جستجو

و من خطبة له ع الخالق جل و علا

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من خطبة له عليه السّلام و هى المأة و الثانية و الستون من المختار في باب الخطب الحمد للّه خالق العباد ، و ساطح المهاد ، و مسيل الوهاد ، و [ 17 ] مخصّب النّجاد ، ليس لأوّليّته ابتدآء ، و لا لأزليّته انقضآء ، هو الأوّل لم يزل ، و الباقي بلا أجل ، خرّت له الجباه ، و وحّدته الشّفاه ، حدّ الأشيآء عند خلقه لها إبانة له من شبهها ، لا تقدّره الأوهام بالحدود و الحركات ، و لا بالجوارح و الأدوات ، لا يقال له متى ، و لا يضرب له أمد بحتّى ، الظاهر لا يقال ممّا ، و الباطن لا يقال فيما ، لا شبح فيتقضّى ، و لا محجوب فيحوى ، لم يقرب من الأشياء بالتصاق ، و لم يبعد عنها بافتراق ، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة ، و لا كرور لفظة ، و لا ازدلاف ربوة ، و لا انبساط خطوة ، في ليل داج ، و لا غسق ساج ، يتفيّؤ عليه القمر المنير ، و تعقبه الشّمس ذات النّور ، في الافول و الكرور ، و تقليب الأزمنة و الدّهور ، من إقبال ليل مقبل ، و إدبار نهار مدبر ، قبل كلّ غاية و مدّة ، و كلّ إحصآء و عدّة ، تعالى عمّا ينحله المحدّدون من صفات الأقدار ، و نهايات الأقطار ، و تأثّل المساكن ، و تمكّن الأماكن ، فالحدّ لخلقه مضروب ، و إلى غيره منسوب ، لم يخلق الأشيآء من أصول أزليّة ، و لا من أوائل أبديّة ، خلق ما خلق فأقام حدّه ، و صوّر ما صوّر فأحسن صورته ، ليس لشى‏ء منه امتناع ، [ 18 ] و لا له بطاعة شى‏ء انتفاع ، علمه بالأموات الماضين ، كعلمه بالأحيآء الباقين ، و علمه بما في السّموات العلى ، كعلمه بما في الأرضين السّفلى . منها أيّها المخلوق السّوىّ ، و المنشاء المرعىّ في ظلمات الأرحام ، و مضاعفات الأستار ، بدئت من سلالة من طين ، و وضعت في قرار مكين ، إلى قدر معلوم ، و أجل مقسوم ، تمور في بطن أمّك جنينا ، لا تحير دعاء ، و لا تسمع نداء ثمّ أخرجت من مقرّك إلى دار لم تشهدها و لم تعرف سبل منافعها ، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمّك ، و عرّفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك ، هيهات إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات ، فهو من صفات خالقه أعجز ، و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد . اللغة ( المهاد ) بالكسر الفراش و الجمع مهد ككتاب و كتب و ( سال ) الماء سيلا و سيلانا إذا طغا و جرى و أسلته اسالة أجريته و ( الوهاد ) جمع وهدة و هي الأرض المنخفضة و ( النجد ) الأرض المرتفعة و الجمع أنجاد و نجاد و نجود و ( شخص ) الرّجل بصره إذا فتح عينيه لا يطرف و ( ازدلف ) و تزلف أى تقدّم و اقترب و المزدلفة موضع بين عرفات و منى سمّى بها لأنّه يتقرّب فيها إلى اللّه أو لاقتراب الناس إلى منى بعد الافاضة أو لمجى‏ء النّاس إليها في زلف من اللّيل . و ( الرّبوة ) بضمّ الرّاء و كسرها و الفتح لغة بنى تميم المكان المرتفع [ 19 ] و ( الغسق ) محركة الظّلام أو ظلمة أوّل اللّيل و ( تفيّاء ) الظلّ تقلّب و رجع من جانب إلى جانب قال سبحانه : « يتفيّؤ ظلاله » و ( عقبت ) زيدا عقبا من باب قتل و عقوبا و عقّبته بالتشديد جئت بعده ، و منه سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم العاقب لأنّه عقب من كان قبله من الأنبياء أي جاء بعدهم ، و تعقبه الشّمس مضارع عقب بالتخفيف و يروى يعقّبه مضارع عقّب بالتضعيف و في نسخة الشارح المعتزلي تعقّبه قال الشارح أى تتعقّبه فحذف إحدى التائين كما قال سبحانه : « الّذين توفّاهم الملائكة » و ( تأثّل ) المال اكتسبه و ( أحار ) جوابا يحيره ردّه . الاعراب من في قوله : من عباده ، ابتدائية ، و قوله : في ليل ، متعلّق بقوله : يخفى ، أو بالشخوص ، و الكرور و الازدلاف و الانبساط على سبيل التنازع و الثاني أظهر و أولى كما لا يخفى ، و قوله : في الافول و الكرور ، ظرف لغو متعلّق بتعقب ، و قال الشارح المعتزلي : ظرف مستقرّ في موضع نصب على الحال ، أي و تعقبه كارّا و آفلا و من فى قوله : من اقبال ، بيان التّقليب . المعنى اعلم أنّ هذه الخطبة الشريفة مسوقة للثناء على اللّه سبحانه و تعظيمه و تمجيده بجملة من نعوت جماله و صفات جلاله . قال الشارح المعتزلى : اعلم أنّ هذا الفنّ هو الّذي بان به أمير المؤمنين عليه السّلام عن العرب في زمانه قاطبة ، و استحقّ به الفضل و التقدّم عليهم أجمعين ، و ذلك لأنّ الخاصّة التي يتميّز بها الانسان عن البهايم هى العقل و العلم ، ألا ترى أنّه يشاركه غيره من الحيوانات في اللّحميّة و الدّمويّة و القوّة و القدرة و الحركة الكاينة على سبيل الارادة و الاختيار ، فليس الامتياز إلاّ بالقوّة الناطقة أى العاقلة العالمة ، فكلّما كان الانسان أكثر حظّا منها كانت انسانيّته أتمّ . و معلوم أنّ هذا الرّجل انفرد بهذا الفنّ و هو أشرف العلوم ، لأنّ معلومه أشرف المعلومات ، و لم ينقل عن أحد من العرب غيره في هذا الفنّ حرف واحد [ 20 ] و لا كانت أذهانهم يصل إلى هذا و لا يفهمونه ، فهو بهذا الفنّ منفرد و بغيره من الفنون و هى العلوم الشرعية مشارك لهم و أرجح عليهم ، فكان أكمل منهم ، لأنا قد بيّنا أنّ الأعلم أدخل في صورة الانسانية ، و هذا هو معنى الأفضليّة انتهى . أقول : قد مرّ غير مرّة أنه بعد الاعتراف و الاذعان بكونه عليه السّلام أفضل و أكمل من غيره كيف يجوّز تقديم غيره عليه ؟ و بعد الاقرار باختصاص العلم الالهي به عليه السّلام و باشتراكه مع غيره و رجحانه عليهم في ساير العلوم كيف يسوّغ القول بحقية امامة غيره ؟ و الحال أنّ ترجيح المرجوح على الرّاجح قبيح عقلا على اصول العدليّة فضلا عن النقل قال تعالى : « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذينَ لا يَعْلَمُونَ » و قال أيضا : « أَ فَمَنْ يَهْدي إِلىَ الْحَقِّ أَحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى » . فيا عجبا عجبا يقوم بالخلافة من لا يعرف معنى عنبا و أبّا ، و يعتزل في جنح بيته من عنده علم الكتاب و له الفضل على غيره من كلّ باب و إلى اللّه الشكوى من دهر يربي الجهل و الضلال ، و يمحق الفضل و الكمال فلنرجع إلى شرح كلامه فأقول : إنّه حمد اللّه سبحانه و أثنى عليه بأوصاف كمالية فقال ( الحمد للّه خالق العباد ) أى الملائكة و الانس و الجنّ و تخصيصهم من ساير المخلوقات بالذكر مع أنه خالق كلّ شي‏ء تشرّفهم بشرف التكليف ( و ساطح المهاد ) أى جعل الأرض فراشا و بساطا للناس و سطحها على الماء بقدرته الكاملة و رحمته السابغة ، و في ذلك من دلائل القدرة و آثار الكبرياء و العظمة ما لا يحصى ، و من الفوائد التامة و العوائد العامة الّتي للناس ما لا يستقصى حسبما مرّت