جستجو

و من خطبة له ع بعد ليلة الهرير و قد قام إليه رجل من أصحابه فقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد فصفق ع إحدى يديه على الأخرى ثم قال

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 129 ] و من كلام له عليه السّلام و هو المأة و العشرون من المختار في باب الخطب و قد قام اليه رجل من أصحابه فقال نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها فما ندرى أىّ الامرين أرشد ، فصفق ( ع ) احدى يديه على الاخرى ثمّ قال هذا جزاء من ترك العقدة ، أما و اللَّه لو أنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الّذي يجعل اللَّه فيه خيرا فإن استقمتم هديتكم ، و إن اعوججتم قوّمتكم ، و إن أبيتم تداركتكم ، لكانت الوثقى و لكن بمن و إلى من ؟ أريد أن أداوي بكم و أنتم دائي كناقش الشّوكة بالشّوكة و هو يعلم أنّ ضلعها معها ، أللّهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الدّاء الدّويّ ، و كلّت النّزعة بأشطان الرّكيّ ، أين القوم الّذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه ، و قرؤ القرآن فأحكموه ، و هيجوا إلى الجهاد فولهوا و له اللّقاح إلى أولادها ، و سلبوا السّيوف أغمادها ، و أخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا ، و صفّا صفّا ، بعض هلك ، و بعض نجى ، لا يبشّرون بالأحياء ، و لا يعزّون عن الموتى ، مره العيون من البكاء ، خمص البطون من الصّيام ، ذبل الشّفاه من الدّعاء ، صفر الألوان من السّهر ، على وجوههم « عليهم خ » غبرة الخاشعين ، أولئك إخواني الذّاهبون ، فحقّ لنا أن [ 130 ] نظماء إليهم ، و نعض الأيدي على فراقهم ، إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه ، و يريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة ، و يعطيكم بالجماعة الفرقة « و بالفرقة الفتنة خ » ، فاصدفوا عن نزعاته و نفثاته ، و اقبلوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم ، و اعقلوها على أنفسكم . اللغة ( العقدة ) بالضمّ الرأى و الحزم و النظر في المصالح و ما تمسكه و توثقه و ( نقش الشوكة ) إذا استخرجها من جسمه و به سميّ المنقاش الذى ينقش به و ( الضلع ) محرّكة الميل و الهوى و ضلعك مع فلان أى ميلك و هواك قال الفيروزآبادي ، قيل و القياس تحريكه ، لأنهم يقولون ضلع مع فلان كفرح و لكنهم خفّفوا انتهى . و يستفاد منه جواز القرائة بفتح اللاّم و سكونها معا ، الأوّل على القياس لكونه مصدر ضلع من باب فرح ، و الثاني على التخفيف . و ( الدّاء الدوى ) الشديد كقولهم يسيل السّيل و شعر شاعر و ( النزعة ) جمع نازع كمردة و مارد و هو الذي يستقى الماء و ( الأشطان ) جمع الشّطن كالأسباب و السّبب و هو الجهل و ( الرّكى ) جمع الرّكية و هى البئر و في بعض النسخ : فولهوا اللّقاح ، باسقاط لفظة الوله و ( اللّقاح ) بكسر اللاّم الابل الواحدة لقوح كصبور و هي الحلوب أو التي نتجت هى لقوح إلى شهرين أو ثلاثة ، ثمّ هي لبون و ( زحف ) اليه كمنع زحفا و زحوفا و زحفانا مشى ، و الزحف أيضا الجيش لأنّهم يزحفون إلى العدوّ و يمشون و ( الصّف ) مصدر كالتصفيف و يقال أيضا للقوم المصطفين . و ( المره ) بضمّ الميم و سكون الراء مرض في العين بترك الكحل من مرهت عينه كفرحت فسدت بترك الكحل و ( خمص البطن ) مثلّثة