جستجو

و من كلام له ع قبل موته

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

و من كلام له عليه السّلام قبل موته و هو المأة و التاسع و الاربعون من المختار فى باب الخطب . و هو مرويّ في الكافي على اختلاف تطلع عليه أيّها النّاس كلّ امرء لاق ما يفرّ منه في فراره و الأجل مساق النّفس ، و الهرب منه موافاته ، كم اطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلاّ إخفائه ، هيهات علم مخزون ، أمّا وصيّتي [ 112 ] فاللَّه لا تشركوا به شيئا ، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين ، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا ، حمل كلّ امرء منكم مجهوده ، و خفّف عن الجهلة ، ربّ رحيم ، و دين قويم ، و إمام عليم ، أنا بالأمس صاحبكم و أنا اليوم عبرة لكم ، و غدا مفارقكم ، غفر اللَّه لي و لكم ، إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك ، و إن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفيآء أغصان و مهبّ رياح ، و تحت ظلّ غمام اضمحلّ في الجوّ متلفّقها ، و عفى في الأرض مخطّها ، و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما ، و ستعقبون منّي جثّة خلآء ساكنة بعد حراك ، و صامتة بعد نطوق ليعظكم هدويّ و خفوت أطراقي و سكون أطرافي فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ ، و القول المسموع ، و داعيكم وداع امرء مرصد للتّلاقي ، غدا ترون أيّامي ، و يكشف لكم عن سرائري ، و تعرفونني بعد خلوّ مكاني ، و قيام غيري مقامي . اللغة ( الطّرد ) الابعاد و تقول طزدته أى نفيته عنّي ، و الطريدة ما طردته من صيد و غيره ، و الطّريدان اللّيل و النهار ، و أطردت الرّجل على صيغة الافعال ، إذا أمرت باخراجه و ( شرد ) البعير شرودا من باب قعد ندّ و نفر ، و الاسم الشراد [ 113 ] بالكسر و ( حمل كلّ امرء منكم مجهوده ) في بعض النّسخ على البناء للمفعول من باب التّفعيل و رفع كلمة كلّ ، و في بعضها على المعلوم من باب التفعيل أيضا و نصب كلّ ، فالفاعل هو اللَّه سبحانه ، و في بعضها حمل كضرب على المعلوم و رفع كلّ و ( خفف ) على بناء المجهول و ( الوطأة ) بالفتح موضع القدم و المرّة من الوطى و هو الدّوس بالرّجل . و ( دحض ) الرّجل دحضا من باب منع زلق و زلّ و ( الأفياء ) جمع في‏ء و هو الظلّ الحادث بعد الزّوال و ( مهبّ الرّياح ) محلّ هبوبها و في بعض النّسخ و مهاب رياح بصيغة الجمع و ( اضمحل ) السّحاب تقشّع و الشي‏ء ذهب و فنى و ( الجوّ ) ما بين السّماء و الأرض و ( متلفقّها ) بكسر الفاء من تلفّق الشي‏ء انضمّ و التأم و لفقت الثّوب لفقأ من باب ضرب ضممت احدى شقتيه إلى الأخرى للخياطة و ( المخطّ ) بالخاء المعجمة ما يحدث في الأرض من الخطّ الفاصل بين الظلّ و النّور . و ( ستعقبون ) بالبناء على المجهول من الاعقاب و هو اعطاء الشي‏ء عقيب الشي‏ء يقال أكل أكلة أعقبته سقما أى أورثته و ( حراك ) كسحاب الحركة و ( هدوى ) في بعض النّسخ بالهمز على الأصل و في بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا و ( خفت ) الصّوت خفوتا سكن و ( اطراقى ) إمّا بكسر الهمزة من اطرق إطراقا أى أرخى عينيه إلى الأرض ، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوّة كما في القاموس ، أو بالفتح و هو الضرب بالمطرقة ، و قيل جمع طرقة بالفتح أى صنايع الكلام يقال : هذا طرقته أى صنعته و الأوّل أظهر و أضبط ، و في بعض النّسخ أطرافي بالفاء فهو جمع الطرف بالتسكين و هو تحريك العين و الجفن إلاّ أنّ جمعه لم يثبت إلاّ عند القتيبى و قال الزّمخشري : الطّرف لا يثنى و لا يجمع لأنّه مصدر و كذا ذكره الجوهري . و ( سكون أطرافي ) جمع الطرف بالتحريك كجمل و جمال ، و المراد بها الأعضاء و الجوارح كاليدين و الرّجلين و ( الوداع ) بفتح الواو اسم من ودّعته توديعا و هو أن تشيعه عند سفره ، و أمّا الوداع بالكسر فهو اسم من أودعته موادعة أى [ 114 ] صالحته و ( رصدته ) إذا قعدت له على طريقه تترقّبه و أرصدت له العقوبة أى أعددتها له و حقيقتها جعلها على طريقة كالمترقّبة له ، و مرصد في بعض النّسخ على صيغة اسم المفعول فالفاعل هو اللَّه تعالى أو نفسه عليه السّلام ، و في بعضها على صيغة اسم الفاعل فالمفعول نفسه عليه السّلام أو ما ينبغى اعداده و تهيئته . الاعراب قوله : في فراره متعلّق بقوله لاق ، و جملة أبحثها منصوبة المحلّ على الحالية و علم مخزون خبر لمبتدء محذوف أى ذلك العلم علم مخزون ، و قوله : فاللَّه لا تشركوا به شيئا و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله ، منصوبان على الاضمار على شريطة التفسير ، و في بعض النسخ بالرّفع على الابتداء و الأوّل أرجح كما قرّر في الأدبيّة لاستلزام الثّاني كون