الاشارة إليها في شرح الفصل السادس من الخطبة التسعين المعروفة بالأشباح . ( و مسيل الوهاد و مخصب النّجاد ) أى مجرى للسّيل في الأراضي المنخفضة و جاعل المرتفعة ذوات خصب و رفاه ليكمل معاش الانسان و الدوابّ بما أنبت فيها [ 21 ] من الحبّ و النّبات و الفواكه و الجنات . ( ليس لأوّليّته ابتداء و لا لأزليّته انقضاء ) لأنّه تعالى واجب الوجود لذاته فلو كان لكونه أوّلا للأشياء حدّ تقف عنده أوّليته و تنتهى به لكان محدثا و لا شي‏ء من المحدث بواجب الوجود ، لأنّ المحدث ما كان مسبوقا بالعدم و واجب الوجود يستحيل عليه العدم أى ذاته لا يقبل العدم ، و من ذلك علم أيضا أنّه ليس لأزليّته انقضاء إذ كلّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، و الأزليّة عبارة عن القدم ، و ربّما يفسّر بأنّها المصاحبة لجميع الثّابتات المستمرّة الوجود في الزّمان . ( هو الأوّل لم يزل و الباقي بلا أجل ) و غاية و هاتان الجملتان مؤكّدتان لسابقتيهما يعني أنّه سبحانه لم يزل و لا يزال إذ وجوده أصل الحقيقة و ذاته عين البقاء ، و هو الأوّل و الآخر لأنّه مبدء كلّ شي‏ء و غايته لا أوّل لأوّليّته و لا غاية لبقائه ( خرّت له الجباه و وحّدته الشّفاه ) أى سقطت الجباه ساجدة له ، و نطقت الشّفاه بتوحيده لكمال الوهيّته و عظمته و استحقاقه للعبوديّة و اختصاصه بالفردانيّة ( حد الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها ) و إبانة لها من شبهه و قد تقدّم توضيح ذلك و تحقيقه في شرح الخطبة المائة و الثانية و الخمسين فليراجع ثمّة . ( لا تقدرّه الأوهام بالحدود و الحركات و لا بالجوارح و الأدوات ) لمّا كان شأن الوهم بالنّسبة إلى مدركاته أن يدركها بحدّ أو حركة أو جارحة أو أداة ، و كان اللّه سبحانه منزّها عنها كلّها ، لكونها من عوارض الأجسام ، صحّ بذلك سلب إدراك الأوهام و تقديرها أي تعيينها و تشخيصها له تعالى ، و قد قال الباقر عليه السّلام كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مصنوع مثلكم مردود إليكم ، و قد مرّ في شرح الفصل الثّاني من الخطبة الاولى توضيح هذا المعنى . ( و لا يقال له متى و لا يضرب له أمد بحتّى ) و قد تقدّم تحقيق ذلك أيضا هنالك ، فليراجع إليه . ( الظّاهر لا يقال ممّا و الباطن لا يقال فيما ) يعني أنّ اتّصافه بالظهور و البطون ليس بالمعنى المتبادر منهما في غيره ، فانّ المتبادر من ظهور الأجسام [ 22 ] كونها ظاهرة بارزة من مادّة و أصل ، و من بطونها اختفائها في حيّز و مكان ، و اللّه سبحانه منزّه عن ذلك ، بل اطلاق الظّاهر و الباطن عليه و اتّصافه تعالى بهما باعتبار آخر عرفته تفصيلا في شرح الخطبة الرّابعة و الستّين . ( لا شبح فيتقضّى و لا محجوب فيخوى ) أى ليس بجسم و شخص فيتطرّق إليه الفناء و الانقضاء ، و لا مستور بحجاب جسمانيّ حتّى يكون الحجاب حاويا له و ساترا . ( لم يقرب من الأشياء بالتصاق و لم يبعد عنها بافتراق ) إشارة إلى أنّ قربه و بعده بالنسبة إلى الأشياء ليس على نحو الالتصاق و الافتراق كما هو المتصوّر في الأجسام ، بل على وجه آخر تقدّم تحقيقه في شرح الفصل الخامس و السادس من الخطبة الاولى ، و في شرح الخطبة التاسعة و الأربعين . ( لا يخفى عليه ) سبحانه شي‏ء من مخلوقاته ، بل هو عالم بها كليّاتها و جزئيّاتها ، ذواتها و ماهيّاتها ، عوارضها و كيفيّاتها ، و صفاتها و حالاتها ، فلا يعزب عنه ( من عباده شخوص لحظة ) أى مدّ البصر من دون حركة جفن ( و لا كرور لفظة ) أى رجوعها و اعادتها ( و لا ازدلاف ربوة ) الظّاهر أنّ المراد مجى‏ء انسان إليها في زلف من اللّيل أو تقدّمهم أى صعودهم إليها . قال الشّارح البحراني : ازدلاف الرّبوة تقدّمها و أراد الرّبوة المتقدّمة أى في النّظر و البادية عند مدّ العين ، فانّ الرّبى أوّل ما يقع في العين من الارض انتهى و هو تفسير بارد سخيف ، و المتبادر ما قلناه مضافا إلى أنّ سوق كلام المفيد لكون الشّخوص و الكرور و الانبساط في قوله ( و لا انبساط خطوة ) صفة للعباد كون الازدلاف أيضا من صفاتهم لا من صفات نفس الرّبوة كما هو مقتضى تفسير الشّارح على أنّ غرض أمير المؤمنين عليه السّلام من تعداد هذه الصّفات الاشارة إلى خفايا أوصاف العباد و حالاتهم ، و تقدّم الرّبوة في النظر ليس شيئا مخفيّا فافهم 1 ----------- ( 1 ) اشارة الى أنّ عدم خفاء تقدّم الربوة في الناظر بالنسبة الى نفس الناظر ، و أما ادراك غير الناظر لذلك التقدم فلا ، بل هو أخفى شى‏ء بالنسبة اليه كما لا يخفى . منه ره . [ 23 ] و بالجملة فالمقصود بذلك كلّه تمجيد اللّه باعتبار إحاطة علمه و عدم خفاء شي‏ء من هذه الامور عليه سبحانه ( في ليل داج ) ظلماني ( و لا غسق ساج ) ساكن كما يخفى فيهما على غيره تعالى ، و ذلك لأنّ معرفة غيره تعالى بهذه الأشياء من العباد و إدراكه لها إنّما هو بواسطة آلات جسمانيّة كالباصرة 1 و السامعة و نحوها ، و أقويها الباصرة ، و الظلمة مانعة عن ادراكها البتّة ، و أمّا اللّه الحيّ القيّوم فلا يتفاوت علمه بالنسبة إلى نهار و ليل ، و شهادة و غيب بل يعلم السرّ و أخفى « وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ في كِتابٍ مُبينٍ » . ( يتفيّاء عليه القمر المنير ) أى يتقلّب على الغسق القمر المنير ذاهبا و جائيا في حالتي أخذه في الضّوء إلى التّبدّر و أخذه في النّقص إلى المحاق ( و تعقبه ) أى القمر ( الشمس ذات النّور ) أى تعاقبه ( في الافول و الكرور ) يعنى أنّها تطلع عند أفوله و يطلع عند افولها ( و تقليب الأزمنة و الدّهور من إقبال ليل مقبل و إدبار نهار مدبر ) أى أنّهما يتعاقبان و يجى‏ء أحدهما بعد الآخر و يقلّبان الأزمان و يجعلان اللّيل نهارا و النّهار ليلا . ثمّ عاد إلى وصفه سبحانه أيضا بقوله ( قبل كلّ غاية و مدّة و كلّ إحصاء و عدّة ) لأنّه سبحانه خالق الكلّ و موجده و مبدئه فوجب تقدّمه و قبليّته عليه جميعا ( تعالى ) و تقدّس ( عمّا ينحله ) و يعطيه ( المحدّدون ) الجاعلون له حدودا من المشبّهة و المجسّمة ( من صفات الأقدار ) أى المقادير ( و نهايات الأقطار ) طولا و عرضا و صغرا للحجم و كبرا ( و تأثّل المساكن و تمكّن الأماكن ) أى اكتساب ----------- ( 1 ) ادراك الباصرة بالنسبة الى شخوص اللحظة و ازدلاف الربوة و انبساط الخطوة ، و ادراك السامعة بالنسبة الى كرور اللفظة ، و يمكن ادراك بعضها باللاّمسة أيضا فى الجملة كما لا يخفى و اليه أشرنا بقولنا و نحوها ، منه رحمه اللّه . [ 24 ] المساكن و استقرار الأحياز و نحوها ممّا هو من صفات المخلوقات المنزّه المتعالى عنها خالق الأرض و السماوات تنزّها ذاتيا و علوّا كبيرا . ( فالحدّ لخلقه مضروب و إلى غيره منسوب ) يعني أنه سبحانه جاعل الحدود و النهايات و مبدئها