جستجو

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 76 ] 183 و من خطبة له ع رُوِيَ عَنْ نَوْفٍ اَلْبَكَالِيِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ اَلْخُطْبَةِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ع بِالْكُوفَةِ وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ اَلْمَخْزُومِيُّ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلاَنِ مِنْ لِيفٍ وَ كَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ فَقَالَ ع اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ اَلْخَلْقِ وَ عَوَاقِبُ اَلْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَ نَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَ نَوَامِي فَضْلِهِ وَ اِمْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً وَ لِشُكْرِهِ أَدَاءً وَ إِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَ لِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَ نَسْتَعِينُ بِهِ اِسْتِعَانَةً رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَ اَلْقَوْلِ وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَ أَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَ خَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَ أَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَ عَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَ لاَذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً نوف البكالي قال الجوهري في الصحاح نوف البكالي بفتح الباء كان حاجب علي ع ثم قال و قال ثعلب هو منسوب إلى بكالة قبيلة . [ 77 ] و قال القطب الراوندي في شرح نهج البلاغة بكال و بكيل شي‏ء واحد و هو اسم حي من همدان و بكيل أكثر قال الكميت فقد شركت فيه بكيل و أرحب و الصواب غير ما قالاه و إنما بنو بكال بكسر الباء حي من حمير منهم هذا الشخص هو نوف بن فضالة صاحب علي ع و الرواية الصحيحة الكسر لأن نوف بن فضالة بكالي بالكسر من حمير و قد ذكر ابن الكلبي نسب بني بكال الحميريين فقال هو بكال بن دعمي بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير نسب جعدة بن هبيرة و أما جعدة بن هبيرة فهو ابن أخت أمير المؤمنين ع أمه أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم و أبوه هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و كان جعدة فارسا شجاعا فقيها و ولي خراسان لأمير المؤمنين ع و هو من الصحابة الذين أدركوا رسول الله ص يوم الفتح مع أمه أم هانئ بنت أبي طالب و هرب أبو هبيرة بن أبي وهب ذلك اليوم هو و عبد الله بن الزبعرى إلى نجران . [ 78 ] و روى أهل الحديث أن أم هانئ كانت يوم الفتح في بيتها فدخل عليها هبيرة بن أبي وهب بعلها و رجل من بني عمه هاربين من علي ع و هو يتبعهما و بيده السيف فقامت أم هانئ في وجهه دونهما و قالت ما تريده منهما و لم تكن رأته من ثماني سنين فدفع في صدرها فلم تزل عن موضعها و قالت أ تدخل يا علي بيتي و تهتك حرمتي و تقتل بعلي و لا تستحيي مني بعد ثماني سنين فقال إن رسول الله ص أهدر دمهما فلا بد أن أقتلهما فقبضت على يده التي فيها السيف فدخلا بيتا ثم خرجا منه إلى غيره ففاتاه و جاءت أم هانئ إلى رسول الله ص فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين و فاطمة ابنته تستره بثوبها فوقفت حتى أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف فقال مرحبا و أهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر بعلها و ابن عمه و دخول علي ع بيتها بالسيف فجاء علي ع و رسول الله ص يضحك فقال له ما صنعت بأم هانئ فقال سلها يا رسول الله ما صنعت بي و الذي بعثك بالحق لقد قبضت على يدي و فيها السيف فما استطعت أن أخلصها إلا بعد لأي و فاتني الرجلان فقال ص لو ولد أبو طالب الناس كلهم لكانوا شجعانا قد أجرنا من أجارت أم هانئ و أمنا من أمنت فلا سبيل لك عليهما . فأما هبيرة فلم يرجع و أما الرجل الآخر فرجع فلم يعرض له . قالوا و أقام هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافرا و روى له محمد بن إسحاق في كتاب المغازي شعرا أوله أ شاقتك هند أم أتاك سؤالها كذاك النوى أسبابها و انفتالها يذكر فيه أم هانئ و إسلامها و أنه مهاجر لها إذ صبت إلى الإسلام و من جملته [ 79 ] فإن كنت قد تابعت دين محمد و قطعت الأرحام منك حبالها فكوني على أعلى سحوق بهضبة ململمة غبراء يبس قلالها و قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ولدت أم هانئ لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة جعدة و عمرا و هانئا و يوسف و قال و جعدة الذي يقول أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا و من هاشم أمي لخير قبيل فمن ذا الذي ينأى علي بخاله كخالي علي ذي الندى و عقيل المدرعة الجبة و تدرع لبسها و ربما قالوا تمدرع . و ثفنة البعير واحدة ثفناته و هو ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ فيغلظ و يكثف كالركبتين و غيرهما و يقال ذو الثفنات الثلاثة لعلي بن الحسين و علي بن عبد الله بن العباس ع و لعبد الله بن وهب الراسبي رئيس الخوارج لأن طول السجود كان قد أثر في ثفناتهم قال دعبل [ 80 ] ديار علي و الحسين و جعفر و حمزة و السجاد ذي الثفنات و مصائر الأمور جمع مصير و هو مصدر صار إلى كذا و معناه المرجع قال تعالى وَ إِلَى اَللَّهِ اَلْمَصِيرُ فأما المصدر من صار الشي‏ء كذا فمصير و صيرورة و القياس في مصدر صار إليه أي رجع مصارا كمعاش و إنما جمع المصدر هاهنا لأن الخلائق يرجعون إلى الله تعالى في أحوال مختلفة في الدنيا و في الدار الآخرة فجمع المصدر و إن كان يقع بلفظه على القليل و الكثير لاختلاف وجوهه كقوله تعالى وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ اَلظُّنُونَا . و عواقب الأمر جمع عاقبة و هي آخر الشي‏ء . ثم قسم الحمد فجعله على ثلاثة أقسام أحدها الحمد على عظيم إحسانه و هو أصول نعمه تعالى كالحياة و القدرة و الشهوة و غيرها مما لا يدخل جنسه تحت مقدور القادر . و ثانيها الحمد على نير برهانه و هو ما نصبه في العقول من العلوم البديهية المفضية إلى العلوم النظرية بتوحيده و عدله . و ثالثها الحمد على أرزاقه النامية أي الزائدة و ما يجري مجراها من إطالة الأعمار و كثرة الأرزاق و سائر ضروب الإحسان الداخلة في هذا القسم . ثم بالغ في الحمد حمدا يكون لحقه قضاء و لشكره أداء و ذلك لأن الحمد و الشكر و لو بلغ [ 81 ] أقصى غاياته لم يصل إلى أن يكون قاضيا لحق الله تعالى و لا مؤديا لشكره و لكنه قال ذلك على سبيل المبالغة . ثم قال و إلى ثوابه مقربا و لحسن مزيده