الجملة الطّبيّة خبرا فتأمّل ، و قوله : و خلاكم ذمّ بالرّفع فاعل خلا أى عداكم و هي كلمة تجرى مجرى المثل . قال الشّارح البحراني : و أوّل من قالها قصير مولى حذيمة حين حثّ عمرو بن عدى اخت حذيمة على طلب ثاره من الزّباء فقال له عمرو : و كيف لي بذلك و الزّباء أمنع من عقاب الجوّ ، فقال له قصير اطلب الأمر و خلاك ذمّ . و قوله : ربّ رحيم و دين قويم و إمام عليم ، برفع الجميع على الخبر أى ربّكم ربّ رحيم و دينكم دين قويم و هكذا على الابتداء و الخبر محذوف أى لكم ربّ رحيم و دين قويم آه قال الشّارح المعتزلي : و من النّاس من يجعل ربّ رحيم فاعل خفّف على رواية من رويها فعلا معلوما ، و ليس بمستحسن ، لأنّ عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدّين أيضا مخففّا ، و هذا لا يصحّ انتهى . و قال المحدّث العلاّمة المجلسيّ : إنّ في أكثر النّسخ خفف على بناء المعلوم فقوله : ربّ فاعله و لا يضرّ عطف الدّين و الامام عليه لشيوع التّجوّز في الاسناد . [ 115 ] أقول : و ههنا وجه آخر على رواية حمل و خفف بالبناء على المجهول ، و هو أن يكون ربّ مرفوعا بفعل محذوف على حدّ قوله سبحانه : « يسبّح له فيها بالغدوّ و الآصال » على قرائة يسبح بصيغة المجهول ، كأنّه قيل : من حمل و خفّف ، فقال : ربّ رحيم و دين قويم ، و هذا الوجه أيضا مبنيّ على التجوّز في الاسناد . و قوله : ليعظكم بكسر اللاّم و نصب الفعل كما في أكثر النّسخ ، و يحتمل الجزم لكونه أمرا أو فتح اللاّم و رفع الفعل أيضا . و قوله : وداعيكم وداع امرء مرفوعان على المبتدء و الخبر ، و إضافة و داعى إلى ضمير المفعول أى وداعى إيّاكم ، و في بعض النّسخ بنصب وداع ، و في بعضها بجرّها ، و كلاهما مبنىّ على حذف الخافض أى كوداع امرء فالنّصب على حدّ قوله تعالى « و اختار موسى قومه » أى من قومه ، و الثاني على حدّ قول امرء القيس « أشارت كليب بالأكفّ الأصابع » أى إلى كليب ، و في نسخة الشّارح المعتزلي و داعى لكم وداع امرء و روى فيها أيضا ودّعتكم وداع امرء على صيغة المتكلّم من باب التّفعيل ، فالوداع منصوب بالمصدريّة و غدا ظرف للأفعال بعده . المعنى اعلم أنّ هذا الكلام قد قاله عليه السّلام لما ضربه ابن ملجم المرادي عليه لعائن اللَّه و هو مسوق فى معرض التوصية و التّذكير ، فأيّة بالنّاس و نبّههم على لحوق ضرورة المنفور منه طبعا بقوله : ( أيّها النّاس كلّ امرء لاق ما يفرّ منه في فراره ) يعنى أنّ الانسان يفرّ من الموت ما دام حيّا ، فهو في مدّة الفرار و هى الحياة الدّنيا يلاقي ما يفرّ منه البتّة كما قال تعالى « قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فانّه ملاقيكم » ( و الأجل مساق النّفس ) يجوز أن يراد بالأجل غاية العمر كما في قوله تعالى « فاذا جاء أجلهم [ 116 ] لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون » فيكون المساق بمعنى ما يساق إليه ، و أن يراد به المدّة المضروبة لبقاء الانسان أعني مدّة العمر فيكون المساق بمعنى زمان السّوق ، فانّ مدّة بقاء النّفس في هذا البدن مساق إلى غايتها . ( و الهرب منه ) أى من الأجل بالمعنى الأوّل أو ممّا يفرّ منه إن اريد به المعنى الثاني ( موافاته ) لأنّ الهرب منه إنّما يكون بعلاج و حركة يفنى بهما بعض المدّة ، و إفناء المدّة يلزمه الموافاة فأطلق لفظ الموافاة على الهرب من باب اطلاق اسم اللاّزم على الملزوم ، أو لأنّه إذا قدّر زوال عمر أو دولة فكلّ تدبير يدبّره الانسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أنّ كلّ دواء و معالجة إذا صادف قرب مجي‏ء الأجل يكون مضرّا بالبدن و إن كان بحيث اذا لم يصادفه كان نافعا مجرّبا عند الأطباء مع أنّ المرض و المزاج في كلتا الصّورتين واحد بناء على إبطال أفعال الطبيعة و أنّ نفع الأدوية إنّما هو فعل اللَّه تعالى عند الدّواء ، و مع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدّواء الأجل يصير أحذق الأطباء عاجزا غافلا عمّا ينفع المريض ، فيعطيه ما يضرّه و إذا لم يصادفه يلهم أجهل الأطبّاء بما ينفعه كما هو المجرّب . و كيف كان فقوله عليه السّلام : و الهرب منه موافاته ، جار مجرى المبالغة في عدم كون الفرار منجيا من الموت و عاصما عنه حتّى جعل نفس الهرب منه ملاقاة له و لم يقل و الهارب منه يوافيه . ( كم اطّردت الأيام ) أى صيّرتها طريدة قال الشارح المعتزلي فالاطّراد أدلّ على العزّ و القهر من الطرد ( أبحثها ) و افتّشها ( عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلاّ إخفائه ) قال الشّارح المعتزلي : كأنه عليه السّلام جعل الأيّام أشخاصا يأمر باخراجهم و ابعادهم عنه ، أى ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أىّ وقت يكون بعينه و في أىّ أرض يكون يوما يوما ، فاذا لم أجده في اليوم اطردته و استقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده و اطرده و أستأنف يوما آخر ، و هكذا حتّى وقع المقدور . قال الشّارح : و هذا الكلام يدلّ على أنه عليه السّلام لم يكن يعرف حال قتله مفصّلة من جميع الوجوه ، و أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أعلمه بذلك مجملا ، لأنّه قد ثبت [ 117 ] أنّه صلّى اللَّه عليه و آله قال له : ستضرب على هذه و أشار إلى هامته فتخضب منها هذه ، و أشار إلى لحيته و ثبت أنّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال له : أتعلم من أشقى الأوّلين ؟ قال : نعم عاقر النّاقة فقال له : أتعلم من أشقى الآخرين ؟ قال : لا ، فقال : من يضرب ههنا فتخضب هذه و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ على أنّه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنّه يموت من ضربته ، ألا تراه يقول : إن ثبتت الوطأة في هذه المزّلة فذاك آه . و يظهر منه أنّ الشارح زعم أنّ مراده عليه السّلام بمكنون هذا الأمر وقت قتله و مكانه المعينان بالتفصيل . و حذا حذوه الشارح البحراني حيث قال : و ذلك المكنون هو وقته المعيّن بالتفصيل و مكانه ، فان ذلك ممّا استأثر اللَّه بعلمه كقوله تعالى « إنّ اللَّه عنده علم السّاعة » و قوله « و ما تدرى نفس بأيّ أرض تموت » و إن كان قد أخبره الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بكيفية قتله مجملا إلى أن قال و أمّا بحثه هو فعن تفصيل الوقت و المكان و نحوهما من القراين المشخصة و ذلك البحث إمّا بالسّؤال من الرّسول مدّة حياته و كتمانه ايّاه ، أو بالفحص و التّفرّس من قراين أحواله في ساير أوقاته مع النّاس ، فأبى اللَّه إلاّ أن تخفى عنه تلك الحال انتهى . اقول : و لا يكاد ينقضى عجبى من هذين الفاضلين كيف توهّما أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يكن عالما بزمان موته و لا مكانه إلاّ اجمالا ، و أنّه لم يكن يعرفهما تفصيلا إن هذا إلاّ زعم فاسد و رأى كاسد . أمّا الشّارح المعتزلي فمع روايته الأخبار الغيبيّة له عليه السّلام و إذعانه على صحّتها حسبما تقدّمت في التّنبيه الثاني من شرح الخطبة الثانية و التّسعين كيف خفى عليه وجه الحقّ و كيف يتصوّر في حقّ من هو عالم بما كان و ما يكون و من يقول : فاسألوني قبل أن تفقدوني فو الّذي نفسي بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم و بين السّاعة و لا عن فئة تهدى مأة و تضلّ مأة إلاّ أنبئكم بناعقها و قائدها و سائقها و مناخ ركابها و محطّ رحالها و من يقتل من أهلها قتلا و يموت منهم موتا ، الى آخر ما مرّ [ 118 ] في الخطبة الّتي أشرنا اليها ، أنّه لم يكن يعرف زمان موته و مكانه . و أمّا الشّارح البحراني فمع كونه من فضلاء علماء الامامية قدّس اللَّه ضرايحهم كيف قصرت يده عن الأخبار العامية و الخاصية المفيدة لعلم الأئمّة عليهم السّلام بما كان و ما يكون و ما هو كائن و لمعرفتهم عليهم السّلام بوقت موتهم و موت شيعتهم ، و أنّهم يعلمون علم المنايا و البلايا و الانساب ، و هذه الأخبار قريبة من التواتر بل متواترة معنى و قد مضى جملة منها في تضاعيف الشّرح لا سيّما في شرح الفصل الثّاني من الخطبة المأة و الثّامنة و العشرين ، و يأتي شطر منها في مواضعها اللاّيقة ، و قد روى المخالف و المؤالف قول أمير المؤمنين للحارث الأعور الهمداني : يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه و أعرفه بنعته و اسمه و ما فعلا فانّ من كان حاضرا عند كلّ ميّت ، عارفا بوقت موته كيف لا يعرف وقت موت نفسه . و كفاك دليلا على ما ذكرنا أنّ الكلينيّ قد عقد في الكافى بابا على ذلك ، و قال : باب أنّ الأئمّة عليهم السّلام يعلمون متى يموتون و أنّهم لا يموتون إلاّ باختيار منهم ، و روى في ذلك الباب عن عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد عن محمّد بن عبد الحميد عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرّضا عليه السّلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد عرف قاتله و اللّيلة التّي يقتل فيها ، و الموضع الّذي يقتل فيه ، و قوله لما سمع صياح الأوز في الدّار : صوايح تتبعها نوايح ، و قول امّ كلثوم : لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار و أمرت غيرك يصلّي بالنّاس فأبى عليها ، و كثر دخوله و خروجه تلك اللّيلة بلا سلاح ، و قد عرف عليه السّلام ان ابن ملجم قاتله بالسّيف كان هذا ممّا لم يحسن « لم يجز لم يحلّ خ ل » تعرّضه ؟ فقال عليه السّلام : ذلك كان و لكنه عليه السّلام خيّر في تلك اللّيلة لتمضى مقادير اللَّه عزّ و جلّ . و هذا الحديث و إن كان ضعيفا عند بعض لكنّه سهل عند آخرين معتضد بأخبار أخر . قال العلاّمة المجلسي ( ره ) في شرحه : منشا الاعتراض أنّ حفظ النّفس واجب عقلا و شرعا ، و لا يجوز إلقاؤها الى التّهلكة ، فقال عليه السّلام : ذلك كان و لكنّه خيّر [ 119 ] أى خيّره اللَّه بين البقاء و اللّقاء فاختار لقاء اللَّه ، و هو مبنيّ على منع كون حفظ النّفس واجبا مطلقا ، و لعلّه كان من خصائصهم عدم وجوب ذلك عند اختيارهم الموت و حكم العقل في ذلك غير متّبع مع أنّ حكم العقل في مثل ذلك غير مسلّم . و في بعض النّسخ أعني نسخ الكافي حيّن بالحاء المهملة و النّون أخيرا ، بدل خير ، قال الجوهريّ : حيّنه جعل له وقتا يقال : حيّنت النّاقة إذا جعلت لها في يوم و ليلة وقتا تحلبها فيه انتهى ، فالمعنى أنّه كان بلغ الأجل المحتوم المقدّر و كان لا يمكن الفرار منه . قال المحدّث العلاّمة المجلسيّ : و حاصله أنّ من لا يعلم أسباب التّقديرات الواقعة يمكنه الفرار عن المحذورات و يكلّف به ، و أمّا من كان عالما بجميع الحوادث ، فكيف يكلّف الفرار و إلاّ يلزم عدم وقوع شي‏ء من التّقديرات فيه ، بل هم عليهم السّلام غير مكلّفين بالعمل بهذا العلم في أكثر التّكاليف . فانّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام كانا يعرفان المنافقين و يعلمان سوء عقايدهم و لم يكونوا مكلّفين بالاجتناب عنهم و ترك معاشرتهم و عدم مناكحتهم أو قتلهم و طردهم ما لم يظهر منهم شي‏ء يوجب ذلك . و كذا علم أمير المؤمنين عليه السّلام بعدم الظّفر بمعاوية و بقاء ملكه بعده لم يكن سببا لأن يترك قتاله ، بل كان يبلغ في ذلك غاية جهده إلى أن استشهد صلوات اللَّه عليه مع أنّه كان يخبر بشهادته و استيلاء معاوية بعده . و كذا الحسين عليه السّلام كان عالما بغدر أهل العراق به و أنّه سيستشهد هناك مع أولاده و أقاربه و أصحابه ، و يخبر بذلك مرارا و لم يكن مكلّفا بالعمل بهذا العلم بل كان مكلّفا بالعمل بهذا الأمر حيث بذلوا له نصرتهم و كاتبوه و راسلوه و وعدوه البيعة و بايعوا مسلم بن عقيل رضى اللَّه عنه انتهى . و قال المجلسيّ أيضا في موضع آخر من شرح الكافي : الظاهر من ساير الأخبار أنّه عليه السّلام كان عالما بشهادته و وقتها و كان ينتظرها و يخبر بوقوعها و يستبطئها في اللّيلة التي وعدها و يقول : ما منع قاتلي من قتلي انتهى . [ 120 ] فقد ظهر و اتّضح بذلك كلّه أنّه عليه السّلام كان يعرف تفصيلا زمان قتله و مكانه كما ظهر دفع الاشكال فيه و الاعتراض عليه بأنّه مع المعرفة التفصيليّة كان الواجب عليه حفظ نفسه و عدم إلقاءه لها إلى التهلكة . فان قلت : سلّمنا هذا كلّه و لكن ما تصنع بقوله عليه السّلام كم اطّردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه إلاّ إخفاءه ؟ قلت : يمكن توجيهه بأن يكون المراد بهذا الأمر خفاء الحقّ و مظلوميّة أهله و ظهور الباطل و غلبة أصحابه و كثرة أعوانه ، لأنّه عليه السّلام سعى في أوّل الأمر في أخذ حقّه غاية السّعى فلم يتيسّر و جرت امور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله ، و في آخر الأمر لمّا انتهى إليه و حصل له الأنصار و الأعوان و جاهد في اللَّه حقّ الجهاد و غلب على المنافقين سنحت فتنه التحكيم الّتي كانت من غرايب الامور ثمّ بعد ذلك لمّا جمع العساكر و أراد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى ، فالمراد بالمكنون سرّ ذلك و سببه فظهر لي و أبى اللَّه إلاّ إخفاءه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه ، إذ هي من غوامض مسائل القضاء و القدر . و هذا التوجيه أورده المحدّث المجلسيّ في مرآت العقول نقلا عن بعضهم و استحسنه . و محصّله أنّ المراد بالأمر المكنون في كلامه عليه السّلام سرّ غلبة الباطل على الحقّ و علّة مظلومية أهل الحقّ ، و المراد باخفاء اللَّه إياه إخفاءه منهم لا منه عليه السّلام ، فيكون هذا الكلام منه نظير قوله عليه السّلام في الكلام الخامس : بل اند مجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة . قوله ( هيهات علم مخزون ) أى بعد الاطلاع على ذلك السّر فانه علم مخزون و من شأن المخزون أن يسرّ و يخفى . ثمّ شرع في الوصيّة فقال : ( أما وصيّتي فاللَّه لا تشركوا به شيئا ) أى وحّدوه و أخلصوا العمل له و الزموا أوامره و نواهيه ( و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله فلا تضيّعوا سنّته ) أى لا تهملوها ، و هو أمر بلزوم شرايع الدّين و سلوك نهج الشرع المبين . [ 121 ] و أكّد الأمر بالتّوحيد و اتّباع السّنة النّبويّة بقوله ( أقيموا هذين العمودين ) و استعار لهما لفظ العمود ، لأنّ مدار الاسلام و نظام امور المسلمين في المعاش و المعاد على توحيد اللَّه سبحانه و اتباع سنّة رسوله ، كما أنّ مدار الخيمة و القسطاط على العمود ، و المراد باقامتهما الاعتقاد بهما و العمل بمقتضيات الايمان بهما . ( و اوقدوا هذين المصباحين ) و هو استعارة اخرى و الجامع أنّهما يهديان إلى الصّراط المستقيم و جنّات النّعيم ، و يدلاّن على حظاير القدس و مجالس الانس ، كما أنّ بالمصباح يهتدى في غياهب الدّجى إلى الطريق المطلوب ، و ذكر الايقاد ترشيح للاستعارة ( و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا ) أى سقط عنكم ذمّ و تجاوزكم فلا ذمّ يلحقكم ما لم تنفروا . قال في مرآت العقول : و الغرض النّهى عن التّفرق و اختلاف الكلمة ، أى لا ذمّ يلحقكم ما دمتم متّفقين في أمر الدّين متمسّكين بحبل الأئمّة الطاهرين أو المراد النّهى عن الرّجوع عن الدّين و إقامة سنّته . و قوله ( حمل كلّ امرء منكم مجهوده ) كلام متّصل بما قبله ، لأنّه لمّا قال ما لم تشردوا أنبأ عن تكليفهم كلّما وردت به السّنة النّبويّة أى كلّف كلّ أحد منكم مبلغ وسعه و طاقته . و لمّا كان هذا الكلام بظاهره يعطى أنه سبحانه كلّف كلّ أحد بما هو مبلغ طاقته و نهاية و سعه فبيّن عليه السّلام أنّ التّكليف على حسب العلم و استدرك بقوله ( و خفّف عن الجهلة ) يعني أنّ الجهّال ليسوا مكلّفين بما كلّف به العلماء و قد قد قال اللَّه سبحانه : « إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلّذينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَريبٍ » . و هو بظاهره يدلّ على أنّ الجاهل معذور في أكثر الأحكام . [ 122 ] و قوله ( ربّ رحيم ) قد عرفت جهات الاحتمال في وجه اعرابه ، و باختلافها يختلف المعنى فافهم ، و وصف الرّب بالرّحمة لمناسبته بالتخفيف عن الجهلة ( و دين قويم ) ليس فيه أودوا عوجاج ( و إمام عليم ) أراد به الإمام في كلّ زمان ، و يحتمل شموله لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تغليبا ، و ربّما يخصّ بالرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و وصفه بالعلم لكونه عالما بكيفيّة سلوك مسالك الآخرة و قطع مراحلها و منازلها و الهادى فيها بما يقتضيه حكمته من القول و العمل . و عقّب وصيّته بالتّنبيه على مجارى حالاته لاعتبار الحاضرين و اتّعاظ المشاهدين فقال ( أنا بالإمس صاحبكم ) أى كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم ، و صاحب الأمر و النّهى ، أو صاحبكم الذي تعرفونني بالقوّة و الشّجاعة ( و اليوم عبرة لكم ) تعتبرون باشرافي على الموت و ضعفى عن الحراك بعد ما كنت اصرع الابطال و اقتل الأقران ( و غدا مفارقكم غفر اللَّه لي ولكم ) هذا الكلام نصّ في علمه عليه السّلام تفصيلا بزمان موته حسبما قدّمناه . و تأويل الشّارح المعتزلي له بأنّه لا يعنى غدا بعينه بل ما يستقبل من الزّمان كما يقول الانسان الصّحيح : أنا غدا ميّت فمالى أحرص على الدّنيا خروج عن ظاهر الكلام بلا دليل . فان قلت : الدّليل عليه قوله ( إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك ) فانّه يدلّ على أنّه عليه السّلام لم يكن يقطع بموته . قلت : هذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشّاك لبعض المصالح على حدّ قوله تعالى : « أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبَتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ » . و كيف كان فمقصوده أنّه إن ثبتت القدم بالبقاء في هذه الدّنيا بأن لا يؤدّي الجرح إلى الهلاك فذاك المراد أى مرادكم ، فانّه عليه السّلام كان آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه ، أو مرادى لأنّه عليه السّلام كان راضيا بقضاء اللَّه فمع قضاء اللَّه حياته [ 123 ] و ارادته له لا يريد غير ما أراده سبحانه ( و ان تدحض القدم ) و تزلق و هو كناية عن الموت ( فانّا كنّا في أفياء أغصان ) و ظلالها ( و مهبّ رياح ) أى محلّ هبوبها ( و تحت ظلّ غمام اضمحلّ ) و فنى ( في الجوّ ) أى ما بين السّماء و الأرض ( متلفّقها ) و ملتئمها ( و عفى ) و انمحى ( في الأرض مخطّها ) أى أثرها و علامتها و الغرض بهذه الجملات أنّي إن متّ فلا عجب ، فانّا كنّا في امور فانية شبيهة بتلك الامور ، لأنّها كلّها سريعة الانقضاء لا ثبات لها و لا بقاء ، أو لا أبالي فانّي كنت في الدّنيا غير راكن إليها كمن كان في تلك الامور ، و فيه حثّ للقوم أيضا على الزّهد في الدّنيا و ترك الرّغبة في زخافها . و قيل : أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة ، و بالأفياء تركيبها المعرض للزّوال ، و بالرّياح الأرواح ، و بمهبّها الأبدان الفايضة هي عليها بالجود الالهي ، و بالغمام الأسباب العلويّة من الحركات السّماويّة و الاتّصالات الكوكبيّة و الأرزاق المفاضة على الانسان في هذا العالم الّتي هي سبب بقائه ، و كنّى باضمحلال متلفّقها في الجوّ عن تفرّق الأسباب العلويّة