و موجدها فأبدئها و ضربها لمخلوقاته و أضافها إلى مبدعاته و جعل لكلّ منها حدا معيّنا و قدرا معلوما ، فهى أوصاف للممكنات و حضرة القدس مبرّاة عنها . روى في الكافي عن سهل بن زياد عن بشر بن بشّار النّيشابوري قال : كتبت إلى الرّجل أنّ من قبلنا قد اختلفوا في التّوحيد فمنهم من يقول إنّه جسم و منهم من يقول إنّه صورة ، فكتب عليه السّلام سبحان من لا يحدّ و لا يوصف و لا يشبهه شي‏ء و ليس كمثله شي‏ء و هو السّميع البصير . ( لم يخلق الأشياء من اصول أزليّة و لا من أوائل أبديّة ) قال العلاّمة المجلسيّ ردّ على الفلاسفة القائلين بالعقول و الهيولى القديمة . و قال الشّارح المعتزلي : الردّ في هذا على أصحاب الهيولى و الطّينة الّتي يزعمون قدمها و قيل : إنّ معناه ليس لما خلق أصل أزليّ أبديّ خلق منه من مادّة و صورة كما زعمت الفلاسفة . و قال الشّارح البحراني : إنّه لم يخلق ما خلق على مثال سبق يكون أصلا . و محصّل ما ذكروه أنّ خلقه للأشياء على محض الابداع و الاختراع و أن لا مبدء لصنعه إلاّ ذاته ، إذ لو كان خلقه لها مسبوقا بمادّة أو مثال فان كانا قديمين لزم تعدّد القدماء ، و إلاّ لزم التسلسل في الأمثلة و الموادّ . و أوضح هذا المعنى بقوله ( بل خلق ما خلق فأقام حدّه و صوّر ما صّور فأحسن صورته ) يعني أنّه المخترع لاقامة حدود الأشياء على ما هى عليها من المقادير و الاشكال و النهايات و الآجال و الغايات على أبلغ نظام . و مصوّرها على أحسن اتقان و إحكام ( ليس لشي‏ء منه امتناع ) لعموم قدرته و غاية قهره و قوّته ( و لا له بطاعة شي‏ء انتفاع ) إذ هو الغنيّ المطلق عمّا عداه و المتعالى عن الافتقار إلى ما سواه ، [ 25 ] فلو كان منتفعا بطاعة مخلوقاته لزم أن يكون مستكملا بغيره فاقدا للكمال بذاته . و هو أيضا ( علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين ) لأنّه لا يتفاوت علمه بالنّسبة إلى الحاضرين الموجودين و الغائبين المعدومين كما يتفاوت في حقّنا و ذلك لأنّ علمنا بالأشياء من الأشياء كما أنا نعلم قبل وجود زيد أنّ زيدا معدوم ، فاذا وجد نعلم أنّه موجود ثمّ إذا عدم بعد وجوده نعلم أنّه كان موجودا فقد تغيّر علمنا بتغيّر المعلوم و حصل التّفاوت بين الحالين و منشأ ذلك أنّ علمنا زماني لأنه مستفاد من الموجودات و أحوالها و أمّا اللّه الحىّ القيّوم فهو إنّما يعلم كلّ شي‏ء جزئيّ أو كليّ من ذاته و لا يجوز أن يكون يعلم الأشياء من الأشياء ، و إلاّ يلزم أن يستفيد علمه من غيره و يكون لو لا امور من خارج لم يكن عالما فيكون لغيره تأثير في ذاته ، و الاصول الالهيّة تبطل ذلك مضافا إلى استلزامه التّغيّر في ذاته بتغيّر معلوماته . ( و ) من ذلك علم أيضا أنّ ( علمه بما في السّماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السّفلى ) من دون تفاوت بينهما و أمّا غيره تعالى من أهل الأرض فعلمهم بما في الأرضين أقوى من علمهم بما في السّماوات ، كما أنّ أهل السّماوات أعلم بها من أهل الأرض ، و منشأ ذلك التّفاوت تفاوت الأمكنة كما أنّ منشأ التفاوت فيما سبق تفاوت الأزمنة قربا و بعدا . و بالجملة لما كان نسبة ذات الباري إلى جميع أجزاء الزّمان و الزّمانيّات و جميع أصقاع المكان و المكانيّات على حدّ سواء ، كان علمه بالنسبة إلى الجميع كذلك ثمّ خاطب الانسان بما فيه من بدايع الصّنع و عجايب