جستجو

و من خطبة له ع في مقاصد أخرى

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأتان و الثامنة و العشرون من المختار فى باب الخطب فانّ تقوى اللّه مفتاح سداد ، و ذخيرة معاد ، و عتق من كلّ [ 410 ] ملكة ، و نجاة من كلّ هلكة ، بها ينجح الطّالب ، و ينجو الهارب و تنال الرّغائب ، فاعملوا و العمل يرفع ، و التّوبة تنفع ، و الدّعاء يسمع ، و الحال هادئة ، و الاقلام جارية ، و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا و مرضا حابسا ، أو موتا خالسا ، فإنّ الموت هادم لذّاتكم ، و مكدّر شهواتكم ، و مباعد طيّاتكم ، زائر غير محبوب ، و قرن غير مغلوب ، و واتر غير مطلوب . قد أعلقتكم حبائله ، و تكنّفتكم غوائله ، و أقصدتكم معابله ، و عظمت فيكم سطوته ، و تتابعت عليكم عدوته ، و قلّت عنكم نبوته فيوشك أن تغشيكم دواجى ظلله ، و احتدام علله ، و حنادس غمراته ، و غواشي سكراته ، و أليم إرهاقه ، و دجّو أطباقه ، و جشوبة مذاقه ، فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيّكم ، و فرّق نديّكم ، و عفّى آثاركم ، و عطّل دياركم ، و بعث ورّاثكم ، يقتسمون تراثكم بين حميم خاصّ لم ينفع ، و قريب محزون لم يمنع ، و آخر شامت لم يجزع . فعليكم بالجدّ و الاجتهاد و التّأهّب و الاستعداد و التّزوّد في منزل الزّاد ، و لا تغرّنّكم الحياة الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الامم [ 411 ] الماضية و القرون الخالية الّذين احتلبوا درّتها ، و أصابوا غرّتها ، و أفنوا عدّتها و أخلقوا جدّتها ، أصبحت مساكنهم أجداثا ، و أموالهم ميراثا ، لا يعرفون من أتاهم ، و لا يحفلون من بكاهم ، و لا يجيبون من دعاهم ، فاحذروا الدّنيا 1 فإنّها غدّارة غرّارة خدوع ، معطية منوع ، ملبسة نزوع ، لا يدوم رخائها ، و لا ينقضى عنائها ، و لا يركد بلائها . منها فى صفة الزهاد كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها ، فكانوا فيها كمن ليس منها ، عملوا فيها بما يبصرون ، و بادروا فيها ما يحذرون ، تقلّب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة ، يرون أهل الدّنيا يعظّمون موت أجسادهم و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم . اللغة ( السّداد ) بالفتح الصّواب من القول و العمل و ( ملكه ) يملكه من باب ضرب ملكا مثلثة و ملكة بالتحريك احتواه قادرا على الاستبداد به و ( النجح ) بالضمّ الظفر بالمطلوب و أنجحه اللّه أى أظفر به و ( الرّغائب ) جمع الرّغيبة و هو الأمر المرغوب فيه و العطاء الكثير و ( هدء ) هدءا من باب منع سكن و ( نكسه ) ----------- ( 1 ) من قوله ( ع ) : « كما غرت » إلى قوله « فاحذروا الدّنيا » هذه الجملات كانت ساقطة من النسخة فى الطبعة الاولى و كم له فى هذا الجزء من نظير أصلحناه ، نبهنا عليه فى بعض المقام . المصحح . [ 412 ] قلّبه على رأسه كنكّسه بالتشديد و النكس بضمّتين المدرهمّون من الشّيوخ بعد الهرم أى السّاقطون كثيرا قال تعالى و من نعمّره ننكّسه . و ( خلست ) الشي‏ء اختطفته و ( الطية ) بالكسر كالنيّة لفظا و معنى و قال الشّارح المعتزلي : هى منزل السّفر و ( القرن ) بالكسر كفوك فى الشّجاعة . و ( الواتر ) القاتل و الموتور القتيل الذي لم يدرك دمه مأخوذان من الوتر بالكسر و الفتح و هي الجناية الّتي يجنيها الرّجل على غيره من قتل أو نهب أو سبى و قد وتره يتره وترا و وترا وترة أفزعه و أدركه بمكروه ، و تره ماله نقصه إياه . و ( اعانتكم ) في بعض النّسخ بغير همزة و ( المعابل ) جمع معبلة و زان مكنسة و هو النّصل العريض الطّويل و ( العدوة ) التّعدى و ( نبا ) السّيف عن الضريبة نبوا و نبوة كلّ و لم يؤثر و ( يوشك ) الأمر أن يكون و أن يكون الأمر بكسر الشّين أى يقرب و لا تفتح شينه إلاّ في لغة ردّية و ( الظّلل ) جمع ظلّة و هي السّحاب و ( احتدم ) النّار التهبت و اشتدّ حرّها و ( الحنادس ) جمع حندس و زان زبرج الظلمة . و ( إرهاقه ) بالرّاء المهملة مصدر أرهقته أى أعجلته و يقال أرهقه طغيانا أغشاه إيّاه و الحق ذلك به ، و في بعض النّسخ بالزاء المعجمة من زهق الشّي‏ء بطل و ( أطباقه ) بالفتح جمع الطّبق بالتحريك غطاء كلّ شي‏ء و في بعض النسخ بالكسر مصدر أطبقه أى غطاه . و ( جشب ) الطّعام من باب ضرب جشوبة صار جشيبا و هو السّي‏ء الماكل و الخشن الغليظ البشع من كلّ شي‏ء و الجشب بالضمّ قشور الرّمان ، و في بعض النّسخ و خشونة مذاقه بالخاء المعجمة و النون و ( الدرة ) بالكسر كالدّر بالفتح اللّبن و كثرته و ( الجدّة ) بكسر الجيم كالجد الرّزق و العظمة و ( حفل ) القوم حفلا اجتمعوا و المحفل و زان مجلس و مقعد محل الاجتماع ، و الاحتفال بالشي‏ء [ 413 ] الاعتناء به و المبالغة فيه . و ( تقلب ) في بعض النسح على البناء على الفاعل من باب التفعل و حذف إحدى التائين و في بعضها على البناء على المفعول و فلان بين ظهرى القوم و ( ظهرانيهم ) بفتح النون و بين أظهرهم أى في وسطهم و في معظمهم . الاعراب قوله : مفتاح سداد 1 و قوله : بها متعلّق بقوله ينجح و تقديمه عليه لقصد الحصر و الفاء في قوله فاعملوا فصيحة ، و جملة و العمل يرفع في محلّ النصب على الحال و الباء في قوله بالأعمال للمصاحبة ، و الفاء في قوله : فانّ الموت للتعليل ، و قوله : زائر خبر رابع لأنّ ترك العاطف لحسن الوصف الذي هو من صناعة البلاغة . و جملة قد أعلقتكم في محلّ الانتصاب على الحال و قوله : فكأن قد أتاكم مخففة من المثقلة مفيدة للتقريب و اسمها ضمير شأن مستتر ، و قوله : بين حميم متعلّق بقوله يقتسمون لا بقوله أتاكم بغتة كما توهّمه الشارح البحراني و قوله : فعليكم بالجدّ اسم فعل أى خذوه و الزموه قال نجم الأئمة الرّضي : يقال عليك زيدا أى خذه كان الأصل عليك أخذه و قوله : أصبحت مساكنهم فعل ناقص بمعنى صارت و الجملة استينافيّة بيانيّة و مثلها جملة لا يعرفون من أتاهم . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة من محاسن خطبة عليه السّلام و فيها من نكات البلاغة و فنون البديع ما لا يخفى على المصقع البارع ، و مدارها على فصلين : الفصل الاول منها فى الحثّ على البرّ و التقوى و أخذ الزاد ليوم المعاد بالتذكير بالموت ----------- ( 1 ) الظاهر سقوط شى‏ء من هنا . المصحح . [ 414 ] الذي هو هادم اللذات و قاطع الامنيات و التحذير من الدّنيا التي هي دار الغرور و المكاره و الآفات و هو قوله : ( فانّ تقوى اللّه مفتاح سداد و ذخيرة معاد ) و قد تقدّم تحقيق معنى التقوى و ما يترتّب عليها من الثمرات الدّنيوية و الاخروية في شرح الخطبة الرّابعة و العشرين و غيرها فليراجع هناك و أقول هنا توضيحا لكلامه عليه السّلام : إنّ التقوى لما كانت عبارة عن اتّخاذ الوقاية من العقوبات و الحذر من الموبقات الاخروية و بها يحصل التجنّب من المعاصي و الاتيان بالواجبات المتّصفة بالصلاح و السداد لا جرم استعار لها المفتاح الذي يوصل به إلى ما فى البيت قال تعالى يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و قولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع اللّه و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً . قال أمين الاسلام الطبرسيّ أمر اللّه سبحانه أهل الإيمان و التوحيد بالتقوى و القول السديد فقال يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه أى اتّقوا عقاب اللّه باجتناب معاصيه و فعل واجباته و قولوا قولا سديدا أى صوابا برّيا من الفساد خالصا من شائب الكذب و اللّغو موافق الظاهر للباطن ، و قال الحسن و عكرمة صادقا يعني كلمة التوحيد لا إله إلاّ اللّه « يصلح لكم أعمالكم » معناه إن فعلتم ذلك يصلح لكم أعمالكم بأن يلطف لكم فيها حتّى تستقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد و يوفقكم لما فيه الصلاح و الرشاد « و يغفر لكم ذنوبكم » باستقامتكم في الأقوال و الأفعال « و من يطع اللّه و رسوله » في الأوامر و النواهي « فقد فاز فوزا عظيما » أى فقد أفلح افلاحا عظيما ، و قيل فقد ظفر برضوان اللّه و كرامته . و أما انها ذخيرة معاد فواضح لأنها أنفس ذخيرة معدّة لفاقة الآخرة و بها ينجى من أليم العذاب و يفاز عظيم الزلفى و الثواب قال تعالى و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّة أ ليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين . و ينجّى اللّه [ 415 ] الذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السّوء و لا هم يحزنون و قال للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهّرة و رضوان من اللّه و اللّه بصير بالعباد . ( و عتق من كلّ ملكة ) قال الشّارح البحراني : استعار لفظ العتق لخلاص النفس العاقلة من استيلاء حكم شياطينها المطبقة بها كخلوص القلب من استيلاء سيّده ثمّ جعل التقوى نفسها عتقا إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب انتهى و محصّله أنّ التقوى سبب الخلاص من قيد رقيّة نفس الأمارة و عبودية الهوى و مملوكيّة الشيطان فانه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الذين يتولّونه و الّذينهم به مشركون . ( و نجاة من كلّ هلكة ) أى سبب للنّجاة من الهلكات الدّنيويّة و الاخروية فاطلق عليها النّجاة مبالغة من قبيل زيد عدل قال تعالى و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب أى مخرجا من كلّ كرب في الدّنيا و الآخرة . و فى مجمع البيان عن النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قرأها و قال : مخرجا من شبهات الدّنيا و من غمرات الموت و شدائد الآخرة . و فى البحار من الدّعوات للرّاوندى قال النّبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من اتّقى اللّه عاش قويا و صار فى بلاد عدوّه آمنا . ( بها ينجح الطالب ) للآخرة أى يفوز بمطلبه قال تعالى إنّ للمتّقين لحسن مآب . جنات عدن مفتّحة لهم الأبواب و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : خصلة من لزمها أطاعته الدّنيا و الآخرة و ربح الفوز بالجنّة ، قيل : و ما هى يا رسول اللّه ؟ قال : التّقوى من أراد أن يكون أعز النّاس فليتّق اللّه عزّ و جلّ ثمّ تلا و من يتّق اللّه الآية . ( و ينجو الهارب ) « 1 » الراهب من سخط اللّه و عقابه فانّ أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، و من يتّق اللّه يكفّر عنه سيئاته و يعظم له أجرا . ( و تنال الرّغائب ) أى العطايا الكثيرة و الخيرات الدّنيوية و الاخروية التى ترغب إليها النفوس . ----------- ( 1 ) لا يخفى أن بين هذه الفقرة و سابقتها من محاسن البديع حسن الطباق و الجناس اللاحق و السجع المتوازى و مثلها الفقرتان السابقتان عليها و أما الاوليان ففيهما السجع المتوازى فقط ، منه . [ 416 ] أمّا الدّنيويّة فقد قال الصّادق عليه السّلام : من أخرجه اللّه تعالى من ذلّ المعصية إلى عزّ التقوى أغناه اللّه بلا مال ، و أعزّه بلا عشيرة ، و انسه بلا بشر ، أى من غير أنيس من البشر بل اللّه مونسه . و أما الاخروية فقد قال اللّه تعالى مثل الجنّة التي وعد المتّقون فيها أنهار من ماء غير آسن و أنهار من ماء لم يتغيّر طعمه و أنهار من خمر لذة للشاربين . و أنهار من عسل مصفّى و لهم فيها من كلّ الثمرات و مغفرة من ربّهم و قال عزّ و جلّ ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون . يطاف عليهم بصحاف من ذهب و أكواب و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين و أنتم فيها خالدون هذا و لما نبّه على ثمرات التقوى و كانت التقوى ملازمة للعمل و رتّب عليه الحثّ على العمل فقال ( فاعملوا و العمل يرفع ) أى اعملوا صالحا فانّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير ، و معنى قوله : و العمل يرفع إنّ العمل الصّالح يرفع اللّه إليه و يقبله من فاعله . و قد أشير إلى ذلك في قوله عزّ و جلّ إليه يصعد الكلم الطيّب و العمل الصالح يرفعه قال أمين الاسلام الطبرسى : معنى الصعود القبول من صاحبه و الاثابة عليه ، و كلّما يتقبله اللّه سبحانه من الطاعات يوصف بالرّفع و الصّعود لأنّ الملائكة يكتبون أعمال بنى آدم و يرفعونها إلى حيث شاء اللّه ، و هذا كقوله إنّ كتاب الأبرار لفى علّيّين و الكلم الطيّب الكلمات الحسنة من التعظيم و التقديس و أحسن الكلم لا إله إلاّ اللّه و