للبقاء و فنائها ، و بعفاء مخطّها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان . ( و إنما كنت جارا ) أي مجاورا ( جاوركم بدني أيّاما ) تخصيص المجاورة بالبدن لأنّها من خواصّ الأجسام أو لأنّ روحه عليه السّلام كان معلّقا بالملاء الأعلاء و هو بعد في الدّنيا ( و ستعقبون منّي ) أى تعطون عقيب فقدى و تجدون بعد رحلتى ( جثّة خلاء ) أى جسدا و بدنا خاليا من الرّوح و الحواسّ ( ساكنة بعد حراك و صامتة بعد نطوق ) أى متبدّلة الحركة بالسّكون و النّطق بالسّكوت ( ليعظكم هدّوى ) و سكونى ( و خفوت اطراقى ) أى سكون ارخاء عينى إلى الأرض و هو كناية عن عدم تحريك الأجفان ، و قد مرّ وجوه اخر في بيان اللغة فتذكّر ( و سكون أطرافي ) أى الرّاس و اليدين و الرجلين و غيرها من الجوارح و الأعضاء و جناس الخط بين قوله اطرافي و اطرافي غير خفيّ ( فانّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع ) لأنّ الطّباع أكثر اتعاظا و انفعالا عن مشاهدة [ 124 ] ما فيه من العبرة من الوصف له بالقول المسموع و لو كان بأبلغ لفظ و أفصح عبارة ثمّ أخذ في توديعهم فقال ( و داعيكم وداع امرء مرصد للّتلاقي ) أي وداعى إيّاكم كوداع رجل مترقّب و منتظر للملاقات من ربّه تعالى و ساير الوجوه مرّ في بيان اللّغة ( غدا ترون أيّامي ) أي بعد مفارقتي إيّاكم و تولّى بني اميّة و غيرهم أمركم تعرفون فضل أيّام خلافتى و إني كنت بارّا بكم عطوفا عليكم و كنت على الحقّ ( و يكشف لكم عن سرائرى ) و يظهر أنّى ما أردت في حروبى و ساير ما أمرتكم به إلاّ وجه اللَّه عزّ و جلّ و ابتغاء مرضاته ( و تعرفوننى بعد خلوّ مكاني و قيام غيري مقامي ) أي تعرفون عدلى و قدرى بعد قيام غيري مقامي بالامارة و الخلافة و تظاهره بالمنكرات ، لأنّ الأشياء إنما تتبيّن بضدّها كما قال أبو تمام : راحت وفود الأرض عن قبره فارغة الأيدي ملاء القلوب قد علمت ما ورثت إنما تعرف قدر الشمس بعد الغروب و قيل : و السرّ فيه أنّ الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم ، إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم ، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده الّتي عليها هذا . و قال المحدّث العلاّمة المجلسيّ في شرح هذه الفقرات من رواية الكافي الآتية : اقول : و يحتمل أن يكون المراد بقوله : غدا ، أيام الرجعة و يوم القيامة فانّ فيهما تظهر شوكتهم و رفعتهم و نفاذ حكمهم في عالم الملك و الملكوت ، فهو عليه السّلام في الرّجعة وليّ انتقام العصاة و الكفّار و تمكين المتّقين الأخيار في الأصقاع و الأقطار ، و في القيامة وليّ الحساب و قسيم الجنّة و النار و غير ذلك مما يظهر من درجاتهم و مراتبهم السنية فيها ، فالمراد بخلوّ مكانه خلوّ قبره عن جسده في الرّجعة أو نزوله عن منبر الوسيلة و قيامه إلى شفير جهنّم يقول للنار : خذى هذا و اتركى هذا في القيامة . قال : و في أكثر نسخ الكتاب أي الكافي : و قيامي غير مقامي ، و هو أنسب بالأخير ، و على الأوّل يحتاج إلى تكلّف شديد كأن يكون المراد قيامه عند اللَّه تعالى [ 125 ] في السموات و تحت العرش و في الجنان في الغرفات و في دار السّلام كما دلّت عليه الرّوايات . قال : و في نسخ النّهج و بعض نسخ الكتاب : و قيام غيري مقامي ، فهو بالأوّل انسب و يحتاج في الأخير إلى تكلّف تامّ بأن يكون المراد بالغير القائم عليه السّلام فانّه إمام الزّمان في الرّجعة ، و قيام الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مقامه للمخاصمة في القيامة . قال : و يخطر بالبال أيضا أنّه يمكن الجمع بين المعنيين ، فيكون أسدّ و أفيد بأن يكون ترون أيّامي و يكشف اللَّه عن سرائرى في الرّجعة و القيامة لاتّصاله بقوله : وداع مرصد للتّلاقي ، و قوله عليه السّلام : و تعرفوني كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدّنيا كما مرّ في المعنى الأوّل ، و هذا أظهر الوجوه لا سيّما على النّسخة الأخيرة انتهى . تذكرة قد أوردنا في شرح الكلام التّاسع و السّتين قصّة شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام تفصيلا ، و أحببت أن اورد هنا بعض ما قيل في رثائه عليه السّلام . فأقول : روى في شرح المعتزلي عن أبي الفرج الاصبهاني قال : أنشدني عمي الحسن بن محمّد قال : أنشدني محمّد بن سعد لبعض بني عبد المطلب يرثي عليّا و لم يذكر اسمه : يا قبر سيّدنا المجنّ سماحة صلّى الإله عليك يا قبر ما ضرّ قبرا أنت ساكنه أن لا يحلّ بأرضه القطر فليغدينّ سماح كفّك بالثرى و ليورقنّ بجنبك الصخر و اللَّه لو بك لم أجد أحدا إلاّ قتلت لفاتنى الوتر و قال عبد اللَّه بن عبّاس بن عبد المطلب : و هزّ عليّ بالعراقين لحية مصيبتها جلّت على كلّ مسلم و قال سيأتيها من اللَّه نازل و يخضبها أشقى البريّة بالدّم [ 126 ] فعاجله بالسّيف شلّت يمينه لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم فيا ضربة من خاسر ضلّ سعيه تبوّء منها مقعدا في جهنّم ففاز أمير المؤمنين بحظّه و إن طرقت إحدى اللّئام بمعظم ألا إنّما الدّنيا بلاء و فتنة حلاوتها شيبت بصبر و علقم و قالت امّ الهيثم بنت الأسود النخعية و هى الّتي استوهبت جثّة ابن ملجم من الحسن عليه السّلام فوهبها لها فحرّقتها بالنّار . ألا يا عين ويحك فاسعدينا ألا تبكى أمير المؤمنينا رزينا خير من ركب المطايا و حبّسها و من ركب السّفينا و من لبس النّعال و من حذاها و من قرء المثاني و المئينا و كنّا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول اللَّه فينا يقيم الدّين لا يرتاب فيه و يقضى بالفرايض مستبينا و يدعو للجماعة من عصاه و ينهك قطع أيدي السّارقينا و ليس بكاتم علما لديه و لم يخلق من المتجبّرينا لعمر أبي لقد أصحاب مصر على طول الصحابة أرجعونا و غرّونا بأنّهم عكوف و ليس كذاك فعل العاكفينا أ في شهر الصّيام فجعتمونا بخير النّاس طرّا أجمعينا و من بعد النبيّ فخير نفس أبو حسن و خير الصّالحينا كأنّ النّاس إذ فقدوا عليّا نعام جال في البلد سنينا و لو أنّا سئلنا المال فيه بذلنا المال فيه و البنينا أشاب ذوابتى و أطال حزني أمامة حين فارقت القرينا تطوف بها لحاجتها إليه فلمّا استيئست رفعت رنينا و عبرة امّ كلثوم إليها تجاو بها و قد رأت اليقينا فلا تشمت معاوية بن صخر فانّ بقيّة الخلفاء فينا و جمّعت الامارة عن تراض إلى ابن نبيّنا و إلى أخينا [ 127 ] و لا نعطى زمام الأمر فينا سواه الدّهر آخر ما بقينا و إنّ سراتنا و ذوى حجانا تواصوا أن نجيب إذا دعينا بكلّ مهنّد عضب و جرد عليهنّ الكماة مسوّمينا روى أحمد بن حازم قال لما بلغ نعى أمير المؤمنين عليه السّلام إلى عايشة سجدت للَّه شكرا ، و لمّا بلغ إلى معاوية فرح فرحا شديدا و قال : إنّ الأسد الّذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه ثمّ قال : قل للأرانب ترعى أينما سرحت و للظّباء بلا خوف و لا وجل تكملة قد أشرنا سابقا إلى أنّ هذا الكلام له عليه السّلام مروىّ في الكافي على اختلاف لما أورده السيّد في الكتاب فأحببت أن أورد ما هناك ، و هو ما رواه عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه ، و محمّد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال : لمّا ضرب أمير المؤمنين عليه السّلام حفّ به العوّاد و قيل له : يا أمير المؤمنين أوص ، فقال عليه السّلام ثنوالي وسادة ثمّ قال : الحمد للَّه قدره متّبعين أمره ، أحمده كما أحبّ ، و لا إله إلاّ اللَّه الواحد الأحد الصّمد كما انتسب ، أيّها النّاس كلّ امرء لاق في فراره مامنه يفرّ ، و الأجل مساق النّفس اليه ، و الهرب منه موافاته ، كم اطّردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللَّه عزّ ذكره إلاّ إخفائه ، هيهات علم مكنون ( مخزون خ ل ) ، أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا باللَّه جلّ ثناؤه شيئا ، و محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فلا تضيّعوا سنّته ، أقيموا هذين العمودين ، و أوقدوا هذين المصباحين ، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا ، حمل كلّ امرء منكم مجهوده ، و خفّف عن الجهلة ، ربّ رحيم ، و امام عليم ، و دين قويم ، أنا بالأمس صاحبكم ، و اليوم عبرة لكم ، و غدا مفارقكم ، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد ، و إن تدحض القدم فانّا كنّا في أفياء أغصان و ذرى رياح و تحت ظلّ غمامة اضمحلّ في الجوّ متلفّقها ، و عفى في الأرض مخطّها ، [ 128 ] و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما ، و ستعقبون منّي جثّة خلاء ساكنة بعد حركة ، و كاظمة بعد نطق ليعظكم هدوّى ، و خفوت أطرافي ، و سكون أطرافي ، فانّه أوعظ لكم من النّاطق البليغ ، ودّعتكم وداع مرصد التّلاقي ، غدا ترون أيّامي ، و يكشف اللَّه عزّ و جلّ عن سرائرى ، و تعرفوني بعد خلوّ مكاني ، و قيامي غير مقامي ، أنا إن أبق فأنا وليّ دمى ، و إن أفن فالفناء ميعادى ، العفو لي قربة و لكم حسنة فاعفوا و اصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللَّه لكم ، فيالها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة أو تؤدّيه امامه على شقوة ، جعلنا اللَّه . و إيّاكم ممّن لا يقصر به عن طاعة اللَّه رغبة أو يحلّ به بعد الموت نقمة ، فانّما نحن له و به . ثمّ أقبل على الحسن عليه السّلام فقال : يا بنيّ ضربة مكان ضربة و لا تأثم . بيان قال في مرآت العقول « حفّ به » أي أحاط و « العوّاد » جمع عائدوهم الزّائرون للمريض و « الوسادة » ما يتّكاء عليه في المجلس ، و