خلاه ( ذبل ) الشي‏ء ذبولا من باب قعد قلّ نضارته و ذهب ماؤه و ( الظماء ) محرّكة شدّة العطش و ( سنّاه ) تسنية فتحه و سهله و ( الفرقة ) و في بعض النسخ بكسر الفاء و هو الطائفة [ 131 ] من الناس و الجمع فرق كسدرة و سدر و في بعضها بالضّم و هو اسم من فارقته مفارقته و فراقا . الاعراب أما حرف استفتاح يبتدء بها الكلام و تدخل كثيرا على القسم كما هنا ، و قوله و اللَّه لو أنّى ، لو حرف شرط ، و أنّي حملتكم ، واقع موقع الشرط لكون أنّ بالفتح فاعلا لفعل محذوف يفسّره قوله : حملتكم ، و هذا أعنى تقدير الفعل بعد لو التي يليها أنّ هو مذهب المبرّد ، و قال السيرافي : الذي عندي أنّه لا يحتاج إلى تقدير الفعل و لكن انّ يقع نائبة عن الفعل الذي يجب وقوعه بعدلو لأنّ خبر انّ إذا فعل ينوب لفظه عن الفعل بعدلو ، فاذا قلت لو أنّ زيدا جائني ، فكأنّك قلت لو جائني زيد . و قوله : حين أمرتكم ، متعلّق بحملتكم و التّقدّم للتوسّع ، و جواب لو محذوف استغناء عنه بجواب القسم و هو قوله : لكانت الوثقى ، و انما جعلناه جوابا للقسم دون لو بحكم علماء الأدبية ، قال نجم الأئمة : إذا تقدّم القسم أوّل الكلام و بعده كلمة الشرط سواء كانت إن ، أو لو ، أو لو لا ، أو اسم الشرط ، فالأكثر و الأولى اعتبار القسم دون الشرط فيجعل الجواب للقسم ، و يستغنى عن جواب الشرط لقيام جواب القسم مقامه ، نحو : « وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ » . و تقول : و اللَّه أن لو جئتنى لجئتك ، و اللاّم جواب القسم لا جواب لو و لو كانت جواب لو لجاز حذفها و لا يجوز في مثله ، و كذا تقول : و اللَّه لو جئتنى ما جئتك ، و لا تقول لما جئتك ، و لو كان الجواب للو لجاز ذلك ، انتهى . و قوله عليه السّلام : ممّن و إلى من ، حذف متعلّقهما بقرينة المقام و ستعرفه في بيان المعنى ، و قوله أين القوم أين كلمة استفهام استعملت هنا مجازا في التحسّر و التأسّف على السّلف الماضين ، و هو من باب تجاهل العارف ، و أغمادها منصوب بنزع الخافض أو بدل من السيوف ، و أخذوا بأطراف الأرض ، إمّا من باب القلب أى أخذوا الأرض بأطرافها كما تقول : أخذوا بزمام النّاقة ، أو الباء زائدة ، أى أخذوا على النّاس [ 132 ] أطراف الأرض أى حصروهم . و زحفا زحفا و صفا صفا ، منصوبان على الحال من فاعل أخذوا ، أى زحفا بعد زحف و صفا بعد صف ، أى ذوى صفوف كثيرة و لا يمنع جمودهما إمّا لعدم اشتراط الاشتقاق في الحال ، أو لامكان التأويل المشتق بناء على الاشتراط ، و يجوز انتصابهما على المصدر ، أى يزحفون زحفا و يصطفون صفا . و التنوين في قوله : بعض هلك و بعض نجا ، للتعويض ، أى بعضهم هلك و بعضهم نجا ، و كذلك اللاّم في قوله : لا يبشّرون بالأحياء و لا يعزّون بالموتى ، و جملة اولئك اخوانى الذّاهبون ، استينافية بيانية ، و الباء في قوله : و يعطيكم بالجماعة الفرقة للمقابلة و العوض . المعنى اعلم أنّ صدر هذا الكلام الشّريف مسوق لدفع شبهة الخوارج ، و عقّبه بالتضجّر و الاشتكاء منهم و بالتأسّف على السّلف الصالحين من رؤساء الدّين ، و ختمه بالموعظة و النّصح لهم ، و ينبغي أن نذكر أولا شبهة الخوارج ، ثمّ نتبعها بما يدفعها . فأقول : قد تقدّم في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين عند ذكر كيفية التحكيم بدء أمر الخوارج ، و عرفت هناك