موجبا و ذلك لأن الشكر يوجب الثواب و المزيد قال الله تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ أي أثبكم و قال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ . ثم شرع في الاستعانة بالله ففصلها أحسن تفصيل فذكر أنه يستعين به استعانة راج لفضله في الآخرة مؤمل لنفعه في الدنيا واثق بدفعه المضار عنه و ذلك لأنه أراد أن يحتوي على وجوه ما يستعان به تعالى لأجله فذكر الأمور الإيجابية و أعقبها بالأمور السلبية فالأولى جلب المنافع و الثانية دفع المضار . و الطول الإفضال و الإذعان الانقياد و الطاعة . و أناب إليه أقبل و تاب و خنع خضع و المصدر الخنوع و لاذ به لجأ إليه : لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي اَلْعِزِّ مُشَارَكاً وَ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً وَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَ لاَ زَمَانٌ وَ لَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَ لاَ نُقْصَانٌ بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلاَمَاتِ اَلتَّدْبِيرِ اَلْمُتْقَنِ وَ اَلْقَضَاءِ اَلْمُبْرَمِ فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ اَلسَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلاَ عَمَدٍ قَائِمَاتٍ بِلاَ سَنَدٍ دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَ لاَ مُبْطِئَاتٍ وَ لَوْ لاَ إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ إِذْعَانُهُنَّ لَهُ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ [ 82 ] وَ لاَ مَسْكَناً لِمَلاَئِكَتِهِ وَ لاَ مَصْعَداً لِلْكَلِمِ اَلطَّيِّبِ وَ اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ نفى ع أن يكون البارئ سبحانه مولودا فيكون له شريك في العز و الإلهية و هو أبوه الذي ولده و إنما قال ذلك جريا على عادة ملوك البشر فإن الأكثر أن الملك يكون ابن ملك قبله و نفى أن يكون له ولد جريا أيضا على عادة البشر في أن كل والد في الأكثر فإنه يهلك قبل هلاك الولد و يرثه الولد و هذا النمط من الاحتجاج يسمى خطابة و هو نافع في مواجهة العرب به و أراد من الاحتجاج إثبات العقيدة فتارة تثبت في نفوس العلماء بالبرهان و تارة تثبت في نفوس العوام بالخطابة و الجدل . ثم نفى أن يتقدمه وقت أو زمان و الوقت هو الزمان و إنما خالف بين اللفظين و أتى بحرف العطف كقوله تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً . و نفى أن يتعاوره أي تختلف عليه زيادة أو نقصان يقال عاورت زيدا الضرب أي فعلت به من الضرب مثل ما فعل بي و اعتوروا الشي‏ء أي تداولوه فيما بينهم و كذلك تعوروه و تعاوروه و إنما ظهرت الواو في اعتوروا لأنه في معنى تعاوروا فبني عليه و لو لم يكن في معناه لاعتلت كما قالوا اجتوروا لما كان في معنى تجاوروا التي لا بد من صحة الواو فيها لسكون الألف قبلها و اعتورت الرياح رسم الدار اختلفت عليه . فإن قلت هذا يقتضي أن يقول و لم يتعاوره زيادة و نقصان لأن التعاور يستدعي الضدين معا و لا ينبغي أن يقول و لا نقصان كما لا يجوز أن تقول لم يختلف زيد و لا عمرو [ 83 ] قلت لما كانت مراتب الزيادة مختلفة جاز أن يقال لا يعتوره الزيادة فكذلك القول في جانب النقصان و جرى كل واحد من النوعين مجرى أشياء متنافية تختلف على الموضع الموصوف بها . قوله ع موطدات أي ممهدات مثبتات . و العمد جمع عماد نحو إهاب و أهب و إدام و أدم و هو على خلاف القياس و منه قوله تعالى فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ و قوله تعالى خَلَقَ اَلسَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها و السند ما يستند إليه . ثم قال دعاهن فأجبن طائعات هذا من باب المجاز و التوسع لأن الجماد لا يدعى و أما من قال إن السماوات أحياء ناطقة فإنه لم يجعلهن مكلفات ليقال و لو لا إقرارهن له بالربوبية لما فعل كذا بل يقول ذلك على وجه آخر و لكن لغة العرب تنطق بمثل هذا المجاز نحو قول الراجز امتلأ الحوض و قال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني و منه قوله تعالى اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ . و منه قول مكاتب لبني منقر التميميين كان قد ظلع بمكاتبته فأتى قبر غالب بن صعصعة فاستجار به و أخذ منه حصيات فشدهن في عمامته ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره و قال إني قد قلت شعرا قال هاته فأنشده [ 84 ] بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما خشيت الردى أو أن أرد على قسر بقبر امرئ يقري المئين عظامه و لم يك إلا غالبا ميت يقري فقال لي استقدم أمامك إنما فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر فقال ما اسمك فقال لهذم قال يا لهذم حكمك مسمطا قال ناقة كوماء سوداء الحدقة قال يا جارية اطرحي لنا حبلا ثم قال يا لهذم اخرج بنا إلى المربد فألقه في عنق ما شئت من إبل الناس فتخير لهذم على عينه ناقة و رمى بالحبل في عنقها و جاء صاحبها فقال له الفرزدق اغد علي أوفك ثمنها فجعل لهذم يقودها و الفرزدق يسوقها حتى أخرجها من البيوت إلى الصحراء فصاح به الفرزدق يا لهذم قبح الله أخسرنا فخبر الشاعر عن القبر بقوله فقال لي استقدم أمامك و القبر و الميت الذي فيه لا يخبران و لكن العرب و أهل الحكمة من العجم يجعلون كل دليل قولا و جوابا أ لا ترى إلى قول زهير أ من أم أوفى دمنة لم تكلم و إنما كلامها عنده أن تبين ما يرى من الآثار فيها عن قدم العهد بأهلها . و من كلام بعض الحكماء هلا وقفت على تلك الجنان و الحيطان فقلت أيتها الجنان أين من شق أنهارك و غرس أشجارك و جنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا . و قال النعمان بن المنذر و معه عدي بن زيد في ظل شجرات مونقات يشرب [ 85 ] فقال عدي أبيت اللعن و أراد أن يعظه أ تدري ما تقول هذه الشجرات قال ما تقول قال رب ركب قد أناخوا حولنا يشربون الخمر بالماء الزلال ثم أضحوا عصف الدهر بهم و كذاك الدهر يودي بالرجال فتنغص النعمان يومه ذلك . و المذعن المنقاد المطيع و المتلكئ المتوقف و الكلم الطيب شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا ص رسوله و العمل الصالح أداء الواجبات و النوافل و اللفظات من القرآن العزيز . و المصعد موضع الصعود و لا شبهة أن السماء أشرف من الأرض على رأي المليين و على رأي الحكماء أما أهل الملة فلأن السماء مصعد الأعمال الصالحة و محل الأنوار و مكان الملائكة و فيها العرش و الكرسي و الكواكب المدبرات أمرا و أما الحكماء فلأمور أخرى تقتضيها أصولهم : جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلاَماً يَسْتَدِلُّ بِهَا اَلْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ اَلْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا اِدْلِهْمَامُ سُجُفِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ وَ لاَ اِسْتَطَاعَتْ جَلاَبِيبُ سَوَادِ اَلْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي اَلسَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ اَلْقَمَرِ فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ [ 86 ] غَسَقٍ دَاجٍ وَ لاَ لَيْلٍ سَاجٍ فِي بِقَاعِ اَلْأَرَضِينَ اَلْمُتَطَأْطِئَاتِ وَ لاَ فِي يَفَاعِ اَلسُّفْعِ اَلْمُتَجَاوِرَاتِ وَ مَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ اَلرَّعْدُ فِي أُفُقِ اَلسَّمَاءِ وَ مَا تَلاَشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ اَلْغَمَامِ وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ اَلْأَنْوَاءِ وَ اِنْهِطَالُ اَلسَّمَاءِ وَ يَعْلَمُ مَسْقَطَ اَلْقَطْرَةِ وَ مَقَرَّهَا وَ مَسْحَبَ اَلذَّرَّةِ وَ مَجَرَّهَا وَ مَا يَكْفِي اَلْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا وَ مَا تَحْمِلُ مِنَ اَلْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا أعلاما أي يستدل بها و الفجاج جمع فج و هو الطريق في الجبل . ثم قال إن ادلهمام سواد الليل أي شدة ظلمته لم يمنع الكواكب من الإضاءة و كذلك أيضا لم يمنع ظلام الليل القمر من تلألؤ نوره و إنما خص القمر بالذكر و إن كان من جملة الكواكب لشرفه بما يظهر للأبصار من عظم حجمه و شدة إضاءته فصار كقوله تعالى فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ و قد روى بعض الرواة ادلهمام بالنصب و جعله مفعولا و ضوء نورها بالرفع و جعله فاعلا و هذه الرواية أحسن في صناعة الكتابة لمكان الازدواج أي لا القمر و لا الكواكب تمنع الليل من الظلمة و لا الليل يمنع الكواكب و القمر من الإضاءة . و السجف جمع سجف و هو الستر و يجوز فتح السين . و شاع تفرق و التلألؤ اللمعان و الجلابيب الثياب و الغسق الظلمة و الساجي الساكن و الداجي المظلم و المتطأطئ المنخفض و السفع المتجاورات هاهنا الجبال و سماها سفعا لأن السفعة سواد مشرب بحمرة و كذلك لونها في الأكثر . [ 87 ] و اليفاع الأرض المرتفعة و التجلجل صوت الرعد و ما تلاشت عنه بروق الغمام هذه الكلمة أهمل بناءها كثير من أئمة اللغة و هي صحيحة و قد جاءت و وردت قال ابن الأعرابي لشا الرجل إذا اتضع و خس بعد رفعة و إذا صح أصلها صح استعمال الناس تلاشى الشي‏ء بمعنى اضمحل . و قال القطب الراوندي تلاشى مركب من لا شي‏ء و لم يقف على أصل الكلمة و قد ظهر الآن أن معنى كلامه ع أنه سبحانه يعلم ما يصوت به الرعد و يعلم ما يضمحل عنه البرق . فإن قلت و هل يقصد الرعد بجلجلته معنى معقولا ليقال إن البارئ يعلمه ثم ما المراد بكونه عالما بما يضمحل البرق عنه . قلت قد يكون تعالى يحدث في الرعد جلجلة أي صوتا ليهلك به قوما أو لينفع به قوما فعلمه بما تتضمنه تلك الجلجلة هو معنى قولنا يعلم ما يصوت به الرعد و لا ريب أن البرق يلمع فيضي‏ء أقطارا مخصوصة ثم يتلاشى عنها فالبارئ سبحانه عالم بتلك الأقطار التي يتلاشى البرق عنها . فإن قلت هو سبحانه عالم بما يضيئه البرق و بما لا يضيئه فلما ذا خص بالعالمية ما يتلاشى عنه البرق . قلت لأن علمه بما ليس بمضي‏ء بالبرق أعجب و أغرب لأن ما يضيئه البرق يمكن أن يعلمه أولو الأبصار الصحيحة فأراد ع أن يشرح من صفاته سبحانه ما هو بخلاف المعتاد بين البشر ليكون إعظام السامعين له سبحانه أتم و أكمل . و العواصف الرياح الشديدة و أضافها إلى الأنواء لأن أكثر ما يكون عصفانها في الأنواء و هي جمع نوء و هو سقوط النجم من منازل القمر الثمانية و العشرين في المغرب [ 88 ] مع الفجر و طلوع رقيبه من المشرق مقابلا له من ساعته و مدة النوء ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما . قال أبو عبيد و لم يسمع في النوء أنه المسقوط إلا في هذا الموضع و كانت العرب تضيف الرياح و الأمطار و الحر و البرد إلى الساقط منها . و قال الأصمعي بل إلى الطالع في سلطانه فتقول مطرنا بنوء كذا و كذا و نهى النبي ص عن ذلك و الجمع أنواء و نوءان أيضا مثل بطن و بطنان و عبد و عبدان قال حسان بن ثابت و يثرب تعلم أنا بها إذا قحط القطر نوءانها و الانهطال الانصباب و مسقط القطرة من المطر موضع سقوطها و مقرها موضع قرارها و مسحب الذرة الصغيرة من النمل و مجرها موضع سحبها و جرها . و هذا الفصل من فصيح الكلام و نادره و يتضمن من توحيد الله تعالى و تمجيده و الثناء عليه ما يشهد لنفسه : وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ لاَ يُدْرَكُ بِوَهْمٍ وَ لاَ يُقَدَّرُ بِفَهْمٍ وَ لاَ يَشْغَلُهُ سَائِلٌ وَ لاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ وَ لاَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ وَ لاَ يُحَدُّ بِأَيْنٍ وَ لاَ يُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ وَ لاَ يُخْلَقُ بِعِلاَجٍ وَ لاَ يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لاَ يُقَاسُ بِالنَّاسِ اَلَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وَ أَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظِيماً بِلاَ جَوَارِحَ وَ لاَ أَدَوَاتٍ وَ لاَ نُطْقٍ وَ لاَ لَهَوَاتٍ بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا اَلْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ فَصِفْ [ 89 ] جِبْرِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ جُنُودَ اَلْمَلاَئِكَةِ اَلْمُقَرَّبِينَ فِي حُجُرَاتِ اَلْقُدُسِ مُرْجَحِنِّينَ مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ اَلْخَالِقِينَ وَ إِنَّمَا يُدْرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو اَلْهَيْئَاتِ وَ اَلْأَدَوَاتِ وَ مَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلاَمٍ وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ ليس يعني بالكائن هاهنا ما يعنيه الحكماء و المتكلمون بل مراده الموجود أي هو الموجود قبل أن يكون الكرسي و العرش و غيرهما و الأوائل يزعمون أن فوق السماوات السبع سماء ثامنة و سماء تاسعة و يقولون إن الثامنة هي الكرسي و إن التاسعة هي العرش . قوله ع لا يدرك بوهم الوهم هاهنا الفكرة و التوهم . و لا يقدر بفهم أي لا تستطيع الأفهام أن تقدره و تحده . و لا يشغله سائل كما يشغل السؤال منا من يسألونه . و لا ينقصه العطاء كما ينقص العطاء خزائن الملوك . و لا يبصر بجارحة و لا يحد بأين و لفظة أين في الأصل مبنية على الفتح فإذا نكرتها صارت اسما متمكنا كما قال الشاعر