جستجو

و من خطبة له ع و فيها يعظ و يبين فضل القرآن و ينهى عن البدعة عظة الناس

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 189 ] و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الخامسة و السبعون من المختار في باب الخطب قال الشارح البحراني : روى انّ هذه الخطبة من أوايل الخطب التي خطب بها أيّام بويع بعد قتل عثمان ، و شرحها في فصلين : الفصل الاول انتفعوا ببيان اللّه ، و اتّعظوا بمواعظ اللّه ، و اقبلوا نصيحة اللّه فإنّ اللّه قد أعذر إليكم بالجليّة ، و اتّخذ عليكم بالحجّة ، و بيّن لكم محآبّه من الأعمال و مكارهه منها لتتّبعوا هذه و تجتنبوا هذه ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول : إنّ الجنّة حفّت بالمكاره و إنّ النّار حفّت بالشّهوات . و اعلموا أنّه ما من طاعة اللّه شي‏ء إلاّ يأتي في كره ، و ما من معصية اللّه شي‏ء إلاّ يأتي في شهوة ، فرحم اللّه رجلا نزع عن شهوته ، و قمع هوي نفسه ، فإنّ هذه النّفس أبعد شي‏ء منزعا ، و إنّها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى . و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن لا يصبح و لا يمسي إلاّ و نفسه ظنون عنده ، فلا يزال زاريا عليها و مستزيدا لها ، فكونوا كالسّابقين قبلكم ، [ 190 ] و الماضين أمامكم ، قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل ، و طووها طيّ المنازل . و اعلموا أنّ هذا القرآن هو النّاصح الّذي لا يغشّ ، و الهادي الّذي لا يضلّ ، و المحدّث الّذي لا يكذب ، و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان ، زيادة في هدى ، و نقصان من عمى . و اعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، و لا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، و استعينوا به على لاوائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الدّاء و هو الكفر و النّفاق و الغيّ و الضّلال ، فاسئلوا اللّه به ، و توجّهوا إليه بحبّه ، و لا تسئلوا به خلقه ، إنّه ما توجّه العباد بمثله إلى اللّه . و اعلموا أنه شافع مشفّع ، و قائل مصدّق ، و أنّه من شفع له يوم القيمة شفّع فيه ، و من محل به القرآن يوم القيمة صدّق عليه ، فإنّه ينادي مناد يوم القيمة : ألا و إنّ كلّ حارث مبتلى في حرثه و عاقبة عمله ، غير حرثة القرآن فكونوا من حرثته و أتباعه ، و استدلّوه على ربّكم ، و استنصحوه على أنفسكم ، و اتّهموا عليه آرائكم ، و استغشّوا فيه أهواءكم . [ 191 ] العمل العمل ، ثمّ النّهاية النّهاية ، و الإستقامة الإستقامة ، ثمّ الصّبر الصّبر ، و الورع الورع ، إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، و إنّ لكم علما فاهتدوا بعلمكم ، و إنّ للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته ، و اخرجوا إلى اللّه ممّا افترض عليكم من حقّه ، و بيّن لكم من وظائفه ، أنا شاهد لكم ، و حجيج يوم القيمة عنكم ، ألا و إنّ القدر السّابق قد وقع ، و القضاء الماضي قد تورّد ، و إنّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته ، قال اللّه تعالى : إِنَّ الَّذينَ قالوُا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنوُا وَ أبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، و قد قلتم : ربّنا اللّه ، فاستقيموا على كتابه ، و على منهاج أمره ، و على الطّريقة الصّالحة من عبادته ، ثمّ لا تمرقوا منها ، و لا تبتدعوا فيها ، و لا تخالفوا عنها ، فإنّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة . اللغة ( نزع ) عن المعاصي نزوعا انتهى عنها و نزع عن الشي‏ء نزوعا كفّ و قلع عنه و المنزع يحتمل المصدر و المكان و نزع الى أهله نزاعة و نزاعا اشتاق إليه ، و نازعتني نفسى إلى كذا اشتاقت إليه قال في مجمع البحرين : في الحديث النّفس الأمّارة أبعد شي‏ء منزعا ، أى رجوعا عن المعصية اذ هى مجبولة على محبّة الباطل ، و أمّا تفسير الشارح المعتزلي منزعا بمذهبا فلا يخفى بعده . [ 192 ] و ( الظنون ) و زان صبور إمّا مبالغة من الظنّة بالكسر بمعنى التهمة يقال : ظننت فلانا أى اتّهمته فلا يحتاج حينئذ إلى الخبر أو بمعنى الضعيف و قليل الحيلة و جعل الشارح المعتزلي الظنون بمعنى البئر لا يدرى فيها ماء أم لا غير مناسب للمقام و إن كان أحد معانيه . و ( قاض ) البناء و قوضه أى هدمه أو التقويض نقض من غير هدم أو هو نقض الأعواد و الأطناب و ( غشّه ) يغشّه كمدّ يمدّ غشّا خلاف نصحه و ( اللّأواء ) و زان صحراء الشدّة و ضيق المعيشة و في مجمع البحرين في الحديث و من ( محل به ) القرآن يوم القيامة صدق أى سعى به يقال محل بفلان اذا قال عليه قولا يوقعه في مكروه و ( تورد ) الخيل البلد دخله قليلا قليلا . الاعراب جملة قوّضوا استيناف بياني لا محلّ لها من الاعراب ، و أو في قوله بزيادة أو نقصان بمعنى الواو كما في قوله : لنفسي تقاها أو عليها فجورها . و يؤيّده قوله زيادة في هدى ، و نقصان بالواو ، أو أنّ الترديد لمنع الخلوّ و الفاء في قوله : فاستشفوه فصيحة ، و في قوله : فانّ فيه شفاء للتعليل و قوله : العمل العمل و ما يتلوه من المنصوبات المكرّرة انتصابها جميعا على الاغراء أو عامل النصب محذوف أى ألزموا العمل فحذف العامل و ناب أوّل اللّفظين المكرّرين منابه . المعنى اعلم أنّ مدار هذا الفصل من الخطبة الشريفة على الموعظة و النصيحة و ترغيب المخاطبين في الطّاعات و تحذيرهم عن السّيئآت و التنبيه على جملة من فضايل كتاب الكريم و خصايص الذكر الحكيم ، و صدّر الفعل بالأمر بالانتفاع بأفضل البيانات و الاتّعاظ بأحسن المواعظ و القبول لأكمل النصايح فقال : « ج 12 » [ 193 ] ( انتفعوا ببيان اللّه ) أى بما بيّنه في كتابه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فانّه لقول فصل و ما هو بالهزل ، و فيه تذكرة و ذكري لاولى الألباب و هدى و بشرى بحسن المآب فمنفعته أتمّ المنافع ، و فايدته أعظم الفوايد . ( و اتّعظوا بمواعظ اللّه ) لتفوزوا جنّة النعيم و الفوز العظيم ، و تنجوا من نار الجحيم و العذاب الأليم ( و اقبلوا نصيحة اللّه ) فانّها مؤدّية إلى درجات الجنات منجية من دركات الهلكات ، و الاتيان بلفظ الجلالة و التصريح باسمه سبحانه في جميع الجملات مع اقتضاء ظاهر المقام للاتيان بالضمير لايهام الاستلذاذ و لإدخال الرّوع في ضمير المخاطبين و تربية المهابة و تقوية داعى المأمورين لامتثال المأمور به ، و قول الشارح البحراني بأنّ ذلك أى تعدية الاسم صريحا للتعظيم فليس بشي‏ء . و لما أمر بالاتّعاظ و الانتصاح علله ( فانّ اللّه قد أعذر إليكم بالجليّة ) يعني أنّه سبحانه قد أبدى العذر اليكم في عقاب العاصين منكم بالاعذار الجليّة و البراهين الواضحة من الآيات الكريمة لأنّه لا يكلّف نفسا إلاّ ما اتيها ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حىّ عن بيّنة . ( و اتّخذ عليكم الحجّة ) بارسال الرّسول و إنزال الكتاب يعني أنّه أتمّ الحجّة على المكلّفين بما اتاهم و عرّفهم حتى لا يكون لهم عذر في ترك التكاليف و لا يكون للنّاس عليه حجّة بعد الرّسل قال عزّ من قائل : و ما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا ( و بيّن لكم محابّه من الأعمال و مكارهه منها ) أى بيّن في كتاب العزيز الفرايض و الواجبات من الحجّ و الجهاد و الصوم و الصّلاة و غيرها من الأعمال الصّالحات المطلوبة له و المحبوبة عنده ، و المحظورات من الكذب و الغيبة و النميمة و السعاية و غيرها من الأفعال القبيحة المبغوضة له المكروهة لديه . و انّما بيّنها ( لتتّبعوا هذه ) أى محابّ الأعمال ( و تجتنبوا هذه ) أى مكارهها ( فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ) تعليل لوجوب اتّباع المحابّ و وجوب اجتناب المكاره ( كان يقول : إنّ الجنّة حفّت بالمكاره و إن النّار حفّت بالشهوات ) يعني أنّ الجنّة محفوفة بالصبر على مشاقّ الطاعات و الكفّ عن لذائذ السيّئآت و كلاهما مكروه للنّفس ، [ 194 ] فمن صبر على ذلك المكروه يكون مصيره إلى الجنّة و كذلك النار محفوفة باطلاق عنان النفس و ارتكاب ما تشتهيها و تتمناها من الشهوات و المحرّمات ، فمن أقدم عليها و أتى بها يكون عاقبته إلى النار و كفى بالجنّة ثوابا و نوالا في تسهيل تحمّل تلك المكاره ، و كفى بالنار عقابا و وبالا في التنفير عن هذه الشهوات . ثمّ بعد تسهيل المكاره التي يشتمل عليها الطاعات يكون غايتها أشرف الغايات و تحقير الشهوات الّتي يريد التنفير عنها يكون غايتها أخسّ الغايات نبّه على أنّه لا تأتى طاعته إلاّ في كره و لا معصيته إلاّ في شهوة ، و هو قوله ( و اعلموا أنه ما من طاعة اللّه شي‏ء إلاّ يأتي في كره و ما من معصية اللّه شي‏ء إلاّ يأتي في شهوة ) لأنّ النّفس للقوّة الشهويّة أطوع من القوّة العاقلة خصوصا فيما هو أقرب إليها من اللّذات المحسوسة الّتي يلحقها العقاب عليها . ( فرحم اللّه رجلا نزع ) و كفّ ( عن شهوته و قمع ) أى قلع ( هوى نفسه فان هذه النفس ) الأمّارة بالسوء ( أبعد شي‏ء منزعا ) أى كفا و انتهاء عن شهوة و معصية ( و أنها لا تزال تنزع ) أى تشتاق و تميل ( إلى معصية في هوى ) نبّه على وصف المؤمنين و كيفيّة معاملتهم مع نفوسهم جذبا للسامعين إلى التأسّي بهم و تحريصا لهم على اقتفاء آثارهم و هو قوله : ( و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن لا يصبح و لا يمسى إلاّ و نفسه ظنون ) أى متّهمة ( عنده ) أى أنها ضعيفة قليلة الحيلة لا تقدر على أن تحتال و تعالج في أن تغره و تورده موارد الهلكة بل هو غالب عليها في كلّ حال ( فلا يزال زاريا ) أى عايبا ( عليها ) في كلّ حين ( و مستزيدا لها ) أى مراقبا لأحوالها طالبا للزيادة لها من الأعمال الصالحة في جميع الأوقات . ( فكونوا كالسابقين قبلكم ) إلى الجنّة ( و الماضين أمامكم ) من المؤمنين الزاهدين في الدّنيا و الرّاغبين في الآخرة ( قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل ) يعني أنهم قطعوا علايق الدّنيا و ارتحلوا إلى الآخرة كما أنّ الرّاحل إذا أراد الارتحال يقوّض متاعه و ينقض خيمته و يهدم بناءه ( و طووها طىّ المنازل ) أى طووا أيام [ 195 ] الدّنيا و مدّة عمرهم كما يطوى المسافر منازل طريقه . و محصّل الجملتين أنّ السابقين الأوّلين من المقرّبين و أصحاب اليمين لما عرفوا بعين بصائرهم أنّ الدّنيا ليست لهم بدار و أن الآخرة دار قرار لا جرم كانت همّتهم مقصورة في الوصول إليها ، فجعلوا أنفسهم في الدّنيا بمنزلة المسافر ، و جعلوها عندهم بمنزلة المنازل فاخذوا من ممرّهم ما يبلغهم إلى مقرّهم فلما ارتحلوا عنها لم يبق لهم علاقة فيها كما أنّ المسافر إذا ارتحل من منزل لا يبقى له شي‏ء فيه فأمر المخاطبين بأن يكونوا مثل هؤلاء في الزّهد في الدّنيا و ترك العلايق و الامنيّات و الرغبة في العقبي و الجنّات العاليات و هي أحسن منزلا و مقيلا . ثمّ شرع في ذكر فضل القرآن و بيان ممادحه ترغيبا في الاهتداء به و الاقتباس من ضياء أنواره فقال عليه السّلام ( و اعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح ) المشفق ( الّذي لا يغشّ ) في إرشاده إلى وجوه المصالح كما أنّ الناصح الصديق شأنه ذلك ( و الهادى الّذي لا يضلّ ) من اهتدى به . روى في الكافي عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى و مصابيح الدّجى ، فليجل جال بصره و يفتح للضياء نظره ، فانّ التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظّلمات بالنور . ( و المحدّث الّذي لا يكذب ) في قصصه و أحاديثه و أخباره قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فيما روى في الكافي عن سماعة بن مهران عنه عليه السّلام انّ العزيز الجبّار أنزل عليكم كتابه و هو الصّادق البارّ فيه خبركم و خبر من قبلكم و خبر من بعدكم و خبر السماء و الأرض و لو أتاكم من يخبركم لذلك تعجّبتم . ( و ما جالس هذا القرآن أحد ) استعار لفظ المجالسة لمصاحبته و ملازمته و قرائته و التدبّر في ألفاظه و معانيه ( إلاّ قام عنه ) استعار لفظ القيام لترك قرائته و الفراغ عنها و لا يخفى ما في مقابلة الجلوس بالقيام من اللّطف و الحسن فانّ المقابلة بين الفعلين في معنييهما الحقيقين و المجازين كليهما على حدّ قوله تعالى : أ و من كان ميّتا فأحييناه [ 196 ] أى ضالا فهديناه ، فانّ الموت و الأحياء متقابلان كتقابل الضلالة و الهداية و ما ذكرناه أظهر و أولى مما قاله الشارح البحراني من أنه كنّى بمجالسة القرآن عن مجالسة حملته و قرائه لاستماعه منهم و تدبّره عنهم ، لاحتياجه إلى الحذف و التكلّف الّذي لا حاجة إليه . و كيف كان فالمراد أنّ من قام عن القرآن بعد قضاء وطره منه فانما يقوم ( بزيادة أو نقصان زيادة في هدى و نقصان من عمى ) اذ فيه من الآيات البيّنات و البراهين الباهرات ما يزيد في بصيرة المستبصر ، و ينقص من جهالة الجاهل . ( و اعلموا أنه ليس لأحد بعد القرآن من ) فقر و ( فاقة و لا لأحد قبل القرآن من غنى ) و ثروة الظاهر أنّ المراد به أنّ من قرء القرآن و عرف ما فيه و تدبّر في معانيه و عمل بأحكامه يتمّ له الحكمة النظريّة و العمليّة و لا يبقى له بعده إلى شي‏ء حاجة و لا فقر و لا فاقة و من لم يكن كذلك فهو أحوج المحتاجين . روى في الكافي عن معاوية بن عمار قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام من قرء القرآن فهو عنيّ و لا فقر بعده و إلاّ ما به غني . قال الشاحر البحراني في شرح ذلك : نبّههم على أنّه ليس بعده