أماليه قال تولى غسل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ عليه السّلام و العبّاس رضى اللّه عنه و كان عليّ عليه السّلام يقول بعد ذلك ما شممت اطيب من ريحه و لا رأيت اضوء من وجهه حينئذ و لم أره يعتاد فاه ما يعتاد أفواه الموتى . أقول : و قد مضى الخبر الآخر من أبي جعفر الطبرى عن عبد اللّه بن مسعود حيث سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمن يغسله فقال صلّى اللّه عليه و آله أهلى الأدنى فالأدنى الخبر . فحيث ضم ذلك الخبر إلى هذا الذي نقله الطبري عن عبد اللّه بن عباس و محمّد ابن حبيب في أماليه و غيرهما ينتج ان عليّ بن أبيطالب كان أقرب النّاس منه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ انه يعلم من خطاب اوس علي عليه السّلام انشدك اللّه يا عليّ و حظّنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كان هو الّذي تولى غسله و هو الاصل في ذلك و العبّاس و الفضل و قثم و اسامة و شقران كانوا أعوانه في ذلك كما يدلّ عليه أيضا قوله و كان العبّاس و الفضل و قثم هم الذين يقلبونه معه و كان اسامة و شقران مولياه هما اللذان يصبّان الماء و قوله و عليّ عليه السّلام يغسله صريح فى ذلك . في الكافي للكليني ( قده ) عن عبد اللّه بن مسعود قال : قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يا رسول اللّه من يغسلك إذا مت ؟ فقال : يغسل كلّ نبى وصيّه قلت : فمن وصيّك يا رسول اللّه ؟ قال : عليّ بن أبيطالب ، فقلت : كم يعيش بعدك يا رسول اللّه ؟ قال ثلاثين سنة ، فان يوشع بن نون وصىّ موسى عاش من بعده ثلاثين سنة و خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوج موسى فقالت أنا أحق بالأمر منك فقاتلها فقتل مقاتليها و اسرها فأحسن اسرها ، و ان ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ عليه السّلام فى كذا و كذا [ 111 ] ألفا من امتى فيقتل مقاتليها و يأسرها فيحسن أسرها و فيها انزل اللّه تعالى « و قرن في بيوتكن و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى » يعني صفراء بنت شعيب . في التهذيب بإسناده عن يعلي بن مرة عن أبيه عن جدّه قال قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فستر بثوب و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلف الثوب و عليّ عليه السّلام عند طرف ثوبه و قد وضع خدّه على راحتيه يضرب طرف الثوب على وجه عليّ عليه السّلام قال و النّاس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون و إذا سمعنا صوتا في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه و لا تغسلوه ، قال : فرأيت عليّا عليه السّلام حين رفع رأسه فزعا فقال اخسأ عدوّ اللّه فانّه أمرنى بغسله و كفنه و ذاك سنة قال ثم نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن أبيطالب استر عورة نبيّك و لا تنزع القميص ، و روايات اخر قريبة منها اتى بها فى كتب العامّة أيضا . قال فى البحار : فى الاحن و المحن بإسناده عن إسماعيل بن عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليه السّلام قال : أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئرى بئر غرس . و في السيرة الحلبيّة : و عند ابن ماجة أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئرى بئر غرس . في الكافي و التهذيب عن فضيل سكرة قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت حدّ محدود ؟ قال : ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام : إذا أنامت فاستق ستّ قرب من ماء بئر غرس « غرس بئر بالمدينة » فغسلنى و كفّنى و حنطنى فاذا فرغت من غسلى و كفنى فخذ بجوامع كفنى و اجلسنى ثمّ سلنى عمّا شئت فو اللّه لا تسألنى عن شى‏ء الا اجبتك فيه . و فى البحار : أبان بن بطة قال يزيد بن بلال قال علىّ عليه السّلام : اوصى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الاّ يغسله احد غيري فانّه لا يرى أحد عورتى الا طمست عيناه قال : فما تناولت عضوا إلاّ كانما كان يقلّه معى ثلاثون رجلا حتّى فرغت من غسله ، و كذا في خبر قريب منه فى السيرة الحلبيّة . [ 112 ] أقول : و المراد من هذا الخبر ان عليّا عليه السّلام لو رأى عورته لا تطمس عينه كان على فرض الوقوع لا ان يجوز له ذلك . و فيه أيضا : و روى انه لما أراد علىّ عليه السّلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس ليعينه كان مشدود العينين و قد امره علىّ عليه السّلام بذلك اشفاقا عليه من العمى . و فيه نقلا عن تفسير العياشى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمعوا صوتا من جانب البيت و لم يروا شخصا يقول : « كلّ نفس ذائقة الموت » إلى قوله « فقد فاز » ثمّ قال : فى اللّه خلف و عزاء من كلّ مصيبة و درك لما فات فباللّه فثقوا و إيّاه فارجوا انما المحروم من حرم الثواب و استروا عورة نبيكم فلما وضعه على السرير نودي يا علىّ لا تخلع القميص قال فغسّله علىّ عليه السّلام فى قميصه . و روى أبو جعفر الطبرى فى تاريخه باسناده عن عائشة قالت لما أرادوا ان يغسلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اختلفوا فيه فقالوا و اللّه ما ندرى أنجرّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ثيابه كما نجرّد موتانا أو نغسّله و عليه ثيابه ، فلمّا اختلفوا القى عليهم السّنة حتى ما منهم رجل إلا و ذقنه فى صدره ، ثمّ كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو أن اغسلوا النّبيّ و عليه ثيابه ، قالت : فقاموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : فغسلوه و عليه قميصه يصبّون عليه الماء فوق القميص و يدلكونه و القميص دون أيديهم ، و كذا مر منه آنفا نقلا عن عبد اللّه بن عبّاس أن عليّا عليه السّلام يغسله صلّى اللّه عليه و آله و عليه قميصه يدلك من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخبر . و قال المفيد ( ره ) فى الارشاد : لما أراد أمير المؤمنين عليه السّلام غسل الرسول صلّى اللّه عليه و آله استدعى الفضل بن العبّاس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصّب عينيه ثمّ شق قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرّته و تولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و الفضل يعاطيه الماء و يعينه عليه . و فى التهذيب لشيخ الطّائفة الامامية قدس سره عن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال : قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فستر بثوب و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلف الثوب و علىّ عليه السّلام [ 113 ] عند طرف ثوبه قد وضع خديه على راحته قال و الرّيح يضرب طرف الثوب على وجه عليّ عليه السّلام قال : و النّاس على الباب و في المسجد ينتحبون و يبكون و إذا سمعنا صوتا في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه و لا تغسلوه قال فرايت عليا عليه السّلام حين رفع رأسه فزعا فقال اخسأ عدو اللّه فانه امرني بغسله و كفنه و دفنه و ذاك سنة قال ثم نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا عليّ بن أبيطالب استر عورة نبيّك و لا تنزع القميص . أقول : ما يستفاد من جملة تلك الاخبار انّ عليّا عليه السّلام تولّى غسله بيده بلا كلام فيه و انه غسله صلّى اللّه عليه و آله في قميصه و لا تنافي لها مع ما في الارشاد ، و أمّا المروية عن عائشة من اختلافهم و أخذهم السنة و يدلك من ورائه لا يفضى بيده فلا يخلو عن اختلاق و افتعال و البصير الناقد في الأحاديث المروية عنها في ذلك الباب من الطبري و غيره يرى ما لا يخفى عليه و كانت تقولها لبعض شانها و لا جرم انهم جردوه عاقبة الأمر و كفنوه . فالحق فيها ما أنصف الشارح المعتزلى في المقام حيث بعد نقل شرذمة من تلك الأحاديث المروية عنها و نقلها فكانت عايشة تقول لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله الا نساؤه كما رواها الطبرى و غيره أيضا ، قال : قلت : حضرت عند محمّد بن معدّ العلوي في داره ببغداد و عنده حسن بن معالي الحلي المعروف بابن الباقلاوي و هما يقرآن هذا الخبر « يعني خبر عائشة عن اختلافهم و أخذهم السنة و قولها لو استقبلت من امرى الخ » و هذه الأحاديث من تاريخ الطبرى فقال محمّد بن معد لحسن بن معالي : ما تراها قصدت بهذا القول قال : حسدت أباك على ما كان يفتخر به من غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، فضحك محمّد و قال : هبها استطاعت أن تزاحمه في الغسل هل تستطيع أن تزاحمه في غيره من خصائصه انتهى . ثمّ قال أبو جعفر الطبرى : قال ابن إسحاق و حدثنى الزهري عن عليّ بن الحسين قال فلما فرغ من غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفن في ثلاثة اثواب ثوبين صحاريّين و برد حبرة ادرج فيها ادراجا . و كذا في الكافي للكليني ( قده ) عن زيد الشّحام قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام [ 114 ] عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بم كفن قال في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين و برد حبرة . و فى السيرة الحلبية ذكر أقوالا اخر تنتهى إلى سبعة . « بيان » قال ابن اثير في النهاية : فى الحديث كفن رسول اللّه في ثوبين صحاريين صحار قرية باليمن نسب الثوب إليها و قيل هو من الصحرة و هى حمرة خفية كالغبرة يقال ثوب اصحر و صحارى . في البحار نقلا عن مجالس الصّدوق بإسناده الى عبد اللّه بن عبّاس رضى اللّه عنه قال لما توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تولّى غسله عليّ بن أبيطالب و العباس معه فلما فرغ عليّ عليه السّلام من غسله كشف الازار عن وجهه ثمّ قال بأبي أنت و امّي طبت حيّا و طبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممّن سواك من النبوّة و الانباء خصصت حتى صرت مسلّيا عمن سواك و عممت حتّى صار النّاس فيك سواء و لو لا انك امرت بالصبر و نهيت عن الجزع لا نفدنا عليك الشؤن و لكن مالا يدفع كمد و غصص مخالفان و هما داء الاجل و قلا لك بأبي أنت و امي اذكرنا عند ربك و اجعلنا من همّك ثمّ اكبّ عليه فقبّل وجهه و مد الازار عليه . و نقل هذه الخطبة الشارح المعتزلي على صورة اخرى قال : قال محّد بن حبيب فلما كشف الازار عن وجهه بعد غسله انحنى عليه فقبله مرارا و بكى طويلا و قال : بأبي أنت و امّي طبت حيا و طبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد سواك من النبوّة و الأنبياء ( و الانباء ظ ) و اخبار السماء خصصت حتّى صرت مسليا عمّن سواك و عممت حتى صارت المصيبة فيك سواء و لو لا انك امرت بالصبر و نهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤن و لكن اتى ما لا يدفع اشكو إليك كمدا و ادبارا مخالفين و داء الفتنة فانها قد استعرت نارها و داءها الداء الاعظم بأبي أنت و امّي اذكرنا عند ربّك و اجعلنا من بالك و همك . ثمّ نظر إلى قذاة في عينه فلفظها بلسانه ثمّ ردّ الازار على وجهه . أقول : لا يخفى ان هذه الرّواية تخالف ما في النهج في بعض ألفاظه و لا بعد [ 115 ] أن يقال متى دار الأمر بين ما فى النّهج و بين ما في غيره يكون ما فى النّهج اضبط و أصحّ . الكلام فى من صلّى اللّه عليه و آله و لما فرغ علىّ عليه السّلام من غسله و تجهيزه تقدم فصلّى عليه وحده و لم يشركه معه فى الصلاة عليه و كان المسلمون فى المسجد يخوضون فيمن يؤمّهم فى الصلاة عليه و اين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين و قال لهم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امامنا حيّا و ميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلّون عليه بغير امام و ينصرفون و ان اللّه تعالى لم يقبض نبيا فى مكان إلا و قد ارتضاه لرمسه فيه و انى لدافنه فى حجرته الّتى قبض فيها فسلم القوم لذلك و رضوا به كما فى الارشاد للمفيد و فى غيره . و روى ثقة الاسلام الكلينى فى الكافى باسناده عن الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال اتى العباس أمير المؤمنين عليه السّلام فقال يا علىّ ان النّاس قد اجتمعوا ان يدفنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى بقيع المصلى و ان يؤمهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلى النّاس فقال يا أيّها النّاس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امامنا حيا و ميتا و قال انّى ادفن فى البقعة الّتى قبض فيها ثمّ قام على الباب فصلّى عليه ثمّ أمر النّاس عشرة عشرة يصلّون عليه ثمّ يخرجون . و فى الكافى أيضا باسناده عن جابر عن أبى جعفر عليه السّلام قال لما قبض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلّت عليه الملائكة و المهاجرون و الأنصار فوجا فوجا و قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول فى صحته و سلامته انما انزلت هذه الآية على فى الصّلاة بعد قبض اللّه لى « انّ اللَّه و ملئكته يصلّون على النّبى يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما » . و فى رواية الامالى ان أوّل من يصلى عليه هو اللّه سبحانه ثمّ الملائكة ثمّ المسلمون . قال الطبرى : و دخل النّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلون عليه أرسالا حتّى إذا [ 116 ] فرغ الرّجال ادخل النّساء حتّى إذا فرغ النساء ادخل الصبيان ثمّ ادخل العبيد و لم يؤمّ الناس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحد . و في البحار : و لما أراد عليّ عليه السّلام غسله استدعى الفضل بن العبّاس فامره ان يناوله الماء بعد ان عصب عينيه فشق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به إلى سرّته و تولّى غسله و تحنيطه و تكفينه و الفضل يناوله الماء فلما فرغ من غسله و تجهيزه تقدّم فصلّى عليه . في البحار : سئل الباقر عليه السّلام كيف كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال : لما غسله أمير المؤمنين و كفنه سجّاه و ادخل عليه عشرة فداروا حوله ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السّلام في وسطهم فقال « إنَّ اللَّه و ملئكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليماً » فيقول القوم مثل ما يقول حتّى صلّى عليه أهل المدينة و أهل العوالى . ان قلت نقل في البحار رواية عن سليم بن قيس نقلا عن سلمان الفارسى ( ره ) انّه قال اتيت عليّا عليه السّلام و هو يغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد كان اوصى ان لا يغسله غير على « إلى أن قال : » فلمّا غسله و كفّنه ادخلنى و ادخل أباذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا عليهم السّلام فتقدم و صففنا خلفه و صلّى عليه و عائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ جبرئيل ببصرها ثمّ ادخل عشرة عشرة من المهاجرين و الانصار فيصلون و يخرجون حتّى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلا صلّى عليه الخبر . فكيف يوافق هذا الخبر ما ذكر من قبل ان عليّا صلّى عليه صلّى اللّه عليه و آله وحده و لم يشركه معه أحد في الصّلاة ؟ قلت : يمكن الجمع بينهما انّه لم يشركه أحد في ان يؤم النّاس فلم يؤم النّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحد إلاّ عليّ عليه السّلام على أن في سليم بن قيس كلاما . و بالجملة لا يخفى على المتدرب البصير في الأخبار المروية عن الفريقين أن الصّلاة الحقيقيّة هي التي صلاها عليّ عليه السّلام على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أوّلا و ان صلّى عليه بعده غيره من الرّجال و النساء فوجا بعد فوج . [ 117 ] الكلام فى دفنه صلّى اللّه عليه و آله و اختلف الاقوال فى موضع دفنه فذهب قوم إلى أن يدفنوه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة لانها مسقط رأسه و قال الآخرون في المدينة فمنهم من رأى ان يدفن في البقيع عند شهداء احد و منهم من قال ان يدفنوه في صحن المسجد و قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام انّ اللّه لم يقبض نبيا إلاّ في أطهر البقاع فينبغي ان يدفن في البقعة التي قبض فيها فاخذوا بقوله . قال الطبري نقلا عن عبد اللّه بن عبّاس لما أرادوا ان يحفروا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكّة و كان أبو طلحة زيد بن سهل هو الّذي يحفر لأهل المدينة و كان يلحد فدعا العبّاس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة و للآخر اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك . و قال الطبري قال ابن إسحاق و كان الّذي نزل قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبيطالب و الفضل بن العبّاس و قثم بن العباس و شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قال اوس بن خولى انشدك اللّه يا عليّ و حظنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له انزل فنزل مع القوم و قد كان شقر ان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حفرته و بنى عليه قد اخذ قطيفة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلبسها و يفترشها ققذفها في القبر و قال و اللّه لا يلبسها أحد بعدك أبدا قال فدفنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . فى التهذيب لشيخ الطّائفة الامامية في رواية عن أبي جعفر عليه السّلام « إلى أن قال : » ثمّ دخل عليّ عليه السّلام القبر فوضعه على يديه و ادخل معه الفضل بن العبّاس فقال رجل من الأنصار من بنى الخيلاء يقال له اوس بن الخولي انشدكم اللّه ان تقطعوا حقنا فقال له عليّ عليه السّلام ادخل فدخل معهما الخبر . و فيه عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ان قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رفع شبرا من الأرض . و في الكافي للكلينى رضوان اللّه عليه عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول جعل علىّ عليه السّلام على قبر النّبيّ لبنا . [ 118 ] و فيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله يا علي ادفنى في هذا المكان و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع و رش عليه من الماء . أقول : جائت الرّوايات من الفريقين في تعيين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدفنه كما في الرّواية المروية عن أبي جعفر الطبري المذكورة آنفا و من كتب الاماميّة أيضا و مع ذلك اختلافهم في مدفنه صلّى اللّه عليه و آله غريب جدّا . و فيه أيضا عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : القى شقران مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى قبره القطيفة . و فى الارشاد للمفيد ( ره ) بعد ما قال صلّى علىّ عليه السّلام وحده على النّبى و لم يشركه معه أحد ثمّ صلّى المسلمون قال : و لما صلّى المسلمون عليه أنفذ العبّاس بن عبد المطلب برجل إلى أبى عبيدة ابن الجراح و كان يحفر لأهل مكّة و يضرّح و كان ذلك عادة أهل مكة و انفذ إلى زيد بن سهل و كان يحفر لأهل المدينة و يلحد فاستدعاهما و قال : اللهم خر لنبيك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل و قيل له احفر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فحفر له لحدا و دخل أمير المؤمنين و العبّاس بن عبد المطلب و الفضل بن العباس و اسامة بن زيد ليتولّوا دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فنادت الأنصار من وراء البيت يا علىّ إنا نذكرك اللّه و حقنا اليوم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، فقال ليدخل اوس بن خولى و كان بدريا فاضلا من بنى عوف من الخزرج فلما دخل قال له علىّ عليه السّلام : انزل القبر فنزل و وضع أمير المؤمنين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على يديه و ولاه فى حفرته فلما حصل فى الأرض قال له اخرج فخرج و نزل علىّ عليه السّلام القبر فكشف عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و وضع خدّه على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثمّ وضع عليه اللبن و أهال عليه التراب و كان ذلك فى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن ثلاث و ستّين سنة و لم يحضر دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين و الأنصار من التشاجر فى أمر الخلافة وفات أكثرهم الصّلاة عليه لذلك و أصبحت [ 119 ] فاطمة عليها السّلام تنادى : و اسوء صباحاه ، فسمعها أبو بكر فقال لها : إنّ صباحك لصباح سوء و اغتنم القوم الفرصة لشغل علىّ بن أبيطالب عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتبادروا إلى ولاية الأمر و اتفق لأبي بكر ما اتفق لاختلاف الأنصار فيما بينهم و كراهية الطلقاء و المؤلفة قلوبهم من تأخر الأمر حتّى يفرغ بنو هاشم فيستقر الامر مقرّه . فبايعوا أبا بكر لحضوره المكان وكالت أسباب معروفة تيسر للقوم منها . ثمّ قال المفيد ( ره ) : و قد جائت الرّواية انه لمّا تم لأبى بكر ما تمّ و بايعه من بايع جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يسوى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمسحاة في يده فقال له ان القوم قد بايعوا أبا بكر و وقعت الخذلة للانصار لاختلافهم و بدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من ادراككم الامر فوضع طرف المسحاة على الأرض و يده عليها ثمّ قال عليه السّلام بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم . الم احسب النّاس ان يتركوا . ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون . و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن اللَّه الذين صدقوا . و ليعلمن الكاذبين . أم حسب الّذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون . و لقد مضى الكلام منه عليه السّلام في الخطبة المأتين عند دفن سيدة نساء العالمين مخاطبا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند قبره : و لقد وسدتك في ملحودة قبرك و فاضت بين نحرى و صدرى نفسك آه . و قال عليه السّلام في الخطبة السادسة و التسعين و المأة : و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله انّى لم ارد على اللّه و لا على رسوله ساعة قط و لقد واسيته بنفسى في المواطن التى تنكص فيها الابطال و تتأخر الاقدام نجدة اكرمنى اللّه بها و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ان رأسه على صدرى و لقد سالت نفسه في كفّى فامررتها على وجهى و لقد ولّيت غسله صلّى اللّه عليه و آله و الملائكة اعواني فضجّت الدار و الافنية ملأ يهبط و ملأ يعرج و ما فارقت سمعى هينمة منهم يصلون عليه حتى و اريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّى حيّا و ميتا . قال الشّارح المعتزلي بعد نقل شرذمة من تلك الأخبار عن أبي جعفر الطبري : [ 120 ] من تأمل هذه الأخبار علم ان عليّا عليه السّلام كان الأصل و الجملة و التفصيل في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جهازه ألا ترى ان اوس بن خولى لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره في حضور الغسل أو النزول في القبر . ثمّ انظر إلى كرم عليّ عليه السّلام و سجاحة اخلاقه و طهارة شيمته كيف لم يضن بمثل هذه المقامات الشريفة عن اوس و هو رجل غريب من الانصار فعرف له حقه و اطلبه بما طلبه فكم بين هذه السجيّة الشريفة و بين قول من قال « يعني بها عائشة كما مضى الخبر في ذلك » لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الانساؤه و لو كان في ذلك المقام غيره من اولى الطباع الخشنة و ارباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل اوس لزجر و انتهر و رجع خائبا انتهى . الكلام فى تجهيزه صلّى اللّه عليه و آله فى انه أى يوم كان و الحق في ذلك مضى الكلام في يوم وفاته صلّى اللّه عليه و آله انه عند الاكثر الاشهر بل مما اتفقوا عليه كان يوم الاثنين . ثمّ قال أبو جعفر الطبرى فى تاريخه : فلما بويع أبو بكر اقبل النّاس على جهاز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بويع أبو بكر يوم الاثنين في اليوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال بعضهم كان ذلك من فعلهم يوم الثلثاء و ذلك الغد من وفاته صلّى اللّه عليه و آله . أقول : و ذلك البعض هو الواقدي حيث قال : و دفن صلّى اللّه عليه و آله من الغد نصف النهار حين زاغت الشمس و ذلك يوم الثلثاء . و قال بعضهم انما دفن بعد وفاته بثلاثة أيام ثمّ دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وسط الليل ليلة الأربعاء ، و روى في دفنه صلّى اللّه عليه و آله ليلة الأربعاء عدّة روايات من عائشة و غيرها ، و قال بعضهم دفن يوم الأربعاء . و روى الطبرى عن زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي انه لما قبض النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان أبو بكر غائبا فجاء بعد ثلاث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يجترء أحد ان يكشف عن [ 121 ] وجهه و قد اربدّ بطنه فكشف عن وجهه و قبل عينيه و قال بأبي أنت و امّي طبت حيا و طبت ميتا ثمّ خرج إلى النّاس فقال من يعبد محمّدا فان محمّدا قد مات الحديث . و كذا أقوال الامامية و أخبارهم مختلفة في ذلك ففي بعضها ان النّاس دخلوا عليه عشرة عشرة فصلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء و في آخر أنهم صلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلثاء حتى الصباح و يوم الثلثاء . و الصواب انه صلّى اللّه عليه و آله دفن في اليوم الذي قبض و هو رأى المحققين من علمائنا الاماميّة كما صرّح به عماد الدّين الطبري في كامل البهائي و تولى تجهيزه في ذلك اليوم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على ما مضى الكلام فيه مفصلا و القوم قد اشتغلوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بامر البيعة . و إذا انضم قول أبي جعفر الطبرى و بويع أبو بكر يوم الاثنين فى اليوم الذي قبض فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى قول المفيد في الارشاد و قد جاءت الرواية انه لما تم لأبي بكر ما تمّ و بايعه من بايع جاء رجل إلى أمير المؤمنين و هو يسوى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمسحاة فى يده الحديث ، ينتج ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دفن في اليوم الذي قبض . على انه نهى ان يترك الميت و أمر بتعجيل الدفن الا لضرورة اقتضت خلافه حتى يحصل العلم الذي تطمئن به النفس و لا أقل ان يكون الامر بالتعجيل للاستحباب ان لم نقل بوجوبه و النهى للكراهة لا للحرمة ففي الوافي للفيض نقلا عن الكافي و التهذيب و الفقيه عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا معشر النّاس لا الفينّ رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتكم طلوع الشمس و لا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم اللّه قال النّاس و أنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه . و فيه نقلا عن الاولين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا مات الميّت أوّل النهار فلا يقيل إلاّ في قبره . و فيه نقلا عن الثالث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كرامة الميت تعجيله . و لم يكن موته صلّى اللّه عليه و آله مشتبها حتى يتربص في تجهيزه ثلاثة أيام لحصول العلم [ 122 ] به و لا يقبل العقل السليم ان يبقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ميتا يوم الاثنين و الثلثاء و الأربعاء و أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام حاضر لا يقوم بتجهيزه و يتركه حتّى اربدّ بطنه صلّى اللّه عليه و آله و العجب من تلك الرواية المنقولة عن الطبري أنه لا يجترى‏ء أحد أن يكشف عن وجهه هل يقبله عاقل و يتسلم لبيب ان عليّا عليه السّلام لا يجتري في ذلك ، و أنصف الشارح المعتزلى فى المقام و قال : و كيف يبقى طريحا بين أهله ثلاثة أيام لا يجتري‏ء أحد منهم أن يكشف عن وجهه و فيهم علىّ بن أبيطالب و هو روحه بين جنبيه و العبّاس عمه القائم مقام أبيه و ابنا فاطمة و هما كولديه و فيهم فاطمة بضعة منه أفما كان فى هؤلاء من يكشف عن وجهه و لا من يفكر فى جهازه . و لا من يانف له من انتفاخ بطنه و اخضرارها و ينتظر بذلك حضور أبى بكر ليكشف عن وجهه انا لا اصدق ذلك و لا يسكن قلبى إليه . ثمّ قال ذلك الشارح : و بقى الاشكال فى قعود علىّ عليه السّلام عن تجهيزه و إذا كان اولئك مشتغلين بالبيعة فما الذي شغله هو فاقول يغلب على ظنى ان صح ذلك ان يكون قد فعله شناعة على أبى بكر و اصحابه حيث فاته الأمر و استوثر عليه به فأراد ان يتركه صلّى اللّه عليه و آله بحاله لا يحدث فى جهازه امرا ليثبت عند الناس ان الدّنيا شغلتهم عن نبيهم ثلاثة أيام حتى آل أمره إلى ما ترون و قد كان عليه السّلام يتطلب الحيلة فى تهجين أمر أبى بكر حيث وقع فى السقيفة ما وقع بكل طريق و يتعلق بأدنى سبب من امور كان يعتمدها و أقوال كان يقولها فلعل هذا من جملة ذلك ، أو لعله إن صحّ ذلك فانما تركه صلّى اللّه عليه و آله بوصيته منه اليه و سرّ كانا يعلمانه فى ذلك . فان قلت فلم لا يجوزان يقال ان صح ذلك انه اخر جهازه ليجتمع رأيه و رأى المهاجرين على كيفية غسله و كفنه و نحو ذلك من اموره ؟ قلت لأن الرواية الاولى يبطل هذا الاحتمال و هى قوله صلّى اللّه عليه و آله لهم قبل موته يغسلنى أهلى الادنى منهم فالادنى و اكفن فى ثيابى أو فى بياض مصر أو فى حلة يمنيّة انتهى . أقول كيف اجتري هذا الرجل ان يتفوه بذلك و كان له شيطان يعتريه [ 123 ] و الا فكيف نطق بأنّ عليّا عليه السّلام تركه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثة أيّام لذلك الغرض الذي بمراحل عنه عليه السّلام و هو شارح أقواله و عارف بأحواله فى الجملة و لا يخالف أحد فى أنّه عليه السّلام أزهد الناس و أعلمهم و أفضلهم و أتقاهم و أنّه طلق الدنيا ثلاثا و لا يعدّ مكارم أعماله و محاسن أخلاقه و فضائل أوصافه و مناقب آدابه كلّت ألسن الفصحاء عن توصيف مقامه الشاهق ، و حارت أفهام العقلاء فيه و كيف لا و هو كتاب اللّه الناطق ، و بالجملة لما كانت سخافة قول الرّجل و خرافته أظهر من الشمس فى رائعة النهار فلا يهمنا اطالة الكلام فى الرّد و الانكار ، و نستجير باللّه من الهواجس النّفسانيّة و الوساوس الشيطانيّة . قال ابن قتيبة الدينوري و هو من أكابر علماء العامة المتعصب جدّا فى مذهبه كما هو الظاهر لأهل التتبع و التفحص في حال الرجال في كتابه الامامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء « المتوفى سنة 276 » في إباية عليّ عليه السّلام بيعة أبي بكر : ثمّ إن عليّا عليه السّلام اتى به إلى أبي بكر و هو يقول : أنا عبد اللّه و أخو رسوله فقيل له بايع أبا بكر فقال عليه السّلام : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا ابايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الامر من الأنصار و احتججتم عليه بالقرابة من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و تأخذونه منّا أهل البيت غصبا ؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الامر منهم لما كان محمّد صلّى اللّه عليه و آله منكم فأعطوكم المقادة و سلموا إليكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار . نحن اولى اللّه برسول اللّه حيّا و ميّتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، و إلاّ فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون « إلى أن قال : » فقال عليه السّلام : اللّه اللّه يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه ، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أحق