أنّ أول خروجهم كان بصفّين بعد عقد الصّلح ، و ذلك أنّ أهل الشّام لما رأوا عقيب ليلة الهرير أنّ أمارات الفتح و الظفر و علامات القهر و الغلبة قد ظهرت و لاحت لأهل العراق ، فعدلوا عند ذلك عن القراع إلى الخداع ، و بدّلوا القتال بالاحتيال ، و رفعوا المصاحف على الرّماح بخديعة ابن النابغة ، و نادوا اللَّه اللَّه يا معشر العرب في البنات و الأبناء ، و الذّراري و النساء ، هذا كتاب اللَّه بينكم و بيننا ، فلما رأى ذلك أهل العراق و سمعوه ، رفعوا أيديهم عن السيوف ، و تركوا الجهاد ، و أصرّوا على التحكيم ، و كلّما منعهم أمير المؤمنين عليه السّلام و نهاهم عن ذلك و حثّهم على الجهاد ، لم يزددهم منعه إلاّ تقاعدا و تخاذلا ، و لما رأى تخاذلهم و قعودهم عن الحرب و اصرارهم على الصلح و المحاكمة و قولهم له : يا على أجب القوم إلى [ 133 ] كتاب اللَّه و إلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، أجابهم إليه كرها لا رغبة ، و جبرا لا اختيارا . ثمّ لما كتب صحيفة الصلح على ما تقدّم تفصيلها ، و قرءها أشعث بن قيس على صفوف أهل العراق ، فنادى القوم لا حكم إلاّ اللَّه لا لك يا علي و لا لمعاوية ، و قد كنا زللنا و أخطأنا حين رضينا بالحكمين ، قد بان لنا خطائنا فرجعنا إلى اللَّه و تبنا فارجع أنت و تب إلى اللَّه كما تبنا ، فقال عليّ عليه السّلام و يحكم أبعد الرّضا و الميثاق و العهد نرجع ؟ أ ليس اللَّه قد قال : أوفوا بالعقود ، فأبى عليّ عليه السّلام أن يرجع ، و أبت الخوارج إلاّ تضليل الحكم و الطعن فيه . فمن ذلك نشأت الشبهة لهم ، و اعترضوا عليه عليه السّلام و قال له عليه السّلام بعضهم : ( نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها فما ندرى أىّ الأمرين أرشد ) محصّله أنه انكانت في الحكومة مصلحة فما معنى النهى عنها أوّلا ، و إن لم تكن فيها مصلحة فما معنى الأمر بها ثانيا ، فلا بدّ من أن يكون أحد الأمرين خطاء . و لما كان هذا الاعتراض غير وارد عليه عليه السّلام ، و كان الخطاء منهم لا منه ، تغيّر عليه السّلام ( فصفق احدى يديه على الاخرى ) فعل المتغيّر المغضب ، ( ثمّ قال هذا جزاء من ترك العقدة ) يجوز أن يكون المشار إليه بهذا الجهل و الحيرة التي يدلّ عليها قولهم فما ندرى أىّ الأمرين أرشد ، فيكون ترك العقدة منهم لا منه عليه السّلام ، و المعنى أنّ هذا التحيّر جزائكم حيث تركتم العقده و الرأى الأصوب المقتضي للثبات على الحرب و البقاء على القتال ، و أصررتم علي اجابة أصحاب معاوية إلى المحاكمة ، فوقعتم في التّيه و الضلال ، و يجوز ابقائه على ظاهره و هو الألصق بقوله بعد ذلك : لو حملتكم على المكروه لكانت الوثقى ، فالمراد أنّ هذا جزائي حين تركت العقدة ، أى هذا الاعتراض مما يترتب على ترك العقدة . فان قلت : فعلى هذا يتّجه اعتراضهم عليه حيث ترك العقدة . قلت : لا ، لأنّ تركه لها كان اضطرارا لا اختيارا ، و لا عن فساد رأى كما يدلّ عليه صريح قوله في الخطبة الخامسة و الثلاثين : و قد كنت أمرتكم في هذه [ 134 ] الحكومة أمرى و نخلت لكم مخزون رأيى لو كان يطاع لقصير أمر ، فأبيتم علىّ إباء المخالفين الجفاة و المنابذين العصاة اه ، و قوله عليه السّلام هنا : و لكن بمن و إلى من ، و من المعلوم أنّ ترك الأصلح إذا لم يمكن العمل بالأصلح مما لا فساد فيه ، و