العمل الصّالح يرفعه قيل فيه وجوه : أحدها أنّ الكلم الطيّب يرفعه العمل الصالح فالضمير يعود إلى الكلم ، و الثانى أنه على القلب من الأول 1 . ----------- ( 1 ) هذا آخر ما وفق الشارح المصنف العلامة الهاشمى الخوئى أعلا اللّه مقامه بشرحه و برز من قلمه الشريف و آخر المجلد السابع حسب تجزأته « قد » على ما فى الطبعه الاولى ، و تتمة ما نقله هنا عن الطبرسى « قد » هكذا : أى و العمل الصالح يرفعه الكلم الطيّب ، و المعنى أنّ العمل الصالح لا ينفع إلاّ إذا صدر عن التوحيد عن ابن عباس ، و الثالث أنّ المعنى العمل الصالح يرفعه اللّه لصاحبه ، أى يقبله عن قتادة ، و على هذا فيكون ابتداء اخبار لا يتعلّق بما قبله . المصحح . [ 417 ] بسم اللّه الرحمن الرحيم بعد الحمد و الصّلاة على رسوله و آله يقول العبد المحتاج إلى رحمة ربّه أبو الحسن المدعوّ بالشعراني عفى عنه إني لما وقفت على هذا الشّرح النّفيس الجامع لشتات اللّطائف ، الحاوى لطرايف الظرائف و رأيت أنّ صاحبه لم يتمكّن من اتمامه و توقّف على شرح كلام أمير المؤمنين عليه السّلام : و العمل يرفع ، علمت أنّ عاقبته إلى رفع العمل و القبول كما ان ختم كلامه إليه و هذا و ان كان فالا حسنا للشارح لكن الناظرين يرون عمله أبتر إذ لم يكمل شرح الكتاب بل الخطبة التي شرع فى شرحها فرأيت أن اعلّق عليه شيئا يتمّ به شرح الخطبة الأخيرة و أضمّ عملي إلى عمله المقبول و أتطفل في تحصيل الثواب الحاصل له و سلكت فيه مسلكه من الاقتصار على ما يسهل تناوله بعون اللّه و حسن توفيقه و أقول ( و العمل يرفع ) في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام جملة حالية في محلّ النصب و كذلك ما يتلوها إلى قوله عليه السّلام : و الأقلام جارية أى اعملوا في هذا الوقت الذي يرفع العمل و أنتم أحياء فى دار الدّنيا و أما بعد ذلك فلا يرفع العمل إذ لا عمل بعد الموت حتّى يرفع و هذا طريقة العرب في كلامهم يقول شاعرهم : على لا حب لا يهتدى بمناره يعني على طريق لا منار فيها حتى يهتدى به . قوله ( و التوبة تنفع ) أى اعملوا في هذه الحال التي تنفع التوبة قبل الموت فاذا مات ابن آدم انقطع عمله و لم يقبل منه التّوبة إذ لا تقع منه حتّى تقبل ( و الدعاء يسمع ) في حال الحياة يسمع الدّعاء ، و أمّا بعد الموت فلا يسمع و المقصود الدّعاء الذي يصير سببا للنجاح و السعادة و غفران الذنوب و رفع الدّرجات . و أمّا الدّعاء بمعنى آخر فقد يقع في الآخرة و يسمع و قد ورد في القرآن [ 418 ] الكريم ( و الحال هادئة ) في الحياة الدّنيا و سكون الحال كناية عن السلامة و القدرة و الاختيار بحيث يتمكن من فعل الخيرات ( و الأقلام جارية ) و الملائكة تكتب أعمال العباد في الحياة الدّنيا أى اغتنموا الحياة و اعملوا فيها ثمّ أكّد عليه السّلام ذلك بقوله ( و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا ) يعني لا يتمكّن أحد من العمل في الحياة إذا هرم و شاخ و ضعف فبادروا بالعمل قبل أن يمنعكم منه الهرم ( و مرضا حابسا ) يسلبكم النشاط ( أو موتا خالسا ) يعرض بغتة فلا يبقى لكم فرصة التوبة و الاستغفار ( فانّ الموت هادم لذاتكم و مكدّر شهواتكم ) الدنيوية ( و مباعد طياتكم ) و الطية ما يطويه الانسان في ضميره من العزائم و النيات يعني عليه السّلام يباعد الموت عنكم نياتكم و عزائمكم فكم عزم للانسان يريد نفاذه و حال بينه و بين عزمه الموت و إن فسر الطيات بمنازل السفر فالمعنى يرجع إلى ما ذكر أيضا . ( زائر غير محبوب و قرن غير مغلوب و واتر غير مطلوب ) أى قاتل لا يطلبه أحد حتى يقتصّ منه ( قد أعلقتكم حبائله ) شبه الانسان و عدم قدرته على التخلص من الموت بطير وقع في حبالة الصياد و قد علق برجله و عنقه الحبل ( و تكنفتكم غوائله ) أحاطت بكم مصائبه ( و أقصدتكم معابله ) أصابتكم نصال الموت و معبلة بالفارسية پيكان ( و عظمت فيكم سطوته ) واضح ( و تتابعت عليكم عدوته ) أى تراكمت عليكم الظلمة فوق الظلمة و هو كناية عن شدّة الهول و المصيبة أو تكرر منه التعدي و المجاوزة على أحبابكم و أصدقائكم و أقاربكم و المعنى الأول أنسب و أولى ( و قلّت عنكم نبوته ) قل أن يتفق لأحدكم أن يعرض له الموت و يبدو عليه آثاره ثمّ يفلت عنه فان انفلت فسوف يعترض ثانية . ( فيوشك أن تغشاكم دواجى ظلله ) الموت قريب منكم كاد أن يحيط بكم ظلمات من ظلل الموت و الظلة هى السحاب ( و احتدام علله ) و يحيط بكم التهاب أمور لا بدّ للموت أن ينزل معها ( و حنادس غمراته ) ظلمات يكتنفكم من غمرات الموت ( و غواشى سكراته ) السكرة حالة كالغشى تعرض عند الاحتضار ( و أليم ارهاقه ) مجيئه عاجلا أليم ( و دجّو اطباقه ) الدجوّ الدّجى و الظلمة و المعنى تراكم [ 419 ] الظلمات طبقا بعد طبق ( و جشوبة مذاقه ) طعم الموت غير مطبوع لو فرض كونه مذوقا . ( فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيّكم ) أسكت متكلّمكم فبينما هو يتكلّم إذا سكت ( و فرّق نديّكم ) أى محفلكم ( و عفّى آثاركم ) العفا في الأصل التراب و هنا كناية عن الاندراس و المحو لأنّ المنزل إذا رحل عنه سكانه عملت الرياح و التراب في محو آثارهم ( و عطل دياركم ) الدّيار جمع الدّار و تعطيلها خلوها عن أهلها . ( و بعث وراثكم ) نسبة البعث إلى الموت مجاز لأنه سبب لبعث الوراث نظير بنى الأمير المدينة ( يقتسمون تراثكم بين حميم خاص لم ينفع ) الوراث على ثلاثة أقسام بعضهم حميم قريب من أقربائكم يحبّكم و يريد دفع الموت عنكم و لا يقدر عليه كالأب و الأمّ ( و ) الثّاني ( قريب محزون لم يمنع ) يهمه أمركم و يحزنه موتكم لكن لا مثل الأوّل كالأخ و الأخت و العمّ و لا يقدر أن يمنع عنكم الموت و الثالث قوله ( و آخر شامت لم يجزع ) يفرح لموتكم و لا يجزع عليكم كالولد العاق ينتظر موت أبيه الهرم حتى يفوز بميراثه و يتخلّص من القيام بخدمته خصوصا إذا طال مرضه و لو لم يكن هذا تقسيما للوارث فقط بل لجميع من يعرفك و تعرفه كان المعنى أنهم على ثلاثة : الصديق و القريب و العدوّ ( فعليكم بالجدّ و الاجتهاد ) و لعلّ الفرق بين الجدّ و الاجتهاد أنّ الأوّل صفة للعزم و النية و الثّاني للعمل ( و التأهّب