ليت شعري و أين مني ليت إن ليتا و إن لوا عناء و إن شئت قلت إنه تكلم بالاصطلاح الحكمي و الأين عندهم حصول الجسم في المكان و هو أحد المقولات العشر . [ 90 ] قوله ع و لا يوصف بالأزواج أي صفات الأزواج و هي الأصناف قال سبحانه وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . قوله و لا يخلق بعلاج أي لا يحتاج في إيجاد المخلوقات إلى معالجة و مزاولة . قوله و كلم موسى تكليما من الألفاظ القرآنية و المراد هاهنا من ذكر المصدر تأكيد الأمر و إزالة لبس عساه يصلح للسامع فيعتقد أنه أراد المجاز و أنه لم يكن كلام على الحقيقة . قوله و أراه من آياته عظيما ليس يريد به الآيات الخارجة عن التكليم كانشقاق البحر و قلب العصا لأنه يكون بإدخال ذلك بين قوله تكليما و قوله بلا جوارح و لا أدوات و لا نطق و لا لهوات مستهجنا و إنما يريد أنه أراد بتكليمه إياه عظيما من آياته و ذلك أنه كان يسمع الصوت من جهاته الست ليس على حد سماع كلام البشر من جهة مخصوصة و له دوي و صلصلة كوقع السلاسل العظيمة على الحصى الأصم . فإن قلت أ تقول إن الكلام حل أجساما مختلفة من الجهات الست . قلت لا و إنما حل الشجرة فقط و كان يسمع من كل جهة و الدليل على حلوله في الشجرة قوله تعالى فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ اَلْوادِ اَلْأَيْمَنِ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلْمُبارَكَةِ مِنَ اَلشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى‏ فلا يخلو إما أن يكون النداء حل الشجرة أو المنادي حلها و الثاني باطل فثبت الأول . ثم قال ع لمن يتكلف أن يصف ربه إن كنت صادقا أنك قد وصلت إلى [ 91 ] معرفة صفته فصف لنا الملائكة فإن معرفة ذات الملك أهون من معرفة ذات الأول سبحانه . و حجرات القدس جمع حجرة و مرجحنين مائلين إلى جهة تحت خضوعا لجلال البارئ سبحانه ارجحن الحجر إذا مال هاويا متولهة عقولهم أي حائرة ثم قال إنما يدرك بالصفات و يعرف كنه ما كان ذا هيئة و أداة و جارحة و ما ينقضي و يفنى و يتطرق إليه العدم و واجب الوجود سبحانه بخلاف ذلك . و تحت قوله أضاء بنوره كل ظلام إلى آخر الفصل معنى دقيق و سر خفي و هو أن كل رذيلة في الخلق البشري مع معرفته بالأدلة البرهانية غير مؤثرة و لا قادحة في جلالة المقام الذي قد بلغ إليه و ذلك نحو أن يكون العارف بخيلا أو جبانا أو حريصا أو نحو ذلك و كل فضيلة في الخلق البشري مع الجهل به سبحانه فليست بفضيلة في الحقيقة و لا معتد بها لأن نقيصة الجهل به تكسف تلك الأنوار و تمحق فضلها و ذلك نحو أن يكون الجاهل به سبحانه جوادا أو شجاعا أو عفيفا أو نحو ذلك و هذا يطابق ما يقوله الأوائل من أن العارف المذنب يشقى بعد الموت قليلا ثم يعود إلى النعيم السرمدي و أن الجاهل ذا العبادة و الإحسان يشقى بعد الموت شقاء مؤبدا و مذهب الخلص من مرجئة الإسلام يناقض هذه اللفظات و يقال إنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله و يمكن تأويلها على مذهب أصحابنا بأن يقال كل ظلام من المعاصي الصغائر فإنه ينجلي بضياء معرفته و طاعته و كل طاعة يفعلها المكلف مع الكفر به سبحانه فإنها غير نافعة و لا موجبة ثوابا و يكون هذا التأويل من باب صرف اللفظ عن عمومه إلى خصوصه [ 92 ] أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَلْبَسَكُمُ اَلرِّيَاشَ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمُ اَلْمَعَاشَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى اَلْبَقَاءِ سِلْماً أَوْ لِدَفْعِ اَلْمَوْتِ سَبِيلاً لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ع اَلَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ مَعَ اَلنُّبُوَّةِ وَ عَظِيمِ اَلزُّلْفَةِ فَلَمَّا اِسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ وَ اِسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ قِسِيُّ اَلْفَنَاءِ بِنَبَالِ اَلْمَوْتِ وَ أَصْبَحَتِ اَلدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً وَ اَلْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً وَ وَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ وَ إِنَّ لَكُمْ فِي اَلْقُرُونِ اَلسَّالِفَةِ لَعِبْرَةً أَيْنَ اَلْعَمَالِقَةُ وَ أَبْنَاءُ اَلْعَمَالِقَةِ أَيْنَ اَلْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ اَلْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ اَلرَّسِّ اَلَّذِينَ قَتَلُوا اَلنَّبِيِّينَ وَ أَطْفَئُوا سُنَنَ اَلْمُرْسَلِينَ وَ أَحْيَوْا سُنَنَ اَلْجَبَّارِينَ أَيْنَ اَلَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَ هَزَمُوا اَلْأُلُوفَ بِالْأُلُوفِ وَ عَسْكَرُوا اَلْعَسَاكِرَ وَ مَدَّنُوا اَلْمَدَائِنَ الرياش اللباس و أسبغ أوسع و إنما ضرب المثل بسليمان ع لأنه كان ملك الإنس و الجن و لم يحصل لغيره ذلك و من الناس من أنكر هذا لأن اليهود و النصارى يقولون إنه لم يتعد ملكه حدود الشام بل بعض الشام و ينكرون حديث الجن و الطير و الريح و يحملون ما ورد من ذلك على وجوه و تأويلات عقلية معنوية ليس هذا موضع ذكرها . و الزلفة القرب و الطعمة بضم الطاء المأكلة يقال قد جعلت هذه الضيعة طعمة لزيد . و القسي جمع قوس و أصلها قووس على فعول كضرب و ضروب إلا أنهم قدموا [ 93 ] اللام فقالوا قسو على فلوع ثم قلبت الواو ياء و كسروا القاف كما كسروا عين عصي فصارت قسي نسب العمالقة و العمالقة أولاد لاوذ إرم بن سام بن نوح كان الملك باليمن و الحجاز و ما تاخم ذلك من الأقاليم فمنهم عملاق بن لاوذ بن سام و منهم طسم بن لاوذ أخوه . و منهم جديس بن لاوذ أخوهما و كان العز و الملك بعد عملاق بن لاوذ في طسم فلما ملكهم عملاق بن طسم بغى و أكثر الفساد في الأرض حتى كان يطأ العروس ليلة إهدائها إلى بعلها و إن كانت بكرا افتضها قبل وصولها إلى البعل ففعل ذلك بامرأة من جديس يقال لها غفيرة بنت غفار فخرجت إلى قومها و هي تقول لا أحد أذل من جديس أ هكذا يفعل بالعروس فغضب لها أخوها الأسود بن غفار و تابعه قومه على الفتك بعملاق بن طسم و أهل بيته فصنع الأسود طعاما و دعا عملاق الملك إليه ثم وثب به و بطسم فأتى على رؤسائهم و نجا منهم رياح بن مر فصار إلى ذي جيشان بن تبع الحميري ملك اليمن فاستغاث به و استنجده على جديس فسار ذو جيشان في حمير فأتى بلاد جو و هي قصبة اليمامة فاستأصل جديسا كلها و أخرب اليمامة فلم يبق لجديس باقية و لا لطسم إلا اليسير منهم . ثم ملك بعد طسم و جديس وبار بن أميم بن لاوذ بن إرم فسار بولده و أهله فنزل بأرض وبار و هي المعروفة الآن برمل عالج فبغوا في الأرض حينا حتى أفناهم الله [ 94 ] ثم ملك الأرض بعد وبار عبد ضخم بن أثيف بن لاوذ فنزلوا بالطائف حينا ثم بادوا نسب عاد و ثمود و ممن يعد مع العمالقة عاد و ثمود فأما عاد فهو عاد بن عويص بن إرم بن سام بن نوح كان يعبد القمر و يقال إنه رأى من صلبه أولاد أولاد أولاده أربعة آلاف و إنه نكح ألف جارية و كانت بلاده الأحقاف المذكورة في القرآن و هي من شحر عمان إلى حضرموت و من أولاده شداد بن عاد صاحب المدينة المذكورة . و أما ثمود فهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح و كانت دياره بين الشام و الحجاز إلى ساحل نهر الحبشة نسب الفراعنة قوله ع أين الفراعنة و أبناء الفراعنة جمع فرعون و هم ملوك مصر فمنهم الوليد بن الريان فرعون يوسف و منهم الوليد بن مصعب فرعون موسى و منهم فرعون بن الأعرج الذي غزا بني إسرائيل و أخرب بيت المقدس نسب أصحاب الرس قوله ع أين أصحاب مدائن الرس قيل إنهم أصحاب شعيب [ 95 ] النبي ص و كانوا عبدة أصنام و لهم مواش و آبار يسقون منها . و الرس بئر عظيمة جدا انخسفت بهم و هم حولها فهلكوا و خسفت بأرضهم كلها و ديارهم و قيل الرس قرية بفلج اليمامة كان بها قوم من بقايا ثمود بغوا فأهلكوا . و قيل قوم من العرب القديمة بين الشام و الحجاز و كانت العنقاء تختطف صبيانهم فتقتلهم فدعوا الله أن ينقذهم منها فبعث إليهم حنظلة بن صفوان فدعاهم إلى الدين على أن يقتل العنقاء فشارطوه على ذلك فدعا عليها فأصابتها الصاعقة فلم يفوا له و قتلوه فأهلكوا . و قيل هم أصحاب الأخدود و الرس هو الأخدود و قيل الرس أرض بأنطاكية قتل فيها حبيب النجار . و قيل بل كذب أهلها نبيهم و رسوه في بئر أي رموه فيها . و قيل إن الرس نهر في إقليم الباب و الأبواب مبدؤه من مدينة طراز و ينتهي إلى نهر الكر فيختلط به حتى يصب في بحر الخزر كان هناك ملوك أولو بأس و قدرة فأهلكهم الله ببغيهم : مِنْهَا قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا وَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ اَلْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَ اَلْمَعْرِفَةِ بِهَا وَ اَلتَّفَرُّغِ لَهَا فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ اَلَّتِي يَطْلُبُهَا وَ حَاجَتُهُ اَلَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اِغْتَرَبَ اَلْإِسْلاَمُ وَ ضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ وَ أَلْصَقَ اَلْأَرْضَ بِجِرَانِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ نْ خَلاَئِفِ أَنْبِيَائِهِ [ 96 ] هذا الكلام فسره كل طائفة على حسب 26 : اعتقادها فالشيعة الإمامية تزعم أن المراد به المهدي المنتظر عندهم و الصوفية يزعمون أنه يعني به ولي الله في الأرض و عندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال و هم الأربعون و عن الأوتاد و هم سبعة و عن القطب و هو واحد فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطبا عوضه و صار أحد الأربعين وتدا عوض الوتد و صار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى أبدالا عوض ذلك البدل . و أصحابنا يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة من المؤمنين العلماء بالعدل و التوحيد و أن الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء لكنه لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم اعتبر إجماع سائر العلماء و إنما الأصل قول أولئك . قالوا و كلام أمير المؤمنين ع ليس يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من حيث هم جماعة و لكنه يصف حال كل واحد منهم فيقول من صفته كذا و من صفته كذا . و الفلاسفة يزعمون أن مراده ع بهذا الكلام العارف و لهم في العرفان و صفات أربابه كلام يعرفه من له أنس بأقوالهم و ليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد ص في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى و إن لم يكن الآن موجودا فليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن و قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا و التكليف لا ينقضي إلا عليه . قوله ع قد لبس للحكمة جنتها الجنة ما يستتر به من السلاح كالدرع و نحوها و لبس جنة الحكمة قمع النفس عن المشتهيات و قطع علائق النفس عن [ 97 ] المحسوسات فإن ذلك مانع للنفس عن أن يصيبها سهام الهوى كما تمنع الدرع الدارع عن أن يصيبه سهام الرماية . ثم عاد إلى صفة هذا الشخص فقال و أخذ بجميع أدبها من الإقبال عليها أي شدة الحرص و الهمة . ثم قال و المعرفة بها أي و المعرفة بشرفها و نفاستها . ثم قال و التفرغ لها لأن الذهن متى وجهته نحو معلومين تخبط و فسد و إنما يدرك الحكمة بتخلية السر من كل ما مر سواها . قال فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها هذا مثل قوله ع الحكمة ضالة المؤمن و من كلام الحكماء لا يمنعك من الانتفاع بالحكمة حقارة من وجدتها عنده كما لا يمنعك خبث تراب المعدن من التقاط الذهب . و وجدت بخط أبي محمد عبد الله بن أحمد الخشاب رحمه الله في تعاليق مسودة أبياتا للعطوي و هي قد رأينا الغزال و الغصن و النجمين شمس الضحى و بدر التمام فو حق البيان يعضده البرهان في مأقط شديد الخصام ما رأينا سوى المليحة شيئا جمع الحسن كله في نظام هي تجري مجرى الأصالة في الرأي و مجرى الأرواح في الأجسام و قد كتب ابن الخشاب بخطه تحت المليحة ما أصدقه إن أراد بالمليحة الحكمة قوله ع و حاجته التي يسأل عنها هو مثل قوله ضالته التي يطلبها . ثم قال هو مغترب إذا اغترب الإسلام يقول هذا الشخص يخفي نفسه و يحملها [ 98 ] إذا اغترب الإسلام و اغتراب الإسلام أن يظهر الفسق و الجور على الصلاح و العدل قال ع بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ . قال و ضرب بعسيب ذنبه و ألصق الأرض بجرانه هذا من تمام قوله إذا اغترب الإسلام أي إذا صار الإسلام غريبا مقهورا و صار الإسلام كالبعير البارك يضرب الأرض بعسيبه و هو أصل الذنب و يلصق جرانه و هو صدره في الأرض فلا يكون له تصرف و لا نهوض . ثم عاد إلى صفة الشخص المذكور . و قال بقية من بقايا حججه خليفة من خلائف أنبيائه الضمير هاهنا يرجع إلى الله سبحانه و إن لم يجر ذكره للعلم به كما قال حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و يمكن أن يقال إن الضمير راجع إلى مذكور و هو الإسلام أي من بقايا حجج الإسلام و خليفة من خلائف أنبياء الإسلام . فإن قلت ليس للإسلام إلا نبي واحد . قلت بل له أنبياء كثير قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ و قال سبحانه ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً و كل الأنبياء دعوا إلى ما دعا إليه محمد ص من التوحيد و العدل فكلهم أنبياء للإسلام . فإن قلت أ ليس لفظ الحجة و لفظ الخليفة مشعرا بما تقوله الإمامية . قلت لا فإن أهل التصوف يسمون صاحبهم حجة و خليفة و كذلك الفلاسفة [ 99 ] و أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق هذه الألفاظ على العلماء المؤمنين في كل عصر لأنهم حجج الله أي إجماعهم حجة و قد استخلفهم الله في أرضه ليحكموا بحكمه . و على ما اخترناه نحن فالجواب ظاهر : أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ اَلْمَوَاعِظَ اَلَّتِي وَعَظَ بِهَا اَلْأَنْبِيَاءُ اَلْأَنْبِيَاءُ بِهِمْ أُمَمَهُمْ وَ أَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ اَلْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَ أَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَ حَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ تَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ اَلطَّرِيقَ وَ يُرْشِدُكُمُ اَلسَّبِيلَ أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ اَلدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلاً وَ أَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً وَ أَزْمَعَ اَلتَّرْحَالَ عِبَادُ اَللَّهِ اَلْأَخْيَارُ وَ بَاعُوا قَلِيلاً مِنَ اَلدُّنْيَا لاَ يَبْقَى بِكَثِيرٍ مِنَ اَلآْخِرَةِ لاَ يَفْنَى مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا اَلَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ بِصِفِّينَ أَلاَّ يَكُونُوا اَلْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ اَلْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ اَلرَّنْقَ قَدْ وَ اَللَّهِ لَقُوا اَللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ اَلْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ رَكِبُوا اَلطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى اَلْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ اِبْنُ اَلتَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو اَلشَّهَادَتَيْنِ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ اَلَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى اَلْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى اَلْفَجَرَةِ قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ ع بِيَدِهِ إِلَى عَلَى لِحْيَتِهِ اَلشَّرِيفَةِ اَلْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ اَلْبُكَاءَ ثُمَّ قَالَ ع أَوْهِ أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ اَلَّذِينَ قَرَءُوا اَلْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَ تَدَبَّرُوا اَلْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ [ 100 ] أَحْيَوُا اَلسُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا اَلْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ اَلْجِهَادَ اَلْجِهَادَ عِبَادَ اَللَّهِ أَلاَ وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ اَلرَّوَاحَ إِلَى اَللَّهِ فَلْيَخْرُجْ قَالَ نَوْفٌ وَ عَقَدَ لِلْحُسَيْنِ ع فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ لِأَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ فِي عَشَرَةِ آلاَفٍ وَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى أَعْدَادٍ أُخْرَ وَ هُوَ يُرِيدُ اَلرَّجْعَةَ إِلَى صِفِّينَ فَمَا دَارَتِ اَلْجُمُعَةُ حَتَّى ضَرَبَهُ اَلْمَلْعُونُ اِبْنُ اَلْمُلْجَمِ لَعَنَهُ اَللَّهُ فَتَرَاجَعَتِ اَلْعَسَاكِرُ فَكُنَّا كَأَغْنَامٍ فَقَدَتْ رَاعِيهَا تَخْتَطِفُهَا اَلذِّئَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ بثثت لكم المواعظ فرقتها و نشرتها و الأوصياء الذين يأتمنهم الأنبياء على الأسرار الإلهية و قد يمكن ألا يكونوا خلفاء بمعنى الإمرة و الولاية فإن مرتبتهم أعلى من مراتب الخلفاء . و حدوتكم سقتكم كما تحدى الإبل فلم تستوسقوا أي لم تجتمعوا قال مستوسقات لم يجدن سائقا قوله يطأ بكم الطريق أي يحملكم على المنهاج الشرعي و يسلك بكم مسلك الحق كأنه جعلهم ضالين عن الطريق التي يطلبونها . [ 101 ] و قال أ تريدون إماما غيري يوقفكم على الطريق التي تطلبونها حتى تطئوها و تسلكوها . ثم ذكر أنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا و هو الهدى و الرشاد فإنه كان في أيام رسول الله ص و خلفائه مقبلا ثم أدبر عند استيلاء معاوية و أتباعه و أقبل منها ما كان مدبرا و هو الضلال و الفساد و معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد قد طعن فيه ص و روى فيه شيخنا أبو عبد الله البصري في كتاب نقض السفيانية على الجاحظ و روى عنه أخبارا كثيرة تدل على ذلك و قد ذكرناها في كتابنا في مناقضة السفيانية . و روى أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك أن معاوية سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله فقالها ثلاثا فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم رب العالمين . قوله ع و أزمع الترحال أي ثبت عزمهم عليه يقال أزمعت الأمر و لا يقال أزمعت على الأمر هكذا يقول الكسائي و أجازه الخليل و الفراء . ثم قال ع إنه لم يضر إخواننا القتلى بصفين كونهم اليوم ليسوا بأحياء حياتنا المشوبة بالنغص و الغصص . و يقال ماء رنق بالتسكين أي كدر رنق الماء بالكسر يرنق رنقا فهو رنق و أرنقته أي كدرته و عيش رنق بالكسر أي كدر . ثم أقسم أنهم لقوا الله فوفاهم أجورهم و هذا يدل على ما يذهب إليه جمهور أصحابنا من نعيم القبر و عذابه . ثم قال ع أين إخواني ثم عددهم فقال أين عمار [ 102 ] عمار بن ياسر و نسبه و نبذ من أخباره و هو عمار بن ياسر بن عامر بن كنانة بن قيس العنسي بالنون المذحجي يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم . و نحن نذكر طرفا من أمره من كتاب الإستيعاب لأبي عمر بن عبد البر المحدث قال أبو عمر كان ياسر والد عمار عربيا قحطانيا من عنس في مذحج إلا أن ابنه عمارا كان مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا قدم مكة مع أخوين له يقال لهما مالك و الحارث في طلب أخ لهم رابع فرجع الحارث و مالك إلى اليمن و أقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمة يقال لها سمية فأولدها عمارا فأعتقه أبو حذيفة فمن هاهنا كان عمار مولى بني مخزوم و أبوه عربي لا يختلفون في ذلك و للحلف و الولاء الذي بين بني مخزوم و عمار و أبيه ياسر كان احتمال بني مخزوم على عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه زعموا و كسروا ضلعا من أضلاعه فاجتمعت بنو مخزوم فقالوا و