على أحد فقر أى ليس بعد نزوله للنّاس و بيانه الواضح حاجة بالنّاس إلى بيان حكم في إصلاح معاشهم و معادهم ، و لا لأحد قبله من غني أى قبل نزوله لا غني عنه للنّفوس الجاهلة انتهى ، و الأظهر ما قلناه . ( فاستشفوه من أدوائكم ) أى من أمراضكم الظاهرة و الباطنة و الرّوحانية و الجسمانيّة ، فانّ فيه شفآء من كلّ ذلك قال سبحانه : و ننزّل من القرآن ما هو شفاء و رحمة . و روى في الكافي عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال : شكى رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا في صدره فقال : استشف بالقرآن فانّ اللّه عزّ و جلّ يقول : و شفاء لما في الصدور . ( و استعينوا به من لأوائكم ) أى من شدائد الدّهر و محن الزمان و طوارق [ 197 ] البلايا و الحدثان . روى في الكافي عن أحمد المنقري قال : سمعت أبا إبراهيم عليه السّلام يقول من استكفى بآية من القرآن من المشرق إلى المغرب كفى إذا كان بيقين . و فيه عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال : و الّذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ و أكرم أهل بيته ما من شي‏ء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابّة من صاحبها أو ضالّة أو آبق إلاّ و هو في القرآن فمن أراد ذلك فليسألني عنه الحديث . و أنت إذا لاحظت الروايات الواردة في خواصّ السّور و الآيات تجد أنها كنز لا يفنى و بحر لا ينفد ، و أنّ فيها ما به نجاة من كلّ همّ و نجاة من كلّ غمّ و عوذة من كلّ لمم و سلامة من كل ألم و خلاص من كلّ شدّة و مناص من كلّ داهية و مصيبة و فرج من ضيق المعيشة و مخرج إلى سعة العيشة إلى غير هذه مما هو خارج عن حدّ الاحصاء و متجاوز عن طور الاستقصاء ، فلا شي‏ء أفضل منه للاستشفاء من الأسقام و الأدواء و لا للاستعانة من الشدائد و اللأواء . ( و انّ فيه شفاء من أكبر الدّاء و هو الكفر و النّفاق و الغىّ و الضلال ) قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الحديث المرويّ في الكافي مرفوعا لا و اللّه لا يرجع الأمر و الخلافة إلى آل أبى بكر و عمر و لا إلى بني اميّة أبدا و لا في ولد طلحة و الزبير أبدا و ذلك إنهم نبذوا القرآن و أبطلوا السّنن و عطّلوا الأحكام . و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن هدى من الضلالة و تبيان من العمى و استقالة من العثرة و نور من الظلمة و ضيآء من الأحداث و عصمة من الهلكة و رشد من الغواية و بيان من الفتن و بلاغ من الدّنيا إلى الآخرة ، و فيه كمال دينكم و ما عدل أحد عن القرآن إلاّ إلى النار . ( فاسألوا اللّه به و توجّهوا إليه بحبّه ) يحتمل أن يكون المراد به جعله وسيلة إليه سبحانه في نيل المسائل لكونه أقوى الوسائل ، و أن يتوجّه إليه بحبّه أى بحبّ السائل المتوجّه له أو بكونه محبوبا للّه تعالى في انجاح السؤلات و قضاء [ 198 ] الحاجات ، و أن يكون المراد به اعداد النفوس و إكمالها بما اشتمل عليه الكتاب العزيز من الكمالات النفسانيّة ثمّ يطلب الحاجات و يستنزل الخيرات بعد حصول الكمال لها ، و على هذا فالمقصود من التوجّه إليه بحبّه تأكيد الاستكمال اذ من أحبّه استكمل بما فيه فحسن توجّهه إليه تعالى و الأظهر هو الاحتمال الأوّل بقرينة قوله ( و لا تسألوا به خلقه ) لظهوره في أنّ المراد به هو النهى عن جعله وسيلة للمسألة إلى الخلق . قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية الكافي عن يعقوب الأحمر عنه عليه السّلام : إنّ من الناس من يقرء القرآن ليقال فلان قارى‏ء ، و منهم من يقرء القرآن ليطلب به الدّنيا و لا خير في ذلك ، و منهم من يقرء القرآن لينتفع به في صلاته و ليله و نهاره . و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قرّاء القرآن ثلاثة : رجل قرء القرآن فاتّخذه بضاعة و استدرّ به الملوك و استطال به على النّاس ، و رجل قرء القرآن فحفظ حروفه و ضيّع حدوده و أقامه إقامة القدح فلا كثر اللّه هؤلاء من حملة القرآن . و رجل قرء القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله و أظمأ به نهاره و قام به في مساجده و تجافي به عن فراشه فباولئك يدفع اللّه العزيز الجبّار البلاء ، و باولئك يديل اللّه عزّ و جلّ من الأعداء ، و باولئك ينزل اللّه تبارك و تعالى الغيث من السماء فو اللّه لهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر . و علّل الأمر بسؤال اللّه به بأنه ( ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله ) لأنّ له كرامة عند اللّه سبحانه و مقاما يغبطه به الأوّلون و الآخرون حسبما تعرفه في الأخبار الآتية فهو أفضل الوسائل للسائل في انجاح المقاصد و المسائل الدنيويّة و الأخرويّة ، فالمتوجّه به إليه سبحانه لا يردّ دعاؤه و لا يخيب رجاؤه . ( و اعلموا أنّه شافع مشفّع و قائل مصدّق ) يعني أنه يشفع لقرّائه و العاملين به الحاملين له يوم القيامة فيقبل شفاعته في حقّهم ، و يقول و يشهد في حقّ هؤلاء بخير و في حقّ التاركين له و النابذين به وراء ظهورهم بشرّ فيصدق فيهما كما أشار إليه بقوله : [ 199 ] ( و أنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه ) أى قبلت شفاعته ( و من محل به القرآن ) أى سعى به إلى اللّه تعالى و قال في حقّه قولا يضرّه و يوقعه في المكروه ( يوم القيامة صدّق عليه ) . قال الشارح البحراني استعار عليه السّلام لفظى الشافع و المشفع و وجه الاستعارة كون تدبّره و العمل بما فيه ماحيا لما يعرض للنفس من الهيئآت الرديّة من المعاصي ، و ذلك مستلزم لمحو غضب اللّه كما يمحو الشفيع المشفّع أثر الذنب عن قلب المشفوع إليه و كذلك لفظ القائل المصدّق و وجه الاستعارة كونه ذا ألفاظ إذا نطق بها لا يمكن تكذيبها كالقائل الصادق ، ثمّ أعاد معنى كونه شافعا مشفّعا يوم القيامة ثمّ استعار لفظ المحل للقرآن و وجه الاستعارة أنّ لسان حال القرآن شاهد في علم اللّه و حضرة ربوبيّته على من أعرض عنه بعدم اتباعه و مخالفته لما اشتمل عليه فبالواجب أن يصدّق فأشبه السّاعي إلى السّلطان في حقّ غيره بما يضرّه انتهى . أقول : و الانصاف أنّ حمل الكلام على المجاز مع التمكّن من إرادة الحقيقة لا معنى له كما قلناه في شرح الفصل السادس من الخطبة الثانية و الثمانين ، و الحمل على الحقيقة هنا ممكن بل متعيّن لدلالة غير واحد من الرّوايات على أنّه يأتي يوم القيامة بصورت إنسان في أحسن صورة و يشفع في حقّ قرّائه العاملين به ، و يسعى في حقّ المعرضين عنه ، و على هذا فلا وجه لحمل لفظ الشفاعة و القول و المحل على معناها المجازي و لا بأس بالاشارة إلى بعض ما يدلّ على ذلك فأقول : روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي عن عليّ بن محمّد عن عليّ بن العباس عن الحسين بن عبد الرّحمان عن صفوان الحريرى عن أبيه عن سعد الخفاف عن أبيجعفر عليه السّلام قال : يا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق و النّاس صفوف عشرون و مأة ألف صفّ ثمانون ألف صفّ من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أربعون ألف صفّ من ساير الامم فيأتي على صفّ المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون إليه ثمّ يقولون لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم إنّ هذا الرّجل من المسلمين نعرفه بنعته و صفته غير أنه كان أشدّ اجتهادا منّا في القرآن فمن هناك اعطى من [ 200 ] البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه . ثمّ يجوز حتّى يأتي على صفّ الشهداء فينظر إليه الشهداء ثم يقولون : لا إله إلاّ اللّه الرّبّ الرحيم إنّ هذا الرّجل من الشهداء نعرفه بسمته و صفته غير أنه من شهداء البحر فمن هناك اعطى من البهاء و الفضل ما لم نعطه . قال فيجاوز حتّى يأتى صفّ شهداء البحر فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجّبهم و يقولون : إنّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غير أنّ الجزيرة التي أصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها فمن هناك أعطى من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه . ثمّ يجاوز حتّى يأتي صفّ النبيّين و المرسلين في صورة نبيّ مرسل فينظر النّبيّون و المرسلون إليه فيشتدّ لذلك تعجّبهم و يقولون : لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم إنّ هذا النبيّ « لنبيّ خ » مرسل نعرفه بصفته و سمته غير أنه أعطى فضلا كثيرا قال : فيجتمعون فيأتون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيسألونه و يقولون : يا محمّد من هذا ؟ فيقول صلّى اللّه عليه و آله لهم : أو ما تعرفونه ؟ فيقولون ما نعرفه هذا من لم يغضب اللّه عزّ و جلّ عليه ، فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : هذا حجّة اللّه على خلقه فيسلم . ثمّ يجاوز حتّى يأتي على صفّ الملائكة في صورة ملك مقرّب فينظر إليه الملائكة فيشتدّ تعجّبهم و يكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله و يقولون : تعالى ربّنا و تقدّس إنّ هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته و صفته غير أنه كان أقرب الملائكة إلى اللّه عز و جلّ مقاما فمن هناك البس من النّور و الجمال ما لم نلبس . ثمّ يجاوز حتّى ينتهى إلى ربّ العزّة تبارك و تعالى فيخرّ تحت العرش فيناديه تبارك و تعالى يا حجّتي في الأرض و كلامي الصّادق و الناطق ارفع رأسك سل تعط و اشفع تشفّع ، فيرفع رأسه فيقول اللّه تبارك و تعالى : كيف رأيت عبادي ؟ فيقول : يا ربّ منهم من صانني و حافظ علىّ و لم يضيّع شيئا ، و منهم من ضيّعني و استخفّ بحقّي و كذّب بي و أنا حجّتك على جميع خلقك ، فيقول اللّه تبارك و تعالى : و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لاثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ، و لاعاقبنّ عليك اليوم [ 201 ] أليم العقاب . قال : فيرفع القرآن رأسه في صورة اخرى قال : فقلت له عليه السّلام يا أبا جعفر في أىّ صورة يرجع ؟ قال : في صورة رجل شاحب متغيّر يبصره « ينكره خ » أهل الجمع فيأتي الرّجل من شيعتنا الذي كان يعرفه و يجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول ما تعرفنى ؟ فينظر إليه الرجل فيقول : ما أعرفك يا عبد اللّه . قال : فيرجع في صورته الّتي كانت في الخلق الأوّل فيقول : ما تعرفني ؟ فيقول نعم ، فيقول القرآن : أنا الّذي أسهرت ليلك و أنصبت عينك و سمعت فيّ الأذى و رجمت بالقول فيّ ألا و إنّ كلّ تاجر قد استوفي تجارته و أنا وراءك اليوم ، قال فينطلق به إلى ربّ العزّة تبارك و تعالى فيقول : يا ربّ عبدك و أنت أعلم به قد كان نصبا بي مواظبا علىّ يعادي بسببي و يحبّ فيّ و يبغض ، فيقول اللّه عزّ و جلّ ادخلوا عبدي جنّتي و اكسوه حلّة من حلل الجنّة ، و توّجوه بتاج . فاذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له : هل رضيت بما فعل بوليّك فيقول : يا ربّ أستقلّ هذا له فزده مزيد الخير كلّه ، فيقول عزّ و جلّ : و عزّتي و جلالي و علوّى و ارتفاع مكاني لأنحلنّ له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له و لمن كان بمنزلته : ألا إنهم شباب لا يهرمون ، و أصحّاء لا يسقمون ، و أغنياء لا يفتقرون ، و فرحون لا يحزنون ، و أحياء لا يموتون ، ثمّ تلى عليه السّلام هذه الآية : لا يذوقون فيه الموت إلاّ الموتة الأولى . قال قلت يا با جعفر و هل يتكلّم القرآن ؟ فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال : رحم اللّه الضعفاء من شيعتنا إنّهم أهل تسليم ، ثمّ قال : نعم يا أبا سعد و الصّلاة تتكلّم و لها صورة و خلق تأمر و تنهى ، قال سعد : فتغيّر لذلك لوني و قلت : هذا شي‏ء لا أستطيع التكلّم به في النّاس ، فقال أبو جعفر عليه السّلام : و هل النّاس إلاّ شيعتنا فمن لم يعرف الصّلاة فقد أنكر حقنا . ثمّ قال : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ قال سعد : فقلت : بلى فقال عليه السّلام إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر اللّه أكبر ، فالنّهى كلام و الفحشاء و المنكر [ 202 ] رجال و نحن ذكر اللّه و نحن أكبر . و فيه بسنده عن يونس بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام إنّ الدّواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النعم ، و ديوان فيه الحسنات ، و ديوان فيه السيئآت ، فيقابل بين ديوان النعم و ديوان الحسنات ، فيستغرق النعم عامّة الحسنات ، و يبقى ديوان السيئآت فيدعى بابن آدم المؤمن للحسنات « للحساب خ » فيتقدّم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا ربّ أنا القرآن و هذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي و يطيل ليله بترتيلي و تفيض عيناه إذا تهجّد ، فارضه كما أرضاني قال : فيقول العزيز الجبّار : عبدى ابسط يمينك ، فيملوها من رضوان اللّه العزيز الجبّار ، و يملؤ شماله من رحمة اللّه ، ثمّ يقال : هذه الجنّة مباحة لك فاقرء و اصعد فاذا قرء آية صعد درجة . و فيه مسندا عن إسحاق بن غالب قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : إذا جمع اللّه عزّ و جلّ الأوّلين و الآخرين إذا هم بشخص قد أقبل لم ير قط أحسن صورة منه ، فاذا نظر إليه المؤمنون و هو القرآن قالوا هذا منّا هذا أحسن شي‏ء رأينا ، فاذا انتهى إليهم جازهم ، ثمّ ينظر إليه الشهداء حتّى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم فيقولون هذا القرآن فيجوزهم كلّهم حتّى إذا انتهى إلى المرسلين