الابداع ليتخلّص منه إلى عظمة المبدع سبحانه و كمال قدرته و جلاله فقال ( أيّها المخلوق السّوىّ ) أى مستقيم القامة معتدل الخلقة ( و المنشاء المرعى ) المحفوظ ( في ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار ) العطف كالتفسير و المراد بها ما اشير إليه في قوله : « يخلقكم في بطون اُمّهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلث » أى ظلمة البطن و الرّحم و المشيمة أو الصّلب و الرّحم و البطن و الأوّل مرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام . ( بدئت من سلالة من طين و وضعت في قرار مكين ) قال الشّارح المعتزلي [ 26 ] الكلام الأوّل لآدم الّذي هو أصل البشر ، و الثاني لذرّيته . أقول : بل كلاهما لذرّيته كما عرفته في شرح الفصل السّابع من فصول الخطبة الثّانية و الثّمانين ، و المراد بالقرار المكين الرّحم متمكّنة في موضعها برباطاتها ، لأنّها لو كانت متحرّكة لتعذّر العلوق أي وضعت في الرّحم منتهيا ( إلى قدر معلوم و أجل مقسوم ) قال الشّارح المعتزلي : أى مقدار معلوم طوله و شكله إلى أجل مقسوم مدّة حياته . أقول : بل الظّاهر أنّ المراد بالأجل المقسوم هو المدّة المضروبة لبقائه في الرّحم من سبعة أشهر أو تسعة و نحوهما ، و بالقدر المعلوم هو صغر حجمه و كبره و مقدار قطره طولا و عرضا إذ كان جنينا في بطن أمّه ، لا الحياة المقسوم له في الدّنيا و مقداره المعلوم فيها كما زعمه الشّارح لأنّه عليه السّلام لم ينتقل بعد إلى بيان نشائته الدّنياويّة كما يؤمى إليه قوله ( تمور في بطن أمّك جنينا ) أى تضطرب و تتحرّك فيه ( لا تحير دعاء و لا تسمع نداء ) أى لا تقدر على أن تردّ جوابا لدعوة من دعاك ، و على محاورته كما لا تقدر على سماع ندائه . ( ثمّ اخرجت من مقرّك ) أى القرار المكين ( إلى دار لم تشهدها ) أى الدّار الّتي لم تكن شاهدتها قبل خروجك إليها ( و لم تعرف سبل منافعها ) ثمّ اهتديت إليها . ( فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدى امّك ) و لالتقام حلمة الثدي و امتصاصها ( و عرّفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك ) و معلوم أنّ الهادي للاجترار و المعرّف لمحالّ الطلب ليس إلاّ اللّه سبحانه ، فالغرض من الاستفهام التّنبيه على وجود الخالق الهادي إلى المطالب ، و المرشد إلى المآرب ، و هذا القدر من العلم بالصّانع ضروريّ في النّفوس و إن احتاج إلى أدنى تنبيه و ما وراء ذلك بمعنى صفات الكمال و نعوت الجلال امور لا تطّلع عليها العقول البشريّة بالكنه . و إليه أشار بقوله ( هيهات ) أي بعد الوصول إلى كنه معرفة الخالق و الغور في تيّار بحار جلاله و كبريائه ف ( انّ من يعجز عن ) معرفة ( صفات ) نفسه في حال [ 27 ] تخليقه و الاطّلاع على منافع أجزائه و أعضائه و معرفة من هو مثله من ساير ( ذي الهيئة و الادوات ) و الجوارح و الآلات مع كونها محسوسة مشاهدة له ( فهو عن ) معرفة ( صفات خالقه ) الّتي هي أبعد الأشياء مناسبة له ( أعجز و من تناوله بحدود المخلوقين ) و إدراكه له سبحانه بالمقايسة إليهم و التشبيه بهم ( أبعد ) كما هو ظاهر بالعيان ، غنيّ عن البيّنة و البرهان . الترجمة از جمله خطب شريفه آن حضرتست در حمد و ثناى خداوند ذو الجلال و وصف او با صفات عز و كمال مى‏فرمايد : حمد و ستايش معبود بحقّى را سزاست كه خالق بندگانست و