جستجو

و من خطبة له ع يحمد

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الرابعة و التسعون من المختار فى باب الخطب الحمد للّه الّذي أظهر من آثار سلطانه و جلال كبريائه ما حيّر [ 184 ] مقل العيون من عجآئب قدرته ، و ردع خطرات هماهم النّفوس عن عرفان كنه صفته ، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه شهادة إيمان و إيقان ، و إخلاص و إذعان ، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ، أرسله و أعلام الهدى دارسة ، و مناهج الدّين طامسة ، فصدع بالحقّ ، و نصح للخلق و هدى إلى الرّشد ، و أمر بالقصد صلّى اللّه عليه و آله . و اعلموا عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا ، و لم يرسلكم هملا ، علم مبلغ نعمه عليكم ، و أحصى إحسانه إليكم ، فاستفتحوه ، و استنجحوه ، و اطلبوا إليه ، و استمنحوه ، فما قطعكم عنه حجاب ، و لا أغلق عنكم دونه باب ، و إنّه لبكلّ مكان ، و في كلّ حين و أوان « زمان خ » ، و مع كلّ إنس و جانّ ، لا يثلمه العطاء ، و لا ينقصه الحبآء ، و لا يستنفده سائل ، و لا يستقصيه نائل ، و لا يلويه شخص عن شخص ، و لا يلهيه صوت عن صوت ، و لا تحجزه هبة عن سلب ، و لا يشغله غضب عن رحمة ، و لا تولهه رحمة عن عقاب ، و لا يجنّه البطون عن الظّهور ، و لا يقطعه الظّهور عن البطون ، قرب فناى ، و علا فدنى ، و ظهر فبطن ، و بطن فعلن ، و دان و لم يدن ، لم يذرء الخلق باحتيال و لا استعان بهم لكلال . [ 185 ] أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ، فإنّها الزّمام و القوام ، فتمسّكوا بوثائقها ، و اعتصموا بحقائقها ، تؤل بكم إلى أكنان الدّعة ، و أوطان السّعة ، و معاقل الحرز ، و منازل العزّ ، في يوم تشخص فيه الأبصار ، و تظلم له الأقطار ، و تعطّل فيه صروم العشار ، و ينفخ في الصّور فتزهق كلّ مهجة ، و تبكم كلّ لهجة ، و تذلّ الشّمّ الشّوامخ ، و الصّمّ الرّواسخ ، فيصير صلدها سرابا رقرقا ، و معهدها قاعا سملقا ، فلا شفيع يشفع ، و لا حميم يدفع ، و لا معذرة تنفع . اللغة ( المقل ) جمع مقلة كغرف و غرفة و هى شحمة العين الّتي تجمع سوادها و بيضها و ( الهمهمة ) الكلام الخفي أو صوت يسمع و لا يفهم محصوله و تردّد الزئير في الصّدر من الهمّ و نحوه ، قاله في القاموس أقول : و الزئير مأخوذ من الزئر و هو ترديد الصّوت في الجوف ثمّ مدّه ، و يطلق الزئير على صوت الأسد من صدره و على كلّ صوت فيه بحح كصوت الفيلة و نحوها . و ( طمست ) الشي‏ء طمسا محوته و طمس هو يتعدّى و لا يتعدّي و طمس الطريق درست و ( الجانّ ) اسم جمع للجنّ و أبو الجنّ و ( استمنحوه ) بالنّون من المنحة و هى العطيّة و في بعض النّسخ بالياء يقال استمحت الرّجل طلبت عطاءه و محت الرّجل أعطيته و ( الثّلمة ) في الحايط و غيره الخلل و الجمع ثلم كغرفة و غرف و ( نفد ) الشى‏ء ينفد من باب تعب نفادا فنى و انقطع و أنفدته أفنيته و ( النّائل ) [ 186 ] العطاء كالنوال و النّال و ( سلبت ) ثوب زيد من باب قتل أخذته و السّلب بالتحريك الاختلاس و اسم لما يسلب و منه الحديث من قتل قتيلا فله سلبه . و قوله ( و لا يجنه البطون عن الظهور و لا يقطعه الظهور عن البطون ) هكذا في نسخة الشّارح المعتزلي بتذكير الفعلين ، و عليها فالبطون و الظهور مصدر بطن و ظهر ، و في بعض النّسخ بتأنيثهما و على ذلك فلا بدّ من جعلهما جمعا للبطن و الظهر كما هو مقتضى القواعد الأدبيّة . و ( الدّين ) الجزاء و منه الحديث كما تدين تدان أى كما تجازى تجازى بما فعلت و يقال أيضا على القهر و الغلبة قال ابن الأثير : و منه الحديث كان عليّ عليه السّلام ديّان هذه الامّة أى قاهرهم على الطّاعة و في القاموس الدّين الحساب و القهر و الغلبة و الاستعلاء و السّلطان و الملك و الحكم . و ( الكلال ) العجز و الاعياء و ( الاكنان ) جمع كن و هو السّتر يستر من الحرّ و البرد قال تعالى و من الجبال أكنانا و ( المعاقل ) جمع معقل و هو الملجأ . و ( الصّروم ) إمّا جمع صرمة بالكسر القطعة من الابل ما بين العشرة إلى الأربعين و القطعة من السّحاب و تجمع على صرم مثل سدرة و سدر و إمّا جمع صرم و هى الطّائفة المجتمعة من القوم ينزلون بابلهم ناحية من الماء و يجمع على أصرام مثل حمل و أحمال ، أو جمع صرماء و هى النّاقة القليلة اللّبن ، و تجمع على صرم وزان قفل و الأخير أظهر . و ( العشار ) من الابل النّوق أتى عليها من يوم ارسل الفحل فيها عشرة شهر فزال عنها اسم المخاض و لا يزال ذلك اسمها حتّى تضع ، و الواحدة عشراء ، و قال الفيروز آبادى و العشراء من النّوق الّتى مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية أو هى كالنّفساء من النساء و الجمع عشراوات و عشار ، أو العشار اسم يقع على النّوق حتّى تنتج بعضها و بعضها ينتظر نتاجها . ( و الشمّ ) جمع اشم يقول جبل اشم أى فيه شمم و ارتفاع و رجل اشم أى بأنفه ارتفاع قال في القاموس و ( رقرقان ) السّراب بالضم ما ترقرق منه أى تحرّك [ 187 ] و الرّقراقة التى كان الماء يجرى فى وجهها و ( القاع ) الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال و الآكام و ( السملق ) الصفصف و هى المستوى من الأرض . الاعراب قوله و اطلبوا إليه ، تعدية الطلب لتضمينة معنى التضرّع ، و قوله : تؤل ، بالجزم لوقوعه في جواب الأمر كما في نسخة الشارح المعتزلي ، و في أكثر النسخ بالرفع و الظاهر أنه على الاستيناف البياني ، و قوله : في يوم تشخص ، متعلّق بقوله تؤل ، و الفاء في قوله : فتزهق ، و قوله : فيصير ، و قوله : فلا شفيع ، كلّها فصيحة . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة للنصح و الموعظة و الأمر بالتقوى مع التنبيه على جملة من صفات الكمال و العظمة و الجلال للّه عزّ و جلّ ، و افتتحها بحمده و الثناء عليه و الشهادة بالتوحيد و الرّسالة فقال : ( الحمد للّه الذي أظهر ) في الملك و الملكوت و الانفس و الافاق و الأرض و السماوات ( من آثار سلطانه و جلال كبريائه ما حيّر مقل العيون ) و ابصار البصاير ( من عجايب قدرته ) و بدايع صنعته و قد تقدّم الاشارة إلى بعضها في شرح الخطب المسوقة لهذا الغرض و مرّ فصل واف منها في الخطبة التسعين و شرحها فانظر ما ذا ترى . و نسبة عجائب القدرة إلى سلطانه و جلال كبريائه لأنّ الاثار العظيمة و المبدعات المحكمة المتقنة إنما يناسب صدورها بالسّلطنة الالهيّة و الجلال الالهى . ( و ردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته ) أى دفع و منع الافكار و الرّويات التي تخطر بالنفوس و توجب همهمتها عن معرفة كنه صفات جماله و جلاله و يحتمل أن يراد بالهماهم نفس تلك الأفكار على سبيل الاستعارة لتردّدها في الجوف مثل تردّد الهماهم . [ 188 ] و كيف كان فالغرض منه التنبيه على عجز العقول و المشاعر الظاهرة و الباطنة عن إدراك حقيقته و ذاته حسبما عرفته فى شرح الفصل الثاني من الخطبة التسعين و في تضاعيف الشّرح مرارا ، و أردف الثّناء عليه تعالى بالشّهادة بتوحيده فقال : ( و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ) و قد مضى الكلام في تحقيق معناها و الأخبار الواردة في فضلها بما لا مزيد عليه في شرح الفصل الثاني من الخطبة الثانية ، و وصفها هنا بأوصاف أربعة : أحدها كونها ( شهادة ايمان ) أى يطابق القول فيها للعقد القلبي . ( و ) ثانيها كونها شهادة ( ايقان ) أى صادرة عن علم اليقين لا عن وجه التقليد و لا تكون كذلك إلاّ باعتقاد أن لا إله إلاّ هو مع اعتقاد أنّه لا يمكن أن يكون ذلك المعتقد إلاّ كذلك . ( و ) ثالثها أن تكون عن ( اخلاص ) أى جعلها خالصا عن شوب غيره من الرّيا و نحوه و قال الشّارح البحراني : هى أن يحذف عن ذلك المعتقد كلّ أمر عن درجة الاعتبار و لا يلاحظ معه غيره ، انتهى و قد مرّ له معنى آخر في الأخبار المتقدّمة في شرح الخطبة الثانية من أنّ إخلاصها أن حجزه لا إله إلاّ اللّه عمّا حرّم اللّه . ( و ) رابعها أن تكون متلبّسة ب ( اذعان ) و انقياد لما هو من توابعها و مقتضياتها من التّكاليف و الأحكام . و أردفها بالشهادة بالرّسالة لما عرفت في الأخبار المتقدّمة في شرح الخطبة الثّانية من فضل المقارنة بينهما فقال : ( و أشهد أنّ محمّدا عبده ) المرتضى ( و رسوله ) المصطفى ( أرسله ) إلى الخلق بالهدى و دين الحقّ على حين فترة من الرّسل و طول هجعة من الامم و انتقاض من المبرم ( و ) الحال أنّ ( أعلام الهدى دارسة ) استعارها للأنبياء و المرسلين و أولياء الدّين الّذين يهتدى بأنوارهم في سلوك سبيل اللّه كما يهتدى بالأعلام في الطّرق ، و دروسها بما كانت من الفترة بعد عيسى إلى بعثه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ( و مناهج الدّين طامسة ) أى طرق المعارف الحقّة الالهيّة مندرسة منمحية بطول المدّة و بعد العهد و غلبة الغفلة . [ 189 ] ( فصدع بالحقّ ) امتثالا لما كان مامورا به بقوله عزّ و جلّ فاصدع بما تؤمر و أصل الصّدع عبارة عن كسر الزّجاجة و شقّها و تفريقها ، فاستعير عنه للبيان الواضح و التبليغ الكامل ، و الجامع التأثّر . و قد قيل في تفسير الآية : أنّ معناها أبن الأمر إبانة لا تنمحى كما لا يلتئم كسر الزّجاجة ، و قيل : أفرق بين الحقّ و الباطل ، و قيل : شقّ جماعاتهم بالتّوحيد أو بالقرآن . ( و نصح للخلق ) بصرفهم عن الرّدى إلى الهدى و ردّهم عن الجحيم إلى النعيم ( و هدى إلى الرّشد ) أى إلى الصّواب و السّداد في القول و العمل ( و أمر بالقصد ) أى بالعدل في الامور المصون عن الافراط و التّفريط ، و يحتمل أن يكون المراد به قصد السبيل الموصل إلى الحقّ أى الصّراط المستقيم ( صلّى اللّه عليه و آله ) و سلّم ثمّ نبّه المخاطبين على عدم كونه تعالى في خلقهم و ايجادهم لاغيا عابثا فقال ( و اعلموا عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا ) تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، و انما خلقكم للمعرفة و العبوديّة كما قال « و ما خلقت الجنّ و الانس إلاّ ليعبدون » . ( و لم يرسلكم هملا ) أى لم يترككم سدى مهملين كالبهايم و الأنعام ، و إنّما كلّفكم بالتكاليف و الأحكام ( علم مبلغ نعمه ) و مقدارها كمّا و كيفا ( عليكم و أحصى إحسانه ) و فضله ( إليكم ) ليبلوكم أ تشكرونه أم تكفرون و من شكر فانّما يشكر لنفسه و من كفر فانّه غنىّ كريم ( فاستفتحوه ) أى اطلبوا منه فتح أبواب النّعم ( و استنجحوه ) أى اطلبوا منه نجاح عوائد المزيد و القسم ( و اطلبوا ) منه متضرّعين ( إليه ) أن يصرف عنكم ما لا يصرفه أحد غيره من عذاب النّار و سخط الجبّار . ( و استمنحوه ) أى اطلبوا منه أن يعطيكم ما لا يعطيه أحد غيره من فوز الجنان و رضى الرّحمن ، و طلب ذلك كلّه منه سبحانه إنما هو بالقيام بمراسم الحمد و الشكر و بالمواظبة على وظايف الطّاعات و القربات الّتي بها يستعدّ لافاضة الرّحمة و نزول الخيرات ، هذا . [ 190 ] و لمّا أمرهم بالطّلب و السّؤال أردفه بما يشوّقهم إلى ذلك و يرغّبهم إليه بالتّنبيه على انتهاء جميع السّؤالات و الطلبات إليه و عدم رادع و مانع من وصولها إليه و هو قوله : ( فما قطعكم عنه حجاب و لا اغلق عنكم دونه باب ) يعني أنّ بابه مفتوح لمن دعاه و ليس بينه و بين خلقه حجاب مانع و لا باب مغلق يمنع من الوصول إليه و من عرض الحوايج و المقاصد عليه كساير الملوك و السّلاطين يأخذون لأنفسهم حجّابا و بوّابا ، لأنّ ذلك من أوصاف الأجسام و صفات النّقص و الامكان و اللّه تعالى موصوف بالعظمة و الجلال منزّه عن الحيّز و المكان فلا يتصوّر أن يكون له باب أو عنده حجاب كما أفصح عن ذلك بقوله : ( و انّه لبكلّ مكان ) بالعلم و الاحاطة لا بالتحيّز و الحواية ، فلا يخفى عليه شي‏ء من حوائج السّائلين و إنّما منظره فى القرب و البعد سواء ، لم