و الاستعداد ) الفرق بينهما نظير الفرق بين الجدّ و الاجتهاد فالتأهّب للعزم و الاستعداد للعمل ( و التزوّد في منزل الزاد و لا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الامم الماضية و القرون الخالية ) معناه ظاهر ( الذين احتلبوا درتها ) الدّرة اللبن استعارة للمنافع و الاحتلاب إخراج اللبن من الضرع و الثدى استعارة للفوز و الانتفاع ( و أصابوا غرّتها ) أى اغتنموا فرصة غفلة الدّنيا عنهم فاستمتعوا بمنافعها و لو لم تكن غافلة عنهم لاختطفتهم ، شبههم بسارق ينتظر غفلة صاحب المتاع عن متاعه فيختلسه حين غفلته كذلك هؤلاء انتظروا [ 420 ] غفلة الدّنيا و أصابوا وقت غفلتها فانتفعوا بها ( و أفنوا عدّتها ) الافناء عبارة عن الانتفاع اذ لا ينتفع غالبا بما في الدّنيا إلاّ بافنائه فأفنوا عدة منافعها ( و أخلقوا جدّتها ) و هذا أيضا عبارة عن الانتفاع ببعض متاع الدنيا كاللّباس الجديد يخلق بالاستعمال . ( أصبحت مساكنهم أجداثا ) أى قبورا ( و أموالهم ميراثا ) و هو ظاهر ( لا يعرفون من أتاهم و لا يحفلون من بكاهم و لا يجيبون من دعاهم ) معناه واضح فان قيل : كيف الجمع بين هذا الكلام و ما روى في التلقين و زيارة القبور فقد قال أبو عبد اللّه عليه السّلام على ما روى في الكافي و التهذيب و الفقيه « إذا افرد الميّت فليتخلّف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثمّ ينادى بأعلى صوته يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله سيّد النبيّين و أنّ عليّا أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين و أنّ ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّ و أنّ الموت حقّ و أنّ البعث حقّ و أنّ اللّه يبعث من في القبور فيقول منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجّته انتهى و في معناه أخبار اخر . و لو لم يكن إلاّ هذا لسهل الجمع لكن ورد في زيارة القبور في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّهم يأنسون بكم فاذا غبتم عنهم استوحشوا و هذا ينافي بظاهره قول أمير المؤمنين عليه السّلام : لا يعرفون من أتاهم . و روى فى الفقيه عن محمّد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الموتى نزورهم ؟ فقال نعم ، فقلت : فيعلمون بنا إذا أتيناهم ؟ فقال : إى و اللّه إنهم يعلمون بكم و يفرحون بكم و يستأنسون إليكم قال : قلت : فأيّ شى‏ء نقول آه . و فى الكافى عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال قلت : المؤمن يعلم من يزور قبره ؟ قال : نعم لا يزال مستأنسا به مادام عند قبره فاذا قام و انصرف عن قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة . و فى الفقيه قال الصّادق عليه السّلام إذا قبضت الرّوح فهى مظلة في الجسد روح [ 421 ] المؤمن و غيره ينظر إلى كلّ شي‏ء يصنع به فاذا كفن و وضع على السرير و حمل على أعناق الرّجال عادت الرّوح و دخلت فيه فيمدّ له في بصره فينظر إلى موضعه من الجنة أو من النار فينادي بأعلى صوته إن كان من أهل الجنّة : عجّلوني عجّلوني ، و إن كان من أهل النّار ردّوني ردّوني و هو يعلم كلّ شي‏ء يصنع به و يسمع الكلام ، انتهى . و ردّ الرّوح إلى الجسد المحمول على الجنازة نظير ردّ الرّوح إليه في القبر لسؤال منكر و نكير و لا ينبغي أن يتعجّب من خفاء ذلك عن الأحياء كالمشيّعين . كما روى في الكافي في حديث عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام بعد أن نقل تكلّم الميّت لحملته قال ضمرة و هو أحد الحاضرين : يا أبا الحسن إن كان هذا يعنى الميّت يتكلّم بهذا الكلام يوشك أن يثب على أعناق الذين يحملونه قال : فقال علىّ بن الحسين عليهما السّلام : اللّهمّ إن كان ضمرة هزء من حديث رسولك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخذه أخذة اسف ، قال : فمكث أربعين يوما ثمّ مات فحضره مولى له فلما دفن أتى علىّ بن الحسين عليهما السّلام فجلس إليه فقال له : من أين جئت يا فلان ؟ قال : جئت من عند قبر ضمرة فوضعت وجهى عليه حين سوى عليه فسمعت صوته و اللّه أعرفه كما كنت أعرفه و هو حىّ يقول : ويلك يا ضمرة بن معبد اليوم خذلك كلّ خليل و صار مصيرك إلى الجحيم فيها مسكنك و مبيتك و المقيل قال : فقال علىّ بن الحسين عليهما السّلام : اسأل اللّه العافية هذا جزاء من يهزء من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و مثل ذلك كثير فى الروايات فما وجه كلام أمير المؤمنين عليه السّلام ؟ و الجواب أنّ كلامه عليه السّلام لأهل الدّنيا المغترّين بها ، و غرضه عليه السّلام قطع طمعهم عن الدّنيا و بيان انقطاع لذاتها و انصرام شهواتها و مفارقة الخلاّن فيها ، و لا ريب أنّ الموت يهدم اللذات و يفرّق بين الجماعات و لا يحسّ الأموات بسمعهم الدنيوى و أبصارهم الجسمانية شيئا من هذا العالم المادّى ، بل الميّت جماد مثل سنّك إذا قلعت و شعر رأسك إذا حلق ، و أظافيرك إذا قصت و بهذا الاعتبار قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لا يعرفون من أتاهم و لا يحفلون من بكاهم [ 422 ] و أمّا بالنظر إلى أنّ للانسان حسّا برزخيا يسمع و يبصر و يتلذّذ و يتألم به من غير وساطة عصب و دماغ و جارحة و لا يمنعه حجاب اللحد و ظلمة القبر و بعد المنازل شرّع التلقين و ورد ما ورد من الروايات ذكرناها أو لم نذكرها . و بالجملة فكلام أمير المؤمنين عليه السّلام ناظر إلى الحسّ الدّنيوى و ما ورد فى تلك الروايات ناظر إلى الادراك الاخروى و لا منافاة بينهما و لا يريدون أنّ الميّت لم يمت و لا أنّه إذا مات فات و الروح مدرك بذاته و البدن مدرك بالروح و المدرك بالذات أقوى و أشدّ فى الادراك من المدرك بالغير كما فى كلّ صفة . و الطبيعيون يزعمون أنّ الادراك عبارة عن تأثر العصب من المحسوس الخارجى كتأثر عصب البصر عن النور ، فاذا لم يكن عصب لم يكن إدراك و لذلك إذا خدر الأعصاب بالأدوية المخدّرة زال البصر و كلّ حس آخر . و الجواب أنّه لو كان الأمر كذلك لم يكن اللّه تعالى و الملائكة المقرّبون مدركين عالمين بشى‏ء إذ لا عصب لهم و لا انفعال و العصب لا يستطيع أن يدرك إلاّ بواسطة الروح