جستجو

و من خطبة له ع في بيان قدرة

متن ترجمه آیتی ترجمه شهیدی ترجمه معادیخواه تفسیر منهاج البرائه خویی تفسیر ابن ابی الحدید تفسیر ابن میثم

[ 194 ] 108 و من خطبة له ع كُلُّ شَيْ‏ءٍ خَاشِعٌ لَهُ وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ قَائِمٌ بِهِ غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ وَ عِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ وَ قُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ وَ مَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ وَ مَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ وَ مَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ وَ مَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ لَمْ تَرَكَ اَلْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ بَلْ كُنْتَ قَبْلَ اَلْوَاصِفِينَ مِنْ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقِ اَلْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ وَ لاَ اِسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَةٍ وَ لاَ يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ وَ لاَ يُفْلِتُكَ مَنْ أَخَذْتَ وَ لاَ يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ وَ لاَ يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ وَ لاَ يَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ وَ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِكَ كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلاَنِيَةٌ وَ كُلُّ غَيْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ أَنْتَ اَلْأَبَدُ فَلاَ أَمَدَ لَكَ وَ أَنْتَ اَلْمُنْتَهَى فَلاَ مَحِيصَ عَنْكَ وَ أَنْتَ اَلْمَوْعِدُ فَلاَ مُنْجِيَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ وَ إِلَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ نَسَمَةٍ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَ مَا أَصْغَرَ كُلِّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ وَ مَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ وَ مَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ وَ مَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي اَلدُّنْيَا وَ مَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ اَلآْخِرَةِ [ 195 ] قال كل شي‏ء خاضع لعظمة الله سبحانه و كل شي‏ء قائم به و هذه هي صفته الخاصة أعني كونه غنيا عن كل شي‏ء و لا شي‏ء من الأشياء يغني عنه أصلا . ثم قال غنى كل فقير و عز كل ذليل و قوة كل ضعيف و مفزع كل ملهوف . جاء في الأثر من اعتز بغير الله ذل و من تكثر بغير الله قل و كان يقال ليس فقيرا من استغنى بالله و قال الحسن وا عجبا للوط نبي الله قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ أ تراه أراد ركنا أشد و أقوى من الله . و استدل العلماء على ثبوت الصانع سبحانه بما دل عليه فحوى قوله ع و مفزع كل ملهوف و ذلك أن النفوس ببدائها تفزع عند الشدائد و الخطوب الطارقة إلى الالتجاء إلى خالقها و بارئها أ لا ترى راكبي السفينة عند تلاطم الأمواج كيف يجأرون إليه سبحانه اضطرارا لا اختيارا فدل ذلك على أن العلم به مركوز في النفس قال سبحانه وَ إِذا مَسَّكُمُ اَلضُّرُّ فِي اَلْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ . ثم قال ع من تكلم سمع نطقه و من سكت علم سره يعني أنه يعلم ما ظهر و ما بطن . ثم قال و من عاش فعليه رزقه و من مات فإليه منقلبه أي هو مدبر الدنيا و الآخرة و الحاكم فيهما . ثم انتقل عن الغيبة إلى الخطاب فقال لم ترك العيون [ 196 ] فصل في الكلام على الالتفات و اعلم أن باب الانتقال من الغيبة إلى الخطاب و من الخطاب إلى الغيبة باب كبير من أبواب علم البيان و أكثر ما يقع ذلك إذا اشتدت عناية المتكلم بذلك المعنى المنتقل إليه كقوله سبحانه اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ فأخبر عن غائب ثم انتقل إلى خطاب الحاضر فقال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قالوا لأن منزلة الحمد دون منزلة العبادة فإنك تحمد نظيرك و لا تعبده فجعل الحمد للغائب و جعل العبادة لحاضر يخاطب بالكاف لأن كاف الخطاب أشد تصريحا به سبحانه من الأخبار بلفظ الغيبة قالوا و لما انتهى إلى آخر السورة قال صِراطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فأسند النعمة إلى مخاطب حاضر و قال في الغضب غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فأسنده إلى فاعل غير مسمى و لا معين و هو أحسن من أن يكون قال لم تغضب عليهم و في النعمة الذين أنعم عليهم . و من هذا الباب قوله تعالى وَ قالُوا اِتَّخَذَ اَلرَّحْمنُ وَلَداً فأخبر بقالوا عن غائبين ثم قال لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا فأتى بلفظ الخطاب استعظاما للأمر كالمنكر على قوم حاضرين عنده . و من الانتقال عن الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى هُوَ اَلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي اَلْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ . . . الآية . [ 197 ] و فائدة ذلك أنه صرف الكلام من خطاب الحاضرين إلى أخبار قوم آخرين بحالهم كأنه يعدد على أولئك ذنوبهم و يشرح لهؤلاء بغيهم و عنادهم الحق و يقبح عندهم ما فعلوه و يقول أ لا تعجبون من حالهم كيف دعونا فلما رحمناهم و استجبنا دعاءهم عادوا إلى بغيهم و هذه الفائدة لو كانت الآية كلها على صيغة خطاب الحاضر مفقودة . قال ع ما رأتك العيون فتخبر عنك كما يخبر الإنسان عما شاهده بل أنت أزلي قديم موجود قبل الواصفين لك . فإن قلت فأي منافاة بين هذين الأمرين أ ليس من الممكن أن يكون سبحانه قبل الواصفين له و مع ذلك يدرك بالأبصار إذا خلق خلقه ثم يصفونه رأي عين قلت بل هاهنا منافاة ظاهرة و ذلك لأنه إذا كان قديما لم يكن جسما و لا عرضا و ما ليس بجسم و لا عرض تستحيل رؤيته فيستحيل أن يخبر عنه على سبيل المشاهدة . ثم ذكر ع أنه لم يخلق الخلق لاستيحاشه و تفرده و لا استعملهم بالعبادة لنفعه و قد تقدم شرح هذا . ثم قال لا تطلب أحدا فيسبقك أي يفوتك و لا يفلتك من أخذته . فإن قلت أي فائدة في قوله و لا يفلتك من أخذته لأن عدم الإفلات هو الأخذ فكأنه قال لا يفلتك من لم يفلتك قلت المراد أن من أخذت لا يستطيع أن يفلت كما يستطيع المأخوذون مع ملوك الدنيا أن يفلتوا بحيلة من الحيل . فإن قلت أفلت فعل لازم فما باله عداه . قلت تقدير الكلام لا يفلت منك فحذف حرف الجر كما قالوا استجبتك أي استجبت لك قال [ 198 ] فلم يستجبه عند ذاك مجيب و قالوا استغفرت الله الذنوب أي من الذنوب و قال الشاعر أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه و العمل قوله ع و لا يرد أمرك من سخط قضاءك و لا يستغني عنك من تولى عن أمرك تحته سر عظيم و هو قول أصحابنا في جواب قول المجبرة لو وقع منا ما لا يريده لاقتضى ذلك نقصه إنه لا نقص في ذلك لأنه لا يريد الطاعات منا إرادة قهر و إلجاء و لو أرادها إرادة قهر لوقعت و غلبت إرادته إرادتنا و لكنه تعالى أراد منا أن نفعل نحن الطاعة اختيارا فلا يدل عدم وقوعها منا على نقصه و ضعفه كما لا يدل بالاتفاق بيننا و بينكم عدم وقوع ما أمر به على ضعفه و نقصه . ثم قال ع كل سر عندك علانية أي لا يختلف الحال عليه في الإحاطة بالجهر و السر لأنه عالم لذاته و نسبة ذاته إلى كل الأمور واحدة . ثم قال أنت الأبد فلا أمد لك هذا كلام علوي شريف لا يفهمه إلا الراسخون في العلم و فيه سمة من قول النبي ص لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله و في مناجاة الحكماء لمحة منه أيضا و هو قولهم أنت الأزل السرمد و أنت الأبد الذي لا ينفد بل قولهم أنت الأبد الذي لا ينفد هو قوله أنت الأبد فلا أمد لك بعينه و نحن نشرحه هاهنا على موضوع هذا الكتاب فإنه كتاب أدب لا كتاب نظر فنقول إن له في العربية محملين أحدهما أن المراد به أنت ذو الأبد كما قالوا رجل خال أي ذو خال و الخال الخيلاء و رجل داء أي به داء و رجل [ 199 ] مال أي ذو مال و المحمل الثاني أنه لما كان الأزل و الأبد لا ينفكان عن وجوده سبحانه جعله ع كأنه أحدهما بعينه كقولهم أنت الطلاق لما أراد المبالغة في البينونة جعلها كأنها الطلاق نفسه و مثله قول الشاعر فإن المندى رحلة فركوب و قال أبو الفتح في الدمشقيات استدل أبو علي على صرف منى للموضع المخصوص بأنه مصدر منى يمني قال فقلت له أ تستدل بهذا على أنه مذكر لأن المصدر إلى التذكير فقال نعم فقلت فما تنكر ألا يكون فيه دلالة عليه لأنه لا ينكر أن يكون مذكر سمي به البقعة المؤنثة فلا ينصرف كامرأة سميتها بحجر و جبل و شبع و معي فقال إنما ذهبت إلى ذلك لأنه جعل كأنه المصدر بعينه لكثرة ما يعاني فيه ذلك فقلت الآن نعم . و من هذا الباب قوله فإنما هي إقبال و إدبار و قوله و هن من الإخلاف قبلك و المطل و قوله فلا منجى منك إلا إليك قد أخذه الفرزدق فقال لمعاوية إليك فررت منك و من زياد و لم أحسب دمي لكما حلالا ثم استعظم و استهول خلقه الذي يراه و ملكوته الذي يشاهده و استصغر و استحقر [ 200 ] ذلك بالإضافة إلى قدرته تعالى و إلى ما غاب عنا من سلطانه ثم تعجب من سبوغ نعمه تعالى في الدنيا و استصغر ذلك بالنسبة إلى نعم الآخرة و هذا حق لأنه لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي : مِنْهَا مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ وَ أَخْوَفُهُمْ لَكَ وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ لَمْ يَسْكُنُوا اَلْأَصْلاَبَ وَ لَمْ يُضَمَّنُوا اَلْأَرْحَامَ وَ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وَ لَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ رَيْبُ اَلْمَنُونِ وَ إِنَّهُمْ عَلَى مَكَانِهِمْ مِنْكَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ وَ اِسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِيكَ وَ كَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَايَنُوا كُنْهَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَ لَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً بِحُسْنِ بَلاَئِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً وَ جَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً مَشْرَباً وَ مَطْعَماً وَ أَزْوَاجاً وَ خَدَماً وَ قُصُوراً وَ أَنْهَاراً وَ زُرُوعاً وَ ثِمَاراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا فَلاَ اَلدَّاعِيَ أَجَابُوا وَ لاَ فِيمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا وَ لاَ إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اِشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ اِفْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا وَ اِصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا وَ مَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَ يَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ اَلشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَ أَمَاتَتِ اَلدُّنْيَا قَلْبَهُ وَ وَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَ لِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنْهَا حَيْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا وَ حَيْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا لاَ يَنْزَجِرُ مِنَ اَللَّهِ بِزَاجِرٍ وَ لاَ يَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظٍ وَ هُوَ يَرَى اَلْمَأْخُوذِينَ [ 201 ] عَلَى اَلْغِرَّةِ حَيْثُ لاَ إِقَالَةَ لَهُمْ وَ لاَ رَجْعَةَ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ اَلدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وَ قَدِمُوا مِنَ اَلآْخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ وَ حَسْرَةُ اَلْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ وَ تَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ اِزْدَادَ اَلْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَيْنَ مَنْطِقِهِ وَ إِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَ يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمْرَهُ وَ فِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ وَ يَتَذَكَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وَ أَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يُنَعَّمُونَ يَنْعَمُونَ فِيهَا وَ يَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَيَكُونُ اَلْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ وَ اَلْعِبْ‏ءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَ اَلْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَ يَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمْرِهِ وَ يَتَمَنَّى أَنَّ اَلَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَ يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ فَلَمْ يَزَلِ اَلْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَ لاَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لاَ يَسْمَعُ رَجْعَ كَلاَمِهِمْ ثُمَّ اِزْدَادَ اَلْمَوْتُ اِلْتِيَاطاً بِهِ فَقَبَضَ بَصَرَهُ كَمَا قَبَضَ سَمْعَهُ فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَ خَرَجَتِ اَلرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ قَدْ أُوحِشُوا أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لاَ يُسْعِدُ بَاكِياً وَ لاَ يُجِيبُ دَاعِياً ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطٍّ فِي اَلْأَرْضِ فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَى عَمَلِهِ وَ اِنْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَ اَلْأَمْرُ مَقَادِيرَهُ وَ أُلْحِقَ آخِرُ اَلْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ وَ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ أَمَادَ اَلسَّمَاءَ وَ فَطَرَهَا وَ أَرَجَّ اَلْأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا وَ قَلَعَ جِبَالَهَا وَ نَسَفَهَا وَ دَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلاَلَتِهِ وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ وَ أَخْرَجَ مَنْ فِيهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلاَقِهِمْ وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ [ 202 ] مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا اَلْأَعْمَالِ وَ خَبَايَا اَلْأَفْعَالِ وَ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ أَنْعَمَ عَلَى هَؤُلاَءِ وَ اِنْتَقَمَ مِنْ هَؤُلاَءِ فَأَمَّا أَهْلُ اَلطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ وَ خَلَّدَهُمْ فِي دَارِهِ حَيْثُ لاَ يَظْعَنُ اَلنُّزَّالُ وَ لاَ تَتَغَيَّرُ بِهِمُ اَلْحَالُ وَ لاَ تَنُوبُهُمُ اَلْأَفْزَاعُ وَ لاَ تَنَالُهُمُ اَلْأَسْقَامُ وَ لاَ تَعْرِضُ لَهُمُ اَلْأَخْطَارُ وَ لاَ تُشْخِصُهُمُ اَلْأَسْفَارُ وَ أَمَّا أَهْلُ اَلْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَ غَلَّ اَلْأَيْدِيَ إِلَى اَلْأَعْنَاقِ وَ قَرَنَ اَلنَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ اَلْقَطِرَانِ وَ مُقَطَّعَاتِ اَلنِّيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اِشْتَدَّ حَرُّهُ وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَ لَجَبٌ وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ وَ قَصِيفٌ هَائِلٌ لاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَ لاَ يُفَادَى أَسِيرُهَا وَ لاَ تُفْصَمُ كُبُولُهَا لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَ لاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى هذا موضع المثل في كل شجرة نار و استمجد المرخ و العفار الخطب الوعظية الحسان كثيرة و لكن هذا حديث يأكل الأحاديث محاسن أصناف المغنين جمة و ما قصبات السبق إلا لمعبد من أراد أن يتعلم الفصاحة و البلاغة و يعرف فضل الكلام بعضه على بعض فليتأمل هذه الخطبة فإن نسبتها إلى كل فصيح من الكلام عدا كلام الله و رسوله نسبة الكواكب المنيرة الفلكية إلى الحجارة المظلمة الأرضية ثم لينظر الناظر إلى ما عليها من البهاء و الجلالة و الرواء و الديباجة و ما تحدثه من الروعة و الرهبة و المخافة و الخشية حتى لو تليت على زنديق ملحد مصمم على اعتقاد نفي البعث و النشور لهدت قواه و أرعبت قلبه و أضعفت على نفسه و زلزلت اعتقاده فجزى الله قائلها عن الإسلام أفضل [ 203 ] ما جزى به وليا من أوليائه فما أبلغ نصرته له تارة بيده و سيفه و تارة بلسانه و نطقه و تارة بقلبه و فكره إن قيل جهاد و حرب فهو سيد المجاهدين و المحاربين و إن قيل وعظ و تذكير فهو أبلغ الواعظين و المذكرين و إن قيل فقه و تفسير فهو رئيس الفقهاء و المفسرين و إن قيل عدل و توحيد فهو إمام أهل العدل و الموحدين ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد ثم نعود إلى الشرح فنقول قوله ع أسكنتهم سماواتك لا يقتضي أن جميع الملائكة في السماوات فإنه قد ثبت أن الكرام الكاتبين في الأرض و إنما لم يقتض ذلك لأن قوله من ملائكة ليس من صيغ العموم فإنه نكرة في سياق الإثبات و قد قيل أيضا إن ملائكة الأرض تعرج إلى السماء و مسكنها بها و يتناوبون على أهل الأرض . قوله هم أعلم خلقك بك ليس يعني به أنهم يعلمون من ماهيته تعالى ما لا يعلمه البشر أما على قول المتكلمين فلأن ذاته تعالى معلومة للبشر و العلم لا يقبل الأشد و الأضعف و أما على قول الحكماء فلأن ذاته تعالى غير معلومة للبشر و لا للملائكة و يستحيل أن تكون معلومة لأحد منهم فلم يبق وجه يحمل عليه قوله ع هم أعلم خلقك بك إلا أنهم يعلمون من تفاصيل مخلوقاته و تدبيراته ما لا يعلمه غيرهم كما يقال وزير الملك أعلم بالملك من الرعية ليس المراد أنه أعلم بذاته و ماهيته بل بأفعاله و تدبيره و مراده و غرضه . قوله و أخوفهم لك لأن قوتي الشهوة و الغضب مرفوعتان عنهم و هما منبع [ 204 ] الشر و بهما يقع الطمع و الإقدام على المعاصي و أيضا فإن منهم من يشاهد الجنة و النار عيانا فيكون أخوف لأنه ليس الخبر كالعيان . قوله و أقربهم منك لا يريد القرب المكاني لأنه تعالى منزه عن المكان و الجهة بل المراد كثرة الثواب و زيادة التعظيم و التبجيل و هذا يدل على صحة مذهب أصحابنا في أن الملائكة أفضل من الأنبياء . ثم نبه على مزية لهم تقتضي أفضلية جنسهم على جنس البشر بمعنى الأشرفية لا بمعنى زيادة الثواب و هو قوله لم يسكنوا الأصلاب و لم يضمنوا الأرحام و لم يخلقوا من ماء مهين و لم يتشعبهم ريب المنون و هذه خصائص أربع فالأولى أنهم لم يسكنوا الأصلاب و البشر سكنوا الأصلاب و لا شبهة أن ما ارتفع عن مخالطة الصورة اللحمية و الدموية أشرف مما خالطها و مازجها . و الثانية أنهم لم يضمنوا الأرحام و لا شبهة أن من لم يخرج من ذلك الموضع المستقذر أشرف ممن خرج منه و كان أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن كامكاو بن يزدجرد بن شهريار يفخر على أبناء الملوك بأنه لم يخرج من بضع امرأة لأن أمه ماتت و هي حامل به فشق بطنها عنه و أخرج قال أبو الريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية عن هذا الرجل أنه كان يتيه على الناس و إذا شتم أحدا قال ابن البضع قال أبو الريحان و أول من اتفق له ذلك الملك المعروف بأغسطس ملك الروم و هو أول من سمي فيهم قيصر لأن تفسير قيصر بلغتهم شق عنه و أيامه تاريخ كما أن أيام الإسكندر تاريخ لعظمه و جلالته عندهم . و الثالثة أنهم لم يخلقوا من ماء مهين و قد نص القرآن العزيز على أنه مهين و كفى ذلك في تحقيره و ضعته فهم لا محالة أشرف ممن خلق منه لا سيما و قد ذهب كثير من العلماء إلى نجاسته . [ 205 ] و الرابعة أنهم لا يتشعبهم المنية و لا ريب أن من لا تتطرق إليه الأسقام و الأمراض و لا يموت أشرف ممن هو في كل ساعة و لحظة بعرض سقام و بصدد موت و حمام . و اعلم أن مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء لها صورتان إحداهما أن أفضل بمعنى كونهم أكثر ثوابا و الأخرى كونهم أفضل بمعنى أشرف كما تقول إن الفلك أفضل من الأرض أي إن الجوهر الذي منه جسمية الفلك أشرف من الجوهر الذي منه جسمية الأرض . و هذه المزايا الأربع دالة على تفضيل الملائكة بهذا الاعتبار الثاني . قوله ع يتشعبهم ريب المنون أي