لا ريب في عدم امكان حربه عليه السّلام بعد رفعهم المصاحف و افتراق أصحابه و نفاق جيشه على ما سمعت و الحاصل أنّ الاعتراض إنما كان يرد عليه لو كان تركه العقدة طوعا و اختيارا لا جبرا و اضطرارا ، فظهر من ذلك كلّه أنّ المصلحة الكامنة كانت في النهى عن الحكومة و لما نهاهم عنها فلم ينتهوا و أصرّوا على المخالفة أجابهم اليها ، خوفا من شقّ عصا الجماعة ، و حقنا لدمه ، فكانت المصلحة بعد المخالفة و الاصرار و ظهور النفاق و الافتراق في الاجابة إليها . و إلى هذا يشير بقوله ( أما و اللَّه لو أنّى حين ) ما ( أمرتكم بما أمرتكم به ) من المصالحة و التحكيم اجابة لكم و قبولا لمسألتكم مع إصراركم فيها اغترارا منكم بمكيدة ابن النّابغة ، و افتتانا بخديعته ، تركت الالتفات إليكم و لم اجب إلى مأمولكم ( حملتكم ) أى ألزمتكم ( على المكروه الذي ) هو الثبات على الحرب و الجدّ في الجهاد حيث كرهته طباعهم و تنفروا عنها بطول المدّة بهم و أكل الحرب أهلها و هو الذي ( يجعل اللَّه فيه خيرا كثيرا ) و هو الظفر و سلامة العاقبة كما نطق به الكتاب العزيز حيث قال : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » . ثمّ لما كان الوجوه المتصوّرة من أحوالهم حين حملهم على المكروه و فرض أمرهم بالجهاد ثلاثة أشار إليها و أردف كلّ وجه بما يترتّب عليه و هو قوله ، ( فان استقمتم ) و أطعتم أمرى ( هديتكم ) إلى وجوه مصالح الحرب و طرق [ 135 ] الظفر و الغلبة ( و إن اعوججتم ) أى رفع منكم بعض الاستواء ، و يسير من العصيان بقلّة الجدّ و فتور العزم و الهمة ( قوّمتكم ) بالتأديب و الارشاد و التحريص و التشجيع و النّصح و الموعظة ( و إن أبيتم ) و عصيتم ( تداركتكم ) إمّا بالاستنجاد بغيركم من أهل خراسان و الحجاز و غيرهم من القبايل ممّن كان من شيعته ، أو ببعضكم على بعض ، و إمّا بما يراه في ذلك الوقت من المصلحة التي تحكم بها الحال الحاضرة ( لكانت ) العقدة ( الوثقى ) و الخصلة المحكمة ( و لكن بمن ) كنت استعين و أنتصر ( و إلى من ) كنت أركن و أعتمد . و بذلك يعلم أنه لو حملهم على المكروه كان منهم الاباء و الامتناع ، و التمرّد و العصيان ، و هو ثالث الوجوه المتصوّرة من حالهم و إنه حينئذ لا يمكن له تداركهم لأنّ الاستنجاد من أهل البلاد النائية من الشّيعة لم يكن فيه ثمرة ، لأنهم إلى أن يصلوا إليه كانت الحرب قد وضعت أوزارها ، و كان العدوّ قد بلغ غرضه . و الاستنجاد ببعضهم على بعض كان من قبيل ناقش الشوكة بالشوكة كما يشير إليه قوله ( اريد أن اداوى بكم و أنتم دائى ) استعار لفظ الداء و الدواء لفساد الامور و صلاحها ، أى اريد أن اصلح بكم الامور و اعالجها ، و أنتم المفسدون لها ( كناقش الشوكة بالشوكة و هو يعلم أنّ ضلعها ) و هواها ( معها ) و هو مثل يضرب لمن يستعان به على خصم و كان ميله و هواه مع الخصم و أصله أنّ الشوكة : إذا نشبت في عضو من أعضائك من يدك أو رجلك أو غيرهما ، فانها لا يمكن استخراجها بشوكة اخرى مثلها ، فانّ الاولى كما انكسرت في عضوك و بقيت في لحمك فكذلك الثانية تنكسر ، لأنّ ميلها معها ، و المقصود أنّ طباع بعضكم يشبه طباع بعض و يميل إليها كما يميل الشوكة إلى مثلها . ثمّ اشتكى إلى اللَّه سبحانه و قال ( اللّهم قد ملت أطباء هذا الدّاء الدّوى ) الشديد أراد به داء الجهالة التي كانت في