ثنيّها إمّا للجلوس عليها ليرتفع و يظهر للسّامعين ، أو للاتّكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا . و قوله « الحمد للَّه قدره » أي حمدا يكون حسب قدره و كما هو أهله قائم مقام المفعول المطلق « متّبعين أمره » حال من فاعل الحمد ، لأنّه في قوّة أحمده « كما أحبّ » أي حمدا يكون محبوبه و موافقا لرضاه « كما انتسب » أي نسب نفسه إليه في سورة التوحيد و لذا تسمّى نسبة الرّب و « الأجل » منتهى العمرو هو مبتداء و « مساق النّفس » مبتداء ثان و « إليه » خبره و الجملة خبر المبتداء الأوّل . « و محمّدا » منصوب بالاغراء بتقدير الزموا و « الفاء » للتفريع و « ذرى رياح » أي ماذرته و جمعته شبّه ما فيه الانسان في الدّنيا من الأمتعة و الأموال بماذرته الرّياح في عدم ثباتها و قلّة الانتفاع ، فانّها تجمعها ساعة و تفرقها اخرى ، أو المراد [ 129 ] محال ذروها و « كاظمة بعد نطق » قال الفيروزآبادي : كظم غيظه ردّة و حبسه و الباب أغلقه . « ودّعتكم » على صيغة المتكلّم من باب التفعيل و « يكشف اللَّه عن سرائرى » لأنّ بالموت ينكشف بعض ما يسرّه الانسان من النّاس من حسناته المتعدّية إليهم « إن أبق فأنا وليّ دمى » صدق الشرطيّة لا يستلزم وقوع المقدّم ، و قد مرّ الكلام فيه فلا ينافي ما مرّ من قوله : و غدا مفارقكم « فالفناء ميعادى » كما قال جلّ ثناؤه « كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ » . « العفو لي قربة و لكم حسنة » يحتمل أن يكون استحلالا من القوم كما هو الشّايع عند الموادعة أي عفوكم عنّى سبب مزيد قربى و حسناتكم ، أو عفوى لكم قربة و عفوى عنكم حسنة ، فيكون طلب العفو على سبيل التّواضع و من غير أن يكون منه إليهم جناية ، و في أكثر النّسخ و إن أعف فالعفو لي قربة ، أي إن أعف عن قاتلى ، فقوله : و لكم حسنة ، لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التّشفّى منه و تصبرون على عفوى بعد القدرة على الانتقام . « فاعفوا و اصفحوا » عنّي على الوجه الأوّل أو عن غير قاتلى ممّن له شركة في هذا الأمر ، أو عن جرايم اخوانكم و زلاّتهم و ظلمهم عليكم أو إذا جى‏ء عليكم بمثل هذه الجناية لئلا يناقض قوله عليه السّلام : ضربة مكان ضربة ، مع أنّه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفوا فضربة لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد الترجمة از جمله كلام آن امام است پيش از مرك خود ميفرمايد : أي مردمان هر مردى از شما ملاقات كننده است در گريختن خود بآنچه كه ميگريزد از آن ، و مدت عمر محل جريان نفس است بنهايت آن ، و گريختن از مرگ رسيدنست بآن ، بساگردانيدم روزگار را رانده شده از خود در حالتى كه نيك تفحّص ميكردم از پوشيده اين كار پس امتناع فرمود حقتعالى مگر پنهان كردن آن را ، چه دور [ 130 ] است مطّلع شدن بآن ، اين علم علميست پوشيده شده . و أمّا وصيّت من بشما پس اينست كه پروردگار عالميان را شريك قرار ندهيد و محمّد بن عبد اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ضايع نگردانيد سنّت و شريعت او را ، بر پا داريد اين دو ستون اسلام را ، و بر افروزيد اين دو چراغ هدايت را و خالى باشد از شما مذمّت مادامى كه رم ننمائيد از توحيد پروردگار و شريعت سيّد مختار . برداشت هر مردى از شما تكليفي كه بأندازه وسع و طاقت او است ، و تخفيف داده شد بار تكليف از جاهلان و ضعيفان ، خداى شما خدائيست مهربان ، و دين شما دينى است راست ، و امام شما امامى است عالم و آگاه ، من ديروز مصاحب شما بودم ، و امروز كه با اين حالت ضعف افتاده‏ام عبرتم از براى شما ، و فردا مفارقت كننده‏ام از شما بيامرزد خداى تعالى مرا و شما را ، اگر ثابت بشود قدم من در اين دنيا كه محلّ لغزش است پس اينست مقصود شما ، و اگر بلغزد قدم پس بدرستي كه ما بوديم در سايهاى شاخهاى درخت و محلّ وزيدن بادها و در زير سايه أبرها كه نيست شد و نابود گشت و در هوا جمع شده آن ابرها و مندرس شد در زمين اثر آنها . و جز اين نيست كه بودم من همسايه كه همسايگى نمود با شما بدن من چند روزى و زود باشد كه بيابيد بعد از من بدنى كه خالى باشد از روح ، چنان بدنى كه ساكن باشد بعد از حركت ، و خاموش باشد بعد از گفتار ، تا وعظ نمايد بشما سكون من و چشم در پيش افكندن من ، و ساكن شدن أطراف بدن من . پس بدرستى كه مرگ پند دهنده‏تر است از براى عبرت يابندگان از گفتار بليغ و فصيح ، و از قول مسموع صريح ، وداع كردن من شما را وداع مرديست كه مهيا شده از براى ملاقات پروردگار ، فردا مى‏بينيد روزهاى مرا ، و كشف ميشود شما را از سرّهاى من ، و بشناسيد عدالت و قدر مرا بعد از خالى بودن مكان من از من ، و ايستادن غير من بجاى من با امارت و خلافت و بى‏مبالاتي او در دين .