فيقولون هذا القرآن فيجوزهم حتّى ينتهى إلى الملائكة فيقولون هذا القرآن فيجوزهم ثمّ ينتهى حتّى يقف عن يمين العرش ، فيقول الجبّار و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لاكرمنّ اليوم من أكرمك و لاهيننّ من أهانك . و فيه عن الفضيل بن يسار باسناده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : تعلّموا القرآن فانّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل شاحب اللّون فيقول له : أنا القرآن الّذي كنت أسهرت ليلك و أظمأت هواجرك و أجففت ريقك و أسلت دمعتك أؤل معك حيث ما الت ، و كلّ تاجر من وراء تجارته و أنا اليوم لك من وراء تجارة كلّ تاجر ، و سيأتيك كرامة من اللّه عزّ و جلّ فابشر . فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه و يعطى الأمان بيمينه و الخلد في الجنان بيساره [ 203 ] و يكسى حلّتين ثمّ يقال له : اقرء و ارق ، كلّما قرء آية صعد درجة و يكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين ثمّ يقال لهما : هذا لما علّمتماه القرآن . إلى غيره مما لا نطيل بروايتها فقد ظهر منهم أنّه يجي‏ء يوم القيامة في صورة انسان و له لسان يشهد للناس و عليهم و يقبل شهادته نفعا و ضرّا و شفاعته في حقّ المراقبين له و ينتفع به الآخذون له و العاملون به . ( فانه ينادى مناد يوم القيامة ) الظاهر أنّ المنادى من الملائكة من عند ربّ العزّة ، و قول الشارحين انه لسان حال الأعمال تأويل لا داعى إليه ( ألا ) و ( إنّ كلّ حارث ) أصل الحرث إثارة الأرض للزراعة و المراد هنا مطلق الكسب و التّجارة ( مبتلى في حرثه و عاقبة عمله غير حرثة القرآن ) . قال الشارح البحراني : الحرث كلّ عمل تطلب به غاية و تستخرج منه ثمرة و الابتلاء ههنا ما يلحق النفس على الأعمال و عواقبها من العذاب بقدر الخروج فيها عن طاعة اللّه . و ظاهر أنّ حرث القرآن و البحث عن مقاصده لغاية الاستكمال به برى‏ء من لواحق العقوبات انتهى . أقول : و فيه أنّ كلّ عمل كان فيه الخروج عن طاعة اللّه فعامله معذّب و مبتلى سواء كان ذلك العمل مما لا يتعلّق بالقرآن أو كان متعلّقا به كقرائته و البحث عن مقاصده و الحفظ له و نحو ذلك و إذا كان على وجه الرياء أو تحصيل حطام الدّنيا و كلّ عمل اريد به وجه اللّه و كان الغاية منه الاستكمال فعامله مأجور و مثاب من دون فرق فيه أيضا بين القرآن و غيره ، و بعبارة اخرى كلّ حارث سواء كان حارث القرآن أو غيره إن لم يقصد بحرثه الخلوص فمبتلى ، و إلاّ فلا ، فتعليل عدم ابتلاء حرثة القرآن بأنّ حرثهم للاستكمال به و ابتلاء الآخرين بأنّ في حرثهم خروجا من الطاعة شطط من الكلام كما لا يخفى . و الّذي عندي أن يراد بقوله عليه السّلام : كلّ حارث من كان حرثه للدّنيا فهو مبتلى أى ممتحن في حرثه لأنه إن كان من حلال ففيه حساب و إن كان من حرام ففيه عقاب و أما حارث القرآن لأجل أنه قرآن و كلام اللّه عزّ و جلّ فلا ابتلاء له لأنّ حرثه [ 204 ] على ذلك إنّما هو للآخرة قال اللّه تعالى : « من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها و ما له في الآخرة من نصيب » فتأمّل . و لما نبّه عليه السّلام على عدم ابتلاء حرثة القرآن أمر بحرثه بقوله ( فكونوا من حرثته و أتباعه ) و أردفه بقوله ( و استدلوه على ربكم ) أى اجعلوه دليلا عليه سبحانه و قائدا إليه تعالى لاشتماله على جميع صفات الجمال و الجلال و أوصاف الكبرياء و العظمة و الكمال ( و استنصحوه على أنفسكم ) أى اتّخذوه ناصحا لكم رادعا لأنفسكم الأمّارة عن السّوء و الفحشاء و المنكر لتضمّنه الآيات الناهية المحذرة و الوعيدات الزاجرة المنذرة ( و اتّهموا عليه آرائكم ) أى إذا أدت آرائكم إلى شي‏ء مخالف للقرآن فاجعلوها متّهمة عندكم ( و استغشوا فيه أهوائكم ) . قال الشارح البحراني : و انما قال هنا استغشوا و في الآراء اتّهموا ، لأنّ الهوا هو ميل النفس الأمّارة من غير مراجعة العقل فاذا حكمت النفس عن متابعتها بحكم فهو غشّ صراح ، و أمّا الرأى فقد يكون بمراجعة العقل و حكمه و قد يكون بدونه ، فجاز ان يكون حقا و جاز أن يكون باطلا فكان بالتهمة أولى . ثمّ تخلّص من أوصاف القرآن و فضايله إلى الأمر بملازمة الأعمال فقال ( العمل العمل ) أى لازموا العمل الصّالح و رافبوا عليه ( ثمّ النهاية النهاية ) أى بعد القيام بالأعمال الصالحة لاحظوا نهايتها و خاتمتها و جدّوا في الوصول إليها ( و الاستقامة الاستقامة ) و هو أمر بالاستقامة على الجادّة الوسطى من العمل و الثبات على الصراط المستقيم المؤدّى إلى غاية الغايات و أشرف النهايات أعني روضات الجنات ( ثمّ الصبر الصّبر و الورع الورع ) أى بعد مواظبة الأعمال الصالحة و ملاحظة نهاياتها و الثبات على ما يوصل إليها من الأعمال لا بدّ من الصبر عن المعاصي و الكفّ عن الشّهوات و الورع عن محارم اللّه . و مما ذكرناه ظهر لك نكتة العطف في ثاني المكرّرات الخمسة و رابعها بثمّ و في ثالثها و خامسها بالواو ، توضيح ذلك أنّ النهاية لما كانت متراخية عن العمل عطفها بثمّ ، و الاستقامة لما كانت كيفيّة العمل عطفها بالواو ، و هذه الثلاثة أعني العمل و النّهاية [ 205 ] و الاستقامة كلّها ناظرة إلى طرف العبادة ، و لما كان الصّبر متعلّقا بالمعصية عطفه بثم لغاية الافتراق بين العبادات و المعاصي ، و لما كان بين الصّبر و الورع تلازما عطف الورع بالواو أيضا . و هذا أولى مما قاله الشّارح البحراني حيث قال : و إنّما عطف النهاية و الصّبر بثمّ لتأخّر نهاية العمل عنه و كون الصّبر أمرا عدميّا و هو في معنى المتراخي و المنفكّ عن العمل الّذى هو أمر وجوديّ ، بخلاف الاستقامة على العمل فانه كيفية له و الورع فانه جزء منه ، انتهى هذا . و فصّل ما أجمل لقوله و ( إنّ لكم نهاية ) و هى غرفات الجنان و رضوان من اللّه المنّان ( فانتهوا إلى نهايتكم ) و امضوا إليها ( و إنّ لكم علما ) هاديا إلى تلك النهاية و هو الرّسول الأمين و أولياء الدّين أو الأعم منهم و من ساير دلائل الشّرع المبين ( فاهتدوا بعلمكم ) للوصول إليها ( و إنّ للاسلام غاية فانتهوا إلى غايته ) و هي النهاية المذكورة ( و اخرجوا إلى اللّه مما افترض عليكم من حقّه و بين لكم من وظايفه ) أى أخرجوا متوجّهين إليه سبحانه ممّا فرضه عليكم من حقوقه الواجبة و أوضحه لكم من عباداته و تكاليفه الموظفة المقرّرة في ساعات اللّيالي و الأيّام . و قوله ( أنا شاهد لكم و حجيج يوم القيامة عنكم ) تأكيد لأداء الفرايض و الواجبات يعني انكم إذا خرجتم إلى اللّه من حقوقه و وظايفه فأنا أشهد لكم يوم القيامة بخروجكم منها و مقيم للحجّة عن جانبكم بأنّكم أقمتم بها ، و قد مضى تفصيل تلك الشهادة و الاحتجاج في شرح الخطبة الحادية و السّبعين . ( ألا و إنّ القدر السابق قد وقع و القضاء الماضي قد تورّد ) قد عرفت معنى القضاء و القدر مفصّلا في شرح الفصل التاسع من الخطبة الاولى ، و الظاهر أنّ المراد بهما المقضىّ و المقدّر كما استظهرنا هذا المعنى منهما فيما تقدّم أيضا بالتقريب الّذي قدّمناه ثمّة ، فيكون المعنى أنّ المقدّر السابق في علم اللّه سبحانه وقوعه قد وقع ، و المقضىّ الماضي أى المحتوم النافذ قد تورّد أى دخل في الوجود شيئا فشيئا . [ 206 ] و إلى ما ذكرنا ينظر ما قاله بعض الشارحين من أنّه أراد بالقدر السابق خلافته عليه السّلام و بالقضاء الماضي الفتن و الحروب الواقعة في زمانه أو بعده الّتي دخلت في الوجود شيئا فشيئا و هو المعبّر عنه بالتورد ، و قوى ارادته عليه السّلام ذلك بقرينة المقام و أنه عليه السّلام خطب بهذه الخطبة في أيّام بيعته بعد قتل عثمان . و قوله عليه السّلام : ( و انّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته ) المراد بعدته سبحانه ما وعد به في الآية الشريفة للمؤمنين المعترفين بالرّبوبيّة الموصوفين بالاستقامة من تنزّل الملائكة و بشارتهم بالجنّة و بعدم الخوف و الحزن ، و الظاهر أنّ المراد بحجّته أيضا نفس هذه الآية نظرا إلى أنها كلام اللّه و هو حجّة اللّه على خلقه أو أنها دالّة بمنطوقها على أنّ دخول الجنّة إنما هو للموحّدين المستقيمين و بمفهومها على أنّ الكافرين و غير المستقيمين لا يدخلونها فهى حجّة عليهم لئلاّ يقولوا يوم القيامة انّا كنّا عن هذا غافلين . و قال الشارح البحراني : إنّ حجّته الّتي تكلّم بها هو قوله : و قد قلتم ربّنا اللّه فاستقيموا ، إلى آخر ما يأتي ، و الأظهر ما قلناه إذا عرفت ذلك فلنعد إلى تفسير الآية ( قال اللّه تعالى إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ) اعترافا بربوبيّته و إقرارا بوحدانيّته ( ثمّ استقاموا ) على مقتضاه . و في المجمع عن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن الاستقامة فقال : هي و اللّه ما أنتم عليه . و في الكافي عن الصادق عليه السّلام على الأئمّة واحدا بعد واحد « تتنزّل عليهم الملائكة » عند الموت رواه في المجمع عن الصّادق عليه السّلام « ألاّ تخافوا » ما تقدمون عليه « و لا تحزنوا » ما خلّفتم « و ابشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون » في الدّنيا . روى في الصّافي عن تفسير الامام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة و لا يتيقّن الوصول إلى رضوان اللّه حتّى يكون وقت نزع روحه و ظهور ملك الموت له ، و ذلك إنّ ملك الموت يرد على المؤمن و هو في شدّة علّته و عظيم ضيق صدره بما يخلفه من أمواله و بما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه [ 207 ] و عياله قد بقيت في نفسه حسراتها اقتطع دون أمانيّه فلم ينلها ، فيقول له ملك الموت ما لك تجرع غصصك قال : لاضطراب أحوالي و اقتطاعك لي دون آمالي ، فيقول له ملك الموت : و هل يحزن عاقل لفقد درهم زائف و اعتياض ألف ألف ضعف الدّنيا ؟ فيقول : لا ، فيقول ملك الموت : فانظر فوقك ، فينظر فيرى درجات الجنان و قصورها التي يقصر دونها الأماني فيقول ملك الموت : تلك منازلك و نعمك و أموالك و أهلك و عيالك و من كان من أهلك ههنا و ذرّيتك صالحا فهم هنالك معك أفترضى بهم بدلا مما ههنا ؟ فيقول : بلى و اللّه ، ثمّ يقول : انظر ، فينظر فيرى محمّدا و عليّا و الطيّبين من آلهما سلام اللّه عليهم أجمعين في أعلا علّيين فيقول : أو تراهم هؤلاء ساداتك و أئمتك هم هنالك جلاسك و اناسك أفما ترضى بهم بدلا مما تفارق هنا ؟ فيقول : بلى و ربّي فذلك ما قال اللّه عزّ و جلّ : انّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا فيما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها و لا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراري و العيال فهذا الّذي شاهدتموه في الجنان بدلا منهم ، « و ابشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون » هذه منازلكم و هؤلاء ساداتكم اناسكم و جلاسكم هذا . و لما تكلّم عليه السّلام بالآية الشريفة المتضمّنة للعدة و الحجّة أمر المخاطبين بالقيام على مفادها و العمل على مقتضاها بقوله ( و قد قلتم ربّنا اللّه ) و لا بدّ لكم من اكمال هذا الاقرار بالاستقامة لاستحقاق انجاز الوعد و البشارة ( فاستقيموا على كتابه ) باجلاله و اعظامه و العمل بتكاليفه و أحكامه ( و على منهاج أمره ) بسلوكه و اتباعه ( و على الطريقة الصّالحة من عبادته ) باتيانها على وجه الخلوص جامعة لشرايطها المقرّرة و حدودها الموظفة ( ثمّ لا تمرقوا ) أى لا تخرجوا ( منها ) و لا تتعدّوا عنها ( و لا تبتدعوا فيها ) أى لا تحدثوا فيها بدعة ( و لا تخالفوا عنها ) أى لا تعرضوا عنها يمينا و شمالا مخالفين لها ، فانكم إذا أقمتم على ذلك كلّه حصل لكم شرط الاستحقاق فينجز اللّه لكم وعده و تبشّركم الملائكة و تدخلون الجنّة البتّة ، و ان لم تقيموا عليه فقدتم الشرط و بفقدانه و انتفائه ينتفى المشروط لا محالة . [ 208 ] و هو معنى قوله : ( فانّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة ) يعني أنّهم لا يجدون بلاغا يوصلهم إلى المقصد ، روى في مجمع البيان عن أنس قال : قرء علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذه الآية أى الآية المتقدّمة قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : قد قالها ناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتّى يموت فهو ممّن استقام عليها . الترجمة از جمله خطب شريفه آن امام مبين و وليّ مؤمنين است در نصيحت مخاطبين ميفرمايد : منتفع باشيد با بيان خدا و متّعظ باشيد با موعظهاى خدا و قبول نمائيد نصيحت خدا را ، پس بدرستيكه خدا اظهار فرموده عذر خود را بشما با آيه‏هاى واضحه ، و اخذ فرمود بر شما حجّت را و بيان كرد از براى شما محبوب داشته شده‏هاى خود را از عملها و مكروهها داشته شدهاى خود را از آنها تا اينكه متابعت نمائيد بآن عملهاى محبوبه و اجتناب نمائيد از اين عملهاى مكروهه . پس بدرستى كه حضرت رسول صلوات اللّه و سلامه عليه و آله ميفرمود كه بهشت محفوف شده است با دشواريها و آتش محفوف شده است با شهوتها ، و بدانيد كه بدرستيكه نيست از اطاعت خدا چيزى مگر اينكه ميآيد با كراهت طبيعت ، و نيست در معصيت خدا چيزى مگر اينكه ميآيد با شهوت و رغبت ، پس رحمت خدا مردى را كه بر كند از شهوت خود ، و قلع كند خواهشات نفس خود را پس بدرستى كه اين نفس دورترين چيزيست از حيثيّت كنده شدن از شهوت ، بدرستيكه اين نفس هميشه اشتياق دارد و ميل كند بسوى معصيت در آرزو و خواهش نفسانى . و بدانيد اى بندگان خدا بدرستيكه مؤمن نه روز را بشب ميآورد و نه شب را بروز مگر