النّاس به لأنا أهل البيت و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارى‏ء لكتاب اللّه الفقيه فى دين اللّه ، العالم [ 124 ] بسنن رسول اللّه ، المضطلع بأمر الرعيّة المدافع عنهم الامور السيئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، و اللّه إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل اللّه فتزدادوا من الحق بعدا . فقال بشير بن سعد الأنصارى لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان . قال : و خرج عليه السّلام يحمل فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل و لو أنّ زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به فيقول عليّ عليه السّلام : أفكنت أدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بيته لم أدفنه ، و أخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة عليها السّلام : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغى له و لقد صنعوا ماللّه حسيبهم و طالبهم . و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في مرثية سيد المرسلين : نفسى على زفراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة و انما ابكى مخافة ان تطول حياتي و اسند إلى فاطمة عليها السّلام في مرثية أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكيا انوح و اشكو لا اراك مجاوبى فيا ساكن الصحراء علّمتنى البكا و ذكرك انسانى جميع المصائب فان كنت عنى فى التراب مغيبا فما كنت عن قلب الحزين بغائب . و قالت عليها السلام فى رثاه صلّى اللّه عليه و آله و ندبته بقولها يوم موته و بعده بألفاظ منها : يا أبتاه جنة الخلد مثواه ، يا أبتاه عند ذى العرش مأواه ، يا أبتاه كان جبريل يغشاه يا أبتاه لست بعد اليوم أراه . فى الكافى للكلينى ( ره ) عن أبى عبد اللّه عليه السّلام قال : لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاءهم جبرئيل عليه السّلام و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسجّى و فى البيت عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة « كلّ نفس ذائقة الموت [ 125 ] و انما توفون اجوركم يوم القيمة فمن زحزح عن النار و ادخل الجنّة فقد فاز و ما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور » ان فى اللّه تعالى عزاء من كلّ مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا مما فات فباللّه فثقوا و اياه فارجوا فان المصاب من حرم الثّواب هذا آخر وطيى من الدنيا قالوا سمعنا الصوت و لم نر الشخص . الترجمة از كلام آن بزرگوار است ، در حالى كه مباشر غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تكفين و تدفين او بود فرموده است : پدر و مادرم فداى تو باد هر آينه بموت تو نبوّت و خبر دادن بحقائق و وحى آسمانى قطع شد كه بموت ديگر پيغمبران قطع نشده بود « زيرا آنحضرت خاتم انبياء است و تا قيام قيامت شريعت او منسوخ نميشود و ديگر بر كسى كتاب آسمانى وحى نميشود » ، مصيبت تو مصيبت مخصوص و ممتازى است كه ديگر مصيبتها را تسلّى دهنده است و عام است كه همه آدميان را فرا گرفت و هيچكس از آن فارغ نيست ، و اگر امر بشكيبائى و نهى از بيتابى نميفرمودى هر آينه آب چشم را « كه از درزهاى كاسه سر فرود ميآيد و از مجراى عين خارج ميشود » در مصيبت تو تمام ميكرديم ، و هر اينه درد و غم پيوسته همدم بود « و در بر طرف شدن مماطله و امروز و فردا ميكرد » و اندوه و الم هم قسم و ملازم بود ، و اين درد پيوسته و اندوه هميشه براى تو اندكست « يا آن گونه گريستن و همدم اندوه و ماتم بودن براى تو اندكست » و براى بيش از اين سزاوار و درخورى . و لكن مرگ تو چيزيست كه ردّ آن مقدور كسى نيست و دفع آن در استطاعت احدى نه ، « و يا اينكه : آن مقدار كه گريستيم و با غم و اندوه همدم بوديم دفع آن ميسور نبود ، به بيانى كه در شرح گفته‏ايم » . [ 126 ] و من كلامه عليه السّلام اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبى صلّى اللّه عليه و آله ثم لحاقه به فجعلت أتبع مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطأ ذكره حتّى انتهيت إلى العرج « في كلام طويل » . « قال الرضى ( ره ) » : قوله عليه السّلام : فأطا ذكره من الكلام الذي رمى به إلى غايتى الايجاز و الفصاحة ، و أراد أننى كنت اعطى خبره صلّى اللّه عليه و آله من بدء خروجى إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة . اللغة ( جعلت ) أى اخذت و شرعت ( مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ) أى الصوب الّذي سلكه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هجرته من مكّة إلى المدينة . ( اطأ ) من وطئت الشى‏ء برجلى وطا ، سقطت الواو فيه و فى اخواته ، قال الجوهري فى الصحاح سقطت الواو من يطأ كما سقطت مع يسع لتعدّيهما لأن فعل يفعل مما اعتل فاؤه لا يكون إلاّ لازما فلمّا جاءه من بين أخواتهما متعديين خولف بهما نظائرهما . و فى بعض النسخ « قاطّا » مكان « فاطا » و كانه تصحيف لأن القطّ كما قال الخليل : فصل الشى‏ء عرضا ، يقال قططت الشى‏ء اقطه إذا قطعته عرضا و منه قط القلم ، كما قيل فى عليّ عليه السّلام كان يقطّ الهام قطّ الاقلام ، لكنه لا يناسب المقام و ان تكلف و تعسف بعض فى تفسيره . ( العرج ) بفتح أوله و سكون ثانيه و هو كما قال الجوهري في الصحاح و غيره [ 127 ] منزل بطريق مكّة و إليه ينسب العرجىّ الشاعر و هو عبد اللّه بن عمر بن عثمان ابن عفّان و هو أحد الأمكنة التى وقع فى طريقه صلّى اللّه عليه و آله فى هجرته و هو قريب من المدينة كما يأتى ذكر طريقه صلّى اللّه عليه و آله فى هجرته و لذا قال عليه السّلام : حتّى انتهيت إلى العرج و فى النسخ المطبوعة من النهج اعرب العرج بفتح الراء و الصواب سكونها كما ذكرنا ، قال زراح بن ربيعة فى قصيدة له 1 و جاوزن بالركن من ورقان و جاوزن بالعرج حيا حلولا الاعراب الظاهر أن كلمة حتّى متعلقة بكلّ واحد من اتبع و أطأ و لا تختصّ بالأخير . المعنى يقتص و يروى فى هذا الفصل حاله فى خروجه من مكة إلى المدينة بعد هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان قد تخلف عنه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة لقضاء دينه و ردّ ودائعه و ما أمره به ثمّ لحق به فى قباء راجلا و قد تورمت قدماه و قد نزل على كلثوم بن هدم حيث نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليه ثمّ جاء معه صلّى اللّه عليه و آله المدينة و نزلوا على أبى أيّوب الأنصاري كما يأتى شرحه . ( فجعلت اتبع مأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ) يعنى به خرجت من مكّة زادها اللّه شرفا مهاجرا إلى المدينة فأخذت أتبع الطريقة و الجهة التى سلكها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يأتى فى طريقه أنّه صلّى اللّه عليه و آله أتى العرج و قال علىّ عليه السّلام : حتّى انتهيت إلى العرج فسلك تلك الجهة و خرج على ذلك الطريق و ايتسى به في ذلك أيضا . ( فاطأ ذكره ) اغنانا بشرحه كلام الرضى ( ره ) في بيانه و لا حاجة إلى التطويل . ( حتّى انتهيت إلى العرج ) أى انني كنت اعطى خبره من بدء خروجي من ----------- ( 1 ) السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 127 طبع مصر 1375 ه . [ 128 ] مكّة ثمّ اطا الطريق على النحو الذى اخبرت في سيره و جهته يعني اني لازمت ذلك الطريق الّذي سلكه صلّى اللّه عليه و آله على حذوه غير مفارق اياه حتّى انتهيت على ذلك المسير إلى العرج و الظاهر انه عليه السّلام لما وصل إليه اطمأن قلبه على أنه ورد المدينة سالما لأن ذلك المكان كان قريبا منها و لذا قال حتى انتهيت إلى العرج . الكلام فى هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى المدينة و ما جرى فى ذلك على الايجاز « بدء اسلام الانصار » في السيرة الهشاميّة و في تاريخ الطبري : لما أراد اللّه عزّ و جلّ اظهار دينه و إعزاز نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و انجاز موعده له خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الموسم الّذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد اللّه بهم خيرا . لما لقيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لهم : من انتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج ، قال : أمن موالى يهود ؟ قالوا : نعم ، قال : أفلا تجلسون اكلّمكم ؟ قالوا : بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى اللّه عزّ و جلّ و عرض عليهم الاسلام و تلا عليهم القرآن . و كان مما صنع اللّه بهم في الاسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم و كانوا أهل كتاب و علم و كانوا هم أهل الشرك و أصحاب أوثان و كانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شي‏ء قالوا لهم إن نبينا مبعوث الآن قد أظلّ زمانه تتّبعه فنقتلكم معه قتل عاد و إرم . فلما كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اولئك النفر و دعاهم إلى اللّه قال بعضهم لبعض يا قوم تعلموا و اللّه انه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنّكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه و قبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام و قالوا إنا قد تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم فعسى أن يجمعهم اللّه بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك و تعرض عليهم الّذي اجبناك إليه من هذا الدين فان يجمعهم اللّه عليه فلا [ 129 ] رجل أعزّ منك . ثمّ انصرفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله راجعين إلى بلادهم و قد آمنوا و صدّقوا و هم ستة نفر من الخزرج . فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دعوهم إلى الاسلام حتّى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار الا و فيها ذكر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . « أمر العقبة الاولى » حتّى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنى عشر رجلا فلقوه بالعقبة و هي العقبة الاولى فبايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على بيعة النساء 1 و ذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب . قال عبادة بن الصامت : بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة العقبة الاولى على أن لا نشرك باللّه شيئا و لا نسرق و لا نزني و لا نقتل أولادنا و لا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا و أرجلنا و لا نعصيه في معروف ، فان وفيتم فلكم الجنّة ، و إن غشيتم من ذلك شيئا فاخذتم بحدّه في الدّنيا فهو كفارة له ، و إن سترتم عليه يوم القيامة فأمركم إلى اللّه عزّ و جلّ إن شاء عذّب و إن شاء غفر . فلمّا انصرف عنه القوم بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله معهم مصعب بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف و أمره أن يقرأهم القرآن و يعلمهم الاسلام و يفقههم في الدّين فكان يسمّى المقرى بالمدينة مصعب . ----------- ( 1 ) و المراد من العبارة أنهم بايعوا رسول اللّه ( ص ) على الشروط التى ذكرت فى بيعة النساء فى الممتحنة : « يا أيها النبى اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللَّه شيئا و لا يسرقن و لا يزنين و لا يقتلن أولادهن و لا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن و أرجلهن و لا يعصينك فى معروف فبايعهن و استغفر لهن ان اللَّه غفور رحيم » . و كان بيعة النساء يوم فتح مكة لما فرغ النبى ( ص ) من بيعة الرجال و هو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الاية فشرط اللّه تعالى فى مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط . [ 130 ] « أمر العقبة الثانية » ثمّ إن مصعب بن عمير رجع إلى مكّة و خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجّاج قومهم من أهل الشرك حتّى قدموا مكّة فواعدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العقبة من أوسط أيّام التشريق حين أراد اللَّه بهم ما أراد من كرامته و النصر لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و إعزاز الاسلام و أهله و إذلال الشرك و أهله . و اجتمع في الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعون رجلا في اللّيلة الّتي كانوا و اعدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيها فبعد ما توثق العبّاس بن عبد المطلب و هو يومئذ على دين قومه للنّبي صلّى اللّه عليه و آله تكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتلا القرآن و دعا إلى اللّه و رغّب في الاسلام ثمّ قال : ابايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم ، فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال : نعم و الّذي بعثك بالحق نبيا لنمنعنّك ممّا نمنع منه ازرنا فبايعنا يا رسول اللّه فنحن و اللّه أبناء الحروب و أهل الحلقة و رثناها كابرا عن كابر . فاعترض القول و البراء يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، أبو الهيثم بن التّيهان فقال : يا رسول اللّه إن بيننا و بين الرّجال حبالا و انّا قاطعوها يعنى اليهود فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك اللّه أن ترجع إلى قومك و تدعنا ؟ فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم قال : بل الدم الدم و الهدم الهدم أنا منكم و أنتم منى احارب من حاربتم و اسالم من سالمتم . فبايعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر و الأسود أخذ لنفسه و اشترط على القوم لربّه و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنّة . « بيان » قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : بعثت إلى الأسود و الأحمر و هي من الألفاظ التي جائت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من باب الكنايات يريد بعثت إلى العرب و العجم فكنى عن العرب بالسود و عن العجم بالحمر ، و العرب تسمى العجمى أحمر لأن الشقرة تغلب عليه و قال جرير حيث يذكر العجم : يسموننا الأعراب و العرب اسمنا و أسماهم فينا رقاب المزاود [ 131 ] إنّما يسمونهم رقاب المزاود لأنها حمرة . نزول الامر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى القتال و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب و لم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى اللّه و الصبر على الأذى و الصفح عن الجاهل و كانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتّى فتنوهم عن دينهم و نفوهم من بلادهم فهم بين مفتون في دينه و من بين معذب في أيديهم و بين هارب في البلاد فرارا منهم ، منهم من بأرض الحبشة ، و منهم من بالمدينة و في كلّ وجه . فلما عتت قريش على اللّه عزّ و جلّ و ردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة و كذبوا نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و عذّبوا و نفوا من عبده و وحّده و صدّق نبيّه و اعتصم بدينه أذن اللّه عزّ و جلّ لرسوله صلّى اللّه عليه و آله في القتال و الانتصار ممّن ظلمهم و بغى عليهم فكانت أول آية انزلت في اذنه له في الحرب و احلاله له الدماء و القتال لمن بغى عليهم قول اللّه تعالى : « اذن للَّذين يقاتلون إلى قوله تعالى : و للَّه عاقبة الامور ( الحج آية 42 و 43 ) . فلمّا أذن اللّه تعالى له صلّى اللّه عليه و آله في الحرب و بايعه هذا الحىّ من الأنصار على الاسلام و النّصرة له و لمن اتبعه و آوى إليهم من المسلمين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه من المهاجرين من قومه و من معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة و الهجرة إليها و اللحوق