يبعد منه قريب و لم يقرب منه بعيد ، و لا يحويه مكان و لا يحيط به مكان حتّى إذا كان في ذلك المكان يحجب عنه أخبار ساير الأمكنة و المكانيّات . يوضح ذلك ما رواه في الكافي باسناده عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء لأبي عبد اللّه عليه السّلام في بعض ما كان يحاوره : ذكرت اللّه فأحلت على غايب فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و اليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم و يرى أشخاصهم و يعلم أسرارهم ، فقال ابن أبى العوجاء أ هو في كلّ مكان أ ليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض و إذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان و خلا منه مكان فلا يدرى في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذى كان فيه ، فأما اللّه العظيم الشأن الملك الدّيان فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان و لا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان . و قد مرّ هذا الحديث في شرح الفصل السادس من الخطبة الاولى و مرّ تحقيق الكلام في تنزّهه سبحانه من المكان في شرح الفصل الخامس منها فليراجع ثمّة [ 191 ] فانّ هناك مطالب نفيسة . و لما نبّه على عدم خلوّ الأمكنة منه عزّ و جلّ أردفه بالتنبّه على عدم خلوّ الأزمنة منه فقال : ( و في كلّ حين و زمان ) بالعلم و الاحاطة أيضا لا بمعنى ظرفيّته له ، لأنّ الكون فيه بمعنى الظرفية مستلزم للحدوث المنافي للوجوب ، فالواجب الأوّل تعالى منزّه عن ذلك ، و قد تقدّم مزيد تحقيق لذلك في شرح الخطبة المأة و الخامسة و الثمانين ( و مع كلّ إنس و جانّ ) لا معيّة بالاقتران بل بمعنى كونه عالما بهم شاهدا عليهم غير غايب عنهم كما قال عزّ من قائل « أ لم تر أنّ اللَّه يعلم ما فى السموات و ما في الأَرض ما يكون من نجوى ثلثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا ثمّ ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة انّ اللَّه بكلّ شي‏ء عليم » و قد مرّ مزيد تحقيق لهذا المعنى في شرح الفصل الخامس و السادس من الخطبة الاولى ، هذا . و لما شوّق المخاطبين إلى الطلب و السؤال بالتنبيه على عموم علمه بحالات السائلين و حاجات الطالبين و عدم خفاء شي‏ء منها عليه أكد تشويقهم بالتنبيه على سعة جوده فقال : ( لا يثلمه العطاء و لا ينقصه الحباء ) أى لا يوجب كثرة عطائه و مزيد حبائه خللا و نقصا في خزانة كرمه و بحر جوده ، و ذلك لعدم تناهى مقدوراته . و يوضح ذلك ما فى الحديث المرويّ فى الكافي عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول : فلو أنّ أهل سماواتي و أهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة ، و كيف ينتقص ملك أنا قيّمه ، فيابؤسا للقانطين من رحمتي ، و يا بؤسا لمن عصانى و لم يراقبنى . و بذلك الحديث أيضا اتّضح معنى قوله ( لا يستنفده سائل و لا يستقصيه نائل ) أى لا ينفى جوده سائل و إن بلغ الغاية فى طلبه و سؤاله ، و كذا لا يبلغ القصوى و الغاية عطاؤه و نواله بل لو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال و ضحكت عنه أصداق البحار من فلزّ اللّجين و العقيان و نثارة الدّر و حصيد المرجان ما أثّر ذلك فى جوده و لا [ 192 ] أنفد سعة ما عنده ، و لكان عنده من ذخاير الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام ، لأنّه الجواد الّذى لا يغيضه سؤال السّائلين ، و لا يبخّله إلحاح الملحّين حسبما مرّ في الخطبة التّسعين . ( و لا يلويه ) أى لا يصرفه ( شخص عن شخص و لا يلهيه ) أى لا يشغله ( صوت عن صوت ) لأنّ الصّرف و اللّهو يستلزمان الغفلة عن أمر و الفطنة لغيره بعد الغفلة عنه و هما من عوارض المزاج الحيواني و توابع الامكان . ( و لا تحجزه هبة عن سلب ) أى لا يمنعه البذل و الانعام عن سلب المال و أخذه قال الشّارح المعتزلي : أى ليس كالقادرين منّا فانّ الواحد منّا يصرفه اهتمامه بعطيّة عن سلب مال عمرو حال ما يكون مهتمّا بتلك العطيّة لأنّ اشتغال القلب بأحد الأمرين يشغله عن الآخر ، انتهى . أقول : و محصّله أنّه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، و يحتمل أن يراد به أنّه تعالى لا يمنعه هبته لأحد و إنعامه عليه عن سلب نعمة اخرى عنه كالواحد منّا إذا وهب يمنعه هبته عن سلبه ، لاستلزام الهبة فينا التلطف و العطف ، و استلزام السلب فينا الغيظ و الغضب ، و هما أمران متضادّ ان لا يمكن اجتماعهما في شخص واحد في حالة واحدة ، فلا يكون الواهب حال ما هو واهب سالبا و بالعكس ، و أمّا الواجب تعالى فلمّا لم يكن منشأ هبته و سلبه العطف و الغضب لكونهما من عوارض المزاج الحيوانى و تنزّهه عنها جاز اتّصافه بهما معا . و هذان الاحتمالان يأتيان في قوله ( و لا يشغله غضب عن رحمة ) و المراد بهما غايتهما ، أى العقاب و الاحسان لا معناهما المعروف المستلزم للحدوث و النّقصان . و أمّا قوله ( و لا تولهه رحمة عن عقاب ) فقد قال الشارح المعتزلي أى لا يحدث الرّحمة لمستحقها عنده ولها و هو التحيّر و التردّد و يصرفه عن عقاب المستحقّ ، و ذلك لأنّ الواحد منّا إذا رحم انسانا حدث عنده رقّة خصوصا إذا توالت منه الرّحمة لقوم متعدّدين فانه يصير الرّحمة كالملكة عنده فلا يطيق فى تلك الحال أن ينتقم [ 193 ] و البارى سبحانه بخلاف ذلك ، لأنّه ليس بذى مزاج سبحانه ، هذا . و قوله ( و لا يجنّه البطون عن الظّهور ) قد تقدّم منّا في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين و الخطبة الرّابعة و السّتين ما هو كاف في شرح معنى هذه الفقرة و ما يتلوها من الفقرات الآتية إلى قوله : و بطن فعلن . و أقول هنا مزيدا للتّوضيح : إنّ الغرض بهذه الجملات جميعا التّنبيه على كمال الحقّ المتعال عزّ و جلّ و على تنزّهه من صفات المخلوقين ، فانّ البطون في الخلق مانع من الظهور ، و الظهور من البطون ، و القرب من البعد ، و البعد من القرب ، و العلوّ من الدّنوّ ، و الدّنوّ من العلوّ لكون كلّ من هذه الصّفات بمعناه المعروف مضادا للآخر ، فلا يمكن اتّصاف شخص واحد بهما معا في حالة واحدة و لا اجتماعهما في محلّ واحد على ما هو مقتضى التّضادّ . أمّا اللّه الحىّ القيّوم جلّ جلاله فيتّصف بهما جميعا بمعنى آخر وراء ذلك المعنى المعروف ، فهو تعالى ظاهر باطن قريب بعيد عال دان . و على ذلك فلا يجنّه البطون عن الظهور ، أى لا يستره خفاؤه بذاته عن ظهوره بآياته ، أو لا يستره اختفاؤه عن الأبصار عن ظهوره للعقول و البصاير ، أو لا يحجبه خفاؤه عن الأبصار و الأوهام بذاته عن قهره و غلبته للأشياء بسلطانه و قدرته . و محصّله أنّه ليس بطونه بلطافة أو اجتنان ، و لا ظهوره برؤية و عيان حتّى يكون اتّصافه بأحدهما حاجبا و مانعا عن الآخر كما في المخلوق . و على ما في بعض النّسخ من رواية لا تجنّه بصيغة التّأنيث ، فالمراد أنّه لا تستره بواطن الأشياء عن ظواهرها أى لا تحجب علمه بطونها عن ظهورها ، لأنّ علمه ببواطن الأشياء ليس على وجه الاستبطان و الغور فيها ، و لا علمه بظواهر الأشياء من أجل كونه فوقها حتّى تحجبه البطون عن الظّهور و الظّهور عن البطون كما فينا . و يحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى حين ما هو عالم بالباطن عالم بالظاهر لكمال علمه و عموم إحاطته ، و ليس كالمخلوق حين علمه بأحدهما يغفل عن الآخر لنقصان علمه و قصوره . [ 194 ] ( و ) بذلك كلّه ظهر أيضا معنى قوله : ( لا يقطعه الظّهور عن البطون ) و أمّا قوله ( قرب فنأى ) فالمراد به أنّه قرب من الخلق بالعلم و الاحاطة و بالرّحمة و الافاضة ، و بعد عنهم بالذّات و الحقيقة و ليس قربه قربا مكانيّا حتّى ينافي لبعده ، و لا بعده بعدا مكانيّا بتراخى مسافة حتّى ينافي لقربه . ( و علا فدنا ) أى علا بحوله و قدرته و غلبته و سلطانه و دنا بطوله و فضله و مننه و احسانه كما مرّ التصريح به منه عليه السّلام في الخطبة الثّانية و الثمانين ، و يجوز أن يراد علوّه على الأشياء بجلاله و عزّته و دنوّه منها بعلمه و احاطته ، و أن يراد بالعلوّ العلوّ بالعليّة و بالدّنوّ قربه من الأشياء قرب العلّة من معلولها ، و هذا هو الأولى بالارادة هنا و أنسب بعطفه الدّنوّ على العلوّ بالفاء المفيدة لتفريعه عليه فافهم جيّدا و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الخطبة التّاسعة و الأربعين . ( و ظهر فبطن ) أى ظهر على الأشياء بسلطانه و عظمته ، و بطن في الأشياء بعلمه و معرفته ( و بطن فعلن ) أى خفى بذاته و كنهه و ظهر بآثاره و آياته ، و هاتان الفقرتان تأكيدتان للفقرتين المتقدّمتين ، فانّه لمّا نبّه فيهما على عدم حجب بطونه عن ظهوره و ظهوره عن بطونه نبّه هنا على ما يستلزمه عدم الحجب و هو اتّصافه بهما معا روى في الكافي في باب الفرق بين المعاني الّتي تحت أسماء اللّه تعالى و أسماء المخلوقين عن عليّ بن محمّد مرسلا عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال : قال : و أمّا الظاهر فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليها و تسنّم لذراها ، و لكن ذلك لقهره و غلبته الأشياء و قدرته عليها ، كقول الرّجل ظهرت على أعدائى و أظهرنى اللّه على خصمى ، يخبر عن الفلج و الغلبة فهكذا ظهور اللّه على الأشياء ، و وجه آخر أنّه الظّاهر لمن أراده و لا يخفى عليه شي‏ء و أنّه مدبّر لكلّ ما برء فأىّ ظاهر أظهر و أوضح من اللّه تبارك و تعالى ، لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت و فيك من آثاره ما يغنيك ، و الظّاهر منّا البارز بنفسه و المعلوم بحدّه فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى . [ 195 ] و أمّا الباطن فليس على معنى الاستبطان في الأشياء بأن يغور فيها ، و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته و علمت مكتوم سرّه ، و الباطن منّا الغايب في الشي‏ء المستتر و قد جمعنا الاسم و اختلف المعنى . ( و ) أمّا قوله ( دان و لم يدن ) فأراد به أنّه جزى العباد بأعمالهم إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا ، و لم يجز ، أو أنّه حاسب و لم يحاسب ، أو أنّه استعلا عليهم و لم يستعل عليه ، أو أنّه تسلّط على كلّ ما سواه و لم يسلّط عليه ، أو أنّه ملك جميع الخلايق و لم يملك ، أو أنّه قهر الكلّ و غلبهم بافتقار الكلّ إليه و استغنائه عنهم و لم يقهر عليه . قال الرّضا عليه السّلام في الحديث الّذى قدّمناه آنفا : و أما القاهر فانّه ليس على معنى علاج و نصب « و تصلّب خ » و احتيال و مداراة و مكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا و المقهور منهم يعود قاهرا و القاهر يكون مقهورا ، و لكن ذلك من اللّه عزّ و جلّ على أنّ جميع ما خلق ملبس به الذّل لفاعله و قلّة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون ، و القاهر منّا على ما ذكرت و وصفت فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى . ( لم يذرء الخلق باحتيال ) أى لم يخلقهم باستخراج وجوه الحيل و إجالة الرّأى و الفكر في استخراجها كما هو شأن البشر في صنعهم ، و ذلك لأنّ الفكرة و الحركة القلبية مختصّة بذوى الضماير ، و جلال البارى تعالى شأنه منزّه عنه و إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . ( و لا استعان بهم لكلال ) أى لعجز و اعياء ، لأنّ منشأ الاعياء تناهي القوّة الجسمية المخصوصة بذوى الأجسام ، و طلب العون و الحاجة إلى المعين من ضعف القدرة ، و إذ لا ضعف و لا عجز لكمال ذاته سبحانه قوّة و قدرة فلا يتصوّر في حقه الاستعانة . و لما فرغ من تمجيد الحقّ المتعال بما هو أهله و تنزيهه عن صفات النقص [ 196 ] و الافتقار أردفه بالايصاء بما لا يزال يوصى به فقال : ( اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه فانها الزّمام ) للانسان المانع له عن تقحّم المهالك الجاذب إلى أقوم المسالك و الصارف له عن الرّدى إلى الهدى و عن الجحيم إلى النعيم كما أنّ الزّمام للخيل مانع لها عن اقتحام الهلكات و تورّط الورطات ( و ) هي أيضا ( القوام ) أى قوام الدّين و نظام وظايف الشرع المبين . ( فتمسكوا بوثائقها ) أى بعريها الوثيقة و حبالها المحكمة من الطاعات و القربات التي هي جزؤها . ( و اعتصموا بحقايقها ) أى باصولها الثابتة الموافقة للواقع و المطابقة لغرض الشارع . و أشار إلى ثمرة التمسك و الاعتصام بها بقوله ( تؤل بكم ) أى ترجعكم و تقودكم ( إلى أكنان الدّعة ) و مواطن الرّاحة متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا ، و دانية عليهم ظلالها و ذللت قطوفها تذليلا . ( و أوطان السعة ) أى جنة عرضها السموات و الأرض مع عيش سعيد و أكل رغيد ، فالدّاخل فيها في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا و اشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية . ( و معاقل الحرز ) المانعة من عذاب النار و من غضب الجبار و ظلّ ذى ثلاث شعب لا ظليل و لا يغنى من اللّهب . ( و منازل العزّ ) أى حظاير القدس و مجالس الانس مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين من السادة الأبرار و القادة الأخيار في جنات تجرى من تحتها الأنهار ، و إذا رأيت ثمّ رأيت نعيما و ملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق و حلّوا أساور من فضّة و سقيهم ربّهم شرابا طهورا ، إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا و لما أوصى بالتقوى و أمر بالتمسك و الاعتصام بها و رغّب فيها بالتنبيه على مالها من المنفعة العظيمة و هى إرجاعها إلى جنّة النعيم أكّد ذلك الترغيب بانجائها [ 197 ] من الهول العظيم و أشار إلى ذلك بقوله . ( في يوم ) أى اعتصموا بالتقوى تؤل بكم إلى مساكن الأمن و العزّ و السعة و الراحة في يوم القيامة و ما أعظم شدايدها و أهوالها ، و قد زلزلت الأرض فيها زلزالها و أخرجت الارض أثقالها و قال الانسان ما لها . ( تشخص فيه الأبصار و تظلم له الأقطار ) أما شخوص الأبصار في ذلك اليوم فهو نصّ الكتاب الكريم قال تعالى فى سورة إبراهيم و لا تحسبنّ اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون انما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار . مهطعين مقنعى رؤسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء . قال الطبرسيّ : معناه إنما يؤخّر عقابهم إلى يوم القيامة و هو اليوم الذي تكون الابصار فيه شاخصة عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم و لا تطرف ، و قيل تشخص أبصارهم إلى إجابة الدّاعي حين يدعوهم ، و قيل : تبقى أبصارهم مفتوحة لا تنطبق للتحير و الرّعب . مهطعين أى مسرعين ، و قيل : يريد دائمى النظر إلى ما يرون لا يطرفون . مقنعى رؤسهم ، أى رافعى رؤوسهم إلى السماء حتى لا يرى الرّجل مكان قدمه من شدّة رفع الرّأس ، و ذلك من هول يوم القيامة . لا يرتدّ إليهم طرفهم ، أى لا يرجع إليهم أعينهم و لا يطبقونها و لا يغمضونها ، و إنما هو نظر دائم . و أما ظلمة الاقطار فقد اشير إليها و إلى ما تقدّم أيضا في قوله تعالى فاذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر يقول الانسان يومئذ أين المفرّ . في الصّافي عن القمّي قال : يبرق البصر فلا يقدر أن يطرف و قرء بفتح الرّاء و هو لغة ، أو من البريق من شدّة شخوصه ، و خسف القمر ذهب ضوءه و نوره ، و جمع الشّمس و القمر قال الطبرسيّ : أى جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها حتّى يراهما كلّ أحد بغير نور و ضياء . و في الصّافي من الاحتجاج عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه سئل عن قوله « يوم تبدّل [ 198 ] الأرض غير الأَرض » و قيل له : فأين النّاس يومئذ ؟ فقال : في الظلمة دون المحشر . ( و تعطل فيه صروم العشار ) قد مرّ تفسيرهما في بيان اللّغة ، و قد صرّح بتعطيلها و اشير إلى ظلمة الأقطار كليهما في قوله تعالى إذا الشّمس كوّرت . و إذا النّجوم انكدرت . و إذا الجبال سيّرت . و إذا العشار عطلت قال أمين الاسلام الطبرسيّ : أخبر اللّه سبحانه عن القيامة و شدائدها فقال : إذا الشّمس كوّرت ، أى ذهب ضوءها و نورها فاظلمت و اضمحلّت ، و إذا النّجوم انكدرت ، أى تساقطت و تناثرت ، و إذا الجبال سيّرت ، عن وجه الأرض فصارت هباء منبثّا ، و إذا العشار عطلت ، أى النّوق الحوامل الّتي أتت عليها عشرة أشهر ، و هو أنفس مال عند العرب تركت هملا بلا راع ، هذا . و لمّا ذكر جملة من أوصاف يوم القيامة و أهاويلها تحذيرا منها أردفها بذكر نفخ الصّور الذى هو من أشراط الساعة و علاماتها الدّالة على قربها تهويلا به أيضا فقال : ( و ينفخ في الصّور ) و قد مضى شرح وصفه و تفصيل كيفيّة النفخ فيه في شرح الفصل الثّالث من الخطبة الثّانية و الثمانين بما لا مزيد عليه . و أراد به النّفعة الاولى كما يدلّ عليه قوله : ( فتزهق كلّ مهجة و تبكم كلّ لهجة ) أى تضمحلّ و تهلك كلّ قلب و تخرس كلّ لسان ، و هو كناية عن هلاك العموم ، و قد اشير إليه في قوله تعالى و نفخ في الصّور فصعق من في السموات و من في الأرض . و يدلّ عليه أيضا قوله ( و تذلّ الشّم الشّوامخ ) أى الجبال الرّاسيات الشّامخات العاليات ( و الصّم الرّواسخ ) أى الثابتات المحكمات الرّاسيات و أراد بذلّتها دكّ بعضها بعضا من هيبة جلاله عزّ و جلّ و مخوف سلطنته . و قد اشير إلى ذلك في قوله تعالى فاذا نفخ في الصّور نفخة واحدة . و حملت الأَرض و الجبال فدكّتا دكّة واحدة . فيومئذ وقعت الواقعة . قال السيّد المحدّث الجزائرى : إنّ النفخة الاولى الّتي هى للهلاك تأتى [ 199 ] النّاس بغتة و هم في أسواقهم و طلب معايشهم ، فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم و أكبادهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة ، فيبقى الجبّار جلّ جلاله فيأمر عاصفة فتقطع الجبال من أماكنها و تلقيها في البحار ، و تفور مياه البحار و كلّما في الأرض و تسطح الأرض كلّها للحساب ، فلا يبقى جبل و لا شجر و لا بحر و لا وهدة و لا تلعة ، فتكون أرضا بيضاء حتّى أنّه روي لو وضعت بيضة في المشرق رأيت في المغرب . و إلى ذلك أشار بقوله ( فيصير صلدها سرابا رقرقا ) أى يصير صلبها مثل السّراب المترقرق المتحرّك . ( و معهدها قاعا سملقا ) أى ما كان منها معهدا للنّاس و منزلا لهم أرضا خالية صفصفا مستوية ليس للجبل فيها أثر . و قد اشير إلى هذين في قوله تعالى و يسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربّى نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً و لا أمتاً و في قوله و بسّت الجبال بسّاً فكانت هباءً منبثاً و قوله يوم ترجف الأَرض و الجبال و كانت الجبال كثيباً مهيلاً و قد مضى تفسير هذه الآيات و جملة ممّا ينفع في هذا المقام في شرح الفصل الثالث من الخطبة المأة و الثامنة ، هذا . و لمّا ذكر جملة من أهوال يوم القيامة و أفزاعها و شدائدها رتّب على ذلك قوله ( فلا شفيع يشفع و لا حميم يدفع و لا معذرة تنفع ) تنبيها بذلك على أنه لا ملجأ من أهاويلها و لا منجا ترغيبا به على ملازمة التقوى الّتي هى الغرض الأصلى من سوق هذا الفصل و النتيجة لتمهيد تلك المقدّمات لأنّها المعاذ و الملاذ و الملجاء و المنجا من هذه الأهاويل القائدة للآخذ بها و الملازم عليها إلى أكنان الدّعة و أوطان السّعة و غرفات الجنان و منازل الرّضوان كما قال تعالى و أنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه ولىّ و لا شفيع لعلّهم يتّقون و قد اشير إلى عدم الشفيع و الحميم في قوله تعالى في سورة الشعرا يوم لا ينفع مال و لا بنون . إلاّ من اتى اللَّه بقلب سليم . و ازلفت الجنّة للمتقين . و برّزت . الجحيم للغاوين إلى قوله حكاية عن الغاوين فما لنا من شافعين . و لا صديق حميم [ 200 ] قال أمين الاسلام الطبرسيّ : أى لا ينفع المال و البنون أحدا إذ لا يتهيّأ لذى مال أن يفتدى من شدائد ذلك اليوم به ، و لا يتحمّل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم من الشّرك و الشكّ . و روى عن الصادق عليه السّلام أنه قال : هو القلب الذى سلم من حبّ الدّنيا ، و يؤيّده قول النبي صلّى اللّه عليه و آله : حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة . و ازلفت الجنّة للمتقين أى قربت لهم ليدخلوها ، و برّزت الجحيم للغاوين . أى أظهرت و كشف الغطاء عنها للضالين عن طريق الحقّ و الصواب . ثمّ أظهر الغاوون الحسرة فقالوا : فما لنا من شافعين يشفعون لنا و يسألون فى أمرنا ، و لا صديق حميم أى ذى قرابة يهمّه أمرنا أى ما لنا شفيع من الأباعد و لا صديق من الأقارب ، و ذلك حين يشفع الملائكة و النّبيون و المؤمنون . و اشير إلى عدم نفع المعذرة فى سورة الرّوم بقوله « فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون » أى لا ينفع الظالمين اعتذارهم لعدم تمكنهم من الاعتذار ، و لو اعتذروا لم يقبل عذرهم و لا يطلب منهم الاعتاب و الرّجوع إلى الحقّ ، و فى سورة المؤمن « يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدّار » أى ان اعتذروا من كفرهم لم يقبل منهم و إن تابوا لم ينفعهم التّوبة . قال الطبرسىّ : و انما نفى أن ينفعهم المعذرة فى الآخرة مع كونها نافعة فى دار الدّنيا ، لأنّ الآخرة دار الالجاء إلى العمل و الملجأ غير محمود على العمل الذى الجأ اليه ، و لهم اللعنة و البعد من الرّحمة ، و لهم سوء الدّار جهنّم و بئس القرار ، نعوذ باللّه من غضب الجبار . بشارة اعلم أنّ ظاهر قوله : فلا شفيع يشفع و لا حميم يدفع ، عموم انتفاء الانتفاع بالشفيع و الحميم يوم القيامة على ما هو مقتضى القاعدة الاصولية المقرّرة من إفادة النّكرة في سياق النفى للعموم ، لكن الأدلة القاطعة من الكتاب و السّنة قد قامت [ 201 ] على التخصيص أمّا القرابة فقد ورد في الأخبار الكثيرة المستفيضة أنّ كلّ سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سبب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نسبه . و أمّا الشفاعة فلا خلاف بين علماء الاسلام بل صار من ضرورىّ دين سيّد الأنام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يشفع يوم القيامة لامّته بل لساير الامم أيضا . و إنّما الخلاف في أنّ الشّفاعة هل هى لطلب مزيد الأجر و جلب زيادة المنفعة فمختصّة بالمؤمنين المطيعين المستحقّين للثّواب فقط ، أو لدفع مضرّة العقوبة أيضا فتعمّ المجرمين المستحقّين للعقاب . فأكثر العامّة على عدم اختصاصها بأحد الفريقين ، و ذهب الخوارج و الوعيديّة من المعتزلة إلى اختصاصها بالفرقة الاولى . و الذى ذهبت إليه أصحابنا الاماميّة رضوان اللّه عليهم من دون خلاف بينهم هو عدم الاختصاص ، و قالوا : إنّه تنال الشفاعة للمذنبين من الشيعة و لو كان من أهل الكباير و الذى دلت عليه أخبارهم أيضا عدم اختصاص الشفيع برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل الأئمّة الهداة من ذرّيته و كذا ابنته الصّديقة الكبرى سلام اللّه عليها و عليهم تترى أيضا شفعاء دار البقاء بل المستفاد من بعض الأخبار أنّ علماء الشّيعة و الصالحين منهم أيضا يشفعون . إذا عرفت ذلك فلا بأس بايراد بعض الآيات و الأخبار الواردة في هذا الباب فأقول : قال أمين الاسلام في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً معناه يقيمك ربك مقاما محمودا يحمدك فيه الأَوّلون و الآخرون ، و هو مقام الشّفاعة تشرف فيه على جميع الخلايق تسأل فتعطى و تشفع فتشفع . و قد أجمع المفسّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشّفاعة ، و هو المقام الذى