جستجو

من خطبة له ع في قدرة

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 113 ] 184 من خطبة له ع اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لْيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً المنصبة بالفتح و النصب التعب و الماضي نصب بالكسرة و هم ناصب في قول النابغة كليني لهم يا أميمة ناصب ذو نصب مثل رجل تامر و لابن و يقال هو فاعل بمعنى مفعول فيه لأنه ينصب [ 114 ] فيه و يتعب كقولهم ليل نائم أي ينام فيه و يوم عاصف أي تعصف فيه الريح و استعبدت فلانا اتخذته عبدا و الضراء الشدة . و معتبر مصدر بمعنى الاعتبار و مصاحها جمع مصحة مفعلة من الصحة كمضار جمع مضرة وصفه سبحانه بأنه معروف بالأدلة لا من طريق الرؤية كما تعرف المرئيات و بأنه يخلق الأشياء و لا يتعب كما يتعب الواحد منا فيما يزاوله و يباشر من أفعاله خلق الخلائق بقدرته على خلقهم لا بحركة و اعتماد و أسبغ النعمة عليهم أوسعها و استعبد الذين يدعون في الدنيا أربابا بعزه و قهره . و ساد كل عظيم بسعة جوده و أسكن الدنيا خلقه كما ورد في الكتاب العزيز إِنِّي جاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً . و بعث رسله إلى الجن و الإنس كما ورد في الكتاب العزيز يا مَعْشَرَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا . قال ليكشفوا لهم عن غطاء الدنيا أي عن عوراتها و عيوبها المستورة و ليخوفوهم من مضرتها و غرورها المفضي إلى عذاب الأبد . و ليضربوا لهم أمثالها كالأمثال الواردة في الكتاب العزيز نحو قوله تعالى إِنَّما مَثَلُ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ اَلسَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ اَلْأَرْضِ . . . الآية . قوله و ليهجموا عليهم هجمت على الرجل دخلت عليه بغتة يقول ليدخلوا عليهم بما في تصاريف الدنيا من الصحة و السقم و ما أحل و ما حرم على طريق الابتلاء . [ 115 ] ثم قال و ما أعد الله سبحانه للمطيعين منهم و العصاة يجوز أن تكون ما معطوفة على عيوبها فيكون موضعها نصبا و يجوز أن يكون موضعها جرا و يكون من تتمة أقسام ما يعتبر به و الأول أحسن . ثم قال ع إني أحمد الله كما استحمد إلى خلقه استحمد إليهم فعل ما يوجب عليهم حمده . ثم قال إنه سبحانه جعل لكل شي‏ء من أفعاله قدرا أي فعله مقدرا محدود الغرض اقتضى ذلك القدر و تلك الكيفية كما قال سبحانه وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ . و جعل لكل شي‏ء مقدر وقتا ينتهي إليه و ينقطع عنده و هو الأجل . و لكل أجل كتابا أي رقوما تعرفها الملائكة فتعلم انقضاء عمر من ينقضي عمره و عدم ما ألطافهم في معرفة عدمه : مِنْهَا فِي ذِكْرِ اَلْقُرْآنِ فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَ اِرْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَتَمَّ نُورَهُ وَ أَكْرَمَ بِهِ دِينَهُ وَ قَبَضَ نَبِيَّهُ ص وَ قَدْ فَرَغَ إِلَى اَلْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ اَلْهُدَى بِهِ فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ وَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وَ جَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً وَ آيَةً مُحْكَمَةً تَزْجُرُ عَنْهُ أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَ سَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ [ 116 ] وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ لَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ إِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ وَ تَتَكَلِّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَهُ اَلرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ وَ حَثَّكُمْ عَلَى اَلشُّكْرِ وَ اِفْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ اَلذِّكْرَ وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى وَ جَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ وَ حَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ وَ نَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ وَ تَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً وَ لاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ اَلْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ اَلظُّلَمِ وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اِشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَ اَلْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اِصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتُهُ وَ زُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ فَبَادِرُوا اَلْمَعَادَ وَ سَابِقُوا اَلآْجَالَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ اَلْأَمَلُ وَ يَرْهَقَهُمُ اَلْأَجَلُ وَ يُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ اَلتَّوْبَةِ فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ اَلرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ أَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ قَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالاِرْتِحَالِ وَ أُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ جعل القرآن آمرا و زاجر لما كان خالقه و هو الله سبحانه آمرا زاجرا به فأسند الأمر و الزجر إليه كما تقول سيف قاتل و إنما القاتل الضارب به و جعله صامتا ناطقا لأنه من حيث هو حروف و أصوات صامت إذ كان العرض يستحيل أن يكون ناطقا [ 117 ] لأن النطق حركة الأداة بالكلام و الكلام يستحيل أن يكون ذا أداة ينطق بالكلام بها و هو من حيث يتضمن الإخبار و الأمر و النهي و النداء و غير ذلك من أقسام الكلام كالناطق لأن الفهم يقع عنده و هذا من باب المجاز كما تقول هذه الربوع الناطقة و أخبرتني الديار بعد رحيلهم بكذا . ثم وصفه بأنه حجة الله على خلقه لأنه المعجزة الأصلية . أخذ سبحانه على الخلائق ميثاقه و ارتهن عليه أنفسهم لما كان سبحانه قد قرر في عقول المكلفين أدلة التوحيد و العدل و من جملة مسائل العدل النبوة و يثبت نبوة محمد ص عقلا كان سبحانه بذلك كالآخذ ميثاق المكلفين بتصديق دعوته و قبول القرآن الذي جاء و جعل به نفسهم رهنا على الوفاء بذلك فمن خالف خسر نفسه و هلك هلاك الأبد . هذا تفسير المحققين و من الناس من يقول المراد بذلك قصة الذرية قبل خلق آدم ع كما ورد في الأخبار و كما فسر قوم عليه الآية . ثم ذكر ع أن الله تعالى قبض رسوله ص و قد فرغ إلى الخلق بالقرآن من الإكمال و الإتمام كقوله تعالى اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و إذا كان قد أكمله لم يبق فيه نقص ينتظر إتمامه . قال فعظموا من الله ما عظم من نفسه لأنه سبحانه وصف نفسه بالعظمة و الجلال في أكثر القرآن فالواجب علينا أن نعظمه على حسب ما عظم نفسه سبحانه . ثم علل وجوب تعظيمه و حسن أمره لنا بتعظيمه سبحانه بكونه لم يخف عنا شيئا من أمر ديننا و ذلك لأن الشرعيات مصالح المكلفين و إذا فعل الحكيم سبحانه بنا [ 118 ] ما فيه صلاحنا فقد أحسن إلينا و من جملة صلاحنا تعريفنا من الشرعيات ما فعله لطف و مفض بنا إلى الثواب و هذا أبلغ ما يكون من الإحسان و المحسن يجب تعظيمه و شكره . قال لم يترك شيئا إلا و جعل له نصا ظاهرا يدل عليه أو علما يستدل به عليه أي إما منصوص عليه صريحا أو يمكن أن يستنبط حكمه من القرآن إما بذكره أو بتركه فيبقى على البراءة الأصلية و حكم العقل . قوله فرضاه فيما بقي واحد معناه أن ما لم ينص عليه صريحا بل هو في محل النظر ليس يجوز للعلماء أن يجتهدوا فيه فيحله بعضهم و يحرمه بعضهم بل رضا الله سبحانه أمر