أصحابه و ما هم عليه من مخالفته و عصيانه ، و مرض الحيرة و الغفلة عن ادراك وجوه المصلحة ، و استعار لفظ الأطباء لنفسه و أعوانه ، أوله و لساير من دعا الى اللَّه سبحانه من الأنبياء و الرسل و الأوصياء و الخلفاء ، فانّهم الأطباء [ 136 ] الالهيّون معالجون لأسقام القلوب و أمراض الجهالات و الذنوب ، و قد مضى توضيح ذلك في شرح الفصل الأول من الخطبة المأة و الثامنة . ( وكلّت النزعة بأشطان الرّكيّ ) أى أعيت المستقين من الآبار بالأشطان و الحبال ، و هو من قبيل الاستعارة المرشحة حيث شبّه نفسه بالنازع من البئر فاستعار له لفظه ، ثمّ قرن الاستعارة بما يلايم المستعار منه أعني الأشطان و الرّكيّ ، و الجامع أنّ من يستقى من البئر العميقة لاحياء الموات الوسيعة كما يكلّ و يعجز عن الاستقاء و يقلّ تأثير استقائه فيها ، فكذلك هو عليه السّلام استخرج من علومه الغزيرة لاحياء القلوب الميتة و قلّ تأثير موعظته فيها و عجز عن احيائها ، و قد مرّ في شرح الفصل الأوّل من فصول الخطبة الثالثة تشبيه علومهم عليهم السّلام بالماء و تأويل البئر المعطلة و القصر المشيد بهم ، فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى و البئر علمهم الذى لا ينزف . ثمّ تأسّف على السّلف الماضين من رؤساء الدّين كحمزة و جعفر و سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و نظرائهم و تحسّر على فقدهم فقال ( أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه ) بأحسن القبول ( و قرؤا القرآن فأحكموه ) أى جعلوه محكما و أذعنوا بكونه من اللَّه و أنّ المورد له رسول اللَّه ، و تدبّروا في معانيه و عملوا بمضامينه و أخذوا تأويله و تنزيله ممّن نزل في بيته . ( و هيجوا إلى الجهاد فولهوا و له اللّقاح إلى أولادها ) أى اشتاقوا إلى الجهاد اشتياق النّاقة المرضعة إلى أولادها ، و على النسخة الثّانية التضمّنة لسقط لفظ الوله فالمعنى أنهم جعلوا اللّقاح و الهة إلى أولادها لركوبهم اياها عند خروجهم إلى الجهاد ( و سلبوا السّيوف ) من ( أغمادها ) و جفونها أو سلبوا أغماد السّيوف منها ( و أخذوا بأطراف الأرض ) أى أخذوا الأرض بأطرافها و تسلّطوا عليها ، أو أخذوا على النّاس أطرافها و حصروهم و ضيّقوا عليهم ( زحفا زحفا و صفّا صفّا ) يعنى حالكونهم جيشا بعد جيش و صفّا بعد صفّ ( بعض هلك و بعض نجا ) كما أخبر اللَّه تعالى عنهم بقوله : فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا . ثمّ أشار إلى انقطاع علائقهم من الدّنيا بقوله ( لا يبشّرون بالأحياء و لا يعزّون [ 137 ] عن الموتى ) يعني إذا ولد لهم ولد فهم لا يبشّرون به و إذا مات منهم أحد فهم لا يعزّون عنه ، أو أنهم لشدّة ولههم إلى الجهاد لا يفرحون ببقاء حيّهم حتّى يبشّروا به ، و لا يحزنون لقتل قتيلهم حتّى يعزّوا عنه ، و هذا هو الأظهر سيما على ما في بعض النسخ من لفظ القتلى بدل الموتى . ثمّ أشار إلى مراتب زهدهم و خوفهم و خشيتهم من اللَّه تعالى فقال ( مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاة من الدّعاء صفر الألوان من السّهر ) أراد أنهم من شدّة بكائهم من خوف اللَّه سبحانه صارت عيونهم فاسدة ، و من كثرة صيامهم ابتغاء لمرضاة اللَّه صارت بطونهم ضامرة ، و من المواظبة على الدّعاء ظلّت شفاههم قليلة النداوة و النظارة ، و من