يتقسمهم و الشعب التفريق و منه قيل للمنية شعوب لأنها تفرق الجماعات و ريب المنون حوادث الدهر و أصل الريب ما راب الإنسان أي جاءه بما يكره و المنون الدهر نفسه و المنون أيضا المنية لأنها تمن المدة أي تقطعها و المن القطع و منه قوله تعالى لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ . و قال لبيد غبس كواسب لا يمن طعامها ثم ذكر أنهم كثرة عبادتهم و إخلاصهم لو عاينوا كنه ما خفي عليهم من البارئ تعالى لحقروا أعمالهم و زروا على أنفسهم أي عابوها تقول زريت على فلان أي عبته و أزريت بفلان أي قصرت به . [ 206 ] فإن قلت ما هذا الكنه الذي خفي عن الملائكة حتى قال لو عاينوه لحقروا عبادتهم و لعلموا أنهم قد قصروا فيها قلت إن علوم الملائكة بالبارئ تعالى نظرية كعلوم البشر و العلوم النظرية دون العلوم الضرورية في الجلاء و الوضوح فأمير المؤمنين ع يقول لو كانت علومهم بك و بصفاتك إثباتية و السلبية و الإضافية ضرورية عوض علومهم هذه المتحققة الآن التي هي نظرية و لا نكشف لهم ما ليس الآن على حد ذلك الكشف و الوضوح و لا شبهة أن العبادة و الخدمة على قدر المعرفة بالمعبود فكلما كان العابد به أعرف كانت عبادته له أعظم و لا شبهة أن العظيم عند الأعظم حقير . فإن قلت فما معنى قوله و استجماع أهوائهم فيك و هل للملائكة هوى و هل تستعمل الأهواء إلا في الباطل قلت الهوى الحب و ميل النفس و قد يكون في باطل و حق و إنما يحمل على أحدهما بالقرينة و الأهواء تستعمل فيهما و معنى استجماع أهوائهم فيه أن دواعيهم إلى طاعته و خدمته لا تنازعها الصوارف و كانت مجتمعة مائلة إلى شق واحد . فإن قلت الباء في قوله بحسن بلائك بما ذا تتعلق قلت الباء هاهنا للتعليل بمعنى اللام كقوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ أي لأنهم فتكون متعلقة بما في سبحانك من معنى الفعل أي أسبحك لحسن بلائك و يجوز أن تتعلق بمعبود أي يعبد لذلك . ثم قال خلقت دارا يعني الجنة و المأدبة و المأدبة بفتح الدال و ضمها الطعام الذي يدعى الإنسان إليه أدب زيد القوم يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه و الآدب الداعي إلى طعامه قال طرفة [ 207 ] نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر و في هذا الكلام دلالة على أن الجنة الآن مخلوقة و هو مذهب أكثر أصحابنا . و معنى قوله و زروعا أي و غروسا من الشجر يقال زرعت الشجر كما يقال زرعت البر و الشعير و يجوز أن يقال الزروع جمع زرع و هو الإنبات يقال زرعه الله أي أنبته و منه قوله تعالى أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلزَّارِعُونَ و لو قال قائل إن في الجنة زروعا من البر و القطنية لم يبعد . قوله ثم أرسلت داعيا يعني الأنبياء و أقبلوا على جيفة يعني الدنيا و من كلام الحسن رضي الله عنه إنما يتهارشون على جيفة . و إلى قوله و من عشق شيئا أعشى بصره نظر الشاعر فقال و عين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا و قيل لحكيم ما بال الناس لا يرون عيب أنفسهم كما يرون عيب غيرهم قال إن الإنسان عاشق لنفسه و العاشق لا يرى عيوب المعشوق . قد خرقت الشهوات عقله أي أفسدته كما تخرق الثوب فيفسد . و إلى قوله فهو عبد لها و لمن في يديه شي‏ء منها نظر ابن دريد فقال عبيد ذي المال و إن لم يطمعوا من ماله في نغبة تشفي الصدى و هم لمن أملق أعداء و إن شاركهم فيما أفاد و حوى [ 208 ] و إلى قوله حيثما زالت زال إليها و حيثما أقبلت أقبل عليها نظر الشاعر فقال ما الناس إلا مع الدنيا و صاحبها فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا و الغرة الاغترار و الغفلة و الغار الغافل و قد اغتررت بالرجل و اغتره زيد أي أتاه على غرة منه و يجوز أن يعني بقوله المأخوذين على الغرة الحداثة و الشبيبة يقول كان ذلك في غرارتي و غرتي أي في حداثتي و صباي . قوله سكرة الموت و حسرة الفوت أي الحسرة على ما فاتهم من الدنيا و لذتها و الحسرة على ما فاتهم من التوبة و الندم و استدراك فارط المعاصي . و الولوج الدخول ولج يلج . قوله و بقاء من لبه أي لبه باق لم يعدم و يروى و نقاء بالنون و النقاء النظافة أي لبه غير مغمور . أغمض في مطالبها أي تساهل في دينه في اكتسابه إياها أي كان يفنى نفسه بتأويلات ضعيفة في استحلال تلك المطالب و المكاسب فذاك هو الإغماض قال تعالى وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و يمكن أن يحمل على وجه آخر و هو أنه قد كان يحتال بحيل غامضة دقيقة في تلك المطالب حتى حصلها و اكتسبها . قوله ع و أخذها من مصرحاتها و مشتبهاتها أي من وجوه مباحة و ذوات شبهة و هذا يؤكد المحمل الأول في أغمض . و التبعات الآثام الواحدة تبعة و مثلها التباعة قال [ 209 ] لم يحذروا من ربهم سوء العواقب و التباعة و المهنأ المصدر من هنئ الطعام و هنؤ بالكسر و الضم مثل فقه و فقه فإن كسرت قلت يهنأ و إن ضممت قلت يهنؤ و المصدر هناءة و مهنأ أي صار هنيئا و هنأني الطعام يهنؤني و يهنئني و لا نظير له في المهموز هنأ و هناء و هنئت الطعام أي تهنأت به و منه قوله تعالى فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً . و العب‏ء الحمل و الجمع أعباء . و غلق الرهن أي استحقه