اينكه نفس او متّهمست نزد او ، پس هميشه آن مؤمن ايراد كننده [ 209 ] است بر نفس خود ، و طلب كننده است از براى او زيادة خيرات و مبرّات را ، پس باشيد مثل سابقانى كه پيش از شما بودند و مثل گذشتگان در پيش از شما بر كندند از دنياى فاني همچو بر كندن كوچ كننده ، و درنورديدند دنيا را مثل درنورديدن منزلها . و بدانيد كه اين قرآن كريم او نصيحت كننده‏ايست كه خيانت نمى‏كند ، و هدايت كننده‏ايست كه گمراه نميسازد ، و خبر دهنده‏ايست كه دروغ نميگويد ، و همنشين نشد اين قرآن را أحدى از شما مگر اينكه برخاست از آن با زيادتي يا كمى ، زيادتي در هدايت و كمى از كورى و ضلالت . و بدانيد نيست بر أحدى بعد از قرآن حاجتى ، و نه مر أحديرا پيش از قرآن از دولتي ، پس طلب شفا نمائيد از او از دردهاى ظاهرى و باطني خودتان ، و طلب يارى كنيد با او بر شدّتهاى خودتان ، پس بدرستى كه در او است شفا از بزرگترين دردها و آن كفر است و نفاق و گمراهى است و ضلالت ، پس مسألت نمائيد از خدا بوسيله قرآن . و متوجّه باشيد بوسى پروردگار با محبت قرآن ، و سؤال ننمائيد بوساطت قرآن از مخلوقي ، بدرستيكه متوجّه نشد بندگان بسوى خدا با مثل قرآن . و بدانيد كه بدرستيكه قرآن شفاعت كننده است و مقبول الشفاعة ، و گوينده است تصديق شده ، و بدرستيكه كسيكه شفاعت نمايد مر او را قرآن در روز قيامت شفاعت او قبول ميشود در حق آن ، و كسيكه بدگوئي نمايد از او قرآن در روز قيامت تصديق شده ميشود بر ضرر آن . پس بدرستيكه ندا كند ندا كننده در روز قيامت اينكه آگاه باشيد بدرستيكه هر كشت كار امتحان خواهد شد در كشت خود و در عاقبت عمل خود غير از كشت كنندگان قرآن پس باشيد از كشت‏كاران قرآن و تبعيّت كنندگان او و دليل أخذ نمائيد او را بر پروردگار خود ، و طلب نصيحت كنيد از او بر نفسهاى خود ، و متّهم داريد رأيهاى خود را كه بر خلاف او است ، و مغشوش شماريد در مقابل قرآن خواهشات خود را . [ 210 ] مواظبت نمائيد بر عملها و مسارعت نمائيد بنهايت و عاقبت كار ، و ملازمت نمائيد براستكارى پس از آن و منصف باشيد با صبر و تحمل ، و ترك نكنيد ورع و پرهيزكارى را ، بدرستى كه شما راست نهايت و عاقبتي پس منتهى شويد بسوى نهايت خود ، و بدرستى كه شما راست علم و نشانه پس هدايت يابيد با علم خود ، و بدرستيكه مر اسلام راست غايت و نهايتي پس منتهى شويد بسوى غايت او ، و خارج بشويد بسوى خداوند تعالى از چيزى كه واجب نموده بر شما از حق خود و بيان نموده است شما را از وظيفهاى خود ، من شاهد هستم از براى شما و حجّت آورنده‏ام در روز قيامت از جانب شما . آگاه باشيد بدرستيكه آنچه مقدّر شده بود سابقا بتحقيق واقع گرديد ، و قضاى الهى كه نافذ و ممضى است تدريجا بوجود درآيد ، و بدرستيكه من تكلّم كننده‏ام بوعده خدا و بحجّت او فرموده است خدا در كتاب عزيز خود : بدرستى كه آنكسانى كه گفتند كه پروردگار ما خداست پس در آن مستقيم شدند نازل ميشود بر ايشان ملائكه كه نترسيد و محزون نباشيد و بشارت دهيد ببهشت عنبر سرشت كه در دنيا وعده داده شده بوديد . و بتحقيق كه گفتيد شما پروردگار ما خداست پس مستقيم باشيد بر كتاب كريم او ، و بر راه روشن امر او و بر طريقه شايسته از عبادت و بندگي او ، پس از آن خارج نشويد و بيرون مرويد از آن طريقه و احداث بدعت نكنيد در آن و مخالفت نكنيد در آن پس بدرستيكه أهل خروج از عبادت بهم بريده شده‏اند از ثواب دائمي نزد خداى تعالى در روز قيامت . [ 211 ] الفصل الثاني منها ثمّ إيّاكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها ، و اجعلوا اللّسان واحدا ، و ليختزن الرّجل لسانه فإنّ هذا اللّسان جموح بصاحبه ، و اللّه ما أرى عبدا يتّقي تقوى تنفعه حتّى يختزن لسانه ، و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه ، لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه فإن كان خيرا أبداه و إن كان شرّا واراه ، و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له و ما ذا عليه ، و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه ، و لا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه ، فمن استطاع منكم أن يلقى اللّه سبحانه و هو نقيّ الرّاحة من دماء المسلمين و أموالهم ، سليم اللّسان من أعراضهم فليفعل . و اعلموا عباد اللّه إنّ المؤمن يستحلّ العام ما استحلّ عاما أوّل ، و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل ، و إنّ ما أحدث النّاس لا يحلّ لكم شيئا ممّا حرّم عليكم ، و لكنّ الحلال ما أحلّ اللّه ، و الحرام ما حرّم اللّه ، فقد جرّبتم الأمور و ضرّستموها و وعظتم بمن كان قبلكم ، و ضربت [ 212 ] الأمثال لكم ، و دعيتم إلى الأمر الواضح ، فلا يصمّ عن ذلك إلاّ أصمّ ، و لا يعمى عنه إلاّ أعمى ، و من لم ينفعه اللّه بالبلاء و التّجارب لم ينتفع بشي‏ء من العظة ، و أتاه التّقصير من أمامه حتّى يعرف ما أنكر ، و ينكر ما عرف ، فإنّ النّاس رجلان : متّبع شرعة ، و مبتدع بدعة ، ليس معه من اللّه برهان سنّة ، و لا ضياء حجّة . و إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن ، فانّه حبل اللّه المتين ، و سببه الأمين ، و فيه ربيع القلب ، و ينابيع العلم ، و ما للقلب جلاء غيره ، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون ، و بقي النّاسون أو المتناسون ، فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه ، و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول : يا ابن آدم إعمل الخير و دع الشّرّ فإذا أنت جواد قاصد . ألا و إنّ الظّلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، و ظلم لا يترك ، و ظلم مغفور لا يطلب ، فأمّا الظّلم الّذي لا يغفر الشّرك باللّه سبحانه قال اللّه سبحانه : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه ، و أمّا الظّلم الّذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ، و أمّا الظّلم الّذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا ، القصاص هناك شديد ، ليس هو جرحا بالمدى ، [ 213 ] و لا ضربا بالسّياط ، و لكنّه ما يستصغر ذلك معه ، فإيّاكم و التّلوّن في دين اللّه ، فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل ، و إنّ اللّه سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممّا مضى و لا ممّا بقي . يا أيّها النّاس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس ، و طوبى لمن لزم بيته و أكل قوته و اشتغل بطاعة ربّه و بكى على خطيئته ، فكان من نفسه في شغل و النّاس منه في راحة . اللغة ( هزعت ) الشجر تهزيعا كسّرته و فرّقته و ( خزن ) المال و اختزنه أحرزه و ( ضرّسته ) الحروب أى جرّبته و أحكمته و ( صمّت ) الاذن صمما من باب تعب بطل سمعها هكذا فسّره الأزهرى و غيره ، و يسند الفعل إلى الشخص أيضا فيقال : صمّ يصمّ صمما ، فالذكر أصمّ و الأنثى صمّاء و الجمع صمّ مثل أحمر و حمراء و حمر ، و يتعدّى بالهمزة فيقال أصمّه اللّه و ربما استعمل الرباعي لازما على قلّة و لا يستعمل الثلاثي متعدّيا فلا يقال صمّ اللّه الاذن و لا يبنى للمفعول فلا يقال صمّت الاذن . و ( السّبب ) الحبل و هو ما يتوصّل به إلى الاستعلاء ثمّ استعير لكلّ ما يتوصّل به إلى الامور فقيل هذا : سبب هذا و هذا مسبّب عن هذا و ( الجواد ) الفرس السابق الجيد و ( هن ) بالتخفيف كأخ كناية عن كل اسم جنس كما في مصباح اللغة للفيومى أو عما يستقبح ذكره و لامها محذوفة ففى لغة هى ها فيصغّر على هنيهة [ 214 ] و منه يقال مكث هنيهة أى ساعة لطيفة ، و في لغة هي واو فيصغّر في المؤنّث على هنية و الهمز خطاء إذ لا وجه له و جمعها هنوات و ربما جمعت على هنات مثل عدات هكذا في المصباح و ضبطه الفيروزآبادى بفتح الهاء و هكذا فيما رأيته من نسخ النهج و ( طوبى ) وزان فعلى اسم من الطيب و الواو منقلبة عن ياء و قيل اسم شجرة في الجنّة كما سنشير إليه في بيان معناه . الاعراب قوله : و إيّاكم و تهزيع الأخلاق ، انتصاب تهزيع على التحذير قال الشارح المعتزلي : و حقيقته تقدير فعل و صورته جنّبوا أنفسكم تهزيع الأخلاق فايّاكم قائم مقام أنفسكم ، و الواو عوض عن الفعل المقدّر و قد جاء بغير واو في قول الشاعر : إيّاك أن ترضى صحابة ناقص فتنحط قدرا من علاك و تحقرا قوله : عاما أوّل بدون تنوين لأنّه غير منصرف للوصفيّة و وزن الفعل فانّ الصحيح أنّ أصله أوءل على وزن أفعل مهموز الوسط فقلبت الهمزة الثّانية واوا و ادغمت . قال الجوهريّ و يدلّ على ذلك قولهم : هذا أوّل منك ، و الجمع الأوائل و الاوالى أيضا على القلب ، قال الشهيد في تمهيد القواعد : و له استعمالان أحدهما أن يكون اسما فيكون مصروفا و منه قولهم ماله أوّل و لا آخر ، قال في الارتشاف : و في محفوظى أنّ هذا يؤنث بالتاء و يصرف أيضا فيقال أولة و آخرة بالتنوين ، و الثاني أن يكون صفة أى أفعل التفضيل بمعنى الأسبق فيعطى حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل كمنع الصرف و عدم تأنيثه بالتاء و دخول من عليه . المعنى اعلم أنّه عليه السّلام لما ختم الفصل السّابق بالأمر بالاستقامة و النهى عن المروق و الخروج عن جادّة الشريعة أردفه بالتحذير عن تهزيع الأخلاق الملازم للنّفاق [ 215 ] فقال : ( ثمّ إيّاكم و تهزيع الأخلاق ) و تفريقها ( و تصريفها ) و تقليبها و نقلها من حال إلى حال كما هو شأن المنافق ، فانّه لا يبقى على خلق و لا يستمرّ على حالة واحدة بل قد يكون صادقا و قد يكون كاذبا ، و تارة وفيّا و اخرى غادرا ، و مع الظالمين ظالما و مع العدول عادلا . روى في الكافي عن محمّد بن الفضيل قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن مسألة ، فكتب إلىّ إنّ المنافقين يخادعون اللّه و هو خادعهم و إذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يرآؤن النّاس و لا يذكرون اللّه إلاّ قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من يضلل اللّه فلم تجد له سبيلا ، ليسوا من الكافرين و ليسوا من المؤمنين و ليسوا من المسلمين يظهرون الايمان و يصيرون إلى الكفر و التكذيب لعنهم اللّه . و لما حذّر عن تصريف الأخلاق و النّفاق أمر بقوله ( و اجعلوا اللّسان واحدا ) على اتّحاد اللّسان اذ تعدّد اللّسان من وصف المنافق يقول في السرّ غير ما يقوله فى العلانية ، و في الغياب خلاف ما يقوله في الحضور ، و يتكلّم مع هذا غير ما يتكلّم مع ذلك . روى في الكافي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطرى أخاه شاهدا و يأكله غايبا ، إن أعطى حسده و إن ابتلى خذله . و فيه عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن عليّ بن أسباط عن عبد الرّحمان بن حمّاد رفعه قال : قال اللّه تبارك و تعالى لعيسى عليه السّلام : يا عيسى ليكن لسانك في السرّ و العلانية لسانا واحدا و كذلك قلبك إنّي احذرك نفسك و كفى بي خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد و لا سيفان في غمد واحد و لا قلبان في صدر واحد و كذلك الأذهان . قال بعض شرّاح الكافي : أمره اللّه تعالى بثلاث خصال هي امّهات جميع الخصال الفاضلة و الأعمال الصالحة : الأوّل أن يكون لسانه في جميع الأحوال واحدا يقول الحقّ و يتكلّم به فلا يقول في السرّ خلاف ما يقول في العلانية كما هو شأن الجهال ، لأنّ ذلك خدعة [ 216 ] و نفاق و حيلة و تفريق بين العباد و إغراء بينهم . الثاني أن يكون قلبه واحدا قابلا للحقّ وحده غير متلوّث بالحيل و لا متلوّث بالمكر و الختل ، فانّ ذلك يميت القلب و يبعده من الحقّ و يورثه أمراضا مهلكة . الثالث أن يكون ذهنه واحدا و هو الذكاء و الفطنة ، و لعلّ المراد به هنا الفكر في الامور الحقّة النافعة و مباديها ، و بوحدته خلوصه عن الفكر في الباطل و الشرور و تحصيل مباديها و كيفيّة الوصول إليها ، و بالجملة أمره أن يكون لسانه واحدا و قلبه واحدا و ذهنه واحدا و مطلبه واحدا هذا . و لما أمرهم بجعل لسانهم واحدا أردفه بالأمر بحفظه و حرزه فقال ( و ليختزن الرّجل لسانه ) أى ليلازم الصّمت ( فانّ هذا اللّسان جموح بصاحبه ) يقحمه في المعاطب و المهالك ، و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن كان في شي‏ء الشوم ففى اللّسان ، و في حديث آخر قال صلّى اللّه عليه و آله : نجاة المؤمن من حفظ لسانه رواهما في الكافي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و قد تقدّم في شرح كلماته السابعة و السّبعين فصل واف في فوائد الصّمت و آفات اللّسان و أوردنا بعض ما ورد فيه من الأخبار و أقول هنا : روى في الكافي عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إن كنت زعمت أنّ الكلام من فضّة فانّ السكوت من ذهب . و عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : من علامات الفقه العلم و الحلم و الصّمت إنّ الصّمت باب من أبواب الحكمة إنّ الصّمت يكسب المحبّة إنّه دليل على كلّ خير . و عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : كان أبو ذر يقول : يا مبتغى العلم إنّ هذا اللّسان مفتاح خير و مفتاح شرّ فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك و ورقك . و عن عليّ بن حسن بن رباط عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا ما دام ساكتا فاذا تكلّم كتب محسنا أو مسيئا . فقد علم بذلك كلّه أنّ سلامة الانسان في حفظ اللّسان و أنّ نجاته من وبال [ 217 ] الدّنيا و نكال الآخرة في الامساك عن فضول الكلام ، و إليه