و إذا تقطعت العلاقة بين العصب و الروح زال الادراك عن العصب لا عن الروح كالشمس إذا غاب عن الجدران زال الضوء عن الجدران لا عن الشمس فلم يزل الادراك عن الميّت مطلقا بل بمقدار أن لا يكون دفنه فى التراب أو القائه فى البحر ظلما و اجحافا عليه و تعذيبا له كالقاء الاحياء فى البحر . ( فاحذروا الدّنيا فانها غدّارة غرّارة خدوع معطية منوع ملبسة نزوع ) وزن فعول إذا كان بمعنى الفاعل يستوى فيه المذكر و المؤنّث و لذلك وصف به الدّنيا ( لا يدوم رخاؤها و لا ينقضى عناؤها و لا يركد بلاؤها ) و هذا الكلام بالغ فى البلاغة غايتها فى وصف الدّنيا و التزهيد عنها و الوصف بعينه مما يعرفه أصحاب الهوى و القائلون بالطبائع و أمثالهم و يجعلونه عذرا فى لزوم اللّذات و متابعة الشهوات و يقولون إذا كانت الدّنيا منقلبة غير ثابتة لا تدوم أحوالها وجب اغتنام الفرصة مهما أمكن فى الاستمتاع باللذات و المبادرة إلى الشهوات لئلا يفوت الفرصة و يحرم الانسان منها فمادام حيا شابا ذا قدرة و مقدرة يتسرّع إلى ما لا يتمكن منه بعد ذلك و أمّا [ 423 ] أمير المؤمنين عليه السّلام جعل هذه الصفة بعينها موجبا لتنفير النّاس و سببا لتزهيدهم قال طرفة : ألا أيّهذا اللائمى احضر الوغى و ان اشهد اللّذات هل أنت مخلدى يعني إذا لم يكن الانسان خالدا في الدّنيا فعليه أن يشهد اللذات لئلاّ يفوته و أن يحضر الوغي ليتنقم عن أعدائه و يظفر بالمال بالاغارة و مثله كثير في أشعارهم بالعربية و الفارسيّة خصوصا في أشعار الخيام ، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام إنها غرّارة خدوع و لذاتها ليست لذّة بل عذاب أليم و يخدع بها الجهال و ليس شي‏ء منها دائما فلا ينبغى أن يعرج العاقل عليه . و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام يفيد أرباب العقول و أصحاب الأديان القائلين بالآخرة و الحياة الدّائمة فيها يستبدلون اللّذة الخالصة الباقية باللّذة المكدّرة الفانية و أمّا أصحاب الطبائع الذين لا يعترفون بالآخرة يقولون : اللّذة الفانية غير الدائمة أولى من عدم اللّذة مطلقا . و مما يناسب ذلك في أنّ خصلة واحدة يجعلها كلّ أحد دليلا على شى‏ء يقتضيه طباعه الحديث المروى عن الحسن بن علىّ عليهما السّلام : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، حمله أهل الدّين على الأمر بالمسامحة و التعلّل و عدم الحرص فى الدّنيا ، لأن من يزعم أنه يعيش أبدا لا يتعجّل فى الامور ، و حمله أهل النفاق و المتجدون على الأمر بالحرص فى الدّنيا لأنّ الذي يعلم أنّه يعيش أبدا يسعى فى جمع المال و عمارة مسكنه و تدبير ماله و اجادة معاشه أكثر ممن يعلم أنه سيرحل عن منزله . الفصل الثانى ( منها فى صفة الزهاد : كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها ) و منه اخذ أبو على بن سينا كلامه فى وصف العارفين : فكأنهم و هم فى جلابيب أبدانهم قد نضوها و تجرّدوا عنها و قال السعدى : [ 424 ] هرگز وجود حاضر و غائب شنيده من در ميان جمع و دلم جاى ديگر است ( عملوا فيها بما يبصرون ) الفرق بين أهل الدّنيا و أهل الآخرة أنّ بناء الأولين على الشكّ و بناء الآخرين على اليقين كما قال تعالى في صفة الدهريّة : و قالوا إن هى إلاّ حياتنا الدّنيا نموت و نحيى و ما يهلكنا إلاّ الدّهر ما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنّون فانهم يشكّون في اللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و الجنّة و النّار و يعملون عمل المستيقن بالعدم و الشاك في شي‏ء حقّه أن يحتاط كمن يشكّ في وجود سبع في الطريق أو بئر في ظلمة إذ لا يجوّز له العقل الاقتحام في المهلكة و أصحاب الدّهر ما لهم علم بالعدم إن هم إلاّ يظنّون و دليلهم انا لا نؤمن بما لا نحسّ مع أنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود و هذا بخلاف أهل الآخرة فانهم آمنوا بالدليل اليقيني و البرهان العلمي فعملوا بما يبصرون . ( و بادروا فيها ما يحذرون ) سبقوا الموت إلى فعل الخيرات أى خافوا أن يفجاهم الموت فبادروا ( تقلب أبدانهم بين ظهرانى أهل الآخرة ) لا يجالسون غيرهم و لا يخالطون أحدا سواهم ( يرون أهل الدّنيا يعظمون موت أجسادهم ) يعدون موتهم عظيما شديدا إذ يسلبهم مشتهياتهم و يمنعهم التمتع بلذاتهم ( و هم ) أهل الآخرة ( أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم ) إذ يسلبهم مشتهياتهم الحقيقية و يمنعهم التمتع باللّذات الدّائمة . و اعلم أنّ أهل الدّنيا يظنون أن لا موجود وراء الجسم و لا دليل على شي‏ء غير الحسّ و يكدون كلّ كدّهم و يجدون جدّهم لعمارتها و التمتّع بها ، و العقلاء عرفوا بعقولهم و بما أخبرهم أصحاب الوحى أنّ وراء هذا العالم المحسوس عالما آخر بل عوالم اخرى لا يحصى عددها إلاّ اللّه . و نظير ذلك أنّ جماعة زعموا أنّ الشمس واحدة ، و قد ورد في الأخبار و أثبتت الارصاد أن وراء هذه الشمس شموسا لا يحصى عددها إلاّ اللّه تعالى و قد فتح اللّه على عقول المتوسطين بابا إلى بعض تلك العوالم غير المحسوسة و هى باب الرؤيا الصادقة فانّ الانسان في منامه قد يطلع على امور غائبة لا يمكن [ 425 ] أن يطلع عليها أحد بحواسه و عقله لعدم وجودها بعد ، كموت زيد بعد سنة مثلا و ليس العلم به و انتقاش ذهن أحد بمثله ممكنا في زمان الرؤيا إلاّ أن يكون صورا و نقوشا مسطورة في ذهن عال من موجود عالم بالغيب غيرنا و غير من في عالمنا ، فيدرك الانسان بعقله أن في الوجود عالما غير عالمنا و في ذلك العالم علماء بما لم يوجد بعد و ليس ما رآه النّائم في منامه إلاّ مأخوذا من ذلك العالم و ليست الرؤيا أوهاما و خيالات باطلة لا أصل لها دائما إذ لو كان كذلك لم يكن ينطبق على الحقيقة و لم يكن للرؤيا تعبير أصلا و بالجملة أدرك الانسان بحسّه المشترك عالما آخر غير هذا العالم الجسماني ، و عرف أنّ نفسه يناسب ذلك العالم في الجملة حيث يرتبط به و يأخذ منه ، و هذا باب واسع حقّقه الحكماء خصوصا الشيخ أبو عليّ بن سينا في الاشارات . ثمّ بعد الاعتقاد بوجود عالم ما غير هذا العالم المادى المحسوس زال الاستعجاب من كلّ ما أخبرنا به الأنبياء و أصحاب