المرتهن و ذلك إذا لم يفتكك في الوقت المشروط قال زهير و فارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا فإن قلت فما معنى قوله ع قد غلقت رهونه بها في هذا الموضع قلت لما كان قد شارف الرحيل و أشفى على الفراق و صارت تلك الأموال التي جمعها مستحقة لغيره و لم يبق له فيها تصرف أشبهت الرهن الذي غلق على صاحبه فخرج عن كونه مستحقا له و صار مستحقا لغيره و هو المرتهن . و أصحر انكشف و أصله الخروج إلى الصحراء و البروز من المكمن . رجع كلامهم ما يتراجعونه بينهم من الكلام ازداد الموت التياطا به أي التصاقا قد أوحشوا أي جعلوا مستوحشين و المستوحش المهموم الفزع و يروى أوحشوا من جانبه أي خلوا منه و أقفروا تقول قد أوحش المنزل من أهله أي أقفر . و خلا إلى مخط في الأرض أي إلى خط سماه مخطا أو خطا لدقته يعني اللحد [ 210 ] و يروى إلى محط بالحاء المهملة و هو المنزل و حط القوم أي نزلوا . و ألحق آخر الخلق بأوله أي تساوى الكل في شمول الموت و الفناء لهم فالتحق الآخر بالأول . أماد السماء حركها و يروى أمار و الموران الحركة و فطرها شقها و أرج الأرض زلزلها تقول رجت الأرض و أرجها الله و يجوز رجها و قد روي رج الأرض بغير همزة و هو الأصح و عليه ورد القرآن إِذا رُجَّتِ اَلْأَرْضُ رَجًّا . أرجفها جعلها راجفة أي مرتعدة متزلزلة رجفت الأرض ترجف و الرجفان الاضطراب الشديد و سمي البحر رجافا لاضطرابه قال الشاعر حتى تغيب الشمس في الرجاف و نسفها قلعها من أصولها و دك بعضها بعضا صدمه و دقه حتى يكسره و يسويه بالأرض و منه قوله سبحانه وَ حُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً . ميزهم أي فصل بينهم فجعلهم فريقين سعداء و أشقياء و منه قوله تعالى وَ اِمْتازُوا اَلْيَوْمَ أَيُّهَا اَلْمُجْرِمُونَ أي انفصلوا من أهل الطاعة . يظعن يرحل تنوبهم الأفزاع تعاودهم و تعرض لهم الأخطار جمع خطر و هو ما يشرف به على الهلكة . [ 211 ] و تشخصهم الأسفار تخرجهم من منزل إلى منزل شخص الرجل و أشخصه غيره و غل الأيدي جعلها في الأغلال جمع غل بالضم و هو القيد و القطران الهناء قطرت البعير أي طليته بالقطران قال كما قطر المهنوءة الرجل الطالي و بعير مقطور و هذا من الألفاظ القرآنية قال تعالى سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ اَلنَّارُ و المعنى أن النار إلى القطران سريعة جدا . و مقطعات النيران أي ثياب من النيران قد قطعت و فصلت لهم و قيل المقطعات قصار الثياب و الكلب الشدة و الجلب و اللجب الصوت و القصيف الصوت الشديد . لا يقصم كبولها لا يكسر قيودها الواحد كبل . ثم ذكر أن عذابهم سرمدي و أنه لا نهاية له نعوذ بالله من عذاب ساعة واحدة فكيف من العذاب الأبدي موازنة بين كلام الإمام علي و خطب ابن نباتة و نحن نذكر في هذا الموضع فصولا من خطب الخطيب الفاضل عبد الرحيم بن نباتة رحمه الله و هو الفائز بقصبات السبق من الخطباء و للناس غرام عظيم بخطبه و كلامه ليتأمل الناظر كلام أمير المؤمنين ع في خطبه و مواعظه و كلام هذا الخطيب المتأخر [ 212 ] الذي قد وقع الإجماع على خطابته و حسنها و أن مواعظه هي الغاية التي ليس بعدها غاية فمن ذلك قوله أيها الناس تجهزوا فقد ضرب فيكم بوق الرحيل و ابرزوا فقد قربت لكم نوق التحويل و دعوا التمسك بخدع الأباطيل و الركون إلى التسويف و التعليل فقد سمعتم ما كرر الله عليكم من قصص أبناء القرى و ما وعظكم به من مصارع من سلف من الورى مما لا يعترض لذوي البصائر فيه شك و لا مرا و أنتم معرضون عنه إعراضكم عما يختلق و يفترى حتى كان ما تعلمون منه أضغاث أحلام الكرى و أيدي المنايا قد فصمت من أعماركم أوثق العرى و هجمت بكم على هول مطلع كريه القرى فالقهقرى رحمكم الله عن حبائل العطب القهقرى و اقطعوا مفاوز الهلكات بمواصلة السرى و قفوا على أحداث المنزلين من شناخيب الذرى المنجلين بوازع أم حبوكرى المشغولين بما عليهم من الموت جرى و اكشفوا عن الوجوه المنعمة أطباق الثرى تجدوا ما بقي منها عبرة لمن يرى فرحم الله امرأ رحم نفسه فبكاها و جعل منها إليها مشتكاها قبل أن تعلق به خطاطيف المنون و تصدق فيه أراجيف الظنون و تشرق عليه بمائها مقل العيون و يلحق بمن دثر من القرون قبل أن يبدوا على المناكب محمولا و يغدو إلى محل المصائب منقولا و يكون عن الواجب مسئولا و بالقدوم على الطالب الغالب مشغولا هناك يرفع الحجاب و يوضع الكتاب و تقطع الأسباب و تذهب الأحساب و يمنع الإعتاب و يجمع من حق عليه العقاب و من وجب له الثواب فيضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب . فلينظر المنصف هذا الكلام و ما عليه من أثر التوليد أولا بالنسبة إلى ذلك الكلام العربي المحض ثم لينظر فيما عليه من الكسل و الرخاوة و الفتور و البلادة حتى كأن ذلك [ 213 ] الكلام لعامر بن الطفيل مستلئما شكته راكبا جواده و هذا الكلام للدلال المديني المخنث آخذا زمارته متأبطا دفه . و المح ما في بوق الرحيل من السفسفة و اللفظ العامي الغث و اعلم أنهم كلهم عابوا على أبي الطيب قوله فإن كان بعض الناس سيفا لدولة ففي الناس بوقات لها و طبول و قالوا لا تدخل لفظة بوق في كلام يفلح أبدا . و المح ما على قوله القهقرى القهقرى متكررة من الهجنة و أهجن