أشار بقوله ( و اللّه ما أرى عبدا يتقى تقوى تنفعه حتّى يختزن لسانه ) فانّ التقوى النافع هو ما يحفظه من غضب الجبّار و ينجيه من عذاب النّار ، و لا يحصّل ذلك إلاّ بالاتّقاء من جميع المحرّمات و الموبقات الموقعة في الجحيم و السخط العظيم ، و الكذب و الغيبة و الهجاء و السّعاية و النّميمة و القذف و السّب و نحوها من حصائد الألسنة من أعظم تلك الموبقات ، فلا بدّ من الاتّقاء منها و اختزان اللّسان عنها . و لما أمر باختزان اللسان و نبّه على توقّف التقوى النّافع عليه أردفه بالتنبيه على أنّ اختزانه من فضول الكلام و سقطات الألفاظ من خواصّ المؤمن و عدم اختزانه من أوصاف المنافق و ذلك قوله : ( و انّ لسان المؤمن من وراء قلبه ) يعني أنّ لسانه تابع لقلبه ( و انّ قلب المنافق من وراء لسانه ) يعني قلبه تابع للسانه . بيان ذلك ما أشار بقوله ( لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه ) و تفكّر في عاقبته ( فان كان خيرا ) و رشدا تكلّم به أى أظهره و ( أبداه و ان كان شرّا ) و غيّا اختزن لسانه عنه أى ( واراه ) و أخفاه فكان لسانه تابع قلبه حيث انه نطق به بعد حكم العقل و إجازته ( و انّ المنافق ) يسبق حذفات لسانه و فلتات كلامه مراجعة فكره و ( يتكلّم ) من دون فكر و رويّة ( بما أتى على لسانه لا يدرى ماذا له و ماذا عليه ) فكان قلبه تابع لسانه لأنه بادر إلى التكلّم من غير ملاحظة ثمّ رجع إلى قلبه فعرف أنّ ما تكلّم به مضرّة له . ثمّ استشهد بالحديث النبوى صلّى اللّه عليه و آله على أنّ استقامة الايمان إنّما هو باستقامه اللسان على الحقّ و خزنه عن الباطل و هو قوله ( و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستقيم ايمان عبد حتّى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه ) ظاهر هذا الحديث يفيد ترتّب استقامة الايمان على استقامة القلب و ترتّب استقامة القلب على استقامة اللّسان . أمّا ترتّب الأوّل على الثّاني فلا غبار عليه ، لأنّ الايمان حسبما عرفت في شرح الخطبة المأة و التاسعة عبارة عن الاعتراف باللّسان و الاذعان بالجنان فاستقامة [ 218 ] القلب جزء من مفهومه و هو جهة الفرق بينه و بين الاسلام كما أنه لا غبار على ترتّبه على الثالث على قول من يجعل العمل بالأركان أيضا شطرا منه . و أمّا ترتّب الثانى على الثالث فلا يخلو من اشكال و اغلاق ، لظهور أنّ اللّسان ترجمان القلب فاستقامته موقوفة على استقامته لا بالعكس ، و بعد التنزّل عن ذلك فغاية الأمر تلازمهما و ارتباط كلّ منهما بالآخر ، و أمّا التوقّف فلا . و وجه التلازم أنّ القلب لما كان رئيس الأعضاء و الجوارح و من جملتها اللّسان كان استقامته مستلزمة لاستقامتها و كذلك استقامتها مستلزمة لاستقامته لأنها لو لم تكن مستقيمة بأن صدر منه الذنب و الباطل يسرى عدم استقامتها أى فسادها إلى القلب فيفسد بفسادها . و يدلّ على ذلك ما رواه في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال : ما من عبد إلاّ و في قلبه نكتة بيضاء فاذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء ، فان تاب ذهب ذلك السواد ، و إن تمادى في الذّنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطى البياض ، فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا و هو قول اللّه عزّ و جلّ « كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون » . فانّ هذه الرّواية و الآية المستشهد بها كما ترى مضافة إلى الروايات الاخر تدل على اسوداد لوح القلب بكثرة الذنوب الصّادرة من الجوارح ، فيوجب عدم استقامتها لعدم استقامته و استقامتها لاستقامته . لكنه يتوجّه عليه أنّ غاية ما يتحصّل من هذا التقرير أنّ عدم استقامتها سبب لعدم استقامته ، و أمّا أنّ استقامتها سبب لاستقامته فلا فافهم جيّدا . مع أنّ لقائل أن يقول : إنّ مرجع صدور الذّنب عنها الموجب لعدم استقامتها في الحقيقة إلى عدم استقامته لأنّ القلب إذا كان سالما مستقيما لا يعزم على معصية و لا يريدها ، و مع عدم إرادتها لا يصدر ذنب عن الأعضاء حتّى يسرى ظلمته و رينه إلى القلب . فقد علم من ذلك كلّه أنّ استقامة اللّسان كساير الأعضاء موقوفة على استقامة [ 219 ] القلب و مترتّبة عليها لا بالعكس . و بعد اللّتيا و الّتي فالّذي يخطر بالبال في حلّ الاشكال السابق أنّ معنى الحديث أنّه لا يعرف استقامة ايمان عبد إلاّ بأن يعرف استقامة قلبه ، و لا يعرف استقامة قلبه إلاّ باستقامة لسانه ، فيستدلّ باستقامة اللّسان على الحقّ أى بتنطقه على كلمة التوحيد و النبوّة و الولاية ، و بامساكه عن الغيبة و النميمة و الكذب و غيرها من هفوات اللّسان على استقامة القلب أى على إذعانه بما ذكر و على خلوّه عن الأمراض النفسانية و يستدلّ باستقامته على استقامة الايمان أى على أنّ العبد مؤمن كامل . و يقرب هذا التوجيه أنّه عليه السّلام لما ذكر أنّ لسان المؤمن من وراء قلبه و أنّ قلب المنافق من وراء لسانه عقّبه بهذا الحديث ليميّز بين المؤمن و المنافق ، و يحصل لك المعرفة بها حقّ المعرفة فيسهل عليك التشخيص إذا بينهما إذ تعرف بعد ذلك البيان أنّ مستقيم اللّسان مؤمن و غير مستقيمه منافق . قال الشارح الفقير الغريق في بحر الذّنب و التقصير : إنّي قد أطلت فكرى و أتعبت نظري في توجيه معنى الحديث و أسهرت ليلتي هذه و هي اللّيلة الثالثة عشر من شهر اللّه المبارك في حلّ إشكاله حتّى مضت من أوّل اللّيل ثماني ساعات و أثبتّ ما سنح بالخاطر و أدّى إليه النّظر القاصر ، ثمّ تجلّى بحمد اللّه سبحانه و منّته نور العرفان من ألطاف صاحب الولاية المطلقة على القلب القاسى فأسفر عنه الظلام و اهتدى إلى وجه المرام فسنح بالبال توجيه وجيه هو أعذب و أحلى ، و معنى لطيف هو أمتن و أصفى و هو أن يقال : إنه عليه السّلام كنّى باستقامة الايمان و القلب و اللّسان عن كمالها و أنّ مراده أنّ من أراد أن يكون ايمانه كاملا أى ايمانا نافعا في العقبى لا بدّ من أن يكمل قلبه أى يكون بريئا سالما من الأمراض النفسانيّة ، و من أراد كمال قلبه فلا بدّ له من أن يكمل لسانه أى يكون محفوظا من العثرات مختزنا إلاّ عن خير ، ففى الحقيقة الغرض من الحديث التّنبيه و الارشاد إلى تكميل القلب و اللّسان لتحصيل كمال الايمان . [ 220 ] و نظيره ما رواه عن الحلبي رفعه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : أمسك لسانك فانّها صدقة تصدق به على نفسك ثمّ قال : و لا يعرف عبد حقيقة الايمان حتّى يخزن من لسانه . و على هذا التوجيه التأم أجزاء كلام الامام على أحسن ايتلاف و انسجام إذ يكون الحديث حينئذ أشدّ ارتباطا بسابقه ، لأنه عليه السّلام لما أمر بأن يختزن الرجل لسانه و أكّده بأن خزن اللّسان من وظايف المؤمن لكون لسانه من وراء قلبه ، عقّبه بهذا الحديث تأييدا و تقوية و استشهادا على ما أمر به من اختزان اللّسان و يكون مناسبته للاحقه أيضا أكثر و هو قوله : ( فمن استطاع منكم أن يلقى اللّه سبحانه و هو نقىّ الراحة ) و الكفّ ( من دمآء المسلمين ) أى سالما من قتلهم ( و أموالهم سليم اللّسان من اعراضهم ) أى متجنّبا من الغيبة و الفحش و النميمة و الهجاء و نحوها ( فليفعل ) لأنّ ذلك من شرايط الاسلام و لوازم الايمان فانّ المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده . قال الشارح البحراني و شرط ذلك أى الكفّ عن دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم بالاستطاعة لعسره و شدّته و إن كان واجب الترك على كلّ حال و أشدّها الكفّ عن الغيبة فانّه يكاد أن لا يستطاع انتهى . أقول : الظاهر من قوله : و إن كان واجب الترك على كلّ حال ، وجوب تركها حتّى مع عدم الاستطاعة و هو باطل ، أو الاستطاعة مساوق للقدرة و هى شرط في جميع التكاليف الشرعية قال اللّه تعالى « لا يكلّف اللَّه نفسا إلاّ وسعها » و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أمرتكم بشى‏ء فائتوا منه ما استطعتم . ثمّ إنّه عليه السّلام نبّه على بطلان العمل بالرأى و المقاييس و نهى عن متابعة البدع فقال : ( و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن يستحلّ العام ما استحلّ عاما أوّل و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل ) يعني أنّ المؤمن إذا ثبت عنده سابقا حلّية شي‏ء بالكتاب أو السنّة و حكم بحلّيته عن نصّ فيحكم بحليّته الآن ، و لا ينقض الحكم الثابت بالنّص برأيه و اجتهاده و كذلك إذا ثبت عنده سابقا حرمة شي‏ء بهما و حكم بحرمته عن دليل فيحكم بحرمته [ 221 ] الآن ، و لا يخالف الحكم الثّابت و لا يتعدّى عنه بالرأى و القياس و هكذا ساير الأحكام الشرعية . ( و انّ ما أحدث الناس ) من البدع بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : مثل ما صدر عن أبي بكر من طلب البيّنة من فاطمة سلام اللّه عليها في باب فدك مع كون البيّنة على المدّعي ، و غصب فدك عنها مع مخالفته لنصّ الكتاب و الرّسول صلّى اللّه عليه و آله . و ما أحدثه عمر من صلاة التراويح ، و من وضع الخراج على أرض السواد ، و ازدياده أى أخذه الزيادة الجزية عما قرّرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . و ما أبدعه عثمان من التفضيل في العطاء و إحداثه الأذان يوم الجمعة زايدا عمّا سنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و تقديمه الخطبتين في العيدين مع كون الصّلاة مقدّمة عليها في زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله ، و إتمامه الصّلاة بمنى مع كونه مسافرا ، و إعطائه من بيت المال الصّدقة المقاتلة و غيرها ، و حمايته لحمى المسلمين مع أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعلهم شرعا سواء في الماء و الكلاء إلى غير هذه من البدعات الّتي أحدثوها في الدّين و فصّلها أصحابنا رضوان اللّه عليهم في ذيل مطاعنهم . فانّ شيئا من ذلك ( لا يحلّ لكم شيئا مما حرّم عليكم ) و لا يحرّم شيئا عليكم مما أحلّ لكم ، يعني قول هؤلاء المبدعين المغيّرين للأحكام لا يوجب تغييرها في الواقع ، فلا يجوز الاعتماد على أقوالهم و الاعتقاد بآرائهم ، و قد ذمّ اللّه اليهود و النّصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه ، فالآخذون بقول هؤلاء المبدعين يكونون مثل اليهود و النّصارى . روى في الوسائل عن تفسير العيّاشي عن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سألته عن قول اللّه « اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون اللَّه » قال عليه السّلام أما أنّهم لم يتّخذوهم آلهة إلاّ أنّهم أحلّوا لهم حلالا فأخذوا به ، و حرّموا حراما فأخذوا به ، فكانوا أربابا لهم من دون اللّه . و عن حذيفة قال : سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ : « اتّخذوا » الآية ، فقال لم يكونوا [ 222 ] يعبدونهم ، و لكن كانوا إذا أحلّوا لهم شيئا استحلّوها ، و إذا حرّموا عليهم حرّموها . و في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت له : اتّخذوا الآية ، فقال أما و اللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم و لو دعوهم ما أجابوهم ، و لكن أحلّوا لهم حراما و حرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون . و في تفسير عليّ بن إبراهيم عند تفسير قوله تعالى « و الشّعراء يتّبعهم الغاون » قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : نزلت في الّذين غيّروا دين اللّه و خالفوا ما أمر اللّه ، هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد إنما عني بذلك الّذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم النّاس على ذلك . و يؤكّد ذلك قوله « أ لم تر أنّهم في كلّ واد يهيمون » يعنى يناظرون بالأباطيل و يجادلون بالحجج المضلّين و فى كلّ مذهب يذهبون « و أنهم يقولون ما لا يفعلون » قال عليه السّلام يعظون النّاس و لا يتّعظون و ينهون عن المنكر و لا ينتهون ، و يأمرون بالمعروف و لا يعملون ، و هم الّذين قال اللّه فيهم : « أ لم تر » فيهم « أنهم في كلّ واد يهيمون » أى في كلّ مذهب مذهبون « و أنّهم يقولون ما لا يفعلون » و هم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم . فظهر بذلك كلّه أنّ متابعة هؤلاء حرام ، و استحلالهم استحلال ما أحلّوه و استحرام ما حرّموه غيّ و ضلال ، إذ ليس لهم أن يغيّروا الأحكام من تلقاء أنفسهم ، و لا أن يبدّلوا الحلال بالحرام و الحرام بالحلال . كما أشار إليه بقوله ( و لكن الحلال ما أحلّ اللّه و الحرام ما حرّم اللّه ) اللاّم في لفظي الحلال و الحرام للجنس فتفيد قصر المسند اليه في المسند كما تقدّم تحقيقه في شرح الكلام المأة و الرابع و الأربعين عند شرح قوله عليه السّلام : ان الأئمة من قريش ، و يحتمل أن تكون للعهد فتفيد الحصر أيضا كما عرفته في شرح الخطبة المأة و الثالثة و الخمسين عند شرح قوله عليه السّلام : نحن الشعار و الأصحاب ، فيكون المعنى أنّ ماهية الحلال و الحرام و حقيقتهما إذا الحلال المعهود الثابت من الشريعة أى الّذي يجوز تناوله و الحرام المعهود الثابت منها أى الّذى لا يجوز ارتكابه هو منحصر فيما أحلّه اللّه سبحانه و حرّمه و أفصح عن حليّته و حرمته في كتابه الكريم و لسان نبيّه الحكيم ، فغير ذلك مما أحلّه الناس و حرّموه ليس حلالا و لا حراما إذ حلال [ 223 ] محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة . كما يدلّ عليه ما رواه في الكافي عن زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلال و الحرام