النواميس الالهية من بقاء الرّوح و دخولها في عالم آخر و تمتّعها باللذات و انتفاعها بالمشتهيات هناك و لا يتصوّر أن يكون سعادة الموجود الكامل الرّوحاني أدنى و أقلّ من الانسان المخلوط من الرّوح و الجسم كما أنّ سعادة الانسان المخلوط ليس أقلّ من سعادة الجمادات ، فان عرف الانسان انه مستعدّ لادراك تلك السعادة العظمى اشتدّت حسرته من فواته و خاف من موت قلبه المانع من النيل بتلك السعادة أشدّ من خوف أهل الدّنيا من الموت الطبيعي ، و لذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام عليهم : و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب احيائهم . و إذا انتهينا إلى ذلك حقّ لنا أن نختم الكلام بالدّعاء لجميع من تصدّى لترويج الدين و تعليم المؤمنين بالتوفيق و السداد ، و لم نذكر مما اختلج فى الذّهن حين قراءة الخطبة من نكتة علمية و دقّة عقلية لئلاّ نخرج من سياق الكتاب ، فانّ الشّارح رحمه اللّه اكتفى بما هو سهل الوصول قريب المأخذ من رواية تاريخية و حكاية أدبية او حديث فى الأخلاق و تفسير يتعلّق بظواهر الألفاظ و غير ذلك مما يفيد أكثر الناس [ 426 ] و أما التحقيق العميق و البحث الدّقيق فممّا ينفر الطباع . الترجمة بدرستيكه پرهيزكارى كليد صلاح است و توشه آخرت و آزادى از بند بندگى و رهائى از دام هلاكت ، آنكه خواهنده خير است بتقوى بمقصود نائل آيد و آنكه از شر گريزان است بتقوى از آن رهائى جويد مقاصد مردمان بتقوى حاصل گردد پس اكنون كه عمل صالح بدرگاه الهى بالا ميرود و گناهكاران را توبه سود دارد آرامش حال برقرار و قلم فرشتگان بنوشتن اعمال بندگان روان است بكوشيد و بشتابيد پيش از آنكه عمر از شما روى بگرداند و پشت كند و بيمارى مانع عمل شود و مرگ ناگهان فرود آيد . مرگ لذات شما را تباه سازد و شهوات شما را مكدّر كند و شما را از مقاصد خود باز دارد ، بديدن آيد آنكه دوستش نداريد ، و با شما بكشتى در آويزد آنكه هرگز پشتش بزمين نيايد ، خون ريزد و كسى بكين او برنخيزد دام‏هاى او در شما آويخته و مصائب او شما را احاطه كرده است پيكان او بنشانه رسيده و حمله او بر شما گران است و تاختن او پى در پى ، كم افتد كه ضربت او نافذ نشود بزودى ابرهاى تيره مرگ شما را فراگيرد و بيمارى‏ها از جوانب درآيند و امواج تاريك آن بر گرد شما احاطه كند و سكرات موت شما را از خود باز گيرد و بشتاب ببرد و بحسرت براند در ميان طبقات تاريك و طعم آن بسيار ناگوار است ، گوئى اينك شما را دريافته گوينده شما را خاموش كرد و انجمن شما را پراكنده ساخت و آثار شما را محو كرد و سراهاى شما را خالى گذاشت وارثان را برانگيخت تا ميراث شما را تقسيم كردند ، يكى دوست نزديك شماست اما سود بحال شما ندارد ، ديگرى خويش است و از مرگ شما اندوهناك اما دفع مرگ نميتواند كرد ، و سيمى از مرگ شما شاد است و جزع نمى‏كند . بر شما است كه بجان بكوشيد و آماده گرديد و در جائى كه بايد توشه [ 427 ] گرفت توشه گيريد و زندگى دنيا شما را فريب ندهد چنانكه پيش از شما بسيار فريب داد ، از پستان او شير خوردند و در غفلت او فرصت جستند و آنچه آماده كرده بود تباه ساختند و جامه‏هاى نو آنرا كهنه و فرسوده كردند آخر مسكن آنها گور شد و مال آنها را بميراث بردند . بى وفاست و مكار و فريبنده ، مى‏دهد و مى‏ستاند ، مى‏پوشاند و برهنه ميسازد آسايش او پيوسته نماند و سختى آن نگذرد و بلاى آن ثابت نماند . و در صفت زاهدان فرمود : گروهى بودند از اهل دنيا اما اهل دنيا نبودند در دنيا بودند مانند كسى كه در دنيا نبود بآنچه ديدند و دانستند عمل كردند و از آنچه ميترسيدند درگذشتند تن آنها ميان أهل آخرت ميگردد چون ديدند مردم اين جهان از مرگ تن ميترسند آنها از مرگ دل در حال زندگى ترسان گشتند ثمّ إنّ حضرة الفاضل الأديب العالم الأريب الجامع بين العلوم العقلية و النّقلية و الحائز للملكة العلمية و العملية الشيخ المؤتمن الشيخ حسن الآملى ضاعف اللّه قدره و أجزل أجره تصدّى لشرح باقى كتاب نهج البلاغة و هو الحرى به و المتوقّع منه و هو كما قال بعض الأنصار كما قيل : عذيقها المرجب و جذيلها المحكك فقد جرّبته سنوات عند قراءة مختلف العلوم علىّ حتى حاز الرتبة القصوى و فاز بالقدح المعلى و نرجو من اللّه له التوفيق و لنا العبد أبو الحسن الشعرانى هذا آخر المجلد الرابع عشر من هذه الطبعة الجديدة القيمة ، و تم تصحيحه و ترتيبه و تهذيبه بيد العبد السيد ابراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه و ذلك فى 25 من الربيع المولود 1383 و يليه انشاء الله الجزء الخامس عشر و أوله : « و من خطبة له ( ع ) خطبها بذى قار » و الحمد للّه ربّ العالمين [ 2 ] ج 15 تقدمة و تقريظ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ بعد الحمد و الصّلوة يقول العبد أقل خدمة أهل العلم أبو الحسن بن محمّد المدعوّ بالشعراني عفى عنه : قد عنت العرب خاصّة و المسلمون عامّة بكلام أمير المؤمنين عليه السّلام سواء في ذلك خطبه و كتبه و كلماته القصار منذ صدر منه عليه السّلام إلى يومنا هذا لما اشتمل عليه من علم غزير و مواعظ حسنة و احتجاجات مقنعة و تعليم محاسن الآداب و مكارم الاخلاق و تحريك الهمم و تشحيذ العزائم و دقائق المعرفة و غير ذلك مما يقصر عن إدراكه ذهننا و من احصائه وسعنا مع عبارة بليغة لا يدانيها غيرها و قد أحسن من قال : هو فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق و يعنى غير كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث قال : أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش و استرضعت في بني سعد و قد اعتني المؤلفون بجمع خطبه أو كتبه و ذكر ناشيئا من ذلك في مقدمة شرح المولى صالح القزويني على نهج البلاغة بالفارسيّة و قلنا هناك ان أوّل من جمع خطب أمير المؤمنين عليه السّلام على ما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست زيد بن وهب الجهني قال له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السّلام على المنابر في الجمع و الأعياد و زيد بن وهب كان ممّن أدرك الجاهلية و الاسلام و قد