الله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان . قال أبو عمر كان عمار بن ياسر ممن عذب في الله ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه و اطمأن الإيمان بقلبه فنزل فيه إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ و هذا مما أجمع عليه أهل التفسير . [ 103 ] و هاجر إلى أرض الحبشة و صلى إلى القبلتين و هو من المهاجرين الأولين ثم شهد بدرا و المشاهد كلها و أبلى بلاء حسنا ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا يومئذ و قطعت أذنه . قال أبو عمر و قد روى الواقدي عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة و قد أشرف عليها يصيح يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي و أنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب و هو يقاتل أشد القتال . قال أبو عمر و كان عمار آدم طوالا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين لا يغير شيبة . قال و بلغنا أن عمارا قال كنت تربا لرسول الله ص في سنه لم يكن أحد أقرب إليه مني سنا . و قال ابن عباس في قوله تعالى أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنَّاسِ إنه عمار بن ياسر كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها إنه أبو جهل بن هشام قال و قال رسول الله ص إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه و يروى إلى أخمص قدميه و روى أبو عمر عن عائشة أنها قالت ما من أحد من أصحاب رسول الله ص [ 104 ] أشاء أن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر فإني سمعت رسول الله ص يقول إنه ملئ إيمانا إلى أخمص قدميه . قال أبو عمر و قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع علي ع صفين ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة و ستون منهم عمار بن ياسر . قال أبو عمر و من حديث خالد بن الوليد أن رسول الله ص قال من أبغض عمارا أبغضه الله فما زلت أحبه من يومئذ . قال أبو عمر و من حديث علي بن أبي طالب ع أن عمارا جاء يستأذن على رسول الله ص يوما فعرف صوته فقال مرحبا بالطيب المطيب يعني عمارا ائذنوا له قال أبو عمر و من حديث أنس عن النبي ص اشتاقت الجنة إلى أربعة علي و عمار و سلمان و بلال . قال أبو عمر و فضائل عمار كثيرة جدا يطول ذكرها . قال و روى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال شهدنا مع علي ع صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية و لا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد ص يتبعونه كأنه علم لهم و سمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة يا هاشم تقدم الجنة تحت البارقة اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قال نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله [ 105 ] ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق على سبيله فلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ . قال و قد قال أبو مسعود البدري و طائفة لحذيفة حين احتضر و قد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال . قال أبو عمر و بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا . قال أبو عمر و روى الشعبي عن الأحنف أن عمارا حمل يوم صفين فحمل عليه ابن جزء السكسكي و أبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه و أما ابن جزء فاحتز رأسه . قلت هذا الموضع مما اختلف فيه قول أبي عمر رحمه الله فإنه ذكر في كتاب الكنى من الإستيعاب أبا الغادية بالغين المعجمة و قال إنه جهني من جهينة و جهينة من قضاعة و قد نسبه هاهنا فزاريا . و قال في كتاب الكنى إن اسم أبي الغادية يسار و قيل مسلم . و قد ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف عن أبي الغادية أنه كان يحدث عن نفسه بقتل عمار و يقول إن رجلا طعنه فانكشف المغفر عن رأسه فضربت رأسه فإذا رأس عمار قد ندر . و كيفية هذا القتل تخالف الكيفية التي رواها ابن عبد البر . قال أبو عمر و قد روى وكيع عن شعبة عن عبد بن مرة عن عبد الله بن سلمة [ 106 ] قال لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين و هو صريع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال اليوم ألقى الأحبة إن رسول الله ص عهد إلي أن آخر شربة أشربها في الدنيا شربة من لبن ثم استسقى ثانية فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح من لبن فقال حين شربه الحمد لله الجنة تحت الأسنة و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قاتل حتى قتل . قال أبو عمر و قد روى حارثة بن المضراب قرأت كتاب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا أميرا و عبد الله بن مسعود معلما و وزيرا و هما من النجباء من أصحاب محمد فاسمعوا لهما و اقتدوا بهما فإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة . قال أبو عمر و إنما قال عمر هما من النجباء لقول رسول الله ص إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة من أصحابه نجباء وزراء فقهاء و إني قد أعطيت أربعة عشر حمزة و جعفرا و عليا و حسنا و حسينا و أبا بكر و عمر و عبد الله بن مسعود و سلمان و عمارا و أبا ذر و حذيفة و المقداد و بلالا قال أبو عمر و تواترت الأخبار عن رسول الله ص أنه قال تقتل عمارا الفئة الباغية و هذا من إخباره بالغيب و أعلام نبوته ص و هو من أصح الأحاديث . و كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع و ثلاثين و دفنه علي ع في ثيابه و لم يغسله . [ 107 ] و روى أهل الكوفة أنه صلى عليه و هو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون و لكن يصلى عليهم . قال أبو عمر و كانت سن عمار يوم قتل نيفا و تسعين سنة و قيل إحدى و تسعين و قيل اثنتين و تسعين و قيل ثلاثا و تسعين ذكر أبي الهيثم بن التيهان و طرف من أخباره ثم قال ع و أين ابن التيهان هو أبو الهيثم بن التيهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها المشددة المكسورة و قبلها تاء منقوطة باثنتين فوقها و اسمه مالك و اسم أبيه مالك أيضا ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة و قيل إنه لم يكن من أنفسهم و إنه من بلي بن أبي الحارث بن قضاعة و إنه حليف لبني عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة و شهد بدرا . قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب اختلف في وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعي قال سألت قومه فقالوا مات في حياة رسول الله ص . قال أبو عمر و هذا لم يتابع عليه قائله . و قيل إنه توفي سنة عشرين أو إحدى و عشرين . و قيل إنه أدرك صفين و شهدها مع علي ع و هو الأكثر . و قيل إنه قتل بها . ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال [ 108 ] حدثنا الدولابي قال حدثنا أبو بكر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال و ممن قتل بصفين عمار و أبو الهيثم بن التيهان و عبد الله بن بديل و جماعة من البدريين رحمهم الله . ثم روى أبو عمر رواية أخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق بن علي قال قال أبو نعيم أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك و اسم التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع علي يوم صفين . قال أبو عمر هذا قول أبي نعيم و غيره . قلت و هذه الرواية أصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف و ذكر قوم أن أبا الهيثم شهد صفين مع علي ع و لا يعرف ذلك أهل العلم و لا يثبتونه فإن تعصب ابن قتيبة معلوم و كيف يقول لا يعرفه أهل العلم و قد قاله أبو نعيم و قاله صالح بن الوجيه و رواه ابن عبد البر و هؤلاء شيوخ المحدثين ذكر ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت و طرف من أخباره ثم قال ع و أين ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس جعل رسول الله ص [ 109 ] شهادته كشهادة رجلين لقصة مشهورة يكنى أبا عمارة شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد و كانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح . قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب و شهد صفين مع علي بن أبي طالب ع فلما قتل عمار قاتل حتى قتل . قال أبو عمر و قد روي حديث مقتله بصفين من وجوه كثيرة ذكرناها في كتاب الإستيعاب عن ولد ولده و هو محمد بن عمارة بن خزيمة ذي الشهادة و أنه كان يقول في صفين سمعت رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية ثم قاتل حتى قتل . قلت و من غريب ما وقعت عليه من العصبية القبيحة أن أبا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر إن خزيمة بن ثابت المقتول مع علي ع بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين بل آخر من الأنصار صحابي اسمه خزيمة بن ثابت و هذا خطأ لأن كتب الحديث و النسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار و لا من غير الأنصار خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين و إنما الهوى لا دواء له على أن الطبري صاحب التاريخ قد سبق أبا حيان بهذا القول و من كتابه نقل أبو حيان و الكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين أن يتكثروا بخزيمة و أبي الهيثم و عمار و غيرهم لو أنصف [ 110 ] الناس هذا الرجل و رأوه بالعين الصحيحة لعلموا أنه لو كان وحده و حاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق و كانوا على الباطل . ثم قال ع و أين نظراؤهم من إخوانهم يعني الذين قتلوا بصفين معه من الصحابة كابن بديل و هاشم بن عتبة و غيرهما ممن ذكرناه في أخبار صفين . و تعاقدوا على المنية جعلوا بينهم عقدا و روي تعاهدوا . و أبرد برءوسهم إلى الفجرة حملت رءوسهم مع البريد إلى الفسقة للبشارة بها و الفجرة هاهنا أمراء عسكر الشام تقول قد أبردت إلى الأمير فأنا مبرد و الرسول بريد و يقال للفرانق البريد لأنه ينذر قدام الأسد . قوله أوه على إخواني ساكنة الواو مكسورة الهاء كلمة شكوى و توجع و قال الشاعر فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها و من بعد أرض دونها و سماء و ربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا آه على كذا و ربما شددوا الواو و كسروها و سكنوا الهاء فقالوا أوه من كذا و ربما حذفوا الهاء مع التشديد و كسروا الواو فقالوا أو من كذا بلا مد و قد يقولون آوه بالمد و التشديد و فتح الألف و سكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية و ربما أدخلوا فيه الياء تارة يمدونه و تارة لا يمدونه فيقولون أوياه و آوياه و قد أوه الرجل تأويها و تأوه تأوها إذا قال أوه و الاسم منه الآهة بالمد قال المثقب العبدي إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين [ 111 ] قوله ع و وثقوا بالقائد فاتبعوه يعني نفسه أي وثقوا بأني على الحق و تيقنوا ذلك فاتبعوني في حرب من حاربت و سلم من سالمت . قوله الجهاد الجهاد منصوب بفعل مقدر . و إني معسكر في يومي أي خارج بالعسكر إلى منزل يكون لهم معسكرا ذكر سعد بن عبادة و نسبه و قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي صحابي يكنى أبا عبد الملك روى عن رسول الله ص أحاديث و كان طوالا جدا سبطا شجاعا جوادا و أبوه سعد رئيس الخزرج و هو الذي حاولت الأنصار إقامته في الخلافة بعد رسول الله ص و لم يبايع أبا بكر حين بويع و خرج إلى حوران فمات بها قيل قتلته الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا و رووا بيتين من شعر قيل إنهما سمعا ليلة قتله و لم ير قائلهما نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة و رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده و يقول قوم إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا و هو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الإمام و قد قال بعض المتأخرين في ذلك يقولون سعد شكت الجن قلبه ألا ربما صححت دينك بالغدر و ما ذنب سعد أنه بال قائما و لكن سعدا لم يبايع أبا بكر و قد صبرت من لذة العيش أنفس و ما صبرت عن لذة النهي و الأمر [ 112 ] و كان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين ع و قائل بمحبته و ولائه و شهد معه حروبه كلها و كان مع الحسن ع و نقم عليه صلحه معاوية و كان طالبي الرأي مخلصا في اعتقاده و وده و أكد ذلك عنده فوات الأمر أباه و ما نيل يوم السقيفة و بعده منه فوجد من ذلك في نفسه و أضمره حتى تمكن من إظهاره في خلافة أمير المؤمنين و كما قيل عدو عدوك صديق لك ذكر أبي أيوب الأنصاري و نسبه و أما أبو أيوب الأنصاري فهو خالد بن يزيد بن كعب بن ثعلبة الخزرجي من بني النجار شهد العقبة و بدرا و سائر المشاهد و عليه نزل رسول الله ص لما خرج عن بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة مهاجرا من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده و مساكنه ثم انتقل إليها و يوم المؤاخاة آخى رسول الله ص بينه و بين مصعب بن عمير . و قال أبو عمر في كتاب الإستيعاب إن أبا أيوب شهد مع علي ع مشاهده كلها و روي ذلك عن الكلبي و ابن إسحاق قالا شهد معه يوم الجمل و صفين و كان مقدمته يوم النهروان . قوله تختطفها الذئاب الاختطاف أخذك الشي‏ء بسرعة و يروى تتخطفها قال تعالى تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ اَلنَّاسُ . و يقال إن هذه الخطبة آخر خطبة أمير المؤمنين ع قائما