واحد و كذلك سخطه فليس يجوز أن يكون شي‏ء من الأشياء يفتي فيه قوم بالحل و قوم بالحرمة و هذا قول منه ع بتحريم الاجتهاد و قد سبق منه ع مثل هذا الكلام مرارا . قوله و اعلموا أنه ليس يرضى عنكم الكلام إلى منتهاه معناه أنه ليس يرضى عنكم بالاختلاف في الفتاوي و الأحكام كما اختلف الأمم من قبلكم فسخط اختلافهم قال سبحانه إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ . و كذلك ليس يسخط عليكم بالاتفاق و الاجتماع الذي رضيه ممن كان قبلكم من القرون . و يجوز أن يفسر هذا الكلام بأنه لا يرضى عنكم بما سخطه على الذين من قبلكم من الاعتقادات الفاسدة في التوحيد و العدل و لا يسخط عليكم بما تعتقدونه من الاعتقادات الصحيحة التي رضيها ممن كان قبلكم في التوحيد و العدل فيكون الكلام مصروفا إلى الأصول لا إلى الفروع . [ 119 ] قال و إنما تسيرون في أثر بين أي إن الأدلة واضحة و ليس مراده الأمر بالتقليد و كذلك قوله و تتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله قد قالها الموحدون من قبل هذه الملة لا تقليدا بل بالنظر و الدليل فقولوها أنتم كذلك . ثم ذكر أنه سبحانه قد كفى الخلق مئونة دنياهم قال الحسن البصري إن الله تعالى كفانا مئونة دنيانا و حثنا على القيام بوظائف ديننا فليته كفانا مئونة ديننا و حثنا على القيام بوظائف دنيانا . قوله و افترض من ألسنتكم الذكر افترض عليكم أن تذكروه و تشكروه بألسنتكم و من متعلقة بمحذوف دل عليه المصدر المتأخر تقديره و افترض عليكم الذكر من ألسنتكم الذكر . ثم ذكر أن التقوى المفترضة هي رضا الله و حاجته من خلقه لفظة حاجته مجاز لأن الله تعالى غني غير محتاج و لكنه لما بالغ في الحث و الحض عليها و توعد على تركها جعله كالمحتاج إلى الشي‏ء و وجه المشاركة أن المحتاج يحث و يحض على حاجته و كذلك الآمر المكلف إذا أكد الأمر . قوله أنتم بعينه أي يعلم أحوالكم و نواصيكم بيده الناصية مقدم شعر الرأس أي هو قادر عليكم قاهر لكم متمكن من التصرف فيكم كالإنسان القابض على ناصية غيره . و تقلبكم في قبضته أي تصرفكم تحت حكمه لو شاء أن يمنعكم منعكم فهو كالشي‏ء في قبضة الإنسان إن شاء استدام القبض عليه و إن شاء تركه . ثم قال إن أسررتم أمرا علمه و إن أظهرتموه كتبه ليس على أن الكتابة غير العلم بل هما شي‏ء واحد و لكن اللفظ مختلف . [ 120 ] ثم ذكر أن الملائكة موكلة بالمكلف و هذا هو نص الكتاب العزيز و قد تقدم القول في ذلك . ثم انتقل إلى ذكر الجنة و الكلام يدل على أنها في السماء و أن العرش فوقها . و معنى قوله اصطنعها لنفسه إعظامها و إجلالها كما قال لموسى وَ اِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي و لأنه لما تعارف الناس في تعظيم ما يصنعونه أن يقول الواحد منهم لصاحبه قد وهبتك هذه الدار التي اصطنعتها لنفسي أي أحكمتها و لم أكن في بنائها متكلفا بأن أبنيها لغيري صح و حسن من البليغ الفصيح أن يستعير مثل ذلك فيما لم يصطنعه في الحقيقة لنفسه و إنما هو عظيم جليل عنده . قوله و نورها بهجته هذا أيضا مستعار كأنه لما كان إشراق نورها عظيما جدا نسبه إلى بهجة البارئ و ليس هناك بهجة على الحقيقة لأن البهجة حسن الخلقة قال تعالى وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي من كل صنف حسن . قوله و زوارها ملائكته قد ورد في هذا من الأخبار كثير جدا و رفقاؤها رسله من قوله تعالى وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً . و يوشك بكسر الشين فعل مستقبل ماضيه أوشك أي أسرع . و رهقه الأمر بالكسر فاجأه . و يسد عنهم باب التوبة لأنه لا تقبل عند نزول الموت بالإنسان من حيث كان يفعلها خوفا فقط لا لقبح القبيح قال تعالى وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ . [ 121 ] و إنما قال في مثل ما سأل إليه الرجعة من كان قبلكم كقوله سبحانه حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ . و بنو سبيل أرباب طريق مسافرون . و أوذن فلان بكذا أعلم و آذنته أعلمته . و قد تقدم لنا كلام بالغ في التقوى و ماهيتها و تأكيد وصاة الخالق سبحانه و الرسول ع بها نبذ و أقاويل في التقوى روى المبرد في الكامل أن رجلا قال لعمر بن الخطاب اتق الله يا أمير المؤمنين فقال له رجل أ تألت على أمير المؤمنين أي أ تنتقصه فقال عمر دعه فلا خير فيهم إذا لم يقولوها و لا خير فينا إذا لم تقل لنا . و كتب أبو العتاهية إلى سهل بن صالح و كان مقيما بمكة أما بعد فأنا أوصيك بتقوى الله الذي لا غناء بك عن تقاته و أتقدم إليك عن الله و نذكرك مكر الله فيما دبت به إليك ساعات الليل و النهار فلا تخدعن عن دينك فإن ساعاتك أوقاتك إن ظفرت بذلك منك وجدت الله فيك أسرع مكرا و أنفذ فيك أمرا و وجدت ما مكرت به في غير ذات الله غير راد عنك يد الله و لا مانع لك من أمر الله و لعمري لقد ملأت عينك الفكر و اضطربت في سمعك أصوات العبر و رأيت آثار نعم الله نسختها آثار نقمه حين استهزئ بأمره و جوهر بمعاندته ألا إن في حكم الله [ 122 ] أنه من أكرمه الله فاستهان بأمره أهانه الله السعيد من وعظ بغيره لا وعظك الله في نفسك و جعل عظتك في غيرك و لا جعل الدنيا عليك حسرة و ندامة برحمته . و من كلام رسول الله ص لا كرم كالتقوى و لا مال أعود من العقل و لا وحدة أوحش من العجب و لا عقل كالتدبير و لا قرين كحسن الخلق و لا ميراث كالأدب و لا فائدة كالتوفيق و لا تجارة كالعمل الصالح و لا ربح كثواب الله و لا ورع كالوقوف عند الشبهة و لا زهد كالزهد في الحرام و لا علم كالتفكر و لا عبادة كأداء الفرائض و لا إيمان كالحياء و الصبر و لا حسب كالتواضع و لا شرف كالعلم و لا مظاهرة أوفق من المشورة فاحفظ الرأس و ما حوى و البطن و ما وعى و اذكر الموت و طول البلى : وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا اَلْجِلْدِ اَلرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى اَلنَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ اَلدُّنْيَا فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَ اَلْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَ اَلرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى اَلنَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا اَلْيَفَنُ اَلْكَبِيرُ اَلَّذِي قَدْ لَهَزَهُ اَلْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا اِلْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ اَلنَّارِ بِعِظَامِ اَلْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ اَلْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ اَلسَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اَللَّهَ مَعْشَرَ اَلْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي اَلصِّحَّةِ قَبْلَ اَلسُّقْمِ وَ فِي اَلْفُسْحَةِ قَبْلَ اَلضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا [ 123 ] أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَ اِسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لاَ تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اَللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَ قَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا اَلَّذِي يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اِسْتَنْصَرَكُمْ وَ لَهُ جُنُودُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ وَ اِسْتَقْرَضَكُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اَللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلاَئِكَتَهُ وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اَللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اَللَّهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ وَ هُوَ سْبُنَا وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ الرمضاء الأرض الشديدة الحرارة و 26 : الرمض بالتحريك شدة وقع الشمس على الرمل و غيره و قد رمض يومنا بالكسر يرمض رمضا اشتد حره و أرض رمضة الحجارة و رمضت قدمه من الرمضاء احترقت . [ 124 ] و الطابق بالفتح الآجرة الكبيرة و هو فارسي معرب . و ضجيع حجر يومئ فيه إلى قوله تعالى وَقُودُهَا اَلنَّاسُ وَ اَلْحِجارَةُ قيل إنها حجارة الكبريت . و قرين شيطان يومئ فيه إلى قوله تعالى قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ . و حطم بعضها بعضا كسره أو أكله و الحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما تلقى و منه سمي الرجل الكثير الأكل حطمة . و اليفن الشيخ الكبير و لهزه خالطه و يقال له حينئذ ملهوز ثم أشمط ثم أشيب و لهزت القوم خالطتهم و دخلت بينهم . و القتير الشيب و أصله رءوس المسامير في الدروع تسمى قتيرا . و التحمت أطواق النار بالعظام التفت عليها و انضمت إليها و التصقت بها . و الجوامع جمع جامعة و هي الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق . و نشبت علقت و السواعد جمع ساعد و هو الذراع . و في من قوله في الصحة قبل السقم متعلقة بالمحذوف الناصب لله و هو اتقوا أي اتقوه سبحانه في زمان صحتكم قبل أن ينزل بكم السقم و في فسحة أعماركم قبل أن تبدل بالضيق . و فكاك الرقاب بفتح الفاء عتقها قبل أن تغلق رهائنها يقال غلق الرهن بالكسر إذا استحقه المرتهن بألا يفكه الراهن في الوقت المشروط و كان ذلك من شرع الجاهلية فنهى عنه النبي ص و قال لا يغلق الرهن . [ 125 ] و خذوا من أجسادكم أي أتعبوها بالعبادة حتى تنحل . و القل القلة و الذل الذلة . و حسيس النار صوتها و اللغوب النصب طرف و أخبار و نظير قوله ع استقرضكم و له خزائن السماوات و الأرض ما رواه المبرد في الكامل عن أبي عثمان المازني عن أبي زيد الأنصاري قال وقف علينا أعرابي في حلقة يونس النحوي فقال الحمد لله كما هو أهله و أعوذ بالله أن أذكر به و أنساه خرجنا من المدينة مدينة الرسول ص ثلاثين رجلا ممن أخرجته الحاجة و حمل على المكروه و لا يمرضون مرضاهم و لا يدفنون ميتهم و لا ينتقلون من منزل إلى منزل و إن كرهوه و الله يا قوم لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق و لقد مشيت حتى انتعلت الدم و حتى خرج من قدمي بخص و لحم كثير أ فلا رجل يرحم ابن سبيل و فل طريق و نضو سفر فإنه لا قليل من الأجر و لا غنى عن ثواب الله و لا عمل بعد الموت و هو سبحانه يقول مَنْ ذَا اَلَّذِي [ 126 ] يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ملي وفي ماجد واجد جواد لا يستقرض من عوز و لكنه يبلو الأخيار . قال المازني فبلغني أنه لم يبرح حتى أخذ ستين دينارا . و من كلام علي بن عبيدة الريحاني الأيام مستودعات الأعمال و نعم الأرضون هي لمن بذر فيها الخير و العمل الصالح . و خطب الحجاج فقال أيها الناس إنكم أغراض حمام و فرص هلكة قد أنذركم القرآن و نادى برحيلكم الجديدان ها إن لكم موعدا لا تؤخر ساعته و لا تدفع هجمته و كان قد دلفت إليكم نازلته فتعلق بكم ريب المنون و علقت بكم أم اللهيم الحيزبون فما ذا هيأتم للرحيل و ما ذا أعددتم للنزيل من لم يأخذ أهبة الحذر نزل به مرهوب القدر خطبة لأبي الشخباء العسقلاني قلت و قد شغف الناس في المواعظ بكلام كاتب محدث يعرف بابن أبي الشخباء [ 127 ] العسقلاني و أنا أورد هاهنا خطبة من مواعظه هي أحسن ما وجدته له ليعلم الفرق بين الكلام الأصيل و المولد . أيها الناس فكوا أنفسكم من حلقات الآمال المتعبة و خففوا ظهوركم من الآصار المستحقبة و لا تسيموا أطماعكم في رياض الأماني المتشعبة و لا تميلوا صغواكم إلى زبارج الدنيا المحببة فتظل أجسامكم في هشائمها عاملة نصبة أ ما علمتم أن طباعها على الغدر مركبة و أنها لأعمار