اسلم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قصد التشرف بخدمته لكن لم يوفق و اختار اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله دار كرامته قبل وصوله [ 3 ] إليه و لذلك لم يعد في الصحابة بل من التابعين من كبارهم و نزل الكوفة و توفّي سنة 96 و كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان كتابه موجودا في زمان الشّيخ الطّوسي ( ره ) إذ رواه بإسناده عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن أبي منصور الجهني عن زيد بن وهب قال خطب أمير المؤمنين إلى آخر الكتاب . و ممّن جمع خطب أمير المؤمنين عليه السّلام إبراهيم بن حكم بن ظهير الفزاري و كان في حدود سنة ثمانين و مأة . و منهم اصبغ بن نباتة روى عهد أمير المؤمنين عليه السّلام للأشتر و وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة . و ممّن جمع خطبه عليه السّلام أيضا إسماعيل بن مهران بن محمّد بن زيد السّكوني من اصحاب الرضا عليه السّلام . و منهم صالح بن أبي حمّاد الرّازي كان ممّن رأى الامام أبا الحسن عليّ ابن محمّد العسكري عليه السّلام . و منهم السيّد الشّريف الصّالح الكريم عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضى اللّه عنه النزيل بالرّى و المدفون بها و قبره هنا ملجأنا و نفتخر بوجوده في جوارنا و هو ممّن جمع خطب جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام على ما قاله النّجاشي . و منهم إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي جمع خطبه و رسائله و سائر أخباره و توفّى سنة 283 . و منهم عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري من مشاهير المورخين و أصحاب الأخبار ألف كتابا في خطبه عليه السّلام و كتابا في رسائله و كتابا في أشعاره و كتابا في أدعيته و كتابا في مواعظه و سائر كلامه . و منهم هشام بن محمّد بن سائب الكلبي و كان قد ادرك الصّادق عليه السّلام و كان أبوه صاحب تفسير روى أهل السنّة أيضا قوله في تفاسيرهم مع كونه رافضيا في اصطلاحهم و منهم محمّد بن خالد الباقى والد أحمد صاحب المحاسن . و منهم محمّد بن عيسى الأشعري والد أحمد بن محمّد بن عيسى صاحب النّوادر . و منهم محمّد بن أحمد بن إبراهيم الجعفى الصّابونى الفقيه . [ 4 ] و منهم المدائنى أبو الحسن علىّ بن محمّد المتوفّى سنة 225 له كتب منها كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السّلام و رسائله إلى عماله . ثمّ إنّ كثيرا من المورّخين و المحدّثين نقلوا في سياق ما نقلوا من الحوادث و الوقائع كلامه و خطبه عليه السّلام كاليعقوبى و الطبري و أصحاب أخبار الجمل و صفين و نهروان و كتاب الكافى و غيره و لما وصلت نوبة الأمر إلى السيّد الرّضى « قدّس سرّه » اختار من جملة ما تقدّم و غيره جملا ضمّنها كتاب نهج البلاغة و شرحه العلماء شروحا كثيرة لا حاجة إلى ذكرها و من جملتها هذا الشرح المسمّى بمنهاج البراعة فانّه أطول شرح رأيناه لم يترك شارحه شيئا يليق أن يذكر من شرح لغة و اعراب و توضيح معنى و قصّة تناسب مورد الكلام و رواية يقوى بها المرام إلاّ أتى به لكنه لم يوفق لاتمامه و بقيت كتبه عليه السّلام و وصاياه و كلماته القصار بل بعض خطبه عليه السّلام غير مشروحة و تاقت نفوس الطالبين إلى تمامه و استشرقت أنظارهم على إكماله و تمنت رجال ان لو كان شارحه حيا إلى أن يقضى الوطر من تكملة الشرح لكن لم يكن قيّض له ذلك فتوفاه اللّه و اختار له الآخرة على الدّنيا و ختم عمله بقوله عليه السّلام : و العمل يرفع و تفألت من ذلك قبول عمله كما ذكرت ذلك فى آخر المجلد الرّابع عشر و لما كانت الخطبة التى شرع فيها غير مشروحة بتمامها إلى آخرها اردت ان اضمّ شيئا من كلامى إلى كلامه فأشترك معه فى رفع العمل فشرحت تمام الخطبة و ترجمتها بالفارسيّة على منواله و ألحقتها به حتّى يكمل الخطبة التى أخذ في شرحها و اطلع عليه بعض الاصدقاء و كان ذا ظن حسن بى فاستحسن عملى و ترجمتى فوق ما انا لائق به و زعم أن ترجمتى غير قاصرة عن بيان المراد مع حفظ السلاسة و بعده عن السّماجة التى تعرض عند نقل لغة الى اخرى و اقترح علىّ إتمام الشرح إلى آخر كتاب نهج البلاغة و كان ذلك دون طوقى مع كمال شوقى و بينت له ان هذا قد قضى وقته وفات اوانه لأنّ كلام أمير المؤمنين عليه السّلام مشتمل على فنون شتى من العلم تقصر عن إدراكه الهمم و تقف دون نيله الفطن كيف و هذا الشّرح مع طوله و اشتماله على ما يحتاج إليه في حلّ ظاهر الكتاب عادم اسرار و فاقد نكت [ 5 ] و تارك حقائق تستفاد من خطبه عليه السّلام في التّوحيد و المعارف و امثالها و قد مضت أكثرها فى المجلّدات السّابقة وفات أو ان استدراكها و قد يلتزم الشارح في الامامة باشياء لم يذكرها علماؤنا قدّس اللّه اسرارهم فى عقائد الطائفة الحقة أيدهم اللّه تعالى أو ردّوها و نفوا ان يكون الشّيعة قائلة به و ربما عدل عن الحجج القوية مثل ما أورده السّيّد المرتضى و الشّيخ الطوسى و نصير الدّين و العلامة رحمهم اللّه الى نقول غير متواترة و لا متفق على نقلها مع ان الغرض من بيان الاصول اما أن يكون اعتقاد الانسان بها في نفسه فيجب أن يكون دليله موجبا لليقين و ليس الا الخبر المتواتر و امّا أن يكون الغرض تبكيت الخصم فى مقام المجادلة فيجب أن يكون الخبر المحتج به ممّا يعترف به الخصم و أما الرّوايات غير المتواترة و لا متفق عليها فتناسب كتب المحاضرة و الطرايف و اللّطائف و أمثال ذلك و لا يناسب شرح نهج البلاغة الا ذكر الحقائق و قد فاتت و حلّ محلّ الحقائق امور لترويح الخاطر و اعجاب الناظر لا لبيان معضل و ايضاح مشكل و تأييد حق و ازهاق باطل و ما اردت بذكر ذلك الازراء و التنقيص لأن فوائت الكتاب بالنسبة الى فوائده قليلة جدا بل لا يعتد بها بل أردت بيان عذرى في الامساك عن قبول الاقتراح اذ لا بدّ لمكمّل هذا الشرح من تتبّع طريقته و انّى ارى ابداء الخفى و ما لو سكت عنه بقى على ابهامه أولى و أوجب من نقل امور موجودة فى كتاب مشهور الى موضع آخر و مع ذلك فانّى أستصوب عمل من يتصدّي لتكميل هذا الشرح نيلا لفوائده العظيمة و لما اطلعت على اهتمام