منها أم حبوكرى و أين هذا اللفظ الحوشي الذي تفوح منه روائح الشيح و القيصوم و كأنه من أعرابي قح قد قدم من نجد لا يفهم محاورة أهل الحضر و لا أهل الحضر يفهمون حواره من هذه الخطبة اللينة الألفاظ التي تكاد أن تتثنى من لينها و تتساقط من ضعفها ثم المح هذه الفقر و السجعات التي أولها القرى ثم المر ثم يفترى ثم الكرى إلى قوله عبرة لمن يرى هل ترى تحت هذا الكلام معنى لطيفا أو مقصدا رشيقا أو هل تجد اللفظ نفسه لفظا جزلا فصيحا أو عذبا معسولا و إنما هي ألفاظ قد ضم بعضها إلى بعض و الطائل تحتها قليل جدا و تأمل لفظة مرا فإنها ممدودة في اللغة فإن كان قصرها فقد ركب ضرورة مستهجنة و إن أراد جمع مرية فقد خرج [ 214 ] عن الصناعة لأنه يكون قد عطف الجمع المفرد فيصير مثل قول القائل ما أخذت منه دينارا و لا دراهم في أنه ليس بالمستحسن في فن البيان . و من ذلك قوله أيها الناس حصحص الحق فما من الحق مناص و أشخص الخلق فما لأحد من الخلق خلاص و أنتم على ما يباعدكم من الله حراص و لكم على موارد الهلكة اغتصاص و فيكم عن مقاصد البركة انتكاص كأن ليس أمامكم جزاء و لا قصاص و لجوارح الموت في وحش نفوسكم اقتناص ليس بها عليها تأب و لا اعتياص . فليتأمل أهل المعرفة بعلم الفصاحة و البيان هذا الكلام بعين الإنصاف يعلموا أن سطرا واحدا من كلام نهج البلاغة يساوى ألف سطر منه بل يزيد و يربي على ذلك فإن هذا الكلام ملزق عليه آثار كلفة و هجنة ظاهرة يعرفها العامي فضلا عن العالم . و من هذه الخطبة فاهجروا رحمكم الله وثير المراقد و ادخروا طيب المكتسب تخلصوا من انتقاد الناقد و اغتنموا فسحة المهل قبل انسداد المقاصد و اقتحموا سبل الآخرة على قلة المرافق و المساعد . فهل يجد متصفح الكلام لهذا الفصل عذوبة أو معنى يمدح الكلام لأجله و هل هو إلا ألفاظ مضموم بعضها إلى بعض ليس لها حاصل كما قيل في شعر ذي الرمة بعر ظباء و نقط عروس و من ذلك قوله فيا له من واقع في كرب الحشارج مصارع لسكرات الموت معالج حتى درج على تلك المدارج و قدم بصحيفته على ذي المعارج . [ 215 ] و غير خاف ما في هذا الكلام من التكلف . و من ذلك قوله فكأنكم بمنادي الرحيل قد نادى في أهل الإقامة فاقتحموا بالصغار محجة القيامة يتلو الأوائل منهم الأواخر و يتبع الأكابر منهم الأصاغر و يلتحق الغوامر من ديارهم بالغوامر حتى تبتلع جميعهم الحفر و المقابر . فإن هذا الكلام ركيك جدا لو قاله خطيب من خطباء قرى السواد لم يستحسن منه بل ترك و استرذل . و لعل عائبا يعيب علينا فيقول شرعتم في المقايسة و الموازنة بين كلام أمير المؤمنين ع و بين كلام ابن نباتة و هل هذا إلا بمنزلة قول من يقول السيف أمضى من العصا و في هذه غضاضة على السيف فنقول إنه قد اشتملت كتب المتكلمين على المقايسة بين كلام الله تعالى و بين كلام البشر ليبينوا فضل القرآن و زيادة فصاحته على فصاحة كلام العرب نحو مقايستهم بين قوله تعالى وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصاصِ حَياةٌ و بين قول القائل القتل أنفى للقتل و نحو مقايستهم بين قوله تعالى خُذِ اَلْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ اَلْجاهِلِينَ و بين قول الشاعر فإن عرضوا بالشر فاصفح تكرما و إن كتموا عنك الحديث فلا تسل و نحو إيرادهم كلام مسيلمة و أحمد بن سليمان المعري و عبد الله بن المقفع فصلا فصلا و الموازنة و المقايسة بين ذلك و بين القرآن المجيد و إيضاح أنه لا يبلغ ذلك إلى درجة [ 216 ] القرآن العزيز و لا يقاربها فليس بمستنكر منا أن نذكر كلام ابن نباتة في معرض إيرادنا كلام أمير المؤمنين ع لتظهر فضيلة كلامه ع بالنسبة إلى هذا الخطيب الفاضل الذي قد اتفق الناس على أنه أوحد عصره في فنه . و اعلم أنا لا ننكر فضل ابن نباتة و حسن أكثر خطبه و لكن قوما من أهل العصبية و العناد يزعمون أن كلامه يساوى كلام أمير المؤمنين ع و يماثله و قد ناظر بعضهم في ذلك فأحببت أن أبين للناس في هذا الكتاب أنه لا نسبة لكلامه إلى كلام أمير المؤمنين ع و أنه بمنزلة شعر الأبله و ابن المعلم بالإضافة إلى زهير و النابغة . و اعلم أن معرفة الفصيح و الأفصح و الرشيق و الأرشق و الحلو و الأحلى و العالي و الأعلى من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق و لا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه و هو بمنزلة جاريتين إحداهما بيضاء مشربة حمرة دقيقة الشفتين نقية الثغر كحلاء العينين أسيلة الخد دقيقة الأنف معتدلة القامة و الأخرى دونها في هذه الصفات و المحاسن لكنها أحلى في العيون و القلوب منها و أليق و أصلح و لا يدرى لأي سبب كان ذلك و لكنه بالذوق و المشاهدة يعرف و لا يمكن تعليله و هكذا الكلام نعم يبقى الفرق بين الموضعين أن حسن الوجوه و ملاحتها و تفضيل بعضها على بعض يدركه كل من له عين صحيحة و أما الكلام فلا يعرفه إلا أهل الذوق و ليس كل من اشتغل بالنحو و اللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق و ممن يصلح لانتقاد الكلام و إنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان و راضوا أنفسهم بالرسائل و الخطب و الكتابة و الشعر و صارت لهم [ 217 ] بذلك دربة و ملكة تامة فإلى أولئك ينبغي أن ترجع في معرفة