من الأنصار ، و قال : إنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعل لكم إخوانا و دارا تأمنون بها فخرجوا ارسالا و أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكة ينتظر أن يأذن له ربّه في الخروج من مكّة و الهجرة إلى المدينة . و لم يتخلّف معه بمكّة أحد من المهاجرين إلاّ من حبس أو فتن إلاّ أمير المؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السّلام و أبو بكر بن أبي قحافة و كان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الهجرة فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : لا تعجل لعل اللّه يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر ان يكونه . [ 132 ] و لما رأت قريش أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد صارت له شيعة و أصحاب من غيرهم بغير بلدهم و رأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا و أصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عرفوا أنهم قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة و هي دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى أمرا إلاّ فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين خافوه . و عن عبد اللّه بن عبّاس لما أجمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدوا في اليوم الذي اتّعدوا له ، و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزّحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بتلة فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالّذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون و عسى أن لا يعدمكم منه رأيا و نصحا ، قالوا : أجل فادخل فدخل معهم و قد اجتمع فيها أشراف قريش و غيرهم ممّن لا يعدّ من قريش . فقال بعضهم لبعض إن هذا الرّجل قد كان من أمره ما قد رأيتم فانّا و اللّه ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا قال : فتشاوروا . ثمّ قال قائل منه : احبسوه في الحديد و اغلقوا عليه بابا ثمّ تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا و النابغة و من مضى منهم من هذا الموت حتّى يصيبه ما أصابهم ، فقال الشّيخ النجدي : لا و اللّه ما هذا لكم برأى و اللّه لئن حبستموه كما تقولون لخيرجنّ أمره من وراء الباب الّذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثمّ يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأى فانظروا في غيره فتشاوروا . ثمّ قال قائل منهم و هو أبو الاسود ربيعة بن عامر نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فاذا اخرج عنّا فو اللّه ما نبالي أين ذهب و لا حيث وقع إذا غاب عنّا و فرغنا منه فاصلحنا أمرنا و الفتنا كما كانت ، فقال الشّيخ النجدي : لا و اللّه ما [ 133 ] هذا لكم برأى ألم تروا حسن حديثه و حلاوة منطقه و غلبته على قلوب الرجال بما يأتى به و اللّه لو فعلتم ذلك ما امنتم أن يحلّ على حىّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله و حديثه حتّى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتّى يطأكم بهم في بلادكم فيأخذكم أمركم من أيديكم ثمّ يفعل بكم ما أراد ، دبّروا فيه رأيا غير هذا . قال : فقال أبو جهل بن هشام : و اللّه إن لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ، قالوا : و ما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى ان نأخذ من كلّ قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثمّ نعطى كلّ فتى منهم سيفا صارما ثمّ يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم ، قال : فقال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل هذا الرأى الّذي لا رأى غيره فتفرّق القوم على ذلك و هم مجمعون له . « خروج النبى صلّى اللّه عليه و آله و استخلافه عليا عليه السّلام على فراشه » فأتى جبرئيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال : فلمّا كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مكانهم قال لعليّ بن أبيطالب : نم على فراشى و تسجّ ببردى هذا الحضرميّ الأخضر فنم فيه فانّه لن يخلص إليك شي‏ء تكرهه منهم ، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينام في برده ذلك إذا نام . و لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام فقال و هم على بابه : إن محمّدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ثمّ بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الاردنّ ، و إن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثمّ بعثتم من بعد موتكم ثمّ جعلت لكم نار تحرقون فيها . و خرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخذ حفنة من تراب فى يده ثمّ قال أنا أقول [ 134 ] ذلك أنت أحدهم و أخذ اللّه تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم و هو يتلو هؤلاء الآيات من يس : يس و القرآن الحكيم إلى قوله : « فأغشيناهم فهم لا يُبصرون » حتّى فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هؤلاء الايات و لم يبق منهم رجل إلاّ و قد وضع على رأسه ترابا ثمّ انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال . ما تنتظرون هاهنا ؟ قالوا : محمّدا قال : خيّبكم اللّه قد و اللّه خرج عليكم محمّد ثمّ ما ترك منكم رجلا إلاّ و قد وضع على رأسه ترابا و انطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب ثمّ جعلوا يتطلعون فيرون عليّا على الفراش مستحبّا ببرد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيقولون : و اللّه إن هذا لمحمّد نائما عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام عليّ عليه السّلام عن الفراش فقالوا : و اللّه لقد كان صدقنا الّذي حدّثنا . أقول : فان قلت : إذا علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام لن يصيبه المكروه في منامه على الفراش حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له عليه السّلام : فنم فيه فانه لن يخلص إليك شي‏ء تكرهه و كان عليّا عليه السّلام على يقين من صدق قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فهل لعليّ في ذلك فضيلة و منقبة و كيف يكون كذلك مع انهما كانا عالمين بعدم اصابة مكروه لهما و كيف يصح ان يقال انّ عليّا بذل نفسه دون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وقاه بنفسه ؟ على أنّه ورد في أخبار الاماميّة ان الأئمّة الاثنى عشر يعلمون علم ما كان و ما يكون و لا يخفى عليهم شي‏ء كما جاء في ذلك باب في الكافي لثقة الاسلام الكليني و باب آخر إن اللّه تعالى لم يعلم نبيّه صلّى اللّه عليه و آله علما الا أمره أن يعلّمه أمير المؤمنين عليه السّلام و أنه كان شريكه في العلم ثمّ انتهى إليهم صلوات اللّه عليهم . و في هذا الباب عن الصّادق عليه السّلام ان جبرئيل أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برمانتين فأكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إحداهما و كسر الاخرى بنصفين فأكل نصفا و أطعم عليّا نصفا ثمّ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : يا أخى هل تدرى ما هاتان الرمّانتان ؟ قال : لا ، قال : أمّا الاولى فالنبوّة ليس لك فيها نصيب و أما الاخرى فالعلم أنت شريكى [ 135 ] فيه فقلت أصلحك اللّه كيف كان يكون شريكه فيه قال : لم يعلم اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما الا و أمره أن يعلمه عليا و غير ذلك من الأبواب المشتملة على الأخبار الّتي جيئت في علمهم بما كان و ما يكون . قلت : إنّ الأخبار الواردة في تلك الأبواب لا يدلّ على أن الأئمة الاثنى عشر كانوا عالمين بجميع ما يعلمه الامام الحىّ الّذي كان قبله ما دام ذلك الامام حيّا فلا يستفاد منها أن عليّا عليه السّلام كان عالما بجميع ما علمه الرسول صلّى اللّه عليه و آله مادام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيّا كما ورد في ذلك بابان آخران في الكافي أولهما باب وقت ما يعلم الامام جميع علم الامام الّذي قبله و ثانيهما باب أن الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه ، و الأخبار في هذين البابين مبيّنة و مخصّصة لتلك الأخبار في البابين الأولين ، كما روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام متى يعرف الأخير ما عند الأوّل قال في آخر دقيقة تبقى من روحه . عن صفوان قال : قلت للرضا عليه السّلام أخبرنى عن الامام متى يعلم أنه إمام حين يبلغه أن صاحبه قد مضى أو حين يمضى مثل أبي الحسن قبض ببغداد و أنت ههنا قال : يعلم ذلك حين يمضى صاحبه قلت : بأىّ شي‏ء ؟ قال : يلهمه اللّه . و من الأخبار الدالّة على ذلك رواية اخرى في الكافي في باب الاشارة و النص على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام : يحيى الحلبيّ عن بشير الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي توفى فيه : ادعوا لى خليلي ، فأرسلنا إلى أبويهما « يعنى أبوى عائشة و حفصة أبا بكر و عمر » فلما نظر إليهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعرض عنهما ثمّ قال : ادعوا لى خليلي فارسل إلى عليّ عليه السّلام فلما نظر إليه أكبّ عليه يحدّثه فلمّا خرج لقياه فقالا له ما حدّثك خليلك ؟ فقال : حدّثني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب . فبما ذكرنا دريت أن ليس بمعلوم قطعا أن عليا عليه السّلام كان في ليلة المبيت عالما بتّا على أن المشركين لا يقتلونه حيث نام على فراشه صلّى اللّه عليه و آله . على أن أنبياء اللّه و أولياءه لا يعلمون من عندهم شيئا و لا يقدرون بذاتهم على [ 136 ] شي‏ء و لا يطلعون على الغيب بل اللّه تعالى يظهرهم على غيبه عند المصلحة كظهور المعجزات في أيديهم كما نرى في كثير من الأخبار أن اناسا لمّا اتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سألوه عن أشياء و امور استمهلهم و انتظر الوحى في ذلك و لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى . و في المجمع للطبرسي : قيل إنّ أهل مكّة قالوا يا محمّد ألا يخبرك ربّك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتريه فنربح فيه و الأرض التى تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى أرض قد اخصبت فأنزل اللّه هذه الآية : « قل لا املك لنفسي نفعاً و لا ضرّاً إلا ما شاء اللَّه و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسّنى السوء إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يؤمنون » و في سورة الجن : « قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً . عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول » الآية . و قال اللّه تعالى : « ذلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت و لا قومك » الآية . و في الكافي في باب أنّهم لا يعلمون الغيب إلاّ أنهم متى شاؤا أن يعلموا اعلموا ، و في الوافي ص 137 م 2 ، عن أبي عبيدة المدائنى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إذا أراد الامام أن يعلم شيئا أعلمه اللّه عزّ و جلّ ذلك . و عن معمّر بن خلاد قال سأل أبا الحسن عليه السّلام رجل من أهل فارس فقال له أتعلمون الغيب ؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام : يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنّا فلا نعلم و قال : سرّ اللّه أسرّه إلى جبرئيل عليه السّلام و أسرّه جبرئيل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أسرّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى ما شاء اللّه . و نعم ما نظمه العارف السعدي في هذا المعنى : يكى پرسيد از آن گم گشته فرزند كه اى روشن روان پير خردمند ز مصرش بوى پيراهن شنيدى چرا در چاه كنعانش نديدى بگفت أحوال ما برق جهان است دمى پيدا و ديگر دم نهان است [ 137 ] گهى بر طارم أعلى نشينيم گهى تا پشت پاى خود نبينيم و أمّا ما نقلناه عن السيرة الهشامية من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام « نعم فيه فانه لن يخلص إليك شي‏ء تكرهه » فنقول فيه أوّلا انه ذكر ابن أبي الحديد المعتزلى في ضمن بعض الخطب الماضية عن شيخه أبي جعفر النقيب : هذا هو الكذب الصراح و التحريف و الادخال في الرواية ما ليس منها و المعروف المنقول أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له اذهب فاضطجع و تغش ببردي الحضرمي فان القوم سيفقدونني و لا يشهدون مضجعي فلعلّهم إذا رأواك يسكنّهم ذلك حتّى يصبحوا فاذا أصبحت فاغد في أداء أمانتي و ما قيل إنه صلّى اللّه عليه و آله قال له نم فيه فانه لن يخلص إليك شي‏ء تكرهه كلام مولد لا أصل له . و لو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه و قد وقع الاتفاق على أنّه ضرب و رمى بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتّى تضور و أنهم قالوا له رأينا تضورك فانا كنا نرمى محمّدا و لا يتضور . و لأن لفظة المكروه إن كان قالها إنما يراد بها القتل فهب أنه أمن القتل كيف يأمن من الضرب و الهوان و من أن ينقطع بعض أعضائه و بان سلمت نفسه أ ليس اللّه تعالى قال لنبيّه « بلّغ ما انزل إليك من ربك و ان لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللّه يعصمك من النّاس » و مع ذلك فقد كسرت رباعيّته و شج وجهه و ادميت ساقه و ذلك لأنها عصمة من القتل خاصّة و كذلك المكروه الّذي او من عليّ عليه السّلام منه إن كان صحّ ذلك في الحديث . و قال ابن ابي الحديد : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسني فقلت إذا كانت قريش قد محضت رأيها و القى إليها إبليس كما روى ذلك الرأى و هو أن يضربوه بأسياف من أيدي جماعة من بطون مختلفة ليضيع دمه في بطون قريش فلا تطلبه بنو عبد مناف فلما ذا انتظروا به تلك اللّيلة الصبح فانّ الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار فعاينوا فيها شخصا مسجّى بالبرد الحضرمي الأخضر فلم يشكوا أنه هو فرصدوه إلى أن أصبحوا فوجدوه عليا و هذا طريق لأنهم كانوا قد اجمعوا على قتله تلك الليلة فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجّى و انتظارهم [ 138 ] به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة . فقال في الجواب لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة و كان إجماعهم على ذلك و عزمهم في حقنه من بني عبد مناف لأن الّذين محضوا هذا الرأى و اتفقوا عليه النضر بن الحارث من بني عبد الدار و أبو البختري بن هشام و حكيم بن حزام و زمعة بن الأسود بن المطلب هؤلاء الثلاثة من بنى سهم ، و امية بن خلف و أخوه ابىّ بن خلف هذان من بني جمح فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فلقى منهم قوما فنهاهم عنه و قال إن بنى عبد مناف لا تمسك عن دمه و لكن صفدوه في الحديد و احبسوه في دار من دوركم و تربّصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء و كان عتبة بن ربيعة سيد بنى عبد شمس و رئيسهم و هم من بني عبد مناف و بنوعم الرجل و رهطه ، فاحجم أبو جهل و أصحابه تلك الليلة عن قتله احجاما ثم تسوروا عليه و هم يظنونه في الدار فلما رأوا انسانا مسجّى بالبرد الحضرمي الأخضر لم يشكّوا أنّه هو و ائتمروا في قتله فكان أبو جهل يذمرهم عليه فيهمون ثمّ يحجمون ثمّ قال بعضهم لبعض : ارموه بالحجارة فرموه فجعل على يتضوّر منها و يتقلّب و يتأوّه تأوّها خفيفا فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه و إحجام عنه لما يريده اللّه تعالى من سلامته و نجاته حتّى أصبح و هو وقيذ من رمى الحجارة و لو لم يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة و أقام بينهم بمكة و لم يقتلوه تلك الليلة لقتلوه في الليلة التي تليها و إن شبّت الحرب بينهم و بين عبد مناف فان أبا جهل لم يكن بالّذي ليمسك عن قتله و كان فاقد البصيرة شديد العزم على الولوع في دمه ثمّ قال : قلت للنقيب : أفعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام بما كان من نهى عتبة لهم ؟ . قال : لا إنّهما لم يعلما ذلك تلك الليلة و إنما عرفاه من بعد و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر لما رأى عتبة و دعا له ما كان منه ان يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر و لو قدّرنا أن عليّا علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلة في المبيت لأنّه لم يكن على ثقة من أنّهم يقبلون قول عتبة بل كان ظن الهلاك [ 139 ] و القتل أغلب . و كان ممّا أنزل اللّه عزّ و جلّ من القرآن في ذلك اليوم و ما كانوا أجمعوا له : و اذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك الاية ( يه 30 الانفال ) و قول اللّه عزّ و جلّ : أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون . قل تربصوا فانى معكم من المتربّصين ( يه 30 الطور ) . و أذن اللّه تعالى لنبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند ذلك في الهجرة و كان أبو بكر رجلا ذا مال و لما قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد اذن لى فى الخروج و الهجرة و صحبته اياه اعدّ راحلتين كان احتبسهما فى داره ثمّ استاجرا عبد اللّه بن أرقط يدلهما على الطريق فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما . فلما أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخروج أتى أبا بكر بن أبى قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر فى ظهر بيته ثمّ عمد إلى غار بثور جبل باسفل مكه و الغار هو الذي سماه اللّه فى القرآن فدخلاه و أمر أبو بكر ابنه عبد اللّه بن أبي بكر أن يتسمع لها ما يقول النّاس فيهما نهاره ثمّ يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر ، و أمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثمّ يريحها عليهما يأتيهما إذا أمسى فى الغار ، و كانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما . فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الغار ثلاثا و معه أبو بكر و جعلت قريش فيه حين فقدوه مأة ناقة لمن يردّه عليهم و كان عبد اللّه بن أبى بكر يكون فى قريش نهاره معهم يسمع ما يأتمرون به و ما يقولون فى شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبى بكر ثمّ يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر و كان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى فى رعيان أهل مكة فاذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا و ذبحا فاذا عبد اللّه بن أبى بكر غدا من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتّى يعفّى عليه حتّى إذا مضت الثلاث و سكن عنهما النّاس و هدأت عنهما الأصوات أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما و بعير له [ 140 ] فلما قرّب أبو بكر الراحلتين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله‏صلى اللّه عليه و آله قدّم له أفضلهما ثمّ قال : اركب فداك أبى و امى ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنى لا أركب بعيرا ليس لى قال : فهى لك يا رسول اللّه ، قال : لا و لكن ما الثمن الّذي ابتعتها به قال : كذا و كذا قال : قد أخذتها به ، قال : هى لك يا رسول اللّه فركبا و انطلقا و اردف أبو بكر عامر ابن فهيرة مولاه خلفه ليخدمهما فى الطريق ، فكانوا أربعة : رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر و عامر بن فهيرة مولا أبي بكر و عبد اللّه بن أرقط دليلهما ، و احتمل أبو بكر معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف . كل ذلك نقلناه عن السيرة لابن هشام و تاريخ الطبري . و فى المجمع فى قوله تعالى و إذ يمكر بك الذين كفورا ليثبتوك ( الانفال آية 30 ) : قال المفسرون إنها نزلت فى قصة دار الندوة « إلى أن قال : » و جاء جبرئيل فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج إلى الغار و أمر عليّا عليه السّلام فبات على فراشه فلمّا أصبحوا و فتشوا عن الفراش و جدوا عليّا عليه السّلام و قدرد اللّه مكرهم فقالوا أين محمّد ؟ فقال : لا أدرى فاقتصوا أثره و ارسلوا فى طلبه فلما بلغوا الجبل و مروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثا ثمّ قدم المدينة . و قال فى قوله تعالى الاّ تنصروه فقد نصره اللَّه إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان اللَّه معنا فأنزل اللَّه سكينته عليه و أيّده بجنود لم تروها و جعل كلمة الّذين كفروا السفلى و كلمة اللَّه هى العليا و اللَّه عزيز حكيم » التوبة 40 : قال الزهري لما دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أبو بكر الغار ارسل اللَّه زوجا من حمام حتّى باضافى اسفل الثقب و العنكبوت حتّى تنسج بيتا فلما جاء سراقة بن مالك فى طلبهما فرآى بيض الحمام و بيت العنكبوت قال لو دخله أحد لانكسر البيض و تفسخ بيت العنكبوت فانصرف ، و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اللّهم أعم أبصارهم ، فعميت أبصارهم عن دخوله و جعلوا يضربون يمينا و شمالا حول الغار ، و قال أبو بكر : لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا . و روى علىّ بن إبراهيم بن هاشم قال : كان رجل من خزاعة فيهم يقال له [ 141 ] أبو كرز فما زال يقفو أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حتى وقف بهم على باب الغار فقال لهم : هذا قدم محمّد هى و اللَّه اخت القدم التى فى المقام ، و قال هذه قدم أبى قحافة أو ابنه و قال : ما جازوا هذا المكان اما أن يكونوا قد صعدوا فى السماء أو دخلوا فى الأرض و جاء فارس من الملائكة فى صورة الانس فوقف على باب الغار و هو يقول لهم : اطلبوه فى هذه الشعاب و ليس ههنا و كانت العنكبوت نسجت على باب الغار و نزل رجل من قريش فبال على باب الغار فقال أبو بكر قد أبصرونا يا رسول اللَّه ، فقال صلّى اللَّه عليه و آله لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم . ثمّ قال : و قال بعضهم : يجوز أن تكون الهاء الّتى فى « عليه » راجعة إلى أبى بكر و هذا بعيد ، لأنّ الضمائر قبل هذا أو بعده تعود إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بلا خلاف ، و ذلك فى قوله « إلاّ تنصروه فقد نصره اللَّه » و فى قوله « إذ أخرجه » و قوله « لصاحبه » و قوله فيما بعده « و ايّده » فكيف يتخلّلها ضمير عائد إلى غيره هذا و قد قال سبحانه فى هذه السورة ثمّ انزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين و قال فى سورة الفتح فانزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين و قد ذكرت الشيعة فى تخصيص النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فى هذه الآية بالسكينة كلاما رأينا الاضراب عن ذكره أحرى لئلا ينسبنا ناسب إلى شي‏ء . انتهى . أقول : و سيأتى طائفة من ذلك الكلام بعد ذا . و قال فى قوله تعالى : و من الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات اللَّه و اللَّه رؤف بالعباد ( يه 206 البقرة ) : روى السّدي عن ابن عبّاس قال : نزلت هذه الآية فى علىّ بن أبيطالب حين هرب النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عن المشركين إلى الغار و نام علىّ عليه السّلام على فراش النبىّ صلّى اللَّه عليه و آله و نزلت هذه الآية بين مكّة و المدينة ، و روي أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرائيل ينادى بخ بخ من مثلك يا ابن أبيطالب يباهى اللَّه بك الملائكة . قال المفيد ( ره ) في الارشاد في اختصاص أمير المؤمنين عليه السّلام بمناقب كثيرة : [ 142 ] و من ذلك أن النّبي صلّى اللَّه عليه و آله لما امر بالهجرة عند اجتماع الملاء من قريش على قتله فلم يتمكن صلّى اللَّه عليه و آله من مظاهرتهم بالخروج عن مكة و أراد صلّى اللَّه عليه و آله الاستسرار بذلك و تعمية خبره عنهم ليتمّ الخروج على السلامة منهم ألقى خبره إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و استكتمه إياه و كلّفه الدفاع عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا يعلمون أنه هو البائت على الفراش و يظنون أنّه النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بايتا على حالته الّتي كان يكون عليها فيما سلف من الليل ، فوهب أمير المؤمنين عليه السّلام نفسه للَّه تعالى و شراها من اللَّه تعالى في طاعته و بذلها دون نبيّه صلوات اللَّه و سلامه عليه و آله لينجوبه من كيد الأعداء و يتمّ له بذلك السّلامة و البقاء و ينتظم له به الغرض في الدعاء إلى الملّة و إقامة الدين و إظهار الشريعة . فبات عليه السّلام على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله متستّرا بازاره و جاءه القوم الّذين تمالئوا على قتل النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فأحدقوا به و عليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه فرغا بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل و لا يتم لهم الأخذ بثاره منهم لاشتراك الجماعة في دمه و قعود كلّ قبيل عن قتال رهطه و مباينة أهله ، فكان ذلك سبب نجاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و حفظ دمه و بقائه حتّى صدع بأمر ربّه صلّى اللَّه عليه و آله . و لولا أمير المؤمنين عليه السّلام و ما فعله من ذلك لما تمّ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله التبليغ و الأداء و لا استدام له العمر و البقاء ، و لظفر به الحسدة و الأعداء فلما أصبح القوم و أرادوا الفتك به عليه السّلام ثار إليهم و تفرقوا حين عرفوه و انصرفوا و قد ضلّت حيلهم في النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و انتقض ما بنوه من التدبير في قتله ، و خابت ظنونهم و بطلت آمالهم . و كان بذلك انتظام الايمان ، و إرغام الشيطان ، و خذلان أهل الكفر و العدوان و لم يشرك أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه المنقبة أحد من أهل الاسلام ، و لا احيط بنظير لها على حال و لا مقارب لها في الفضل بصحيح الاعتبار ، و في أمير المؤمنين عليه السّلام و مبيته على الفراش انزل اللَّه سبحانه و من النّاس من يشرى نفسه الآية . ثمّ قال المفيد في الارشاد أيضا في الفصل الآخر : و من ذلك انّ النبىّ صلّى اللَّه عليه و آله [ 143 ] كان أمين قريش على ودائعهم فلما فجأه من الكفار ما احوجه إلى الهرب من مكّة بغتة لم يجد في قومه و أهله من يأتمنه علي ما كان مؤتمنا عليه سوى أمير المؤمنين عليه السّلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلى أربابها و قضاء ما كان عليه من دين لمستحقّيه و جمع بناته و نساء أهله و أزواجه و الهجرة بهم إليه و لم ير انّ أحدا يقوم مقامه في ذلك من كافة النّاس فوثق بأمانته و عوّل على نجدته و شجاعته و اعتمد في الدفاع عن أهله و حامّته على بأسه و قدرته و اطمأنّ إلى ثقته على أهله و حرمه و عرف من ورعه و عصمته ما تسكن النفس معه إلى أمانته على ذلك فقام عليّ عليه السّلام به أحسن القيام و ردّ كلّ وديعة إلى أهلها و اعطى كلّ ذى حقّ حقه و حفظ بنات نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله و حرمه و هاجر بهم ماشيا على قدميه يحوطهم من الاعداء و يكلاءهم من الخصماء و يرفق بهم في المسير حتّى أوردهم عليه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة على اتم صيانة و حراسة و رفق و رأفة و حسن تدبير فأنزله النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عند وروده المدينة داره و احلّه قراره و خلطه بحرمه و أولاده و لم يميّزه من خاصّة نفسه و لا احتشمه في باطن امره و سرّه و هذه منقبة توحّد بها عليه السّلام من كافة أهل بيته و أصحابه و لم يشركه فيها أحد من اتباعه و اشياعه و لم يحصل لغيره من الخلق فضل سواها يعادلها عند السبر و لا يقاربها على الامتحان . و روى الثعلبي في تفسيره و الغزالى في الاحياء في بيان الايثار و فضله و غيرهما من أعاظم الفريقين : انه لما بات عليّ عليه السّلام على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله اوحى اللَّه سبحانه إلى جبرئيل و ميكائيل انى قد آخيت بينكما و جعلت عمر احدكما اطول من الآخر فايّكما يؤثر أحد كما بالحياة ؟ فاختار كلاهما الحياة فاوحي اللَّه اليهما ألا كنتما مثل عليّ بن أبيطالب عليه السّلام آخيت بينه و بين محمّد نبيّي صلّى اللَّه عليه و آله فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه فهبطا إليه فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه فقال جبرئيل بخ بخ من مثلك يا ابن أبيطالب يباهي اللَّه بك الملائكة فانزل اللَّه تعالى و من النّاس من يشرى نفسه الاية و العجب ما في انسان العيون في سيرة الامين و المأمون المعروف بالسيرة [ 144 ] الحلبية تأليف عليّ بن برهان الدّين الحلبيّ الشافعي نقلا من ابن تيمية من ان هذا الحديث اعني ما اوحى اللَّه إلى الملكين كذب باتفاق أهل العلم بالحديث . أقول : و لعلّ وجه تكذيبه الحديث انه ينافي نص الكتاب العزيز حيث قال عزّ من قائل في سورة التحريم : لا يعصون اللَّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و في عبس : بأيدي سفرة . كرام بررة و كذا ينافي الاخبار الاخر القائلة بانهم لا يعصون اللَّه طرفة عين و لا يغشاهم سهو العقول و نحوها . فتأمل و اللَّه أعلم . و في الكافي للكليني قدس سره عن سعيد بن المسيب سأل علىّ بن الحسين عليهما السّلام عن علىّ عليه السّلام إلى أن قال عليه السّلام و خلف عليّا فى امور لم يكن يقوم بها أحد غيره و كان خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله من مكّة فى أوّل يوم من شهر ربيع الأوّل و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث و قدم صلّى اللَّه عليه و آله المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل مع زوال الشمس فنزل بقبا فصلى الظهر ركعتين و العصر ركعتين ثمّ لم يزل مقيما ينتظر عليّا عليه السّلام يصلى الخمس صلوات ركعتين ركعتين و كان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلا و مسجدا فيقول لا إني أنتظر عليّ بن أبيطالب و قد أمرته أن يلحقني و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علىّ . إلى أن قال : قال سعيد بن المسيب لعليّ بن الحسين عليهما السّلام جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حين أقبل المدينة فأين فارقه ؟ فقال : إنّ أبا بكر لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلى قبا فنزل بهم انتظر قدوم عليّ عليه السّلام فقال له أبو بكر انهض بنا إلى المدينة فان القوم قد فرحوا بقدومك و هم يستريثون اقبالك اليهم فانطلق بنا و لا تقم ههنا تنتظر عليّا فما أظنه يقدم عليك إلى شهر ، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كلاّ ما اسرعه و لست اريم حتى يقدم ابن عمي و اخي في اللَّه تعالى و احبّ أهل بيتي إلىّ فقد وقانى بنفسه من المشركين قال : فغضب عند ذلك أبو بكر و اشمأز و داخله من ذلك حسد لعلىّ عليه السّلام و كان ذلك أول عداوة بدت منه [ 145 ] لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في عليّ عليه السّلام و أول خلاف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فانطلق حتّى دخل المدينة و تخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بقبا حتّى ينتظر عليا عليه السّلام الحديث . و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام : وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر رسول اله الخلق اذ مكروا به فنجاه ذو الطول الكريم من المكر و بتّ اراعيهم متى ينشرونني و قد وطّنت نفسي على القتل و الاسر و بات رسول اللَّه في الغار آمنا موقى و في حفظ الاله و في ستر اقام ثلاثا ثمّ زمّت قلائص قلائص يفرين الحصى اينما يفرى اردت به نصر الإله تبتّلا و اضمرته حتّى اوسّد في قبري طريقه صلّى اللَّه عليه و آله فى هجرته من مكة الى المدينة في السيرة النبوية لابن هشام و في التاريخ للطبري : فلما خرج بهما دليلهما عبد اللَّه بن ارقط سلك بهما اسفل مكّة . ثمّ مضى بهما على الساحل حتّى عارض الطريق اسفل من عسفان ، ثمّ سلك بهما على اسفل امج ، ثمّ استجاز بهما حتّى عارض بهما الطريق بعد ان أجاز قديدا ثمّ اجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرّاز ، ثمّ سلك بهما ثنيّة المرّة ، ثمّ سلك بهما لقفا ، ثمّ اجاز بهما مدلجة لقف ، ثم استبطن بهما مدلجة محاج ، ثمّ سلك بهما مرجح محاج ، ثمّ تبطّن بهما مرجح من ذي الغضوين ، ثمّ بطن ذى كشر . ثم اخذ بهما على الجداجد ، ثمّ على الاجرد ، ثمّ سلك بهما ذا سلم ، ثمّ على العبابيد ، ثمّ اجاز بهما الفاجّة ، ثم هبط بهما العرج ثمّ خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنيّة العائر حتى هبط بهما بطن رئم ثمّ قدم بهما قباء لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين حين اشتدّ الضحاء ، و كادت الشمس تعتدل و نزل على كلثوم بن هدم فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الاربعاء و يوم الخميس و اسّس مسجده ثمّ خرج من قبا إلى المدينة و نزل على أبي أيّوب الأنصاري [ 146 ] و لا يسع المقام ذكره على التفصيل و اقام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بمكّة ثلاث ليال و أيّامها حتّى ادّى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الودائع الّتي كانت عنده للناس حتّى إذا فرغ منها لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فنزل معه صلّى اللَّه عليه و آله على كلثوم بن هدم في قباء . قال المسعودى في مروج الذهب : فخرج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من مكّة و معه أبو بكر و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و عبد اللَّه بن أرقط الدئلي دليل بهم على الطريق و لم يكن مسلما و كان مقام علىّ بن أبيطالب بعده بمكة ثلاثة أيام إلى أن أدى ما أمر بأدائه ثمّ لحق بالرسول صلّى اللَّه عليه و آله و كان دخوله عليه السّلام إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل ، فأقام بها عشر سنين كوامل و كان نزوله عليه السّلام في حال موافاته المدينة بقبا على سعد بن خيثمة و كان مقامه بقباء يوم الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و سار يوم الجمعة ارتفاع النهار و أتته الأنصار حيّا حيّا يسأله كلّ فريق النّزول عليه و يتعلقون بزمام راحلته و هى تجذبه فيقول صلّى اللَّه عليه و آله خلوا عنها فانها مأمورة حتّى أدركته الصلاة في بني سالم فصلى بهم يوم الجمعة و كانت تلك أوّل جمعة صليت في الاسلام و هذا موضع تنازع الفقهاء في العدد الّذي بهم تتم صلاة الجمعة فذهب الشافعي في آخرين معه إلى أن الجمعة لا تجب إقامتها حتّى يكون عدد المصلين أربعين فصاعدا و أقل من ذلك لا يجزي و خالفه غيره من الفقهاء من أهل الكوفة و غيرهم و كان في بطن الوادي المعروف بوادي رائوناء إلى هذه الغاية . أقول : في كتاب إنسان العيون في سيرة الأمين و المأمون المعروف بالسيرة الحلبيّة تأليف عليّ بن برهان الدين الحلبي الشافعي ، و عند مسيره صلّى اللَّه عليه و آله إلى المدينة أدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي بمن معه من المسلمين و هم مأة و صلاها بعد ذلك في المدينة و كانوا به صلّى اللَّه عليه و آله أربعين فعن ابن مسعود أنه صلّى اللَّه عليه و آله جمع بالمدينة و كانوا أربعين رجلا أى و لم يحفظ أنه صلاها مع النقض عن هذا العدد و من حينئذ صلّى الجمعة في ذلك المسجد سمّى هذا المسجد بمسجد الجمعة و هو على يمين السالك نحو قباء فكانت أوّل جمعة صلاها بالمدينة « إلى أن [ 147 ] قال : » و كان هو صلّى اللَّه عليه و آله بالمدينة يخطب الجمعة بعد أن يصلّى مثل العيدين فبينما هو يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير دحية الكلبي و كان إذا قدم يخرج أهله للقائه بالطبل و اللهو و يخرج النّاس للشراء من طعام تلك العير فانفض الناس و لم يبق معه صلّى اللَّه عليه و آله إلا نحو اثنى عشرة رجلا . و في كنز العرفان للفاضل المقداد : فخرج النّاس فلم يبق في المسجد الا اثنى عشر رجلا ، و عن ابن عبّاس لم يبق الا ثمانية ، و عن ابن كيسان أحد عشر . و في السيرة الهشاميّة لم يذكر عددهم . و قال الجصّاص الحنفي في أحكام القرآن : و اختلفوا فى عدد من تصحّ به الجمعة من المأمومين : أبو حنيفة و زفر و محمّد و الليث ثلاثة سوى الإمام ، و روى عن أبى يوسف اثنان سوى الإمام و به قال الثورى ، و قال الحسن بن صالح إن لم يحضر الإمام الا رجل واحد فخطب عليه و صلّى به أجزأهما ، و أما مالك فلم يجد فيه شيئا و اعتبر الشافعي أربعين رجلا . ثمّ قال : روى جابر أن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان يخطب يوم الجمعة فقدم عير فنفر النّاس و بقى معه اثنا عشر رجلا فأنزل اللَّه تعالى : و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها و معلوم أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لم يترك الجمعة منذ قدم المدينة و لم يذكر رجوع القوم فوجب أن يكون قد صلّى باثنى عشر رجلا . و نقل أهل السير ان أوّل جمعة كانت بالمدينة صلاها مصعب بن عمير بأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله باثنى عشر رجلا و ذلك قبل الهجرة فبطل بذلك اعتبار الأربعين ، و أيضا الثلاثة جمع صحيح فهى كالأربعين لاتفاقهما فى كونهما جمعا صحيحا و ما دون الثلاثة مختلف فى كونه جمعا صحيحا فوجب الاقتصار على الثلاثة و اسقاط اعتبار مازاد ، انتهى . و فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : المالكية قالوا أقل الجماعة الّتى تنعقد بها الجمعة اثنا عشرة رجلا غير الامام . و الحنفية قالوا يشترط فى الجماعة التى تصح بها الجمعة أن تكون بثلاثة [ 148 ] غير الامام . الشافعية قالوا أن يكونوا أربعين و لو بالامام فلا تنعقد الجمعة بأقلّ من ذلك . و الحنابلة قالوا أن لا يقل عددهم عن أربعين و لو بالامام انتهى و قوله المالكية قالوا تنعقد الجمعة باثنى عشرة رجلا لا ينافى ما ذهب عن الجصاص و ما قاله الشيخ الطوسى ( ره ) فى الخلاف و لم يقدر مالك فى هذا شيئا كما لا يخفى . و هذه مذاهب العامّة فى عدد من تصح به الجمعة ، و عند أصحابنا الامامية لا تنعقد الجمعة بأقلّ من خمسة و الإمام أحدهم ، و تجب عليهم بسبعة و الإمام أحدهم قطعا و إنّما الكلام فى بلوغ العدد مع الامام خمسة هل تجب تخييرا و جوازا أو تجب عينا ، و ذلك لأن من أهل البيت عليهم السّلام فى العدد روايتين : ففى التهذيب باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام قال : تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقل منهم الامام و قاضيه و المدعى حقا و المدعى عليه و الشاهدان و الذي يضرب الحدود بين يدي الامام . و فيه عن البقباق عن أبى عبد اللَّه عليه السّلام قال : أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه . و فى الكافى و التهذيب عن زرارة كان أبو جعفر عليه السّلام يقول : لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الامام و أربعة . و فى الفقيه قال زرارة : قلت له عليه السّلام : على من تجب الجمعة ؟ قال : تجب على سبعة نفر من المسلمين و لا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الامام فاذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم . و فى التهذيب عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم الحديث . و كذا اخبار اخر بعضها يفيد أن الجمعة لا تنعقد بأقل من خمسة ، و بعضها يفيد أنها تنعقد من سبعة ، و لا تنافى بينهما لأن الخبر الذي يتضمن اعتبار سبعة أنفس [ 149 ] فهو على طريق الفرض و الوجوب ، و الخبر الأخير على طريق الندب و الاستحباب و على جهة الأولى و الأفضل كما فى التهذيبين و الخلاف ، و غيرها من أسفار الامامية من غير واحد من علمائنا ، و بالجملة هؤلاء قالوا بأن السبعة شرط للوجوب العينى و الخمسة للتخييري ، و هذا لا يخلو عندى من قوة . و قال آخرون إذا كانوا خمسة تجب عينا لا تخييرا و فى الرياض أنه قول الأكثر ، و اعلم أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة بلا خلاف فيه بيننا الامامية . ثمّ إن الامامية اختلفوا فى إقامة الجمعة فى زمن الغيبة فبعضهم أسقطوها لأن صلاة الجمعة عند حصول شرائطها لا تجب إلاّ عند حضور السلطان العادل أو من نصبه السلطان للصلاة و يعنون بالسلطان العادل الامام عليه السّلام ، و بعضهم أوجبوها عند الغيبة أيضا و هذا لا يخلو عندى من قوة و يكون مجزيا عن الظهر و الاختلاف بين الفقهاء فى مسائل الجمعة كثير و ليطلب فى الكتب الفقهيّة . المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار ثمّ آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار فقال تآخوا فى اللَّه أخوين أخوين ، ثمّ أخذ بيد علىّ بن أبيطالب عليه السّلام فقال : هذا أخى ، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله سيد المرسلين و امام المتقين و رسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير و لا نظير من العباد و علىّ بن أبيطالب عليه السّلام أخوين ، و كان حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و زيد بن حارثة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أخوين ، و جعفر بن أبيطالب و معاذ بن جبل أخوين ، و كذا غير واحد من المهاجرين و الأنصار أخوين على التفصيل المذكور فيهما . كلام ابن أبى جمهور الاحسائى فى المجلى قال السالك الموحد الفقيه المتكلم المتأله المرتاض الرّاوي للأحاديث [ 150 ] المرويّة عن الأئمة الهداة المعروف بابن أبى جمهور الاحسائى فى كتابه الجامع للاصول اليقينيّة و المنازل العرفانيّة بالبراهين العقليّة و النقلية المعروف بالمجلى ، فى أدلّة اثبات الخلافة لعلىّ بن أبيطالب عليه السّلام : و يوم المواخاة يوم مشهور و موقف معلوم مبناه على تمييز الأشباه و النظائر و الاطّلاع على الخصائص و الضمائر و لم تكن المواخاة يومئذ عن الهوى بل إنما هو وحى يوحى ، فواخى بين أصحابه فقرن كلّ شبه إلى شبهه ، و جعل كلّ نظير مع نظيره ، و لم يقرن بين عليّ عليه السّلام و بين أحد من الصحابة ، بل عدل به عن جميعهم ثمّ اختاره لنفسه و قرن بينه و بينه و ميزه من بينهم باخوته ، و شرفه عليهم بقربه ، إظهارا لشأنه و احتجاجا عليهم ببيان حاله و كان ذلك بوحى من اللَّه و نصّه فكان ذلك موجبا له استحقاق الولاية و القيام فيهم مقامه ، اذ كلّ أخ قائم مقام أخيه فيماله من المزايا ، فان الاخوة مشاكلة و مشابهة فى الصفات ، فيقال للشى‏ء أخو الشى‏ء إذ كان بينه و بينه مشابهة كلّية فى جميع صفاته ، و لما كانت الولاية من أجلّ الصفات الّتى كان صلّى اللَّه عليه و آله متصفا بها وجب أن يكون أخوه و مماثله و مشاكله موصوفا بها ، و إلا لما تحققت الاخوة و لا ثبت معناها و لم يكن للمماثلة و المشاكلة حينئذ معنى ، فتضيع الفائدة من ذلك الفعل الصّادر عن الحكيم بنصّ أحكم الحاكمين . فان قلت : يلزم على ما قرّرتموه إدخال النبوّة لأنها من جملة الصفات و هو خلاف الاجماع . قلت : النّبوة معلومة الاستثناء بالأصل لما ثبت عند الكل من عدم جواز المشاركة فيها لتحقق معنى الختم به فانحجب ما سواه عن بلوغ مرتبتها فلا تصحّ المشاركة و المماثلة فيها و يبقى ما عداها داخلا فى عموم الاخوة هذا مع ان الولاية المطلقة الثابتة له صلّى اللَّه عليه و آله كما عرفت أعلى و أجلّ و أعظم من مرتبة النّبوّة ما عرفت أن مقام الاولى مقام الوحدة و أن مقام الثانية مقام الكثرة و الوحدة أجلّ و أعلى من الكثرة ، فاذا ثبت أن الولاية له فقد ثبت له مقام الوحدة [ 151 ] الذي هو مبدء الكثرة . ثمّ إنّ الولاية الّتي هي مقام الوحدة الثّابت له باعتبار الاخوة يستلزم ثبوت مقام الكثرة بواسطة الرد إلى الخلق بعد المرور على مقام الوحدة الثابت له بقوله صلّى اللّه عليه و آله لعلىّ عليه السّلام يا عليّ إنك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلاّ أنك لست بنبيّ . فمقام النّبوّة الخاص بعد الولاية المطلقة استثنى و لم يستثن مقتضاه أعني الرد إلي الخلق لأنه إذا كان له مقام الولاية الخاصة كانت السياسة بيده و هي مقتضى الكثرة بواسطة إهداء الخلق و القيام عليهم بما يكلمهم و يصلح معاشهم و معادهم ، فلا يكون مقتضى مقام الكثرة مسلوبا عنه و ذلك هو مقتضي مقام النّبوة و لازمه لا هو ، فالواجب للوليّ هو مقتضى مقام النّبوّة و لازمه لا هو فما فاته عليه السّلام شي‏ء من معاني الاخوة و لا خصائص كمال الأخ سوا الاسم المحجوب عنه و عن كلّ ما سواه للمصلحة المقتضية لسلبه ، انتهى ما أردنا نقله من المجلى . قال العلامة الحليّ قدس سره في شرح تجريد الاعتقاد لنصير الحق و الملّة و الدين الخواجة الطوسي قدس اللّه روحه القدسي عند قوله : و عليّ عليه السّلام أفضل : اختلف النّاس ههنا فقال عمر و عثمان و ابن عمر و أبو هريرة من الصحابة : إنّ أبا بكر أفضل من علىّ عليه السّلام ، و به قال من التابعين الحسن البصري و عمرو بن عبيد و هو اختيار النظام و أبي عثمان الجاحظ ، و قال الزبير و المقداد و سلمان و جابر ابن عبد اللّه و عمّار و أبوذر و حذيفة من الصحابة : إنّ عليّا عليه السّلام أفضل ، و به قال من التابعين عطاء و مجاهد و سلمة بن كهيل ، و هو اختيار البغداديين كافة و الشيعة بأجمعهم و أبى عبد اللّه البصري ، و توقف الجبائيان و قاضي القضاة ، قال أبو على الجبائي ان صحّ خبر الطائر فعليّ أفضل . و نحن نقول : إن الفضائل إما نفسانية أو بدنية ، و عليّ عليه السّلام كان أكمل و أفضل من باقي الصحابة فيهما ، و الدليل على ذلك وجوه ذكرها المصنف رحمه اللّه « إلى أن قال في وجه الثامن عشر : » . [ 152 ] انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لما و اخي بين الصحابة و قرن كلّ شخص إلى مماثله في الشرف و الفضيلة رأى عليّا عليه السّلام متكدرا ( متفكرا خ ل ) فسأله عن سبب ذلك فقال : انك آخيت بين الصحابة و جعلتني متفردا ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : ألا ترضى أن تكون أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي ؟ فقال : بلى يا رسول اللّه ، فواخاه من دون الصحابة فيكون أفضل منهم . و قال الشاعر العارف الحكيم مجدود بن آدم السنائي في الحديقة بالفارسية : مرتضائى كه كرد يزدانش همره جان مصطفى جانش هر دو يكقبله و خردشان دو هر دو يكروح و كالبدشان دو دو رونده چو أختر گردون دو برادر چو موسى و هارون هر دو يكدرّ ز يك صدف بودند هر دو پيرايه شرف بودند تا نه بگشاد علم حيدر در ندهد سنّت پيمبر بر و قال فى ديوانه : آنكه او را بر سر حيدر همى خوانى أمير كافرم گر ميتواند كفش قنبر داشتن تا سليمان وار باشد حيدر اندر صدر ملك زشت باشد ديو را بر تارك أفسر داشتن چون هميدانى كه شهر علم را حيدر در است خوب نبود جز كه حيدر مير و مهتر داشتن كى روا باشد بناموس و حيل در راه دين ديو را بر مسند قاضى أكبر داشتن روى عمرو بن القناد عن محمّد بن فضيل عن أشعث بن سوار قال : سبّ عدى ابن أرطاة عليّا عليه السّلام على المنبر فبكى الحسن البصري و قال لقد سبّ هذا اليوم رجل انه لأخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الدّنيا و الآخرة . و روى عبد السلم بن صالح عن إسحاق الأزرق عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما زوج فاطمة دخل النساء عليها فقلن يا بنت رسول اللّه خطبك فلان و فلان فردّهم عنك و زوّجك فقيرا لا مال له ، فلما دخل عليها أبوها صلّى اللّه عليه و آله رأى ذلك فى وجهها فسألها فذكرت له ذلك ، فقال : يا فاطمة إنّ اللّه أمرنى [ 153 ] فأنكحتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما ، و ما زوّجتك إلاّ بأمر من السماء أما علمت أنّه أخى فى الدّنيا و الآخرة ؟ . الكلام فى أن مبيت على عليه السّلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منقبة لم يحصل لغيره من الخلق فضل يعادلها لا يخفى على ذى دراية أن مبيته عليه السّلام على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث وهب نفسه للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله فضيلة لا يقاس اليها بذل المال و نعم ما قيل : جادوا بأنفسهم فى حبّ سيّدهم و الجود بالنفس أقصى غاية الجود و للّه درّ قائله : مبيت علىّ بالفراش فضيلة كبدر له كلّ الكواكب تخضع و من أعرض عن ذلك و اعترض فيه فهو مكابر نفسه ، و ليلة المبيت متواتر لا يريبه عاقل و بذل علىّ عليه السّلام نفسه دون نبيه صلّى اللّه عليه و آله فى الليلة مسلم عند الكلّ و بلغ مبلغ الضرورة . و للمغفلين فى بذل أبى بكر طائفة من ماله و مصاحبته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعسفات استدلوا على ذلك من آية الغار و استنبطوا منها صورا مشوّهات و استمسكوا بتلك العرى الواهية على تفضيل من قال : اقيلونى فلست بخيركم و علىّ فيكم ، على من كلّت فيه ألسن العالمين . و آية الغار عندهم من أشهر الدلائل على فضل أبي بكر بستّة أوجه : الأوّل انّ اللّه تعالى جعله ثاني رسوله بقوله « ثاني اثنين » ، الثاني وصف اجتماعهما في مكان واحد بقوله « اذ هما فى الغار » ، الثالث جعله مصاحبا له صلّى اللّه عليه و آله بقوله « لصاحبه » الرابع قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له رحمة و محبة بقوله « لا تحزن » . الخامس ان اللّه كان لهما في التصرف و الاعانة على نسبة واحدة بقوله « انّ اللّه معنا » السادس نزول السكينة عليه بارجاع الضمير اليه دون الرسول صلّى اللّه عليه و آله . و للإماميّة رضوان اللّه عليهم في ردّ هذه الوجوه الستّة عليهم بل استدلالهم [ 154 ] على نقيض ما ذهبوا اليه مباحث رأينا الاعراض عنها ههنا أجدر و لكن نكتفى بذكر بعض ما أورده الشارح المعتزلي في المقام في المقام في ضمن بعض الخطب الماضي ناقلا عن الجاحظ ما تشمئزّ منها النفوس و يأبي عنها الفطرة السليمة و عن شيخه أبى جعفر في جوابها ما لا يخلو عن الانصاف و الاعتدال و نذكر بعض ما خطر ببالى فى المقام و اللّه ولىّ التوفيق و الهادي إلى خير السبيل . قال الشارح المعتزلى : قال الجاحظ : فان احتج محتج لعليّ عليه السّلام بالمبيت على الفراش فبين الغار و الفراش فرق واضح ، لأن الغار و صحبة أبي بكر للنّبي صلّى اللّه عليه و آله قد نطق به القرآن فصار كالصلاة و الزكاة و غيرهما ممّا نطق به الكتاب و أمر علىّ عليه السّلام و نومه على الفراش و إن كان ثابتا صحيحا إلاّ أنّه لم يذكر في القرآن و إنّما جاء مجى‏ء الروايات و السير و هذا لا يوازن هذا و لا يكائله . ثمّ قال : قال شيخنا أبو جعفر : هذا فرق غير مؤثر لأنه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش فلا فرق بينه و بين ما ذكر فى نص الكتاب و لا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة ، أرأيت كون الصلوات خمسا و كون زكاة الذهب ربع العشر و كون خروج الريح ناقضا للطهارة و أمثال ذلك مما هو معلوم بالتواتر حكمه هل هو مخالف لما نصّ فى الكتاب عليه من الأحكام ؟ هذا مما لا يقوله رشيد و لا عاقل . على أن اللّه تعالى لم يذكر اسم أبى بكر فى الكتاب و انما قال « إذ يقول لصاحبه » و إنما علمنا انه أبو بكر بالخبر و ما ورد فى السيرة و قد قال أهل التفسير إن قوله تعالى : و يمكر اللَّه و اللَّه خير الماكرين كناية عن علىّ عليه السّلام لأنه مكربهم و أوّل الآية و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر اللَّه و اللَّه خير الماكرين انزلت فى ليلة الهجرة و مكرهم كان توزيع السيوف على بطون قريش و مكر اللّه تعالى هو منام علىّ عليه السّلام على الفراش فلا فرق بين الموضعين فى أنهما مذكوران كناية لا تصريحا ، و قد روى المفسّرون كلّهم ان قول اللّه تعالى : و من الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات اللَّه انزلت [ 155 ] في عليّ عليه السّلام ليلة المبيت على الفراش فهذه مثل قوله تعالى : إذ يقول لصاحبه لا فرق بينهما . و قال : و قال الجاحظ : و فرق آخر و هو أنّه لو كان مبيت عليّ عليه السّلام على الفراش جاء مجى‏ء كون أبي بكر في الغار لم يكن له في ذلك كبير طاعة لأن الناقلين نقلوا أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له : نم فلن يخلص إليك شي‏ء تكرهه . و لم ينقل ناقل أنّه قال لأبي بكر في صحبته إيّاه و كونه معه في الغار مثل ذلك و لا قال له أنفق و أعتق فانك لن تفتقر و لن يصل إليك مكروه . ثمّ قال : و قال شيخنا أبو جعفر : هذا هو الكذب الصراح و التحريف و الادخال في الرّواية ما ليس منها و المعروف المنقول أنه صلّى اللّه عليه و آله قال له : اذهب فاضطجع في مضجعى و تغش ببردى الحضرمى فان القوم سيفقدوننى و لا يشهدون مضجعى فلعلّهم إذا رأوك يسكّنهم ذلك حتى يصبحوا فاذا أصبحت فاغد فى أداء أمانتى ، و لم ينقل ما ذكره الجاحظ و إنما ولّده أبو بكر الأصمّ و أخذه الجاحظ و لا أصل له . و لو كان هذا صحيحا لم يصل إليه منهم مكروه و قد وقع الاتفاق على أنّه ضرب و رمى بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضور ، و أنهم قالوا له : رأينا تضورك فانا كنا نرمى محمّدا و لا يتضور ، و لأن لفظة المكروه إن كان قالها إنما يراد بها القتل فهب أنه أمن القتل كيف يأمن من الضرب و الهوان و من أن ينقطع بعض أعضائه و بأن سلمت نفسه أليس اللّه تعالى قال لنبيّه بلّغ ما انزل إليك من ربّك و ان لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللَّه يعصمك من النّاس و مع ذلك فقد كسرت رباعيته و شجّ وجهه و ادميت ساقه و ذلك لانها عصمة من القتل خاصّة ، و كذلك المكروه الّذي او من علىّ عليه السّلام منه إن كان صحّ ذلك فى الحديث إنما هو مكروه القتل . ثمّ يقال له : و أبو بكر لا فضيلة له أيضا في كونه في الغار لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له « لا تحزن إنّ اللّه معنا » و من يكن اللّه معه فهو آمن لا محالة من كلّ سوء فكيف قلت و لم ينقل ناقل انه قال لأبي بكر في الغار مثل ذلك ، فكلّ ما يجب به عن هذا فهو جوابنا عمّا أورده فنقول له : هذا ينقلب عليك فى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّ اللّه تعالى [ 156 ] وعده بظهور دينه و عاقبة أمره فيجب على قولك أن لا يكون مثابا عند اللّه تعالى على ما يحتمله من المكروه و لا ما يصيبه من الاذى إذ كان قد ايقن بالسلامة و الفتح في عدته . و قال : قال الجاحظ : و من جحد كون أبي بكر صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد كفر ، لأنّه جحد نصّ الكتاب ثمّ انظر إلى قوله تعالى ان اللَّه معنا من الفضيلة لأبي بكر لأنه شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في كون اللّه تعالى معه ، و انزل السكينة قال كثير من النّاس انّه في الآية مخصوص بأبي بكر لانّه كان محتاجا إلى السكينة لما تداخله من رقة الطبع البشري و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان غير محتاج إليها لأنّه يعلم أنّه محروس من اللّه تعالى فلا معنى لنزول السكينة عليه و هذه فضيلة ثالثة لأبي بكر . ثمّ قال : قال شيخنا أبو جعفر : ان أبا عثمان يجرّ على نفسه مالا طاقه له به من مطاعن الشيعة و لقد كان في غنية عن التعلق بما تعلق به لانّ الشيعة تزعم أن هذه الآية بأن تكون طعنا و عيبا على أبي بكر أولى من أن تكون فضيلة و منقبة له لأنه لما قال له لا تحزن دل على أنه قد كان حزن و قنط و أشفق على نفسه و ليس هذا من صفات المؤمنين الصابرين و لا يجوز أن يكون حزنه طاعة ، لان اللّه تعالى لا ينهى عن الطاعة فلو لم يكن ذنبا لم ينه عنه . و قوله ان اللَّه معنا اى ان اللّه عالم بحالنا و ما نضمره من اليقين أو الشكّ كما يقول الرجل لصاحبه لا تضمرنّ سوءا و لا تنوين قبيحا فان اللّه يعلم ما نسرّه و ما نعلنه ، و هذا مثل قوله تعالى و لا أدنى من ذلك و لا أكثر الا هو معهم اينما كانوا أى هو عالم بهم . و أمّا السكينة فكيف يقول إنها ليست راجعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعدها قوله و أيّده بجنود لم تروها ا ترى المؤيد بالجنود كان أبا بكر أم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ . و قوله : إنّه مستغن عنها ليس بصحيح و لا يستغنى أحد عن ألطاف اللّه و توفيقه و تأييده و تثبيت قلبه و قد قال اللّه تعالى في قصة حنين و ضاقت عليكم الأرض بما [ 157 ] رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين . ثمّ أنزل اللَّه سكينته على رسوله . و أمّا الصحبة فلا تدلّ إلاّ على المرافقة و الاصطحاب لا غير ، و قد يكون حيث لا ايمان كما قال تعالى قال له صاحبه و هو يحاوره اكفرت بالّذي خلقك . أقول : و قد مضى من قبل ص 141 أن القول بجواز رجوع الضمير في عليه فأنزل اللَّه سكينته عليه إلى أبي بكر بعيد جدّا ، بل ليس بصحيح قطعا ، لان الضمائر قبله و بعده كلّها راجعة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلا خلاف فيه فكيف يتخلل تلك الضمائر ضمير عائد إلى غيره في البين و هل هذا الا الخروج عن اسلوب الفصاحة و البلاغة ؟ فذلك القول تهافت بتّا و لا يجنح إليه إلا من ليس بعارف في أساليب الكلام أو يحرفه لتحصيل المرام و إن أفضى إلى الطعن في النّبوّة و الاسلام و قد تقدم فيه الكلام ، و نسأل اللّه نور الايمان و العرفان ، و من لم يجعل اللّه له نورا فماله من نور . مبدء تاريخ المسلمين و الفرق بين الهجرى القمرى و الهجرى الشمسى كلمة التاريخ كما قال الفاضل البرجندي رضوان اللّه عليه في شرحيه على زيج الغ بيك و على التذكرة في الهيئة لبطليموس الثّاني المحقق الطوسي قدس سره : في اللغة تعريف الوقت ، و قيل هو قلب التأخير و قيل التاريخ مشتق من أرخ و هو في اللغة ولد البقر الوحش و التفعيل قد يأتي للازالة و التاريخ بمعنى ازالة الجهالة في مبدء شي‏ء و وقت صدوره . و نقل المطرزى عن بعض أهل اللغة : التاريخ بمعنى الغاية يقال : فلان تاريخ قومه أى ينتهى إليه شرفهم فمعنى قولهم فعلت في تاريخ كذا فعلت في وقت الشي‏ء الّذي ينتهى إليه . و قيل هو ليس بعربي فانه مصدر المورخ و هو معرب ماه روز و ذلك أنه كتب أبو موسى الأشعرى و كان من قبل عمر حاكما في اليمن انه تأتينا منك صكوك محلّها في شعبان و ما ندرى أىّ الشعبانين هو الماضي أو الآتي ؟ فجمع عمر النّاس [ 158 ] للمشورة و كان فيهم ملك أهواز اسمه الهرمزان و قد أسلم على يده حين اسر فقال : إن لنا حسابا نسمّيه ماه روز أى حساب الشهور و الأعوام و شرح لهم كيفية استعماله فصوّبوه و عرّبوا ماه روز بقولهم مورخ و أمّا في الاصطلاح فهو تعيين يوم ظهر فيه أمر شائع من ملّة أو دولة أو حدث فيه هائل كزلزلة و طوفان لينسب إليه ما يراد تعيين وقته في مستأنف الزّمان أو في مستقدمه . و لما كان أشهر الاجرام السّماوية النيرين اعتبر الامم في وضع الشهور و السنين دورهما ، و أكثرهم اعتبروا في وضع الشهور دور القمر و في وضع السنين دور الشمس المقتضي لعود حال السنة بحسب الفصول لكنهم لم يعتبروا عودة القمر في نفسه بل عودته إلى الشمس القريبة من عودته في نفسه ليكون استنارة القمر في أوايل الشهور و أواسطه و أواخره بل في جميع اجزائها على نسق واحد ، ثمّ لما كان عودة الشمس فى اثنى عشر شهرا قمريا تقريبا قسموا السنة اثنى عشر قسما و سموا كلا منها شهرا مجازا و ركبوا اثنى عشر شهرا قمريا و سموها سنة على التشبيه . و لم يكن للمسلمين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تاريخ في حوادثهم و امورهم و كان قبل الاسلام بين الأعراب عدة تواريخ كتاريخ بناء الكعبة و تاريخ رياسة عمرو بن ربيعة و هو الذي وضع عبادة الاصنام في العرب و كان هذا التاريخ متداولا به إلى عام الفيل ثمّ صار عام الفيل مبدءا ، فلما حدث التباس بعض الأمور فى زمان عمر كما دريت أمر بوضع التاريخ . فأشار بعض اليهود إلى تاريخ الروم فلم يقبله لما فيه من الطول ، و بعضهم إلى تاريخ الفرس فردّه لعدم استناده إلى مبدء معين فانهم كانوا يجددونه كلما قام ملك و طرحوا ما قبله . فاستقر رأيهم على تعيين يوم من أيامه عليه الصلاة و السّلام لذلك و لم يصلح وقت للمبعث لكونه غير معلوم ، و لا وقت الولادة لاختلاف فيه فقيل إنه ولد ليلة الثاني أو الثامن أو الثالث عشر من شهر الرّبيع الاوّل سنة أربعين أو اثنتين و أربعين أو ثلاث و أربعين من ملك أنوشروان إلى غير ذلك من الأقوال ، و لا وقت الوفاة لتنفر الطبع عنه . [ 159 ] فجعل مبدءه الهجرة من مكّة إلى المدينة باشارة عليّ عليه السّلام إلى ذلك كما سيأتي نقل الأخبار فيه إذ بها ظهرت دولة الاسلام فأجمعوا عليه . ثمّ قالوا : فأىّ الشهور نبدأ فقالوا : رمضان ثمّ قالوا : المحرم فهو منصرف الناس من حجهم و هو شهر حرام فأجمعوا على المحرم . و اعلم أن أوّل تلك السنة أعنى أوّل المحرم كان يوم الخميس بحسب الامر الأوسط بالاتفاق لانّه ممّا لا يعتريه خلاف و لو بسطنا الكلام فيه لا نجرّ إلى بحث طويل الذيل . و أمّا بحسب الرؤية ففي بعض الأحاديث أنه كان يوم الخميس و هذا ممكن لانه قد يتفق أول الشهر بحسب الامر الاوسط و الرؤية معا ، و في بعض الروايات أنّه كان يوم الجمعة و هذا أيضا ممكن لانه قد يختلف بين يوم الأمر الأوسط و يوم الرّؤية فى يوم بأن يكون أوّل الشهر الوسطى خميسا و الحقيقى المبنى على الرؤية جمعة مثلا أو يومين بأن يكون أوّل الحقيقى سبتا . و فى بعض الروايات أنه كان أول المحرم من تلك السنة يوم الاثنين و هذا محال لانه لا يمكن اختلافهما فى أكثر من يومين على ما برهن و حقق فى محلّه . و لم يتفق لى طول ستّ سنوات استخراجى إلى الآن أن يقدم أوّل الشهر الحقيقى على الوسطى و لو بيوم بل قد يتفقان فى أوّل الشهر أو يقدم الوسطى على الحقيقى اما يوما أو يومين . الفرق بين الشهر القمرى الحقيقى و الوسطى و اعلم أن الشهر القمرى مأخوذ من تشكلات القمر النورية بحسب أوضاعه من الشمس ، و دريت أنه لما كان أشهر الاجرام السماوية النيرين اعتبر الناس فى وضع الشهور و الأعوام دورهما . فمستعملوا الشهر القمرى بعضهم و هم الترك أخذوا مبدئه من اجتماع حقيقى فالشهر عندهم من اجتماع حقيقى بين النّيرين إلى اجتماع حقيقى بعده ، فان وقع الاجتماع قبل [ 160 ] نصف النهار فذلك اليوم هو أوّل الشهر ، و إن كان بعده فاليوم الّذي بعده ، و لكن فيه تعذرا لتوقفه على استخراج التقويمين في رأس كل شهر و اعمال كثيرة اخر حتى يعلم أن الاجتماع في أيّ يوم و أيّ ساعة ، و هذا لا يتيسر الا للأوحدى من الناس ممّن رزقهم اللّه التفكر فى خلق السموات و الأرض . و المسلمون و أهل البادية من الأعراب اخذوه من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها لأن أقرب أوضاع القمر من الشمس إلى الادراك هو الهلال ، فالأوضاع الاخرى من المقابلة و التربيع و غير ذلك لا يدرك إلاّ بحسب التخمين ، فان القمر يبقى على النور التام قبل المقابلة و بعدها زمانا كثيرة و كذلك غيره من الأوضاع و أما وضعه منها عند وصوله في تحت الشعاع و إن كان يشبه وضع الهلال في ذلك لكنه في وضع الهلال يشبه الموجود بعد العدم و المولود الخارج من الظلم فجعله مبدء أولى . قال اللّه تعالى يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس الآية ، و كان اتفاق المسلمين ان أوّل شهر الصيام ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤيتها و يكون الصوم للرؤية و الفطر للرؤية و هذا الشهر لا يزيد عن ثلاثين يوما و لا ينقض على تسعة و عشرين يوما . و ليعلم انه على هذا الوجه اعنى أخذ الشهر القمرى من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها كما ذهب اليه المسلمون يمكن أن تكون أربعة أشهر متواليات ثلاثين يوما و لا يزيد على ذلك قط كما يمكن أن تكون ثلاثة أشهر متواليات تسعة و عشرين يوما و لا يزيد على هذا المقدار أيضا قطّ على ما حقق في محلّه ، و ذكر الدليل ينجرّ إلى بحث طويل . و هذا هو الشهر القمرى الحقيقى المبتنى على وضع القمر مع الشمس و أما الوسطى فهو مصطلح أهل الحساب فيأخذون مبدء الشهر من الاجتماع الوسطى و يجعلون المحرم ثلاثين يوما و الصفر تسعة و عشرين يوما ، و هكذا كل فرد ثلاثين يوما و كلّ زوج تسعة و عشرين يوما ، و في طول ثلاثين سنة يأخذون ذا الحجة إحدى عشر مرة ثلاثين يوما و يسمونها كبائس ، و برهانه مذكور في الكتب [ 161 ] المبرهنة في الفنّ ، و هذا الشهر الوسطى هو مبني الجداول في كتب الأعمال أعني الزيجات . و مقدار الشهر الوسطى ما حوسب و استخرج في الزيج البهادري و هو أدق الزيجات : يكون تسعة و عشرين يوما و احدى و ثلاثين دقيقة و خمسين ثانية و ثماني ثوالث على أن كلّ يوم ستون دقيقة و كلّ دقيقة ستون ثانية . « فائدتان » الاولى انك دريت أن وضع الجداول في الزيجات على الامر الاوسط و لا مساس له فى الرؤية اعنى ان المنجمين يرتّبون حركات الكواكب فى الجداول على ذلك النهج الاوسط فاذا أرادوا ان يعلموا رؤية هلال أو تقويم كوكب او خسوف و كسوف او مقدار الايام و الليالى و غير ذلك من الامور احتاجوا إلى محاسبة ثانية من تلك الجداول باعمال التعديلات على الطرق المعلومة عند العالمين بها فليس مبني الجداول أولا على السير الحقيقي و التقويم الواقعي للكواكب . و يعبر الزيج في تعابير الفقهاء بالجدول و ما في كتب الفقهيّة كاللمعة للشهيد الاول ( ره ) في كتاب الصوم في رؤية الهلال لا عبرة بالجدول ، حق لان مبني الجداول أعني الزيجات على عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا حتى يمكن ضبطها و وضعها في الجداول فالجدول في تعابير الفقهاء كان بهذا المعني و لا اعتبار به قبل المحاسبة ثانية لكل امر لا انه ليس على مبني صحيح و معتبر و ذلك كما ترى ان محاسبا يخبران في يوم كذا و ساعة كذا ينكسف الشمس مثلا في مقدار كذا و مدة كذا فترى ما اخبر مطابقا للواقع و ان ظهر خلافه فغلّط هو فى عمله . الفائدة الثانية ان شهر رمضان كسائر الشهور تارة يكون ثلاثين يوما و تارة تسعة و عشرين يوما لان الشهر القمرى كما دريت يكون من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤية الهلال و القمر قد يخرج تحت شعاع الشمس فى اليوم التاسع و العشرين فيرى الهلال عند مغيب الشمس و قد لا يخرج في ذلك اليوم فيصير الشهر ثلاثين يوما و ليس للنّيرين في شهر رمضان وضع خاص حتى يكون دائما ثلاثين يوما و ليس لشهر رمضان تأثير خاص في ذلك . [ 162 ] و في التهذيب عن محمّد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن اليوم الّذي يشكّ فيه لا يدري اهو من شهر رمضان أو من شعبان فقال : شهر رمضان شهر يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان فصوموا للرؤية و افطروا للرؤية الحديث . و ذهب رئيس المحدثين الصدوق رضوان اللّه عليه إلى ان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و روى فى الخصال بإسناده عن إسماعيل بن مهران قال سمعت جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول و اللّه ما كلّف اللّه العباد إلا دون ما يطيقون انما كلفهم فى اليوم و الليلة خمس صلوات و كلفهم فى كلّ الف درهم خمسة و عشرين درهما و كلفهم فى السنة صيام ثلاثين يوما و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك . ثمّ قال ( ره ) مذهب خواصّ الشيعة و أهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و الاخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة العامة فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الاخبار التي وردت للتقيّة في انه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان و التمام اتقى كما يتقى العامة و لم يكلم الا بما يكلم به العامة . و قريب من قوله هذا ما في الفقيه . أقول : و هذا الكلام منه قدس سرّه مع جلالة شأنه غريب جدّا و الاخبار الناطقة في ذلك إما يشير إلى صوم يوم الشك حيث تغيّمت السماء او إلى امور اخر ذكروها شراح الاحاديث على ان شيخ الطائفة قدس سرّه ردّ تلك الاخبار في التهذيب بوجوه فمن شاء فليرجع اليه او إلى الوافى و غيره من الكتب المبسوطة . ثمّ ان شراح الأحاديث و فقهاء الاماميّة لا سيما الشيخ الطوسي في الهذيبين و ان ذكروا فى ردّ تلك الاخبار القائلة بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين ابدا و توجيهها وجوها كثيرة و لكن ههنا دقيقة تبصّر بها و ذكرها في حاشية الوافي شيخنا الاجل و استادنا الاعظم الجامع للعلوم النقلية و العقلية و المتبحر في الفنون الغريبة الحاج الميرزا أبو الحسن الشعراني متعنا اللّه بطول بقائه يعجبني ان اذكرها تيمنا بما قال و تمثلا له في البال ، قال مدّ ظله : أقول : عادة المنجمين ان يحاسبوا الشهور الهلالية اولا على الامر الاوسط و يرتبون الايام و يستخرجون مواضع الكواكب في تلك الايام ثم يرجعون و يستخرجون [ 163 ] رؤية الأهلة و يرتبون الشهور و يعينون غرة كل شهر على حسب الرؤية فاذا بنوا على الامر الاوسط حاسبوا شهر محرم تاما و صفر ناقصا فهكذا فيكون شعبان ناقصا و رمضان تاما و هذا بحسب الأمر الاوسط و هو عادتهم من قديم الدهر الا ان هذا عمل يبتدون به في الحساب قبل ان يستخرج الأهلة فإذا استخرج الهلال بنوا على الرؤية و كان بعض الرواة سمع ذلك من عمل المنجمين فاستحسنه لان نسبة النقصان إلى شهر رمضان و هو شهر اللّه الأعظم يوجب التنفير و اسائة الادب فنسبه إلى بعض الائمة عليهم السّلام سهوا و زادوا فيه و العجب ان الصدوق رحمه اللّه روى الأحاديث فى الصوم للرؤية و الافطار لها و روى أحاديث الشهادة على الهلال و روى احكام يوم الشك و لو كان شعبان ناقصا ابدا و شهر رمضان تاما ابدا لا تنفى جميع هذه الاحكام و بطلت جميع تلك الروايات و لا يبقى يوم الشك و لم يحتج إلى الرؤية . و أمّا الفرق بين السنة الهجرية القمرية و الهجرية الشمسية فنقول : مبدءهما الأوّل واحد و هو مهاجرة نبيّنا خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله من مكة إلى المدينة كما مرّ بيانه مفصّلا إلاّ انهم في صدر الاسلام جعلوا مبدء القمرية من المحرّم و جعل في قرب عصرنا مبدء الشمسية من تحويل الشمس إلى الحمل و ما كان الاصل في ذلك هو السنة الهجرية القمرية لما دريت ان العرب اعتبروا الشهور و الاعوام من دور القمر فالشهر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها ثمّ ركّبوا اثنى عشرة شهرا قمريا و سموها سنة و مضى من هجرة نبينا صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا اليوم الّذي نحرّر ذلك المطلب و هو يوم الاثنين ثامن ربيع الاوّل يوم وفاة امامنا أبي محمّد الحسن بن علىّ العسكرى عليه السّلام ، اثنان و ثمانون و ثلاثمأة و الف سنة و شهران و ثمانية أيام . و أمّا الهجرية الشمسية و إن كان مبدءهما الأوّل هجرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلاّ انّه تاريخ حديث وضعوه فى طهران عاصمة ايران و كان مبدءه السنة 1304 الشمسية و هو مبني على اثنى عشرة شهرا شمسيا كتاريخ الجلالى و اسامى الشهور بعينها اسامى اليزدجردى و هى : فروردين ، ارديبهشت ، خوردا ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دى ، بهمن ، اسفند و جعلوا الشهور الستّ الأوّل احدا و ثلاثين يوما [ 164 ] و الست الآخر ثلاثين يوما إلاّ ان شهر اسفند يكون فى الكبيسة ثلاثين يوما و فى غيره تسعة و عشرين يوما و بهذه الحيلة نشروا الخمس المسترقة فى الشهور تسهيلا للامر و مبدء السنة يكون من يوم تحويل الشمس إلى أوّل الحمل إن كان تحويلها قبل نصف النهار و إلاّ فاليوم الذى بعده و مضى من تلك السنة إلى اليوم احدى و أربعون و ثلاثمأة و الف سنة . و التفاوت بينهما ناش من حيث إن الأوّل مبتن على حركة القمر و تكون السنة مركبة من اثنى عشر شهرا قمريا و الثانى على حركة الشمس فالسنة مركبة من اثنى عشر شهرا شمسيّا . و الشهر القمرى الحقيقى على الزيج البهادرى هو تسعة و عشرون يوما و اثنتى عشر ساعة و أربع و أربعون دقيقة و ثلاث ثوانى و ثلاث ثوالث و تسع روابع و ست و ثلاثون خامسة . فلا جرم ان السنة القمرية الحقيقية أربع و خمسون و ثلاثمأة يوم و ثماني ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و ثلاثون ثانية و سبع و ثلاثون ثالثة و خمس و خمسون رابعة و اثنتا عشر خامسة الحاصلة من ضرب عدد الشهر القمري في اثنى عشرة . و السنة الشمسية الحقيقية على ما رصد في الزيج البهادرى و صرّح به في الصفحة الثامنة و الثلاثين منه : خمسة و ستون و ثلاثمأة يوما و خمس ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و أربعون ثانية و ست ثوالث و عشر روابع . فالتفاوت بين السنة الشمسيّة الحقيقية و القمرية الحقيقية هو عشرة أيام و احدى و عشرون ساعة و تسع ثوانى و ثماني و عشرون ثالثة و اربع عشرة رابعة و ثماني و اربعون خامسة . و هذا هو التحقيق في ذلك المقام بما لا مرية فيه و لا كلام و بالجملة مبدء تاريخ المسلمين المعمول به عند جمهورهم هو أوّل شهر المحرّم من سنة هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكة زادها اللّه شرفا إلى المدينة الطيّبة . و ذهب محمّد بن إسحاق المطلبي كما في السيرة النبوية لابن هشام التي هي منتخبة ممّا الفه ابن إسحاق ، و غيره إلى ان مبدأه يكون شهر ربيع الأوّل حيث [ 165 ] قال : قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتدّ الضّحاء و كادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل و هو التاريخ و هذا متروك عند المسلمين . و يمكن ان يكون الضمير اعني هو في قوله و هو التاريخ راجعا إلى قدومه و هجرته من مكة إلى المدينة فلا تنافي « ذكر الاخبار فى ذلك » قال أبو جعفر الطبرى في تاريخه المعروف : قال عبيد اللّه بن أبي رافع قال سمعت سعيد بن المسيب يقول جمع عمر بن الخطّاب الناس فسألهم فقال من أىّ يوم نكتب فقال على عليه السّلام من يوم هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ترك أرض الشرك ففعله عمر . و فيه بإسناده عن الشعبى قال كتب ابو موسى الأشعرى إلى عمر انه تأتينا منك كتب ليس لها تاريخ قال فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم ارخ لمبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال بعضهم لمهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عمر لابل نؤرخ لمهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان مهاجره فرق بين الحق و الباطل . و فيه عن ميمون بن مهران قال رفع إلى عمر صكّ محله في شعبان فقال عمر أيّ شعبان الّذى هو آت او الّذى نحن فيه ؟ قال ثمّ قال لأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ضعوا للناس شيئا يعرفونه فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقيل انهم يكتبون من عهد ذى القرنين فهذا يطول و قال بعضهم اكتبوا على تاريخ الفرس فقيل إنّ الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله فاجتمع رأيهم على ان ينظرواكم اقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة فوجدوه عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . و فيه قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال ارّخوا فقال عمر ما أرخوا قال شي‏ء تفعله الاعاجم يكتبون فى شهر كذا من سنة كذا فقال عمر حسن فارّخوا فقالوا من أىّ السنين نبدأ قالوا من مبعثه و قالوا من وفاته ثمّ اجمعوا على الهجرة ثمّ قالوا فأىّ الشهور نبدأ فقالوا رمضان ثمّ قالوا المحرّم فهو منصرف الناس من حجهم و هو شهر حرام فاجمعوا على المحرّم . [ 166 ] الترجمة از كلام آنحضرت است كه رفتن خود را در پى پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله و رسيدن بآن جناب بعد از مهاجرت حضرتش از مكه بسوى مدينه حكايت ميكند : پس شروع كردم ، پيروى ميكردم آن راهى را كه پيمبر خدا رفته بود ، پس بياد او گام مينهادم تا به عرج رسيدم ( كناية از اينكه از ابتداء خروج از مكّه تا اين موضع پيوسته از آنجناب خبر ميگرفتم و بر اثر نشان او قدم ميزدم عرج بر وزن خرج موضعى است بين مكه و مدينه و بمدينه نزديكتر است ) . سيد رضى رضوان اللّه عليه در مدح كلام مولى ميگويد : اين جمله گفتار آن حضرت ( فاطأ ذكره ) كلامى است كه در نهايت اعجاز و غايت فصاحت از آنجناب صادر شد . اراده كرده است از آن كه من ابتداء بيرون آمدن از مكه تا رسيدن بدين موضع همواره از آنحضرت خبر ميگرفتم ، اين مطلب را باين كنايه عجيب اداء فرموده است . هجرت پيغمبر ( ص ) از مكه بمدينه و جانشين شدن على عليه السّلام آن بزرگوار را و در فراش او خفتن باختصار كفار مكه از هر قبيله‏اى تنى چند برگزيدند كه پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله را شبانه در بستر خوابش بقتل رسانند و چون بنو عبد مناف قوه مقابله و مقاتله با جميع قبائل ندارند بديت راضى شوند ، جبرئيل رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله را از سوء نيت آن گروه اعلام فرمود و حضرتش را به مهاجرت اشارت كرد . پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله على عليه السّلام را از آن اخبار فرمود و وى را جانشين خود قرار داد و زن و فرزندان و ودائعى را كه مردم از جهت اطمينان و اعتمادى كه به پيغمبر داشتند در نزد وى بامانت نهاده بودند بدست على عليه السّلام سپرد ، أمير المؤمنين امر آنجناب را بيدريغ امتثال كرد و در جاى رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله بخفت و در حقيقت جانش را وقايه و فداى پيغمبر اكرم صلّى اللّه عليه و آله گردانيد كه رسول اللّه شبانه با ابو بكر بغار ثور رفته و سه شب در غار بسر برد تا جان بسلامت بدر برد و سپس بسوى مدينه مهاجرت فرمود . و آيه كريمه و من الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات اللَّه و اللَّه رؤف بالعباد در شأن [ 167 ] على عليه السّلام در اين موضوع نازل شد . كفار چون گرد خانه پيغمبر صلّى اللّه عليه و آله را گرفتند و على عليه السّلام را بجاى پيغمبر ديدند نا اميد شدند . أمير المؤمنين عليه السّلام سه روز در مكه بود و ودائع را بصاحبانش برگردانيد و سپس با زن و فرزندان پيغمبر بسوى مدينه بدان راهى كه رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله گام نهاد رهسپار شد . و مبدء تاريخ هجرى چه قمرى چه شمسى از اينجا آغاز ميگردد . بر مسلمان خردمند پوشيده نيست كه اين عمل أمير المؤمنين عليه السّلام موجب انتظام دين و ايمان و سبب خذلان اهل كفر و عدوان شد . على عليه السّلام جان خويش را در طاعت خدا و حفظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخشيده و در فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخفت تا حضرتش را از كيد اعداء برهانيد و امر ملّت و دين و سلامت و بقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كتاب اللّه بدان انتظام يافت و حافظ و حامى شريعت سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله گرديد چه خداوند فرمود نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و بر خردمند هوشيار معلوم است كه بذل مال و كالا در ازاء بذل نفس بيمقدار است و الجود بالنفس اقصى غاية الجود .