يشفع فيه للنّاس ، و هو المقام الذى يعطى فيه لواء الحمد فيوضع في كفّه و يجتمع تحته الأنبياء و الملائكة فيكون أوّل شافع و أوّل مشفّع . و قال عليّ بن إبراهيم في تفسير هذه الآية : حدّثنى أبي عن الحسن بن محبوب عن سماعة عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : سألته [ 202 ] عن شفاعة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم القيامة قال يلجم الناس يوم القيامة بالعرق فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم عليه السّلام يشفع لنا ، فيأتون آدم عليه السّلام ، فيقولون اشفع لنا عند ربك فيقول : إنّ لى ذنبا و خطيئة فعليكم بنوح عليه السّلام ، فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ، و يردّهم كلّ نبيّ إلى من يليه حتّى ينتهوا إلى عيسى عليه السّلام فيقول : عليكم بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فيعرضون أنفسهم عليه و يسألونه فيقول : انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنّة و يستقبل باب الرّحمن و يخرّ ساجدا فيمكث ما شاء اللّه فيقول اللّه : ارفع رأسك و اشفع تشفّع و سل تعط ، و ذلك قول اللّه عزّ و جل عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً . و روى عليّ بن إبراهيم أيضا عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن معاوية و هشام عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أبي و امّى و عمّي و أخ كان لى في الجاهليّة . و فى الصافى عن العياشي عن أحدهما عليهما السّلام في هذه الآية قال : هى الشّفاعة . و فيه عن روضة الواعظين عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : هو المقام الذى أشفع لامّتي . قال و قال صلّى اللّه عليه و آله إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكباير من امّتي فيشفعنى اللّه فيهم ، و اللّه لا تشفعت فيمن أذى ذرّيتى و قال الطبرسيّ في قوله تعالى و لا تنفع الشفاعة عنده إلاّ لمن أذن له إنّه لا تنفع الشّفاعة عند اللّه إلاّ لمن رضيه اللّه و ارتضاه و أذن له في الشفاعة مثل الملائكة و الأنبياء و الأولياء ، و يجوز أن يكون المعنى إلاّ لمن أذن اللّه في أن يشفع له فيكون مثل قوله و لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى و إنّما قال سبحانه ذلك ، لأنّ الكفار كانوا يقولون نعبدهم ليقرّبونا إلى اللّه زلفى و هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه ، فحكم اللّه ببطلان اعتقاداتهم . و فى تفسير علىّ بن إبراهيم في هذه الآية قال : لا يشفع أحد من أنبياء اللّه و رسله يوم القيامة حتّى يأذن اللّه له إلاّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانّ اللّه قد أذن له الشّفاعة من قبل يوم القيامة و الشفاعة له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للأئمة من ولده ، ثمّ بعد ذلك للأنبياء صلوات [ 203 ] اللّه عليهم و على محمّد و آله قال : حدّثنى أبي عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمّار عن أبي العبّاس المكبّر قال : دخل مولى لامرأة عليّ بن الحسين عليهما السّلام على أبيجعفر عليه السّلام يقال له أبو أيمن فقال : يا أبا جعفر تغترّون الناس و تقولون شفاعة محمّد شفاعة محمّد ، فغضب أبو جعفر عليه السّلام حتّى تربد وجهه ثمّ قال : ويحك يا أبا أيمن أغرّك أن عفّ بطنك و فرجك أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و يلك فهل يشفع إلاّ لمن وجبت له النّار ، ثمّ قال : ما أحد من الأوّلين و الآخرين إلاّ و هو محتاج إلى شفاعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم القيامة ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام : إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الشفاعة في امّته و لنا شفاعة في شيعتنا ، و لشيعتنا شفاعة في أهاليهم ، ثمّ قال عليه السّلام : و إنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة و مضر ، و إنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه و يقول : يا ربّ حقّ خدمتى كان يقينى الحرّ و البرد . و قال الطبرسيّ فى قوله عزّ و جلّ لا يملكون الشفاعة إلاّ من اتّخذ عند الرّحمن عهداً أى لا يقدرون على الشفاعة فلا يشفعون و لا يشفع لهم حين يشفع أهل الايمان بعضهم لبعض ، لأنّ تلك الشفاعة على وجهين : أحدهما أن يشفع للغير ، و الآخر أن يستدعى الشفاعة من غيره لنفسه ، فبيّن سبحانه أنّ هؤلاء الكفار لا تنفذ شفاعتهم لغيرهم و لا شفاعة لهم لغيرهم ، ثمّ استثنى سبحانه فقال : إلاّ من اتّخذ عند الرّحمن عهدا ، أى لا يملك الشفاعة إلاّ هؤلاء ، و قيل : لا يشفع إلاّ لهؤلاء و العهد هو الايمان و الاقرار بوحدانيّة اللّه تعالى و تصديق أنبيائه ، و قيل : هو شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أن يتبرّء إلى اللّه من الحول و القوّة و لا يرجو إلاّ اللّه . و فى الصافى من الكافي عن الصادق عليه السّلام إلاّ من دان اللّه بولاية أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السّلام من بعده فهو العهد عند اللّه . و فيه من الجوامع عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال لأصحابه ذات يوم : [ 204 ] أ يعجز أحدكم أن يتّخذ كلّ صباح و مساء عند اللّه عهدا ؟ قالوا : و كيف ذاك ؟ قال : يقول : اللّهمّ فاطر السّموات و الأرض عالم الغيب و الشّهادة إني أعهد إليك بأنّى أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك و أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبدك و رسولك و أنّك إن تكلني إلى نفسى تقربنى من الشرّ و تباعدنى من الخير ، و أنّى لا أثق إلاّ برحمتك ، فاجعل لى عندك عهدا توفينه يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد ، فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع وضع تحت العرش ، فاذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند اللّه عهد فيدخلون الجنّة . و قال الطبرسيّ في قوله تعالى فما لنا من شافعين و لا صديق حميم في الخبر المأثور عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : إنّ الرّجل يقول في الجنّة ما فعل صديقى و صديقه في الجحيم ، فيقول اللّه تعالى : أخرجوا له صديقه إلى الجنّة ، فيقول من بقى في النّار : فما لنا من شافعين و لا صديق حميم . و قال و روى العياشيّ عن حمران بن أعين عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : و اللّه لنشفعنّ لشيعتنا ، و اللّه لنشفعنّ لشيعتنا ، و اللّه لنشفعنّ لشيعتنا حتّى يقول النّاس : فما لنا من شافعين و لا صديق حميم فلو أنّ لنا كرّة فنكون من المؤمنين ، و في رواية اخرى حتّى يقول عدوّنا . و عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : إنّ المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفع فيهم حتّى يبقى خادمه فيقول و يرفع سبّا بتيه : يا ربّ خويدمى كان يقيني الحرّ و البرد ، فيشفع فيه . و فى الصافى من المحاسن عن الصادق عليه السّلام الشّافعون الأئمّة و الصّديق من المؤمنين ، و اللّه لنشفعنّ من المذنبين في شيعتنا حتّى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك : فما لنا من شافعين و لا صديق حميم . و فيه من الكافي عن الباقر عليه السّلام و انّ الشّفاعة لمقبولة و لا تقبل في ناصب ، و إنّ المؤمن ليشفع في جاره و ما له حسنة فيقول : يا ربّ جارى كان يكفّ عنّى الأذى فيشفع فيه فيقول اللّه تبارك و تعالى : أنا ربّك و أنا أحقّ من كافي عنك فيدخله [ 205 ] اللّه الجنّة و ماله حسنة ، و إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول أهل النار : فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و لنقتصر بذلك في هذا المقام و نسأل اللّه سبحانه بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله الكرام عليهم السّلام أن يثبتنا على القول الثّابت في الحياة الدّنيا ، و أن يخرجنا منها إلى الدّار الأخرى بموالاة أئمّة الهدى ، و أن لا يحرمنا من شفاعتهم الكبرى يوم لا ينفع مال و لا بنون و لا يدفع صديق حميم إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ، إنّه الغفور الرحيم ذو الفضل العظيم . الترجمة از جمله خطب شريفه آن بزرگوار است در حمد و ثناى إلهى و وصيّت به تقوى و پرهيزكارى ميفرمايد : سپاس خدا راست آنچنان خدائى كه آشكار كرد از آثار پادشاهى خود و بزرگى بزرگوارى خود آن چيزى را كه متحيّر گردانيد ديدهاى عقلها را از مقدورات عجيبه خود ، و دفع نمود خطورات فكرهاى نفسها را از شناسائى حقيقت صفت خود و شهادت ميدهم باينكه معبود بحقى نيست مگر خدا شهادتى از روى اعتقاد جازم ثابت خالص از شوب ريا ملازم طاعات و عبادات ، و شهادت ميدهم كه محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنده خالص اوست و پيغمبر اوست فرستاد او را در حالتيكه نشانهاى هدايت مندرس بود ، و راههاى دين محو شده بود ، پس آشكار كرد حق را و نصيحت كرد خلق را و هدايت نمود براه راست ، و امر نمود بعدل و قسط ، صلوات خدا بر او و بر أولاد او باد . و بدانيد اى بندگان خدا كه بتحقيق خدا خلق نفرموده شما را عبث و بيفايده و رها نكرده شما را سر خود ، دانسته است مقدار نعمتهاى خود را بر شما ، و شمرده است انعام خود را بر شما ، پس طلب فتح و نصرت كنيد از او و طلب فوز بمقصود نمائيد از او ، و متوجّه شويد بسوى او در مطالب ، و طلب بخشش او كنيد ، پس [ 206 ] نبريده است شما را از او پرده ، و بسته نشده است از شما نزد او هيچ درى ، و بدرستى كه او در هر مكان و در هر وقت و زمان حاضر ، و با هر انسان و جانّ مصاحب . صدمه نميرساند كرم او را بخشش و عطا ، و نقصان نمى‏رساند خزانه احسان او را كرم او ، و تمام نمينمايد بحر عطاى او را هيچ سؤال كننده ، و بپايان نمى‏رساند نعمتهاى او را هيچ عطيه ، پيچيده نمينمايد او را شخصى از شخصى ، و مشغول نميگرداند او را آوازى از آوازى ، و مانع نميشود او را بخششى از ربودنى ، و رو گردان نميسازد او را غضبى از رحمتى ، و حيران نميگرداند او را رأفتى از عذابى ، و پنهان نميدارد پنهانى ذات او از آشكارى آثار او ، و منقطع نميسازد ظهور آثار او از خفاء ذات او ، نزديك شد بمخلوقات با علم و قيوميّت پس دور شد از ايشان بحسب ذات ، و بلند شد بهمه چيز با استيلا و سلطنت پس نزديك شد بايشان با علم و احاطه و ظاهر شد پس از كثرت ظهور خفا بهم رساند ، و مخفى گشت پس در خفايش آشكار گرديد ، و لنعم ما قيل : از همه كان بى نياز و بر همه مشفق و ز همه عالم نهان و بر همه پيدا و جزا داد بهمه عباد و جزا داده نشد ، و خلق نفرمود خلق را با جولان فكر و تدبير ، و طلب اعانت نجست از ايشان بجهت عجز و ضعفى . وصيّت ميكنم شما را اى بندگان خدا بتقوى و پرهيزكارى خدا پس بدرستى كه آن تقوى افساريست مانع از دخول هلاكتها ، و قوام دين شما با اوست ، پس بچسبيد بريسمانهاى محكم او ، و چنك بزنيد بحقيقتهاى آن يعنى اعتقادات حقه يقينيه كه راجع ميسازد شما را بمكان‏هاى راحت و وطنهاى با وسعت و حصارهاى محكم و منزلهاى عزت در روزى كه شاخص ميشود در آن ديدها ، و تاريك ميشود بسبب شدت آن روز اطراف عالم ، و معطل و بى صاحب ميماند در آن روز شتران كم شير كه از مدت حمل او ده ماه گذشته باشد و نزديك بزائيدن شود . و دميده شود در صور اسرافيل پس مضمحل و هلاك مى‏شود هر قلب ، و لال ميشود [ 207 ] هر زبان ، و ذليل مى‏شود كوههاى بلند بالا و سنگهاى سخت محكم پس مى‏گردد سنگهاى صلب آنها مثل سراب متحرّك ، و قرارگاههاى آنها زمين خالى هموار بى بلند و پست ، پس نباشد شفيعى كه شفاعت نمايد ، و نه خويشى كه دفع عذاب كند و نه عذرى كه منفعت بخشد .