المراقبة على التهجد و القيام باتت ألوانهم متغيّرة مصفرّة . ( عليهم غبرة الخاشعين ) و سيماء الخائفين ( اولئك اخوانى الذاهبون فحقّ لنا ) و خليق بنا ( أن نظماء ) و نشتاق ( إليهم ) أسفا عليهم ( و نعضّ الأيدى على فراقهم ) حسرة على فقدانهم قال الشّارح المعتزلي بعد أن ذكر أنّ المشار إليه باولئك من كان في بدء الاسلام و خموله و ضعفه أرباب زهد و عبادة و شجاعة كمصعب بن عمير و سعد بن معاذ و جعفر ابن أبيطالب و عبد اللَّه بن رواحة و كعمّار و أبي ذر و المقداد و سلمان و خباب و جماعة من أصحاب الصفة ما هذا لفظه : و قد جاء في الأخبار الصحيحة أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قال إنّ الجنّة لتشتاق إلى أربعة : عليّ ، و عمّار ، و إبى ذر ، و المقداد ، و جاء في الأخبار الصّحيحة أيضا أنّ جماعة من أصحاب الصفّة مرّ بهم أبو سفيان بن حرب بعد الاسلام فعضّوا أيديهم عليه و قالوا وا أسفاه كيف لم تأخذ السيوف مأخذها من عنق عدوّ اللَّه ، و كان معه أبو بكر فقال لهم : أتقولون هذا لسيّد البطحاء ؟ فرفع قوله إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم فأنكره و قال صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لأبي بكر انظر لا تكون أغضبتهم فتكون قد أغضبت ربك ، فجاء أبو بكر [ 138 ] إليهم و ترضاهم سألهم أن تستغفروا له ، فقالوا : غفر اللَّه لك . أقول : إذا كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم قد أنكر ما صدر من أبي بكر في حقّ أهل الصّفة مع أنه لم يكن بشي‏ء يعبأ به فكيف لا ينكر ما صدر عنه في حقّ أمير المؤمنين من غصبه عليه الخلافة مع أنّ نسبة أهل الصفة إليه ليست إلاّ نسبة الرّعية إلى السّيد و العبد إلى المولى ، و إذا كان غضبهم موجبا لغضب الرّب فكيف لا يوجب غضبه عليه السّلام غضبه سبحانه ؟ و قد قال تعالى : من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ثمّ أقول : انظر إلى تزوير هذا اللّعين كيف ترضى أهل الصفّة فيما قال مع أنه لو كان ذنبا فلم يكن إلاّ من صغاير الذّنوب و هينات السيئآت و لم يطلب الرّضا من عليّ المرتضي فيما فعل في حقه من الظلم و الخطاء مع كونه من عظائم الجرائر و موبقات الكبائر ، و لم يسأل الاستغفار من فاطمة الزّهراء عليها السّلام بنت خاتم الأنبياء مع ما فعل في حقّها من الظلم و الأذى ، حيث غصب منها فدك و ألجأها إلى الخروج من قعر بيتها إلى الملاء ، و ألبسها ثوب الصّغار و الصماء مع أنّ هذا كان أولى بسؤال الاستغفار فأولى . ثمّ العجب من الشارح مع روايته لهذه الأحاديث الفاضحة و حكمه بصحّتها كيف يركن إلى أبي بكر و يتّخذه وليّا ؟ بلى من لم يجعل اللَّه له نورا فما له من نور . ثمّ نبّههم عليه السّلام على مكائد الشيطان و تدليساته و على أنّ غرض هذا اللّعين أن يصدفهم عن منهج الرشاد و السداد إلى وادى التيه و الفساد فقال ( إنّ الشّيطان يسنى لكم طرقه ) أى يفتحها و يسهلها ( و يريد أن يحلّ دينكم ) الذي عقدتم و أحكمتموه في صدوركم ( عقدة ) بعد ( عقدة و يعطيكم بالجماعة الفرقة ) أى يبدّل اجتماعكم بالافتراق و اتّفاقكم بالنفاق . و غرضه من ذلك كما علمت أن يحيدهم عن جادّة الهداية إلى طريق الضلالة فيوقع بينهم الفتنة و العداوة كما قال في بعض النسخ ( و بالفرقة الفتنة فاصدفوا ) أى اعرضوا ( عن نزعاته ) و فساداته التي يفسد بها القلوب ( و نفثاته ) أى وساوسه التي [ 139 ] ينفث بها في الصدور ( و اقبلوا النصيحة ممّن أهداها إليكم ) أراد به نفسه عليه السّلام ( و اعقلوها على أنفسكم ) أى اربطوها عليها و شدّوها بها كما يعقل البعير الشموس بالعقال ، و يشدّ الفرس الجموع بالوثاق تكملة هذا الكلام مروىّ في الاحتجاج إلى قوله بأشطان الركيّ ، قال : احتجاجه عليه السّلام على الخوارج لما حملوه على التحكيم ثمّ أنكروا عليه ذلك و نقموا عليه أشياء غير ذلك ، فأجابهم عليه السّلام عن ذلك بالحجة و بيّن لهم أنّ الخطاء من قبلهم بدأ و إليهم يعود ، روى أنّ رجلا من أصحابه قام إليه فقال : نهيتنا عن الحكومة إلى آخر ما رواه كما في الكتاب إلاّ أنّ فيه بدل : يجعل اللَّه خيرا ، جعل اللَّه خيرا . الترجمة از جمله كلام آن پيشواى عالميانست در آنحال كه برخاست بسوى او مردى از أصحاب او ، پس گفت نهى كردى ما را از حكومت حكمين پس از آن أمر كردى ما را بآن ، پس نميدانيم ما كه كدام يك از اين دو كار بهتر است ، پس برهم زد آنحضرت يكى از دو دست خود را بر دست ديگر ، پس از آن فرمود : اينست جزاى كسيكه ترك كرده است رأى محكم و تدبير متقن را ، آگاه باشيد بخدا سوگند اگر من در وقتيكه أمر كردم شما را بآنچه أمر كردم شما را بآن حمل مينمودم بر چيزيكه مكروه طبع شما بود كه عبارت باشد از ثبات بر جهاد آنچنان مكروهى كه ميگردانيد خداوند متعال در آن خير و منفعتي را ، پس اگر مستقيم ميشديد هدايت ميكردم شما را ، و اگر كجى مينموديد راست ميساختم شما را و اگر امتناع ميكرديد تدارك امتناع شما را مينمودم هر آينه شده بود كار محكم و خصلت استوار ، و ليكن با كه معاونت ميجستم و انتقام ميكشيدم ، و بكه اعتماد ميكردم و خاطر جمع ميشدم ، ميخواهم مداوا كنم و معالجه نمايم با شما و حال آنكه شما درد من هستيد همچو كسيكه بخواهد بيرون آورد خار را با خار ديگر و حال آنكه ميداند كه ميل خار بخار است [ 140 ] بار پروردگارا بتحقيق ملال آورد طبيبهاى اين درد سخت ، و عاجز شد كشندگان آب بريسمانهاى چاه ، كجايند گروهى كه دعوت شدند باسلام پس قبول كردند او را ، و خواندند قرآنرا پس محكم نمودند آنرا ، و برانگيخته شدند بسوى جهاد پس شوقمند شدند بآن مثل اشتياق شتران شيرده بسوى اولاد خود ، و كشيدند شمشيرها را از غلافهاى آنها ، و گرفتند أطراف زمين را بر مردمان دسته بدسته و صف بصف ، بعضى از ايشان هلاك شدند ، و بعضى نجات يافتند در حالتى كه بشارت داده نميشدند بر زندگان ، و تعزية كرده نميشدند بر مردگان ايشان تباه چشمان بودند از شدّت گريه ، و لاغر شكمان بودند از كثرت روزه خشك لبان بودند از بسيارى دعا و زارى ، زرد رنگان بودند از زيادتي تهجّد و بيدارى بر روى ايشانست غبارهاى خشوع كنندگان ، ايشان برادران روندگان منند ، پس سزاوار است كه مشتاق شويم بسوى وصال ايشان ، و بگزيم انگشتان خود را بر حسرت و فراق ايشان ، بدرستيكه شيطان ملعون سهل و آسان ميگرداند براى شما راههاى خود را ، و ميخواهد كه بگشايد دين شما را گره گره ، و بدهد شما را بعوض جمعيت جدائى را ، و بواسطه جدائى فتنه و فساد را ، پس اعراض نمائيد از فسادهاى او و از وسوسهاى او ، و قبول نمائيد نصيحت را از كسيكه هديه كرد آن نصيحت را بسوى شما و به بنديد آن نصيحت را بنفسهاى خود .