الكلام و فضل بعضه على بعض إن كنت عادما لذلك من نفسك : مِنْهَا فِي ذِكْرِ اَلنَّبِيِّ ص قَدْ حَقَّرَ اَلدُّنْيَا وَ صَغَّرَهَا وَ أَهْوَنَ بِهَا وَ هَوَّنَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اَللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اِخْتِيَاراً وَ بَسَطَهَا لِغَيْرِهِ اِحْتِقَاراً فَأَعْرَضَ عَنِ اَلدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ عَنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَ دَعَا إِلَى اَلْجَنَّةِ مُبَشِّراً وَ خَوَّفَ مِنَ اَلنَّارِ مُحَذِّراً فعل مشدد للتكثير قتلت أكثر من قتلت فيقتضي قوله ع قد حقر الدنيا زيادة تحقير النبي ص لها و ذلك أبلغ في الثناء عليه و تقريظه . قوله و صغرها أي و صغرها عند غيره ليكون قوله و أهون بها و هونها مطابقا له أي أهون هو بها و هونها عند غيره . و زواها قبضها قال ع زويت لي الأرض فرأيت مشارقها و مغاربها . و قوله اختيارا أي قبض الدنيا عنه باختيار و رضا من النبي ص بذلك و علم بما فيه من رفعة قدره و منزلته في الآخرة . [ 218 ] و الرياش و الريش بمعنى و هو اللباس الفاخر كالحرم و الحرام و اللبس و اللباس و قرئ و رياشا و لباس التقوى ذلك خير و يقال الريش و الرياش المال و الخصب و المعاش و ارتاش فلان حسنت حاله و معذرا أي مبالغا أعذر فلان في الأمر أي بالغ فيه : نَحْنُ شَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ وَ مَحَطُّ اَلرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ مَعَادِنُ اَلْعِلْمِ وَ يَنَابِيعُ اَلْحُكْمِ نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ اَلرَّحْمَةَ وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ اَلسَّطْوَةَ هذا الكلام غير ملتصق بالأول كل الالتصاق و هو من النمط الذي ذكرناه مرارا لأن الرضي رحمه الله يقتضب فصولا من خطبة طويلة فيوردها إيرادا واحدا و بعضها منقطع عن البعض . قوله ع نحن شجرة النبوة كأنه جعل النبوة كثمرة أخرجتها شجرة بني هاشم و محط الرسالة منزلها و مختلف الملائكة موضع اختلافها في صعودها و نزولها و إلى هذا المعنى نظر بعض الطالبيين فقال يفتخر على بني عم له ليسوا بفاطميين هل كان يقتعد البراق أبوكم أم كان جبريل عليه ينزل أم هل يقول له الإله مشافها بالوحي قم يا أيها المزمل [ 219 ] و قال آخر يمدح قوما فاطميين و يطرقه الوحي وهنا و أنتم ضجيعان بين يدي جبرئيلا يعني حسنا ع و حسينا ع . و اعلم أنه إن أراد بقوله نحن مختلف الملائكة جماعة من جملتها رسول الله ص فلا ريب في صحة القضية و صدقها و إن أراد بها نفسه و ابنيه فهي أيضا صحيحة و لكن مدلوله مستنبط فقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه قال يا جبريل إنه مني و أنا منه فقال جبريل و أنا منكما و روى أبو أيوب الأنصاري مرفوعا لقد صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين لم تصل على ثالث لنا و ذلك قبل أن يظهر أمر الإسلام و يتسامع الناس به . و في خطبة الحسن بن علي ع لما قبض أبوه لقد فارقكم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا يدركه الآخرون كان يبعثه رسول الله ص للحرب و جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و جاء في الحديث أنه سمع يوم أحد صوت من الهواء من جهة السماء يقول لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و أن رسول الله ص قال هذا صوت جبريل . فأما قوله و معادن العلم و ينابيع الحكم يعني الحكمة أو الحكم الشرعي فإنه و إن عنى بها نفسه و ذريته فإن الأمر فيها ظاهر جدا قال رسول الله ص أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب و قال أقضاكم علي و القضاء أمر يستلزم علوما كثيرة . و جاء في الخبر أنه بعثه إلى اليمن قاضيا فقال يا رسول الله إنهم كهول و ذوو أسنان [ 220 ] و أنا فتى و ربما لم أصب فيما أحكم به بينهم فقال له اذهب فإن الله سيثبت قلبك و يهدي لسانك . و جاء في تفسير قوله تعالى وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ سألت الله أن يجعلها أذنك ففعل و جاء في تفسير قوله تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أنها أنزلت في علي ع و ما خص به من العلم و جاء في تفسير قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أن الشاهد علي ع . و روى المحدثون أنه قال لفاطمة زوجتك أقدمهم سلما و أعظمهم حلما و أعلمهم علما و روى المحدثون أيضا عنه ع أنه قال من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و موسى في علمه و عيسى في ورعه فلينظر إلى علي بن أبي طالب . و بالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جدا لم يلحقه أحد فيها و لا قاربه و حق له أن يصف نفسه بأنه معادن العلم و ينابيع الحكم فلا أحد أحق بها منه بعد رسول الله ص . فإن قلت كيف قال عدونا و مبغضنا ينتظر السطوة و نحن نشاهد أعداءه و مبغضيه لا ينتظرونها قلت لما كانت منتظرة لهم و معلوما بيقين حلولها بهم صاروا كالمنتظرين لها و أيضا فإنهم ينتظرون الموت لا محالة الذي كل إنسان ينتظره و لما كان الموت مقدمة العقاب و طريقا إليه جعل انتظاره انتظار ما يكون بعده