فقال عليه السّلام : حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة و حرام محمّد حرام أبدا إلى يوم القيامة لا يكون غيره و لا يجي‏ء غيره . و قال : قال عليّ عليه السّلام : ما أحد يبدع بدعة إلاّ ترك بها سنّة ، هذا . و لا يخفى عليك أنّ هذه الخطبة إن كان صدورها بعد قتل عثمان و البيعة له عليه السّلام بالخلافة كما حكيناه سابقا عن بعض الشارحين ، فالأشبه على ذلك أن يكون قوله عليه السّلام : و أنّ ما أحدث النّاس إلى آخره توطئة و تمهيدا لما كان مكنونا في خاطره من تغيير البدعات المحدثات في أيام خلافة الثلاثة و إجراء الأحكام الشرعيّة على وجهها بعد استقرار أمر خلافته لو كان متمكّنا منه حتّى لا يعترض عليه النّاس و لا يطعنوا عليه ، كما بان عنه في بعض كلماته الآتية في الكتاب حيث قال : لو قد استوت قدماى من هذه المداحض لغيّرت أشياء ، و لكنّه عليه السّلام لم يتمكّن من التغيير . و قد روى في البحار من التهذيب عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد المدايني عن مصدّق بن صدقة عن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سألته عن صلاة في رمضان في المساجد قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السّلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ عليهما السّلام أن ينادى في النّاس لا صلاة 1 في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في النّاس الحسن بن عليّ عليهما السّلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السّلام ، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ عليهما السّلام ، صاحوا : وا عمراه وا عمراه فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليهما السّلام قال له : ما هذا الصّوت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين النّاس يصيحون وا عمراه وا عمراه ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : قل لهم : صلّوا ، هذا . و لما بيّن انحصار الحلال و الحرام فيما أحلّه اللّه سبحانه و حرّمه أردفه بقوله ( فقد جرّبتم الامور و ضرّستموها ) أى أحكمتموها بالتجربة و الممارسة ، و ظهر لكم جيّدها من رديّها و حقّها من باطلها ( و وعظتم بمن كان قبلكم ) أى وعظكم اللّه ----------- ( 1 ) نهى عن فعل نافلة رمضان جماعة كما ورد التصريح به في اخبار اخر ( منه ره ) [ 224 ] سبحانه في كتابه بالامم الماضية و بما جرى منه في حقّ المؤمنين منهم من الجزاء الجميل و ما جرى في حقّ العاصين منهم من العذاب الوبيل ( و ضربت ) في الفرقان الحكيم ( الأمثال لكم ) الكثيرة الموضحة للحقّ من الباطل و الفارقة بينهما ( و دعيتم إلى الأمر الواضح ) أى إلى أمر الدّين و الاسلام الّذي أوضحه كتاب اللّه و سنّة رسوله حقّ الوضوح و لم يبق عليه سترة و لا حجاب . و المقصود من هذه الجملات تنبيه المخاطبين على أنهم بعد ما حصل لهم هذه الأمور أعنى تجربة الأمور و أحكامها و الموعظة و ضرب الأمثال الظاهرة و الدّعوة إلى الأمر الواضح يحقّ لهم أن يعرفوا أحكام الشريعة حقّ المعرفة ، و أن يميّزوا بين البدعات و السّنن إذ تلك الأمور معدّة لحصول المعرفة و لوضوح الفرق بين البدعة و السنّة و بين المجعولة و الحقيقة . ( فلا يصمّ عن ذلك ) أى لا يغفل عن ما ذكر من الامور أو عن الأمر الواضح الّذى دعوا إليه ( إلاّ ) من هو ( أصمّ ) أى الغافل البالغ في غفلته النهاية و التنوين للتفخيم و التعظيم كما في قوله تعالى : « و على أبصارهم غشاوة » أى غشاوة عظيمة و هكذا في قوله : ( و لا يعمى عنه إلاّ أعمى ) أى لا يضلّ عنه و لا يجهل به إلاّ من هو شديد الضلال و الجهالة . ( و من لم ينفعه اللّه بالبلاء ) أى بما بلاه به من المكاره و المصائب ( و ) ب ( التجارب ) المكتسبة من مزاولة الامور و مقاساة الشدائد ( لم ينتفع بشي‏ء من العظة ) لأنّ تأثير البلاء و التّجارب في النفس أشدّ و أقوى من تأثير النصح و الموعظة ، لأنّ الموعظة احالة على الغايب ، و البلية و التجربة مدركة بالحسّ فمن لا ينفعه الأقوى لا ينفعه الأضعف بالطريق الأولى ( و أتاه النقص من أمامه ) أى من بين يديه . قال الشارح البحراني : لأنّ الكمالات الّتي يتوجّه إليها بوجه عقله تفوته لنقصان تجربته و وقوف عقله عنها فأشبه فوتها له مع طلبه لها إتيان النقص له من أمامه . و قوله ( حتّى يعرف ما أنكر و ينكر ما عرف ) إشارة إلى غاية نقصانه ، و هى الاختلاط و الحكم على غير بصيرة ، فتارة يتخيّل فيما أنكره و جهله أنّه عارف بحقيقته ، و تارة [ 225 ] ينكر ما كان يعرفه و يحكم بصحّته لخيال يطرء عليه . قال الشّارح المعتزلي : حتّى يتخيّل فيما أنكره أنّه قد عرفه و ينكر ما قد كان عارفا به و سمّى اعتقاد العرفان و تخيّله عرفانا على المجاز . ثمّ فرّع على ما ذكر انقسام الناس إلى قسمين فقال عليه السّلام ( فانّ الناس رجلان متبع شرعة ) أى متشرّع آخذ بشرايع الدّين ، و سالك لمنهاج الشرع المبين ، و هو العامل بكتاب اللّه سبحانه و سنّته و المقتبس من نورهما و المنتفع بما فيهما من النصايح و المواعظ و الأمثال المضروبة ، و هو من الّذين قال اللّه فيهم « و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلاّ العالمون » . ( و مبتدع بدعة ) و هو الّذي لم ينتفع بهما بل نبذ أحكامهما ورائه و اتّبع هويه و عمل بآرائه و مقايسه فأعمى اللّه قلبه عن معرفة الحقّ و أصمّه عن استماعه كما قال : صمّ بكم عمى فهم لا يرجعون ( ليس معه من ) عند ( اللّه ) سبحانه ( برهان سنّة و لا ضياء حجّة ) أى ليس له فيما أحدثه من البدعة دليل عليه من سنّة و لا حجّة بيّنة واضحة من الكتاب الكريم تنجيه لوضوحها و ضيائها من ظلمة الجهل و الضلال . قال أبو شيبة الخراساني : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلاّ بعدا و انّ دين اللّه لا يصاب بالعقول ، رواه في الكافي . و فيه أيضا عن محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه عن يونس بن عبد الرّحمان قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام : بما اوحّد اللّه عزّ و جلّ ؟ فقال : يا يونس لا تكوننّ مبتدعا من نظر برأيه هلك ، و من ترك أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ضلّ ، و من ترك كتاب اللّه و قول نبيّه كفر . و لما ذكر أنّ أصحاب البدع ليس لهم دليل من سنّة يتمسّكون به و لا نور حجّة يستضيئون به أردفه بذكر ممادح القرآن تنبيها على كونه البرهان الحقّ و النّور المضي‏ء أحقّ بالاتباع و الاهتداء ، و أجدر أن يقتبس من أنواره و يتّعظ بمواعظه و نصايحه ، و على أنّ الراغبين عنه التابعين لأهوائهم و الآخذين بالآراء [ 226 ] و المقاييس تائهون في بوادى الجهالة ، هائمون في فيافي الضلالة فقال : ( و إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن ) لأنّ الغرض من جميع المواعظ المتضمّنة للوعد و الوعيد و الترغيب و التهديد هو الجذب إلى طرف الحقّ و الارشاد إلى حظيرة القدس ، و القرآن أبلغ منها كلّها في إفادة ذلك الغرض و أكمل في تحصيل ذلك المقصود ( فانه حبل اللّه المتين ) من تمسّك به نجا و من تركه فقد هوى ، و وصفه بالمتانة و الاحكام لأنه حبل ممدود من الأرض إلى السماء من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ( و سببه الأمين ) و وصفه بالامانة لأنه لا يخون المتوصّل به في ايصاله إلى حظاير القدس و مجالس الانس و قرب الحقّ ( و فيه ربيع القلب ) لأنّ القلوب تلتذّ و تنشط و ترتاح بتلاوة آياته و تدبّر ما فيها من المحاسن و المزايا و تفكّر ما تضمّنته تلك الآيات من النكات البديعة و اللطايف العجيبة ، كما أنّ النفوس تلتذّ بأزهار الربيع و أنواره . ( و ) فيه ( ينابيع العلم ) استعارة بالكناية حيث شبّه العلم بالماء إذ به حياة الأرواح كما أنّ بالمآء حياة الأبدان ، و ذكر الينابيع تخييل ، و في نسخة الشارح بدل ينابيع العلم : ينابيع العلوم و المقصود واحد ، و إنما كان ينابيع العلوم اذ جميع العلوم خارجة منه لتضمّنه علم ما كان و ما هو كائن و ما يكون كما قال عزّ من قائل : « و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين » . ( و ما للقلب جلاء غيره ) إذ فيه منار الهدى و مصابيح الدّجى و التفكّر فيه يجلو القلوب من رين الشكوكات و يرتفع به عنها صدا الشبهات كما يجلو الصيقل المرآت . فان قلت : لم جعل الجلاء مقصورا فيه مع حصوله بغيره من العلوم الحقّة ؟ قلت : لما كان القرآن ينابيع جميع العلوم حسبما عرفت يؤل حصول الجلاء بها إلى الجلاء به في الحقيقة ، أو أنّ المراد نفى الكمال أى ليس للقلب جلاء كامل غيره . و هذا الجواب أولى مما أجاب به الشارح البحراني من أنّ هذا الكلام صدر [ 227 ] عنه عليه السّلام و لم يكن في هذا الزمان علم مدوّن و لا استفادة للمسلمين إلاّ من القرآن الكريم ، فلم يكن إذا جلاء للقلب غيره . وجه الأولويّة أنّ الأحاديث النبويّة كانت موجودة بأيديهم يومئذ و الاستفادة منها كانت ممكنة لمن أرادها ، و أما غير المريد لها من الّذين على قلوبهم أقفالها فالقرآن و الحديث بالنسبة إليهم أيضا على حدّ سواء كما لا يخفى . ( مع أنه قد ذهب المتذكّرون ) بالقرآن المتدبّرون في معانيه المستضيئون بضيائه المقتبسون من أنواره ( و بقى الناسون ) له حقيقة ( أو المتناسون ) المظهرون للنسيان لأغراض دنيويّة . و ارتباط هذا الكلام أعنى قوله : مع أنه آه بما سبق أنه لما ذكر ممادح القرآن و أنه أبلغ المواعظ و أجلى للقلوب ، و كان الغرض منه حثّ المخاطبين و تحريصهم على اتّباعه و التذكّر به أتبعه بذلك أسفا على الماضين و تقريعا على الباقين بأنّهم لا يتذكّرون به و لا يتّبعونه و لا يتّعظون بمواعظه . و محصّله إظهار اليأس من قبولهم للموعظة و استبعاد ذلك لما تفرّس منهم من فساد النيات و متابعة الهوى و الشهوات . و يحتمل أن يكون توطئة و تمهيدا لما كان يريده من أمرهم باعانة الخير و تجنّب الشرّ ، يعني مع أنّ المتذكّرين و أولى البصاير قد مضوا و لم يبق إلاّ الغافلون الجاهلون و تأثير الموعظة فيهم صعب جدا ، مع ذلك أعظكم و اذكّركم و إن لم تنفع الذكرى بقولى ( فاذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه ) لفظ الخير و الشرّ و إن كان مطلقا شاملا باطلاقه لكلّ خير و شرّ ، إلاّ أنّ الأشبه أن يكون نظره فيهما إلى الخير و الشرّ المخصوصين . بأن يكون مراده من الخير الخير الّذي كان يريده في حقّهم و إن كان مكروها و كانوا لهم متنفرّين عنه بطبعهم من التسوية في العطاء و الحمل على جادّة الوسطى و مرّ الحقّ ، و يكون المراد باعانتهم عليه تسليمهم له في كلّ ما يأمر و ينهى و رضاهم [ 228 ] بكلّ ما يفعل و يريد ، و سعيهم في مقاصده و مآربه . و أن يكون مراده من الشرّ ما تفرّس منهم بل شاهده من قصدهم لنكث البيعة و ثوران الفتنة ، و يكون المراد بالذّهاب عنه الاعراض عنه و الترك له . و إنّما قلنا إنّ الأشبه ذلك لما حكيناه عن بعض الشراح من أنّ هذه الخطبة خطب بها في أوائل البيعة فقرينة الحال و المقام تشعر بما ذكرناه . و كيف كان فلما أمر عليه السّلام بما أمر أكّده بالحديث النبويّ صلّى اللّه عليه و آله فقال ( فانّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول : يا ابن آدم اعمل الخير و دع الشرّ ) أى اتركه ( فاذا أنت جواد قاصد ) يحتمل أن يكون المراد بالقاصد الراشد الغير المجاوز عن الحدّ في سيره بأن لا يكون سريع السّير فيتعب بسرعته ، و لا بطى‏ء السّير فيفوت الغرض ببطوئه ، و أن يكون المراد به السائر في قصد السّبيل أى غير الخارج عن الجادّة الوسطى ، و تشبيه عامل الخير و تارك الشرّ به على الأوّل من أجل اتّصافه بالعدل في أموره و برائته من الافراط و التفريط ، و على الثاني من أجل كون سلوكه على الجادّة الوسطى و الصراط المستقيم الموصل به إلى نضرة النّعيم و الفوز العظيم . ثمّ نبّه على أقسام الظلم تلميحا إلى مظلوميته عليه السّلام و تنبيها على أنّ ظلامته لا تترك فقال ( ألا و انّ الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر ، و ظلم لا يترك ، و ظلم مغفور لا يطلب ، فأمّا الظلم الّذي لا يغفر فالشّرك باللّه ) لما ( قال اللّه سبحانه إنَّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ) عدم الغفران بالشرك مشروط بعدم التوبة ، لأنّ الأمة أجمعت على أنّ اللّه يغفره بالتوبة و إن كان الغفران مع التوبة عند المعتزلة على وجه الوجوب و عندنا على وجه التفضّل و الانعام كما يأتي التصريح بذلك عن مجمع البيان . ( و أمّا الظلم الّذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ) لعلّ المراد بذلك البعض الصغاير لأنّ الاجتناب عن الكباير يكون كفارة لها كما قال تعالى : « إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم » . و أمّا حمله على المغفرة بالتوبة أو الشفاعة ففيه انّ المغفرة بهما لا اختصاص لها ببعض الهنات السّيئات بل جميع المعاصي تكون مغفورة بعد حصول التوبة و الشفاعة [ 229 ] على أنّ حمله على صورة التوبة يوجب عدم الفرق بينه و بين القسم الأوّل لما عرفت هناك من الاجماع على غفران الشرك أيضا بالتوبة كساير المعاصي صغيرة أو كبيرة فلا يكون على ذلك للتفكيك بين القسمين وجه . و الحاصل أنّ الشرك و غيره مشتركان في الغفران بالتوبة و في عدمه بعدمها إلاّ الصغاير فانّها تغفر مع عدمها أيضا إذا حصل الاجتناب عن الكباير هذا . و لكن ظاهر قوله تعالى « إنّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشآء » هو غفران ما دون الشرك مطلقا صغيرا كان أو كبيرا ، بل صرّح به في بعض الأخبار . و هو ما رواه في الصّافي من الكافي عن الصّادق عليه السّلام في هذه الآية قال : الكبائر فما سواها . و فيه منه و من الفقيه أنّه عليه السّلام سئل هل تدخل الكباير في مشيّة اللّه ؟ قال : نعم ذاك إليه عزّ و جلّ إن شآء عذّب و إن شاء عفى عنها . و في تفسير عليّ بن إبراهيم عند تفسير هذه الآية قال : حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت له : دخلت الكبائر في الاستثناء ؟ قال : نعم . قال الطبرسيّ في مجمع البيان في تفسيرها : معناها أنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به أحد و لا يغفر ذنب المشرك لأحد و يغفر ما دون الشرك من الذّنوب لمن يريد قال المحقّقون : هذه الآية أرجى آية في القرآن ، لأنّ فيه إدخال ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيّة الغفران وقف اللّه المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف و الرّجاء و بين العدل و الفضل ، و ذلك صفة المؤمن ، و لذلك قال الصادق عليه السّلام : لو وزن رجاء المؤمن و خوفه لاعتدلا . قال الطبرسيّ : و وجه الاستدلال بهذه على أنّ اللّه يغفر الذّنوب من غير توبة أنه نفى غفران الشرك و لم ينف غفرانه على كلّ حال بل نفى أن يغفر من غير توبة لأنّ الامة اجتمعت على أنّ اللّه يغفره بالتوبة و إن كان الغفران عند المعتزلة على [ 230 ] وجه الوجوب و عندنا على وجه التفضّل ، و على هذا يجب أن يكون المراد بقوله : و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، أنّه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين غير الكافرين . و لا معنى لقول المعتزلة إنّ في حمل الآية على ظاهرها و إدخال ما دون الشرك في المشيّة إغراء على المعصية ، لأنّ الاغراء إنّما يحصل بالقطع على الغفران فأمّا إذا كان الغفران معلّقا بالمشيّة فلا إغراء فيه . بل يكون العبد به واقفا بين الخوف و الرجاء و بهذا وردت الأخبار الكثيرة من طريق الخاصّ و العامّ ، و انعقد عليه اجماع سلف أهل الاسلام . و من قال في غفران ذنوب البعض دون البعض ميل و محاباة و لا يجوز الميل و المحاباة على اللّه . فجوابه أنّ اللّه متفضّل بالغفران و للمتفضّل أن يتفضّل على قوم دون قوم و انسان دون انسان ، و هو عادل في تعذيب من يعذّبه ، و ليس يمنع العقل و الشرع من الفضل و العدل . و من قال منهم أنّ لفظة ما دون ذلك و إن كانت عامة في الذنوب الّتي هى دون الشرك فانما نخصّها و نحملها على الصغائر أو ما يقع منه التوبة لأجل عموم ظاهر آيات الوعيد . فجوابه إنا نعكس عليكم ذلك فنقول : بل خصّصوا ظواهر تلك الآيات لعموم هذه الآية و هذا أولى لما روى عن بعض أنّه قال إنّ هذه الآية استثناء على جميع القرآن يريد به و اللّه أعلم جميع آيات الوعيد . و أيضا فان الصّغاير يرتفع عندكم محبطة و لا تجوز المؤاخذة بها ، و ما هذا حكمه فكيف تعلّق بالمشيّة فانّ أحدا لا يقول إني أفعل الواجب إن شئت و أردّ الوديعة إن شئت ، انتهى . و بما ذكرنا ظهر لك فساد ما توهّمه الشارح المعتزلي فانّه بعد ما ذكر أنّ الكبائر حكمها حكم الشرك عند أصحابه المعتزلة في عدم المغفرة اعترض على [ 231 ] نفسه بأنّ الآية صريحة في التفكيك بينها و بينه ، و أجاب بما ملخّصه أنّ المراد من لفظ الغفران هو الستر في موقف القيامة و المراد أنّ اللّه لا يستر في موقف القيامة من مات مشركا بل يفضحه على رؤوس الأشهاد ، و أمّا من مات على كبيرة من أهل الاسلام فانّ اللّه يستره في الموقف و لا يفضحه بين الخلايق و إن كان من أهل النار ، و قد يكون من أهل الكبائر ممّن يقرّ بالذّنوب من تعظم كبائره جدّا فيفضحه اللّه في الموقف كما يفضح المشرك ، فهذا معنى قوله : « و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء » انتهى . وجه الفساد أنّ الغفر و إن كان في اللّغة بمعنى الستر و التغطية إلاّ أنّه في الآيات و الأخبار حيثما يطلق يراد به التجاوز عن الخطايا و العفو عن الذنوب و الستر عليها ، فحمله على الستر المخصوص بالموقف خلاف ظاهر الاطلاق ، و الأصل عدم التقييد فلا داعي إلى المصير إليه . و أقول على رغم المعتزلة أنهم لتمسّكهم بحجزة خلفائهم الضّالين المضلّين و انحرافهم عن أولياء الدّين أساؤوا ظنّهم باللّه ربّ العالمين و حكموا في مرتكبي الكباير من المسلمين بكونهم في النار معذّبين كالكفّار و المشركين ، و اللّه سبحانه مجازيهم على نيّاتهم و عقيدتهم و حاشرهم يوم القيامة مع من يتولّونه ثمّ يردّهم إلى أسفل السافلين من الجحيم مخلّدين فيها و لا هم عنها يخرجون . و أمّا نحن فلاعتصامنا بالعروة الوثقى و الحبل المتين أعني ولاية أمير المؤمنين و ولاية آله المعصومين نحسن ظنّنا باللّه و نرجو غفرانه و عفوه و الحشر مع أوليائنا و إن كان في بحار الذّنوب مغرقين ، و لا نظنّ في حقّ ربّنا الغفور الرّحيم انّه يسمع في النار صوت عبد مسلم سجن فيها بمخالفته و ذاق طعم عذابها بمعصيته و حبس بين أطباقها بجرمه و جريرته و هو يضجّ إليه ضجيج مؤمّل لرحمته و يناديه بلسان أهل توحيده و يتوسّل إليه بربوبيّته ، فكيف يبقى في العذاب و هو يرجو ما سلف من حلمه و رأفته ، أم كيف تؤلمه النّار و هو يأمل فضله و رحمته ، أم كيف يحرقه لهبها و هو يسمع صوته و يرى مكانه ، أم كيف يشتمل عليه زفيرها و هو يعلم ضعفه أم كيف يتغلغل بين أطباقها و هو يعلم صدقه ، أم كيف تزجره زبانيتها و هو يناديه يا ربّه ، أم كيف يرجو فضله في [ 232 ] عتقه منها فيتركه فيها هيهات ما هكذا الظنّ به و لا المعروف من فضله ، و لا مشبه لما عامل به الموحّدين من برّه و إحسانه ، فباليقين نقطع لو لا ما حكم به من تعذيب جاحديه و قضى به من إخلاد معانديه لجعل النار كلّها بردا و سلاما و ما كان لأحد من شيعة أمير المؤمنين و محبّيه مقرّا و لا مقاما . 1 و لقد روى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : و لقد سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا و عليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب ثمّ قال صلّى اللّه عليه و آله : و من قال لا إله إلاّ اللّه باخلاص فهو برى‏ء من الشرك ، و من خرج من الدّنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة ثمّ تلى صلّى اللّه عليه و آله هذه الآية : « إنّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء » من شيعتك و محبّيك يا علي قال أمير المؤمنين عليه السّلام : فقلت : يا رسول اللّه هذا لشيعتي ؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اى و ربّي هذا لشيعتك ، هذا . ( و أمّا الظلم الّذى لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا ) فقد روى في الكافي عن شيخ عن النخعي قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام إني لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة ؟ قال : فسكت ثمّ أعدت عليه فقال : لا حتّى تؤدّى إلى كلّ ذى حقّ حقّه . و عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده . و عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال : ما انتصر اللّه من ظالم إلاّ بظالم و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ « و كذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً » . و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رسول اللّه و عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما و على آلهما : من خاف القصاص كفّ عن ظلم الناس . ( ف ) انّ ( القصاص هناك ) أى في الآخرة مضافا إلى قصاص الدّنيا ( شديد ) ، و يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم ، لأنّ يوم الظالم الدّنيا فقط ، ----------- ( 1 ) هذه الفقرات اقتباس من دعاء كميل رضى اللّه عنه ( منه ره ) [ 233 ] و يوم المظلوم الدّنيا و الآخرة و المنتقم هو اللّه سبحانه و ( ليس هو ) أى قصاصه و انتقامه ( جرحا بالمدى ) و السّكاكين ( و لا ضربا بالسّياط ) و العصا و نحو ذلك من مولمات الدّنيا ( و لكنّه ما يستصغر ذلك معه ) هو نار الجحيم و العذاب الأليم و الخزى العظيم . قال الشارح : قد أشرت سابقا إلى أنّ في ذكره أقسام الظلم و ما يترتّب عليها من العقوبات تلميحا إلى مظلوميّته عليه السّلام و تنبيها على أنّ الظلم الذي وقع في حقّه ليس بحيث يترك و يرفع اليد عنه ، بل يقتصّ من ظالميه البتّة و ينتقم بمقتضى العدل و اللّه عزيز ذو انتقام ، و حيث إنّ ظلامة آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعظم ما وقع في الأرض من المظالم حيث غصبوا خلافتهم و أحرقوا باب بيتهم و أسقطوا محسنهم و قتلوا أمير المؤمنين و ابنيه الحسن و الحسين عليهم السّلام بالسمّ و سيف العدوان و أداروا رأسه و رأس أصحابه على الرماح و السنان ، و شهروا نساءه و بناته في الأصقاع و البلدان إلى غير ذلك من الظلم و الطغيان الّذي يعجز عن تقريره اللّسان و يضيق عنه البيان ، فلا بدّ أن يكون قصاص ظلاماتهم أشدّ و عقوبة ظالميهم أعظم و أخزى و أحببت أن اورد بعض ما ورد فيه من الأخبار باقتضاء المقام . فأقول : روى في البحار من كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالى عن سلمان الفارسي قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في يوم بيعة أبي بكر : لست بقائل غير شي‏ء واحدا ذكّركم باللّه أيّها الأربعة يعنيني و الزبير و أبا ذر و المقداد أسمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : إنّ تابوتا من النار فيه اثنى عشر رجلا ، ستّة من الأوّلين و ستّة من الآخرين في جبّ في قعر جهنّم في تابوت مقفل على ذلك الجبّ صخرة إذا أراد اللّه أن يسعر جهنّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجبّ فاستعاذت جهنّم من وهيج ذلك الجبّ . فسألناه عنهم و أنتم شهود ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : أمّا الأوّلين فابن آدم عليه السّلام الّذي قتل أخاه ، و فرعون الفراعنة ، و الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، و رجلان من بني اسرائيل بدّلا كتابهما و غيّر اسنّتهما أمّا أحدهما [ 234 ] فهوّد اليهود و الآخر نصّر النصارى و إبليس سادسهم و الدّجال في الآخرين . و هؤلاء الخمسة أصحاب الصّحيفة الّذين تعاهدوا و تعاقدوا على عداوتك يا أخى و التظاهر عليك بعدي هذا و هذا حتّى عدّهم و سمّاهم ، فقال سلمان : فقلنا صدقت نشهد أنّا سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . و في تفسير علىّ بن إبراهيم عن الصّادق عليه السّلام في قوله تعالى « قل أعوذ بربّ الفلق » قال عليه السّلام : الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ أهل النّار من شدّة حرّه سأل اللّه أن يأذن له فيتنفّس فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم ، فقال عليه السّلام : و في ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ منه أهل الجبّ من حرّ ذلك الصّندوق و هو التابوت و في ذلك ستّة من الأوّلين و ستّة من الآخرين . فأمّا الستّة الّتي من الأوّلين فابن آدم الّذي قتل أخاه ، و نمرود إبراهيم الّذي ألقى إبراهيم في النار ، و فرعون موسى ، و السامرى الّذي اتّخذ العجل ، و الّذي هوّد اليهود ، و الّذي نصّر النصارى . و أمّا الستّة من الآخرين فهو الأوّل ، و الثاني ، و الثالث ، و الرابع ، و صاحب الجوارح ، و ابن ملجم « و من شرّ غاسق إذا وقب » قال عليه السّلام : الّذي يلقى الجبّ يقب فيه . و في البحار من الخصال و عقاب الأعمال عن إسحاق بن عمّار عن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال لي يا اسحاق إنّ في النّار لواديا يقال له سقر لم يتنفّس منذ خلق اللّه لو أذن اللّه عزّ و جلّ له في التنفس بقدر مخيط حرق ما على وجه الأرض ، و إنّ أهل النار ليتعوّذون من حرّ ذلك الوادى و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله ، و انّ في ذلك الوادي جبلا يتعوّذ جميع أهل ذلك الجبل من حرّ ذلك الشعب و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله ، و انّ في ذلك الشعب لقليبا يتعوّذ جميع أهل ذلك الشعب من حرّ ذلك القليب و نتنه و قذره و ما أعدّ اللّه فيه لأهله ، و انّ في ذلك القليب لحيّة يتعوّذ أهل ذلك القليب من خبث تلك الحيّة و نتنها و قذرها و ما أعدّ اللّه في أنيابها من السمّ للذعها ، و انّ في جوف تلك الحيّة سبعة صناديق فيها خمسة من الأمم السالفة و اثنان [ 235 ] من هذه الأمة . قال : قلت : جعلت فداك و من الخمسة ؟ و من الاثنان ؟ قال : فأمّا الخمسة فقابيل الّذي قتل هابيل ، و نمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه و قال أنا أحيي و أميت ، و فرعون الّذي قال أنا ربّكم الأعلى ، و يهود الّذي هوّد اليهود ، و بولس الّذي نصّر النصارى ، و من هذه الأمة : الأعرابيّان . أقول : الأعرابيّان : الأوّل و الثّاني اللّذان لم يؤمنا باللّه طرفة عين . و فيه من عقاب الأعمال عن حنّان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سمعته يقول إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه ، و نمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، و اثنان في بني اسرائيل هوّدا قومهما و نصّراهما ، و فرعون الّذي قال أنا ربكم الأعلى ، و اثنان في هذه الامة أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار . و فيه من كتاب الاختصاص عن يحيى بن محمّد الفارسي عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و آله قال : خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة و بين يدىّ قنبر فقلت يا قنبر ترى ما أرى ؟ فقال : قد ضوء اللّه لك يا أمير المؤمنين عمّا عمى عنه بصرى ، فقلت : يا أصحابنا ترون ما أرى ؟ فقالوا : لا قد ضوء اللّه لك يا أمير المؤمنين عمّا عمى عنه أبصارنا فقلت و الّذي فلق الحبّة و برى‏ء النسمة لترونه كما أراه و لتسمعنّ كلامه كما أسمع . فما لبثنا أن طلع شيخ عظيم الهامة له عينان بالطول فقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته فقلت : من أين أقبلت يا لعين ؟ قال : من الآثام ، فقلت : و أين تريد ؟ فقال : الآثام ، فقلت . بئس الشيخ أنت ، فقال : تقول : هذا يا أمير المؤمنين فو اللّه لأحدّثنك بحديث عنّى عن اللّه عزّ و جلّ ما بيننا ثالث ، فقلت عنك عن اللّه عزّ و جلّ ما بينكما ثالث ؟ قال : نعم . قال : انّه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت إلهى و سيّدى ما أحسبك خلقت من هو أشقى منّي ، فأوحى اللّه تبارك و تعالى بلى قد خلقت من هو [ 236 ] أشقى منك فانطلق إلى مالك يريكه ، فانطلقت إلى مالك فقلت : السّلام يقرئك السّلام و يقول : أرنى من هو أشقى منّى ، فانطلق بي مالك إلى النّار فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني و أكلت مالكا ، فقال لها : اهدئى ، فهدأت ، ثمّ انطلق بى إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشدّ من تلك سوادا و أشدّ حمى فقال لها : أخمدى ، فخمدت ، إلى أن انطلق بي إلى السابع و كلّ نار يخرج من طبق يخرج أشدّ من الاولى فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتنى و أكلت مالكا و جميع ما خلقه اللّه عزّ و جلّ فوضعت يدى على عيني و قلت : مرها يا مالك أن تخمد و إلاّ خمدت فقال : أنت لم تخمد إلى الوقت المعلوم ، فأمرها فخمدت ، فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النّيران معلّقين بها إلى فوق و على رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها ، فقلت : يا مالك من هذان ؟ فقال : أو ما قرئت في ساق العرش و كنت قرأته قبل أن يخلق اللّه الدّنيا بألفي عام لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته و نصرته بعلىّ ، فقال : هذان عدّوا ذلك و ظالماهم . ثمّ إنّه حذّرهم عن التلوّن في الدّين فقال ( فاياكم و التلوّن في دين اللّه ) تحذير لهم عن عدم الثبات على خلق واحد في أمر الدّين و عن التقلّب و التذبذب في أحكام الشرع المبين . و الظاهر أنه راجع الى جماعة بلغه عليه السّلام من بعضهم توقّفهم في بيعته كعبد اللّه ابن عمر و سعد بن أبي وقاص و حسّان بن ثابت و اسامة بن زيد و أضرابهم ، و عن بعضهم إرادة النكث و النقض للبيعة بعد توكيدها مثل طلحة و الزبير و أتباعهما . و مرجع هذا التحذير في الحقيقة إلى التحذير عن النّفاق ، لأنّ المنافق لا يستقيم على رأى واحد . و قد ذمّ اللّه المنافقين على ذلك بقوله « مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء و من يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا » و قال أيضا « إنّ الّذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن اللّه ليغفر لهم و لا ليهديهم سبيلا بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين » [ 237 ] روى في الصّافي عن العياشي عن الصّادق عليه السّلام في قوله : « إنّ الّذين آمنوا » قال هما و الثالث و الرابع و عبد الرحمان و طلحة و كانوا سبعة الحديث . و عن الصّادق عليه السّلام نزلت في فلان و فلان و فلان آمنوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أوّل الأمر « ثمّ كفروا » حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه « ثمّ آمنوا » بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السّلام حيث قالوا له بأمر اللّه و أمر رسوله فبايعوه « ثمّ كفروا » حيث مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يقرّوا بالبيعة « ثمّ ازدادوا كفراً » بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق من الايمان شي‏ء و كيف . فلما حذّرهم عن التلوّن الملازم للنفاق و التفرّق علّله بقوله ( فانّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خيره من فرقة فيما تحبّون من الباطل ) يعني الاجتماع على الحقّ خير من الافتراق على الباطل و إن كان الأوّل مكروها لكم و الثاني محبوبا لديكم ، و لعلّ المراد أنّ اجتماعكم على بيعتي و ثباتكم عليه خير لكم عاجلا و آجلا من افتراقكم عنها ابتغاء للفتنة و حبّا لها . و أكّد ذلك بقوله ( و انّ اللّه سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممّا مضى و لا مما بقى ) لفظة با في الموضعين إمّا بمعنى من و يؤيّده ما في أكثر النسخ من لفظة من بدلها فيكون المراد أنه لم يعط أحدا من السّلف و لا من الخلف خيرا بسبب الافتراق ، و إمّا بمعناها الأصلي فيكون المعنى أنّه تعالى لم يعط أحدا بسبب الافتراق خيرا من الدّنيا و لا من العقبى . و ذلك لأنّ الانسان مدنىّ بالطبع محتاج في اصلاح أمر معاشه و معاده و انتظام اولاه و اخراه إلى التعاون و الاجتماع و الايتلاف . و لذلك قال عليه السّلام في كلامه المأة و السابع و العشرين : و الزموا السواد الأعظم فانّ يد اللّه على الجماعة و اياكم و الفرقة فانّ الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب . و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الاسلام عن عنقه هذا . [ 238 ] و لكثرة فوائد الاجتماع و الايتلاف و عظم ما يترتّب عليها من الثمرات الدّنيويّة حبّ مؤكّدا فعل الجمعة و الجماعة و الأخبار الواردة في الحثّ و الترغيب عليهما فوق حدّ الاحصاء . ( أيّها النّاس طوبى لمن شغله عيبه ) و محاسبة نفسه ( عن عيب الناس ) و غيبتهم روى في عقاب الأعمال عن الحسن بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ و إنّ أسرع الشرّ عقابا البغى ، و كفى بالمرء عيبا أن ينظر من النّاس إلى ما يعمى عينه من نفسه ، و يعير الناس بما لا يستطيع تركه و يؤذى جليسه بما لا يعنيه . قال الطريحي في قوله تعالى « طوبى لهم و حسن مآب » أى طيب العيش ، و قيل طوبى الخير و أقصى الامنية ، و قيل اسم للجنّة بلغة أهل الهند ، و في الخبر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنها شجرة في الجنّة أصلها في دارى و فرعها في دار عليّ عليه السّلام فقيل له في ذلك فقال : داري و دار عليّ في الجنّة بمكان واحد ، قال و في الحديث هي شجرة في الجنّة أصلها في دار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ليس مؤمن إلاّ و في داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة إلاّ أتاه ذلك الغصن ، و لو أنّ راكبا مجدّا سار في ظلّها مأة عام ما خرج و لو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى سقط هرما . ( و طوبى لمن لزم بيته ) قد مرّ الكلام مشبعا في فوايد العزلة و ثمراتها في شرح الفصل الثاني من الخطبة المأة و الثانية . فان قلت : أ ليس الاعتزال و ملازمة البيت ملازما للفرقة الّتي نهى عنها سابقا فكيف يجتمع النهي عن الفرقة مع الحثّ على العزلة المستفاد من هذه الجملة الخبريّة ؟ قلت : لا تنافي بينهما ، لأنّ النهى السابق محمول على الافتراق لاثارة الفتنة و طلب الباطل كما يشعر به كلامه السابق أيضا ، و هذا محمول على الاعتزال لطلب الحقّ و مناجاة الرّب و تزكية النفس من رزائل الأخلاق . كما يدلّ عليه قوله ( و أكل قوته و اشتغل بطاعة ربّه و بكى على ) سالف [ 239 ] ( خطيئته ) و موبق معصيته ( فكان من نفسه في شغل و النّاس منه في راحة ) أى يدا و لسانا . روى في الكافي عن أبي البلاد رفعه قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يريد بعض غزواته فاخذ بغرز 1 راحلته فقال : يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّمني عملا أدخل به الجنّة ، فقال صلّى اللّه عليه و آله ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم ، و ما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم ، خلّ سبيل الراحلة . و فيه عن عثمان بن جبلة عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاث خصال من كنّ فيه أو واحدة منهنّ كان في ظلّ عرش اللّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : رجل أعطى النّاس من نفسه ما هو سائلهم ، و رجل لم يقدم رجلا و لم يؤخّر رجلا حتى يعلم أنّ ذلك للّه رضى ، و رجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتّى ينفى ذلك العيب عن نفسه فانّه لا ينفى منها عيبا إلاّ بدا له عيب و كفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس الترجمة پس از آن حذر نمائيد از متفرّق ساختن خلقها و از برگرداندن آنها و بگردانيد زبان را يك زبان ، و بايد كه حفظ نمايد مرد زبان خود را از جهة اينكه اين زبان سركش است بصاحب خود ، قسم بخدا نمي‏بينم بنده را پرهيز كند پرهيز كارى كه منفعت بخشد او را تا اينكه نگه دارد زبانش را ، پس بدرستي كه زبان مؤمن از پشت قلب او است و بدرستي كه قلب منافق از پشت زبان او است ، بجهة اينكه اگر مؤمن بخواهد تكلّم بنمايد بسخني انديشه ميكند آن را در پيش نفس خود پس اگر خوب باشد آن سخن اظهار مينمايد آن را ، و اگر بد باشد پنهان ميسازد او را ، و بدرستيكه منافق تكلّم مينمايد بهر چه زبان او ميآيد و نميداند چه چيزى منفعت دارد باو و چه چيز ضرر دارد بر او . و بتحقيق فرموده است حضرت رسالتمآب صلوات اللّه و سلامه عليه و آله كه : ----------- ( 1 ) الغرز بالفتح و السكون ركاب الراحلة من جلد و اذا كان من خشب أو حديد فركاب « منه ره » [ 240 ] مستقيم نشود ايمان بنده مگر اينكه مستقيم شود قلب او ، و مستقيم نشود قلب او مگر اينكه مستقيم شود زبان او ، پس هر كس قدرت داشته باشد از شما باينكه ملاقات كند پروردگار خود را در حالتيكه پاك باشد دست او از خونهاى مسلمانان و مالهاى ايشان و سالم باشد زبان او از عرضهاى ايشان پس بايد كه بكند آنرا . و بدانيد اى بندگان خدا كه بدرستي مرد صاحب ايمان حلال ميسازد امسال آن چيزيرا كه حلال دانسته در سال گذشته و حرام ميشمارد امسال چيزى را كه حرام شمرده در سال گذشته ، و بدرستي چيزيكه تازه احداث كرده است آن را مردمان حلال نمينمايد از براى شما هيچ چيز از آنچه كه حرام گردانيده شده است بر شما ، و لكن حلال منحصر است بآنچه كه خدا حلال فرموده ، و حرام منحصر است بآنچه كه خدا حرام فرموده . پس بتحقيق كه تجربه كرده‏ايد كارها را ، و محكم گردانيده‏ايد آنها را ، و نصيحت داده شده‏ايد با كساني كه بوده‏اند پيش از شما ، و زده شده از براى شما مثلها ، و دعوت شده‏ايد بسوى أمر روشن ، پس كر نمى‏شود در آن مگر كسى كه زياد كر باشد ، و كور نميشود از آن مگر كسى كه بغايت كور باشد ، و آنكسى كه نفع نداد او را خداى تعالى با امتحان و تجربها منتفع نشد بچيزى از موعظه و آمد او را ضرر و تقصير از پيش او تا اينكه خيال ميكند معرفت چيزيرا كه انكار داشت او را ، و انكار مينمايد چيزيرا كه معرفت داشت باو . پس بدرستى كه مردمان دو مردند : يكى آنكه پيروى كننده است شريعت را و ديگرى آنكه اختراع كننده است بدعت را در حالتى كه نيست با او از جانب خداوند دليلي از سنّت ، و نه روشني دليلي . و بدرستيكه خداى تعالى موعظه نفرموده هيچ أحدى را بمثل اين قرآن ، پس بدرستيكه قرآن ريسمان محكم خداست و ريسماني است كه ايمن است ، و در او است بهار قلبها و چشمهاى علمها ، و نيست مر قلب را جلاء و صيقلى غير آن با وجود « ج 15 » [ 241 ] اينكه رفتند صاحبان تذكّر ، و باقي مانده است صاحبان نسيان و فراموشي يا خود را بفراموشي زنندگان ، پس چون ببينيد چيز نيكوئى را پس اعانت نمائيد بر او ، و چون مشاهده كنيد چيز بدى را پس كناره‏جوئى كنيد از آن پس بدرستي كه حضرت رسالتمآب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مى‏فرمود كه اى پسر آدم عمل كن خير را و ترك كن شرّ را ، پس اين هنگام تو ميباشي پسنديده رفتار و پسنديده كردار . آگاه باشيد بدرستيكه ظلم سه قسم است : ظلميست كه آمرزيده نميشود ، و ظلمى است كه ترك كرده نمى‏شود ، و ظلميست كه آمرزيده خواهد شد . پس أما ظلمى كه بخشيده نخواهد شد پس عبارتست از شرك آوردن بخدا خداوند تعالى فرموده : بدرستيكه خدا نمى‏بخشد در اينكه شرك آورده باو ، و اما ظلمى كه بخشيده خواهد شد پس آن ظلم كردن بنده است بر نفس خود در بعض اعمال قبيحه و معاصي ، و أما ظلميكه متروك نمى‏شود پس آن ظلم بندگان است بعضي بر بعضي ، و ديگر قصاص ظالم در آخرت سخت و با شدّتست نه از قبيل زخم زدن است با كاردها و نه زدن با تازيانها و ليكن عذابيست كه كوچك شمرده ميشود اين زخم و ضرب در جنب او پس بترسيد از متلوّن شدن و دو رنگ بودن در دين خداى تعالى ، پس بدرستيكه اتفاق كردن در چيزيكه ناخوش ميداريد از أمر حق بهتر است از متفرّق گشتن در چيزيكه دوست ميداريد از أمر باطل ، و بدرستى كه خداى تعالى عطا نكرد أحدى را بسبب افتراق و اختلاف خير و منفعتي نه از گذشتگان و نه از آيندگان . اى مردمان خوشا مر آنكسى را كه مشغول سازد او را عيب او از عيبهاى مردمان ، و خوشا مر آنكسى را كه ملازم بشود خانه خود يعني منزوى شود و بخورد قوت حلال خود را و مشغول شود بطاعت پروردگار خود و گريه كند بگناهان خود ، پس باشد از نفس خود در شغليكه مشغول او شود و مردمان از او در راحت .