أهلها منتهبة و لما ساءهم منتظرة مرتقبة في هبتها راجعة متعقبة فانضوا رحمكم الله ركائب الاعتبار مشرقة و مغربة و أجروا خيول التفكر مصعدة و مصوبة هل تجدون إلا قصورا على عروشها خربة و ديارا معطشة من أهلها مجدبة أين الأمم السالفة المتشعبة و الجبابرة الماضية المتغلبة و الملوك المعظمة المرجبة أولو الحفدة و الحجبة و الزخارف المعجبة و الجيوش الحرارة اللجبة و الخيام الفضفاضة المطنبة و الجياد الأعوجية المجنبة و المصاعب الشدقمية المصحبة و اللدان المثقفة المدربة و الماذية الحصينة المنتخبة طرقت و الله خيامهم غير منتهبة و أزارتهم من الأسقام سيوفا معطبة و سيرت إليهم الأيام من نوبها كتائب مكتبة فأصبحت أظفار المنية من مهجهم قانية مختضبة و غدت أصوات النادبات عليهم مجلبة و أكلت لحومهم هوام الأرض السغبة ثم إنهم مجموعون ليوم لا يقبل فيه عذر و لا معتبة و تجازى كل نفس بما كانت مكتسبة فسعيدة مقربة تجري من تحتها الأنهار مثوبة و شقية معذبة في النار مكبكبة . هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب و هي كما تراها ظاهرة التكلف بينة التوليد تخطب على نفسها و إنما ذكرت هذا لأن كثيرا من أرباب الهوى يقولون إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة و ربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن و غيره و هؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح [ 128 ] و ركبوا بنيات الطريق ضلالا و قلة معرفة بأساليب الكلام و أنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول رأي للمؤلف في كتاب نهج البلاغة لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولا أو بعضه و الأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ع و قد نقل المحدثون كلهم أو جلهم و المؤرخون كثيرا منه و ليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك و الثاني يدل على ما قلناه لأن من قد أنس بالكلام و الخطابة و شدا طرفا من علم البيان و صار له ذوق في هذا الباب لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك و الفصيح و بين الفصيح و الأفصح و بين الأصيل و المولد و إذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بد أن يفرق بين الكلامين و يميز بين الطريقتين أ لا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر و نقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام و نفسه و طريقته و مذهبه في القريض أ لا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر و كذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه و لا من شعره و كذلك غيرهما من الشعراء و لم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة . و أنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماء واحدا و نفسا واحدا و أسلوبا واحدا كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الأبعاض في الماهية و كالقرآن العزيز أوله كأوسطه و أوسطه كآخره و كل سورة منه و كل آية مماثلة في [ 129 ] المأخذ و المذهب و الفن و الطريق و النظم لباقي الآيات و السور و لو كان بعض نهج البلاغة منحولا و بعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين ع . و اعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به لأنا متى فتحنا هذا الباب و سلطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول الله ص أبدا و ساغ لطاعن أن يطعن و يقول هذا الخبر منحول و هذا الكلام مصنوع و كذلك ما نقل عن أبي بكر و عمر من الكلام و الخطب و المواعظ و الأدب و غير ذلك و كل أمر جعله هذا الطاعن مستندا له فيما يرويه عن النبي ص و الأئمة الراشدين و الصحابة و التابعين و الشعراء و المترسلين و الخطباء فلناصري أمير المؤمنين ع أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من نهج البلاغة و غيره و هذا واضح