گستراننده زمين ، و روان‏كننده زمينهاى نشيب است بباران ، و فراخ سالى دهنده زمينهاى بلند است برويانيدن گياهان ، نيست أوّليت او را ابتدائى ، و نه ازليّت او را نهايت و انتهائى ، او است أوّل بى‏زوال ، و باقى بى‏غايت ، افتادند از براى سجده او پيشانيهاى مكلّفان ، و بتوحيد او مشغول شد لبهاى پيران و جوانان ، حدّ معيّني قرار داد همه أشياء را هنگام آفريدن آنها بجهة ابداء مباينة و جدائى خود از مشابهت آنها ، تقدير و تشخيص نمى‏تواند بكند او را و همها بنهايتها و حركتها ، و نه بعضوها و آلتها ، گفته نمى‏شود كه او از كيست بجهة تنزّه او از احاطه زمان ، و زده نميشود از براى او مدّتي بكلمه حتّى كه افاده انقضاء و انتها مى‏نمايد ، ظاهر است گفته نميشود از چه ظاهر شد بجهت اينكه منزّهست از مادّه و امكان ، و پنهانست گفته نميشود كه در چه پنهانست بجهة اينكه مبرّ است از مكان ، نه جثّه و جسمى است كه فانى و منقضى بشود ، و نه مستور است و محجوب كه چيزى بر او احاطه نمايد نزديك نيست بأشياء بچسبيدن ، و دور نيست از آنها بجدا شدن ، پنهان نمى‏ماند بر او از بندگان مدّ بصرى ، و نه مكرّر كردن لفظى و خبرى ، و نه بلند شدن ايشان به پشته كوهى ، و نه گستردن گامى در شب تاريك ، و نه در ظلمت برقرار كه بر مى‏گردد بآن ظلمت و تاريكى ماه نور بخش و در عقب ماه مى‏آيد آفتاب صاحب نور [ 28 ] در غروب و رجوع ، و در برگدانيدن آن زمانها و روزگارها كه عبارتست از اقبال كردن شب اقبال كننده ، و از ادبار نمودن روز ادبار نماينده ، موجود است پروردگار عالم پيش از هر نهايتى و مدّتى ، و قبل از هر شمردني و تعدادى ، منزّهست از آنچه كه بخش مى‏كنند باو تحديد كنندگان او از صفتهاى مقدارها ، و از جوانب قطرها و از كسب نمودن مسكنها ، و تمكّن يافتن وطنها ، پس حدّ و نهايت مر خلق او را زده شده و بسوى غير او نسبت داده شده ، نيافريد چيزها را از أصلهائى كه ازلى باشد ، و نه از اوّلهائى كه ابدى باشد ، بلكه آفريد آنچه كه آفريد پس بر پا داشت حدّ آنرا ، و تصوير نمود آنچه كه تصوير فرمود پس نيكو گردانيد صورت آنرا ، نيست هيچ چيز را از امر او امتناعى ، و نيست مر او را بطاعت چيزى انتفاعى علم او بر مردگان گذشتگان مثل علم او است بر زندگان باقى ماندگان ، و احاطه او بآن چيزى كه در آسمانهاى بلندها است مثل احاطه او است بچيزهائى كه در زمينهاى پستهاست . از جمله فقرات اين خطبه است مى‏فرمايد : أى مخلوقى كه مستوى الأعضا است و ايجاد شده كه محفوظ بوده است در ظلمتهاى رحمها و در پردهاى متضاعفه ، ابتدا كرده شدى از خلاصه گل ، و نهاده شدى در قرار محكم تا اندازه معلوم و مدّت قسمت كرده شده در حالتى كه مضطرب بودى در شكم مادر خود در حالت بچگى كه نمى‏توانستى جواب بدهى دعوت كننده را ، و نمى‏توانستى بشنوى طلب نماينده را ، پس از آن بيرون آورده شدى از قرارگاه خودت بسوى خانه كه نديده بودى آن را ، و نه شناخته بودى راههاى منافع آنرا پس كه هدايت نمود ترا به كشيدن غذا از پستان مادرت ؟ و شناساند تو را هنگام احتياج تو مواضع طلب تو و اراده تو را ؟ خيلى دور است معرفت ذات او از جهت اينكه كسى كه عاجز بشود از معرفت صفات صاحب صورت و أعضا ، پس از معرفت صفات آفريننده خود عاجزتر است ، و از ادراك ذات او بحدود و نهاياتي كه مخلوقات راست دورتر و مهجورتر .