حضرة الفاضل الأديب البارع العالم الجامع الحائز لقصبات السبق في مضمار اكتناه الحقائق و الفائز بالقدح المعلى فى استهام العلوم و الدّقائق ذو الفكرة النقادة و الفطنة الوقادة اللوذعى الألمعى الحبر الموتمن الحاج شيخ نجم الدّين حسن الآملى الطبري ضاعف اللّه قدره استبشرت به لما كنت اعرف من حذاقته و تتبعه و تبحره فى العلم و اناته فى مقاساة العمل و قد جربته سنين و عرفت دخلة أمره فقد قرء علىّ فنونا ممّا يهتمّ به غيره من المشتغلين و ما لا يهتمّ به لغموضه و لم يكن يقصر على اصول الفقه كغيره فان أبناء زماننا قاصرو الهمة يقنعون [ 6 ] من العلم بأقلّ شى‏ء منه كالمقتصر على قدر الضّرورة فى أكل الميتة و ترى كثيرا منهم لا يقتنون من العلوم الّتي ينسب إلى الشرع الا مسائل محدودة فى الاصول كالفرق بين المعنى الحرفى و الاسمى و الصحيح و الاعم و الترتب و اجتماع الأمر و النّهي و مقدمة الواجب و الفرق بين التعارض و الحكومة و الأصل المثبت و غيرها ممّا لا يجاوز عقد العشرة و من الفقه مسألة بيع المعاطاة و الفضولى و الخيارات و أمّا شيخنا المنوّه بذكره فلم يضنّ بوقته و لم يبخل بعمره بل صرفه فى العلوم الدّينيّة و أتقنها فهو استاد فى الأدب و اللّغة عارف بالقرآن و قراآته و تفسيره متقن لعلم الكلام و سائر العلوم العقليّة ناظر فى الحديث و الرّجال و سائر ما يعده غيره فضلا و لا يعتدون به مع انّ احتياج الدّين اليه اشدّ و أكثر ممّا يحتاجون اليه فى كسب الشهرة و تحصيل عنوان الاجتهاد و زاد على جميع ذلك فقرأ علىّ مع العلوم الشرعية كثيرا من الكتب الرّياضية كالمجسطى و اقليدس و شرح التذكرة و الاكر و غيرها و اتقن العمل بالزيجات الجديدة و استخراج تقويم الكواكب و سيرها و ما يتعلّق بها بالبراهين و بالجملة فهو حرىّ بأن يتصدّى معالى الامور و نرجو منه ان يكمل هذا الشرح بأحسن وجه و أجود طريق و قد أصلح قبل ذلك بعض الكتب و شرحها فأثبت مهارته و فقه اللّه لترويج العلم و الدين بمحمّد و آله الطاهرين . [ 7 ] مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ الحمد للّه الّذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم ، و جعله خليفة له و مظهره الأكمل الأتمّ ، و أنزل القرآن ليكون نبراسا للظلم ، و هاديا للأمم و للحقّ و الباطل فرقانا ، و للمعروف و المنكر ميزانا ، و لذوى العقول و العلوم برهانا و إنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قرآنا عربيّا غير ذي عوج لينذر من كان حيّا و يحق القول على الكافرين . و كلّفنا بما هو مقرون بالخير و الشرّ ، فأوجب الأوّل و حرّم الآخر ، و أمرنا بالعدل و الاحسان ، و نهانا عن الظلم و العدوان ، فتعالى أن يرجّح الآخر على الأوّل ، أو يقدّم المفضول على الفاضل فضلا على الأفضل ، أعاذنا اللّه من الخبل و الحول . و الصّلاة و السّلام على من ارسل شاهدا و مبشّرا و نذيرا ، و داعيا إلى اللّه باذنه و سراجا منيرا ، محمّد المصطفى خاتم النبيين ، و سيّد المرسلين ، و خلفائه الحجج الهادين المهديّين ، المنصوبين من عند علاّم الغيوب ، و المعصومين من الرجس و الذّنوب ، و المنزّهين عن الدّنس و العيوب ، الأئمّة الإثنى عشر ، سيّما على أبيهم خير البشر ، باب مدينة العلم ، يعسوب الدّين ، أمير المؤمنين ، وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة ، سيّد المسلمين ، إمام المتّقين ، قائد الغرّ المحجّلين ، و علينا و على عباد اللّه الصّالحين . و بعد فيقول الرّاجي إلى رحمة ربّه العلىّ ، المتمسّك بولاية مولاه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام الحسن بن عبد اللّه الطبري الآملي عاملهما اللّه بلطفه الخفي و الجليّ : إنّ كلام مولى الموحدين لمنهج البلاغة و مسلك الفصاحة ، [ 8 ] كلّت ألسن الخطباء عن ان يأتوا بمثل أوامره و خطبه ، و زلّت أقدام اقلام الامراء دون مبارزة رسائله و كتبه ، و حارت عقول العقلاء في بيداء مواعظه و حكمه ، كيف لا و القائل مقتبس بالأنوار الالهيّة ، و مستضى‏ء بالمشكاة المحمّدية ، و الكلام مستفاض من الصقع الرّبوبي ، و مستفاد من الحضرة النّبويّة ، فهو تالى القرآن و ثاني الفرقان ، صدق ولىّ اللّه حيث قال : إنا لامراء الكلام ، و فينا تنشّبت عروقه و علينا تهدّلت غصونه . ثمّ إنّ العلماء قد خاضوا قديما و حديثا في هذا القاموس العظيم لاقتناء درره ، و اجتهدوا حقّ الاجتهاد بما تيسّر لهم في بيانه و تفسيره ، و سلك كلّ واحد مسلكا في شرحه و تقريره ، و الكلّ ميسر لما خلق له ، قل كلّ يعمل على شاكلته ، و الّفوا فيها رسائل و كتبا قيمة منها : كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لمؤلّفه العالم الجليل و الحبر النبيل الميرزا حبيب اللّه الخوئي رضوان اللّه عليه و يكفي في جودة هذا السفر النفيس اقبال الفضلاء إليه حتّى طبع في أمد قليل غير مرّة فللّه درّ مصنّفه . و لكن لما بلغ رحمه اللّه إلى الخطبة المأتين و التّاسعة و العشرين انقطع مهله و انقضى أجله و قضى نحبه و جف قلمه فبقى هذا الأثر القويم أبتر فعزمت متوكّلا على اللّه المتعال و مستعينا به لاتمامه على النهج المذكور لكى يكون تكملة له و تماما فكتابنا هذا « تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة » و أسأل اللّه التّوفيق في إكماله و إتقانه إنّه وليّ التّوفيق و الهادي إلى خير طريق . ثمّ أسأله أن يوفق ناشر الآثار الجعفريّة ، مروّج الأسفار الإماميّة ، مدير المكتبة الاسلاميّة ، الوجيه المؤيد : الحاج السّيّد إسماعيل الموسويّ الكتابچي و اخوانه أطال اللّه بقائهم اخلاف المغفور المبرور مؤسّس المكتبة الإسلاميّة خادم الشّريعة النّبويّة و الآثار الجعفريّة الحاج السّيّد أحمد الموسويّ الكتابچي رضوان اللّه عليه ، و قد أقدموا إلى طبع هذه التكملة على نفقتهم ناوين في ذلك ترويج شعائر الدّين و نشر آثار سيّد المرسلين فجزاهم اللّه و ايانا عن الاسلام [ 9 ] و المسلمين خير جزاء آمين ربّ العالمين و نشرع الآن في شرح الكتاب بعون اللّه الملك الوهّاب . ربّ اشرح لي صدري و يسّرلي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .